أنطاكيا التاريخية «مدينة خيم وحاويات»... وخطط الإعمار تهدد تعددية السكان

«الشرق الأوسط» في مناطق الزلزال المدمر

TT

أنطاكيا التاريخية «مدينة خيم وحاويات»... وخطط الإعمار تهدد تعددية السكان

جانب من نهر العاصي ومدخل المدينة حيث كانت فنادق ومقاه تاريخية (الشرق الأوسط)
جانب من نهر العاصي ومدخل المدينة حيث كانت فنادق ومقاه تاريخية (الشرق الأوسط)

بعد مرور عام على الزلزال المميت، يكاد يكون من المستحيل العثور على شخص لم يفقد أحد أفراد أسرته أو صديقا له أو أحد جيرانه في مركز مدينة هاتاي أو أنطاكيا، جنوبي تركيا. فقدت المدينة نصف سكانها تقريباً وقد هاجر العديد منهم إلى مدن مجاورة أو بعيدة كإسطنبول وأنقرة، بعد دفن أحبائهم وجمع بعض الأثاث من بيوتهم المدمرة.

ويحاول الناجون الآن إعادة بناء حياتهم وسط أنقاض المدينة، وبين مباني الأشباح، والغبار المبعثر المتراكم من مواقع الهدم، على وقع ضجيج المعدات الثقيلة التي لا تزال تعمل على هدم المباني المدمرة. بعد مرور بضعة أشهر على الزلزال، تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي صورة أصبحت شهيرة وتُظهر صاحب متجر يعيد فتح متجره مع بعض الترميم، واضعاً حاوية بين الأنقاض في وسط المدينة المهجورة، ولكن من دون أي زبون يلتفت إليه. وتحولت هذه الصورة وغيرها مما يشابهها رمزاً للناجين المطالبين بالاعتراف بوجودهم في المدينة في مواجهة موجة هجرة هائلة. فقد أصبح هجران المدينة ومحيطها مصدراً للقلق الحقيقي بين من تبقى من أن عملية إعادة الإعمار سوف تتعطل أكثر إما لغياب قوة عاملة مستقرة متبقية وإما لانتفاء الضرورة القصوى. وتم تصوير أصحاب المحال التجارية وهم يحملون بعض الماء والمكانس بأيديهم، وهي أدوات كفاحهم الرئيسية من أجل الحفاظ على المدخل نظيفاً وأنيقاً ضد الغبار والأنقاض التي عمّت الأمكنة كلها.

وعلى الجدران انتشرت كتابات رافقت صورة صاحب المتجر «المقاوم» وتقول «لم نغادر»، «لن تفقد الأمل؛ سوف نعود»، «انهارت بيوتنا، وليس أحلامنا». بعض هذه الكتابات على الجدران أطلقت على أكشاك الكباب وغيره من المأكولات الشعبية التي أعاد أصحابها افتتاحها بما هو متاح وبإصرار إبقاء ذكرى الزلزال حية وصمود شعب هاتاي لإعادة بناء حياتهم في المدينة. واليوم، مع الذكرى السنوية الأولى للزلزال، بات هناك العديد من المتاجر المفتوحة، وسوق الخضروات والفاكهة المحلية (البازار) تعج بالناس.

ومع ذلك، لكل منهم رواية يقصها علينا عن مدى صعوبة الحياة في هذه البقعة.

سيدة تركية تزور مقابر أفراد من عائلتها في الذكرى السنوية لوفاتهم بالزلزال (د. ب. إ.)

لم يتغير شيء

بعد عام من الزلزال يفاجأ الزائر بأن المكان ما زال على حاله. وكأن الزمن لم يمر منذ أن ضربت الكارثة. بدت المدينة مهدمة كما يمكن أن تكون. بين الأنقاض، كانت الخيام والحاويات والأواني المعدنية المؤقتة موجودة في كل مكان تقريباً، وهي تقوم مقام المنازل والمتاجر والمطاعم والمصارف والمكاتب.

تغير مشهد المدينة بشكل هائل. مناطق بكاملها سويت بالأرض حتى أن تجربة مشتركة شاعت بين الناجين كانت الضياع في أماكن يعرفونها طوال حياتهم. فلم يعد في الشوارع نقاط استدلال. وفي غياب الأشجار، أو الأبنية التاريخية، أو المقاهي، أو نقاط اللقاء التي كانت تميز المدينة، لم يتمكن السكان من معرفة أين كانت بيوتهم. وقال «ييغيت»، وهو طالب جامعي من أبناء المدينة إن مقابلة صديقه استغرقت منه ساعة تقريباً من المحاولة، بحيث لم يتمكن أي منهما من وصف موقعه. وقال: «انتهى بنا الأمر إلى استخدام (فيس تايم) ورفعنا صوتنا لنسمع بعضنا البعض ونستدل».

