نساء «الخلافة» في «الهول» و«روج»... مصائر مجهولة على مد البصر

43 ألفاً غالبيتهن من العراق وسوريا ينتظرن «السجناء» وجواز السفر

TT

نساء «الخلافة» في «الهول» و«روج»... مصائر مجهولة على مد البصر

طفلة من خلف سياج شائك في مخيم الهول (الشرق الأوسط)
طفلة من خلف سياج شائك في مخيم الهول (الشرق الأوسط)

على مدار سنوات، تحوَّل «مخيم الهول» إلى مدينة خيام حقيقية يعيش فيها ما يقرب من 43 ألف شخص، غالبيتهم نساء وأطفال. ويشكل اللاجئون العراقيون والنازحون السوريون أكثرية السكان، بينما تم تخصيص قسم للعائلات الأجنبية ويتحدر أفرادها من نحو 54 جنسية غربية وعربية.

ويقع «مخيم الهول» على بُعد نحو 45 كيلومتراً شرق محافظة الحسكة، في أقصى الشمال الشرقي لسوريا، وازداد حجم سكانه من بضعة مئات، بداية إنشائه (2016)، إلى أكثر من 70 ألفاً، في سنوات سيطرة «داعش».

على بُعد 136 كيلومتراً من «الهول»، يقع «مخيم روج»، الذي يبدو للوهلة الأولى شبيهاً بسائر مخيمات النازحين واللاجئين، لكن هذه النظرة تختلف بعد الوصول إلى بوابته الرئيسية، حيث الأسوار عالية وكاميرات المراقبة ومئات الخيام المتراصة، التي تضم جهاديات وزوجات مسلحي التنظيم وبعض قادته.

وفي حين تستجدي بعض النساء سبلاً للخروج، لا يزال بعضهن متمسكاً بقناعات دفعتهن للالتحاق بمناطق التنظيم سابقاً حتى تحولت هذه المخيمات إلى محطة انتظار لا يعرف أحد فيها موعداً لرحلته.

«الشرق الأوسط» جالت على مخيمَي «الهول» و«روج»، وعادت بهذه اللقاءات والمشاهدات.

أحد الشوارع الرئيسية في مخيم الهول (الشرق الأوسط)

في السوق التجارية لـ«مخيم الهول»، شرق سوريا، تتبضع نسوة عراقيات وسوريات حاجاتهن اليومية؛ خضراوات وفاكهة ومواد غذائية، كما لا بد من بعض مستحضرات التجميل. ومن تتسنَّى لها الفرصة قد تذهب لصيانة هاتفها الجوال، في حين تتعالى أصوات الباعة من وراء بسطاتهم الشعبية ومحالهم الصغيرة يروِّجون لبضاعتهم.

بعض الباعة يعرضون فساتين بلونٍ أحمر وهدايا عيد الحب وعطوراً، وكل ما كان محرَّماً خلال حكم «داعش».

وبحسب إحصاءات المفوضة السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، يعيش في «مخيم الهول» اليوم 43 ألفاً و477 فرداً. وتقدر مديرة المخيم جيهان حنان «عدد اللاجئين العراقيين بنحو 20 ألفاً، يأتي بعدهم النازحون السوريين، وهم 16 ألفاً، بينما القسم الخاص بالمهاجرات الأجانب يُقدَّر عددهم فيه بنحو 6500 شخصاً»، غالبيتهم نساء وأطفال.

التهديد والقتل متواصلان

تدير المخيم «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)»، وذراعها العسكرية، «وحدات حماية الشعب» الكردية، التي شاركت في المعارك ضد التنظيم والقضاء على سيطرته العسكرية. ورغم الحملات الأمنية لكبح العنف، فإن التهديد والقتل متواصلان، كما شهد المخيم محاولات فرار جماعية أحبطها الأمن.

