في ذكرى 7 أكتوبر... «إسرائيل التي تعرفونها لم تعد قائمة»

الدولة العبرية لم تعد تخجل بنظرتها الفوقية... الفلسطينيون ليسوا بشراً في نظرها

TT

في ذكرى 7 أكتوبر... «إسرائيل التي تعرفونها لم تعد قائمة»

دمار واسع جراء الغارات الإسرائيلية على خان يونس في 26 أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)
دمار واسع جراء الغارات الإسرائيلية على خان يونس في 26 أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)

بعد يومين اثنين من هجوم «حماس» على البلدات والمواقع العسكرية القائمة في غلاف غزة، يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، طلب عدد من الضباط الإسرائيليين الاجتماع بنظرائهم من أجهزة الأمن الفلسطينية، وأبلغوهم بأن «إسرائيل التي يعرفونها حتى اليوم لم تعد قائمة. ستتعرفون على إسرائيل أخرى».

لم يقولوا هذه الكلمات بلهجة توحي بمضمون العداء والتهديد. لكنها قيلت بمنتهى الصرامة. كان الوجوم طاغياً على الوجوه. فهؤلاء الضباط يعرفون بعضهم جيداً. هم الطاقم الذي يمثّل حكومة إسرائيل، من جهة، والحكومة الفلسطينية، من جهة ثانية، والمهمة الموكلة إليه هي القيام بما يعرف على الملأ بـ«التنسيق الأمني» بين الطرفين. اجتماعات هؤلاء الضباط مستمرة منذ توقيع اتفاقات أوسلو وإقامة السلطة الفلسطينية قبل 30 سنة، وهي تُعقد تقريباً بشكل يومي.

وعلى عكس الانطباع السائد لدى كثيرين، لم يقتصر التنسيق بينهم أبداً على الملفات الأمنية. كانوا يجتمعون في البداية لغرض تطبيق الاتفاقات ومنحها طابعاً إنسانياً. اهتموا بقضايا تحسين العلاقات التجارية والاجتماعية والاقتصادية، وأيضاً الأمنية. اهتموا ذات مرة بمنح تصاريح العودة لعشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين عادوا من الشتات واستقروا في الوطن. واهتموا بتسهيل خروج وعودة الطلبة الفلسطينيين الجامعيين وجلب عمال فلسطينيين إلى إسرائيل واستيراد البضائع الفلسطينية إلى إسرائيل أو تصديرها إلى الخارج. نظموا دوريات مشتركة لضمان سلطة نفاذ القانون التي كان فيها الضباط والجنود يتناولون الطعام معاً، وصاروا فيها يتقاسمون رغيف الخبز.

دمار واسع جراء الغارات الإسرائيلية على خان يونس في 26 أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)

وقد شهدت العلاقات بينهما طلعات ونزلات كثيرة، وكان عليهم أن يمتصوا الأحداث العدائية. ففي الطرفين توجد قوى حاربت الاتفاقات ولم تطق سماع عبارة «عملية السلام». بدأ الأمر عام 1994 بمذبحة الخليل التي نفذها طبيب إسرائيلي مستوطن، والتي رد عليها متطرفون فلسطينيون بسلسلة عمليات انتحارية في مدن إسرائيلية. وعندما تمكن اليمين المتطرف في إسرائيل من اغتيال رئيس الوزراء، اسحق رابين، بهدف تدمير الاتفاقات مع الفلسطينيين، حصل تدهور جارف في العلاقات بين الطرفين.

وعندما فاز بنيامين نتنياهو بالحكم، أول مرة سنة 1996، زاد التوتر وانفجر بمعارك قتالية بين الجيش الإسرائيلي وبين ضباط وجنود في أجهزة الأمن الفلسطينية. وعند اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، كادت تقع حرب بينهما. وعاد الجيش الإسرائيلي ليكرس الاحتلال وعادت الأجهزة الفلسطينية إلى قواعد منظمة التحرير وأيام الكفاح. لكن قادة الطرفين، بمساعدة الأميركيين ودول مختلفة، حاولوا تطويق الأوضاع.

وظل أعضاء فريقي التنسيق الأمني يلتقون وينسقون. تعاملوا مع بعضهم البعض على أساس المصالح المشتركة «بيزنِس»، لضمان الحد الأدنى من التواصل. وكل من الطرفين يعترف بأن الأمر ضروري وحيوي، برغم أن الشعبويين في إسرائيل يعتبرون ذلك استمراراً لاتفاقات أوسلو وتمهيداً للاعتراف بدولة فلسطينية، فيما بعض الفلسطينيين يعتبر ذلك تهادناً مع إسرائيل وتعاوناً معها «ضد المقاومة». ولكن رغم هذه الانتقادات من أطراف في الجانبين، يصمد فريق التنسيق في وجه تشويه جهوده. فالضباط من الطرفين يدركون أن فك التنسيق ثمنه باهظ، فلسطينياً وإسرائيلياً.

والجديد الآن أن الضباط الإسرائيليين يأتون إلى الاجتماعات وهم يؤكدون أنهم ينوون الاستمرار في التنسيق لكن الفلسطينيين «سيجدون إسرائيل مختلفة». كانوا صادقين. ورسالتهم هذه كانت موجهة ليس فقط للضباط أو المسؤولين الفلسطينيين، بل للشعب الفلسطيني كله... ومن خلاله إلى كل العالم.

