العَلم بيرق الشرعية الدستورية السعودية ورايتها

العلم مرفوعاً منذ قيام الدولة الأولى
العلم مرفوعاً منذ قيام الدولة الأولى
TT

العَلم بيرق الشرعية الدستورية السعودية ورايتها

العلم مرفوعاً منذ قيام الدولة الأولى
العلم مرفوعاً منذ قيام الدولة الأولى

تفتح الأيام الوطنية نوافذ للمشتغلين بالتاريخ لإعمال أدواتهم في سبر تلك المناسبات، والتنقيب في أبعادها ورمزيتها، واستنطاق المصادر بحثاً وتدقيقاً لاستكشاف ما قد يكون مغيباً؛ لأن وعي أي أمة بحاضرها وإدراك مكانتها يتطلب معرفة عميقة بماضيها وأسسها وجذورها. وليس التاريخ السعودي هامشياً في الحضارتين العربية والإسلامية، بل هو متن صُلب كوَّنه الامتداد والعمق التاريخي فيها. من هنا تكتسب المناسبات الوطنية السعودية أهمية خاصة، خصوصاً لجهة تفرد العلم السعودي بشكله وتصميمه ودلالاته ومضامينه؛ فهو يعكس عمق الدولة السعودية وعراقتها، ويجسد هويتها، ويمثل القيم والمبادئ التي قامت عليها؛ وإذ ذاك ندرك أهمية صدور أمر الملك سلمان بن عبد العزيز بتخصيص يوم للعلم في الحادي عشر من شهر مارس (آذار)، مشيراً في ديباجته إلى قيمة العلم الوطني عبر تاريخ الدولة السعودية منذ تأسيسها عام 1727.

رسم إيضاحي من موقع دارة الملك عبد العزيز

نتناول هنا الرمزية الدستورية للعلم من ناحية وصله وربطه بين مراحل الدولة السعودية، ودلالته على استمرارية الشرعية السياسة في فترات غياب الدولة أو ضعفها؛ فالعلاقة بين العلم والشرعية السياسية تحظى بأهمية كبيرة، وترتبط بشكل وثيق بالتطور الاجتماعي والسياسي؛ لذا فإن البحث في هذا الارتباط مهم لمعرفة تأثير العلم في الشرعية السياسية والعكس. يدل على ذلك حضور رمزية الدولة «العلم» مع «الحكام الشرعيين» بغض النظر عن مكانهم. ويفيد هنا تكرار ما أشار إليه المؤرخ عبد الرحمن الرويشد «أنه أثناء غياب البيت السعودي المالك فترة من الزمن تشبثوا بحمل تلك الراية حتى وهم غرباء وظاعنون تتقاذفهم الأوطان...». ويضيف: «كان آل سعود في غيبتهم يحملون الراية السعودية، ولا يتخلون عنها»، وأورد قصصاً عدة عن ذلك، منها ما رواه عن القبطان البريطاني آي. آر. بيرس، ووصفه لراية آل سعود قرب الكويت عام 1901: «كانت راية آل سعود خضراء اللون... كتب عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله».

وإذا كان مفهوم الشرعية متعدد الأبعاد والعناصر، ويرتكز على مبادئ ومعايير بعينها، فإن القاعدة الأساسية لنظرية العقد الاجتماعي تستند إلى أن «شرعية الدولة تقوم على أساس رضا المحكومين»، يقول عالم الاجتماع ماكس فيبر: «يكون النظام الحاكم شرعياً عند الحد الذي يشعر فيه المواطنون بالرضا عنه»، ويتفق جان جاك روسو وجون لوك وغيرهما من فلاسفة علم الاجتماع على أن «رضا المحكوم بالحاكم هو مصدر شرعية الحكم».

