أميركا على مشارف عام من الانقسامات الداخلية والأزمات الدولية

مسؤولون حاليون وسابقون يقيّمون السياسات ويطرحون توصيات

بايدن وترمب في مناظرتهما الأولى عام 2020 (أ.ب)
بايدن وترمب في مناظرتهما الأولى عام 2020 (أ.ب)
TT

أميركا على مشارف عام من الانقسامات الداخلية والأزمات الدولية

بايدن وترمب في مناظرتهما الأولى عام 2020 (أ.ب)
بايدن وترمب في مناظرتهما الأولى عام 2020 (أ.ب)

في 25 أبريل (نيسان) الماضي، ظهر الرئيس الأميركي جو بايدن على شاشات الأميركيين، وحسم شكوك الكثيرين: الرئيس الأكبر سناً في التاريخ الأميركي سيترشح لولاية ثانية. فرغم أرقام استطلاعات الرأي التي تظهر تدهوراً مستمراً في شعبية بايدن، البالغ من العمر 81 عاماً، فإن رهانه، ورهان حزبه يتمحوران حول هدف واحد: هزيمة خصمه المحتمل دونالد ترمب، و«الحفاظ على ديمقراطية أميركا» التي تعيش تقلبات خارجية وانقسامات داخلية يحذر البعض من زعزعتها لنسيج المجتمع وهيكلية النظام في موسم انتخابي حامٍ مشبع بالتجاذبات والتحديات.

ولعلّ التحدي الأبرز والمعضلة الكبرى بالنسبة لكثيرين، يتمثلان في شخص الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي، وعلى عادته، تحدى التوقعات والتكهنات مستمراً في حشد دعم مناصريه وتصدّر استطلاعات الرأي رغم القضايا القانونية التي يواجهها في المحاكم الأميركية، والتي ستلقي بظلالها على أحداث العام المقبل.

فترمب دخل التاريخ من أبوابه العريضة ليكون أول رئيس يتم عزله مرتين في مجلس النواب، وأول رئيس سابق يتم توجيه تهم جنائية بحقه في التاريخ الأميركي.

تحديات داخلية بين محاكمات وهفوات

يستبعد النائب الجمهوري السابق عن مجلس فيرجينيا دايفيد رمضان أن يصبح ترمب رئيساً للولايات المتحدة، رغم تقدمه في استطلاعات الرأي، فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «على الأرجح أن يكون هو المرشح الجمهوري، لكن من غير المرجح أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة، مع أن هذا معقول. فولاية جديدة لترمب ستكون خطرة على البلاد في هذه المرحلة، وخطوة غير مسبوقة. فهو بمواجهة 91 تهمة جنائية، ولدى حصول الانتخابات، الأرجح أن تكون قد تمت إدانته».

رسم للرئيس السابق دونالد ترمب خلال محاكمة بالاحتيال ضد منظمة ترمب في المحكمة العليا لولاية نيويورك (رويترز)

ومن هذا المنطلق، يكثف الديمقراطيون حملاتهم الداعمة لبايدن، بمعزل عن الأرقام غير المشجعة له في استطلاعات الرأي، وهفواته العلنية المتكررة. فهم يعدّونه المرشح الوحيد الذي يستطيع هزيمة ترمب في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) من العام المقبل. ويتحدث جايسون ستاينبوم المدير السابق لموظفي لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب عن أسباب دعم الديمقراطيين لبايدن، فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «الرئيس بايدن حصد سجل إنجازات كثيرة خلال ولايته، إذ تمكن من إخراج البلاد من زمن وباء كورونا بنجاح وحقق اتفاقات على مشروعات ضخمة للبنى التحتية والرعاية الصحية والطاقة وعنف السلاح في الكونغرس».

لكن التحديات الداخلية، على كثرتها، ليست الوحيدة التي تواجه الرئيس الأميركي، الذي وصل إلى الرئاسة وبجعبته أجندة طموح ترتكز بشكل أساسي على مواجهة الصين، ليصطدم بوابل من الأزمات الدولية بدءاً من أوكرانيا، مروراً بإيران والسودان، ووصولاً إلى غزة.

