تجميد واشنطن شحنة سلاح لإسرائيل... نقطة في بحر المساعدات

حرب غزة تشهد ذروة الدعم العسكري منذ 50 عاماً

لافتة كُتب عليها «1500 طفل قُتلوا بقذائف أميركية» رُفعت خلال مظاهرة لإحياء يوم النكبة في ولاية تكساس الأميركية (إ.ب.أ)
لافتة كُتب عليها «1500 طفل قُتلوا بقذائف أميركية» رُفعت خلال مظاهرة لإحياء يوم النكبة في ولاية تكساس الأميركية (إ.ب.أ)
TT

تجميد واشنطن شحنة سلاح لإسرائيل... نقطة في بحر المساعدات

لافتة كُتب عليها «1500 طفل قُتلوا بقذائف أميركية» رُفعت خلال مظاهرة لإحياء يوم النكبة في ولاية تكساس الأميركية (إ.ب.أ)
لافتة كُتب عليها «1500 طفل قُتلوا بقذائف أميركية» رُفعت خلال مظاهرة لإحياء يوم النكبة في ولاية تكساس الأميركية (إ.ب.أ)

استُقبل قرار إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تجميد شحنة قنابل ثقيلة لإسرائيل مطلع الشهر الحالي بموجة ترحيب وتهليل من الداعين إلى تغيير سياسة الدعم الأميركية لإسرائيل. لكن هذه الشحنة ليست إلا قطرة في بحر المساعدات الأميركية لتل أبيب التي تتصدر لائحة البلدان المتلقية هذه المساعدات، كما أنها لا تشمل إلا جزءاً بسيطاً من أسلحة هجومية تخشى الإدارة أن تستعملها إسرائيل في عملية رفح، مقابل الإبقاء التام على الأسلحة الدفاعية التي تقدمها الولايات المتحدة لإسرائيل ولا يشملها قرار التجميد. وهذا تحديداً ما تحدث عنه بايدن قائلاً: «لقد أوضحت أنهم إذا دخلوا رفح، فلن أزوّدهم بالأسلحة التي استخدمت تاريخياً للتعامل مع رفح». لكنّه سرعان ما استدرك موضحاً في مقابلة مع شبكة «سي إن إن» بأن بلاده ستستمر في تقديم أسلحة دفاعية لإسرائيل، وأن التجميد يتعلق بجزئية رفح فقال: «سنواصل التأكد من أن إسرائيل آمنة في ما يتعلق بالقبة الحديدية، وقدرتها على الرد على الهجمات التي انطلقت من الشرق الأوسط».

والولايات المتحدة هي أكبر مصدّر للأسلحة في العالم. نفوذ تعتمد عليه للحفاظ على مكانتها كقوة عظمى توفّر سلاحاً قيّماً من خلال صفقات أسلحة دورية وباهظة الثمن من جهة، وتقديم مساعدات عسكرية لبلدان تحتاج إلى دعمها من جهة أخرى.

لكن هذه القوة مثيرة للجدل. فلطالما ارتبط النفوذ الأميركي بترويج الولايات المتحدة للديمقراطية، لتفرض الإدارات المتعاقبة على بعض البلدان شروطاً كثيرة مقابل تقديم هذه المساعدات والأسلحة والتساهل في تطبيقها مع بلدان أخرى؛ ما طرح تساؤلات حول ازدواجية المعايير الأميركية فيما يتعلق بإسرائيل.

وجاءت حرب غزة، التي تزامنت مع سباق انتخابي محتدم بين الرئيس الحالي جو بايدن وسلفه دونالد ترمب، لتدفع بقاطن البيت الأبيض إلى اتخاذ خطوة نادرة زعزعت العلاقة مع حليف الولايات المتحدة التاريخي: تجميد شحنة قنابل لتل أبيب تخوفاً من اجتياح رفح، في قرار واجه ردود فعل متفاوتة في الأوساط السياسية، من مرحّب بتطبيق الشروط الأميركية للضغط على إسرائيل للحد من سقوط الضحايا المدنيين، إلى مندّد بالتسبب بإيذاء العلاقات التاريخية بين البلدين.

