لا أمان تحت الأسقف الحجرية... سوريون يعيشون في خيم خشية من الزلزال

TT

لا أمان تحت الأسقف الحجرية... سوريون يعيشون في خيم خشية من الزلزال

مخيم للناجين من الزلزال في جنديرس بشمال سوريا (رويترز)
مخيم للناجين من الزلزال في جنديرس بشمال سوريا (رويترز)

يسير أحمد الخطيب وسط الشوارع المزدحمة في بلدة جنديرس، ويشاهد على جنباتها دماراً واضحاً، رغم مرور نحو عام على زلزال مدمر ضرب جنوب تركيا وأجزاء من سوريا ولبنان منذ عام. «حين أرى هذه الأبنية أتذكر الزلزال وكأنه حصل للتو»، يقول الشاب البالغ من العمر 32 عاماً لـ«الشرق الأوسط».

أزالت فرق الدفاع المدني ومنظمات إنسانية معظم الركام الذي خلفه الزلزال من دمار طاول نحو 10 آلاف و600 مبنى في شمال غربي سوريا، لكن القليل الذي تبقى لا يزال يحفظ المشهد الذي رآه الناس فجر السادس من فبراير (شباط) 2023.

«أتذكر الناس الذين فقدتهم ومشاهد الجثث المعلقة على المباني»، يقول أحمد متحدثاً عن أصدقائه وبعض أقاربه الذين قضوا بين أكثر من 4500 آخرين بسبب الزلزال وتحت الأنقاض.

خوف مقيم

لم يشعر أحمد بالاهتزازات العنيفة إلا بعد فوات الأوان. فقد كان نائماً مع عائلته في الساعة 4:17 فجراً، عندما امتد الزلزال البالغة شدته 7.8 على مقياس ريختر من مركزه في محافظة كهرمان مرعش التركية إلى بلدة جنديرس في ريف حلب الشمالي حيث يقيم.

انهار مبنى مجاور على سقف بيته، حيث عَلِق مع زوجته وأطفاله الثلاثة مدة نصف ساعة قبل أن تصل فرق الدفاع المدني لإنقاذهم، فيما الأطفال يرتجفون من البرد الشديد. ويقول «كان موقفاً مرعباً للغاية».

أقام أحمد في خيمة ضمن مخيم أقيم على عجل لإيواء المتضررين من الزلزال، وعندما التقيناه لم تكن مضت أسابيع قليلة فقط على انتهائه من بناء جدران لحمايته وعائلته من أمطار الشتاء، فيما أبقى على السقف المصنوع من النايلون، بوصفه إجراء للسلامة. ويقول: «حصلت هزة ارتدادية قبل عدة أيام فسارعت بالخروج مع أطفالي، الناس سخرت مني، ولكني قلت لهم حتى وإن كان جداراً بسيطاً لكن في حال انهار قد يقتل أحد الأطفال».

مرت مئات الهزات الارتدادية على المنطقة منذ الزلزال، بلغ أشدها 6 درجات، بينما كانت غالبيتها اهتزازات بسيطة، ورغم أنها لم تحدث أضراراً تذكر فإن سكان المنطقة ما زالوا يتأهبون ويشعرون بالخوف والقلق عند شعورهم بأي منها.

يعتمد أحمد على إحساسه في تتبع الهزات الارتدادية، رافضاً متابعة تطبيقات التحذير من الزلازل، والتي انتشر استخدامها بين السكان، لاعتقاده بأنها غير مجدية، بينما يبقى في حالة للتأهب المستمر، «الخوف ما زال قائماً، وحتى الآن أعرف الكثيرين ممن رفضوا البقاء في منازلهم واختاروا الخيمة لأمانها».

لا أعمدة كافية

أمام منزل بسيط، أقامت فاطمة عمر (68 عاماً) مع زوجها في خيمة خلال الأشهر الماضية، «نحن مقيمون هنا، ولكنني أعود إلى المنزل لقضاء حوائجي فأطبخ وأعود إلى هنا».

قالت فاطمة لـ«الشرق الأوسط» إنها لا تشعر بالأمان في منزلها الذي تعرض لبعض الأضرار خلال الزلزال، على الرغم من عمليات الترميم التي قاموا بها، «لا نجرؤ على الإقامة فيه. فهو يحتاج لأعمدة دعم».

