تجميد تمويل «أونروا»... قطع لشريان حياة أم ضغط باتجاه إصلاحات؟

قراءة في تفاصيل القرار الأميركي وانعكاساته

تجميد تمويل «أونروا»... قطع لشريان حياة أم ضغط باتجاه إصلاحات؟
TT

تجميد تمويل «أونروا»... قطع لشريان حياة أم ضغط باتجاه إصلاحات؟

تجميد تمويل «أونروا»... قطع لشريان حياة أم ضغط باتجاه إصلاحات؟

تتخبط وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في دوامة تجاذبات سياسية أميركية أدت إلى حظر تمويلها حتى مارس (آذار) من العام المقبل؛ ما طرح تساؤلات ومخاوف حول إمكانية استمرارها في تقديم المساعدة لأكثر من 5 ملايين لاجئ فلسطيني في غزة والضفة الغربية، والأردن، ولبنان وسوريا. والولايات المتحدة هي أكبر متبرع للوكالة، ومن شأن الحظر الأميركي أن يؤدي إلى نقص في ميزانية الوكالة قد يصل إلى 350 مليون دولار، بحسب مسؤولين أميركيين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، لافتين إلى تداعيات الحظر في غياب بديل للوكالة، ومحذرين من تفاقم المعاناة الإنسانية في غزة في هذه المرحلة الحرجة.

تريليون دولار، هي القيمة الإجمالية لقانون المخصصات الضخم الذي أقرّه الكونغرس بمجلسيه ووقّع عليه الرئيس الأميركي جو بايدن. مبلغ هائل يضمن تمويل المرافق الحكومية الأميركية حتى العام المقبل، لكنه يخفي في طياته حكماً «مؤقتاً» بالإعدام على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). فبعد جهد كبير من المشرعين الأميركيين المعارضين للوكالة تمكن هؤلاء أخيراً من زج بند في مشروع قانون المخصصات يمنع تمويل الولايات المتحدة للوكالة حتى مارس (آذار) 2025 .

خبر وقع كالصاعقة على رؤوس العاملين في الوكالة والداعمين لها على حد سواء. فعلى رغم أن الإدارة الأميركية كانت جمدت منذ يناير (كانون الثاني) تمويل الوكالة، فإن الداعمين لمهمتها كانوا يأملون برفع التجميد بمجرد انتهاء التحقيقات بعلاقة بعض العاملين في الوكالة بحركة «حماس»، وتحديداً هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، بحسب الرواية الإسرائيلية التي لم تقدم أي معلومات إضافية أو أدلة ملموسة.

فلسطينيون يتظاهرون أمام مقر «الأونروا» في بيروت احتجاجاً على قرارات قطع الدعم وإجراءات إدارية تطال موظفين في الوكالة (إ ب أي)

وكانت دول أخرى مثل بريطانيا وكندا والسويد أعربت عن نيتها تجميد تمويل الوكالة قبل أن تعود مطلع الشهر الجاري وتستأنف التمويل فيما لم تنقطع بلدان أخرى عن الدعم والتمويل وبينها السعودية التي ضخت مؤخراً 40 مليون دولار.

وهذا ما تحدث عنه ويليام ديري، مدير الوكالة في العاصمة الأميركية واشنطن، معرباً عن خيبة أمله من إقرار التجميد خاصة بعد مساعٍ حثيثة من «أونروا» «لاستعادة ثقة» المشرّعين الأميركيين من خلال إحاطات مغلقة.

فالسؤال الذي لا يزال مطروحاً هو ما إذا كانت «أونروا» ستتمكن من الاستمرار بمهمتها في وقت حرج تعاني فيه غزة تحديداً مجاعة محدقة.

ويقول ديري لـ«الشرق الأوسط» إن تجميد التمويل حتى مارس المقبل «سوف يترك فراغاً كبيراً في موازنة (أونروا) السنوية للعمليات يجب سده من خلال متبرعين آخرين». فالولايات المتحدة هي أكبر متبرع للوكالة؛ إذ تغطي نسبة تصل إلى 30 في المائة على الأقل من ميزانيتها العامة. وتتراوح هذه التبرعات بين 300 و400 مليون دولار سنوياً، وسيؤدي هذا التجميد إلى نقص قد يصل إلى نحو 350 مليون دولار. وأضاف ديري في حديثه مع «الشرق الأوسط»: «في الوقت الحاضر، لدينا ما يكفي من التمويل حتى شهر مايو (أيار). التاريخ المهم جداً هو شهر يونيو (حزيران)؛ لأننا في حاجة إلى الاستمرار في تعليم أطفالنا حتى نهاية العام الدراسي. فإذا اضطررنا إلى إغلاق المدارس مبكراً، لن يتمكن التلامذة من إنهاء عامهم الدراسي والتخرج».

وحذّر ديري من انعكاسات تجميد التمويل على الـ30 ألف موظف لدى الوكالة في المنطقة، منهم 13 ألفاً في غزة وحدها، فقال: «عمل (أونروا) لا يقتصر على غزة فحسب، بل هي تعمل أيضاً في الضفة الغربية والأردن وسوريا ولبنان، وتقدم الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية. نتيجة لهذا؛ فإن أي نقص في الميزانية سيجعل من الصعب علينا تطبيق التفويض الذي أعطته لنا الجمعية العامة للأمم المتحدة. النقص في الميزانية سيعيق مساعينا لتخفيف حدة المجاعة في غزة، ولن ينعكس إيجاباً على استقرار المنطقة بشكل عام».