وقد يجادل البعض في أن السيطرة أو بسط سلطة النظام على الإقليم لم تتوافر لآل سعود بوصفهم حكاماً شرعيين في فترات من تاريخ الدولة السعودية الممتدة 3 قرون، وكانت هناك سلطة أمر واقع؛ فهل انتفت الشرعية حينئذ؟ لا أعتقد ذلك؛ لأن «السيطرة» لم تكتمل للقوى التي حاولت بسط نفوذها على الإقليم، ولم تستقر لها الأوضاع، كما كان دور آل سعود حاضراً، وشعبيتهم باقية، ومحاولاتهم لاسترداد الحكم لم تنقطع. ولو تمعَّنَّا في مثالين من عصرنا الحالي حول تطبيقات مفهوم «الشرعية» لأدركنا المقصود، الأول: حالة الكويت أثناء الغزو العراقي، والثاني: الحالة اليمنية المستمرة منذ سنوات.

أما إذا حاولنا تطبيق معيار «الرضا الشعبي» على الحالة السعودية في سنوات ضعف أو غياب الدولة - لا الدول - في مرحلتيها «الأولى أو الثانية»، لوجدنا أن الأسرة الحاكمة، حتى وهي بعيدة، كانت حاضرة في وجدان الناس، وهو ما حدا بكثير من تجار نجد إلى إرسال زكاة أموالهم إلى الإمام عبد الرحمن في الكويت؛ لأنهم يرونه الحاكم الشرعي، فكان هذا الرضا الشعبي أحد أسس استمرار الدولة. ومن هنا، فإن النقطة التي أحاول إثباتها من خلال هذه القراءة تفيد بأن «الشرعية» لم تسقط خلال سنوات غياب آل سعود عن الحكم، ومن ثم فإن الدولة مستمرة، والدليل هو استعادة الحكم أكثر من مرة، واستمرار التفاف المجتمع حولهم، ورضاه بهم. ومن هنا علينا ألا نزن ما درج عليه المؤرخون من تقسيمات للدولة على اعتبار «سقوطها» بميزان أو معيار التاريخ فقط؛ بل لا بد من أخذ موازين السياسة والقانون... وغيرهما في الحسبان. وهنا أتوجه لمراكز التاريخ ودارسيه لإعادة النظر في تقسيم تاريخ الدولة السعودية كأنه تاريخ 3 دول يقوم على معيار «السقوط»، بينما هو في الحقيقة تاريخ دولة ممتدة، وإعادة قراءة هذا الموضوع ودراسته بشكل شمولي لجميع أبعاده وعناصره.

النقطة الأخرى هنا، المتعلقة بالعلم والذي حرص حكام الدولة السعودية طوال تاريخها على أن يبقى خفاقاً عالياً معبراً عن عقيدتهم ومبادئهم ورمزاً لدولتهم وشرعية حكامها الدستورية، أنه استمر - وفقاً للمصادر التاريخية - دون تغيير يذكر لنحو 180 عاماً أو أكثر، فما الذي دعا الملك عبد العزيز لإدخال تعديلات، بدأت بإضافة سيفين متقاطعين أعلى عبارة «لا إله إلا الله محمد رسول الله».

تتطلب الإجابة عن هذا السؤال النظر إلى مراحل توحيد البلاد وسياقاتها التاريخية، وهذا يستحق بحثاً مستقلاً، لكن الإجابة المختصرة يمكن أن تدل على رؤية الملك عبد العزيز لبناء الدولة التي كانت تدور في ذهنه أثناء توحيده الأقاليم المختلفة. تلك الرؤية هي التي تفرد بها عمن سبقه من سلف، وهي التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه اليوم. وكانت تحولات العلم أو الراية السعودية حاضرة مع مختلف مراحل التوحيد وتطورات البناء نظامياً ودستورياً ومؤسساتياً.