وأدى ضيق الحال وعدم إتمام عمليات الترميم ونقص المساعدات التي حصل عليها المتضررون من الزلزال عموماً، إلى منع كثيرين من العودة لمنازلهم، وهم لا يعلمون إن كانوا سيشعرون بالأمان فيها أصلاً.

النوم ضمن الخيمة التي لا تحمي من برد أو قيظ يمثل عذاباً متجدداً لمئات آلاف من السوريين، وبالنسبة لفاطمة وزوجها البالغ من العمر 75 عاماً يزداد الأمر سوءاً يوماً بعد يوم، لكن الخوف من الزلزال عذابه أشد بالنسبة إليهم.

تخشى فاطمة من تكرار اللحظات العصيبة التي عاشتها العام المنصرم، عندما تشققت الجدران وسدت الخزانة الباب، وبعد تمكنها من الهرب اكتشفت أن جارتها توفيت بفعل جدار وقع عليها وتقول: «لسنا مرتاحين بالخيمة، ولكننا ننام بها بسبب الخوف، ولا نملك سوى أن نحمد الله على أننا لسنا في العراء».

هزات لا تتوقف

ويقول الجيولوجي علي الشاعر إن الهزات الارتدادية لن تتوقف؛ لأن سوريا تقع في منطقة غير مستقرة من الصفيحة العربية، «هي منطقة حركة دائمة وكانت الهزات موجودة قبل الزلزال وبعده». ولكن بعض الهزات بدرجات ضئيلة جداً بحيث لا يشعر بها. وبعد الدقائق الأولى لانقضاء الهزات القوية قام الشاعر بتفحص منزله بحثاً عن أي تصدعات، ويقول: «لم أر أي أثر جديد فعدت للنوم».

إن لم تحمل المنازل آثاراً للتصدعات بعد الزلزال فإنها قادرة على تحمل الهزات الارتدادية، بحسب رأي الشاعر، ولكنه نصح بدوام مراقبة الأساسات، وبتحديد مكان آمن ضمن المنزل للجوء إليه في حال حدوث هزات قوية.


مقالات ذات صلة

تركيا: زلزال بقوة 5.3 درجة قرب بحر إيجه

أوروبا شخص ينظر إلى الأنقاض والحطام بعد زلزال في كهرمان مرعش بتركيا 8 فبراير 2023 (رويترز)

تركيا: زلزال بقوة 5.3 درجة قرب بحر إيجه

أفاد التلفزيون التركي، اليوم الأحد، بوقوع زلزال بقوة 5.3 درجة قرب بحر إيجه.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
يوميات الشرق شرم الشيخ شهدت زلزالاً بلغت قوته 4.25 درجة على مقياس ريختر (عبد الفتاح فرج)

ما أسباب تكرار الهزات الأرضية في شمال البحر الأحمر؟

سجّلت محطات شبكة الزلازل القومية، هزة أرضية على بُعد 12 كيلومتراً من مدينة شرم الشيخ، عند الساعة 7:34 صباحاً بتوقيت القاهرة، مما أثار انتباه السكان في المنطقة.

محمد السيد علي (القاهرة)
شؤون إقليمية قُبض على الإسرائيلي بوريس ولفمان في إسطنبول 2015 وسُلم لإسرائيل لاتهامه بالاتجار بالأعضاء وعاد إلى تركيا عام 2017 (إعلام تركية)

القبض على إسرائيلي في تركيا للاتجار بأعضاء اللاجئين السوريين

قررت محكمة تركية في إسطنبول توقيف إسرائيلي مطلوب من الإنتربول الدولي بنشرة حمراء، لتورطه في عمليات اتجار بالأعضاء في أوساط اللاجئين السوريين في تركيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية سكان مالاطيا غادروا منازلهم وبقوا في الشوارع بسبب الهلع من الزلزال (إعلام تركي)

زلزال بقوة 5.9 درجة ضرب شمال تركيا وأعاد ذكريات «كهرمان ماراش»

ضرب زلزال بقوة 5.9 درجة على مقياس ريختر ولاية مالاطيا في شرق تركيا تأثرت به بعض المناطق في جنوب شرقي البلاد وفي شمال سوريا ولم يسفر عن ضحايا أو إصابات خطيرة

سعيد عبد الرازق (أنقرة:)
شؤون إقليمية صورة أرشيفية لآثار الزلزال الذي ضرب ملاطية العام الماضي (غيتي)

شعر به سكان مدن سورية... زلزال بقوة 5.9 درجة يضرب جنوب شرق تركيا

أعلنت إدارة الكوارث والطوارئ التركية أن زلزالاً بقوة 5.9 درجة هز إقليم ملاطية في جنوب شرق تركيا، اليوم الأربعاء، وشعر به سكان مدن سورية.