وكشفت مديرة المخيم تلقيها شكاوى من تهديدات في وضح النهار، وقالت: «رجال ملثمون يحملون الأسلحة يداهمون مراكز المنظمات ويسرقون مقتنياتها ويهددون حراسها».

واستعادت الحكومة العراقية 1400 عائلة من «مخيم الهول»، على 6 دفعات حتى نهاية 2023، لكن المشكلة أن غالبية الدول والحكومات ترفض استعادة رعاياها، رغم وجود حالات إنسانية.

نساء يعبرن الأزقة بين المنازل المسبقة الصنع في مخيم روج (الشرق الأوسط)

نساء يبحثن عن أزواجهن

«مضى على وجودي في المخيم 6 سنوات أو 7 أو حتى 10. حقيقةً لا أذكر... تعبنا من الانتظار»، بهذه الكلمات بدأت نوران حديثها الممزوج بالحسرة على السنوات التي قضتها في سوريا مرغَمة. هذه السيدة السبعينية عراقية تتحدر من بلدة القائم (غرب)، وكحال كثيرات من جيلها لم تعد تذكر تاريخ دخولها المخيم، بينما تعيش أيامها ولياليها دون اكتراث.

ودخلت هذه اللاجئة سوريا منتصف 2016 بعدما أزال التنظيم الحدود بين البلدين، وتعيش اليوم مع ابنتها الأرملة، وحفيدتها، وكان زوج الأخيرة قُتِل في المعارك شرق دير الزور. وعن رغبتها في العودة إلى العراق قالت: «إذا قالوا لي ارجعي، فسأرجع زحفاً، لأنني عشتُ المذلة والعوز».

وقالت رغد رسول، وهي لاجئة عراقية، إنها تعيش في مخيم الهول منذ 6 سنوات، وكانت غادرت مسقط رأسها صيف 2015، وتجهل مصير زوجها و4 من إخوتها المحتجزين لدى «قوات التحالف الدولي» و«قوات سوريا الديمقراطية»، منذ انتهاء معركة الباغوز قبل 5 سنوات. تقول: «زوجي وإخوتي ما أعرف عنهم شيئاً، أكبر أمنياتي أن أراهم وأسمع صوتهم مرة ثانية».

سيدات من أعمار مختلفة في مخيم روج (الشرق الأوسط)

جلست رغد بين حزم البقدونس وباقات البصل والنعناع تبيعها في السوق لإعالة أسرة من 5 أفراد، في حين بدت على وجهها تجاعيد عمرها الـ54. وقالت بلهجة عراقية: «أمان ماكو (لا يوجد أمان)، عيشة صعبة، غذائيات (ماكو)، السجناء ما ندري عنهم شيئاً، لكن أصعب شيء أن أطفالي يظلون دون مستقبل».

وتشكو غالبية اللاجئات العراقيات من عدم معرفة مصير أزواجهن أو أفراد الأسرة من الرجال المحتجَزين لدى قوات التحالف و«قسد». أزهار (32 عاماً) ترتدي السواد الذي لم يُظهر سوى عينين، وتحدثت بصوت منخفض خشية مَن يراقبها: «زوجي مفقود منذ 5 سنوات، لا أعرف إذا كان قد توفي أو لا يزال على قيد الحياة. من حقي معرفة مصيره، وأخاف كثيراً نقله للعراق ومحاكمته بتهمة (الانتماء إلى) التنظيم».

وتروي أزهار اللاجئة العراقية أنها تنقلت بين مدن سورية عدة؛ فكلما كان يُطرَد «داعش» من منطقة يقصدون أخرى، حتى انتهى بهم المطاف إلى الباغوز.

وبعد استسلام الرجال نُقِلت النساء والأطفال إلى «مخيم الهول». وقالت أزهار: «كل أهلي هنا، بينهم أبي وأمي و30 فرداً من الأسرة مع أولادي، أكبرهم عمره 18 سنة والثاني 10 سنوات».