دمار واسع في قطاع غزة بعد سنة على الحرب الإسرائيلية (الشرق الأوسط)

«واحة الديمقراطية».. لم تعد موجودة

مع مرور سنة كاملة على الحرب في غزة، يمكن القول إن إسرائيل تغيّرت بالفعل، منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. مقولة الجنرالات الإسرائيليين لنظرائهم الفلسطينيين يرددها جميع القادة الإسرائيليين السياسيين سواء كانوا في الحكومة أو المعارضة، كما يرددها القادة العسكريون من كل الأجهزة. يريدون تثبيت فكرة أن إسرائيل تغيّرت في عقول شعوب المنطقة والعالم. والواقع، أن هذه الفكرة باتت حقيقة مُرّة.

فإذا كان هناك من يعتبر إسرائيل «فيلّا جميلة في غابة موحشة» أو «واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط» أو «دولة حضارية» أو «جبهة متقدمة للغرب في الشرق» أو «دولة التعاضد السكاني» أو «دولة القيم وحقوق الإنسان»، فإن كثيراً من قادتها وقسماً كبيراً من شعبها تنازلوا، كما يبدو، عن هذه المفاهيم تماماً، في أعقاب ما حصل في 7 أكتوبر. صاروا معنيين باستبدال هذه الصفات. فالفيلّا أصبحت الغابة. والواحة باتت منطقة جرداء. والدولة الحضارية باتت تتصرف كوحش جريح. والتعاضد السكاني صار جبهة واحدة ضد العرب. والقيم وحقوق الإنسان ديست بأقدام الجنود ودباباتهم وغاراتهم. كأن إسرائيل تريد أن يتم النظر إليها بوصفها جرافة تدمر كل ما ومن يعترض طريقها، أو كأنها «دولة الانتصار على كل أعدائها».

تُعبّر الأرقام في الواقع عن نتيجة هذا التغيّر في طريقة تصرف الإسرائيليين. إذ تفيد إحصاءات الحرب في قطاع غزة بأن 60 في المائة من البيوت والعمارات السكنية مدمرة، والبقية متصدعة أو آيلة إلى الانهيار وغير آمنة. وفي مقدمها المستشفيات والعيادات الطبية والمساجد والكنائس والجامعات والمدارس ومخيمات اللاجئين. كلها دُمّرت بقرارات لا يمكن سوى أن تكون «مدروسة» ولأغراض «مدروسة»، بحسب ما يعتقد كثيرون. أما حصيلة القتلى فتقترب من 42 ألفاً، ثلثاهم نساء وأطفال. والجرحى أكثر من 100 ألف. وهكذا تدخل الحرب في غزة التاريخ كواحدة من أكثر الحروب دموية في القرن الحادي والعشرين، وفق تقرير لصحيفة «هآرتس» اعتمد تدقيقاً للبيانات بما في ذلك معدل ووتيرة الوفيات، إضافة إلى الظروف المعيشية للسكان في القطاع.

تقول الصحيفة إنه في الوقت الذي يتشبث فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وغيره من المتحدثين الإسرائيليين بحجتهم المفضلة، وهي اتهام المجتمع الدولي بالنفاق فيما يتعلق بالحرب في قطاع غزة، والادعاء بأنه يتجاهل الصراعات والكوارث الإنسانية الأخرى، فإن الأرقام المسجلة حتى الآن تجعل الحرب في غزة تتجاوز دموية النزاعات في كل من العراق وأوكرانيا وميانمار (بورما). وبما أن عدد سكان غزة لا يتجاوز مليوني شخص، وعدد القتلى يضاهي 2 في المائة من السكان، فإن مقارنة بسيطة مع إسرائيل تبيّن أنه لو قُتل في إسرائيل 2 في المائة من السكان لأصبح عدد القتلى 198 ألفاً.

يقول البروفسور، مايكل سباغات، من جامعة لندن للصحيفة: «من حيث العدد الإجمالي للقتلى، أفترض أن غزة لن تكون من بين أكثر 10 صراعات عنفاً في القرن الحادي والعشرين. ولكن بالمقارنة مع النسبة المئوية للسكان الذين قتلوا، فإنها بالفعل ضمن الخمسة الأسوأ في المقدمة». ويضيف سباغات، وهو باحث في الحروب والنزاعات المسلحة ويراقب عدد الضحايا في تلك الأزمات: «إذا أخذنا في الاعتبار مقدار الوقت الذي استغرقه قتل واحد في المائة من هؤلاء السكان، فقد يكون ذلك غير مسبوق».

ووفق حساباته، فإنه في الإبادة الجماعية للروهينغا في ميانمار، على سبيل المثال، قتل نحو 25 ألف شخص، وفقاً للأمم المتحدة. وفي الإبادة الجماعية للإيزيديين على يد تنظيم «داعش»، في عام 2015، تشير تقديرات الخبراء إلى أن 9100 شخص قتلوا، نصفهم من خلال العنف المباشر والنصف الآخر بسبب الجوع والمرض، بالإضافة إلى الآلاف الذين اختطفوا.

عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تشكو من أن الحكومة تتجاهل مصيرهم (أ.ف.ب)

ومنذ بدء الحرب في غزة، بلغ متوسط معدل الوفيات نحو 4 آلاف وفاة شهرياً. بالمقارنة، في السنة الأولى من الحرب في أوكرانيا، بلغ معدل الوفيات 7736 شهرياً، بينما في أكثر سنوات الحرب دموية في العراق، في عام 2015، كان عدد القتلى نحو 1370 شهرياً. في هاتين الحربين، كان العدد الإجمالي للقتلى أعلى بكثير مما كان عليه في الحرب في غزة، لكن هذين الصراعين استمرا، وما زالا مستمرين، لفترة أطول بكثير.

الحرب في غزة تبرز أيضاً بالمقارنة مع حروب تسعينات القرن العشرين، على غرار الحرب في دولة يوغوسلافيا السابقة. واحدة من هذه المناطق كانت البوسنة، وفي أسوأ عام من الصراع، 1991، كان متوسط عدد القتلى شهرياً 2097، والعدد الإجمالي للقتلى على مدى أربع سنوات كان 63 ألفاً.

الفرق الأبرز بين بقية حروب القرن الـ21 والحرب في قطاع غزة هو حجم الأراضي التي تدور فيها المعارك وعدم قدرة المدنيين غير المشاركين على الفرار من المعارك، وخاصة نسبة الضحايا بين إجمالي السكان. امتدت الجبهات في أكبر حروب هذا القرن، في سوريا والعراق وأوكرانيا، على مدى آلاف الكيلومترات ووقعت المذابح في مئات المواقع المختلفة. والأهم من ذلك، أن المدنيين في تلك الأماكن يمكنهم، حتى ولو بثمن مؤلم، الفرار إلى مناطق أكثر أماناً. ففي سوريا، غادر ملايين اللاجئين إلى بلدان أخرى، مثل الأردن وتركيا ودول أوروبية. كما غادر مئات الآلاف من اللاجئين الأوكرانيين مناطق خط المواجهة وانتقلوا غرباً.

أما في غزة البالغة مساحتها 360 كلم مربعاً، أي جزءاً بسيطاً من حجم أوكرانيا، فقد اندلع القتال في كل مكان تقريباً من أرجائها، ولا يزال مستمراً. لقد تم تهجير معظم سكان القطاع، لكن هروبهم إلى المناطق التي حددها الجيش الإسرائيلي كمناطق آمنة لم يساعد دائماً، وقتل العديد منهم في هذه المناطق أيضاً. بالإضافة إلى ذلك، فإن الظروف المعيشية في هذه المناطق المصنفة إنسانية، قاسية للغاية، إذ يعاني اللاجئون من الاكتظاظ والمرض ونقص المأوى الآمن ونقص الأدوية وأكثر من ذلك.

والمشكلة الأكبر أن كثيراً من هذه الفظائع تم ويتم بقرارات واعية من المسؤولين الإسرائيليين. فإذا وصلت معلومة للمخابرات الإسرائيلية أو شبهة بأن فلاناً ناشط في «حماس»، كان يتم قصف بيته على من فيه، بلا انذار أحياناً أو بإنذار وجيز. وإذا دخل عنصر يعتبر «مطلوباً»، من أي تنظيم فلسطيني، إلى مقهى، كان يتم قصف المقهى على من فيه. وحتى المسجد كان يتم تدميره أيضاً في حال اشتبهت إسرائيل بأن شخصية ما تختفي داخله.

التغيير الجديد... نظرة فوقية

في الماضي كان الإسرائيليون يقومون بمثل هذه الممارسات، لكنهم كانوا يخجلون منها. يحاولون التستر عليها. كانوا يكسرون ويجبرون. فمقابل القتل والبطش كانوا يبرزون قصصاً لجنود قدموا المساعدة. ظهر معترضون نددوا بالبطش ضد الفلسطينيين الأبرياء. أما اليوم فلم يعد هناك شيء من هذا. كثيرون في إسرائيل باتوا يقولون إنه لا يوجد في نظرهم أناس أبرياء. فالعائلات الفلسطينية تساند أولادها، ولذلك يجوز معاقبتها. الطفل الفلسطيني سيكبر ويصبح جندياً، ولذلك فلا يجب أن ترحمه.

وإذا كان شبان مخيمات اللاجئين يقاومون، فيمكن أن يتم حرمان كل سكان المخيم من الماء والكهرباء والبنى التحتية، عقاباً لهم. بات الفلسطينيون «حيوانات»، بحسب وصف وزير الدفاع يوآف غالانت المفترض أنه من يرسم سياسة الجيش. والحقيقة أن هذه النظرة الفوقية تجاه الفلسطينيين صارت سائدة اليوم في المجتمع الإسرائيلي، ورغم أن هذا الاستعلاء هو بالذات ربما ما أوقع إسرائيل في إخفاقات 7 أكتوبر. باغتتها «حماس»، بلا شك، بهجوم شديد يومها. ولولا أن مقاتلي الحركة وقعوا في مطب أخلاقي شنيع، ارتكبت خلاله ممارسات مشينة ضد المدنيين الإسرائيليين، لكان هجومهم اعتُبر ناجحاً، بغض النظر عن النتائج التي أدى إليها لاحقاً. فقد احتلوا 11 موقعاً عسكرياً وأسروا عدداً من جنود وضباط الجيش الإسرائيلي.