تحديات خارجية: حرب أوكرانيا وغياب الاستراتيجية

هيمنت حرب أوكرانيا على معظم فترة ولاية بايدن، فقد بدأت هذه الحرب بعد عام تقريباً من وصوله إلى كرسي الرئاسة في البيت الأبيض، ليقضي معظم ولايته الأولى وهو يتعامل مع تداعياتها خارجياً عبر مساعي حشد دعم الحلفاء لتمويل الحرب، وداخلياً من خلال التصدي لمعارضة مزدادة في الكونغرس لإقرار التمويل. وتقول آنا بوريشسيفسكايا كبيرة الباحثين في معهد الشرق الأدنى، إنه رغم أن بايدن «يستحق الثناء لأنه وحّد موقف الغرب حول هذه القضية، فإنه لم يضع استراتيجية واضحة. فإدارة بايدن تفاعلت مع الملف عبر توفير المساعدات وفرض عقوبات على روسيا، لكن هذه ليست استراتيجية، بل خطوات تكتيكية».

رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون إثر انتخابه بعد أسابيع من الفراغ التشريعي (رويترز)

وذكرت بوريشسيفسكايا في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، أن المعارضة الداخلية لتمويل الحرب سوف تزداد في الموسم الانتخابي، مشيرة إلى أن «الكرملين يراقب الانتخابات الأميركية عن كثب، وأن استراتيجية بوتين هي الانتظار كي يتخلى الغرب عن أوكرانيا وكي يصل ترمب إلى الرئاسة، لأنه في حال حصول ذلك سيتحقق السيناريو الذي يراهن عليه الرئيس الروسي»، في إشارة إلى تصريحات ترمب العلنية والرافضة لدعم كييف. وختمت بوريشسيفسكايا بلهجة يشوبها الاستياء: «بايدن حرص على عدم خسارة أوكرانيا. لكن هذا لا يعني أنه حرص على فوزها».

حرب غزة و«شيك على بياض» لإسرائيل

وكأن هذه التجاذبات السياسية حول أوكرانيا لم تكن كافية لزعزعة توازن بايدن، لتباغته أزمة أخرى من منطقة اتهمه كثيرون بتجاهلها طوال فترة رئاسته: الشرق الأوسط. فاندلاع حرب غزة وصور الدمار والضحايا المدنيين سلّطا الأضواء على دعم الإدارة الأميركية غير المشروط لإسرائيل، وزاد من حدة الجدل الداخلي حول سياسة «الشيك على بياض» تجاه تل أبيب. ما أدى إلى تعالي أصوات الناخبين الشباب والعرب والمسلمين ضد الرئيس الأميركي، مذكرين بأن أصواتهم هي التي أسهمت في فوزه بولايته الأولى، ومحذرين من سحب الدعم له في ولاية ثانية إن لم يغيّر من مواقفه.

في هذا السياق، تحدث وائل الزيات، المستشار السابق للمندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة والمدير التنفيذي لمنظمة «ايمغايج» المعنية بتنسيق جهود الناخبين المسلمين، فقال لـ«الشرق الأوسط»: «إذا نظرتم إلى الناخبين الشباب عموماً، فإن أغلبيتهم يدعمون وقف إطلاق النار ولا يوافقون على السياسة الداعمة لإسرائيل، كذلك الأمر بالنسبة للناخبين العرب والمسلمين. هناك 200 ألف ناخب مسجل منهم في ميشيغان و200 ألفاً في بنسلفانيا. إن لم يصوتوا أو صوتوا لصالح حزب ثالث، فهذا سيؤثر حتماً على نتيجة الانتخابات. هذا ما نقوله للبيت الأبيض: دعمكم لإسرائيل قد يسلم البلاد لجمهوريي ماغا (الداعمين لترمب)».