يقول الباحث والمؤرخ البريطاني روبرت ليسي: «إن النزعة اليوم هي ضد بناء التاريخ حول الأبطال؛ ولهذا فمن المفترض أن تفسر علوم الإنسان والاجتماع والاقتصاد، من الناحية النظرية، كيف تضافرت مشيخات ومدن وقبائل جزيرة العرب المتفاوتة لتشكل هذه الدولة الشاسعة والفريدة، ولكنها لا تفعل ذلك. إن الجواب المُرضي الوحيد يكمن في مهارات ورؤية الملك عبد العزيز نفسه الفذة. لقد كان مدفوعاً بشرف العائلة، وطموح إعادة بناء الإمبراطورية التي كانت خاضعة لسيطرة أجداده قبل ميلاده بقرن من الزمن. لقد تعلم من الدروس التي لحقت بالعائلة، وأقنعته ذكرى تدمير الدرعية بضرورة تجنب إثارة تدخل أجنبي في الجزيرة مرة ثانية».

كما كتب المؤرخ والصحافي اللبناني عمر أبو النصر في عام 1935 ما يلي: «إن ابن السعود يسعى لتحضير الجزيرة العربية لتكون نواة دولة عربية عظيمة»، وأضاف قائلاً: «إن ابن السعود يسعى اليوم لتوطيد مركزه في الجزيرة العربية، ويعمل لإعادة المجد العربي الغابر، وإن الثورات السياسية والاجتماعية التي يخلقها الأفراد، تحتاج لكي تصبح راسخة في النفوس قوية في القلوب إلى سنوات كثيرة، وإذا كان صاحب الفكرة قد طواه الردى، فيجب لنجاح الفكرة أن يكون بين أنصاره ومن هو مثله قوة وجرأة وذكاءً وإيماناً بالفكرة ليقوم مقام صاحبها».

ويتابع أبو النصر: «ونحن نرجو من الله - سبحانه وتعالى - أن يمد في عمر صاحب الجلالة ليتمكن من تحقيق ما نذره من خدمة العربية وخدمة الإسلام، وأن يرى بنفسه البناء الذي يعمل على إقامته وتوطيده وتثبيته قوياً شديداً عالياً، لا تؤثر فيه الأعاصير ولا تفعل فيه الزوابع». ومن هنا على قارئ التاريخ أن يدرك أن الملك عبد العزيز لم يكتفِ باسترداد مُلك آبائه وأجداده تحت راية التوحيد، وإنما فعل ما هو أعظم وأكثر استدامة، ألا وهو بناء الدولة بعد توحيدها على أسس دستورية، وتطوير مؤسساتها وأنظمتها وهياكلها، بل حتى رمزها حيث شمل التطوير شكل العَلم السعودي، وصدور عدد من الأنظمة المتعلقة به.

وكان تحدي بناء الدولة وإدارتها أحد أكبر التحديات التي واجهت الملك المؤسس، ناهيك عن استمراريتها وتطورها، وضبط أهم عناصر استقرارها ألا وهو نظامها الملكي؛ هذا النظام الفريد الذي وحَّد جزيرة العرب بعد قرون من الشتات، وصمد في وجه كثير من الأطماع والمؤامرات، واستطاع أن يتجاوز كثيراً من الأزمات والتحديات.

ويقول السياسي والحقوقي الدكتور منير العجلاني: «لنذكر أن آل سعود هم الذين أنشأوا الملك، وأنهم كانوا في أول الأمر العمال الذين بنوا البيوت بسواعدهم، وغرسوا الأشجار بأيديهم، والجنود الذين قاتلوا دفاعاً عن حوزتهم بسيوفهم، وبذلوا عرقهم ودمهم في سبيل إنشاء الملك الصغير في الدرعية، ثم وسعوا هذا الملك بجهدهم ودمهم أيضاً، واستعادوه 3 مرات بعد أن تآمر الأجانب عليه، ووطدوا الأمن بعد أن كان يتخطفه قطَّاع الطرق، ونصروا الدين، وأعلوا كلمته، ووحدوا البلاد بعد أن كانت متفرقة، وأعزوها بعد أن كانت ضعيفة».