قرى الحاويات وعيش بالمياومة

واليوم يسكن العديد من الناجين الذين بقوا في المدينة إما في «مدن الحاويات» أو في الأطراف والقرى المحيطة بهاتاي. وفقا للإعلان الرسمي الصادر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تقيم أكثر من 50 ألف أسرة في 175 بلدة حاويات منتشرة في جميع أنحاء المدينة. وقد تمكن أولئك الذين فقدوا منازلهم من الاستفادة من برنامج للمساعدات يغطي نفقات الانتقال وتكاليف الإيجار. ومع ذلك، فإن المبالغ المخصصة كجزء من البرنامج لا تكفي لإيجار شقة، بعد ارتفاع الأسعار ارتفاعاً صاروخياً سواء بسبب خسارة الأبنية السكنية أو بسبب ارتفاع معدلات التضخم في البلاد.

قرى ومدن من الحاويات على أطراف مدينة أنطاكيا (د. ب. إ.)

وبالنسبة للسكان الذين ليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه في القرى أو الأطراف وتخيروا الانتقال إلى مدن الحاويات، تخلوا عملياً عن المساعدة في الإيجار فيما لا يزال بعضهم وهم قلة يقيم في الخيام.

تضم إحدى مدن الخيام التي نُصبت في شارع فرعي على بُعد بضعة كيلومترات من وسط المدينة نحو 50 عائلة سورية. يعيش محمد في خيمة واحدة مع زوجته وأطفاله الستة. وعندما سُئل عما إذا كان يتلقى أي مساعدة، أجاب قائلاً: «بعض الناس جلبوا الطعام لبعض الوقت، ولكن ذلك توقف الآن». ومنذ الزلزال لم يعد محمد قادراً على العمل إذ سقط جدار على كتفه وهو يحاول الهرب من مسكنه فاضطر أبناؤه الثلاثة للعمل في محل لبيع الأثاث.

وتتلخص خطة رب الأسرة في تكييف الخيمة مع ما تقتضيه ظروف الشتاء واستمرار العيش فيها. ليس لديه كبير أمل في الترقية إلى حاوية. ويُشكل الانقطاع المتكرر للماء والكهرباء أكبر مشقة بالنسبة له ولعائلته، لأنهم لا يحصلون على الكهرباء إلا كل يومين.

وفي الأجزاء الأخرى من أنطاكيا أيضا، لا يزال انقطاع مقومات العيش الأساسية يُمثل مشكلة كبيرة. توضح السيدة إليف، وهي مُعلمة تعيش الآن في إحدى بلدات الحاويات، أن الأمر أصبح أقل بؤساً، بالمقارنة مع الأشهر الأولى، ولكن عندما يحدث الانقطاع، يمكن أن يستغرق أحيانا 48 ساعة. وتقول: «بعد الزلزال، كانت الحاجة الفورية إلى إعادة الكهرباء بأسرع ما يمكن، فقام العمال بالسير بالكابلات إلى أي مكان بُغية الاستجابة بسرعة للاحتياجات. والآن، عندما يحدث انقطاع، يستغرق الأمر وقتا طويلا لمعرفة ما حدث لأي كابل».

وتمثل الأمطار مصدر خوف بسبب البنية التحتية الهشة للمدينة ومواقع السكن المؤقتة. ولا يقتصر سبب انقطاع الكهرباء على هطول الأمطار الغزيرة في كثير من الأحيان، بل إن معظم الحاويات ليست مضادة للمياه أصلاً ما يشكل خطراً مضاعفاً. إذ يتسرب الماء من الأعلى ومن الأسفل على السواء في الأماكن حيث تقع البلدات في السهول. ويُلقي الناجون باللائمة في ذلك على نقص التخطيط والتنسيق الذي استمر منذ عمليات الإنقاذ. تقول سينيم، وهي امرأة تبلغ من العمر 45 عاماً تعيش في حاوية مساحتها 21 مترا مربعا مع أطفالها الثلاثة وزوجها: «إننا غير قادرين على التخطيط لأي شيء، ونحاول فقط قضاء كل يوم بيومه». وكانت مدرسة أطفالها انهارت خلال الزلزال أيضاً وهم الآن مسجلون في التعليم عن بُعد.