صور وتذكارات لإسرائيليين خُطفوا أو قُتلوا في هجوم «حماس» على موقع «سوبر نوفا» الموسيقي في غلاف غزة يوم 7 أكتوبر العام الماضي (إ.ب.أ)

لكن التغيير الذي أرادت إسرائيل أن يظهر للعرب، انسحب أيضاً على إسرائيل نفسها. لقد تغيرت تجاه الإسرائيليين أنفسهم. انتهى الخجل في السياسة الداخلية. فالائتلاف اليميني الحكومي، في نظر منتقديه، بات يسن قوانين تتيح الفساد، مثل القوانين التي تضرب استقلالية القضاء، والقانون الذي يضعف المراقبة على التعيينات الحكومية بحيث يمكن تعيين موظفين غير مؤهلين في مواقع إدارية رفيعة، والقانون الذي يوفر لرئيس الحكومة المتهم بالفساد تمويلاً لمصاريف الدفاع عن النفس في المحكمة من خزينة الدولة. أما القضاة في إسرائيل فباتوا يخافون الحكومة ويصدرون قراراتهم وفقاً لأهوائها، في كثير من الأحيان.

والأكثر من ذلك، لم تعد إسرائيل اليوم تتعامل مع حياة الإنسان الفلسطيني أو اللبناني بأنها رخصية، بل أيضاً مع حياة الإنسان الإسرائيلي. فالحكومة باتت تستخدم منظومة «بروتوكول هنيبعل»، الذي يقضي بقتل الجندي الإسرائيلي مع آسريه، حتى لا يقع في الأسر.

في معركة مارون الراس الأخيرة في الجنوب اللبناني، أمر الضباط جنودهم بخوض القتال لمنع عناصر «حزب الله» من أسر جثة جندي، وكلفها الأمر مقتل ستة جنود وجرح أكثر من عشرة. والمواطنون الإسرائيليون المحتجزون لدى «حماس» في غزة، مهملون، كما تقول أسرهم التي تتهم نتنياهو بأنه يرفض التوصل إلى صفقة تبادل تضمن إطلاق سراحهم.

وبدل احتضان عائلات هؤلاء المحتجزين، ينظم مناصرون للائتلاف اليميني الحاكم حملة تحريض عليهم ويعتدون على مظاهراتهم الاحتجاجية. وفوق ذلك كله، تبدو الحكومة وكأنها تشجع اليمين المتطرف على مهاجمة قيادة الجيش، فهي لم تحاسب مجموعات منهم نظّمت اعتداءات على معسكر للجيش، ولم تمنع حتى اعتداءات مستوطنين على الجنود الذين يحمونهم في الضفة الغربية.

إسرائيل اليوم صارت خانقة أيضاً للإسرائيليين الذين يفكرون بطريقة مختلفة عن الحكومة. كلمة سلام صارت لعنة. والخناق يشتد حول حرية الرأي والتعبير. واتهام المعارضين بالخيانة صار أسهل من شربة ماء.

والتغيير الأكبر، على الصعيد الداخلي، هو أن رئيس الحكومة ورؤساء ووزراء ائتلافه الحكومي، يعملون على المكشوف لتغليب مصالحهم الذاتية والحزبية على مصالح الدولة. ويقول منتقدو نتنياهو إنه يعرف أن الجمهور لا يريده في الحكم وينتظر أن تنتهي الحرب حتى يسقطه، ولذلك هو يعمل، ببساطة، على إطالة الحرب ليبقى في السلطة.

في ذكرى 7 أكتوبر، تبدو إسرائيل بالفعل وكأنها تغيّرت. قيادتها الحالية مصممة على تأجيج الصراع أكثر وتوسيعه. لا يهدد ذلك فقط بمزيد من التأجيل للتسوية مع الفلسطينيين، بل يخاطر أيضاً بحروب فتاكة قادمة تورثها إسرائيل لأبنائها وبناتها.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يعلنون استهداف 193 سفينة على مدى عام من الحرب في غزة

العالم العربي صورة نشرتها جماعة الحوثي تُظهر اشتعال النيران في ناقلة نفط بعد إصابتها بصاروخ في البحر الأحمر (رويترز)

الحوثيون يعلنون استهداف 193 سفينة على مدى عام من الحرب في غزة

أعلن زعيم المتمردين الحوثيين في اليمن عبد الملك الحوثي، اليوم (الأحد)، استهداف 193 سفينة مرتبطة بإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا «إسناداً لغزة» منذ عام.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» في غزة خليل الحية (أرشيفية - رويترز)

«حماس»: إسرائيل تعرقل مساعي التوصل لوقف إطلاق النار

قال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» في غزة، خليل الحية، اليوم (الأحد)، إن إسرائيل لا تزال تعرقل مساعي التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية عائلات المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة يتظاهرون ضد حكومة نتنياهو (أرشيفية - رويترز)

