روسيا تعزز مكاسبها في 2024 وتستعد لاتساع الشرخ في المعسكر الغربي

حرب أوكرانيا «مؤجلة»... وتنشيط الانخراط في ملفات إقليمية

بوتين ووزير دفاعه سيرغي شويغو خلال زيارة لمركز تدريب عسكري في أكتوبر (أ.ف.ب)
بوتين ووزير دفاعه سيرغي شويغو خلال زيارة لمركز تدريب عسكري في أكتوبر (أ.ف.ب)
TT

روسيا تعزز مكاسبها في 2024 وتستعد لاتساع الشرخ في المعسكر الغربي

بوتين ووزير دفاعه سيرغي شويغو خلال زيارة لمركز تدريب عسكري في أكتوبر (أ.ف.ب)
بوتين ووزير دفاعه سيرغي شويغو خلال زيارة لمركز تدريب عسكري في أكتوبر (أ.ف.ب)

يبدو المشهدان الإقليمي والدولي مواتيين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في نهاية العام. كان 2023 أكثر المحطات اضطراباً وقلقاً خلال السنوات العشر الماضية؛ على الصعيدين الداخلي والخارجي. شهدت روسيا منعطفات خطرة وأحداثاً كبرى.

كاد التمرد العسكري لمجموعة «فاغنر» مدعوماً بتأييد جنرالات بارزين، ومساحة واسعة من القبول الشعبي، يدخل روسيا، في منتصف العام، نفقاً من الفوضى الداخلية. لكن الكرملين خرج منتصراً في معركة داخلية حاسمة ونجح في القضاء بضربة قاضية على خصومه. وأطلق عملية تطهير داخلية واسعة غاب معها تهديد انتشار السلاح والطموحات السياسية لدى أطراف عدة شكلت مراكز ضغط وتأثير.

الأحوال المعيشية شهدت هزات كبرى. وبدا في بداية العام أن الاقتصاد الروسي بدأ يترنح تحت ثقل 11 رزمة من العقوبات الشاملة. لكن المؤشرات انتقلت، مع حلول الخريف، من الجمود إلى تحقيق تحسن في عدد من القطاعات. وبدا أن روسيا بدأت تتعايش مع العزلة الاقتصادية عن الغرب، وحسنت شروط مواجهة التداعيات القاسية، وانتقلت إلى تسجيل أرقام نمو في مجالات عدة.

على جبهات القتال في البلد المجاور، كرس العام الماضي معادلة فشل الرهان على تحقيق انتصار عسكري على روسيا. بدل الكرملين بدوره الأولويات، وبعد اختراق باخموت في منتصف العام، لم يعد يولي اهتماماً لتقدم واسع على الجبهات. لكنه حصن في المقابل خرائط «الأمر الواقع» التي أقامها بعد ضم المقاطعات الأوكرانية، محبطاً كل محاولات التقدم في إطار الهجوم الأوكراني – الغربي المضاد.

في السياسة الدولية؛ سارت الرياح وفقاً لهوى بوتين، مع اتساع الشرخ في المعسكر الغربي حيال ملف المساعدات الحربية لكييف وجدوى الضغوط الاقتصادية على موسكو. وفتحت حرب غزة في الخريف على مكاسب جديدة. ولم يمنع ضعف تأثير التحالفات الإقليمية التي رعاها الكرملين، مثل «بريكس» و«شنغهاي» و«رابطة الدول المستقلة»، على الأحداث العالمية، من تطوير سياسات تقوم على مراكمة فوائد لموسكو وحلفائها.

انقضت أصعب الأوقات؛ وفقاً للكرملين ولتيار واسع داخل روسيا. وبدا أن موسكو تستعد مع حلول العام الجديد لحصد نتائج.

أوكرانيا... تجميد الصراع

بين أبرز توجهات سياسات بوتين في 2024 المحافظة على جمود خرائط الصراع العسكري في أوكرانيا. لا يتوقع خبراء بارزون أن يبادر الكرملين لشن هجوم واسع على الأقل خلال النصف الأول من العام. ولهذا مبررات قوية من وجهة نظرهم؛ إذ لا تحتاج موسكو لتغيير ميداني واسع قد يسبب تبدلاً في موازين القوى القائمة. في حين تستعد البلاد لاستحقاق انتخابي مهم في مارس (آذار) المقبل. ومع أن نتيجة الانتخابات الرئاسية معروفة سلفاً؛ فإن هذا لا يقلل من أهمية الحدث، الذي يكرس بوتين عملياً زعيماً للأمة، وسيداً للكرملين مدى الحياة. خلافاً لتساؤلات قلقة كانت قد برزت سابقاً عن مدى قدرة صاحب قرار الحرب المثير للجدل على الصمود في كرسيه. هذا الاستحقاق سوف يعني تكريس نهج «البوتينية» في روسيا لسنوات طويلة مقبلة بعدما توقع الغرب انهياره.

