«سودان بديل» في مصر يمنح أبناءه ملاذاً آمناً... ويثير حساسيات

الجالية الكبرى بين الوافدين... والمفوضية تدق ناقوس الخطر

TT

«سودان بديل» في مصر يمنح أبناءه ملاذاً آمناً... ويثير حساسيات

حضور سوداني لافت في الشوارع والميادين (الشرق الأوسط)
حضور سوداني لافت في الشوارع والميادين (الشرق الأوسط)

حين كانت الشمس تهبط في الأفق لتأذن لليل بالقدوم، بعد نهار صيفي ملتهب أشار الشاب السوداني مصعب حمدان (33 عاماً) بيده إلى «ميكروباص» متوجه نحو نهاية شارع السودان النابض بالحياة والصخب بالجيزة، ليكتشف عقب صعوده أن السائق والركاب جميعهم من بني وطنه.

لم يُبد مصعب (عامل النظافة بإحدى الشركات الخاصة) بحي المهندسين، أي إيحاء بالتعجب جراء هذا الانتشار اللافت لـ«الجلباب والتوب» بالأحياء المصرية، التي تكرست ملاذاً لآلاف النازحين الفارين من الحرب.

مقهى شعبي بالجيزة يضم تجمعاً سودانياً (الشرق الأوسط)

بعدما أسدل الليل ستاره؛ وصل مصعب إلى شارع «الملكة» المكتظ بالوجوه السمراء، ليجد لافتات المتاجر المضيئة وقد أضيأت بعبارات مثل «سنتر أم درمان لأجود اللحوم السودانية»، ومقهى «ملتقى أحباب السودان»، ومخبز «باب جنقرين للخبز البلدي السوداني»، و«مطعم القراصة» و«سلطان الكيف» التي تقع جميعها في نطاق جغرافي ضيق.

«نحن نعيش في مجتمع سوداني متكامل بمصر، لا ينقصنا أي شيء سوى المساحات الفسيحة وظلال الأشجار الوارفة»، وفق ما يقول مصعب لـ«الشرق الأوسط».

متجر لبيع الملابس السودانية (الشرق الأوسط)

الحضور السوداني الكثيف في أحياء مصرية، عكسته أرقام رسمية أشارت إلى وصول أكثر من نصف مليون نازح سوداني إلى الأراضي المصرية منذ اندلاع الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع» العام الماضي، بينما أكد سوادنيون تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» أن «الأعداد الحقيقية تفوق هذا الرقم بكثير، لا سيما بعد عبور أعداد كبيرة منهم بشكل غير نظامي عبر الصحراء على مدار الأشهر الماضية».

وتشكل الجالية السودانية في مصر من المقيمين والنازحين الجدد أكثر من نصف عدد المهاجرين بها، والذين يصفهم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بأنهم «ضيوف مصر»، وتقدر حكومته عددهم بنحو 9 ملايين شخص بينهم أكثر من 5 ملايين سوداني.

انتشار لافت للمحال السودانية بمحافظة الجيزة المصرية (الشرق الأوسط)

وتسبب التدفق الكبير في عدد السودانيين منذ اندلاع الحرب الأخيرة في بلادهم، في الضغط على مكاتب المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين، في القاهرة والإسكندرية، حيث يتم استقبال نحو 3 آلاف طلب لجوء يومي، مما رفع عدد السودانيين المسجلين لدى المفوضية 5 أضعاف عمّا كان عليه سابقاً، ليبلغ اليوم 300 ألف. ويمثل هذا الرقم 52 في المائة من مجمل عدد اللاجئين المسجلين في مصر لدى المفوضية في أبريل (نيسان) الماضي.

تجمُّع سوداني على أحد المقاهي (الشرق الأوسط)

ولهذا السبب فإن المفوضية تتوقع «ازدياد الطلب على التسجيل بشكل مستمر في الأشهر المقبلة بسبب الوضع المضطرب في السودان، مع عدم وجود آفاق فورية لسلام مستدام في الأفق»، مقدرةً عدد السودانيين الذي ينتظرون التسجيل بنحو ربع مليون شخص.

تكتلات

شوارع العاصمة المصرية التي يبدو عليها الهدوء نهاراً، بفعل الحر القائظ، يملأها الصخب كلما اقترب قرص الشمس الذهبي من المغيب، حيث يجري تلطيفها بالمياه قبل أن تتمدد إليها كراسي المقاهي، التي يفضلها سودانيون للقاء بعضهم في ملاذهم الجديد المكتظ بأحياء مثل: «الملك فيصل»، وأرض اللواء، وإمبابة بالجيزة، وحدائق المعادي بالقاهرة، والعاشر من رمضان بالشرقية، وبعض مناطق الإسكندرية، وأسوان، حيث فرضت المتاجر والمطاعم والمخابز وصالونات الحلاقة ومحال بيع الملابس والعطارة واللحوم السودانية نفسها بشكل متزايد، وهو ما وُصف في وسائل الإعلام المصرية بـ«التكتلات السودانية».