لقد أعيا ذلك المنجز العظيم للملك عبد العزيز كل محاولات التدوين والتأريخ، فقد أسس عبد العزيز نهجاً دستورياً للمحافظة على النظام الملكي، صانه أبناؤه من بعده، وطوروا آلياته وأدواته، وصنعوا منه نموذجاً فريداً لأنظمة الحكم الملكية، ونسخة معاصرة للتراث السياسي العربي والإسلامي. لقد كانت أدوار أبنائه الملوك من بعده لا تقل أهمية وصعوبة مع الظروف والتطورات المحيطة بكل عهد عن دور عبد العزيز العظيم، وفي هذا يقول المفكر والسياسي السعودي الشيخ عبد العزيز التويجري: «هذا هو الملك عبد العزيز الذي استحق حبنا وعشقنا، ونال إعجاب الأبعدين قبل الأقربين، فلقد ملأ فراغاً واسعاً في شبه الجزيرة العربية، وحقق بذلك لنفسه وشعبه مكاناً في عالم المتغيرات، ولعلي لا أكون مبالغاً إذا قلت إن الأدوار التي تتابعت من بعده لا تقل أهميتها ولا صعوبتها، مع تبدلات العصر وتداخلاته، عن دوره التاريخي»، إلا أنه، في كل هذه العهود ومع كل التحولات والتطورات، بقي العلم السعودي يرفرف بشموخ على المملكة العربية السعودية مهبط الوحي، ومنبع الرسالة، ومهد حضارة العرب، رمزاً للدولة وشرعيتها الدستورية وسلطتها السياسية، حيث يمثل وحدة الأمة، وهوية الوطن، وسيادة الدولة؛ لذا ليس مقبولاً رفع أعلام تنازعه مكانته، ومتى وجدت كانت موجبة للمساءلة ومؤدية للعقوبة، وفقاً لما تنص عليه الأنظمة السعودية.

بقي أن أضيف أن أبناء عبد العزيز أثبتوا على مدى العقود الماضية متانة نظام حكمهم وصلابته في مواجهة الأزمات والتحديات، واليوم يعمل أحفاده للحفاظ على هذا الإرث العظيم، وتعزيزه وترسيخه، تأكيداً لمتانة نظام الحكم السعودي الذي يستمد أحكامه من مبادئ الشريعة الإسلامية، ويقوم على أساس العدل والشورى والمساواة وخدمة الشعب الذي يلتف خلف قيادته، ويقف صفاً واحداً تحت الراية السعودية مردداً:

موطني عشت فخر المسلمين

عاش الملك للعلم والوطن

إنها الخلطة السرية السعودية، وكفى.


مقالات ذات صلة

الراية السعودية رمز الهوية الوطنية الجامعة على مدى قرون

تحقيقات وقضايا راية الدولة السعودية الأولى وهي قطعة أصلية من مجموعة الطريّف (أرشيف عدنان الطريف)

الراية السعودية رمز الهوية الوطنية الجامعة على مدى قرون

يوافق، الاثنين، يوم العَلَم السعودي الذي أصدر الملك سلمان بن عبد العزيز أمراً ملكياً باعتماده في 11 مارس 1937، وأقرّ فيه مقاس العلم السعودي وشكله الحالي.

بدر الخريف (الرياض)

طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
TT

طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري

يشكّل قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الركيزة الأساسية لأي حلّ دبلوماسي للحرب الإسرائيلية على لبنان، رغم التصدعات التي أصابته جراء الخروق المتكررة لمضامينه منذ إقراره في شهر أغسطس (آب) 2006. وعلى رغم أن الأحداث المتسارعة تجاوزته وسياسة التدمير التي تنفذها إسرائيل على كامل الأراضي اللبنانية جعلت من الصعب البناء عليه، فإن وزير الخارجية الأسبق طارق متري، تحدث عن «استحالة الاتفاق على قرار بديل عنه بفعل الانقسام الحاد داخل مجلس الأمن الدولي وامتلاك الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حق النقض (الفيتو) لتعطيل أي قرار بديل». وشدد متري على أنه «لا بديل لهذا القرار وإن كان يحتاج إلى مقدمة جديدة وإعادة صياغة».

