أنطاكيا التاريخية «مدينة خيم وحاويات»... وخطط الإعمار تهدد تعددية السكان

«الشرق الأوسط» في مناطق الزلزال المدمر

TT

أنطاكيا التاريخية «مدينة خيم وحاويات»... وخطط الإعمار تهدد تعددية السكان

جانب من نهر العاصي ومدخل المدينة حيث كانت فنادق ومقاه تاريخية (الشرق الأوسط)
جانب من نهر العاصي ومدخل المدينة حيث كانت فنادق ومقاه تاريخية (الشرق الأوسط)

بعد مرور عام على الزلزال المميت، يكاد يكون من المستحيل العثور على شخص لم يفقد أحد أفراد أسرته أو صديقا له أو أحد جيرانه في مركز مدينة هاتاي أو أنطاكيا، جنوبي تركيا. فقدت المدينة نصف سكانها تقريباً وقد هاجر العديد منهم إلى مدن مجاورة أو بعيدة كإسطنبول وأنقرة، بعد دفن أحبائهم وجمع بعض الأثاث من بيوتهم المدمرة.

ويحاول الناجون الآن إعادة بناء حياتهم وسط أنقاض المدينة، وبين مباني الأشباح، والغبار المبعثر المتراكم من مواقع الهدم، على وقع ضجيج المعدات الثقيلة التي لا تزال تعمل على هدم المباني المدمرة. بعد مرور بضعة أشهر على الزلزال، تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي صورة أصبحت شهيرة وتُظهر صاحب متجر يعيد فتح متجره مع بعض الترميم، واضعاً حاوية بين الأنقاض في وسط المدينة المهجورة، ولكن من دون أي زبون يلتفت إليه. وتحولت هذه الصورة وغيرها مما يشابهها رمزاً للناجين المطالبين بالاعتراف بوجودهم في المدينة في مواجهة موجة هجرة هائلة. فقد أصبح هجران المدينة ومحيطها مصدراً للقلق الحقيقي بين من تبقى من أن عملية إعادة الإعمار سوف تتعطل أكثر إما لغياب قوة عاملة مستقرة متبقية وإما لانتفاء الضرورة القصوى. وتم تصوير أصحاب المحال التجارية وهم يحملون بعض الماء والمكانس بأيديهم، وهي أدوات كفاحهم الرئيسية من أجل الحفاظ على المدخل نظيفاً وأنيقاً ضد الغبار والأنقاض التي عمّت الأمكنة كلها.

وعلى الجدران انتشرت كتابات رافقت صورة صاحب المتجر «المقاوم» وتقول «لم نغادر»، «لن تفقد الأمل؛ سوف نعود»، «انهارت بيوتنا، وليس أحلامنا». بعض هذه الكتابات على الجدران أطلقت على أكشاك الكباب وغيره من المأكولات الشعبية التي أعاد أصحابها افتتاحها بما هو متاح وبإصرار إبقاء ذكرى الزلزال حية وصمود شعب هاتاي لإعادة بناء حياتهم في المدينة. واليوم، مع الذكرى السنوية الأولى للزلزال، بات هناك العديد من المتاجر المفتوحة، وسوق الخضروات والفاكهة المحلية (البازار) تعج بالناس.

ومع ذلك، لكل منهم رواية يقصها علينا عن مدى صعوبة الحياة في هذه البقعة.

سيدة تركية تزور مقابر أفراد من عائلتها في الذكرى السنوية لوفاتهم بالزلزال (د. ب. إ.)

لم يتغير شيء

بعد عام من الزلزال يفاجأ الزائر بأن المكان ما زال على حاله. وكأن الزمن لم يمر منذ أن ضربت الكارثة. بدت المدينة مهدمة كما يمكن أن تكون. بين الأنقاض، كانت الخيام والحاويات والأواني المعدنية المؤقتة موجودة في كل مكان تقريباً، وهي تقوم مقام المنازل والمتاجر والمطاعم والمصارف والمكاتب.

تغير مشهد المدينة بشكل هائل. مناطق بكاملها سويت بالأرض حتى أن تجربة مشتركة شاعت بين الناجين كانت الضياع في أماكن يعرفونها طوال حياتهم. فلم يعد في الشوارع نقاط استدلال. وفي غياب الأشجار، أو الأبنية التاريخية، أو المقاهي، أو نقاط اللقاء التي كانت تميز المدينة، لم يتمكن السكان من معرفة أين كانت بيوتهم. وقال «ييغيت»، وهو طالب جامعي من أبناء المدينة إن مقابلة صديقه استغرقت منه ساعة تقريباً من المحاولة، بحيث لم يتمكن أي منهما من وصف موقعه. وقال: «انتهى بنا الأمر إلى استخدام (فيس تايم) ورفعنا صوتنا لنسمع بعضنا البعض ونستدل».