لا تخطئ العين الوجود السوداني اللافت في الشوارع (الشرق الأوسط)

لا تخطئ العين الملامح السودانية والثوب التقليدي في الشوارع الرئيسية والفرعية بالقاهرة والجيزة، حيث يوجد الباعة السودانيون ومواطنوهم ممن اقتحموا مجالات عمل كانت مقتصرة على مصريين لعقود، من بينها قيادة سيارات الأجرة والميكروباص داخل الأحياء الشعبية؛ وهو ما عدّه مصعب «أمراً معبِّراً عن سرعة اندماج الوافدين الجدد في تفاصيل الحياة في مصر».

ومن فرط حضور «الزول»، (كلمة معناها الرجل في اللهجة السودانية)، أصبح معتاداً استخدام المفردات السودانية في المتاجر والشوارع والحارات ووسائل المواصلات، لكنَّ محمد عبد المجيد سائق إحدى سيارات الأجرة، التي تعمل في شارع السودان بالجيزة يتقن اللهجة العامية المصرية، ولذلك يجد بعض المصريين صعوبة في معرفة كونه سودانياً.

جانب من إقبال سودانيين على مفوضية اللاجئين بالقاهرة (مفوضية اللاجئين)

لقد تكيف عبد المجيد صاحب الوجه الدائري الباسم مع تفاصيل القيادة في الشوارع القاهرية، فبات يحفظ أسماء ومواقع المحطات عن ظهر قلب، مؤكداً أنه في أوقات متكررة تكون معظم حمولة سيارته من الركاب السودانيين الذين يندمج معهم بتشغيل أغانيهم الفلكلورية: «تشعر كأنك في فرح وليس في مواصلات عامة».

عبد المجيد ليس السائق السوداني الوحيد على خط «شارع السودان» بالجيزة، لكنه واحد من بين 30 سائقاً يحترفون السير في الزحام ويهربون منه إلى شوارع ضيقة بديلة.

السائق السوداني محمد عبد المجيد (الشرق الأوسط)

في أحد أروقة حي فيصل الشهير بالجيزة، كان صاحب متجر العطارة السوداني الستيني عادل محمد، الذي عكست عيناه طمأنينة ترسخت على مدى السنوات الخمس التي قضاها في مصر، ينتظر زبائنه المعتادين في المساء.

محل جزارة «أم درمان» لبيع اللحوم (الشرق الأوسط)

«رغم أن معظم زبائني من السودانيين المقيمين هنا فإن جيراني من المصريين يشترون منّي بهارات الطعام والزيت والسمن والسكر»، وفق قوله لـ«الشرق الأوسط». موضحاً أن «سبب اكتظاظ المنطقة بالسودانيين يعود إلى تفضيل كثير منهم الإقامة بجوار أقاربهم وعائلاتهم لتقليل الشعور بالغربة، وهو ما خلق مجتمعاً سودانياً متكاملاً هنا». مؤكداً أن «السودانيين يتمركزون في الجيزة، بدايةً من أول محيط شارع فيصل الشهير حتى نهايته لمسافة تقترب من 10 كيلومترات».

ملاذ بديل

لم تكن مواقع «التواصل الاجتماعي» بعيدة عن رصد هذا الوجود السوداني الكثيف في مصر، حيث كرست بعض مقاطع الفيديو فكرة وجود «سودان بديل في البلاد، ومن بينها تعليق مؤثّر سوداني تندَّر على الوجود المكثف لأبناء وطنه بحي فيصل بالجيزة قائلاً: «إذا كنت سودانياً تعيش في الخارج وترغب في رؤية أهلك وبلدك ما عليك سوى الذهاب إلى الجيزة المصرية».

وهو ما يؤكده مصعب، معتبراً أن «مراكز التعليم والمتاجر والمطاعم والمقاهي السودانية على اختلاف أشكالها وأنوعها؛ قد فرضت وجودها على الشارع المصري، حتى بات الخبز السوداني الأبيض ملمحاً مهماً في متاجر مصرية عديدة».

مَخبز سوداني (الشرق الأوسط)

وتشعر زينب مصطفى، وهي سيدة خمسينية قَدِمت إلى مصر من الولاية الشمالية بالسودان، بـ«الأمان» وهي تجلس داخل شقة فسيحة بمنطقة «اللبيني» بحي الهرم (غرب القاهرة) رفقة أبنائها وأختها وبناتها.

مكثت زينب فترة طويلة في مصر من دون زوجها الستيني الذي «لحق بها أخيراً بعد تمكنه من دخول مصر بشكل غير نظامي عبر الصحراء، وهو يبحث راهناً توفيق أوضاعه ليتمكن من العمل في أي وظيفة».

ويعد عشرات آلاف السودانيين الفارين من نار الحرب في السودان، مصر «الملاذ الأفضل» راهناً، لامتلاكها مقومات الحياة والبنية التحتية، ومن بينهم فاطمة حسن التي تمكنت من دخول مصر عبر مسارات التهريب الوعرة أخيراً.