موقف يتفق معه غيث العمري، المستشار السابق لفريق المفاوضات الفلسطيني خلال محادثات الوضع الدائم وكبير الباحثين في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، الذي وصف في حديث مع «الشرق الأوسط» تجميد التمويل عن «أونروا» «في هذه المرحلة الحرجة بالخطأ»، وقال العمري إن تأثير تجميد التمويل السلبي لن يقتصر على الوضع الإنساني في غزة فحسب، بل إن «أي إجراءات من شأنها أن تؤدي إلى انهيار (أونروا) ستكون لها تأثيرات مزعزعة للاستقرار السياسي في مناطق عملها الأخرى، خاصة الضفة الغربية ولبنان والأردن».

بصيص في نهاية النفق

على رغم الانعكاسات السلبية الكثيرة لقرار حظر التمويل، فإن البعض ينظر إلى تفاصيله بعين أقل تشاؤماً، وذلك من زاوية وجود سقف زمني محدد في مارس المقبل، وعدم فرض القرار بشكل دائم كما سعى بعض أعضاء الكونغرس الذين دفعوا باتجاه إلغاء التمويل بشكل قاطع.

وتقول مارا رودمان، النائبة السابقة للمبعوث الأميركي للشرق الأوسط، في حديث مع «الشرق الأوسط» إن «تجميد التمويل مؤسف لكن كونه مؤقتاً لمدة عام فقط، فهذا يحدّ من تأثيره لأن الجزء الأكبر من حصة الولايات المتحدة من المال للعام الحالي قد تم إرساله إلى (أونروا) قبل التجميد». وبذلك، تقصد رودمان إرسال الولايات المتحدة مبلغاً يقارب 121 مليون دولار للوكالة، بحسب المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، وبذلك ترى رودمان أن التأثير المباشر لهذا القرار سيبقى «محدوداً».

ويرى العمري أن الجدير ذكره في ظل النقاش الدائر حالياً التذكير بأن الحظر «مؤقت على رغم الموقف المعادي بشدة لـ(أونروا) في الكونغرس»، مشيراً إلى أن هذا من شأنه أن يدفع بـ«أونروا» إلى «أن تكون أكثر يقظة في معالجة بعض نقاط الضعف لديها، خاصة وأن هناك العديد من الأصوات التي تبحث عن أسباب لإغلاق الوكالة التابعة للأمم المتحدة».

نظرة يوافق معها ديري الذي قال، اعتماداً على النظرة القائلة إن نصف الكوب ممتلئ: «من الجيد أن المشروع لا يفرض حظراً دائماً على المساعدات الأمريكية لـ(أونروا)». مؤكداً أن التحدي الأبرز الذي يواجه الوكالة هو «تثقيف المشرعين حول الخطوات التي تتخذها بهدف استعادة ثقتهم».

من هؤلاء المشرعين كبير الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية في الشيوخ جيم ريش الذي يسعى منذ فترة طويلة إلى قطع التمويل عن الوكالة ويتهمها بدعم حركة «حماس». ريش ذكّر بمساعيه وقف تمويل الوكالة «منذ أعوام» ووصف لـ«الشرق الأوسط» قرار التجميد بأنه «القرار الصائب» وأضاف: «يجب ألا يمنح دولار واحد من أموال دافعي الضرائب إلى (أونروا) بعد الاتهامات الخطيرة بمشاركة أعضائها في هجمات السابع من أكتوبر. إذا كانت الولايات المتحدة ستستمر في كونها أكبر متبرع للشعب الفلسطيني، فيجب أن يكون ذلك من خلال منظمات تم التدقيق فيها، وغير مرتبطة بالمنظمات الإرهابية، ولا تروج لمعاداة السامية.»

هل من بدائل؟

في فترة سابقة من مطلع العام، ومع تصاعد الكلام عن احتمالات قطع التمويل الأميركي كلياً أو جزئياً قبل صدور القرار الأخير، طرحت بدائل لـ«أونروا»، منها منظمات محلية أو دولية وأخرى أممية كبرنامج الغذاء العالمي و«يونيسيف». لكنه تم التصدي سريعاً لهذه الاقتراحات، وأول من وقف ضدها بشكل واضح كان الأمين العام للأمم المتّحدة ​أنطونيو غوتيريش​، عادّاً أنّه «لا يمكن استبدال عمل وكالة غوث وتشغيل اللّاجئين الفلسطينيّين (​أونروا​) في ​غزة​».

وكان أعلن في مؤتمر صحافي في شهر فبراير (شباط) الماضي، رفضه القاطع لهذه الفكرة، موضحاً أنّ «العمود الفقري لتوزيع المساعدات الإنسانيّة الأمميّة في غزة، يتكوّن من موظّفي (أونروا) المكرّسين للاستجابات الطّارئة». وركّز على أنّه «ليست هناك أيّ منظّمة أخرى موجودة في غزة قادرة على تلبية هذه الاحتياجات».

والواقع أن مقاربة البحث عن بدائل لـ«أونروا» لها معارضة كبيرة أيضاً داخل أميركا نفسها. وفي هذا السياق، يقول السفير الأميركي السابق إلى العراق وتركيا جيمس جيفريز لـ«الشرق الأوسط»: «في الوقت الحالي، لا يوجد بديل لـ(أونروا) لإيصال الإمدادات التي يحتاج إليها بشدة سكان غزة المحرومين. لذلك؛ أعتقد أن قرار تجميد التمويل كان خاطئاً».