قرى الحاويات وعيش بالمياومة

واليوم يسكن العديد من الناجين الذين بقوا في المدينة إما في «مدن الحاويات» أو في الأطراف والقرى المحيطة بهاتاي. وفقا للإعلان الرسمي الصادر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تقيم أكثر من 50 ألف أسرة في 175 بلدة حاويات منتشرة في جميع أنحاء المدينة. وقد تمكن أولئك الذين فقدوا منازلهم من الاستفادة من برنامج للمساعدات يغطي نفقات الانتقال وتكاليف الإيجار. ومع ذلك، فإن المبالغ المخصصة كجزء من البرنامج لا تكفي لإيجار شقة، بعد ارتفاع الأسعار ارتفاعاً صاروخياً سواء بسبب خسارة الأبنية السكنية أو بسبب ارتفاع معدلات التضخم في البلاد.

قرى ومدن من الحاويات على أطراف مدينة أنطاكيا (د. ب. إ.)

وبالنسبة للسكان الذين ليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه في القرى أو الأطراف وتخيروا الانتقال إلى مدن الحاويات، تخلوا عملياً عن المساعدة في الإيجار فيما لا يزال بعضهم وهم قلة يقيم في الخيام.

تضم إحدى مدن الخيام التي نُصبت في شارع فرعي على بُعد بضعة كيلومترات من وسط المدينة نحو 50 عائلة سورية. يعيش محمد في خيمة واحدة مع زوجته وأطفاله الستة. وعندما سُئل عما إذا كان يتلقى أي مساعدة، أجاب قائلاً: «بعض الناس جلبوا الطعام لبعض الوقت، ولكن ذلك توقف الآن». ومنذ الزلزال لم يعد محمد قادراً على العمل إذ سقط جدار على كتفه وهو يحاول الهرب من مسكنه فاضطر أبناؤه الثلاثة للعمل في محل لبيع الأثاث.

وتتلخص خطة رب الأسرة في تكييف الخيمة مع ما تقتضيه ظروف الشتاء واستمرار العيش فيها. ليس لديه كبير أمل في الترقية إلى حاوية. ويُشكل الانقطاع المتكرر للماء والكهرباء أكبر مشقة بالنسبة له ولعائلته، لأنهم لا يحصلون على الكهرباء إلا كل يومين.

وفي الأجزاء الأخرى من أنطاكيا أيضا، لا يزال انقطاع مقومات العيش الأساسية يُمثل مشكلة كبيرة. توضح السيدة إليف، وهي مُعلمة تعيش الآن في إحدى بلدات الحاويات، أن الأمر أصبح أقل بؤساً، بالمقارنة مع الأشهر الأولى، ولكن عندما يحدث الانقطاع، يمكن أن يستغرق أحيانا 48 ساعة. وتقول: «بعد الزلزال، كانت الحاجة الفورية إلى إعادة الكهرباء بأسرع ما يمكن، فقام العمال بالسير بالكابلات إلى أي مكان بُغية الاستجابة بسرعة للاحتياجات. والآن، عندما يحدث انقطاع، يستغرق الأمر وقتا طويلا لمعرفة ما حدث لأي كابل».

وتمثل الأمطار مصدر خوف بسبب البنية التحتية الهشة للمدينة ومواقع السكن المؤقتة. ولا يقتصر سبب انقطاع الكهرباء على هطول الأمطار الغزيرة في كثير من الأحيان، بل إن معظم الحاويات ليست مضادة للمياه أصلاً ما يشكل خطراً مضاعفاً. إذ يتسرب الماء من الأعلى ومن الأسفل على السواء في الأماكن حيث تقع البلدات في السهول. ويُلقي الناجون باللائمة في ذلك على نقص التخطيط والتنسيق الذي استمر منذ عمليات الإنقاذ. تقول سينيم، وهي امرأة تبلغ من العمر 45 عاماً تعيش في حاوية مساحتها 21 مترا مربعا مع أطفالها الثلاثة وزوجها: «إننا غير قادرين على التخطيط لأي شيء، ونحاول فقط قضاء كل يوم بيومه». وكانت مدرسة أطفالها انهارت خلال الزلزال أيضاً وهم الآن مسجلون في التعليم عن بُعد.