سوريات يواجهنَ مشقة الحياة

بالإمكان مشاهدة كثير من جرحى الحرب في «الهول»، بينهم أطفال بُترت أطرافهم، ونساء على كراسيّ متحركة يدفعها أطفال، ورجال يمشون على عكازات. ورغم هذه الحالات الإنسانية القاسية، فإن هؤلاء يُصنفون بأنهم ناجون من «داعش»، ويعيشون اليوم في بيئة غير آمنة وسط الصحراء.

سيدة تبيع الحلويات لإعالة أسرتها في مخيم الهول (الشرق الأوسط)

نحو 16 ألف نازح سوري في خيام وقطاعات مشتركة مع اللاجئين العراقيين يفصلهم سياج مسوّر وكاميرات مراقبة، يتحدر قسم قليل منهم من مناطق «الإدارة الذاتية لإقليم شمال شرقي سوريا»، وآخرون جاءوا من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، إضافة إلى قسم يتحدر من مناطق العمليات التركية شمال وشمال غربي البلاد.

وتروي فاطمة (35 عاماً)، وهي متشحة بالسواد، أنها تتحدر من منطقة القرية التابعة لبلدة الميادين بريف دير الزور الخاضعة لسيطرة قوات النظام، وتفضِّل البقاء في المخيم على العودة بسبب غياب مصادر الدخل والوظائف واستمرار الحرب في مسقط رأسها.

تنقلت هذه السيدة وعائلتها بين مناطق عدة على مدار 10 أعوام، وتقول: «زوجي مصاب بالسرطان وفاقد الوعي، وأنا أعيل 5 أطفال. بعد الحرب بين النظام و(داعش) نزحنا إلى إدلب ثم إلى (مخيم المبروكة) برأس العين، وفي 2018 قصدنا (مخيم الهول)»، ولم تُخفِ خوفها من جرائم تنفذها خلايا موالية للتنظيم. وأكدت أنها تستدين أدوية زوجها من الصيدلية، وتبيع قسماً من سلَّتها الغذائية لسد الديون المتراكمة.

النازحة الأربعينية أماني تحدثت عما شاهدته من صور مرعبة حُفِرت في ذاكرتها؛ جثث معلقة دون رؤوس في ساحات عامة، وإعدامات ميدانية وغير ذلك، وهي اليوم تواجه عقبات كبيرة وتحديات يومية لا تنتهي. وتقول: «نعيش الخوف والقلق من المستقبل المجهول، بقاؤنا هنا ليس حلاً، كما أن عودتنا لمناطقنا تحدٍّ أكبر، تحيَّرت بنا هذه الدنيا».

بحسب القائمين على المخيم يوجد قسم كبير من النازحين لا يمتلكون وثائق وبطاقات شخصية، وهذه عقبة أخرى تقف عائقاً أمام عودتهم، فيما ذكرت مديرة المخيم، جيهان حنان، أن عودة السوريين إلى مناطقهم مرهونة بحل سياسي شامل وقرار أممي دولي، لافتة إلى أن معظم القاطنين بـ«الهول» يرفضون العودة: «لغياب حماية دولية تحفظ أمنهم وسلامتهم بعد العودة؛ فالإدارة الذاتية مع حق العودة الطوعية لأي نازح سوري كان أو لاجئ عراقي، لكن لن نضغط على أحد لإجباره على العودة».

150 جريمة قتل... وناجيات يتحدثن

في قسم منعزل بـ«مخيم الهول»، تقف مجموعة حراس من الأمن الداخلي «الأسايش» مدججين بالرشاشات والهراوات، يمنعون الدخول والخروج إلا بإذن خطي وموافقة من الإدارة قبل التجوُّل والتعرف على القاطنين. يُطلَق على هذا القسم «المنطقة الآمنة»، وتسكنه 25 عائلة سورية وعراقية من الناجين من انتقام خلايا «داعش».