زينة العام الجديد في موسكو: نجمة الكرملين بعلامة «زد» شعار الجيش الروسي في أوكرانيا (أ.ف.ب)

في هذا الإطار؛ يمكن رصد توجهات عدة لبوتين على صعيد معركته في أوكرانيا.

نجحت القوات الروسية في تجميد القتال على طول خط المواجهة بالكامل، ومنع وقوع اختراقات كبيرة. وغدا النجاح يقاس بتقدم لبضع مئات من الأمتار، أو تراجع بمثلها. ويقول الخبراء العسكريون إن موسكو قد تطور حصارها على أفدييفكا (دونيتسك) من دون شن هجوم كبير لا يحتاجه الكرملين، لتأكيد «شعبية» بوتين في المرحلة المقبلة، كما أن مخاطره مرتفعة للغاية، وقد تنعكس سلباً إذا وقعت خسائر كبيرة في صفوف الجنود الروس.

العنصر الثاني على هذا الصعيد أن موسكو باتت في وضع رابح جزئياً في «حرب الاستنزاف»؛ لذلك تركز توجهاتها على السعي لتوسيع الشرخ في صفوف الغرب، وهي تستعد لمزيد من التململ الأوروبي، وأن تحذو بلدان عدة حذو سلوفاكيا والمجر وهولندا في تخفيف لهجتها حيال موسكو والدعوة بشكل أكثر إلحاحاً إلى فتح حوار معها.

في الإطار ذاته، تشير معطيات موسكو إلى استنفاد الأسلحة والذخيرة من مخازن الغرب، مما يعني أن تكلفة إمدادات أوكرانيا ستكون أعلى في المرحلة المقبلة. وهذا بدأ ينعكس في توجه بعض البلدان الغربية لدعم إنشاء صناعات دفاعية مشتركة مع كييف بديلاً للإمدادات العسكرية بالأسلحة والتقنيات المصنوعة في بلدان «حلف الأطلسي».

يراهن الكرملين على أن جمود الصراع يوفر أساساً مهماً لتوسيع الشرخ لدى الغرب، ويضعف أكثر قدرات كييف على المناورة، خصوصاً مع انتظار وتشجيع صراعات داخلية في أوكرانيا قد تتطور مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي الرئاسي الداخلي المؤجل حتى الآن.

ولا يتوقع خبراء أن يحدث تطور عسكري واسع قبل حلول منتصف العام المقبل، وغالباً سوف تكون مقدماته مرتبطة بالمشهد الداخلي الأوكراني، ومستوى الترهل الذي يتوقع الكرملين أن يصيب الحلف الغربي.

عموماً تميل التقديرات إلى أن عام 2024 سيكون حاسماً بالنسبة إلى تحديد مصير الحرب مع اقترابه من الربع الأخير.

تعزيز جبهة الحلفاء

على الرغم من أن تحالفات روسيا الإقليمية لم تنعكس خلال العام الماضي في إظهار تماسك صلب يدعم مواقف الكرملين تجاه الغرب، فإن موسكو نجحت في تحقيق اختراقات عدة؛ بينها توسيع خطوط التبادل التجاري البديلة، في مواجهة الحصار الغربي، وزيادة نسبة التبادل بالعملات الوطنية في إطار «شنغهاي» و«بريكس» وبشكل ثنائي مع حلفاء «استراتيجيين» مثل الصين، لتصل إلى نحو نصف حجم التجارة الخارجية الروسية. هذا المسار سوف يتواصل بقوة خلال العام الجديد، وتسعى موسكو إلى تعزيز مسار طرق الإمداد البديلة، خصوصاً «ممر شمال - جنوب» بالتعاون مع الصين وإيران وبلدان جنوب القوقاز، وتحسين شروط التبادل التجاري مع حلفائها.

على صعيد السياسة الدولية؛ يعمل الكرملين على تثبيت انحيازه لبلدان «الجنوب» في إطار مواجهة الهيمنة الأميركية على الملفات الإقليمية. وهذا التوجه بدأ يتخذ منحى أوضح مع اندلاع حرب غزة. لذلك تسعى موسكو إلى توسيع التعاون في أفريقيا، وهي هيأت لذلك عبر إعادة ترتيب وجود مجموعات بديلة لـ«فاغنر» في عدد من بلدان القارة؛ مما يؤسس لاستمرار التدخل المباشر في السياسات الداخلية ودعم بعض البلدان في مواجهة الضغوط الغربية.