وتوافق رودمان مع هذا التقييم فتذكر بقدرة «أونروا» «الفريدة على توزيع المساعدات داخل غزة» محذرة: «إذا قطع الآخرون أيضاً الدعم المالي دون وجود بديل، سيؤدي ذلك إلى معاناة أكبر للعديد من الفلسطينيين غير المرتبطين بـ(حماس) في غزة». أما العمري، فيؤكد بشكل قاطع غياب بديل لـ«أونروا» قائلاً: «فيما يتعلق بتقديم الخدمات في غزة، لا توجد بدائل عملية لـ(أونروا). الوكالات الأخرى التابعة للأمم المتحدة لا تملك القدرة على القيام بهذا العمل، فتوفير بديل يستغرق وقتاً طويلاً وموارد كبيرة. بالإضافة إلى ذلك، لا تعدّ (أونروا) وكالة تزود الخدمات فحسب، بل إنها اكتسبت أهمية رمزية في الخطاب السياسي الفلسطيني والعربي. وبناءً عليه؛ قد يؤدي إلغاؤها إلى اضطرابات سياسية أيضاً».

وفي هذا السياق، أعرب عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين عن استيائهم الشديد من إقرار قانون الحظر، فرأى السيناتور الديمقراطي كريس فان هولان أنه «من غير المنطقي إطلاقاً قطع التمويل عن الآلية الرئيسية لتوصيل الغذاء والمعونة الضرورية بشكل عاجل إلى الجياع واليائسين في غزة» ووجّه فان هولان انتقادات لاذعة للجمهوريين بسبب «إقحامهم» لبند قطع التمويل في مشروع المخصصات المالية الضروري لاستمرار عمل المرافق الحكومية. وقال: «استعداد الجمهوريين لإغلاق الحكومة بسبب هذا البند أمر مشين للغاية، وعلى الرغم من غضبي، فإنني أدرك أن وقف تمويل الحكومة الأميركية لن يساعد في تمويل (أونروا)، و إغلاق الحكومة الأميركية لن يساعد في إطعام الأشخاص الجوعى في غزة».

وصول مساعدات غذائية إلى غزة من «الأونروا» (رويترز)

ويشير فان هولان إلى نقطة مهمة في مشروع المخصصات تزيد من تمويل الولايات المتحدة لمنظمات دولية أخرى «الأمر الذي سيتيح لدول أخرى تغطية تمويل (أونروا) حتى تتمكن من الاستمرار في عملياتها الحيوية في غزة وتقديم خدمات هامة في الضفة الغربية وفي جميع أنحاء المنطقة» مضيفاً: «المهمة تقع الآن على كاهل إدارة بايدن للعمل مع دول أخرى لتحقيق ذلك».

وأشار ديري في هذا الإطار إلى جهود وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن التي شجع من خلالها دول الاتحاد الأوروبي في زيادة دعمها للوكالة، إلا أنه أكد في الوقت نفسه «صعوبة توقع سير الأمور في الوقت الحالي»، وفسر قائلاً: «جميعنا نعرف التحديات التي تواجهنا. لكن ما لا نعرفه هو كيف ستتفاعل بقية الدول الأعضاء مع ما جرى».

توصيات وإصلاحات مطلوبة

على رغم مساعي أعضاء الكونغرس فرض إصلاحات على «أونروا» حتى قبل الادعاءات الإسرائيلية بشأن تورط 12 موظفاً في هجوم السابع من أكتوبر، وهي ادعاءات أدت إلى صرف 10 منهم بعد إعلان «أونروا» عن مقتل الاثنين الآخرين، فإن هذه الادعاءات دفعت إلى فتح تحقيقات يجريها مكتب خدمات الرقابة الداخلية في الأمم المتحدة بالإضافة إلى لجنة المراجعة المستقلة. وتنتظر الوكالة صدور توصيات معينة بعد التحقيقات المذكورة، ويؤكد ديري أن «أونروا» «تتعاون بشكل تام مع تحقيق مكتب خدمات الرقابة الداخلية في الامم المتحدة، والتحقيق الخارجي المستقل»، مشيراً إلى أن «(أونروا) اتخذت مبادرات لتحسين عملياتها الموجودة، كما أنها سوف تطبق فوراً أي توصيات ناجمة عن التحقيقات والمراجعة الخارجية».

من ناحيته، يؤكد السفير السابق جيمس جيفريز لـ«الشرق الاوسط» أنه يترتب «على (أونروا) والأمم المتحدة والمجتمع الدولي فهم الدوافع وراء قرار الكونغرس بشكل أفضل»، ويفسّر ذلك قائلاً: «هناك أدلة قوية على مر العقود تشير إلى أن (أونروا) ومنظمات الإغاثة الأخرى كانت منحازة ضد إسرائيل بسبب تأثير موظفيها الفلسطينيين المحليين عليها ومواقفها الدولية بشكل عام». ويرى جيفريز أن «أي حل دائم لأزمة غزة بشكل خاص والمشكلة الفلسطينية بشكل عام يجب أن يبدأ بقبول الارتباط الضروري ما بين تقديم المساعدة الإنسانية وإعادة الإعمار من جهة والالتزام بالاتفاقيات الدولية والالتزام بالحلول السلمية من جهة أخرى».

وإلى ذلك، يدعو السفير السابق إلى ضرورة «بذل المزيد من الجهد لضمان عدم تحويل المساعدات إلى (حماس) والجماعات الراديكالية الأخرى، وعدم استغلال المنشآت التابعة للمنظمات الدولية من قبلها».