لينا (23 سنة) نازحة سورية متحدرة من بلدة السفيرة جنوب شرقي حلب، تروي فصول مأساتها وتتحير؛ مِن أين تبدأ؟! مِن وضعها اليوم أم من زواجها القسري من مقاتل تونسي يكبرها بـ33 عاماً. تقول: «كان عمري 12 سنة فقط وعمر زوجي 45 سنة. والدتي توفيت وهي تضعني، وزوجة والدي ضغطت لتزوجني سريعاً».

تنقلت لينا مع عائلتها بين مناطق التنظيم حتى استقرت في الباغوز، حيث قُتِل زوجها، وقد أنجبت منه ابناً وابنة. وتقول: «مات طفلاي هنا بعد تدهور حالتهما الصحية. أعيش اليوم وحيدة في هذا المخيم، وأكبر أمنياتي ترحيلي لمكان آمن».

وخلال سنوات مكوثها بـ«مخيم الهول»، تعرضت لينا لتهديدات من قبل خلايا موالية لتنظيم «داعش»، بعد رفضها العمل معهم، وقالت: «هددوني 3 مرات، وفي الرابعة دخلوا خيمتي لقتلي، لكني استطعت الهرب وقصدت نقطة أمنية نقلتني إلى هذا المكان».

على مدار 4 سنوات شهد «مخيم الهول» أكثر من 150 جريمة قتل، وخلال عام 2023 وحده سُجِّلت 36 جريمة قتل. إحدى الناجيات ديما (28 سنة) المتحدرة من بلدة منبج شرق مدينة حلب عبَّرت كيف يتملكها الخوف عندما يحل المساء. وقالت: «حتى المنطقة الآمنة مكشوفة لكل المخيم، عندما يهبط الضباب أقول لنفسي: (وصلوا إليَّ وسيقتلونني)».

وديما متزوجة من ابن مدينتها الذي كان يعمل ممرضاً إدارياً في «داعش»، وبقي معهم حتى استسلم في معركة الباغوز، وهو في السجن منذ 6 سنوات، وقالت إن التنظيم طلب منها تنفيذ عمليات داخل المخيم لكنها رفضت، فتعرضت لمحاولة اغتيال دفعت إدارة المخيم لنقلها إلى المنطقة الآمنة.

حوالات مالية بحسب حجم الأسرة

في سوق «مخيم روج» قرب منطقة الحسكة السورية، انشغلت نساء بالتبضع وشراء الحاجيات وتسلُّم حوالات مالية مُرسَلة من الأهل. من بينهن فرنسية ترتدي نقاباً بلون أخضر وعباءة طويلة بنية، صرخت بنا بأعلى صوتها: «غير مسموح، غير مسموح تصويري، عليك إغلاق الكاميرا».

في هذه السوق الشعبية، اختلط ضجيج الأطفال بأصوات النساء اللواتي يتحدثنّ بجميع لغات العالم. أما اللغة المشتركة بين البائعة وزبائنها، فتكون العربية الفصحى بمفردات ركيكة.

نساء ينتظرن دورهن أمام أحد المراكز في مخيم روج (الشرق الأوسط)

تروي آسيا ربيع، وهي مغربية (25 عاماً) تتحدر من مدينة القنيطرة المطلة على الساحل الأطلسي، كيف دخلت سوريا عام 2015، وكان عمرها 18 عاماً فقط. أخبرتنا أنها تزوجت وهي قاصر ثم انفصلت عن زوجها الأول ولديها طفل منه بقي مع والده في مسقط رأسها، ثم سافر والدها إلى تركيا بذريعة العمل، فقررت الالتحاق به، لكنها، على زعمها، لم تدرك دخولها إلى سوريا، إلا عندما سمعت هدير الطائرات الحربية تحوم في سماء المنطقة، ورأت حراساً مسلحين يلبسون الزي التقليدي لعناصر تنظيم «داعش» وراياتهم العسكرية.