سودانيات في محطة مترو «السودان» بالقاهرة (الشرق الأوسط)

خشيت فاطمة على بناتها من «الاغتصاب على يد الميليشيات المسلحة بالسودان»، وقررت دخول مصر بشكل غير نظامي، وفق ما قالته لـ«الشرق الأوسط».

الحر الشديد والعطش أنهكا فاطمة وبناتها الثلاث على مدار ساعات طويلة لم يذقن فيها طعم الراحة أو النوم، قبل أن تنجح في الوصول إلى الجيزة لتنضم إلى شقيقتها التي سبقتها إلى هناك منذ عدة أشهر، حسب قولها.

ورغم الإعلان عن توقيف حافلات لنازحين سودانيين دخلوا البلاد بطريقة غير نظامية في شهر يونيو (حزيران) الماضي، فإن عبد الله قوني المقيم في حي المعادي بالقاهرة منذ 15 عاماً ويقصده الكثير من النازحين السودانيين الجدد للمساعدة في توفير مسكن أو فرصة عمل، يؤكد «وصول نحو 11 حافلة من أسوان تقل سودانيين يومياً كلهم من المهاجرين غير النظاميين الذين يدفع الواحد منهم نحو 500 دولار أميركي للمهربين نظير نقله إلى مصر»، وهو ما تؤكده فاطمة كذلك.

تعليم

ومن بين أهم ملامح «السودان البديل» رؤية التلاميذ من أصحاب البشرة السمراء وهم في طريقهم من وإلى المدارس السودانية التي زاد عددها بشكل مطّرد خلال الأشهر الأخيرة، مما دعا السلطات المصرية إلى إغلاق بعضها من أجل «تقنين الأوضاع».

ويقدِّر سامي الباقر، المتحدث باسم نقابة المعلمين السودانية، عدد المدارس السودانية في مصر بنحو 300 مدرسة للتعليم الأساسي والمتوسط.

متجر في منطقة فيصل التي تشهد تكتلاً كبيراً للجالية السودانية (الشرق الأوسط)

ووجهت السفارة السودانية في القاهرة التي نقلت مقرها قبل سنوات من جاردن سيتي إلى حي الدقي، الشكر إلى الحكومة المصرية على تعاونها في إنجاح امتحانات الشهادة الابتدائية السودانية في شهر يونيو (حزيران) الماضي، عبر 6 مراكز تعليمية تابعة للسفارة، مشيرةً في بيان لها إلى «مشاركة 7 آلاف طالب إلى جانب أكثر من 400 مراقب من المعلمين».

وجامعياً قدّر أيمن عاشور، وزير التعليم العالي المصري، عدد الطلاب السودانيين الذين التحقوا العام الماضي بالجامعات المصرية بأكثر من 10 آلاف طالب.

وكان من بين النازحين السودانيين عدد كبير من الفنانين الذين استقروا في القاهرة على غرار الممثلة إيمان يوسف، والمخرج أمجد أبو العلا والمخرج محمد الطريفي والممثل نزار جمعة، الذين يرتحلون إلى الخارج لحضور فعاليات فنية ثم يعودون من جديد إلى مصر.

وبينما يلجأ السودانيون الذين دخلوا البلاد بشكل نظامي إلى توثيق عقود إيجار شققهم السكنية بمكاتب الشهر العقاري إلى جانب تسجيل أبنائهم في المدارس للحصول على إقامات قانونية في مصر، فإنه لا يوجد أمام النازحين غير النظاميين سوى «التصالح مع وزارة الداخلية المصرية» عبر إنجاز استمارة «تقنين وضع» ودفع رسوم تبلغ ألف دولار، أو التقدم إلى مفوضية اللاجئين والحصول على بطاقة «طالب لجوء».

حساسيات مصرية

مع هيمنة «الجلباب» و«التوب» السودانيين على شوارع وحارات مصرية، وتداول مقاطع لتجمعات سودانية كبيرة في القاهرة عبر «السوشيال ميديا»، والقلق من أخبار طرد مستأجرين مصريين لتسكين سودانيين بدلاً منهم؛ ظهرت بوادر «الحساسية» من «التكتلات السودانية» في مصر.

كما أثارت خرائط رفعها سودانيون لبلادهم تضم مثلث «حلايب وشلاتين»، (أقصى جنوب مصر مع الحدود السودانية)، جدلاً واسعاً، مما دفع السلطات المصرية أخيراً إلى اتخاذ إجراءات ضد هؤلاء النازحين وصلت إلى ترحيل بعضهم إلى بلادهم، وفق مصادر مصرية.

وزاد من وتيرة التحفظات، الإبلاغ عن إجراء أسر سودانية عمليات ختان لبناتهم في مصر، وهو ما واجهه مسؤولون مصريون بالتشديد على ضرورة تفعيل القانون المصري الذي يُجرِّم ختان الإناث.