ومع ازدياد أعداد الناخبين الرافضين للتصويت لبايدن بسبب موقفه الداعم لإسرائيل، يحذر الزيات من أن «رئاسة ترمب كانت لتكون أسوأ بـ100 مرة من رئاسة بايدن خلال النزاع»، وفسّر موقفه قائلاً: «ترمب هو من قطع تمويل الأونروا، وترمب هو الذي نقل السفارة إلى القدس، وترمب هو الذي اعترف بضم هضبة الجولان... ترمب كان واضحاً بأنه لن يضع أي قيود على ما تقوم به إسرائيل وأنه سيمنع اللاجئين الفلسطينيين من الدخول إلى أميركا».

إيران و«السياسة الفاشلة»

انعكاسات حرب غزة ولّدت تحديات من نوع آخر لإدارة بايدن، تمثلت بهجمات من وكلاء إيران على القوات الأميركية في المنطقة، ما دفع بالمعارضين لسياسته مع طهران إلى التذكير بمساعيه للعودة إلى الاتفاق النووي معها، والتوصل إلى اتفاق لتبادل السجناء نجم عنه الإفراج عن 6 مليارات دولار من الأصول الإيرانية، ما أثار حفيظة المنتقدين، وعلى رأسهم كبير الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ السيناتور جيم ريش الذي وجّه انتقادات لاذعة للسياسة الأميركية تجاه إيران، فقال لـ«الشرق الأوسط»: «يمكن اختصار سياسة بايدن مع إيران بكلمة واحدة: فاشلة. فالإدارة شاركت في مفاوضات نووية غير مثمرة ورفعت تجميد الأصول وتجنبت فرض العقوبات المرتبطة بالنفط، وفشلت في الترويج للردع الإقليمي، ما قوّى وكلاء إيران الإرهابيين». وعدّ السيناتور البارز أنه «حان الوقت كي تغيّر الولايات المتحدة جذرياً سياستها حيال طهران».

وقدّم ريش الذي يترأس الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية المعنية بالإشراف على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، مجموعة من التوصيات لإدارة بايدن في تعاطيها المستقبلي مع طهران، فقال: «يجب أن نعود إلى سياسة العزل الاقتصادي، وأن نحرم النظام من الموارد التي يوظفها لدعم الإرهاب الإقليمي».

ويفسر ريش: «هذا يتضمن الحرص على فرض العقوبات الموجود على إيران وتجميد الأصول الإيرانية بشكل دائم حول العالم. يجب أيضاً أن نعمل على استرداد الردع. فالهجمات من المجموعات المدعومة من إيران على القوات الأميركية تخطت 190 اعتداء منذ عام 2021. لا يمكننا تحمل تكلفة الاستمرار بإرسال رسائل متناقضة». وختم السيناتور بتهديد مبطن: «أتطلع قدماً للعمل مع شركاء وحلفاء يشاركونني هذه الآراء لعزل النظام الإيراني في الأشهر المقبلة».

السودان و«سياسة من دون هدف»

يسعى النظام الإيراني جاهداً لبسط نفوذه وتأثيره في مواجهة النفوذ الأميركي، فعمد في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلى الدفع لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع بلد يشغل بال الإدارة ويتحدى نفوذها: السودان.

ففي 15 أبريل 2023، وبعد عامين تقريباً من الإطاحة برئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، اندلعت مواجهات بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، ما أدى إلى ازدياد المخاوف من أي احتمال لعودة السودان إلى مسار الحكم المدني، الذي أسهمت الولايات المتحدة بشكل أساسي في تعزيزه بعد رفع البلاد عن لائحة الإرهاب وإعطائه الحصانة السيادية، بالتزامن مع مساعي الرئيس الأميركي حينها دونالد ترمب توسيع جهود التطبيع مع إسرائيل. في تصوّر تجاهلته إدارة بايدن كلياً بعد وصوله إلى الرئاسة، بحسب توصيف الجمهوريين.