 

رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون متحدثاً في مؤتمر صحافي لحث مجلس الشيوخ على الموافقة على قانون دعم المساعدة الأمنية لإسرائيل (إ.ب.أ)

سياسة «الشيك على بياض»

معلوم أن إسرائيل تتمتع بمكانة بارزة في سلم المساعدات الأميركية؛ إذ تتصدر لائحة المساعدات الخارجية منذ الحرب العالمية الثانية. فبحسب أرقام لمجلس العلاقات الخارجية، حصلت تل أبيب على أكثر من 300 مليار دولار من الولايات المتحدة منذ العام 1946، منها أكثر من 220 مليار دولار من المساعدات العسكرية.

ولا يقتصر الدعم الأميركي الواسع النطاق لإسرائيل على حزب دون الآخر، بل يتساوى فيه الديمقراطيون والجمهوريون. وكان الكونغرس خصص مبلغاً يتراوح بين 3 مليارات و4 مليارات سنوياً لإسرائيل منذ العام 1970 ضمن المخصصات المالية العسكرية التي يقرّها المجلس التشريعي، ليصل المبلغ إلى ذروته الشهر الماضي مع إقرار مبلغ 15 مليار في إطار الدعم الأميركي لإسرائيل في حرب غزة، وهو مبلغ، بحسب مجلس العلاقات الخارجية، يتخطى أي تمويل فردي لتل أبيب منذ 50 عاماً.

لكن الطريق لم تكن سهلة أمام إقرار المبلغ المطلوب من قِبل الإدارة، فقد اصطدم بحائط التجاذبات الحزبية في موسم انتخابي حامٍ، فسعى عدد صغير من الجمهوريين والديمقراطيين إلى عرقلته لأسباب مختلفة. من جهة، طالبت الأقلية الجمهورية بالتركيز على الأزمات الداخلية الأميركية، كالهجرة على سبيل المثال، بينما عارض بعض الديمقراطيين التقدميين المبلغ بسبب انتهاكات إسرائيل حقوق الإنسان من جهة أخرى.

وسرعان ما هبّ صقور الجمهوريين للتصدي لهذه المساعي المعرقلة لإقرار التمويل، فأحبطوها وتم إقرار القانون بأغلبية أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب في أبريل (نيسان) 2024، ليوقّع عليها بايدن وتصبح قانوناً ساري المفعول.

سوابق تاريخية

صحيح أنه بمجرد أن أعلنت إدارة بايدن عن تجميد شحنة الأسلحة، انهال الجمهوريون بوابل الانتقادات متهمين الإدارة الديمقراطية بالانحياز ضد تل أبيب، وإلى أن مسيرة الديمقراطيين أدت إلى تأزم العلاقات مع حليف الولايات المتحدة التاريخي في المنطقة، لكن الأدلة تقول غير ذلك. فإدارة الرئيس السابق باراك أوباما الديمقراطية هي التي وقّعت مذكرة التفاهم التاريخية مع إسرائيل في العام 2016 التي تعهدت بتخصيص 38 مليار دولار لتل أبيب على مدى 10 أعوام بدءاً من العام 2018.

كما أن الإدارات الجمهورية، وليست الديمقراطية هي التي سبق وأن فرضت قيوداً على إسرائيل بسبب انتهاكها الأعراف الدولية، بدءاً من إدارة رونالد ريغان في العام 1981 والتي جمّدت تسليم مقاتلات «F-16» أميركية لإسرائيل لمدة شهرين بعد أن قصفت مفاعلاً نووياً في العراق. وبعد ذلك بعام، في يوليو (تموز) 1982 جمّد ريغان شحنة من القذائف العنقودية لتل أبيب بعد أن استعملتها إسرائيل خلال اجتياح لبنان.

ولم يكن ريغان الرئيس الجمهوري الوحيد الذي اتخذ خطوات من هذا النوع، ففي مارس (آذار) 1992 أجّل جورج بوش الأب تسليم ديون بقيمة 10 مليارات دولار لإسرائيل بسبب مخاوف من مضي إسرائيل قدماً في خطط بناء مستوطنات في الضفة الغربية.