ثغرات تسهل الخرق

ثمة بنود ملتبسة في هذا القرار الدولي، تسببت بخرقه مراراً من إسرائيل و«حزب الله» على السواء؛ لكون كلّ منهما يفسّر هذه البنود بحسب رؤيته ومصلحته. ومتري هو أحد مهندسي الـ1701 عندما مثَّل لبنان وزيراً للخارجية بالوكالة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وأشار إلى أن «كل قرارات مجلس الأمن يشوبها بعض الغموض، ومن يقرأ 1701 بتأنٍ يتبيّن أنه ينطوي على لهجة قوية، لكن منطوقه يحمل بعض التأويل». وقال متري في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «مشكلة القرار 1701 الأساسية والتي كانت سبباً وراء تفسيره من نواحٍٍ مختلفة، أنه يدعو إلى وقف الأعمال العدائية وليس وقف إطلاق النار، وكذلك شابه الغموض أو عدم الوضوح، خصوصاً في الفقرة (8) التي تتحدث عن ترتيبات أمنية في المنطقة الفاصلة ما بين مجرى نهر الليطاني والخطّ الأزرق وجعلها خالية من المسلحين»، مشيراً إلى أن «هذا القرار صدر تحت الفصل السادس، لكن الالتباس الأكبر الذي شابه عندما تطرق إلى مهمة القوات الدولية (يونيفيل)؛ إذ أطلق يدها باتخاذ الإجراءات الضرورية كافة لمنع أي تواجد عسكري أو ظهور مسلّح غير شرعي كما لو أنه جاء تحت الفصل السابع». ويتابع متري قوله: «لكن للأسف هذه القوات لم تقم بدورها، وبدلاً عن أن تكون قوّة مراقبة وتدخل، باتت هي نفسها تحت المراقبة» (في إشارة إلى تعقبها من قِبل مناصري «حزب الله» واعتراضها).

ظروف صدور القرار

فرضت تطورات حرب يوليو (تموز) 2006 إصدار هذا القرار تحت النار والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل، ولم يخفِ الوزير متري أن «القرار 1701 لم يشبع درساً، وكان همّ كلّ الأطراف الاتفاق على ما يوقف الأعمال العدائية ولو كان ملتبساً». ويقول متري إن القرار «لم يكن ليصدر لو لم تتخذ حكومة لبنان برئاسة فؤاد السنيورة قراراً بإرسال 15 ألف جندي إلى الجنوب. لكن لأسباب متعددة لم يستطع لبنان أن يفي بوعده بإرسال هذا العدد من الجنود، أولاً لعدم توفر الإمكانات وانشغال الجيش بكثير من المهمات بينها حفظ الأمن الداخلي».

صحيح أن القرار الدولي كان عرضة للخرق الدائم وهذا كان موضع تقييم دائم من مجلس الأمن الدولي الذي لطالما حذّر من تجاوزه، لكنه بقي إطاراً ضابطاً للوضع الأمني على طول الخطّ الأزرق الفاصل ما بين لبنان وفلسطين المحتلّة.

جسر دمَّرته حرب 2006 شمال بيروت (غيتي)

وذكّر متري بأن «الفترة التي فصلت إقرار القانون ووقف الأعمال العدائية في عام 2006، وبين 7 أكتوبر (2023) لم يبادر (حزب الله) إلى الاصطدام بأحد، ولم يكن سلاحه ظاهراً كما غابت نشاطاته العسكرية، واعتبر نفسه مطبّقاً للقرار 1701 على النحو المطلوب، في حين أن إسرائيل خرقت السيادة اللبنانية جوّاً آلاف المرات، حتى أنها امتنعت عن إعطاء لبنان خرائط الألغام؛ وهو ما تسبب بسقوط عشرات الضحايا من المدنيين اللبنانيين». كذلك أشار متري إلى أن «دبلوماسيين غربيين تحدثوا عما يشبه الاتفاق الضمني بأن كلّ ما هو غير ظاهر من السلاح جنوبي الليطاني ينسجم القرار مع 1701، وأن (حزب الله) لم يقم بعمليات تخرق الخطّ الأزرق، بل كانت هناك عمليات في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا».