ودخل إعلاميون مصريون على خط انتقادات «التكتلات السودانية»؛ وكان أبرزهم قصواء الخلالي، التي أعربت عن «قلقها» إزاء وجود تكتلات للاجئين في مناطق شعبية، معتبرةً هذا الأمر «خطيراً للغاية». فيما حذرت الإعلامية عزة مصطفى من «سيطرة بعض اللاجئين على مناطق كاملة من القاهرة، بعد مغادرة مصريين لها عقب رفع إيجارات الشقق». مشيرةً إلى «تداعيات تحمل مصر فاتورة ضخمة جراء استضافة اللاجئين على أراضيها».

وكغيره من عشرات المصريين الذين يعدّون أنفسهم «متضررين من الوجود السوداني المكثف»، لم يُخفِ السباك الستيني عيد محمود، صاحب الجسد النحيل تذمره من «هيمنة النازحين على المربع السكني الذي كان يقيم فيه بالقرب من جامعة القاهرة».

يقول عيد بنبرة يملأها الاستياء: «أجبرتني مالكة الشقة على إخلائها لتسكين أسرة سودانية بدلاً مني».

وبعدما كان عيد الذي يعول 3 فتيات يدفع 1600 جنيه مصري (الدولار الأميركي يساوي نحو 48 جنيهاً) بدل إيجار شهري خلال السنوات الماضية فإن مالكة العقار تحصل راهناً على 6 آلاف جنيه من المستأجرين السودانيين الجدد. وهو ما دفع مصريين إلى «دعوة الحكومة إلى التدخل حفاظاً على السِّلْم المجتمعي».

واضطر عيد إلى البحث عن شقة أخرى في منطقة توصف بأنها «متواضعة»، بـ3 آلاف جنيه.

وتفاعل برلمانيون مصريون مع دعوات تقنين أوضاع اللاجئين، من بينهم سهام مصطفى عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، التي شددت في تصريحات تلفزيونية على أن «كل دول العالم ترفض دخول أي لاجئ أو مهاجر دون أوراق إثبات إقامته بهدف حصر أعداد الأجانب حفاظاً على الأمن القومي».

جانب من إقبال سودانيين على مفوضية اللاجئين بالقاهرة (مفوضية اللاجئين)

مضيفةً: «إن مصر تستضيف ملايين الأجانب وتوفر لهم الخدمات بنفس الأسعار المقدمة للمواطنين دون زيادة، رغم الأزمة الاقتصادية الحالية».

وأغلقت السلطات المصرية أخيراً عدداً من المدارس السودانية بداعي عدم استيفاء الشروط. وطالبت سفارة السودان بالقاهرة، أصحاب المدارس، بـ«التزام ثمانية شروط، وضعتها مصر لتقنين أوضاع المدارس المغلقة»، وقالت إنها «تُجري اتصالات مستمرة لحل الأزمة».

ويرى عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير صلاح حليمة، أن «الإجراءات المصرية الأخيرة التي هدفت إلى تقنين أوضاع السودانيين في البلاد «طبيعية جداً في ظل ازدياد أعدادهم بالبلاد»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «تنظيم اللجوء والإقامة مع طلب زيادة المساعدات من المنظمات الدولية والإقليمية يعدان الخيار الأفضل راهناً للقاهرة».

فيما يؤكد محمد جبارة، أمين «العلاقات الخارجية» بجمعية الصداقة السودانية - المصرية، والمستشار الإعلامي السابق بسفارة الخرطوم في القاهرة، أن «التجمعات السودانية الكبيرة في الشوارع والميادين تثير حساسيات مجتمعية وأمنية بمصر». متهماً بعض أصحاب المدارس السودانية بالتسبب في إغلاقها، لا سيما بعد منح السلطات المصرية أكثر من مهلة لمطابقة المواصفات المحلية وتقنين الأوضاع.

إقبال لافت على مكتب مفوضية اللاجئين بالقاهرة (مفوضية اللاجئين)

وكشف عن «نية سفارة بلاده تنظيم مهرجان كبير بعنوان (شكراً مصر) كنوع من (رد الجميل) لاستضافتها جالية كبيرة من أبناء الوطن».

تخفيف الأعباء

بسبب الأزمة الاقتصادية، طالبت مصر المجتمع الدولي بدعمها في «تحمل أعباء اللاجئين». ورأى وزير الخارجية المصري السابق سامح شكري، عقب لقائه مدير عام المنظمة الدولية للهجرة إيمي بوب، أن الدعم الذي تتلقاه مصر من المجتمع الدولي «لا يتناسب مع ما تتحمله من أعباء، في ظل ما يعانيه الاقتصاد المصري من تبعات الأزمات العالمية.

وأطلقت الحكومة المصرية أخيراً عملية لحصر أعداد اللاجئين المقيمين على أراضيها، بهدف احتساب تكلفة استضافتهم، والوقوف على الأعباء المالية، في ظل أزمة اقتصادية تعانيها البلاد.