بعد عام من 7 أكتوبر... تضارب روايتي أسر القتلى الإسرائيليين والحكومة «حول ما حدث»

تقيم عائلات إسرائيلية، الاثنين، مراسم تأبين مباشرة لذويها الذين سقطوا في هجوم «حماس» على إسرائيل في أكتوبر الماضي، بينما ستبث الحكومة مراسم مسجلة إحياء للذكرى.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
أوروبا المستشار الألماني أولاف شولتس (أ.ب)

شولتس يدعو لوقف إطلاق النار في الشرق الأوسط

دعا المستشار الألماني أولاف شولتس، مجدّداً، الأحد، إلى وقف إطلاق النار في الشرق الأوسط، عشية الذكرى الأولى لهجوم حركة «حماس» على إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (برلين)
تحليل إخباري نتنياهو يصافح ماكرون في القدس أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)

تحليل إخباري ماذا وراء الخلاف الحاد بين نتنياهو وماكرون؟

أزمة حادة بين ماكرون ونتنياهو، والإليزيه يسعى لتطويقها... ورسالة فرنسية ضمنية إلى بايدن تدعوه «للانسجام» في المواقف.

ميشال أبونجم (باريس)

«حماس» في ميزان الربح والخسارة بعد حرب طاحنة

TT

«حماس» في ميزان الربح والخسارة بعد حرب طاحنة

يوشك هجوم 7 أكتوبر على تغيير وجه الشرق الأوسط بعد عام من حرب طاحنة (د.ب.أ)
يوشك هجوم 7 أكتوبر على تغيير وجه الشرق الأوسط بعد عام من حرب طاحنة (د.ب.أ)

حتى بعد مرور عام على 7 أكتوبر (تشرين الأول)، لم يعرف أحد على وجه الدقة الهدف من الهجوم المباغت لحركة «حماس» الفلسطينية على إسرائيل، الذي يوشك اليوم على تغيير وجه الشرق الأوسط، ويجرّ خلفه 3 حروب، واحدة مدمرة في غزة، وثانية دموية في لبنان، وثالثة صامتة طويلة الأمد في الضفة الغربية، وعدة حروب باردة مع إيران وأذرعها في العراق واليمن وسوريا.

من المبكر الحكم على نتائج الهجوم الذي فاجأ إسرائيل، تحديداً لجهة إقامة دولة فلسطينية. ثمة وجهتا نظر، تفيد الأولى بأن 7 أكتوبر ستنتهي إلى مسار الدولة، ويزعم الثاني أن الباب قد فُتح لإسرائيل، ليس للقضاء على حل الدولتين، بل احتلال أجزاء من دول أخرى في المنطقة.

لكن بالنسبة لـ«حماس» التي بدأت الهجوم وتلقت الردّ عليه، يمكن القول إنها دفعت ثمناً لم تكن تتخيله يوماً. فماذا حدث خلال عام؟ وكيف أصبحت الحركة في ميزان الربح والخسارة؟

قبل الهجوم، كانت «حماس» بالنسبة للفلسطينيين والإسرائيليين قوة لا يستهان بها، وليس من الوارد أن تضحي بموقعها ومكاسبها في حرب مدمرة، وكان هذا سر الهجوم، قبل أن يكلفها الكثير لاحقاً.

وإذا كانت الحرب قد بدأت بضربة «حماس» وغارات جوية إسرائيلية لاحقة، فالأكيد أن الحركة لم تكن تتوقع أن الحرب البرية ستكون بهذا الزخم الذي طال جميع مناطق غزة، متراً بمتر، وشبراً بشبر.

اليوم، فقدت «حماس» وجناحها المسلح، الكثير من الأشياء، كما أنها في المقابل كسبت أشياء أخرى.

خسرت «حماس» الكثير في هجوم 7 أكتوبر المباغت لكنها ربحت أشياء أيضاً (أ.ب)

حساب الربح... إحصاء الخسارة

على الأقل، فقدت «حماس» دعماً سياسياً ولو كان خافتاً من قبل دول أوروبية ودولية، ومثله دعم مالي لتمويل مشاريع حكومية ومؤسساتية وخدماتية لسكان غزة، وإلى حد ما تضررت علاقة الحركة بدول إقليمية دعمتها في الصراع ضد إسرائيل، أو ما يتعلق بالمصالحة مع حركة «فتح».

وبعد هجومها الكبير، نّدت دول بـ«حماس»، وبقي هذا الموقف يتصاعد مع مرور الأيام في ظل الحملة الإعلامية الإسرائيلية التي صاحبت هجوم 7 أكتوبر.

وخلال ذلك، ظهرت مؤشرات قوية على خسارة الحركة لكثير من شرعيتها التي اكتسبتها لسنوات بتطوير علاقات كانت صعبة مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول عربية، وعلى وجه الخصوص تضررت إلى حد ما العلاقة مع مصر وقطر، إذ قالت مصادر موثوقة لـ«الشرق الأوسط»، إن «علاقة (حماس) بهاتين الدولتين العربيتين لم تعد كما كانت».