جو بايدن ونجله المدان بالفساد هانتر يصلان إلى نيويورك في 4 فبراير 2023 (أ.ف.ب)

وسعت الإدارة جاهدة إلى احتواء الأزمة وسط تخوف من انعكاساتها المدمرة على السودان ومحيطه، فعمدت إلى التعاون مع السعودية لعقد محادثات جدة في مايو (أيار) من العام نفسه، من دون انفراجات تذكر، ما أدى إلى فرض سلسلة من العقوبات الأميركية على «أفراد ومؤسسات أسهموا في زعزعة الاستقرار».

ويقول كاميرون هادسون كبير الموظفين السابق في مكتب المبعوث الأميركي الخاص للسودان، إن «السياسة الأميركية حيال السودان كانت بشكل عام من دون هدف، وينقصها أي نوع من التركيز الاستراتيجي». وتابع هادسون في حديث مع «الشرق الأوسط»: «منذ لحظة اندلاع الصراع الذي فاجأ الولايات المتحدة، وهي تسعى للحاق بمجريات الأحداث، لكنها لم تجارِها بعد». والمبادرات الدبلوماسية كمحادثات جدة أو توظيف العقوبات لم يتم دعمها من خلال أي انخراط رفيع المستوى، ما أدى إلى تجاهل دور واشنطن بشكل كبير».

وعن احتمال انخراط الولايات المتحدة في جهود فعالة لإنهاء الأزمة في عام 2024، يستبعد هادسون كلياً أن تركز أميركا على النزاع بالشكل اللازم، مشيراً إلى وجود نزاعات في غزة وأوكرانيا ينخرط فيها مسؤولون أميركيون بشكل مستمر، «ويترك نزاعات كالسودان بيد دبلوماسيين ذات مستوى متواضع ليست لديهم السلطة ولا الرؤية لتحريك النفوذ الأميركي الذي يرسم نهاية للصراع وينفذ الأرواح». وختم هادسون بلهجة تشاؤمية: «أتوقع الأمر نفسه من واشنطن في عام 2024: الاستمرار في استنكار الجرائم المرتكبة وفعل القليل لوقفها».

الصين و«منطاد الأزمات»

ومع تشعب الصراعات وتوسعها، سعى الرئيس الأميركي جاهداً إلى إعادة التركيز على المنافسة الأبرز التي تواجهها بلاده: الصين، فمن الصعب عليه أن يتغافل عن الملف في عام حلّق فيه «المنطاد» الشهير فوق رؤوس الأميركيين لأيام عديدة، قبل إسقاطه من قبل الولايات المتحدة في 4 فبراير (شباط) 2023، ما أشعل أزمة دبلوماسية جديدة بين البلدين، تمكنا من تخطيها جزئياً في لقاء تاريخي جمع بين رئيسيهما لأول مرة على أرض أميركية في 15 نوفمبر، حين التقيا على هامش قمة «أبيك» في ولاية كاليفورنيا.

الرئيسان الأميركي جو بايدن والصيني شي جينبينغ مع كبار مساعديهما في سان فرانسيسكو في 15 نوفمبر الحالي (د.ب.أ)

ووصف سوراب غوبتا كبير الباحثين في معهد الدراسات الصينية - الأميركية الاجتماع بالناجح، مذكراً بأبرز ما تم التوافق عليه كاستئناف قنوات التواصل العسكري التي قطعتها الصين بعد زيارة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إلى تايوان، والتعاون لمكافحة أزمة مخدر الفنتانيل. ويقول غوبتا لـ«الشرق الأوسط»: «تعزيز العلاقات هذا من شأنه أن يكون مفيداً في عام 2024، لصد أي توتر سوف ينجم عن عام انتخابي حامٍ». ويعدّ غوبتا أن «بايدن هو المرشح الأفضل لتوازن العلاقات الأميركية - الصينية، فالحزب الجمهوري هو حزب لديه نظرة متشددة أكثر حيال بكين، والآن مع انهيار منظومة التعاون الدولي وتراجع الأصوات الداعمة للتبادل التجاري داخل الحزب سيكون هناك قليل من الأسس المشتركة للتعاون مع الجمهوريين».