بالمقياس نفسه؛ تتعامل موسكو مع ظروف تنشيط عمل مجموعة «شنغهاي» ومسار توسيع حضور تكتل «بريكس» في السياسات الإقليمية، على الرغم من أن التباينات الداخلية لدى أعضاء التكتلين شكلت عناصر عرقلة في السنة الماضية، ومثال ذلك التباينات الصينية - الهندية.

قادة «بريكس» خلال اجتماعهم في جوهانسبرغ في أغسطس (أ.ف.ب)

في العلاقة مع الحليف الأبرز الصين، الذي سوف يتحول أكثر خلال عام 2024 إلى الشريك «الأكبر» بعدما كانت موسكو تسعى إلى تكريس الندية في التعامل معه في السابق، تخطط روسيا والصين لإطلاق مشروعات مشتركة في مجالات عدة عام 2024؛ بما في ذلك على صعيد تعزيز تنسيق السياسات الخارجية وتعزيز مسار المشروعات الاستراتيجية المشتركة. من ذلك؛ خطط لمشروعات عملاقة في مجال بناء السفن والتقنيات الشاملة والطاقة الخضراء. علماً بأن الصين باتت تحتل مكان الاتحاد الأوروبي سابقاً شريكاً تجارياً أول. وخلال عام 2023، ارتفع حجم التجارة الثنائية بنسبة 23 في المائة ليصل إلى 201 مليار دولار.

إيران الحليف الاستراتيجي

بين التوجهات الرئيسية للسياسة الروسية في العام الجديد؛ مواصلة تعزيز العلاقة بإيران بصفتها الشريك الإقليمي الأبرز لروسيا. وقد وضع ترسيخ الشراكة في الحرب الأوكرانية، والإمدادات الكبرى التي قدمتها طهران لموسكو خلال العام الماضي، مقدمات للبناء على توسيع هذا التحرك المشترك، وهو ما بدأ يبرز عبر اتفاقات على صناعات مشتركة يجري العمل لتطويرها في المجالين؛ المدني (صناعة السيارات وتجميع طائرات وآليات...)، والعسكري الذي يتعلق بالدرجة الأولى بتطوير التعاون في مجال صناعة المسيّرات ومواصلة العمل على تطوير قطاع الصواريخ الدفاعية. في هذا الإطار يصب أيضاً الحديث عن احتمال تزويد إيران بصفقة طال انتظارها من مقاتلات الجيل الأحدث من «سوخوي».

وتشير تقديرات روسية وإيرانية إلى توجه الطرفين في النصف الأول من 2024 إلى توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية، جديدة وشاملة. جرى العمل على وضع الاتفاقية؛ التي ينتظر أن تنقل العلاقات إلى مستوى نوعي جديد، لمدة عامين، وباتت تنتظر مراسم التوقيع الرسمية بعدما تم التوصل إلى صيغتها النهائية التي تشمل كل مجالات التعاون المستقبلي.

على الصعيد الإقليمي؛ لا يخفي البلدان عزمهما على تعزيز التطابق في وجهات النظر حيال الملفات المطروحة، خصوصاً ما يتعلق بالملف النووي الإيراني، وملف الصراع الدائر في سوريا، الذي ينتظر أيضاً أن يدخل خلال العام المقبل مرحلة جديدة.

سوريا... ساحة صراع متجدد

قادت حرب أوكرانيا، والمواقف التي تبنتها تل أبيب في تقديم دعم صريح لكييف، بالإضافة إلى التداعيات اللاحقة التي سببتها الحرب الدائرة في غزة، إلى تبدل مهم في أولويات روسيا في سوريا.

ظهر ذلك بالدرجة الأولى في انتقال موسكو إلى سياسة أقل حذراً وحساسية تجاه مساعيها السابقة للمحافظة على التوازن الدقيق الذي أقامته بين علاقاتها بإيران من جانب؛ وبإسرائيل من الجانب الآخر. وقد تجلى هذا المسار في ازدياد وتيرة الإدانات الروسية للضربات الإسرائيلية على مواقع إيرانية في سوريا، وفي التراجع عن استعدادات في السابق للتوصل إلى صفقة مع الغرب تقوم على «ضبط الوجود» الإيراني في سوريا، وهو أمر برز عبر لقاءات رؤساء مجالس الأمن القومي في روسيا والولايات المتحدة وإسرائيل، وكذلك عبر تفاهمات سابقة على إبعاد إيران عن مواقع «حساسة» مثل خطوط التماس في الجولان.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال المؤتمر الصحافي في قاعة المعارض غوستيني دفور بوسط موسكو (رويترز)