وطالبت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمصر، في بيان في شهر أبريل الماضي، بالحصول على 175.1 مليون دولار لتلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحاً للاجئين السودانيين الذين فروا إلى مصر منذ منتصف أبريل 2023.

سودانيون بالقرب من شارع السودان الشهير بالجيزة (الشرق الأوسط)

وبينما يؤكد الخبير الاقتصادي المصري الدكتور مدحت نافع، تكبد مصر أعباء اقتصادية جراء استضافة هذا العدد الكبير، فإنه في الوقت نفسه يرى أنه «يمكن الاستفادة منهم، إذا قُننت أوضاعهم المادية وطرق عملهم واستثمار بعضهم في مصر».

ويقترح نافع في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» تحصيل أي رسوم تخص الوافدين بمصر بالدولار، ويرى أنه يوجد من بين المقيمين في مصر مستثمرون يقدمون فرصة لتعزيز وجود رؤوس الأموال وحركة الاقتصاد.

ويراهن مصعب في النهاية على تفهم كثير من المصريين للأوضاع الخطرة في السودان، وعلى الروابط المشتركة بين الشعبين، لاستيعاب «الضيوف الجدد»، مؤكداً أن الحساسيات التي تنشأ بين «أبناء وادي النيل» ليست سوى «سحابة صيف عابرة» ستزول بمجرد انتهاء الحرب وتحسن الأوضاع في بلاده.



المحيطان الهادئ والهندي في مرمى التنافس الأميركي - الصيني

علما الصين والولايات المتحدة مرفوعان على أحد الأعمدة في ولاية أميركية خلال زيارة سابقة لوفد صيني إلى واشنطن (رويترز)
علما الصين والولايات المتحدة مرفوعان على أحد الأعمدة في ولاية أميركية خلال زيارة سابقة لوفد صيني إلى واشنطن (رويترز)
TT

المحيطان الهادئ والهندي في مرمى التنافس الأميركي - الصيني

علما الصين والولايات المتحدة مرفوعان على أحد الأعمدة في ولاية أميركية خلال زيارة سابقة لوفد صيني إلى واشنطن (رويترز)
علما الصين والولايات المتحدة مرفوعان على أحد الأعمدة في ولاية أميركية خلال زيارة سابقة لوفد صيني إلى واشنطن (رويترز)

أنفقت الولايات المتحدة 19 تريليون دولار على جيشها منذ نهاية الحرب الباردة. ذلك أكثر بمقدار 16 تريليون دولار مما أنفقته الصين، ويعادل ما أنفقته بقية دول العالم مجتمعة خلال الفترة نفسها. ومع ذلك، هناك من يعتقد أن الولايات المتحدة يمكن أن تخسر أي حرب كبيرة، خصوصاً مع الصين. وقبل 3 سنوات، قال الأدميرال فيليب ديفيدسون، الذي كان آنذاك قائد القوات الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، إنه في السنوات الست المقبلة، سوف «يتفوق» الجيش الصيني على جيش الولايات المتحدة وسوف «يُغيِّر الوضع الراهن بالقوة» في شرق آسيا. وفي عام 2019 قال مسؤول سابق في البنتاغون، إن كل تجارب «محاكاة» الحروب مع الصين، كانت تؤدي إلى «استسلام» الجيش الأميركي. كما خلصت تقارير عدة إلى أنه إذا قررت الصين غزو تايوان، فإن جيشها قادر على شل القوات الأميركية إذا قررت الوقوف في وجهها، وهو ما حفز تحليلات تتحدث عن أنها نتيجة «طبيعية» لتراجع واشنطن، وصعود بكين.

انتصار أم إدارة تنافس؟

غذَّت تلك التقديرات الانقسام وتباين وجهات نظر داخل الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بين مواجهة الصين و«الانتصار» عليها، أو إدارة «تنافس» معها بطريقة حازمة. وهو ما أدى إلى ظهور «تصدّعات»، لم تعهدها الولايات المتحدة في علاقتها مع حلفائها وشركائها، سواء في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، أو في غيرها من مناطق التوتر حول العالم.

وفي مقالة نُشرت مؤخراً في مجلة «فورين أفيرز» بعنوان «لا بديل عن الانتصار»، يثير كل من مايك غالاغر، الرئيس السابق للجنة الحزب الشيوعي الصيني في مجلس النواب الأميركي، وماثيو بوتينغر، النائب السابق لمستشار الأمن القومي المسؤول عن ملف الصين، وكلاهما من الحزب الجمهوري، مخاوف بشأن سياسة إدارة بايدن تجاه الصين. واقترح الرجلان أنه لا بد للولايات المتحدة من أن تنسى «إدارة المنافسة»، وتتبنى المواجهة بلا حدود، ثم تنتظر حتى ينهار الحزب الشيوعي الصيني من الداخل، بحيث ينتهي بشكل حاسم كما انتهت الحرب الباردة. ورغم أن بوتينغر وغالاغر حريصان على عدم الدعوة إلى تغيير النظام بالقوة، فإنهما يعرّفان النصر بقدرة «الصين على رسم مسارها الخاص المتحرر من الديكتاتورية الشيوعية». وكتبا أن الصين التي «تشبه» تايوان سياسياً، هي «الوجهة الوحيدة القابلة للتطبيق».