وقالت آسيا: «ادَّعى أبي أنه يعمل بمنطقة حدودية. وبعد وصولي دخلنا مباشرة للأراضي السورية وقصدنا مدينة الرقة دون معرفتي، بعد فترة زوَّجني من مغربي وأنجبت منه طفلين. أما والدي فقُتِل بالعام نفسه».

وآسيا من بين 580 مهاجرة مغربية التحقت بصفوف التنظيم في سوريا، ولديهنّ أكثر من 500 طفل يعيشون معهن.

طفلة عائدة من حصة دراسية في مخيم روج (الشرق الأوسط)

ويقع «مخيم روج» بريف بلدة المالكية أو ديريك بحسب تسميتها الكردية، تتبع محافظة الحسكة أقصى شمال شرقي سوريا، تقطنه نحو 828 امرأة من جنسيات عدة، ويضم نحو 2640 فرداً جلّهم من الأطفال، وهم عائلات مقاتلين كانوا في صفوف «داعش» يتحدرون من جنسيات غربية وعربية، بحسب مدير المخيم رشيد عمر.

وقال عمر لـ«الشرق الأوسط» إن المخيم «عبارة عن 4 قطاعات؛ قطاع قديم والقطاعان الأول والثاني وقطاع حديث خاص باللاجئين العراقيين»، وكشف هذا الإداري أن القوى الأمنية وخلال القصف التركي على المنطقة مطلع العام الحالي «أحبطت تحركات خلايا موالية لـ(داعش) شكلت 6 مجموعات، بينها مجموعتان من الأطفال أعمارهم 16 و17 عاماً، ومجموعات نسائية متطرفة». ويضيف: «وصلت إلينا تقارير أمنية عن حالات عصيان وشغب ومحاولات هروب، أُحبطت جميعها».

ومنعت إدارة المخيم النساء من ارتداء النقاب، ليظهرن دون نقاب؛ يرتدين غطاء رأس وملابس زاهية، وعن أسباب المنع يعزو الإداري الكردي القرار إلى أنه «بعدما خلعت بعض النسوة النقاب عمدت أخريات متشددات إلى الاعتداء عليهن، وحرقن خيامهن، وبعد مراجعة الكاميرات تبين أنهن منتقبات لا يظهر من وجوههن شيء، ولم نتمكن من التعرف على هوياتهن».

«نعيش في معسكر احتجاز»

طفلة من خلف سياج شائك في مخيم الهول (الشرق الأوسط)

على مد البصر، مئات الخيام المغطاة بعازل أزرق لحمياتها من الأمطار، وخزانات ضخمة حمراء اللون يتزود منها قاطنو المخيم بالمياه وُضِعت فوق دورات الحمامات، وكان بالإمكان مشاهدة أطفال كثر وهم يلعبون في كل مكان، وأطباق (الستلايت) وحاويات بسعة 20 لتراً، وصحون بلاستيك لغسل الملابس قرب كل خيمة، كما نُشِر على حبال الغسل مزيج من الألوان الزاهية.

وقفت الإندونيسية شريفة فرح أديبة أمام خيمتها الملاصقة للأسلاك الشائكة، وهي عبارة عن خيمة صغيرة مقسمة لمكان خاص بالنوم وآخر للطعام والجلوس، ولديها 3 أطفال، أكبرهم فتاة عمرها 8 سنوات، والثاني بعمر 7، والثالث 6 سنوات.

تتحدر هذه السيدة من مدينة مكسَر عاصمة مقاطعة سولاوسي الجنوبية الإندونيسية، وهي إحدى كبرى مدن الجزيرة البحرية، وانتهى بها المطاف للمكوث في «مخيم روج»، تحت رحمة خيمة لا تقيها الحر أو البرد.

وعن قصتها تقول: «جئتُ إلى سوريا مع زوجي التونسي، بعدما قرر الالتحاق بصفوف (داعش). تنقلنا بين كثير من المدن، وكنا ننسحب مع التنظيم حتى ريف دير الزور»، وأكدت أن زوجها قُتِل في معركة الباغوز ونُقِلت هي وأطفالها «إلى (مخيم الهول) بداية، وبقينا هناك 4 سنوات، ثم نُقِلنا لـ(مخيم روج)، قبل عام ونصف العام».