هل ما زال القرار قابلاً للحياة؟

يتردد طارق متري في الإجابة عن مستقبل هذا القرار؛ لأن «النوايا الفعلية لحكومة بنيامين نتنياهو غير واضحة». وسرعان ما يلفت إلى وجود تناقضات كبيرة في السياسة الدولية اليوم، ويقول: «الأميركيون يحذّرون نتنياهو من الغزو البرّي، لكنّ الأخير يزعم أنه يريد القيام بعمليات محدودة لضرب أهداف لـ(حزب الله)، وهذا غير مضمون»، مذكراً بأن «جناح اليمين المتطرف داخل الحكومة الإسرائيلية يدعو لاحتلال جزء من جنوب لبنان، لكنّ هؤلاء قلّة غير مؤثرة؛ لأن القرار في جنوب لبنان ونوعيّة الغزو البرّي تتخذه المؤسسة العسكرية»، متحدثاً عن «وجود إشارات متضاربة، إذ أنه عندما قدّم الأميركيون والفرنسيون ورقتهم لوقف النار، جاء التصعيد الإسرائيلي سريعاً في لبنان». وأضاف: «قبل الانتخابات الرئاسية يفضل الأميركيون ألا تندلع الحرب، وفي الوقت نفسه يغضون النظر عمّا تلحقه إسرائيل من أذى بحق المدنيين اللبنانيين».

سيناريو 2006

وتنطلق مخاوف وزير الخارجية السابق التجارب الإسرائيلية السابقة، قائلاً: «في عام 2006 زعمت إسرائيل أن الغاية من عملياتها في لبنان ضرب (حزب الله)، لكنها دمرت لبنان، واليوم تطبّق السيناريو نفسه، إن كانت لا تزال تحيّد مطار بيروت الدولي عن الاستهداف وتتجنّب تدمير الجسور، والفرنسيون متفهمون لذلك».

آثار القصف الإسرائيلي على بيروت خلال الحرب مع «حزب الله» عام 2006 (رويترز)

وشدد في الوقت نفسه على «مسؤولية لبنان بفتح نافذة دبلوماسية؛ إذ ليس لديه خيار سوى تطبيق القرار 1701 والاستعداد لإرسال الجيش إلى الجنوب». وتابع: «إسرائيل تعرف أن الحكومة اللبنانية ضعيفة وإذا حصلت على التزام لبناني بتطبيق القرار ستطالب بالأكثر».

وفي حين يسود اعتقاد بأن القرار 1701 لم يعد الوثيقة الدولية الصالحة لإنهاء الحرب القائمة على لبنان اليوم، استبعد طارق متري إصدار مجلس الأمن الدولي قراراً بديلاً عنه. ورأى أنه «يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يجدد المطالبة بتنفيذه مع إعادة صياغته ووضع مقدّمة جديدة له». وتحدث عن «استحالة صدور قرار جديد لأن مجلس الأمن الدولي مشلول ولا يمكن إصدار الاتفاق على بديل، لأن الفيتو الأميركي والروسي موجودون ولا إمكانية لقرار آخر». وأكد أن «التقدم الإسرائيلي ميدانياً سيقفل الباب أمام الحلّ الدبلوماسي، أما إذا تمكن (حزب الله) من الصمود أمام التدخل الإسرائيلي فهذا قد يفتح باباً أمام الحلول السياسية».