لا مكان للعائلات

وفي العديد من الأسر الميسورة مالياً، هاجرت النساء إلى مدن أخرى من أجل تعليم الأطفال، في حين بقي الرجال في هاتاي لمواصلة عملهم. يوسف واحد منهم. يعيش حالياً في حاوية مُقامة في قريته ويستأجر شقة في إسطنبول لزوجته وأطفاله. بعد قضائه فترة قصيرة في إسطنبول، وجد الرجل صعوبة في استئناف العمل فعاد أدراجه إلى أنطاكيا لفتح محل الأحذية. بعد الزلزال، كان معظم زبائنه الجدد من الجنود وضباط الشرطة والعمال الذين جاءوا إلى المدينة كجزء من عمليات الإنقاذ أو لأعمال البناء. وفيما اتبعت العديد من الأسر نمطاً مماثلا، تغيرت ديموغرافيا المدينة بشكل كبير وقلبت نسبة الرجال إلى النساء من 61.8 في المائة إلى 38.1 في المائة، بحسب مركز هاتاي للتخطيط.

وفي الوقت نفسه، من نجت مبانيهم وخرجوا بأضرار «طفيفة» أو «متوسطة» عادوا تدريجياً وسط خوف دائم من الهزات الارتدادية أو زلزال آخر. أما أولئك الذين يعيشون في مبان متضررة إلى حد كبير نسبياً فقد غابوا في طي النسيان لعدة شهور، حيث انقسمت السلطات حول ما إذا كانت هذه المباني آمنة للعيش بعد التدعيم والتعزيز، أم أنه ينبغي هدمها وإعادة بنائها. ولم يكن حتى قبل 3 أشهر من الآن أن قالت منظمة الكوارث والطوارئ الحكومية إنها اتخذت قراراً بهذا الشأن بحسب كل مبنى.

تضامن شعبي بددته السياسة

في الأسابيع الأولى التي تلت الزلزال، تضامن العديد من الأفراد والمجموعات والمنظمات غير الحكومية مع الناجين، وخاصة مع سكان هاتاي. فلطالما اعتبرت المدينة مثالاً حياً للتعددية الثقافية، وهي التي تضم العرب العلويين، والسنة، والمسيحيين، والأرمن، واليهود. وحالما انتشرت الصور المفجعة على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى قنوات التلفزة، حاول حتى المواطنون العاديون في أنحاء مختلفة من البلاد الوصول إلى المنطقة بوسائلهم الخاصة لإرسال التبرعات أو توفير قوة عاملة في عمليات الإنقاذ. وتأسست شبكات جديدة من التضامن داخل المدينة وخارجها للعمل على كيفية إعادة بناء الحياة. ولا تزال هذه القصص حية في ذكريات الناجين، إذ لدى كثيرين منهم ما يقولونه عن كيفية مساعدة جيرانهم أو أشخاص مجهولين لهم.

ولكنها ذكريات بالفعل. فبعد مرور عام طغت على روح التضامن النزاعات والخلافات، التي كان بعضها موجوداً أصلاً قبل وقوع الكارثة. ولا شك في أن المناخ السياسي البالغ الاستقطاب في البلد يعمل كمحفز إضافي لتعميق الخلافات والفجوات. وقد أبدى حزب الشعب الجمهوري حذراً خاصاً من الإجراءات التي اتخذتها حكومة حزب العدالة والتنمية إزاء المجتمع العربي - العلوي في المدينة - ثاني أكبر مجموعة بعد السكان السنة - والذي يُصوت عموماً لصالح حزب المعارضة الرئيسي.

وذكرت موجان، وهي صاحبة مطعم عمرها 45 عاماً، أن منطقتها لم تتلق أي مساعدات حكومية في الأيام الثلاثة الأولى من الزلزال، لأنها منطقة يسكنها بالأساس العرب العلويون. ومثل العديد من العرب العلويين الآخرين في المدينة، تعتقد موجان أن الحكومة تستخدم الزلزال لتفريق المجتمع من خلال جعل حياتهم أكثر صعوبة وفرض الهجرة عليهم بصورة غير مباشرة كخيار وحيد.

ووفقا للسيدة موجان، ازداد الانقسام بين السكان السنة والعرب - العلويين، بعد وصول اللاجئين السوريين إلى المدينة، وهو ما تعتبره أيضاً جزءا من سياسة الحكومة التقسيمية. كما أدى قراران صادران عن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بشأن مصادرة الأراضي في الأشهر التالية على الزلزال إلى إثارة مخاوف المجتمع العربي - العلوي. فقد سمحت هذه القرارات لوكالة الإسكان الحكومية (توكي) بمصادرة أراض لبناء مبان جديدة في «ديكمجة» و«غولدرين»، وهما حيان من مدينة أنطاكيا يسكنهما بشكل رئيسي العرب - العلويون. والقراران مرفوعان حاليا إلى المحكمة الإدارية. بعد فترة وجيزة من القرار الرئاسي، شرع أهالي قرية «ديكمجة» في مقاومة مصادرة بساتين الزيتون ونظموا عدة احتجاجات للحفاظ على أرزاقهم، ما أدى إلى مواجهات عنيفة بين الشرطة المحلية والأهالي.