ومع تراكم الأزمات وتشعبها، يحبس العالم أنفاسه بانتظار نوفمبر 2024 موعد الانتخابات الرئاسية التي سترسم مستقبل الولايات المتحدة وتحدد معالم الصراعات المزدادة في عالم متعدد الأقطاب.


مقالات ذات صلة

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

المشرق العربي الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

مع بدء الدورة العشرين لمجلس النواب الأردني، الذي انتخب في العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، بدأ الشحن الداخلي في معادلة الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.

محمد خير الرواشدة (عمّان)
شمال افريقيا ممثلو دول أوروبية داخل مركز العدّ والإحصاء التابع لمفوضية الانتخابات الليبية (المفوضية)

ليبيا: إجراء الانتخابات المحلية ينعش الآمال بعقد «الرئاسية» المؤجلة

قال محمد المنفي رئيس «المجلس الرئاسي» إن إجراء الانتخابات المحلية «مؤشر على قدرة الشعب على الوصول لدولة مستقرة عبر الاستفتاءات والانتخابات العامة».

جمال جوهر (القاهرة)
الولايات المتحدة​ الملياردير إيلون ماسك (رويترز)

هل يمكن أن يصبح إيلون ماسك رئيساً للولايات المتحدة في المستقبل؟

مع دخوله عالم السياسة، تساءل كثيرون عن طموح الملياردير إيلون ماسك وما إذا كان باستطاعته أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة في المستقبل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا وزير الداخلية جيرالد دارمانان (اليمين) متحدثاً إلى الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي (رويترز)

زلزال سياسي - قضائي في فرنسا يهدد بإخراج مرشحة اليمين المتطرف من السباق الرئاسي

زلزال سياسي - قضائي في فرنسا يهدد بإخراج مرشحة اليمين المتطرف من السباق الرئاسي، إلا أن البديل جاهز بشخص رئيس «حزب التجمع الوطني» جوردان بارديلا.

ميشال أبونجم (باريس)
أوروبا جلسة برلمانية في «البوندستاغ»... (إ.ب.أ)

أكثر من 100 برلماني يتقدمون باقتراح لحظر حزب «البديل من أجل ألمانيا»

تقدم أكثر من 100 نائب ألماني باقتراح لرئيسة البرلمان لمناقشة حظر حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف.

راغدة بهنام (برلين)

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
TT

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)

عندما بدأت عملية «طوفان الأقصى» ونشوب الحرب في غزة، كانت إيران تواجه تداعيات الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة إثر وفاة الشابة مهسا أميني، التي جعلت خريف 2022 الأكثر دموية في الداخل الإيراني.

اندلعت الحرب في قطاع غزة، في لحظة محورية بالنسبة لمؤسسة المرشد الإيراني؛ حيث زادت الضغوط الدولية عليه بسبب قمع الاحتجاجات الداخلية، وإرسال الطائرات المسيّرة إلى روسيا، مع وصول المفاوضات النووية إلى طريق مسدود.

ومنذ الموقف الرسمي الأول، رأت طهران أن هجوم حركة «حماس» هو «رد فعل طبيعي وحركة عفوية على السياسات الحربية والاستفزازية والإشعال المتعمّد للصراعات من قبل رئيس الوزراء المتطرف والمغامر لإسرائيل».

دأب المسؤولون الإيرانيون على نفي أي دور في اتخاذ قرار عملية «طوفان الأقصى»، لكن الحراك الدبلوماسي والسياسي أوحى بأن أركان الدولة، بما في ذلك الجهاز الدبلوماسي، كان على أهبة الاستعداد للتطور الكبير الذي يهز المنطقة.