«الشرق الأوسط» (اسطنبول)

فلسطينيون ظلوا بلا عائلة... وعائلات كاملة شُطبت من السجل المدني

TT

فلسطينيون ظلوا بلا عائلة... وعائلات كاملة شُطبت من السجل المدني

جنازة جماعية في 7 مارس 2024 لـ47 فلسطينياً قتلتهم إسرائيل في رفح (أ.ف.ب)
جنازة جماعية في 7 مارس 2024 لـ47 فلسطينياً قتلتهم إسرائيل في رفح (أ.ف.ب)

216 ليس مجرد رقم عادي بالنسبة لعائلة «سالم» الموزعة بين مدينة غزة وشمالها. فهذا هو عدد الأفراد الذين فقدتهم العائلة من الأبناء والأسر الكاملة، (أب وأم وأبنائهما) وأصبحوا بذلك خارج السجل المدني، شأنهم شأن مئات العائلات الأخرى التي أخرجتها الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ عام.

سماهر سالم (33 عاماً) من سكان حي الشيخ رضوان، فقدت والدتها وشقيقها الأكبر واثنتين من شقيقاتها و6 من أبنائهم، إلى جانب ما لا يقل عن 60 آخرين من أعمامها وأبنائهم، ولا تعرف اليوم كيف تصف الوحدة التي تشعر بها ووجع الفقد الذي تعمق وأصبح بطعم العلقم، بعدما اختطفت الحرب أيضاً نجلها الأكبر.

وقالت سالم لـ«الشرق الأوسط»: «أقول أحياناً إنني وسط كابوس ولا أصدق ما جرى».

وقصفت إسرائيل منزل سالم وآخرين من عائلتها في 11 ديسمبر (كانون الأول) 2023، وهو يوم حفر في عقلها وقلبها بالدم والألم.

رجل يواسي سيدة في دفن أفراد من عائلتهما في خان يونس في 2 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

تتذكر سالم لحظة غيرت كل شيء في حياتها، وهي عندما بدأت تدرك أنها فقدت والدتها وشقيقاتها وأولادهن. «مثل الحلم مثل الكذب... بتحس إنك مش فاهم، مش مصدق أي شي مش عارف شو بيصير». قالت سالم وأضافت: «لم أتخيل أني سأفقد أمي وأخواتي وأولادهن في لحظة واحدة. هو شيء أكبر من الحزن».

وفي غمرة الحزن، فقدت سالم ابنها البكر، وتحول الألم إلى ألم مضاعف ترجمته الأم المكلومة والباقية بعبارة واحدة مقتضبة: «ما ظل إشي».

وقتلت إسرائيل أكثر من 41 ألف فلسطيني في قطاع غزة خلال عام واحد في الحرب التي خلّفت كذلك 100 ألف جريح وآلاف المفقودين، وأوسع دمار ممكن.

وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي، بين الضحايا 16.859 طفلاً، ومنهم 171 طفلاً رضيعاً وُلدوا وقتلوا خلال الحرب، و710 عمرهم أقل من عام، و36 قضوا نتيجة المجاعة، فيما سجل عدد النساء 11.429.

إلى جانب سالم التي بقيت على قيد الحياة، نجا قلائل آخرون من العائلة بينهم معين سالم الذي فقد 7 من أشقائه وشقيقاته وأبنائهم وأحفادهم في مجزرة ارتكبت بحي الرمال بتاريخ 19 ديسمبر 2023 (بفارق 8 أيام على الجريمة الأولى)، وذلك بعد تفجير الاحتلال مبنى كانوا بداخله.

وقال سالم لـ«الشرق الأوسط»: «93 راحوا في ضربة واحدة، في ثانية واحدة، في مجزرة واحدة».

وأضاف: «دفنت بعضهم وبعضهم ما زال تحت الأنقاض. وبقيت وحدي».