أحياء سويت بالارض في وسط مدينة أنطاكيا (الشرق الأوسط)

الإعمار معضلة متشعبة

ويقول المحامي المحلي أجاويد ألكان: «هناك فوضى في المدينة، والساسة مستفيدون؛ فمن الأسهل أن يحكموا بهذه الطريقة». وإلى جانب تداعيات المشكلات الوطنية العامة على المدينة المنكوبة، صارت النزاعات في مختلف الشؤون جزءاً من الحياة اليومية». ويقول ألكان: «لا تخلو مجموعة واتساب من نزاعات. فهذه المجموعات تشكلت بين سكان الشقق ويتعين عليهم الآن أن يقرروا معاً ما ينبغي القيام به حيال المباني المنهارة». والخيارات هي إما إعادة البناء في نفس المكان، وهو ما يتطلب موافقة 50 في المائة من أصحاب المساكن، أو استبدال شقة من وكالة «توكي» بحقهم في الملكية. وأيا كان الخيار الذي سيتخذونه، سوف تُقدم الحكومة منحة قيمتها 750 ألف ليرة تركية (أي نحو 24 ألف و700 دولار) وقرضاً من دون فائدة بنفس المبلغ، يبدأ سداده بعد سنتين. بيد أن هذه المبالغ ظلت منخفضة للغاية مقابل معدل التضخم المرتفع في البلاد، فيما أغلب الناجين خسروا أعمالهم بالإضافة إلى مساكنهم وهذه المبالغ وإن كانت ضئيلة لكنها تفوق قدرتهم. وهم الآن يُعربون عن قلقهم من أن البنايات الجديدة قد تكلفهم أكثر بكثير مما قد تغطيه المنحة والائتمان معاً، وقد ينتهي بهم الحال إلى الوقوع في براثن الديون الضخمة.

راهناً، تُصنف المباني في المدينة إلى أربع مجموعات، وهي: «مُدمرة»، «أضرار جسيمة»، «أضرار متوسطة»، «أضرار طفيفة أو معدومة الضرر». وبدورها تحولت هذه التصنيفات أيضاً إلى مصدر رئيسي للخلاف، إذ رفع الكثير من السكان تقييم ممتلكاتهم إلى المحاكم على أمل تغييرها إما إلى أضرار «متوسطة» أو «طفيفة» للحيلولة دون هدمها. فمدينة هاتاي، وكذلك منطقتها المركزية أنطاكيا، مليئة بالمباني التي تحمل لافتة تقول «لا تهدم، ارفع إلى المحكمة»، حيث يخشى المالكون من أنهم إذا فقدوا حتى أطلال ما كانوا يمتلكونه، يمكن مصادرة أراضيهم لصالح بعض المشاريع الحكومية أو بناء مبان جديدة لا يمكنهم تحمل نفقات إعادة شرائها. وأعرب مسؤولون حكوميون عن قلقهم إزاء العدد الكبير من القضايا التي غمرت المحاكم المحلية وتؤخر عملية إعادة الإعمار من وجهة نظرهم.

البازار خلاف إضافي

أصبح «أوزون كارشي» (السوق الطويلة) أو البازار التاريخي للمدينة أكثر حياة وحيوية مما كان عليه قبل شهرين. ومع ذلك، يختلف أصحاب المتاجر فيما بينهم حول أهمية البازار. إذ تقضي الخطة الرسمية بهدمه وإعادة بنائه ببنية تحتية أفضل. ولكن لا يتفق الجميع مع تلك الخطة، ويوسف من أشد المعترضين. فهو يرى أن إعادة الإعمار سوف تستغرق وقتاً أطول بكثير مما هو مُعلن رسمياً، خصوصاً أن الحكومة لم تفِ بعد بأي من وعودها السابقة. وإذا ما تم هدم البازار، سوف يُنقل مؤقتاً إلى سوق الحاويات التي، بحسب يوسف، تفتقر إلى روح البازار التاريخي ولن تجذب أحداً.

ولا شك أن سكان المدينة الموالين للحكومة أكثر تفاؤلاً بشأن هذه العملية، ويعتقدون أنه إذا وضع الجميع ثقتهم في الحكومة، فالأمور ستسير بسلاسة أكبر. ولكن حتى سردار، الذي يعمل موظفاً مدنياً في بلدية أنطاكيا (بقيادة حزب العدالة والتنمية)، يعترف بأن الأمور تتحرك ببطء شديد مقارنة بالمدن الأخرى المدمرة. ويقول: «كأن هاتاي (شُرابة) مُعلقة بالبر الرئيسي. كأنها عبء إضافي ومشكلاتها لا تندرج في الأجندة السياسية كأولوية».