وشبهت قاطنات المخيم هذا المكان بإناء كبير يفيض بالغضب والأسئلة عن مصير الأزواج والأبناء الذين رحلوا إلى السجون. تقول إحداهنّ، وهي إيرانية تُدعى هايدي علي، وعمرها 30 عاماً، قضت منها نحو 7 سنوات في بلد مزقته نيران الحروب: «أريد معرفة مصير زوجي المسجون منذ 5 سنوات، حتى اليوم لا أعرف عنه شيئاً؛ ما إذا كان على قيد الحياة أو مات، أو نُقِل لبلد ثانٍ».

ولم يُكتَب لهايدي من اسمها نصيب، وهو يعني «الأميرة الصغيرة»، كانت تلبس نقاباً حين وصفت المخيم بـ«معسكر للاحتجاز»، وقالت بنبرة غاضبة: «هذه عقوبة كافية لا نستحقها. أخاف أن تمرض ابنتي الوحيدة وتموت»، ونقلت أن ابنتها تبلغ 5 أعوام وُلِدت بسوريا ولا توجد أوراق تثبت جنسيتها.

وتابعت كلامها وهي تنظر مِن حولها لتشير إلى حيث انتهى بها المطاف: «كل أهلي في إيران، وعندما يرسلون لي حوالات مالية أتصل بهم، يقولون لي إنهم طالبوا السفارة السورية في طهران بإعادتنا، لكن يتعذرون لوجودنا في منطقة خارج سيطرة القوات النظامية».

ومثل غالبية زوجاتِ مقاتلي «داعش» في «مخيم روج»، تتقاسم هايدي مشاعرَ القلق والندم والخيبة بعد الانضمام إلى التنظيم، فرغم المناشدات المتكررة لحكوماتهنّ إرجاعِهن إلى بلدانهن الأصلية، يتملكهن الخوف من نسيان أمرهن وقضاء بقية حياتهنّ في هذا المكان المغلق.

الخيام حيث تبات النساء وأطفالهن في مخيم روج (الشرق الأوسط)

ويخشى القائمون على المخيمات من نشأة جيل جديد من المتطرفين المسلحين، لأن معظم الأطفال لا يعرفون من الطفولة والحياة سوى الحروب والقتل والمعسكرات المغلقة، ووُلِد بعضهم بسوريا، واليوم عمره 10 سنوات أو أكثر، وشدَّد مدير «روج» رشيد عمر على أن المخيم يضم مساحة لتعليم الأطفال، غير أنهم يتلقون دروسهم من قبل أمهاتهم أيضاً.

وتخلَّت كثير من النساء اللواتي التحقن بالتنظيم عن بطاقاتهن الشخصية وجوزات السفر، فيما ترفض معظم الدول النظر في أمرهن، نظراً لولادة أطفال على أراضٍ خارج حدودها، ووجود أطفال من جنسيات متعددة، وليس لديها شهادات ميلاد معترَف بها من حكومة رسمية، مما يحول دون إثبات جنسياتهم والحصول على وثائق شخصية.


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
TT

طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري

يشكّل قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الركيزة الأساسية لأي حلّ دبلوماسي للحرب الإسرائيلية على لبنان، رغم التصدعات التي أصابته جراء الخروق المتكررة لمضامينه منذ إقراره في شهر أغسطس (آب) 2006. وعلى رغم أن الأحداث المتسارعة تجاوزته وسياسة التدمير التي تنفذها إسرائيل على كامل الأراضي اللبنانية جعلت من الصعب البناء عليه، فإن وزير الخارجية الأسبق طارق متري، تحدث عن «استحالة الاتفاق على قرار بديل عنه بفعل الانقسام الحاد داخل مجلس الأمن الدولي وامتلاك الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حق النقض (الفيتو) لتعطيل أي قرار بديل». وشدد متري على أنه «لا بديل لهذا القرار وإن كان يحتاج إلى مقدمة جديدة وإعادة صياغة».