لا مكان للعائلات

وفي العديد من الأسر الميسورة مالياً، هاجرت النساء إلى مدن أخرى من أجل تعليم الأطفال، في حين بقي الرجال في هاتاي لمواصلة عملهم. يوسف واحد منهم. يعيش حالياً في حاوية مُقامة في قريته ويستأجر شقة في إسطنبول لزوجته وأطفاله. بعد قضائه فترة قصيرة في إسطنبول، وجد الرجل صعوبة في استئناف العمل فعاد أدراجه إلى أنطاكيا لفتح محل الأحذية. بعد الزلزال، كان معظم زبائنه الجدد من الجنود وضباط الشرطة والعمال الذين جاءوا إلى المدينة كجزء من عمليات الإنقاذ أو لأعمال البناء. وفيما اتبعت العديد من الأسر نمطاً مماثلا، تغيرت ديموغرافيا المدينة بشكل كبير وقلبت نسبة الرجال إلى النساء من 61.8 في المائة إلى 38.1 في المائة، بحسب مركز هاتاي للتخطيط.

وفي الوقت نفسه، من نجت مبانيهم وخرجوا بأضرار «طفيفة» أو «متوسطة» عادوا تدريجياً وسط خوف دائم من الهزات الارتدادية أو زلزال آخر. أما أولئك الذين يعيشون في مبان متضررة إلى حد كبير نسبياً فقد غابوا في طي النسيان لعدة شهور، حيث انقسمت السلطات حول ما إذا كانت هذه المباني آمنة للعيش بعد التدعيم والتعزيز، أم أنه ينبغي هدمها وإعادة بنائها. ولم يكن حتى قبل 3 أشهر من الآن أن قالت منظمة الكوارث والطوارئ الحكومية إنها اتخذت قراراً بهذا الشأن بحسب كل مبنى.

تضامن شعبي بددته السياسة

في الأسابيع الأولى التي تلت الزلزال، تضامن العديد من الأفراد والمجموعات والمنظمات غير الحكومية مع الناجين، وخاصة مع سكان هاتاي. فلطالما اعتبرت المدينة مثالاً حياً للتعددية الثقافية، وهي التي تضم العرب العلويين، والسنة، والمسيحيين، والأرمن، واليهود. وحالما انتشرت الصور المفجعة على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى قنوات التلفزة، حاول حتى المواطنون العاديون في أنحاء مختلفة من البلاد الوصول إلى المنطقة بوسائلهم الخاصة لإرسال التبرعات أو توفير قوة عاملة في عمليات الإنقاذ. وتأسست شبكات جديدة من التضامن داخل المدينة وخارجها للعمل على كيفية إعادة بناء الحياة. ولا تزال هذه القصص حية في ذكريات الناجين، إذ لدى كثيرين منهم ما يقولونه عن كيفية مساعدة جيرانهم أو أشخاص مجهولين لهم.

ولكنها ذكريات بالفعل. فبعد مرور عام طغت على روح التضامن النزاعات والخلافات، التي كان بعضها موجوداً أصلاً قبل وقوع الكارثة. ولا شك في أن المناخ السياسي البالغ الاستقطاب في البلد يعمل كمحفز إضافي لتعميق الخلافات والفجوات. وقد أبدى حزب الشعب الجمهوري حذراً خاصاً من الإجراءات التي اتخذتها حكومة حزب العدالة والتنمية إزاء المجتمع العربي - العلوي في المدينة - ثاني أكبر مجموعة بعد السكان السنة - والذي يُصوت عموماً لصالح حزب المعارضة الرئيسي.

وذكرت موجان، وهي صاحبة مطعم عمرها 45 عاماً، أن منطقتها لم تتلق أي مساعدات حكومية في الأيام الثلاثة الأولى من الزلزال، لأنها منطقة يسكنها بالأساس العرب العلويون. ومثل العديد من العرب العلويين الآخرين في المدينة، تعتقد موجان أن الحكومة تستخدم الزلزال لتفريق المجتمع من خلال جعل حياتهم أكثر صعوبة وفرض الهجرة عليهم بصورة غير مباشرة كخيار وحيد.