تاريخ تمويل متقلب

تاريخ تمويل «أونروا» متقلب مع تقلب المزاج السياسي للبلدان المتبرعة. فنحو 90 في المائة من تمويل الوكالة مصدره «تبرعات طوعية» من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. وفي عام 2022 قالت الوكالة إنها حصلت على أكثر من مليار دولار من التبرعات، قدمت الولايات المتحدة 344 مليون دولار منها. أما في عام 2023، فقد وصلت المساهمات الأميركية إلى 422 مليون دولار.

ويتحدث ديري عن هذه المعادلة ويشرحها قائلاً: «تموّل (أونروا) من خلال التبرعات الطوعية، بمعنى آخر، يجب على الدول الأعضاء أن تساهم في (أونروا) بما يتجاوز اشتراكاتها العادية في الأمم المتحدة. لدينا اتفاقات مع بعض المانحين لسنوات عدة؛ ما يساعدنا كثيراً في التخطيط المالي. لكن الوكالة لا تشعر أبداً بأن دعمها واجب، وبينما نقوم بتقديم إحاطات منتظمة لأعضاء الكونغرس حول عملياتنا، إلا أن الوكالات التابعة للأمم المتحدة لا تحاول أبداً التدخل في المشاورات الداخلية لأي دولة عضو». إشارة واضحة إلى التجاذبات الداخلية التي تطغى على ملف دعم «أونروا» في الولايات المتحدة، بدليل قرار ادارة الرئيس السابق دونالد ترمب تجميد تمويل «أونروا» بشكل جزئي في عام 2018 بسبب اعتراضات حزبه عليها والدعوات لفرض إصلاحات عليها، واستمرت الوكالة بالعمل رغم هذا التجميد لتأتي ادارة بايدن وتعيد تمويل «أونروا». لكن هذا لم يخفف من المعارضة الجمهورية الشرسة لهذه الخطوة؛ ما أدى إلى اتخاذ البعض منهم كالسيناتور جيم ريش تدابير تشريعية عرقلت بعض الجزيئات المرتبطة بالتمويل.

ويرى هؤلاء أن ثمة حاجة إلى فرض اصلاحات كثيرة على الوكالة التي أسستها الأمم المتحدة في عام 1949 لتأمين المساعدة المباشرة لـ700 ألف نازح فلسطيني بعد حرب 1948. وجددت الأمم المتحدة تفويض «أونروا» على مدى الأعوام السبعين الماضية ووجهتها لتقديم الرعاية الصحة والسكن والمساعدة المالية للاجئين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية والأردن وسوريا ولبنان، وعددهم بحسب الوكالة أكثر من 5.9 مليون شخص مسجلين.

ويقول المنتقدون من الجانب الأميركي إن من الإصلاحات التي يجب فرضها، تعريف الوكالة لمصطلح «لاجئ»؛ إذ تعرف الوكالة اللاجئ منذ عام 1952 على أنه «أي شخص كان مكان إقامته الطبيعي فلسطين خلال الفترة من 1 يونيو 1946 إلى 15 مايو 1948 وفقد منزله وسبل معيشته نتيجة لنزاع عام 1948».

وفي عام 1965 غيرت «أونروا» من تعريف المصطلح ليشمل الجيل الثالت للاجئين، ثم وسّعته ليشمل كل سلالة اللاجئين الفلسطينيين الذكور بمن فيهم أطفالهم بالتبني. وقد طرح الكونغرس مشروع قانون لمحاولة تعديل هذا التعريف وحصره «بزوجة أو زوج اللاجئ وأولاده القاصرين» .

وفي ظل هذه التجاذبات تقول «أونروا» إن أكثر من مليوني شخص في غزة يعتمدون على المساعدات التي تقدمها، وتقدر عدد الاشخاص الذي يحتمون في منشآتها او بالقرب منها بنحو 1.7 مليون شخص، وهو عدد هائل من الناس الذين ستبقى احتياجاتهم الملحة رهن القرار الأميركي.


مقالات ذات صلة

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

شمال افريقيا رجل يحمل سوطاً يحاول السيطرة على حشد من اللاجئين السودانيين يتدافعون للحصول على الطعام بمخيم أدري (نيويورك تايمز)

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

في الوقت الذي يتجه فيه السودان صوب المجاعة، يمنع جيشه شاحنات الأمم المتحدة من جلب كميات هائلة من الغذاء إلى البلاد عبر معبر «أدري» الحدودي الحيوي مع تشاد.

ديكلان والش (نيويورك)
بيئة غوتيريش يحذر من أن البشرية ضحية وباء الحرارة الشديدة (أ.ف.ب)

غوتيريش يحذر من أن البشرية ضحية «وباء من الحرارة الشديدة»

حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش اليوم الخميس من أن البشرية ضحية «وباء من الحرارة الشديدة»، داعياً إلى اتخاذ إجراءات للحد من تأثيرات موجات الحر.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم العربي الإمارات ترحب بإعلان غروندبرغ الاقتصادي وتصف الاتفاق بالخطوة الإيجابية

الإمارات ترحب بإعلان غروندبرغ الاقتصادي وتصف الاتفاق بالخطوة الإيجابية

قالت الإمارات إنها ترحب ببيان المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ بشأن التوصل إلى اتفاق بين الأطراف اليمنية حول الخطوط الجوية والقطاع المصرفي.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
آسيا الشيخة حسينة باكية بين مرافقيها لدى تفقدها محطة المترو التي لحقت بها أضرار كبيرة خلال الاحتجاجات في دكا (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة تطالب بالتحقيق في «قمع» المظاهرات ببنغلاديش

دعت الأمم المتحدة الخميس بنغلاديش إلى الكشف فوراً عن تفاصيل قمع المظاهرات الأسبوع الماضي وسط تقارير عن «أعمال عنف مروعة».