وزير الأمن العام الصيني وانغ شياوهونغ مرحباً بوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في بكين (رويترز)

في المقابل يدافع راش دوشي، المسؤول السابق عن ملف الصين في مجلس الأمن القومي الأميركي في إدارة بايدن، عن سياسات الرئيس، قائلاً إنها لم تندفع إلى الدبلوماسية مع بكين، بل قلصت الاجتماعات الرفيعة المستوى، وأوقفت مؤقتاً عديداً من الحوارات التي لم تحقق نتائج. وبدعم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، جرى التركيز على تجديد القوة الأميركية. وأضاف دوشي أن بكين كانت مقتنعة بأن الولايات المتحدة كانت في حالة انحدار خلال إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، وكشف الرئيس الصيني شي جينبينغ عن عبارة لخصت ثقة بكين المتزايدة بهذا الاتجاه: «العالم يمر بتغيرات عظيمة لم يسبق لها مثيل منذ قرن من الزمان». ورأى شي أن عزل ترمب للحلفاء والشركاء الأميركيين، والتعامل غير المنتظم مع جائحة كوفيد - 19 وتجاهل المعايير الديمقراطية، أدلة على أن «الشرق ينهض والغرب يتراجع». ولم تنظر بكين إلى ترمب على أنه صارم، بل على أنه لا يمكن التنبؤ به.

طموحات الصين واضحة

حتى الآن، لا يمكن إنكار طموح الرئيس الصيني شي جينبينغ إعادة تشكيل العالم. فهو يريد حل شبكة تحالفات واشنطن و«تطهير» الهيئات الدولية مما يصفها بـ«القيم الغربية». يريد إسقاط الدولار الأميركي من قاعدته والقضاء على قبضة واشنطن على التكنولوجيا الحيوية. وفي نظامه الجديد المتعدد الأقطاب، سوف ترتكز المؤسسات والأعراف العالمية على المفاهيم الصينية للأمن المشترك والتنمية الاقتصادية، والقيم الصينية للحقوق السياسية التي تحددها الدولة، والتكنولوجيا الصينية، حيث لن تضطر الصين بعد الآن إلى الكفاح من أجل القيادة، وسيتم ضمان مركزيتها. ولتحقيق ذلك، حدد شي جينبينغ تنفيذ أربعة برامج صينية: مبادرة الحزام والطريق، ومبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، ومبادرة الحضارة العالمية. وقد وضعت بكين مبادرة الأمن العالمية كنظام، على حد تعبير عديد من الباحثين الصينيين، لتوفير «الحكمة الصينية والحلول الصينية» لتعزيز «السلام والهدوء العالميين». وتدعو المبادرة، حسب تعبير شي إلى أن «ترفض الدول عقلية الحرب الباردة، وتعارض الأحادية، وتقول لا للسياسات الجماعية والمواجهة بين الكتل».

صورة وزعتها وكالة «شينخوا» لاستقبال شي في مطار سان فرنسيسكو الثلاثاء (أ.ب)

بيد أن التطورات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي شهدها العالم منذ أكثر من سنتين، بدءاً بالغزو الروسي لأوكرانيا، وعودة «الروح» لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، والأزمة الاقتصادية في الصين، والحرب الإسرائيلية على غزة، كشفت عن أن التقديرات بتراجع القوة الأميركية، مُبالَغ فيها بشكل كبير. وهناك من يرى أن تضخيم «خطر» الجيش الصيني، يقف وراءه «مجمع الدفاع والصناعة»، للحض على مزيد من الإنفاق في موازنة البنتاغون. ويؤكد عديد من الخبراء، بينهم صينيون، أن بكين ليست مستعدة عسكرياً لتنفيذ أي هجوم على تايوان. فدروس الحرب الأوكرانية ربما أجبرت بكين على إعادة النظر في قدرتها على شن حرب على الجزيرة، فضلاً عن تشكيكها في الاعتماد على التقنية العسكرية الروسية. ومقابل تكاثر الحديث عن نمو قدرات الصين العسكرية، للتحول إلى قوة بحرية عالمية، جاء إعلان البنتاغون عام 2022 عن أكبر زيادة في ميزانية تطوير سلاح البحرية الأميركية، بقيمة 27 مليار دولار، لامتلاك 350 سفينة حربية ليرفع من سقف التحدي معها.

وتقول صحيفة «واشنطن بوست»، إن إصلاح الجيش الأميركي وإعادة تأهيله، في مواجهة تنامي قوة الجيش الصيني، والتخلي عن أساليب ومعدات ثبت عدم فاعليتها في الحروب الجديدة، أخذ جرعة كبيرة، بعدما أظهر «مجمع الدفاع والصناعة والكونغرس»، حساً سليماً أخيراً.