مثل هذه المشاعر شائعة بين سكان هاتاي، بصرف النظر عن هوياتهم الخاصة. سليم، على سبيل المثال، دهن جراره الزراعي بألوان قوس قزح ووصف في الخلف كيف تُركت المدينة وحدها بعد الزلزال. وعلق لوحة أرقام مؤقتة تقول «31 زلزال 4.17»، علماً بأن 31 هي رمز المرور في هاتاي، و4.17 ترمز للوقت الذي ضرب فيه الزلزال الأول المدينة بشدة. كان سليم يمتلك مطعماً قبل الزلزال، وقد اشترى الجرار القديم لاستخدامه كديكور في الواجهة غير مدرك أنه سيتحول إلى مصدر رزق. ففي الوقت الحالي، بات يستخدمه لجمع الأشياء من مواقع التدمير ولا يعرف ما العمل الذي يمكن أن يجده بعد ذلك.

الغموض الذي أصاب كل جوانب الحياة في هاتاي بالشلل تقريبا، مع غياب التحرك السياسي الفعال لتلبية الاحتياجات الملحة للسكان، يختصر المناخ العام للمدينة بعد سنة من الزلزال. ولكن مع الانتخابات البلدية التي ستجرى في 31 مارس (آذار) المقبل تمحورت السياسة في المدينة حول الوعود الانتخابية التي تزيد الريبة والشك بين الناخبين في المدينة. فإذا لم يتحقق شيء من الوعود خلال عام، ماذا يرتجون في أشهر؟


مقالات ذات صلة

تركيا: زلزال بقوة 5.3 درجة قرب بحر إيجه

أوروبا شخص ينظر إلى الأنقاض والحطام بعد زلزال في كهرمان مرعش بتركيا 8 فبراير 2023 (رويترز)

تركيا: زلزال بقوة 5.3 درجة قرب بحر إيجه

أفاد التلفزيون التركي، اليوم الأحد، بوقوع زلزال بقوة 5.3 درجة قرب بحر إيجه.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
يوميات الشرق شرم الشيخ شهدت زلزالاً بلغت قوته 4.25 درجة على مقياس ريختر (عبد الفتاح فرج)

ما أسباب تكرار الهزات الأرضية في شمال البحر الأحمر؟

سجّلت محطات شبكة الزلازل القومية، هزة أرضية على بُعد 12 كيلومتراً من مدينة شرم الشيخ، عند الساعة 7:34 صباحاً بتوقيت القاهرة، مما أثار انتباه السكان في المنطقة.

محمد السيد علي (القاهرة)
شؤون إقليمية قُبض على الإسرائيلي بوريس ولفمان في إسطنبول 2015 وسُلم لإسرائيل لاتهامه بالاتجار بالأعضاء وعاد إلى تركيا عام 2017 (إعلام تركية)

القبض على إسرائيلي في تركيا للاتجار بأعضاء اللاجئين السوريين

قررت محكمة تركية في إسطنبول توقيف إسرائيلي مطلوب من الإنتربول الدولي بنشرة حمراء، لتورطه في عمليات اتجار بالأعضاء في أوساط اللاجئين السوريين في تركيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية سكان مالاطيا غادروا منازلهم وبقوا في الشوارع بسبب الهلع من الزلزال (إعلام تركي)

زلزال بقوة 5.9 درجة ضرب شمال تركيا وأعاد ذكريات «كهرمان ماراش»

ضرب زلزال بقوة 5.9 درجة على مقياس ريختر ولاية مالاطيا في شرق تركيا تأثرت به بعض المناطق في جنوب شرقي البلاد وفي شمال سوريا ولم يسفر عن ضحايا أو إصابات خطيرة

سعيد عبد الرازق (أنقرة:)
شؤون إقليمية صورة أرشيفية لآثار الزلزال الذي ضرب ملاطية العام الماضي (غيتي)

شعر به سكان مدن سورية... زلزال بقوة 5.9 درجة يضرب جنوب شرق تركيا

أعلنت إدارة الكوارث والطوارئ التركية أن زلزالاً بقوة 5.9 درجة هز إقليم ملاطية في جنوب شرق تركيا، اليوم الأربعاء، وشعر به سكان مدن سورية.