وحول ذلك، يقول كبير المستشارين العسكريين السابق في وزارة الخارجية الأميركية العقيد المتقاعد عباس دهوك: «قانون المساعدات الخارجية وقانون تصدير السلاح يوفران شروطاً واضحة، لكن التطبيق يعتمد على سياسات الإدارة داخلياً وخارجياً. واستعمال المساعدات العسكرية أداةً سياسية هي تقليد قديم في السياسة الخارجية الأميركية تتخطى التعامل مع إسرائيل».

لكن هذه المرة، جاء قرار التجميد كمفاجأة للداعمين والرافضين له على حد سواء.

فلم تمر أيام قليلة على التوقيع حتى أعلنت إدارة الرئيس الأميركي، رداً على تسريبات صحافية، بأنها قررت تجميد إرسال شحنة من الأسلحة لإسرائيل. ويتحدث جون ألترمان، المسؤول السابق في وزارة الخارجية ومدير برنامج الشرق الأوسط في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية، عن هذا القرار، فيقول في مقابلة مع «الشرق الأوسط» إن «تجميد شحنة الأسلحة المؤلفة من قنابل قوية هي امتداد منطقي للجهود الأميركية التي بدأت في أكتوبر (تشرين الأول) لتغيير طريقة تفكير إسرائيل بهذه الحرب». ويضيف ألترمان: «منذ البداية حاول المسؤولون الأميركيون التشديد لإسرائيل بأنه ليس هناك حل عسكري بحت للصراع مع (حماس)، وعليها أن تفكر في حماية المدنيين الفلسطينيين لأنهم سيكونون أساس حكومة ما بعد الحرب. إن القلق بشأن تسليم القنابل هو أنها ستتسبب على الأرجح بضرر واسع النطاق لجهود إسرائيل في ضرب قادة (حماس)؛ وهو ما تعتقد الولايات المتحدة أنه سيضر بمصلحة كل من إسرائيل وأميركا». واعتبر ألترمان أن خطوة بايدن «هي بداية التغيير في السياسة الأميركية وقد تؤدي إلى بداية تغيير في السياسة الإسرائيلية».

في المقابل، لفت دهوك إلى أن القرار «نابع من دوافع سياسية بحتة»، وقال دهوك لـ«الشرق الأوسط»: «إدارة بايدن تتعرض لضغوط شديدة من الجمهوريين والديمقراطيين والناخبين الأميركيين وطلاب الجامعات لتمارس نفوذها على حكومة نتنياهو. وهذه الخطوة تعكس تقليداً قديماً في السياسة الخارجية الأميركية، حيث يتم استعمال المساعدات العسكرية كأداة سياسية».

وبالفعل، هذا ما تعول عليه الإدارة التي أكدت أنها ملتزمة بالقوانين الأميركية، وأن الأسلحة المجمدة لا تشمل أي أسلحة دفاعية، التزاماً بما يعرف بـ«قانون لايهي» الذي أقرّه الكونغرس في العام 1997، وتحسباً لتقرير مرتقب للكونغرس بناء على مذكرة تفاهم رئاسية أقرها بايدن في فبراير (شباط) 2024 عُرفت باسم «NSM-20».

موظفون في الكابيتول يرفعون لافتة للمطالبة بـ«إنقاذ رفح» قُبيل التصويت على قانون تجميد صفقة السلاح لإسرائيل (أ.ف.ب)

مذكرة الأمن القومي رقم 20

لم يأتِ قرار الإدارة بالتجميد، رغم ندرته، من فراغ، بل تزامن مع موعد تسليم الإدارة لتقريرها الملزم قانونياً إلى الكونغرس، بحكم المذكرة الرئاسية التي أقرّها بايدن في 8 فبراير 2024، وتعطي هذه المذكرة الرئاسية، التي تتمتع بصلاحيات قانونية، وزير الخارجية الأميركي فترة 45 يوماً لتوفير «ضمانات مكتوبة موثوقة وذات مصداقية» من حكومات الدول الأجنبية التي تحصل على مساعدات عسكرية أميركية والتي تواجه صراعات حالية كإسرائيل وأوكرانيا. وعلى هذه الضمانات أن تشمل تعهدات بأنها تستعمل المساعدات العسكرية بالتوافق مع القوانين الدولية الإنسانية وقوانين حقوق الإنسان.