بعد أقل من أسبوع على هجوم «طوفان الأقصى» بدأ وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان، أول جولاته الخمس على دول المنطقة قبل وفاته في 19 مايو (أيار)؛ بهدف عقد مشاورات مع مسؤولي دول الجوار ولقاءات تنسيقية قادة جماعات «محور المقاومة» وتوجيه رسائل إقليمية، وتوجه إلى العراق وواصل زيارته إلى دمشق، ومنها إلى بيروت، وانتهى المطاف في الدوحة.

وحينها وجهت إيران رسالة لإسرائيل، بأنها قد تواجه عدة جبهات إذا لم تتوقف عملياتها العسكرية في غزة.

ودفعت طهران باتجاه تعزيز صورة الجماعات المسلحة في المنطقة، والعمل على إضفاء الشرعية على دورها في دعم تلك الجماعات، مستغلة الأوضاع السياسية والاضطرابات الإقليمية.

اجتماع ثلاثي بين عبداللهيان وزياد النخالة أمين عام «الجهاد الإسلامي» وصالح العاروري رئيس مكتب حركة «حماس» في بيروت مطلع سبتمبر 2023 (الخارجية الإيرانية)

وشكل هذا الموقف المحطة الأولى لإيران. وترى طهران أنها نقلت جماعات «محور المقاومة» من نطاق محصور إلى نطاق «عالمي»، أو ما يسميه الدبلوماسيون الإيرانيون من «عالم المقاومة» إلى «المقاومة العالمية».

بذلك، انتقلت إيران، التي حاولت الحفاظ على مرحلة التهدئة مع جيرانها الإقليميين، إلى وضع هجومي فيما يتعلق بالجماعات المرتبطة بها، وهو ما يراه البعض انعكاساً لاستراتيجيتها على توسيع نفوذها ودورها في المنطقة.

على المستوى الرسمي، بعثت إيران برسالة للأوساط الدولية بأن تلك الجماعات مستقلة، وتملك قرارها بنفسها، وتصنع أسلحتها، لكن عدة مسؤولين وقادة عسكريين إيرانيين أشاروا في تصريحاتهم إلى دور الجنرال قاسم سليماني وقوات الوحدة الخارجية في «الحرس الثوري» بتسليح تلك الجماعات وتزويدها بتقنيات صناعة الأسلحة.

أما ثاني محطة لإيران بعد «طوفان الأقصى»، فقد بدأت بعد شهر من اندلاع الحرب في غزة؛ حيث دعا المرشد الإيراني علي خامنئي إلى ما وصفه بـ«قطع الشرايين الاقتصادية» لإسرائيل، خصوصاً ممرات النفط والطاقة. ومنها دخلت الجماعات المرتبطة بطهران، وجماعة «الحوثي» تحديداً على خط الأزمة، وشنّت هجمات على سفن تجارية على مدى أشهر، أثرت على حركة الملاحة في البحر الأحمر.

كما باشرت الميليشيات والفصائل العراقية الموالية لإيران، هجمات بالطائرات المسيّرة على إسرائيل والقواعد الأميركية على حد سواء.

وبدأ الجيش الأميركي رده بعدما تعرضت له قاعدة في الحدود السورية بالرد على هجمات طالت قواته، مستهدفاً مواقع للفصائل المسلحة.

على المستوى السياسي، أصرت طهران على وضع شروط الجماعات الحليفة معها أولاً لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ومنها أبدت معارضتها لأي تسويات دولية، خصوصاً إحياء مقترح «حل الدولتين». وفي ديسمبر (كانون الأول)، قال وزير الخارجية الإيراني إن رفض «حل الدولتين» نقطة مشتركة بين إيران وإسرائيل.