ووفقا للسيدة موجان، ازداد الانقسام بين السكان السنة والعرب - العلويين، بعد وصول اللاجئين السوريين إلى المدينة، وهو ما تعتبره أيضاً جزءا من سياسة الحكومة التقسيمية. كما أدى قراران صادران عن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بشأن مصادرة الأراضي في الأشهر التالية على الزلزال إلى إثارة مخاوف المجتمع العربي - العلوي. فقد سمحت هذه القرارات لوكالة الإسكان الحكومية (توكي) بمصادرة أراض لبناء مبان جديدة في «ديكمجة» و«غولدرين»، وهما حيان من مدينة أنطاكيا يسكنهما بشكل رئيسي العرب - العلويون. والقراران مرفوعان حاليا إلى المحكمة الإدارية. بعد فترة وجيزة من القرار الرئاسي، شرع أهالي قرية «ديكمجة» في مقاومة مصادرة بساتين الزيتون ونظموا عدة احتجاجات للحفاظ على أرزاقهم، ما أدى إلى مواجهات عنيفة بين الشرطة المحلية والأهالي.

أحياء سويت بالارض في وسط مدينة أنطاكيا (الشرق الأوسط)

الإعمار معضلة متشعبة

ويقول المحامي المحلي أجاويد ألكان: «هناك فوضى في المدينة، والساسة مستفيدون؛ فمن الأسهل أن يحكموا بهذه الطريقة». وإلى جانب تداعيات المشكلات الوطنية العامة على المدينة المنكوبة، صارت النزاعات في مختلف الشؤون جزءاً من الحياة اليومية». ويقول ألكان: «لا تخلو مجموعة واتساب من نزاعات. فهذه المجموعات تشكلت بين سكان الشقق ويتعين عليهم الآن أن يقرروا معاً ما ينبغي القيام به حيال المباني المنهارة». والخيارات هي إما إعادة البناء في نفس المكان، وهو ما يتطلب موافقة 50 في المائة من أصحاب المساكن، أو استبدال شقة من وكالة «توكي» بحقهم في الملكية. وأيا كان الخيار الذي سيتخذونه، سوف تُقدم الحكومة منحة قيمتها 750 ألف ليرة تركية (أي نحو 24 ألف و700 دولار) وقرضاً من دون فائدة بنفس المبلغ، يبدأ سداده بعد سنتين. بيد أن هذه المبالغ ظلت منخفضة للغاية مقابل معدل التضخم المرتفع في البلاد، فيما أغلب الناجين خسروا أعمالهم بالإضافة إلى مساكنهم وهذه المبالغ وإن كانت ضئيلة لكنها تفوق قدرتهم. وهم الآن يُعربون عن قلقهم من أن البنايات الجديدة قد تكلفهم أكثر بكثير مما قد تغطيه المنحة والائتمان معاً، وقد ينتهي بهم الحال إلى الوقوع في براثن الديون الضخمة.

راهناً، تُصنف المباني في المدينة إلى أربع مجموعات، وهي: «مُدمرة»، «أضرار جسيمة»، «أضرار متوسطة»، «أضرار طفيفة أو معدومة الضرر». وبدورها تحولت هذه التصنيفات أيضاً إلى مصدر رئيسي للخلاف، إذ رفع الكثير من السكان تقييم ممتلكاتهم إلى المحاكم على أمل تغييرها إما إلى أضرار «متوسطة» أو «طفيفة» للحيلولة دون هدمها. فمدينة هاتاي، وكذلك منطقتها المركزية أنطاكيا، مليئة بالمباني التي تحمل لافتة تقول «لا تهدم، ارفع إلى المحكمة»، حيث يخشى المالكون من أنهم إذا فقدوا حتى أطلال ما كانوا يمتلكونه، يمكن مصادرة أراضيهم لصالح بعض المشاريع الحكومية أو بناء مبان جديدة لا يمكنهم تحمل نفقات إعادة شرائها. وأعرب مسؤولون حكوميون عن قلقهم إزاء العدد الكبير من القضايا التي غمرت المحاكم المحلية وتؤخر عملية إعادة الإعمار من وجهة نظرهم.

البازار خلاف إضافي

أصبح «أوزون كارشي» (السوق الطويلة) أو البازار التاريخي للمدينة أكثر حياة وحيوية مما كان عليه قبل شهرين. ومع ذلك، يختلف أصحاب المتاجر فيما بينهم حول أهمية البازار. إذ تقضي الخطة الرسمية بهدمه وإعادة بنائه ببنية تحتية أفضل. ولكن لا يتفق الجميع مع تلك الخطة، ويوسف من أشد المعترضين. فهو يرى أن إعادة الإعمار سوف تستغرق وقتاً أطول بكثير مما هو مُعلن رسمياً، خصوصاً أن الحكومة لم تفِ بعد بأي من وعودها السابقة. وإذا ما تم هدم البازار، سوف يُنقل مؤقتاً إلى سوق الحاويات التي، بحسب يوسف، تفتقر إلى روح البازار التاريخي ولن تجذب أحداً.