«الشرق الأوسط» (اسطنبول)

الحقيقة بين حَربَيْن: يوليو 2006 - أكتوبر 2023

رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)
رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)
TT

الحقيقة بين حَربَيْن: يوليو 2006 - أكتوبر 2023

رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)
رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)

المحنة الخطيرة التي تعرّض لها لبنان في عام 2006، بالمقارنة مع المحنة التي لا يزال يتعرّض لها منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وحتى الآن، تبينان أن هناك أوجه شبه متعددة في جذورهما، كما أن هناك فروقات شاسعة بينهما، لا سيما بسبب تغير الظروف والأحوال.

منذ اللحظة التي قام بها العدو الإسرائيلي بعدوانه على لبنان في شهر يوليو (تموز) 2006، بحجة العملية العسكرية لـ«حزب الله» واختطافه عنصرين من الجيش الإسرائيلي، دعوتُ مجلس الوزراء للانعقاد والبحث في مخاطر هذا العدوان وتداعياته، واتخاذ التدابير، لحماية الأمن الوطني وحماية أمن اللبنانيين وسلامتهم، في المناطق التي أصبح يستهدفها، وللحؤول دون إفراغ الجنوب اللبناني من أهله.

لقد طرحتُ الأمر على مجلس الوزراء، وقلتُ بوضوح، إننا كحكومة فوجئنا ولم نكن على علم مسبّق بهذه العملية، وإننا لا نتبناها، ونستنكر عدوان إسرائيل على لبنان، وعلى سيادته وعلى الشعب اللبناني، وعلينا تقديم شكوى عاجلة إلى مجلس الأمن، والمطالبة بوقف إطلاق النار.

المسافة بين الدولة و«الحزب»

بذلك نجحت الحكومة آنذاك في إيجاد مسافة واضحة بين الدولة اللبنانية و«حزب الله»، وهو ما أفسح المجال أمامها في مخاطبة المجتمعين العربي والدولي، والتواصل معهما من أجل مساعدة لبنان وتعزيز صموده. وهذا أيضاً ما أهّلها ومكّنها بعد ذلك، وفي ظل عنف الجرائم التي باتت ترتكبها إسرائيل إلى أن تكتسب دور الضحية الذي حاولت إسرائيل أن تلبس رداءه منذ صباح الثاني عشر من يوليو (تموز).

حرصت منذ ذلك الوقت على أن تكون الدولة اللبنانية بكل مكوناتها وإمكاناتها هي المسؤولة عن كل ما يجري، وعن معالجة نتائج ما حصل وما سيحصل، وأنها ستتحمل مسؤولياتها باتخاذ كل القرارات والإجراءات التي تحمي لبنان واللبنانيين، وتوفير مقومات صمودهم والاهتمام بالنازحين اللبنانيين.

منذ ذلك اليوم، تحوّل السراي الحكومي إلى ورشة عمل وطنية لا تهدأ، كما تحول أعضاء الحكومة إلى فريق عمل واحد للدفاع عن لبنان، والعمل على استنهاض الجهود في كل إدارات الدولة ومرافقها وإمكاناتها من أجل توفير مقومات الحياة للبنانيين، كما استنهاض المجتمع المدني للقيام بدورهم بواجب الدفاع عن لبنان.

على المستوى الخارجي، تكثّفت الاتصالات اليومية وبالتعاون مع وزير الخارجية اللبناني بكبار المسؤولين في العالم، من الأمين العام للأمم المتحدة، ومروراً برؤساء الدول العربية الشقيقة، وكذلك الدول الصديقة ممن يملكون القرار، ولهم القوة والنفوذ والتأثير الدولي، وكان مطلبنا الأساسي والأول من مجلس الأمن الدولي وقف إطلاق النار.

في ذلك الوقت، استمرّ العدو الإسرائيلي في شن الحرب على لبنان، وفي استهداف المنشآت والمرافق، وتدمير الجسور والطرقات والمدارس والأبنية في القرى والبلدات، بينما جهدت الحكومة من أجل استنهاض العالم والمنظمات الدولية لإدانة ووقف ما يعانيه لبنان، وما يتعرّض له من مخاطر.

مهجرون في حرب تموز 2006 يعودون إلى مناطقهم بعد وقف إطلاق النار (غيتي)

خطة النقاط السبع

في ذلك الوقت، بادرت مع مجلس الوزراء، وبحضور رئيس الجمهورية ومشاركته الفعالة إلى بلورة صيغ الحلول للبنان، ووضعها بمتناول رؤساء دول العالم ومجلس الأمن من أجل وقف الحرب على لبنان ولإنهاء العدوان الإسرائيلي، حيث أقرت الحكومة خطة النقاط السبع التي عرضْتُها في مؤتمر روما، والتي اعتمدها مجلس الأمن من ضمن بناءاته في إصدار القرار الدولي بوقف إطلاق النار.