«الشرق الأوسط» (دكا)
آسيا المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك (رويترز)

الأمم المتحدة: 26 قتيلاً جراء هجمات على قرى في بابوا غينيا الجديدة

قالت الأمم المتحدة إن هجمات عنيفة استهدفت 3 قرى نائية في شمال بابوا غينيا الجديدة، أسفرت عن مقتل 26 شخصاً.

«الشرق الأوسط» (سيدني)

«سودان بديل» في مصر يمنح أبناءه ملاذاً آمناً... ويثير حساسيات

TT

«سودان بديل» في مصر يمنح أبناءه ملاذاً آمناً... ويثير حساسيات

حضور سوداني لافت في الشوارع والميادين (الشرق الأوسط)
حضور سوداني لافت في الشوارع والميادين (الشرق الأوسط)

حين كانت الشمس تهبط في الأفق لتأذن لليل بالقدوم، بعد نهار صيفي ملتهب أشار الشاب السوداني مصعب حمدان (33 عاماً) بيده إلى «ميكروباص» متوجه نحو نهاية شارع السودان النابض بالحياة والصخب بالجيزة، ليكتشف عقب صعوده أن السائق والركاب جميعهم من بني وطنه.

لم يُبد مصعب (عامل النظافة بإحدى الشركات الخاصة) بحي المهندسين، أي إيحاء بالتعجب جراء هذا الانتشار اللافت لـ«الجلباب والتوب» بالأحياء المصرية، التي تكرست ملاذاً لآلاف النازحين الفارين من الحرب.

مقهى شعبي بالجيزة يضم تجمعاً سودانياً (الشرق الأوسط)

بعدما أسدل الليل ستاره؛ وصل مصعب إلى شارع «الملكة» المكتظ بالوجوه السمراء، ليجد لافتات المتاجر المضيئة وقد أضيأت بعبارات مثل «سنتر أم درمان لأجود اللحوم السودانية»، ومقهى «ملتقى أحباب السودان»، ومخبز «باب جنقرين للخبز البلدي السوداني»، و«مطعم القراصة» و«سلطان الكيف» التي تقع جميعها في نطاق جغرافي ضيق.

«نحن نعيش في مجتمع سوداني متكامل بمصر، لا ينقصنا أي شيء سوى المساحات الفسيحة وظلال الأشجار الوارفة»، وفق ما يقول مصعب لـ«الشرق الأوسط».

متجر لبيع الملابس السودانية (الشرق الأوسط)

الحضور السوداني الكثيف في أحياء مصرية، عكسته أرقام رسمية أشارت إلى وصول أكثر من نصف مليون نازح سوداني إلى الأراضي المصرية منذ اندلاع الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع» العام الماضي، بينما أكد سوادنيون تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» أن «الأعداد الحقيقية تفوق هذا الرقم بكثير، لا سيما بعد عبور أعداد كبيرة منهم بشكل غير نظامي عبر الصحراء على مدار الأشهر الماضية».

وتشكل الجالية السودانية في مصر من المقيمين والنازحين الجدد أكثر من نصف عدد المهاجرين بها، والذين يصفهم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بأنهم «ضيوف مصر»، وتقدر حكومته عددهم بنحو 9 ملايين شخص بينهم أكثر من 5 ملايين سوداني.

انتشار لافت للمحال السودانية بمحافظة الجيزة المصرية (الشرق الأوسط)

وتسبب التدفق الكبير في عدد السودانيين منذ اندلاع الحرب الأخيرة في بلادهم، في الضغط على مكاتب المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين، في القاهرة والإسكندرية، حيث يتم استقبال نحو 3 آلاف طلب لجوء يومي، مما رفع عدد السودانيين المسجلين لدى المفوضية 5 أضعاف عمّا كان عليه سابقاً، ليبلغ اليوم 300 ألف. ويمثل هذا الرقم 52 في المائة من مجمل عدد اللاجئين المسجلين في مصر لدى المفوضية في أبريل (نيسان) الماضي.

تجمُّع سوداني على أحد المقاهي (الشرق الأوسط)

ولهذا السبب فإن المفوضية تتوقع «ازدياد الطلب على التسجيل بشكل مستمر في الأشهر المقبلة بسبب الوضع المضطرب في السودان، مع عدم وجود آفاق فورية لسلام مستدام في الأفق»، مقدرةً عدد السودانيين الذي ينتظرون التسجيل بنحو ربع مليون شخص.

تكتلات

شوارع العاصمة المصرية التي يبدو عليها الهدوء نهاراً، بفعل الحر القائظ، يملأها الصخب كلما اقترب قرص الشمس الذهبي من المغيب، حيث يجري تلطيفها بالمياه قبل أن تتمدد إليها كراسي المقاهي، التي يفضلها سودانيون للقاء بعضهم في ملاذهم الجديد المكتظ بأحياء مثل: «الملك فيصل»، وأرض اللواء، وإمبابة بالجيزة، وحدائق المعادي بالقاهرة، والعاشر من رمضان بالشرقية، وبعض مناطق الإسكندرية، وأسوان، حيث فرضت المتاجر والمطاعم والمخابز وصالونات الحلاقة ومحال بيع الملابس والعطارة واللحوم السودانية نفسها بشكل متزايد، وهو ما وُصف في وسائل الإعلام المصرية بـ«التكتلات السودانية».