وفي حال فشلت هذه الحكومات في تقديم التعهدات المذكورة في الوقت المطلوب، يتم تجميد هذه المساعدات العسكرية باستثناء أنظمة الدفاع الجوي وأسلحة دفاعية أخرى، وهو ما فعلته إدارة بايدن جزئياً مع إسرائيل، بعد أن خلصت في تقريرها إلى أن الأدلة غير كافية بشأن انتهاك إسرائيل لقواعد استعمال الأسلحة الأميركي.

ويوافق كبير الموظفين السابق في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب جايسون ستاينبوم على مقاربة بايدن في هذه الإطار، فيقول لـ«الشرق الأوسط» إن إسرائيل لديها «حق الدفاع عن نفسها لتدمير (حماس)، لكن لديها أيضاً واجب الحد من وقوع الضحايا المدنيين على قدر المستطاع والسماح بمرور المساعدات الإنسانية، وهي لم تقم بهذا بالشكل الكافي، والرئيس بايدن محق في وضع شروط على المساعدات العسكرية الهجومية لإسرائيل على ضوء تصرفاتها في رفح ومع المدنيين في غزة».

يرى بعض المنتقدين أن هذه المذكرة التي أقرّها بايدن لم تكن سوى أداة سياسية وظفها الرئيس الأميركي لاسترضاء الشق التقديم من حزبه والذي يعارض سياسته في حرب غزة، ويشير هؤلاء إلى وجود قوانين أميركية كقانون المساعدات الخارجية وقانون لايهي الذي يحتوي فعلياً على الشروط نفسها.

قانون لايهي

في العام 2017 كتب السيناتور الديمقراطي حينها باتريك لايهي مشروع قانون يحُول دون تقديم مساعدات عسكرية للوحدات الأمنية في دول أجنبية تنتهك حقوق الإنسان، ليقرّه الكونغرس في إطار قانون المساعدات الخارجية. فبالنسبة للسيناتور عن ولاية فيرمونت، الذي خدم في الكونغرس منذ العام 1975 وتقاعد في 2023 عن عمر يناهز 81 عاماً، يحرص قانونه على «وقف المساعدات الأميركية عندما تكون هناك أدلة واضحة وموثوق بها عن انتهاكات لحقوق الانسان»، لكن القانون يعطي الصلاحية للإدارة الأميركية بتخطيه «للسماح بتقديم أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة في هذه البلدان».ويقول ستاينبوم إن القانون لا ينطبق على مبيعات الأسلحة، ويشرح قائلاً: «إن تطبيق قانون لايهي معقد؛ فالقانون يشمل الأسلحة ضمن المساعدات الأميركية، لكن الأسلحة الاخرى التي باعتها أميركا لإسرائيل لا تقع ضمن القانون المذكور. إذن، سيتطلب نظر الحكومة الأميركية في الانتهاكات المتعلقة بالقانون وقتاً طويلاً». مضيفاً: «إن فرض شروط على تسليم الأسلحة هي إشارة تدل على خلاف جدي بين البلدين اللذين عادة ما يسعيان جاهدين إلى عدم إظهار خلافاتهما إلى العلن».

وساهم السيناتور لايهي المخضرم في رسم صورة جديدة للمساعدات الأميركية وتاريخها الطويل الذي مرّ بمراحل كثيرة منذ سعيها إلى تغيير مسار الأنظمة الشيوعية خلال الحرب الباردة، مروراً بالتصدي للاتجار بالمخدرات في التسعينات ووصولاً إلى مواجهة الأفكار المعادية للغرب في الأعوام اللاحقة. فالولايات المتحدة هي من البلدان الأبرز التي تقدم مساعدات عسكرية خارجية وتوفر تدريبات عسكرية للجيوش وقوى الأمن الاجنبية، ففي العام 2012 على سبيل المثال، وصلت النفقات الأميركية على برامج من هذا النوع إلى أكثر من 25 مليار دولار قدمتها لنحو 100 بلد حول العالم.

ويقول ألترمان رداً على الاتهامات لأميركا بازدواجية المعايير في تطبيق الشروط على تسليم الأسلحة: «هناك قيود قانونية على المساعدات العسكرية ومبيعات الأسلحة وبعض الاستثناءات التي تسمح للرئيس بالتصرف في بعض القضايا لتقديم مصلحة الأمن القومي، حتى إن لم يتم احترام الشروط المذكورة. بشكل عام، إن حافز الولايات المتحدة هو تقديم المصالح القومية».