صدر القرار رقم 1701 عن مجلس الأمن، وتوقفت الحرب، وعاد النازحون إلى ديارهم وقراهم ابتداء من يوم 14 أغسطس (آب) 2006، وأنجزت ورشة البناء والإعمار للبنى التحتية وللأبنية المدمرة والمتضررة على أعلى درجات الكفاءة والصدقية والفاعلية والسرعة، وبفضل المساعدات الكريمة التي قدمتها الدول العربية، لا سيما دول الخليج، والدول الصديقة، والتي استند لبنان في الحصول عليها على الثقة التي رسختها الحكومة اللبنانية في علاقاتها مع جميع الأشقاء والأصدقاء. وبناء على ذلك، فقد عاد لبنان من جديد إلى نهوضه وازدهاره، ولممارسة دوره الطبيعي عربياً وعالمياً، وحيث استطاع لبنان خلال السنوات من 2007 إلى 2010 أن يحقق أعلى نسبة نمو في تاريخه الحديث لـ4 سنوات متوالية، وأن يحقق فائضاً سنوياً كبيراً في ميزان المدفوعات، وكذلك فائضاً إيجابياً كبيراً في مجموع الاحتياط من العملات الأجنبية لدى المصرف المركزي، وخفضاً نسبياً كبيراً في نسبة الدين العام اللبناني إلى ناتجه المحلي.

لقاء رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للاتفاق على مشاركة ألمانيا في قوات "يونيفيل" في 2006 (غيتي)

وحدة ساحات بلا مقوّمات

بالمقارنة، فإنَّ ما حصل في 8 أكتوبر عام 2023، نتيجة مبادرة «حزب الله» مستنداً إلى نظريته بوحدة الساحات، وهو قد قام بذلك منفرداً وعلى مسؤوليته، ومن دون اطلاع أو معرفة السلطات الشرعية في لبنان إلى إشعال الجبهة على حدود لبنان الجنوبية مع فلسطين المحتلة، وأيضاً دون الأخذ بالحسبان الظروف شديدة الصعوبة التي بات يعاني منها لبنان آنذاك، ولا يزال.

صباح اليوم التالي، في 8 أكتوبر 2023، أصدرتُ بياناً شدّدت فيه على أن لبنان لا يستطيع، ولا يمكن أن يُزجَّ به في هذه المعركة العسكرية، وعددت 5 أسباب أساسية فحواها الأزمة الوطنية والسياسية لعدم انتخاب رئيس للجمهورية، وعدم تأليف حكومة مسؤولة، والضائقة الاقتصادية الخانقة، وأزمة النازحين السوريين، وانحسار الصلات الوثيقة مع دول الاحتضان العربي، وعدم توفر شبكة الأمان العربية والدولية التي حمته في عام 2006، وكذلك عدم وجود عطف أو تأييد لدى غالبية اللبنانيين لدعم مثل هذا التدخل العسكري.

الآن، ولأنّ القرار 1701 لم يطبق كما يجب، ولأنَّ الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لم يلعبا دورهما في السهر على تطبيق جميع القرارات الدولية ذات الصلة بلبنان وبالقضية الفلسطينية كما يجب، وحيث أثبتت إسرائيل أنها لا تسعى لتحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة، ولا تعترف بالقانون الدولي، ولا بالشرعية الدولية، ولا بالحقوق الإنسانية، وتمعن في جرائم الإبادة والقتل والتدمير في غزة والضفة الغربية، وترتد اليوم على لبنان لتعود وتقتل المدنيين وتهجر الآمنين وتدمر المنازل والمنشآت، وتَستعْمِل وسائل التكنولوجيا الحديثة واصطياد الناس الآمنين.

دور وطني يبحث عن أبطال

الآن، وقد أصبحنا على ما نحن عليه، من إرغامات ومن عوائق، وكذلك من نوافد يمكن الولوج منها نحو إخراج لبنان من نير هذا العدوان الإسرائيلي، فإنّه باعتقادي أن في لبنان الآن دوراً وطنياً كبيراً، يبحث عن أبطاله وفي غياب رئيس للجمهورية، وهما بنظري الرئيس نبيه بري بكونه رئيس السلطة التشريعية، والرئيس نجيب ميقاتي بكونه رئيس حكومة تصريف الأعمال، وعليهما أن يكتسبا بجهودهما وتفانيهما، شرف وأجر هذا الدور وهذه البطولة، وعلى جميع المسؤولين والحريصين على إنقاذ لبنان، أن يبادروا إلى مساعدتهما عبر تبني النقاط الست الآتية:

أولاً: إنَّ الواجب الوطني يقتضي من جميع اللبنانيين التضامن والتماسك والتصرف على قاعدة الوحدة والأخوة الوطنية الواحدة، وأن الشعب اللبناني بِرُمَّته يشجب ويدين هذا العدوان الإسرائيلي الغاشم الذي يستهدف لبنان كله والصيغة اللبنانية، بتآلف عناصرها وتفاعلها، والتي لا تحتمل غالباً أو مغلوباً.