ويفهم قياديون في «حماس»، وفقاً للمصادر، أنه «في لحظة ما قد تطالبهم قطر بالخروج (...) كما أن الوضع مع مصر لم يعد على أحسن حال».

وتطالب مصر اليوم، وتعمل على عودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، ويشمل ذلك تسليمها معبر رفح البري، وليس إسرائيل أو «حماس».

مقابل ذلك، زاد دعم «حماس» في «محور المقاومة» المدعوم من إيران، لكن هذا الأخير تعرض لخسائر عدة على أصعد مختلفة بفعل الحرب.

وكسبت الحركة أيضاً تأييداً من دول مثل تركيا وروسيا، وإلى حد ما من الصين، الأمر الذي دفع مراقبين إلى الاعتقاد بأن «حماس» تموضعت في استقطاب إقليمي حاد، في لحظة تقترب فيها المنطقة من شفا حرب مفتوحة.

شعبية «حماس» ونفوذها

أيام قليلة بعد 7 أكتوبر 2023، ارتفعت شعبية «حماس» بشكل كبير في مناطق غزة والضفة الغربية. كان يمكن ملاحظة كيف أن الإعجاب بالهجوم المباغت طغى على كل شيء، ولكن سرعان ما تبدد كل ذلك، خصوصاً في القطاع، مع استمرار الهجمات الإسرائيلية التي كبدت الغزيين خسائر مريرة في الأرواح والأملاك.

وباتت غالبية من سكان غزة يُحمّلون «حماس» مسؤولية ما حلّ بهم، الأمر الذي أدى إلى تراجع تأييد الحركة بشكل كبير، وأفقدها ميزة الدعم الكبير.

رغم كل هذا التراجع، فإن الحركة ما تزال ترى نفسها جزءاً واضحاً من مستقبل غزة والقضية الفلسطينية، وأن لديها القدرة على البقاء سياسياً وعسكرياً ومدنياً وشعبياً حتى حكومياً.

ومع ذلك، فإن الحكم على قدرة «حماس» على البقاء من عدمه سيكون حين تنتهي الحرب، ويتبين شكل الشرق الأوسط في اليوم التالي، لكن الأكيد أن الحركة لم تعد قادرة على حكم القطاع الذي يحتاج إلى دعم دولي واسع لإنقاذ سكانه وإعادة إعماره، وإحياء اقتصاده المنهار.

يرى خبراء عسكريون أن بقاء السنوار حياً يحرم إسرائيل من «صورة المنتصر» (أ.ف.ب)

قيادات «حماس»... مَن بقي؟

فقدت «حماس» أهم قياداتها السياسية والحكومية والعسكرية، وجزءاً لا يستهان به من مسلحيها، إلى جانب ناشطين في المجالات الدعوية والاجتماعية والاقتصادية.

مع بداية الحرب، وصلت إسرائيل إلى زكريا أبو معمر وجواد أبو شمالة من أعضاء المكتب السياسي للحركة، وأيمن نوفل وأحمد الغندور وهما قائدا لواءي الوسط والشمال في «كتائب القسام»، إلى جانب أيمن صيام قائد الوحدة الصاروخية في الكتائب.

وقد دأبت «حماس» على نعي جميع الشخصيات التي فقدتها خلال الحرب وإعلان أسمائهم، قبل أن تغير هذا النهج لتخفي معلومات قادتها والمسلحين الذين يتم قتلهم.

لاحقاً، نجحت إسرائيل باغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» في طهران، ونائبه صالح العاروري في الضاحية الجنوبية ببيروت، وكلاهما نعتهما الحركة.

لكن بعيداً عن إعلانات «حماس»، أكدت إسرائيل اغتيال قائد «كتائب القسام» والمطلوب الأول منذ عقود محمد الضيف في ضربة جوية نفّذتها بمنطقة مواصي خان يونس، جنوب غزة، في 13 يوليو (تموز) الماضي، إلى جانب رافع سلامة، قائد لواء خان يونس، وقبلهما أكدت اغتيال مروان عيسى، نائب الضيف، في نفق وسط مخيم النصيرات، وسط قطاع غزة، في 10 مارس (آذار) الماضي.

وكانت مصادر من «حماس» قد أكدت لـ«الشرق الأوسط» اغتيال سلامة وعيسى، لكنها لم تدلِ بأي معلومات حول الضيف.

وكشفت «الشرق الأوسط» في وقت سابق، عن مقتل اثنين من أعضاء المكتب السياسي، هما روحي مشتهى وسامح السراج في ضربة استهدفت نفقاً جنوب مدينة غزة، إلى جانب قيادات عسكرية وازنة في «القسام».

ومن بين الاغتيالات المؤثرة في «القسام»، استهداف أيمن المبحوح أحد أهم قادة الكتائب والمسؤول الأول عن استخبارات الكتائب وأسرارها الأمنية، الذي كان لسنوات مسؤولاً عن الدائرة الأمنية الخاصة بحماية محمد الضيف.

ولم تؤكد «حماس» اغتيال أي من هؤلاء، بل إنها تشدد على أن الضيف ما زال حياً، فيما تصرّ إسرائيل على نجاحها باغتياله.