ولا شك أن سكان المدينة الموالين للحكومة أكثر تفاؤلاً بشأن هذه العملية، ويعتقدون أنه إذا وضع الجميع ثقتهم في الحكومة، فالأمور ستسير بسلاسة أكبر. ولكن حتى سردار، الذي يعمل موظفاً مدنياً في بلدية أنطاكيا (بقيادة حزب العدالة والتنمية)، يعترف بأن الأمور تتحرك ببطء شديد مقارنة بالمدن الأخرى المدمرة. ويقول: «كأن هاتاي (شُرابة) مُعلقة بالبر الرئيسي. كأنها عبء إضافي ومشكلاتها لا تندرج في الأجندة السياسية كأولوية».

مثل هذه المشاعر شائعة بين سكان هاتاي، بصرف النظر عن هوياتهم الخاصة. سليم، على سبيل المثال، دهن جراره الزراعي بألوان قوس قزح ووصف في الخلف كيف تُركت المدينة وحدها بعد الزلزال. وعلق لوحة أرقام مؤقتة تقول «31 زلزال 4.17»، علماً بأن 31 هي رمز المرور في هاتاي، و4.17 ترمز للوقت الذي ضرب فيه الزلزال الأول المدينة بشدة. كان سليم يمتلك مطعماً قبل الزلزال، وقد اشترى الجرار القديم لاستخدامه كديكور في الواجهة غير مدرك أنه سيتحول إلى مصدر رزق. ففي الوقت الحالي، بات يستخدمه لجمع الأشياء من مواقع التدمير ولا يعرف ما العمل الذي يمكن أن يجده بعد ذلك.

الغموض الذي أصاب كل جوانب الحياة في هاتاي بالشلل تقريبا، مع غياب التحرك السياسي الفعال لتلبية الاحتياجات الملحة للسكان، يختصر المناخ العام للمدينة بعد سنة من الزلزال. ولكن مع الانتخابات البلدية التي ستجرى في 31 مارس (آذار) المقبل تمحورت السياسة في المدينة حول الوعود الانتخابية التي تزيد الريبة والشك بين الناخبين في المدينة. فإذا لم يتحقق شيء من الوعود خلال عام، ماذا يرتجون في أشهر؟


مقالات ذات صلة

تركيا: زلزال بقوة 5.3 درجة قرب بحر إيجه

أوروبا شخص ينظر إلى الأنقاض والحطام بعد زلزال في كهرمان مرعش بتركيا 8 فبراير 2023 (رويترز)

تركيا: زلزال بقوة 5.3 درجة قرب بحر إيجه

أفاد التلفزيون التركي، اليوم الأحد، بوقوع زلزال بقوة 5.3 درجة قرب بحر إيجه.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
يوميات الشرق شرم الشيخ شهدت زلزالاً بلغت قوته 4.25 درجة على مقياس ريختر (عبد الفتاح فرج)

ما أسباب تكرار الهزات الأرضية في شمال البحر الأحمر؟

سجّلت محطات شبكة الزلازل القومية، هزة أرضية على بُعد 12 كيلومتراً من مدينة شرم الشيخ، عند الساعة 7:34 صباحاً بتوقيت القاهرة، مما أثار انتباه السكان في المنطقة.

محمد السيد علي (القاهرة)
شؤون إقليمية قُبض على الإسرائيلي بوريس ولفمان في إسطنبول 2015 وسُلم لإسرائيل لاتهامه بالاتجار بالأعضاء وعاد إلى تركيا عام 2017 (إعلام تركية)

القبض على إسرائيلي في تركيا للاتجار بأعضاء اللاجئين السوريين

قررت محكمة تركية في إسطنبول توقيف إسرائيلي مطلوب من الإنتربول الدولي بنشرة حمراء، لتورطه في عمليات اتجار بالأعضاء في أوساط اللاجئين السوريين في تركيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية سكان مالاطيا غادروا منازلهم وبقوا في الشوارع بسبب الهلع من الزلزال (إعلام تركي)

زلزال بقوة 5.9 درجة ضرب شمال تركيا وأعاد ذكريات «كهرمان ماراش»

ضرب زلزال بقوة 5.9 درجة على مقياس ريختر ولاية مالاطيا في شرق تركيا تأثرت به بعض المناطق في جنوب شرقي البلاد وفي شمال سوريا ولم يسفر عن ضحايا أو إصابات خطيرة

سعيد عبد الرازق (أنقرة:)
شؤون إقليمية صورة أرشيفية لآثار الزلزال الذي ضرب ملاطية العام الماضي (غيتي)

شعر به سكان مدن سورية... زلزال بقوة 5.9 درجة يضرب جنوب شرق تركيا

أعلنت إدارة الكوارث والطوارئ التركية أن زلزالاً بقوة 5.9 درجة هز إقليم ملاطية في جنوب شرق تركيا، اليوم الأربعاء، وشعر به سكان مدن سورية.