حالياً؛ مالت موسكو نحو تخفيف التزاماتها في هذا الشأن، ومع حلول نهاية العام نفت موسكو صحة تقارير غربية عن استعداد للوساطة لتجديد اتفاق إبعاد إيران عن الجولان بمسافة 80 كيلومتراً. والأكثر من ذلك؛ تردد تقارير حول تقديم تسهيلات لنقل إمدادات إيرانية عبر المطارات السورية التي تسيطر عليها موسكو بديلاً عن المطارات التي تقصفها إسرائيل دورياً.

يضاف إلى هذا العنصر؛ أن موسكو شجعت بشكل مباشر أو غير مباشر أحياناً على توسيع استهداف القواعد الأميركية في سوريا والعراق.

يتوقع خبراء أن تواصل موسكو تعزيز هذا المسار خلال المرحلة المقبلة، مع ميلها إلى مواصلة الحرص على عدم انزلاق الأمور إلى مواجهة شاملة قد تسفر عن توسيع النطاق الجغرافي لحرب غزة إقليمياً.

يعني ذلك تحول سوريا مجدداً إلى ساحة صراع نشط وإن كان «مضبوطاً» إلى درجة معينة بين الفاعلين الخارجيين، مع توقع أن تتخلى موسكو عن تحركات لضبط الحضور الإيراني في هذا البلد. في الوقت ذاته، وانعكاساً لهذا التطور، يتوقع خبراء أن يشهد العام المقبل تدهوراً أوسع على صعيد غياب مفاعيل التفاهمات الروسية - الإسرائيلية والروسية - الأميركية في مجال «بروتوكولات عدم التصادم»؛ مع المحافظة على الحد الأدنى الذي يمنع وقوع مواجهة مباشرة.


مقالات ذات صلة

«خطة ترمب» للسلام تُربك أوكرانيا

الولايات المتحدة​ دونالد ترمب مستقبلاً زيلينسكي بنيويورك في 27 سبتمبر (رويترز)

«خطة ترمب» للسلام تُربك أوكرانيا

اقترح جيه دي فانس، نائب الرئيس الأميركي المنتخب، أن تُحافظ روسيا على مكاسبها الحالية في الحرب، ضامناً في الوقت نفسه سيادة «بقية أوكرانيا» واستقلالها.

إيلي يوسف (واشنطن)
أوروبا الوسيطة الروسية تاتيانا موسكالكوفا خلال اجتماع مع ممثلي أوكرانيا المعنيين بحقوق الإنسان (قناة تاتيانا موسكالكوفا على تلغرام)

اجتماع نادر بين وسطاء روس وأوكرانيين معنيين بحقوق الإنسان

أعلن وسيطان مكلفان من روسيا وأوكرانيا بملفات حقوق الإنسان، الجمعة، أنهما التقيا في بيلاروسيا لبحث قضايا إنسانية، في اجتماع نادر بين ممثلين للبلدين.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا جندي أوكراني يرتدي جهاز تحكم في طائرة من دون طيار في الجبهة قرب خاركيف (أ.ب)

دراسة: أوروبا تزيد الإنفاق الدفاعي وتعاني من نقص في الجنود

زادت أوروبا الإنفاق على قطاع الدفاع منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، لكن إمكاناتها الدفاعية بما في ذلك القوة البشرية العسكرية ما زالت غير كافية.

«الشرق الأوسط» (براغ)
العالم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يحضر جلسة عامة خلال قمة المجتمع السياسي الأوروبي في ملعب «بوشكاش أرينا» في بودابست... الخميس 7 نوفمبر 2024 (أ.ب)

إردوغان: إنهاء حرب أوكرانيا سهل إذا اعتمد ترمب نهجاً يركز على الحل

قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، اليوم (الجمعة)، إن الحرب في أوكرانيا يمكن أن تنتهي بسهولة إذا اتخذت الإدارة الأميركية بقيادة دونالد ترمب نهجاً يركز على الحل.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
أوروبا رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان يحيي الضيوف عند وصولهم لحضور اجتماع غير رسمي لرؤساء دول أو حكومات الاتحاد الأوروبي في بودابست - المجر - 8 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

أوربان يتوقع إنهاء إدارة ترمب الدعم الأميركي لأوكرانيا

قال رئيس الوزراء المجري إن أوكرانيا خسرت بالفعل الحرب ضد روسيا، مضيفاً أنه يعتقد أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب سينهي الدعم الأميركي لكييف.