ثغرات تسهل الخرق

ثمة بنود ملتبسة في هذا القرار الدولي، تسببت بخرقه مراراً من إسرائيل و«حزب الله» على السواء؛ لكون كلّ منهما يفسّر هذه البنود بحسب رؤيته ومصلحته. ومتري هو أحد مهندسي الـ1701 عندما مثَّل لبنان وزيراً للخارجية بالوكالة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وأشار إلى أن «كل قرارات مجلس الأمن يشوبها بعض الغموض، ومن يقرأ 1701 بتأنٍ يتبيّن أنه ينطوي على لهجة قوية، لكن منطوقه يحمل بعض التأويل». وقال متري في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «مشكلة القرار 1701 الأساسية والتي كانت سبباً وراء تفسيره من نواحٍٍ مختلفة، أنه يدعو إلى وقف الأعمال العدائية وليس وقف إطلاق النار، وكذلك شابه الغموض أو عدم الوضوح، خصوصاً في الفقرة (8) التي تتحدث عن ترتيبات أمنية في المنطقة الفاصلة ما بين مجرى نهر الليطاني والخطّ الأزرق وجعلها خالية من المسلحين»، مشيراً إلى أن «هذا القرار صدر تحت الفصل السادس، لكن الالتباس الأكبر الذي شابه عندما تطرق إلى مهمة القوات الدولية (يونيفيل)؛ إذ أطلق يدها باتخاذ الإجراءات الضرورية كافة لمنع أي تواجد عسكري أو ظهور مسلّح غير شرعي كما لو أنه جاء تحت الفصل السابع». ويتابع متري قوله: «لكن للأسف هذه القوات لم تقم بدورها، وبدلاً عن أن تكون قوّة مراقبة وتدخل، باتت هي نفسها تحت المراقبة» (في إشارة إلى تعقبها من قِبل مناصري «حزب الله» واعتراضها).

ظروف صدور القرار

فرضت تطورات حرب يوليو (تموز) 2006 إصدار هذا القرار تحت النار والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل، ولم يخفِ الوزير متري أن «القرار 1701 لم يشبع درساً، وكان همّ كلّ الأطراف الاتفاق على ما يوقف الأعمال العدائية ولو كان ملتبساً». ويقول متري إن القرار «لم يكن ليصدر لو لم تتخذ حكومة لبنان برئاسة فؤاد السنيورة قراراً بإرسال 15 ألف جندي إلى الجنوب. لكن لأسباب متعددة لم يستطع لبنان أن يفي بوعده بإرسال هذا العدد من الجنود، أولاً لعدم توفر الإمكانات وانشغال الجيش بكثير من المهمات بينها حفظ الأمن الداخلي».

صحيح أن القرار الدولي كان عرضة للخرق الدائم وهذا كان موضع تقييم دائم من مجلس الأمن الدولي الذي لطالما حذّر من تجاوزه، لكنه بقي إطاراً ضابطاً للوضع الأمني على طول الخطّ الأزرق الفاصل ما بين لبنان وفلسطين المحتلّة.

جسر دمَّرته حرب 2006 شمال بيروت (غيتي)

وذكّر متري بأن «الفترة التي فصلت إقرار القانون ووقف الأعمال العدائية في عام 2006، وبين 7 أكتوبر (2023) لم يبادر (حزب الله) إلى الاصطدام بأحد، ولم يكن سلاحه ظاهراً كما غابت نشاطاته العسكرية، واعتبر نفسه مطبّقاً للقرار 1701 على النحو المطلوب، في حين أن إسرائيل خرقت السيادة اللبنانية جوّاً آلاف المرات، حتى أنها امتنعت عن إعطاء لبنان خرائط الألغام؛ وهو ما تسبب بسقوط عشرات الضحايا من المدنيين اللبنانيين». كذلك أشار متري إلى أن «دبلوماسيين غربيين تحدثوا عما يشبه الاتفاق الضمني بأن كلّ ما هو غير ظاهر من السلاح جنوبي الليطاني ينسجم القرار مع 1701، وأن (حزب الله) لم يقم بعمليات تخرق الخطّ الأزرق، بل كانت هناك عمليات في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا».