«الشرق الأوسط» (اسطنبول)

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
TT

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)

عندما بدأت عملية «طوفان الأقصى» ونشوب الحرب في غزة، كانت إيران تواجه تداعيات الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة إثر وفاة الشابة مهسا أميني، التي جعلت خريف 2022 الأكثر دموية في الداخل الإيراني.

اندلعت الحرب في قطاع غزة، في لحظة محورية بالنسبة لمؤسسة المرشد الإيراني؛ حيث زادت الضغوط الدولية عليه بسبب قمع الاحتجاجات الداخلية، وإرسال الطائرات المسيّرة إلى روسيا، مع وصول المفاوضات النووية إلى طريق مسدود.

ومنذ الموقف الرسمي الأول، رأت طهران أن هجوم حركة «حماس» هو «رد فعل طبيعي وحركة عفوية على السياسات الحربية والاستفزازية والإشعال المتعمّد للصراعات من قبل رئيس الوزراء المتطرف والمغامر لإسرائيل».

دأب المسؤولون الإيرانيون على نفي أي دور في اتخاذ قرار عملية «طوفان الأقصى»، لكن الحراك الدبلوماسي والسياسي أوحى بأن أركان الدولة، بما في ذلك الجهاز الدبلوماسي، كان على أهبة الاستعداد للتطور الكبير الذي يهز المنطقة.

بعد أقل من أسبوع على هجوم «طوفان الأقصى» بدأ وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان، أول جولاته الخمس على دول المنطقة قبل وفاته في 19 مايو (أيار)؛ بهدف عقد مشاورات مع مسؤولي دول الجوار ولقاءات تنسيقية قادة جماعات «محور المقاومة» وتوجيه رسائل إقليمية، وتوجه إلى العراق وواصل زيارته إلى دمشق، ومنها إلى بيروت، وانتهى المطاف في الدوحة.

وحينها وجهت إيران رسالة لإسرائيل، بأنها قد تواجه عدة جبهات إذا لم تتوقف عملياتها العسكرية في غزة.

ودفعت طهران باتجاه تعزيز صورة الجماعات المسلحة في المنطقة، والعمل على إضفاء الشرعية على دورها في دعم تلك الجماعات، مستغلة الأوضاع السياسية والاضطرابات الإقليمية.

اجتماع ثلاثي بين عبداللهيان وزياد النخالة أمين عام «الجهاد الإسلامي» وصالح العاروري رئيس مكتب حركة «حماس» في بيروت مطلع سبتمبر 2023 (الخارجية الإيرانية)

وشكل هذا الموقف المحطة الأولى لإيران. وترى طهران أنها نقلت جماعات «محور المقاومة» من نطاق محصور إلى نطاق «عالمي»، أو ما يسميه الدبلوماسيون الإيرانيون من «عالم المقاومة» إلى «المقاومة العالمية».

بذلك، انتقلت إيران، التي حاولت الحفاظ على مرحلة التهدئة مع جيرانها الإقليميين، إلى وضع هجومي فيما يتعلق بالجماعات المرتبطة بها، وهو ما يراه البعض انعكاساً لاستراتيجيتها على توسيع نفوذها ودورها في المنطقة.

على المستوى الرسمي، بعثت إيران برسالة للأوساط الدولية بأن تلك الجماعات مستقلة، وتملك قرارها بنفسها، وتصنع أسلحتها، لكن عدة مسؤولين وقادة عسكريين إيرانيين أشاروا في تصريحاتهم إلى دور الجنرال قاسم سليماني وقوات الوحدة الخارجية في «الحرس الثوري» بتسليح تلك الجماعات وتزويدها بتقنيات صناعة الأسلحة.

أما ثاني محطة لإيران بعد «طوفان الأقصى»، فقد بدأت بعد شهر من اندلاع الحرب في غزة؛ حيث دعا المرشد الإيراني علي خامنئي إلى ما وصفه بـ«قطع الشرايين الاقتصادية» لإسرائيل، خصوصاً ممرات النفط والطاقة. ومنها دخلت الجماعات المرتبطة بطهران، وجماعة «الحوثي» تحديداً على خط الأزمة، وشنّت هجمات على سفن تجارية على مدى أشهر، أثرت على حركة الملاحة في البحر الأحمر.