وتمثل عائلة سالم واحدة من مئات العائلات التي شطبت من السجل المدني في قطاع غزة خلال الحرب بشكل كامل أو جزئي.

وبحسب إحصاءات المكتب الحكومي في قطاع غزة، فإن الجيش الإسرائيلي أباد 902 عائلة فلسطينية خلال عام واحد.

أزهار مسعود ترفع صور أفراد عائلتها التي قتلت بالكامل في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة (رويترز)

وقال المكتب الحكومي إنه في إطار استمرار جريمة الإبادة الجماعية التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي برعاية أميركية كاملة، فقد قام جيش الاحتلال بإبادة 902 عائلة فلسطينية ومسحها من السجل المدني بقتل كامل أفرادها خلال سنة من الإبادة الجماعية في قطاع غزة.

وأضاف: «كما أباد جيش الاحتلال الإسرائيلي 1364 أسرة فلسطينية قتل جميع أفرادها، ولم يتبقَّ سوى فرد واحد في الأسرة الواحدة، ومسح كذلك 3472 أسرة فلسطينية قتل جميع أفرادها ولم يتبقَّ منها سوى فردين اثنين في الأسرة الواحدة».

وأكد المكتب: «تأتي هذه الجرائم المتواصلة بحق شعبنا الفلسطيني في إطار جريمة الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي برعاية أميركية كاملة، وبمشاركة مجموعة من الدول الأوروبية والغربية التي تمد الاحتلال بالسلاح القاتل والمحرم دولياً مثل المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وغيرها من الدول».

وإذا كان بقي بعض أفراد العائلات على قيد الحياة ليرووا ألم الفقد فإن عائلات بأكملها لا تجد من يروي حكايتها.

في السابع عشر من شهر سبتمبر (أيلول) المنصرم، كانت عائلة ياسر أبو شوقة، من بين العائلات التي شطبت من السجل المدني، بعد أن قُتل برفقة زوجته وأبنائه وبناته الخمسة، إلى جانب اثنين من أشقائه وعائلتيهما بشكل كامل.

وقضت العائلة داخل منزل مكون من عدة طوابق قصفته طائرة إسرائيلية حربية أطلقت عدة صواريخ على المنزل في مخيم البريج وسط قطاع غزة.

وقال خليل أبو شوقة ابن عم العائلة لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد ما يعبر عن هذه الجريمة البشعة».

وأضاف: «كل أبناء عمي وأسرهم قتلوا بلا ذنب. وذهبوا مرة واحدة. شيء لا يصدق».

الصحافيون والعقاب الجماعي

طال القتل العمد عوائل صحافيين بشكل خاص، فبعد قتل الجيش الإسرائيلي هائل النجار (43 عاماً) في شهر مايو (أيار) الماضي، قتلت إسرائيل أسرته المكونة من 6 أفراد بينهم زوجته و3 أطفال تتراوح أعمارهم بين عامين و13 عاماً.

وقال رائد النجار، شقيق زوجة هائل: «لقد كان قتلاً مع سبق الإصرار، ولا أفهم لماذا يريدون إبادة عائلة صحافي».

وقضى 174 صحافياً خلال الحرب الحالية، آخرهم الصحافية وفاء العديني وزوجها وابنتها وابنها، بعد قصف طالهم في دير البلح، وسط قطاع غزة، وهي صحافية تعمل مع عدة وسائل إعلام أجنبية.

الصحافي غازي أشرف علول يزور عائلته على شاطئ غزة وقد ولد ابنه في أثناء عمله في تغطية أخبار الموت (إ.ب.أ)

إنه القتل الجماعي الذي لا يأتي بطريق الخطأ، وإنما بدافع العقاب.

وقال محمود بصل، المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني بغزة، إن الاحتلال الإسرائيلي استخدم الانتقام وسيلة حقيقية خلال هذه الحرب، وقتل عوائل مقاتلين وسياسيين ومسؤولين حكوميين وصحافيين ونشطاء ومخاتير ووجهاء وغيرهم، في حرب شنعاء هدفها إقصاء هذه الفئات عن القيام بمهامها.

وأضاف: «العمليات الانتقامية كانت واضحة جداً، واستهداف العوائل والأسر والعمل على شطب العديد منها من السجل المدني، كان أهم ما يميز العدوان الحالي».

وأردف: «ما حدث ويحدث بحق العوائل جريمة مكتملة الأركان».