لا تخطئ العين الوجود السوداني اللافت في الشوارع (الشرق الأوسط)

لا تخطئ العين الملامح السودانية والثوب التقليدي في الشوارع الرئيسية والفرعية بالقاهرة والجيزة، حيث يوجد الباعة السودانيون ومواطنوهم ممن اقتحموا مجالات عمل كانت مقتصرة على مصريين لعقود، من بينها قيادة سيارات الأجرة والميكروباص داخل الأحياء الشعبية؛ وهو ما عدّه مصعب «أمراً معبِّراً عن سرعة اندماج الوافدين الجدد في تفاصيل الحياة في مصر».

ومن فرط حضور «الزول»، (كلمة معناها الرجل في اللهجة السودانية)، أصبح معتاداً استخدام المفردات السودانية في المتاجر والشوارع والحارات ووسائل المواصلات، لكنَّ محمد عبد المجيد سائق إحدى سيارات الأجرة، التي تعمل في شارع السودان بالجيزة يتقن اللهجة العامية المصرية، ولذلك يجد بعض المصريين صعوبة في معرفة كونه سودانياً.

جانب من إقبال سودانيين على مفوضية اللاجئين بالقاهرة (مفوضية اللاجئين)

لقد تكيف عبد المجيد صاحب الوجه الدائري الباسم مع تفاصيل القيادة في الشوارع القاهرية، فبات يحفظ أسماء ومواقع المحطات عن ظهر قلب، مؤكداً أنه في أوقات متكررة تكون معظم حمولة سيارته من الركاب السودانيين الذين يندمج معهم بتشغيل أغانيهم الفلكلورية: «تشعر كأنك في فرح وليس في مواصلات عامة».

عبد المجيد ليس السائق السوداني الوحيد على خط «شارع السودان» بالجيزة، لكنه واحد من بين 30 سائقاً يحترفون السير في الزحام ويهربون منه إلى شوارع ضيقة بديلة.

السائق السوداني محمد عبد المجيد (الشرق الأوسط)

في أحد أروقة حي فيصل الشهير بالجيزة، كان صاحب متجر العطارة السوداني الستيني عادل محمد، الذي عكست عيناه طمأنينة ترسخت على مدى السنوات الخمس التي قضاها في مصر، ينتظر زبائنه المعتادين في المساء.

محل جزارة «أم درمان» لبيع اللحوم (الشرق الأوسط)

«رغم أن معظم زبائني من السودانيين المقيمين هنا فإن جيراني من المصريين يشترون منّي بهارات الطعام والزيت والسمن والسكر»، وفق قوله لـ«الشرق الأوسط». موضحاً أن «سبب اكتظاظ المنطقة بالسودانيين يعود إلى تفضيل كثير منهم الإقامة بجوار أقاربهم وعائلاتهم لتقليل الشعور بالغربة، وهو ما خلق مجتمعاً سودانياً متكاملاً هنا». مؤكداً أن «السودانيين يتمركزون في الجيزة، بدايةً من أول محيط شارع فيصل الشهير حتى نهايته لمسافة تقترب من 10 كيلومترات».

ملاذ بديل

لم تكن مواقع «التواصل الاجتماعي» بعيدة عن رصد هذا الوجود السوداني الكثيف في مصر، حيث كرست بعض مقاطع الفيديو فكرة وجود «سودان بديل في البلاد، ومن بينها تعليق مؤثّر سوداني تندَّر على الوجود المكثف لأبناء وطنه بحي فيصل بالجيزة قائلاً: «إذا كنت سودانياً تعيش في الخارج وترغب في رؤية أهلك وبلدك ما عليك سوى الذهاب إلى الجيزة المصرية».

وهو ما يؤكده مصعب، معتبراً أن «مراكز التعليم والمتاجر والمطاعم والمقاهي السودانية على اختلاف أشكالها وأنوعها؛ قد فرضت وجودها على الشارع المصري، حتى بات الخبز السوداني الأبيض ملمحاً مهماً في متاجر مصرية عديدة».

مَخبز سوداني (الشرق الأوسط)

وتشعر زينب مصطفى، وهي سيدة خمسينية قَدِمت إلى مصر من الولاية الشمالية بالسودان، بـ«الأمان» وهي تجلس داخل شقة فسيحة بمنطقة «اللبيني» بحي الهرم (غرب القاهرة) رفقة أبنائها وأختها وبناتها.

مكثت زينب فترة طويلة في مصر من دون زوجها الستيني الذي «لحق بها أخيراً بعد تمكنه من دخول مصر بشكل غير نظامي عبر الصحراء، وهو يبحث راهناً توفيق أوضاعه ليتمكن من العمل في أي وظيفة».

ويعد عشرات آلاف السودانيين الفارين من نار الحرب في السودان، مصر «الملاذ الأفضل» راهناً، لامتلاكها مقومات الحياة والبنية التحتية، ومن بينهم فاطمة حسن التي تمكنت من دخول مصر عبر مسارات التهريب الوعرة أخيراً.

سودانيات في محطة مترو «السودان» بالقاهرة (الشرق الأوسط)

خشيت فاطمة على بناتها من «الاغتصاب على يد الميليشيات المسلحة بالسودان»، وقررت دخول مصر بشكل غير نظامي، وفق ما قالته لـ«الشرق الأوسط».