كما باشرت الميليشيات والفصائل العراقية الموالية لإيران، هجمات بالطائرات المسيّرة على إسرائيل والقواعد الأميركية على حد سواء.

وبدأ الجيش الأميركي رده بعدما تعرضت له قاعدة في الحدود السورية بالرد على هجمات طالت قواته، مستهدفاً مواقع للفصائل المسلحة.

على المستوى السياسي، أصرت طهران على وضع شروط الجماعات الحليفة معها أولاً لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ومنها أبدت معارضتها لأي تسويات دولية، خصوصاً إحياء مقترح «حل الدولتين». وفي ديسمبر (كانون الأول)، قال وزير الخارجية الإيراني إن رفض «حل الدولتين» نقطة مشتركة بين إيران وإسرائيل.

المحطة الثالثة: بموازاتها باشرت إسرائيل بشن هجمات هادفة ضد القوات الإيرانية في سوريا، واستهدفت رضي موسوي مسؤول إمدادات «الحرس الثوري» في سوريا في ديسمبر، وبعد شهر، أعلن «الحرس الثوري» مقتل مسؤول استخباراته هناك، حجت الله أميدوار، لكن أقوى الضربات جاءت في مطلع أبريل (نيسان) عندما استهدفت غارة جوية إسرائيلية اجتماعاً لقادة «الحرس» في مقر القنصلية الإيرانية، وقتلت أرفع مسؤول عسكري إيراني في سوريا ولبنان، الجنرال محمد رضا زاهدي.

المرشد الإيراني علي خامنئي يؤم صلاة الجنازة على جثامين زاهدي وجنوده في حسينية مكتبه 4 أبريل 2024 (أ.ف.ب - موقع المرشد)

أما المحطة الإيرانية الرابعة، فقد وصلت إيران فيها إلى حافة الحرب مع إسرائيل، عندما ردت على قصف قنصليتها، بشن أول هجوم مباشر من أراضيها على الأراضي الإسرائيلية بمئات الصواريخ والمسيّرات.

ورغم تأكيد الجانب الإسرائيلي على صد الهجوم الإيراني، فقد وجهت ضربة محدودة لإيران باستهداف منظومة رادار مطار عسكري في مدينة أصفهان، قرب منشأة نووية حساسة.

وزادت المواجهة من احتمال تغيير مسار البرنامج النووي الإيراني، مع تكاثر الحديث في طهران عن ضرورة التوصل لأسلحة رادعة، وأيضاً التهديدات الإسرائيلية بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية.

امرأة غير محجبة تمر أمام لافتة دعائية للصواريخ الإيرانية في ساحة «ولي عصر» وسط طهران 15 أبريل الماضي (رويترز)

المحطة الإيرانية الخامسة، جاءت بعد مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، في حادث تحطم مروحية قرب الحدود الأذربيجانية. وسارعت السلطات الإيرانية لنفي نظرية المؤامرة، مستبعدة بذلك أي احتمالات لتعرض أرفع مسؤول تنفيذي في البلاد لضربة إسرائيلية. وأصدرت هيئة الأركان بعد نحو 3 أشهر على مقتل رئيسي، تأكيداً بأن مروحيته سقطت نتيجة ظروف مناخية، رغم أنها لم تُجِب عن كل الأسئلة.

عبداللهيان خلال اللقاء الذي جمعه بنصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية فبراير الماضي (إعلام «حزب الله»)

وفي هذه المرحلة، توسعت الحملة الإيرانية، مع دخول الموقف السياسي الإيراني مرحلة السبات فيما يخص تطورات الحرب في غزة، نظراً لانشغال السلطات بالانتخابات الرئاسية، والسعي لتشكيل حكومة جديدة.

وخلال حملة الانتخابات الرئاسية، تجنب المرشحون للانتخابات إثارة القضايا المتعلقة بحرب غزة والدعم الإيراني. على الرغم من الانتقادات الداخلية لتأجيل القضايا الإيرانية الملحة مثل رفع العقوبات وتعطل المسار الدبلوماسي لإحياء الاتفاق النووي.

وكان لافتاً أن تصريحات المرشحين بمختلف توجهاتهم لم تذهب أبعد من الإشادة بالبرنامج الصاروخي، وتوجيه الضربة لإسرائيل، والتعهد بتعزيز معادلات الردع.