 

هل تتأثر عملية رفح؟

أطفال فلسطينيون يتفقدون مكان قذيفة إسرائيلية في رفح (أ.ف.ب)

وفي خضم الجدل الدائر حول السياسة الأميركية تجاه إسرائيل، وتجميد شحنة القنابل في مساعي للضغط على تل أبيب للتراجع عن اجتياح رفح، يقول ألترمان: «لعقود تصرفت الولايات المتحدة على افتراض أن إسرائيل تعيش في بيئة تهديد خطيرة، وأن لديها فهماً جيداً للتهديدات التي تواجهها وقدرة مستقلة قوية للتصدي لهذه التهديدات. كما كان هناك تصور بأنه إذا شعرت إسرائيل بالأمان فستكون قادرة على تقديم تنازلات للسلام، لكن عندما تشعر بالتهديد فمن المستبعد ان تقوم بذلك».

واعتبر ألترمان أنه فيما يتعلق برفح، فإن الطرفين الأميركي والإسرائيلي لا يتوقعان أن خطوة الادارة هذه سوف تؤدي إلى تغيير فوري في خطط إسرائيل.ويوافق دهوك مع هذا التقييم مشيراً إلى أنه ورغم أن قرار بايدن بتجميد شحنة الذخيرة خلق انتقادات سياسية بسبب الضغوط الداخلية فان التأثير المباشر على العمليات في رفح هو بسيط جداً، مضيفاً: «الجيش الإسرائيلي يملك طرقاً بديلة لشن مهامه العسكرية ويستفيد من توجيهات الجيش الأميركي للحد من الخسائر في الارواح والممتلكات من الطرفين».

أما ستاينبوم فيعتبر أن «إسرائيل بلد مستقل وستقوم بما تعتقد أنه ضروري لحماية أمنها القومي»، مشيراً إلى أنها تجاوبت مع بعض المطالب الأميركية عبر السماح بدخول بعض المساعدات الانسانية لغزة «لكن لا يبدو أن هذه القيود المحدودة على الأسلحة الأميركية أدت بشكل جدي إلى تغيير مقاربة إسرائيل فيما يتعلق برفح»، على حد تعبيره.


مقالات ذات صلة

تقرير: ترمب سيشرف شخصياً على المفاوضات بشأن أزمة غزة

المشرق العربي تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)

تقرير: ترمب سيشرف شخصياً على المفاوضات بشأن أزمة غزة

قالت كارولين ليفيت، التي أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب أنها ستكون متحدثةً باسم البيت الأبيض، لموقع «أكسيوس»، إن ترمب سيشرف شخصياً على المفاوضات

المشرق العربي مبنى مدمّر نتيجة القصف الإسرائيلي في جباليا بشمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

«القسام»: مقتل أسيرة في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة

أعلن المتحدث باسم «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» الفلسطينية، أبو عبيدة، اليوم (السبت)، مقتل أسيرة إسرائيلية في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أرشيفية لمُسيّرات تابعة لـ«المقاومة الإسلامية في العراق»

«جرس إنذار» في العراق من هجوم إسرائيلي واسع

ينشغل الفضاء السياسي والشعبي العراقي بصورة جدية هذه الأيام باحتمالات توسيع إسرائيل دائرة حربها؛ لتشمل أهدافاً كثيرة في عموم البلاد.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي فتاة فلسطينية نازحة تأكل كسرة خبز في مخيم برفح جنوب قطاع غزة (د.ب.أ)

مقتل 3 فلسطينيات بسبب «ربطة خبز» في غزة

تقف يومياً ولساعات طوابير طويلة من الفلسطينيين أمام المخابز للحصول على «ربطة خبز» واحدة تتكون من نحو 22 رغيفاً.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت (أ.ب)

إسرائيل ليست عضواً في «الجنائية الدولية»... كيف تلاحق المحكمة نتنياهو وغالانت؟

ما يجب أن نعرفه عن النطاق القانوني للمحكمة الجنائية الدولية، حيث تسعى إلى اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

السلطة الفلسطينية... تكون أو لا تكون

حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
TT

السلطة الفلسطينية... تكون أو لا تكون

حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)