وأضافت الصحيفة أن «إجماعاً جديداً بدأ ينشأ حول ضرورة إجراء تغييرات كبيرة»، وهو إجماع مدعوم بتوجيهات الجنرال تشارلز براون، الرئيس الجديد لهيئة الأركان المشتركة، الذي قال: «إذا لم نتغير، إذا فشلنا في التكيف، فإننا نخاطر بخسارة المعركة».

واشنطن تركز على الأهداف

في خطاب ألقاه في يناير (كانون الثاني) الماضي، تحدث مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، عن استراتيجية إدارة بايدن تجاه الصين، قائلاً إنها مبنية على «افتراضات واقعية» حول مدى قدرة الولايات المتحدة على إعادة تشكيل النظام السياسي في الصين. وقال إنها لا تركز على نوع العلاقة الثنائية التي تريدها واشنطن مع بكين ولا على نوع الحكومة التي يريد الأميركيون أن تحظى بها الصين، بل تركز على أهداف أميركية واضحة وطويلة الأمد: الحفاظ على منطقة المحيطين الهندي والهادئ خالية من الهيمنة، والحفاظ على القيادة الاقتصادية والتكنولوجية الأميركية، وتعزيز التعاون الدولي، ودعم الديمقراطيات الإقليمية. وأضاف قائلاً إنها تسعى إلى تنشيط مصادر القوة الأميركية من خلال الاستثمار في الداخل والتوافق مع الحلفاء والشركاء في الخارج، بما يمكِّنها من التنافس بشكل مكثف من خلال إضعاف الأنشطة الصينية التي تقوِّض المصالح الأميركية وبناء تحالف من القوى التي ستساعد الولايات المتحدة على تأمين أولوياتها، مع إدارة أخطار التصعيد.

تدريبات أميركية فلبينية مشتركة بالذخيرة الحية ضمن تدريبات "الكتف للكتف" السنوية في ميناء لاواغ الفلبيني، مطلع مايو (أيار) الماضي (رويترز)

ويستبعد كريغ سينغلتون، الزميل البارز لشؤون الصين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، أن تنجح هذه السياسة في عكس اتجاه تدهور العلاقات بين البلدين. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لا يمكن للمجاملات الدبلوماسية أن تحجب الانقسامات المتجذرة بين البلدين». وشكَّك في الدور الصيني قائلاً إن «هدف بكين الحقيقي هو تعزيز صورتها العالمية وتسليط الضوء على ما تعدها إخفاقات القيادة الأميركية العالمية».

المحيطان الهندي والهادئ

يركز صناع السياسات والخبراء الأميركيون على سؤالين رئيسيين حول المنافسة الاستراتيجية طويلة المدى بين الولايات المتحدة والصين: كيف يمكن تقييم مدى جودة أداء الولايات المتحدة مقارنةً بالصين، وأي منهما لديه مزيد من القوة والنفوذ في منطقة المحيطين الهندي والهادئ؟

تناول باحثون في مركز «راند»، هذه الأسئلة من خلال تحديد معنى التأثير أولاً في سياق المنافسة بين القوى العظمى وإنشاء إطار لقياس نفوذ الولايات المتحدة مقابل الصين في بلدان ثالثة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وبشكل عام، خلص هؤلاء إلى القول إنه من الواضح أن لا الولايات المتحدة ولا الصين «تفوز» بالمنافسة على النفوذ في منطقة المحيطين الهادئ والهندي ككل، بل تتمتع كل منهما بمستويات متفاوتة من النفوذ فيها. فنفوذ الولايات المتحدة أكبر في أستراليا والهند واليابان والفلبين وسنغافورة منه في إندونيسيا وماليزيا وتايلاند وفيتنام. وفي حين ترى دول المنطقة أن الولايات المتحدة تتمتع بنفوذ دبلوماسي وعسكري أكبر من الصين، تتمتع الصين بنفوذ اقتصادي أكبر.

ومع ذلك، فإن ازدياد تصلب النظام السياسي، وازدياد تركز السلطة في بكين، ضيّق حيّز السياسات المحلية وقدرة السلطات على المناورة خارجياً في ظل افتقارها إلى الأمن الغذائي والطاقة، حيث تستورد نصف نفطها تقريباً من الشرق الأوسط. وفي حال اندلاع أي نزاع، فإن البحرية الصينية التي تعد أكبر قوة بحرية من ناحية عدد السفن، مع امتلاكها أخيراً 3 حاملات للطائرات (مقابل 11 للولايات المتحدة) لن تكون قادرة على منع قطع الإمدادات الحيوية عنها.