المحطة الثالثة: بموازاتها باشرت إسرائيل بشن هجمات هادفة ضد القوات الإيرانية في سوريا، واستهدفت رضي موسوي مسؤول إمدادات «الحرس الثوري» في سوريا في ديسمبر، وبعد شهر، أعلن «الحرس الثوري» مقتل مسؤول استخباراته هناك، حجت الله أميدوار، لكن أقوى الضربات جاءت في مطلع أبريل (نيسان) عندما استهدفت غارة جوية إسرائيلية اجتماعاً لقادة «الحرس» في مقر القنصلية الإيرانية، وقتلت أرفع مسؤول عسكري إيراني في سوريا ولبنان، الجنرال محمد رضا زاهدي.

المرشد الإيراني علي خامنئي يؤم صلاة الجنازة على جثامين زاهدي وجنوده في حسينية مكتبه 4 أبريل 2024 (أ.ف.ب - موقع المرشد)

أما المحطة الإيرانية الرابعة، فقد وصلت إيران فيها إلى حافة الحرب مع إسرائيل، عندما ردت على قصف قنصليتها، بشن أول هجوم مباشر من أراضيها على الأراضي الإسرائيلية بمئات الصواريخ والمسيّرات.

ورغم تأكيد الجانب الإسرائيلي على صد الهجوم الإيراني، فقد وجهت ضربة محدودة لإيران باستهداف منظومة رادار مطار عسكري في مدينة أصفهان، قرب منشأة نووية حساسة.

وزادت المواجهة من احتمال تغيير مسار البرنامج النووي الإيراني، مع تكاثر الحديث في طهران عن ضرورة التوصل لأسلحة رادعة، وأيضاً التهديدات الإسرائيلية بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية.

امرأة غير محجبة تمر أمام لافتة دعائية للصواريخ الإيرانية في ساحة «ولي عصر» وسط طهران 15 أبريل الماضي (رويترز)

المحطة الإيرانية الخامسة، جاءت بعد مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، في حادث تحطم مروحية قرب الحدود الأذربيجانية. وسارعت السلطات الإيرانية لنفي نظرية المؤامرة، مستبعدة بذلك أي احتمالات لتعرض أرفع مسؤول تنفيذي في البلاد لضربة إسرائيلية. وأصدرت هيئة الأركان بعد نحو 3 أشهر على مقتل رئيسي، تأكيداً بأن مروحيته سقطت نتيجة ظروف مناخية، رغم أنها لم تُجِب عن كل الأسئلة.

عبداللهيان خلال اللقاء الذي جمعه بنصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية فبراير الماضي (إعلام «حزب الله»)

وفي هذه المرحلة، توسعت الحملة الإيرانية، مع دخول الموقف السياسي الإيراني مرحلة السبات فيما يخص تطورات الحرب في غزة، نظراً لانشغال السلطات بالانتخابات الرئاسية، والسعي لتشكيل حكومة جديدة.

وخلال حملة الانتخابات الرئاسية، تجنب المرشحون للانتخابات إثارة القضايا المتعلقة بحرب غزة والدعم الإيراني. على الرغم من الانتقادات الداخلية لتأجيل القضايا الإيرانية الملحة مثل رفع العقوبات وتعطل المسار الدبلوماسي لإحياء الاتفاق النووي.

وكان لافتاً أن تصريحات المرشحين بمختلف توجهاتهم لم تذهب أبعد من الإشادة بالبرنامج الصاروخي، وتوجيه الضربة لإسرائيل، والتعهد بتعزيز معادلات الردع.

المحطة السادسة: بمراسم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في 30 يوليو (تموز)؛ إذ شهدت طهران أكبر تحول في حرب غزة، ألا وهو اغتيال رئيس حركة «حماس» إسماعيل هنية، في مقر تابع لـ«فيلق القدس» في شمال طهران.

هنية ونائب الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني ورئيس حركة «الجهاد الإسلامي» والمتحدث باسم الحوثيين في مراسم القسم الدستوري للرئيس الإيراني بطهران 30 يوليو الماضي (رويترز)

وتعهد المرشد الإيراني علي خامنئي حينها بالرد على «انتهاك السيادة الإيرانية» واغتيال «ضيف إيران»، وتنوعت نبرة ومفردات التهديد بين مسؤولين سياسيين وقادة عسكريين. وشدد المسؤولون الإيرانيون على حتمية الرد مع تقدم الوقت وتراكم الشكوك بشأن رد إيران.