الحر الشديد والعطش أنهكا فاطمة وبناتها الثلاث على مدار ساعات طويلة لم يذقن فيها طعم الراحة أو النوم، قبل أن تنجح في الوصول إلى الجيزة لتنضم إلى شقيقتها التي سبقتها إلى هناك منذ عدة أشهر، حسب قولها.

ورغم الإعلان عن توقيف حافلات لنازحين سودانيين دخلوا البلاد بطريقة غير نظامية في شهر يونيو (حزيران) الماضي، فإن عبد الله قوني المقيم في حي المعادي بالقاهرة منذ 15 عاماً ويقصده الكثير من النازحين السودانيين الجدد للمساعدة في توفير مسكن أو فرصة عمل، يؤكد «وصول نحو 11 حافلة من أسوان تقل سودانيين يومياً كلهم من المهاجرين غير النظاميين الذين يدفع الواحد منهم نحو 500 دولار أميركي للمهربين نظير نقله إلى مصر»، وهو ما تؤكده فاطمة كذلك.

تعليم

ومن بين أهم ملامح «السودان البديل» رؤية التلاميذ من أصحاب البشرة السمراء وهم في طريقهم من وإلى المدارس السودانية التي زاد عددها بشكل مطّرد خلال الأشهر الأخيرة، مما دعا السلطات المصرية إلى إغلاق بعضها من أجل «تقنين الأوضاع».

ويقدِّر سامي الباقر، المتحدث باسم نقابة المعلمين السودانية، عدد المدارس السودانية في مصر بنحو 300 مدرسة للتعليم الأساسي والمتوسط.

متجر في منطقة فيصل التي تشهد تكتلاً كبيراً للجالية السودانية (الشرق الأوسط)

ووجهت السفارة السودانية في القاهرة التي نقلت مقرها قبل سنوات من جاردن سيتي إلى حي الدقي، الشكر إلى الحكومة المصرية على تعاونها في إنجاح امتحانات الشهادة الابتدائية السودانية في شهر يونيو (حزيران) الماضي، عبر 6 مراكز تعليمية تابعة للسفارة، مشيرةً في بيان لها إلى «مشاركة 7 آلاف طالب إلى جانب أكثر من 400 مراقب من المعلمين».

وجامعياً قدّر أيمن عاشور، وزير التعليم العالي المصري، عدد الطلاب السودانيين الذين التحقوا العام الماضي بالجامعات المصرية بأكثر من 10 آلاف طالب.

وكان من بين النازحين السودانيين عدد كبير من الفنانين الذين استقروا في القاهرة على غرار الممثلة إيمان يوسف، والمخرج أمجد أبو العلا والمخرج محمد الطريفي والممثل نزار جمعة، الذين يرتحلون إلى الخارج لحضور فعاليات فنية ثم يعودون من جديد إلى مصر.

وبينما يلجأ السودانيون الذين دخلوا البلاد بشكل نظامي إلى توثيق عقود إيجار شققهم السكنية بمكاتب الشهر العقاري إلى جانب تسجيل أبنائهم في المدارس للحصول على إقامات قانونية في مصر، فإنه لا يوجد أمام النازحين غير النظاميين سوى «التصالح مع وزارة الداخلية المصرية» عبر إنجاز استمارة «تقنين وضع» ودفع رسوم تبلغ ألف دولار، أو التقدم إلى مفوضية اللاجئين والحصول على بطاقة «طالب لجوء».

حساسيات مصرية

مع هيمنة «الجلباب» و«التوب» السودانيين على شوارع وحارات مصرية، وتداول مقاطع لتجمعات سودانية كبيرة في القاهرة عبر «السوشيال ميديا»، والقلق من أخبار طرد مستأجرين مصريين لتسكين سودانيين بدلاً منهم؛ ظهرت بوادر «الحساسية» من «التكتلات السودانية» في مصر.

كما أثارت خرائط رفعها سودانيون لبلادهم تضم مثلث «حلايب وشلاتين»، (أقصى جنوب مصر مع الحدود السودانية)، جدلاً واسعاً، مما دفع السلطات المصرية أخيراً إلى اتخاذ إجراءات ضد هؤلاء النازحين وصلت إلى ترحيل بعضهم إلى بلادهم، وفق مصادر مصرية.

وزاد من وتيرة التحفظات، الإبلاغ عن إجراء أسر سودانية عمليات ختان لبناتهم في مصر، وهو ما واجهه مسؤولون مصريون بالتشديد على ضرورة تفعيل القانون المصري الذي يُجرِّم ختان الإناث.

ودخل إعلاميون مصريون على خط انتقادات «التكتلات السودانية»؛ وكان أبرزهم قصواء الخلالي، التي أعربت عن «قلقها» إزاء وجود تكتلات للاجئين في مناطق شعبية، معتبرةً هذا الأمر «خطيراً للغاية». فيما حذرت الإعلامية عزة مصطفى من «سيطرة بعض اللاجئين على مناطق كاملة من القاهرة، بعد مغادرة مصريين لها عقب رفع إيجارات الشقق». مشيرةً إلى «تداعيات تحمل مصر فاتورة ضخمة جراء استضافة اللاجئين على أراضيها».

وكغيره من عشرات المصريين الذين يعدّون أنفسهم «متضررين من الوجود السوداني المكثف»، لم يُخفِ السباك الستيني عيد محمود، صاحب الجسد النحيل تذمره من «هيمنة النازحين على المربع السكني الذي كان يقيم فيه بالقرب من جامعة القاهرة».