حين أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه سيتوّجه إلى غزة في خضّم الحرب المسعورة التي تشنها إسرائيل، كان يعرف أكثر من غيره أنها خطوة شبه مستحيلة، لكنه أراد إطلاق رسائله الخاصة، وأهمها على الإطلاق أن السلطة الفلسطينية «موجودة»، وهي «صاحبة الولاية» على الأراضي الفلسطينية،

سواء في غزة التي تئن تحت وطأة حرب مدمّرة، وتضع لها إسرائيل خططاً شتى لما تسميه «اليوم التالي»، من غير أن تأخذ السلطة بالحسبان، أو الضفة الغربية التي ترزح تحت وطأة حرب أخرى، تستهدف من بين ما تستهدف تفكيك السلطة.

وبعد عام على الحرب الأكثر مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية، تخوض السلطة أصعب معركة عرفتها يوماً، وهي معركة «البقاء».

ولم تقتصر رسائل عباس على إسرائيل وحدها، بل شملت أولاً الولايات المتحدة التي انخرطت في نقاشات واسعة مع إسرائيل حول احتمالات انهيار السلطة، وراحت تتحدث عن سلطة متجددة، وثانياً، دولاً إقليمية وعربية تناقش مستقبل السلطة وشكل الهيئة التي يفترض أن تحكم قطاع غزة بعد الحرب، وأخيراً الفصائل الفلسطينية التي تهاجم و«تزايد» على السلطة، وترى أنها غير جديرة بحكم غزة، وتدفع باتجاه حلها.

الأيام الأصعب منذ 30 عاماً

تعيش السلطة الفلسطينية، اليوم، واحدة من أسوأ مراحلها على الإطلاق منذ تأسست قبل 30 عاماً.

فبعدما تقلصت المساحات التي تسيطر عليها في الأراضي الفلسطينية، وفيما هي تكابد بلا انتخابات رئاسية، وبلا مجلس تشريعي، أو أفق سياسي واقتصادي، وبالتزامن مع أزمة مالية خانقة، وأخرى أمنية، ومشاكل داخلية لا تحصى، وجدت هذه السلطة نفسها في مواجهة «طوفان» جديد؛ طوفان تغذيه أكثر حكومة يمينية تشن هجوماً منظماً وممنهجاً ضدها، وضد شعبها، وفيه كثير من المس بهيبتها وبرنامجها السياسي ووظيفتها، إلى الحد الذي يرتفع فيه السؤال حول إمكانية نجاتها أصلاً في الضفة، قبل أن تعود لتحكم غزة ثانية.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال كلمته في الأمم المتحدة بنيويورك (إ.ب.أ)

وبين الفينة والأخرى يتردد سؤال معقد بعض الشيء، ويبدو منطقياً أحياناً، وغير بريء أحياناً أخرى، وهو: لماذا لا تحل السلطة نفسها؟

هذا سؤال يبرز اليوم مجدداً، مع توسيع إسرائيل حربها ضد الفلسطينيين في الضفة وغزة، وإن كان في صيغة مختلفة كالقول: لماذا لا تسلم السلطة المفاتيح لإسرائيل، وتزيد عليها الضغوط؟

الأكيد أن السلطة لا تُخطط لحل نفسها، وهذا ينطلق من «قناعة وطنية» بأنها وجدت لنقل الفلسطينيين من المرحلة الانتقالية إلى إقامة الدولة، وأنها لا تعمل وكيلاً لدى لاحتلال.

ويعرف المسؤولون الفلسطينيون أنه لطالما أرادت إسرائيل أن تجعل السلطة وكيلاً أمنياً لها، لكنهم يقولون في العلن والسر، إنهم ليسوا قوات «لحد» اللبنانية، وإنما هم في مواجهة مفتوحة لإنهاء الاحتلال، وهذا سبب الحرب التي تشنّها تل أبيب على السلطة سياسياً وأمنياً ومالياً.

وفي حديث مع «الشرق الأوسط»، قال توفيق الطيراوي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومسؤول جهاز المخابرات السابق: «إن السلطة لا تنهار لأنها نتاج طبيعي لنضال طويل للثورة الفلسطينية، وستبقى حتى إقامة الدولة».