وفقدت «القسام» مئات من قياداتها الميدانيين، منهم قادة «كتائب» و«سرايا» و«فصائل» و«مجموعات»، وهي مسميات عسكرية بالترتيب وفق تقسيمات معينة ومحددة، ورغم أنها خسائر فادحة فإن المحلل العسكري العقيد المتقاعد منير حمد من غزة يميل إلى الاعتقاد بأنها «لا تعني القضاء تماماً على الكتائب».

وقال حمد، لـ«الشرق الأوسط»، إن «حماس» استطاعت حتى الآن الحفاظ على حياة قائدها يحيى السنوار، خاصة بعد اغتيال هنية في طهران، ما يعني «توفق الحركة استخبارياً، على الأقل حتى الآن».

ورأى حمد أن «إبقاء السنوار حياً يحرم إسرائيل من صورة النصر التي تحاول الحصول عليها منذ أشهر».

ويُحسب لحركة «حماس» أنها وضعت قضية اغتيال قياداتها وعناصرها رهن التكهنات، سواء بالنسبة لإسرائيل أو غيرها، ما يؤشر على صعوبات أمنية واجهتها وما زالت تواجهها المخابرات الإسرائيلية في الوصول لقيادات «حماس» و«القسام»، على عكس ما يجري حالياً على الجبهة اللبنانية مع «حزب الله».

ولا تكتفي إسرائيل بملاحقة السنوار، بل إنها تبحث عن شقيقه محمد، أحد أبرز قادة «القسام» والرجل الثاني بعد الضيف، كما تبحث عن قائد لواء رفح محمد شبانة، وعن قائد لواء غزة عز الدين الحداد الذي تلقبه بـ«الشبح»، وعن قيادات أخرى من المجلس العسكري مثل رائد سعد، وأبو عمر السوري، اللذين نجيا من عمليتي اغتيال في غزة.

وتدفع هذه المعطيات العقيد المتقاعد منير حمد إلى الجزم بأن «حماس» قادرة على النهوض مجدداً، خاصة أن عدداً من قياداتها المؤثرة ما زال على قيد الحياة.

ويؤكد مراقبون أنه في حال تم التوصل لاتفاق تهدئة، يمكن لـ«حماس» أن تعيد بناء نفسها وقوتها مجدداً، خاصة مع وجود العامل البشري الذي يمكن أن تستغله، كما أن هناك قيادات بارزة قادرة على قيادة الحركة من جديد، بمن فيهم شخصيات تنشط في الخارج لم تتأثر بالضربات الإسرائيلية.

ويتفق حمد مع مراقبين على أن «حماس» نجحت حتى الآن في الاحتفاظ بعشرات الإسرائيليين المحتجزين كأسرى في غزة، بعد عام من حرب مدمرة طالت كل شبر من القطاع، وهو ما يمنحها مكاسب أكبر لفرض شروطها في التفاوض الذي يسير ببطء شديد في ظروف معقدة.

الحرب الأخيرة في غزة أظهرت خطأ التقدير الإسرائيلي لحجم شبكة الأنفاق في غزة (أ.ف.ب)

أنفاق «حماس»

فقدت «حماس» كثيراً من قوتها خلال عام من الحرب. وبعد ضربات متتالية، شملت الخدمة العامة، والمرافق التنظيمية والعسكرية والاقتصادية، تكاد الخسائر تكون شاملة على نحو واسع.

لكن فقدان معظم أنفاق «حماس» قد يكون الخسارة الأبرز لجهة أنها «سلاح استراتيجي» كان بيد الحركة.

واستخدمت «حماس» تلك الأنفاق في التحكم السيطرة، ولحماية قياداتها، وكذلك لإخفاء الإسرائيليين، ومن ثم في إدارة المعركة لتنفيذ هجمات، مباشرة أو صاروخية.

وبحسب مصادر «الشرق الأوسط»، فقد «نجحت إسرائيل في تدمير كثير من أنفاق الحركة». وقالت إن «الجيش الإسرائيلي عثر على كثير من الأنفاق الاستراتيجية الهجومية والدفاعية».

واستخدمت «حماس» الأنفاق في مناسبات مختلفة كمخابئ لبعض قادتها الذين تمت ملاحقتهم فوق وتحت الأرض، وهو الأمر الذي جرى مع عضو المكتب السياسي للحركة روحي مشتهى وقيادات أخرى، ما أدى لمقتلهم في أحد تلك الأنفاق.

تقدر مصادر مطلعة لـ«لشرق الأوسط» أن «حماس» تمتلك في كل منطقة داخل غزة (شمال القطاع مثلاً) ما لا يقل عن 700 نفق بأحجام ومهمات مختلفة، لكن ذلك يرتبط بجغرافيا وطبيعة التربة التي يمكن من خلالها حفر عدد أكبر أو أقل من الأنفاق.

وتقول المصادر: «في خان يونس جنوب القطاع، يختلف عدد الأنفاق كلياً، وربما هو الأكبر على مستوى القطاع، وخاصة في المناطق الشرقية منها باعتبارها مناطق زراعية وسهلة الحفر، ويمكن فيها العثور على أكثر من مسار للنفق الواحد بتفرعات مختلفة وبتوزيعات جغرافية مختلفة من مكان إلى آخر، ويقدر عددها بنحو ألف نفق».