هل ما زال القرار قابلاً للحياة؟

يتردد طارق متري في الإجابة عن مستقبل هذا القرار؛ لأن «النوايا الفعلية لحكومة بنيامين نتنياهو غير واضحة». وسرعان ما يلفت إلى وجود تناقضات كبيرة في السياسة الدولية اليوم، ويقول: «الأميركيون يحذّرون نتنياهو من الغزو البرّي، لكنّ الأخير يزعم أنه يريد القيام بعمليات محدودة لضرب أهداف لـ(حزب الله)، وهذا غير مضمون»، مذكراً بأن «جناح اليمين المتطرف داخل الحكومة الإسرائيلية يدعو لاحتلال جزء من جنوب لبنان، لكنّ هؤلاء قلّة غير مؤثرة؛ لأن القرار في جنوب لبنان ونوعيّة الغزو البرّي تتخذه المؤسسة العسكرية»، متحدثاً عن «وجود إشارات متضاربة، إذ أنه عندما قدّم الأميركيون والفرنسيون ورقتهم لوقف النار، جاء التصعيد الإسرائيلي سريعاً في لبنان». وأضاف: «قبل الانتخابات الرئاسية يفضل الأميركيون ألا تندلع الحرب، وفي الوقت نفسه يغضون النظر عمّا تلحقه إسرائيل من أذى بحق المدنيين اللبنانيين».

سيناريو 2006

وتنطلق مخاوف وزير الخارجية السابق التجارب الإسرائيلية السابقة، قائلاً: «في عام 2006 زعمت إسرائيل أن الغاية من عملياتها في لبنان ضرب (حزب الله)، لكنها دمرت لبنان، واليوم تطبّق السيناريو نفسه، إن كانت لا تزال تحيّد مطار بيروت الدولي عن الاستهداف وتتجنّب تدمير الجسور، والفرنسيون متفهمون لذلك».

آثار القصف الإسرائيلي على بيروت خلال الحرب مع «حزب الله» عام 2006 (رويترز)

وشدد في الوقت نفسه على «مسؤولية لبنان بفتح نافذة دبلوماسية؛ إذ ليس لديه خيار سوى تطبيق القرار 1701 والاستعداد لإرسال الجيش إلى الجنوب». وتابع: «إسرائيل تعرف أن الحكومة اللبنانية ضعيفة وإذا حصلت على التزام لبناني بتطبيق القرار ستطالب بالأكثر».

وفي حين يسود اعتقاد بأن القرار 1701 لم يعد الوثيقة الدولية الصالحة لإنهاء الحرب القائمة على لبنان اليوم، استبعد طارق متري إصدار مجلس الأمن الدولي قراراً بديلاً عنه. ورأى أنه «يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يجدد المطالبة بتنفيذه مع إعادة صياغته ووضع مقدّمة جديدة له». وتحدث عن «استحالة صدور قرار جديد لأن مجلس الأمن الدولي مشلول ولا يمكن إصدار الاتفاق على بديل، لأن الفيتو الأميركي والروسي موجودون ولا إمكانية لقرار آخر». وأكد أن «التقدم الإسرائيلي ميدانياً سيقفل الباب أمام الحلّ الدبلوماسي، أما إذا تمكن (حزب الله) من الصمود أمام التدخل الإسرائيلي فهذا قد يفتح باباً أمام الحلول السياسية».