هل هو قرار فلسطيني وحسب؟

ربما يرتبط ذلك أكثر بما ستؤول إليه الحرب الحالية الآخذة في الاتساع، وهي حرب يتضح أنها غيّرت في عقلية الإسرائيليين قبل الفلسطينيين، وفي نهج وسلوك وتطلعات الطرفين، وماضية نحو تغيير وجه الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يمتنع حتى الآن عن وضع خطة واضحة لما بعد الحرب، لا في الضفة ولا في غزة، يجاهر أركان حكومته وحلفاؤه بما سيأتي، وهي خطة على الأقل واضحة جداً في الضفة الغربية، وتقوم على تغيير الواقع والتخلُّص من السلطة وإجهاض فكرة إقامة الدولة.

وقد بدأ الانقلاب على السلطة بوضوح بعد شهرين فقط من بدء الحرب على القطاع، نهاية العام الماضي، عندما خرج نتنياهو ليقول إن جيشه يستعد لقتال محتمل مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهي تصريحات فهمتها الرئاسة الفلسطينية فوراً، قائلة إنها تعبر عن نياته المبيتة لاستكمال الحرب على الفلسطينيين من خلال السلطة بعد «حماس»، وفي الضفة بعد غزة.

تصريحات نتنياهو التي جاءت في جلسة للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، أعقبها توضيح بالغ الأهمية من نتنياهو ومفاده أن «الفارق بين السلطة و(حماس) هو أن الأخيرة تريد إبادتنا حالاً، أما السلطة فتخطط لتنفيذ ذلك على مراحل».

فلسطينيون في وقفة احتجاجية في مدينة رام الله بالضفة الغربية الثلاثاء طالبوا بالإفراج عن جثامين أسراهم في سجون إسرائيل (أ.ف.ب)

ويفسر هذا الفهم لماذا عَدّ نتنياهو أن اتفاق «أوسلو» كان خطأ إسرائيل الكبير، موضحاً أن «السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية و(حماس) في غزة يريدان تدمير إسرائيل... طرف يقول ذلك صراحة، والآخر يفعل ذلك من خلال التعليم والمحكمة الجنائية الدولية».

وهجوم نتنياهو على السلطة ليس جديداً، لكنه الأوضح الذي يكشف جزءاً من خطته القائمة على تقويض السلطة. ومنذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تتعامل إسرائيل مع السلطة كأنها غير موجودة.

الضفة مثل غزة ولبنان

وصعّدت إسرائيل في الضفة الغربية منذ بدء الحرب في قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي، وقتلت أكثر من 720 فلسطينياً، في هجمات متفرقة، تميّزت بإعادة استخدام الطائرات في عمليات اغتيال، وتنفيذ عمليات واسعة.

وكان لافتاً أن التصعيد في الضفة كان مبادرة إسرائيلية، إذ هاجم الجيش مدناً ومخيمات وبلدات، وراح يقتل الفلسطينيين قصفاً بالطائرات ويعتقلهم، كما يدمر البنى التحتية، مستثيراً الجبهة الضفَّاوية، بحجة ردع جبهة ثالثة محتملة.

اليوم لا تكتفي إسرائيل بالمبادرة، بل تريد أن تجعل الضفة أحد أهداف الحرب، مثل غزة ولبنان. ولم يتردد وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير، بالقول إن الحرب التي تخوضها إسرائيل «ليست فقط ضد غزة وضد (حزب الله) اللبناني، بل هي أيضاً في الضفة»، مؤكداً أنه طلب من رئيس الوزراء أن يدرج ضمن أهداف الحرب تحقيق النصر في الضفة أيضاً.

لكن لماذا تخشى إسرائيل الضفة إلى هذه الدرجة؟ يقول مسؤول فلسطيني -فضّل عدم الكشف عن اسمه- لـ«الشرق الأوسط»: «إنهم يستهدفون الضفة لضرب المشروع الوطني الفلسطيني، ويسعون إلى تقويض السلطة».

وأضاف: «يصعّدون هنا حتى يثبتوا للفلسطينيين أن السلطة ضعيفة وواهنة ولا تحميهم، ويجب أن ترحل، لأنها غير جديرة بهم».