وأثار اغتيال هنية في طهران الكثير من التساؤلات حول طبيعة العملية، خصوصاً مع وجود الاختراقات.

موكب تشييع إسماعيل هنية في طهران يوم 1 أغسطس الماضي (أ.ب)

المحطة السابعة: كان عنوانها تفجيرات أجهزة «البيجر»، بالتزامن مع رسالة تهدئة من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، خصوصاً مع الولايات المتحدة، وشملت إسرائيل.

وقبل أن يتوجه إلى نيويورك، قال بزشكيان في مؤتمر صحافي إن بلاده لا تريد أن تكون عاملاً لزعزعة الاستقرار في المنطقة، ولا تريد تصدير الثورة، مبدياً استعداده للانفتاح على واشنطن، إذا أثبتت أنها ليست معادية لطهران، وذهب أبعد من ذلك عندما استخدم وصف «الأخوة الأميركية».

واصل بزشكيان هذه النبرة في لقاءات على هامش حضوره أعمال الجمعية العامة في نيويورك، وقال: «إيران مستعدّة لوضع أسلحتها جانباً إذا وضعت إسرائيل أسلحتها جانباً»، حسب تسجيل صوتي انتشر من اللقاء نفسه. وقال إن تأخير الرد الإيراني على اغتيال هنية هو تلقي بلاده رسائل بأن اتفاقاً لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» سيُبرم خلال أسبوع، مبدياً انزعاجه من عدم التوصل للاتفاق واستمرار الهجمات الإسرائيلية.

خامنئي يلقي خطاباً أمام مجموعة من أنصاره وفي الخلفية صورة نصر الله (موقع المرشد)

وقلل بزشكيان من قدرة «حزب الله» على مواجهة إسرائيل وحده، وهو ما مزق الصورة التي رسمها مسؤولون مقربون من المرشد علي خامنئي.

وزاد موقف بزشكيان وكذلك الفرضيات بوجود اختراق في هجمات «البيجر»، واستهداف قادة «حزب الله»؛ من الشكوك في طهران بوجود اختراقات للجبهة الإيرانية، وعززت أيضاً مخاوف داخلية من وجود اختراقات.

المحطة الثامنة والخطيرة، بدأت باغتيال الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، ثاني أهم لاعب للاستراتيجية الإقليمية الإيرانية، بعد الجنرال قاسم سليماني، خلال 35 سنة من حكم المرشد علي خامنئي. كما أدت الغارة الجوية الإسرائيلية على مقر نصر الله، إلى تسجيل ثاني خسائر «الحرس الثوري» الكبيرة منذ «طوفان الأقصى»، وهو نائب قائد غرفة العمليات، الجنرال عباس نيلفروشان.

ويحظى نصر الله بأهمية كبيرة لدى حكام إيران وخصوصاً الأوساط المحافظة، لدرجة تداول اسمه في بعض الفترات لتولي منصب المرشد الإيراني بعد خامنئي بوصفه «ولي الفقيه»، ولو أن الترشيح بدا مثالياً لأنه ليس مسؤولاً إيرانياً، فسيكون مرفوضاً من غالبية الأطراف السياسية.

نظام القبة الحديدية الإسرائيلي يعترض الصواريخ الآتية من إيران (رويترز)

ورداً على اغتيال هنية في عمق الأراضي الإيرانية، ونصر الله، ونيلفروشان، وجهت إيران هجومها الصاروخي الثاني المباشر على إسرائيل، في خطوة هدّدت إسرائيل بالرد عليها مع التلويح ببنك أهداف غير محدودة تشمل مصافي النفط ومحطات الوقود وأيضاً المنشآت النووية والعسكرية، ما يجعل الأزمة بين إسرائيل وإيران مفتوحة على كل الاحتمالات.