المحطة السادسة: بمراسم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في 30 يوليو (تموز)؛ إذ شهدت طهران أكبر تحول في حرب غزة، ألا وهو اغتيال رئيس حركة «حماس» إسماعيل هنية، في مقر تابع لـ«فيلق القدس» في شمال طهران.

هنية ونائب الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني ورئيس حركة «الجهاد الإسلامي» والمتحدث باسم الحوثيين في مراسم القسم الدستوري للرئيس الإيراني بطهران 30 يوليو الماضي (رويترز)

وتعهد المرشد الإيراني علي خامنئي حينها بالرد على «انتهاك السيادة الإيرانية» واغتيال «ضيف إيران»، وتنوعت نبرة ومفردات التهديد بين مسؤولين سياسيين وقادة عسكريين. وشدد المسؤولون الإيرانيون على حتمية الرد مع تقدم الوقت وتراكم الشكوك بشأن رد إيران.

وأثار اغتيال هنية في طهران الكثير من التساؤلات حول طبيعة العملية، خصوصاً مع وجود الاختراقات.

موكب تشييع إسماعيل هنية في طهران يوم 1 أغسطس الماضي (أ.ب)

المحطة السابعة: كان عنوانها تفجيرات أجهزة «البيجر»، بالتزامن مع رسالة تهدئة من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، خصوصاً مع الولايات المتحدة، وشملت إسرائيل.

وقبل أن يتوجه إلى نيويورك، قال بزشكيان في مؤتمر صحافي إن بلاده لا تريد أن تكون عاملاً لزعزعة الاستقرار في المنطقة، ولا تريد تصدير الثورة، مبدياً استعداده للانفتاح على واشنطن، إذا أثبتت أنها ليست معادية لطهران، وذهب أبعد من ذلك عندما استخدم وصف «الأخوة الأميركية».

واصل بزشكيان هذه النبرة في لقاءات على هامش حضوره أعمال الجمعية العامة في نيويورك، وقال: «إيران مستعدّة لوضع أسلحتها جانباً إذا وضعت إسرائيل أسلحتها جانباً»، حسب تسجيل صوتي انتشر من اللقاء نفسه. وقال إن تأخير الرد الإيراني على اغتيال هنية هو تلقي بلاده رسائل بأن اتفاقاً لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» سيُبرم خلال أسبوع، مبدياً انزعاجه من عدم التوصل للاتفاق واستمرار الهجمات الإسرائيلية.

خامنئي يلقي خطاباً أمام مجموعة من أنصاره وفي الخلفية صورة نصر الله (موقع المرشد)

وقلل بزشكيان من قدرة «حزب الله» على مواجهة إسرائيل وحده، وهو ما مزق الصورة التي رسمها مسؤولون مقربون من المرشد علي خامنئي.

وزاد موقف بزشكيان وكذلك الفرضيات بوجود اختراق في هجمات «البيجر»، واستهداف قادة «حزب الله»؛ من الشكوك في طهران بوجود اختراقات للجبهة الإيرانية، وعززت أيضاً مخاوف داخلية من وجود اختراقات.

المحطة الثامنة والخطيرة، بدأت باغتيال الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، ثاني أهم لاعب للاستراتيجية الإقليمية الإيرانية، بعد الجنرال قاسم سليماني، خلال 35 سنة من حكم المرشد علي خامنئي. كما أدت الغارة الجوية الإسرائيلية على مقر نصر الله، إلى تسجيل ثاني خسائر «الحرس الثوري» الكبيرة منذ «طوفان الأقصى»، وهو نائب قائد غرفة العمليات، الجنرال عباس نيلفروشان.

ويحظى نصر الله بأهمية كبيرة لدى حكام إيران وخصوصاً الأوساط المحافظة، لدرجة تداول اسمه في بعض الفترات لتولي منصب المرشد الإيراني بعد خامنئي بوصفه «ولي الفقيه»، ولو أن الترشيح بدا مثالياً لأنه ليس مسؤولاً إيرانياً، فسيكون مرفوضاً من غالبية الأطراف السياسية.

نظام القبة الحديدية الإسرائيلي يعترض الصواريخ الآتية من إيران (رويترز)

ورداً على اغتيال هنية في عمق الأراضي الإيرانية، ونصر الله، ونيلفروشان، وجهت إيران هجومها الصاروخي الثاني المباشر على إسرائيل، في خطوة هدّدت إسرائيل بالرد عليها مع التلويح ببنك أهداف غير محدودة تشمل مصافي النفط ومحطات الوقود وأيضاً المنشآت النووية والعسكرية، ما يجعل الأزمة بين إسرائيل وإيران مفتوحة على كل الاحتمالات.