قوات إسرائيلية خلال عملية اقتحام لمخيم فلسطيني قرب رام الله بالضفة مارس الماضي (أ.ف.ب)

وخلال الأسابيع القليلة الماضية فقط، حذّرت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من أن الوضع الأمني في الضفة قد يتطور إلى انتفاضة؛ ولذلك دفع الجيش بـ3 كتائب احتياط إلى الضفة، لأهداف «تشغيلية ودفاعية» على ما قال، وللقيام بمهام «عملياتية».

وجاء القرار الذي تحدّث عن تعزيز الدفاع، وسط تصاعد الصراع في المنطقة وقبيل ذكرى السابع من أكتوبر، لكن إذا كانت هذه خطة الحكومة الإسرائيلية، فيبقى من السابق لأوانه معرفة إن كانت نجحت في مهمتها أم لا.

يكفي لجولة صغيرة على مواقع التواصل الاجتماعي أن تشير إلى أن السلطة في وضع لا تحسد عليه. فهي عاجزة عن خلق أفق سياسي وأفق اقتصادي وتوفير الأمن، وأساسيات أخرى من بينها رواتب الموظفين للعام الثاني على التوالي.

واليوم، الجميع على المحك في مواجهة حرب ممنهجة، تسعى إلى تغيير الواقع مرة وإلى الأبد.

خطة قديمة جديدة

كان الوزير الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموترتيش، واضحاً عندما قال إنه لا يفعل شيئاً سرياً، وهو يعمل ضد السلطة في الضفة، ويسعى لمنع إقامة دولة.

وتعهد سموتريتش نهاية الشهر الماضي، بأن تكون «مهمة حياته» إحباط قيام دولة فلسطينية، وكتب في منشور على منصة «إكس»: «أخذت على عاتقي، إضافة إلى منصب وزير المالية، مسؤولية القضايا المدنية في يهودا والسامرة (الضفة)».

وأضاف: «سأواصل العمل بكل قوتي حتى يتمتع نصف مليون مستوطن موجودين في الضفة بحقوق كل مواطن في إسرائيل وإثبات الحقائق على الأرض، التي تمنع قيام دولة إرهابية فلسطينية يمكن أن تكون قاعدة إيرانية أمامية للمجزرة المقبلة».

فلسطينيون يحتفلون فوق صاروخ إيراني صقط في رام الله (أ.ف.ب)

وكان تسجيل مسرب لسموتريتش قبل شهرين فضح خطة حكومية رسمية لفرض السيطرة الإسرائيلية المدنية على الضفة الغربية، قال خلاله الوزير المسؤول عن الإدارة المدنية الإسرائيلية، إن الحكومة منخرطة في جهود سرية لتغيير الطريقة التي تحكم فيها إسرائيل الضفة الغربية.

وخطة سموترتيش الماضية، ستعني حتماً تفكيك السلطة، لكن المحلل السياسي محمد هواش يرى أن العالم لن يسمح بذلك.

وقال هواش لـ«الشرق الأوسط»: «إن السلطة مرتبطة بالمشروع القائم على إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية، وهذا جزء من تسوية دولية. مشروع دولي بالأساس، وهناك حتى الآن رعاية دولية له، ومن الصعب التراجع عنه».

وأضاف هواش: «التراجع يعني إعادة الاحتلال، وهذا غير مقبول فلسطينياً ودولياً، وإسرائيل لن تقبل، لأنها ستذهب إلى دولة واحدة ونظام (أبرتهايد)».

وتابع هواش: «لا توجد مصلحة لإسرائيل بإنهاء السلطة بالكامل، بل في إضعافها حتى تتوقف مطالبها بإنهاء الاحتلال، وتغير العلاقة مع إسرائيل». وحذر من أن «إسرائيل ستتحمل العبء الأكبر من غياب عنوان سياسي للشعب الفلسطيني».

الثابت الوحيد اليوم أنه لا أحد يملك وصفة سحرية، سواء أذهبت السلطة أم بقيت، قويت «حماس» أم ضعفت، امتدت الحرب أم انتهت، تطرفت إسرائيل أكثر أم تعقّلت، سيظل يوم السابع من أكتوبر شاهداً على أن الطريق الأقصر للأمن والاستقرار هو بصنع السلام، وليس بطائرات حربية ومدافع ورشاشات.