وقدرت إسرائيل سابقاً أن تكون «حماس» حفرت أكثر من 500 كيلومتر من الأنفاق، لكن الحرب الحالية أظهرت أن تقديراتها خاطئة، وكانت أكبر بكثير.

وتفسر هذه المعطيات كيف نجحت «حماس» حتى اللحظة في تسهيل حركة قياداتها ومقاتليها بين مواقع، فوق الأرض وتحتها، إذ الواقع الفعلي لشبكة الأنفاق يتيح لهم المناورة مع إسرائيل.

«حماس» أطلقت في «الرشقة الأولى» صبيحة 7 أكتوبر ما لا يقل عن 4 آلاف صاروخ (أ.ف.ب)

ترسانة الصواريخ

مثّلت الصواريخ سلاحاً فارقاً لدى «حماس»، وشكّلت في مرحلة ما أحد أهم وسائل الردع، بعدما كانت الحركة قادرة على ضرب المدن والمستوطنات الإسرائيلية وقتما تشاء، خاصة تلك التي كانت تصل إلى تل أبيب والقدس.

تقول مصادر موثوقة، لـ«الشرق الأوسط»، إن «حماس» فقدت غالبية مخزونها من الصواريخ. ومع ذلك يعتقد مراقبون أن الحركة تخفي عدداً منها، وسوف تستخدمها في وقت ما.

وتزعم مصادر ميدانية من «حماس» أن جناحها المسلح كان يمتلك قبيل الحرب ما يزيد على 60 ألف صاروخ، ما بين صواريخ بعيدة المدى وأخرى متوسطة وقصيرة.

وكانت «حماس» قد أطلقت في «الرشقة الأولى» صبيحة 7 أكتوبر، ما لا يقل عن 4 آلاف صاروخ، غالبيتها متوسطة وقصيرة المدى تزامناً مع بدء الهجوم العسكري.

ومع ذلك، يصعب معرفة العدد الدقيق للصواريخ التي تمتلكها «حماس» قبل الحرب، وما تبقى خلال عام بعد اندلاعها.

وتزعم إسرائيل أنها نجحت في تدمير كثير من الصواريخ، إلى جانب ضرب أماكن تصنيعها وتخزينها، ومنصات إطلاقها.

خسرت حماس الكثير من قياداتها لكن وجود عدد منهم خارج غزة يمنحها القدرة على المناورة (غيتي)

بنك المال والمعلومات السرية

لم تتوقع «حماس» أن القوات البرية الإسرائيلية ستتعمق داخل غزة، كل هذا الوقت وبهذا العمق والسعة، ما منعها من نقل أو إتلاف ملفات بالغة السرية، من بينها ملفات اجتماعات مغلقة، وملفات أمنية ومالية، نجحت إسرائيل في السيطرة عليها، كما الفيديو الذي ظهر فيه قائد «كتائب القسام»، محمد الضيف، الذي كان يوصف بأنه رجل الظل الذي لا تعرف صورته.

وأكدت مصادر في الحركة، لـ«الشرق الأوسط»، أن «الوقت لم يسعف عناصر (حماس) لتدمير ما لديها من ملفات، وإلا كان تم زرع عبوات ناسفة لتفخيخ المواقع التي تحوي مثل هذه الملفات على الأقل».

على الصعيد الحكومي، يمكن الجزم أن «حماس» خسرت جميع مقراتها، كما فقدت قيادات حكومية بارزة كانت تقود عملها الخدمي وغيره، إلى جانب كثير من أركان هيئة الطوارئ التي شكّلتها لإدارة العمل الحكومي للسكان خلال الحرب، وليس آخرهم على الأغلب المهندس ماجد صالح، المدير في وزارة الأشغال، الذي كان هدفاً لإسرائيل مرات عدة خلال هذه الحرب، وقد فقد زوجته وعدداً من أبنائه.

ترافق ذلك مع خسارة «حماس» كثيراً من مواردها المالية التي كانت تعتمد عليها، فهي إلى جانب الدعم الخارجي والدخل الحكومي، ثمة مصانع ومحال وعقارات وغيرها كانت تدرّ على الحركة شهرياً مبالغ طائلة.

وخلال الحرب تعمدت إسرائيل استهداف جميع مصادر تمويل «حماس»، وقصفت بنكاً تابعاً للحركة، وغرفاً محددة كان تخزن أموالاً، وهاجمت مركبات نقل أموال، واستولت على ملايين «الشواقل» من أماكن داهمتها، الأمر الذي أفقد «حماس» في كثير من الفترات قدرتها على صرف رواتب موظفيها وعناصرها، سواء الحكوميون أو المنضمون لجناحها العسكري وغيرهم.

في نهاية المطاف، طال الدمار كل شيء، كل شارع وحي، وجميع العائلات التي رزحت تحت نار الحرب طوال عام. لكن حسابات الربح والخسارة بالنسبة لـ«حماس» أمر بلاغ التعقيد، ولا يمكن الجزم به. ففي اليوم التالي للحرب، ستكون المعطيات حاسمة لمعرفة أن الحركة انتهت بالفعل، أم أنها طبقاً للظروف قادرة على العودة والنهوض مجدداً.