يقول عيد بنبرة يملأها الاستياء: «أجبرتني مالكة الشقة على إخلائها لتسكين أسرة سودانية بدلاً مني».

وبعدما كان عيد الذي يعول 3 فتيات يدفع 1600 جنيه مصري (الدولار الأميركي يساوي نحو 48 جنيهاً) بدل إيجار شهري خلال السنوات الماضية فإن مالكة العقار تحصل راهناً على 6 آلاف جنيه من المستأجرين السودانيين الجدد. وهو ما دفع مصريين إلى «دعوة الحكومة إلى التدخل حفاظاً على السِّلْم المجتمعي».

واضطر عيد إلى البحث عن شقة أخرى في منطقة توصف بأنها «متواضعة»، بـ3 آلاف جنيه.

وتفاعل برلمانيون مصريون مع دعوات تقنين أوضاع اللاجئين، من بينهم سهام مصطفى عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، التي شددت في تصريحات تلفزيونية على أن «كل دول العالم ترفض دخول أي لاجئ أو مهاجر دون أوراق إثبات إقامته بهدف حصر أعداد الأجانب حفاظاً على الأمن القومي».

جانب من إقبال سودانيين على مفوضية اللاجئين بالقاهرة (مفوضية اللاجئين)

مضيفةً: «إن مصر تستضيف ملايين الأجانب وتوفر لهم الخدمات بنفس الأسعار المقدمة للمواطنين دون زيادة، رغم الأزمة الاقتصادية الحالية».

وأغلقت السلطات المصرية أخيراً عدداً من المدارس السودانية بداعي عدم استيفاء الشروط. وطالبت سفارة السودان بالقاهرة، أصحاب المدارس، بـ«التزام ثمانية شروط، وضعتها مصر لتقنين أوضاع المدارس المغلقة»، وقالت إنها «تُجري اتصالات مستمرة لحل الأزمة».

ويرى عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير صلاح حليمة، أن «الإجراءات المصرية الأخيرة التي هدفت إلى تقنين أوضاع السودانيين في البلاد «طبيعية جداً في ظل ازدياد أعدادهم بالبلاد»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «تنظيم اللجوء والإقامة مع طلب زيادة المساعدات من المنظمات الدولية والإقليمية يعدان الخيار الأفضل راهناً للقاهرة».

فيما يؤكد محمد جبارة، أمين «العلاقات الخارجية» بجمعية الصداقة السودانية - المصرية، والمستشار الإعلامي السابق بسفارة الخرطوم في القاهرة، أن «التجمعات السودانية الكبيرة في الشوارع والميادين تثير حساسيات مجتمعية وأمنية بمصر». متهماً بعض أصحاب المدارس السودانية بالتسبب في إغلاقها، لا سيما بعد منح السلطات المصرية أكثر من مهلة لمطابقة المواصفات المحلية وتقنين الأوضاع.

إقبال لافت على مكتب مفوضية اللاجئين بالقاهرة (مفوضية اللاجئين)

وكشف عن «نية سفارة بلاده تنظيم مهرجان كبير بعنوان (شكراً مصر) كنوع من (رد الجميل) لاستضافتها جالية كبيرة من أبناء الوطن».

تخفيف الأعباء

بسبب الأزمة الاقتصادية، طالبت مصر المجتمع الدولي بدعمها في «تحمل أعباء اللاجئين». ورأى وزير الخارجية المصري السابق سامح شكري، عقب لقائه مدير عام المنظمة الدولية للهجرة إيمي بوب، أن الدعم الذي تتلقاه مصر من المجتمع الدولي «لا يتناسب مع ما تتحمله من أعباء، في ظل ما يعانيه الاقتصاد المصري من تبعات الأزمات العالمية.

وأطلقت الحكومة المصرية أخيراً عملية لحصر أعداد اللاجئين المقيمين على أراضيها، بهدف احتساب تكلفة استضافتهم، والوقوف على الأعباء المالية، في ظل أزمة اقتصادية تعانيها البلاد.

وطالبت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمصر، في بيان في شهر أبريل الماضي، بالحصول على 175.1 مليون دولار لتلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحاً للاجئين السودانيين الذين فروا إلى مصر منذ منتصف أبريل 2023.

سودانيون بالقرب من شارع السودان الشهير بالجيزة (الشرق الأوسط)

وبينما يؤكد الخبير الاقتصادي المصري الدكتور مدحت نافع، تكبد مصر أعباء اقتصادية جراء استضافة هذا العدد الكبير، فإنه في الوقت نفسه يرى أنه «يمكن الاستفادة منهم، إذا قُننت أوضاعهم المادية وطرق عملهم واستثمار بعضهم في مصر».

ويقترح نافع في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» تحصيل أي رسوم تخص الوافدين بمصر بالدولار، ويرى أنه يوجد من بين المقيمين في مصر مستثمرون يقدمون فرصة لتعزيز وجود رؤوس الأموال وحركة الاقتصاد.

ويراهن مصعب في النهاية على تفهم كثير من المصريين للأوضاع الخطرة في السودان، وعلى الروابط المشتركة بين الشعبين، لاستيعاب «الضيوف الجدد»، مؤكداً أن الحساسيات التي تنشأ بين «أبناء وادي النيل» ليست سوى «سحابة صيف عابرة» ستزول بمجرد انتهاء الحرب وتحسن الأوضاع في بلاده.