بري متوسطاً ميقاتي وجنبلاط في لقاء عين التينة الأربعاء (إ.ب.أ)

ثانياً: إنَّ الحلول للبنان لن تكون ويجب ألا تكون إلا عبر الحلول الوطنية الجامعة، التي تركّز على التمسك بحسن واستكمال تطبيق اتفاق الطائف والدستور اللبناني، وبالدولة اللبنانية وسلطتها الواحدة والحصرية، وبقرارها الحر ودورها المسؤول في حماية الوطن والسيادة الوطنية، ومسؤوليتها الكاملة تُجاه شعبها وأمنه واستقراره.

ثالثاً: بما أنّ العدوان يطال كل لبنان ويصيب كل اللبنانيين، وليس من أحد منهم يتوسَّل العدوان الإسرائيلي، لكي يستفيد أو يدعم موقفه السياسي، فإنّ التفكير والبحث يجب أن ينصبَّ على ضرورة أن تعود الدولة اللبنانية لتأخذ على عاتقها زمام الأمور والمسؤولية، وما يقتضيه ذلك من موقف وطني جامع، بحيث يحتضن اللبنانيون بعضهم بعضاً ويكون همهم الوحيد إنقاذ لبنان وإخراجه من أتون هذه الأزْمة المستفحلة والخطيرة، التي تهدّد كيان الوطن ووحدة اللبنانيين وتماسكهم ومصيرهم.

رابعاً: مطالبة مجلس الأمن الدولي بإصدار قرارٍ بوقفٍ فوري لإطلاق النار في لبنان، وتَحَمُّلِ مسؤولياته في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، عبر التزام جميع الأطراف بالتطبيق الكامل والفوري للقرار الدولي 1701 بمندرجاته كافة، واحترام جميع القرارات الدولية ذات الصلة.

خامساً: مبادرة رئيس المجلس النيابي بدعوة المجلس إلى الانعقاد لمناقشة المخاطر التي تتربص بالدولة اللبنانية وبالشعب اللبناني بما يحفظ الكيان اللبناني، ويحترم الدستور اللبناني، ويحافظ على وحدة لبنان وسلامة أراضيه. كما الدعوة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية دون أي إبطاء. رئيس يستطيع أن يجمع اللبنانيين، وبالتالي لتشكيل حكومة مسؤولة تتولى التنفيذ الكامل للقرار 1701، وتعمل لاستعادة العافية والسيادة اللبنانية وتعزيز دور الدولة اللبنانية الكامل في الحفاظ على استقلال وسيادة، وحرية لبنان، واستعادة نهوضه، واستقراره.

سادساً: السعي مع جميع الأشقاء العرب وجامعة الدول العربية بكونهم أشقاء الدم والهوية، وكذلك مع جميع الدول الصديقة والمؤسسات الدولية الإنسانية لتقديم كلّ المساعدات اللازمة والعاجلة لصيانة كرامة النازحين المنتزعين من بلداتهم وقراهم والحفاظ على كرامة اللبنانيين، وكذلك لتأمين العودة العاجلة والفورية لعودة النازحين إلى بلداتهم وقراهم ووضع الآليات ورصد المبالغ اللازمة لإعادة إعمار ما تهدم وما تضرر.

لقد أثبتت هذه المحنة الجديدة أن لبنان لم يستفِد من تجربة ودروس عام 2006، وأنه بات مكشوفاً بتفاصيله أمام العدو الإسرائيلي الذي استثمر تفوقه الناري والجوي والتكنولوجي والاستخباراتي والدعم الدولي اللامحدود له بالترخيص بالقتل والتدمير، وهو الذي لا يزال يُراهن على التسبب بالانقسام، والفتنة بين اللبنانيين، التي لا ولن تحصل بإذن الله، وهو لذلك لم يتورع عن ارتكاب المجازر والاغتيالات، التي كان آخرها اغتيال الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله.

اليوم لبنان والعالم كله أمام الامتحان، فهل تقف الأمم المتحدة ومجلس الأمن لمناصرة الحق، وهل يبادر اللبنانيون بكل قواهم، للدفاع عن حق لبنان واللبنانيين في الوجود الكريم والآمن، وتلقين إسرائيل درساً في معنى الحق والإنسانية واحترام حقوق الإنسان؟!