وتواجه الصين كذلك عقبات كبيرة لتحقيق طموحاتها الخارجية، في ظل تقديرات استراتيجية تشير إلى أن الجيش الصيني سيبقى مقيداً نسبياً في المدى المنظور في توسيع قدرته خارج محيط الصين المباشر. ويُرجح أن تواجه قيوداً مطّردة في الميزانية على مبادراتها الخارجية الضخمة خلال السنوات المقبلة، بينما تكافح مع اقتصاد مأزوم، حيث تتراجع توقعات الاقتصاديين عن الموعد الذي ستتفوق فيه الصين على الولايات المتحدة في الناتج المحلي الإجمالي، من سنوات إلى عقود.

زار بلينكن منطقة بوند الشهيرة في شنغهاي حيث تذوق المأكولات المحلية وشاهد مباراة في كرة السلة (رويترز)

في المقابل، تتمتع الولايات المتحدة باستقلالية تامة في توفير الطاقة والأمن الغذائي، وامتلاكها العملة الاحتياطية الأولى في العالم، رغم محاولة الصين وروسيا العمل معاً على الحد من الاعتماد على الدولار. لكنهما لن يتمكنا أبداً من إخراج الدولار من مكانته الأولى داخل شبكة الدفع العالمية، حسب تشن يي جون، عضو الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية.

وإلى جانب ما سبق، فإن الصين مطالَبة بالمواءمة بين استخدام القوة والتأثير السياسي والاقتصادي على نطاق عالمي، وهي شروط تعريف «القوة العظمى»، بينما تواجه محيطاً جغرافياً صعباً. ومقابل استفادة الولايات المتحدة من محيط جغرافي وحدود سلمية ملائمة، تحيط بالصين 14 دولة، 4 منها مسلحة نووياً، هي الهند وروسيا وباكستان وكوريا الشمالية. كما أن 5 دول «جارة» لديها نزاعات إقليمية لم تُحل معها، هي الهند، واليابان، وروسيا، وكوريا الجنوبية، وفيتنام. ثم إن للولايات المتحدة وجوداً عسكرياً دائم الانتشار في المنطقة، مدعوماً باتفاقيات وقواعد عسكرية تمكّنها من الوصول إلى البلدان الواقعة على أطراف الصين.

دروس حرب أوكرانيا

ومع الدروس المستقاة من الحرب في أوكرانيا، تقول «واشنطن بوست»، إنه بدلاً من حاملات الطائرات والطائرات المقاتلة باهظة الثمن المعرّضة للخطر، تم الاعتماد على المسيّرات والأقمار الاصطناعية. فالبحرية والدبابات الروسية والأوكرانية تكاد تكون بلا دفاع ضد هجمات المسيّرات. ومع الحاجة إلى أنظمة إلكترونية مستقلة قادرة على العمل من دون نظام تحديد المواقع العالمي، تصمم مختبرات الدفاع في جميع أنحاء الولايات المتحدة وتنشئ أنظمة ذات ذكاء اصطناعي مدمجة في الأسلحة نفسها، حتى لا يُضطروا إلى الاعتماد على إشارات قابلة للتشويش من الفضاء. وتقود الحملة من أجل إصلاح البنتاغون، كاثلين هيكس، نائبة وزير الدفاع، التي أعلنت في أغسطس (آب) الماضي، مبادرة تهدف إلى نقل الدروس التقنية المستفادة من أوكرانيا إلى مناطق المعارك المحتملة، في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وطلبت طائرات من دون طيار رخيصة الثمن للاستخدام في البر والبحر والجو، وهو ما تحقق سريعاً بشكل لم يتصوره البنتاغون نفسه. وقالت هيكس في خطاب في يناير، إن المبادرة، في الأشهر الخمسة الأولى من عمرها، أنجزت ما يستغرقه البنتاغون عادةً من سنتين إلى ثلاث سنوات، وتم تسليم أول أنظمة الطائرات من دون طيار الشهر الماضي. وتنشر فرق العمل سفناً وطائرات غير مأهولة في منطقة الخليج والبحر الأبيض المتوسط ​​ والبحر الكاريبي. ونظراً لأن المحيط الهادئ بيئة معقدة ومعادية، فإن برنامج الطائرات من دون طيار البحري القوي، سيحتاج إلى «قيادة الأنظمة الآلية» الخاصة به، مع سلطات مثل تلك التي أنشأتها البحرية النووية.

ومع تخصيص إدارة بايدن ما يقارب 100 مليار دولار لدعم وتطوير وتشجيع الابتكارات العلمية، في سعي للعودة إلى تخصيص ما يعادل 2 في المائة من ميزانيتها للاستثمار في الثورة التكنولوجية الجديدة، كما كانت خلال مواجهتها للاتحاد السوفياتي، الأمر الذي مكّنها من الانتصار في «حربها الباردة» معه، يصبح السؤال: كيف يمكن للصين تحقيق أهدافها، في ظل مجموعة ضخمة من التحديات ونقاط الضعف البنيوية، التي ستفرض عليها آجلاً أم عاجلاً، تقنين حدود مواجهتها مع الولايات المتحدة؟