«الشرق الأوسط» (بودابست)

طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
TT

طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري

يشكّل قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الركيزة الأساسية لأي حلّ دبلوماسي للحرب الإسرائيلية على لبنان، رغم التصدعات التي أصابته جراء الخروق المتكررة لمضامينه منذ إقراره في شهر أغسطس (آب) 2006. وعلى رغم أن الأحداث المتسارعة تجاوزته وسياسة التدمير التي تنفذها إسرائيل على كامل الأراضي اللبنانية جعلت من الصعب البناء عليه، فإن وزير الخارجية الأسبق طارق متري، تحدث عن «استحالة الاتفاق على قرار بديل عنه بفعل الانقسام الحاد داخل مجلس الأمن الدولي وامتلاك الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حق النقض (الفيتو) لتعطيل أي قرار بديل». وشدد متري على أنه «لا بديل لهذا القرار وإن كان يحتاج إلى مقدمة جديدة وإعادة صياغة».

ثغرات تسهل الخرق

ثمة بنود ملتبسة في هذا القرار الدولي، تسببت بخرقه مراراً من إسرائيل و«حزب الله» على السواء؛ لكون كلّ منهما يفسّر هذه البنود بحسب رؤيته ومصلحته. ومتري هو أحد مهندسي الـ1701 عندما مثَّل لبنان وزيراً للخارجية بالوكالة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وأشار إلى أن «كل قرارات مجلس الأمن يشوبها بعض الغموض، ومن يقرأ 1701 بتأنٍ يتبيّن أنه ينطوي على لهجة قوية، لكن منطوقه يحمل بعض التأويل». وقال متري في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «مشكلة القرار 1701 الأساسية والتي كانت سبباً وراء تفسيره من نواحٍٍ مختلفة، أنه يدعو إلى وقف الأعمال العدائية وليس وقف إطلاق النار، وكذلك شابه الغموض أو عدم الوضوح، خصوصاً في الفقرة (8) التي تتحدث عن ترتيبات أمنية في المنطقة الفاصلة ما بين مجرى نهر الليطاني والخطّ الأزرق وجعلها خالية من المسلحين»، مشيراً إلى أن «هذا القرار صدر تحت الفصل السادس، لكن الالتباس الأكبر الذي شابه عندما تطرق إلى مهمة القوات الدولية (يونيفيل)؛ إذ أطلق يدها باتخاذ الإجراءات الضرورية كافة لمنع أي تواجد عسكري أو ظهور مسلّح غير شرعي كما لو أنه جاء تحت الفصل السابع». ويتابع متري قوله: «لكن للأسف هذه القوات لم تقم بدورها، وبدلاً عن أن تكون قوّة مراقبة وتدخل، باتت هي نفسها تحت المراقبة» (في إشارة إلى تعقبها من قِبل مناصري «حزب الله» واعتراضها).

ظروف صدور القرار

فرضت تطورات حرب يوليو (تموز) 2006 إصدار هذا القرار تحت النار والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل، ولم يخفِ الوزير متري أن «القرار 1701 لم يشبع درساً، وكان همّ كلّ الأطراف الاتفاق على ما يوقف الأعمال العدائية ولو كان ملتبساً». ويقول متري إن القرار «لم يكن ليصدر لو لم تتخذ حكومة لبنان برئاسة فؤاد السنيورة قراراً بإرسال 15 ألف جندي إلى الجنوب. لكن لأسباب متعددة لم يستطع لبنان أن يفي بوعده بإرسال هذا العدد من الجنود، أولاً لعدم توفر الإمكانات وانشغال الجيش بكثير من المهمات بينها حفظ الأمن الداخلي».

صحيح أن القرار الدولي كان عرضة للخرق الدائم وهذا كان موضع تقييم دائم من مجلس الأمن الدولي الذي لطالما حذّر من تجاوزه، لكنه بقي إطاراً ضابطاً للوضع الأمني على طول الخطّ الأزرق الفاصل ما بين لبنان وفلسطين المحتلّة.

جسر دمَّرته حرب 2006 شمال بيروت (غيتي)

وذكّر متري بأن «الفترة التي فصلت إقرار القانون ووقف الأعمال العدائية في عام 2006، وبين 7 أكتوبر (2023) لم يبادر (حزب الله) إلى الاصطدام بأحد، ولم يكن سلاحه ظاهراً كما غابت نشاطاته العسكرية، واعتبر نفسه مطبّقاً للقرار 1701 على النحو المطلوب، في حين أن إسرائيل خرقت السيادة اللبنانية جوّاً آلاف المرات، حتى أنها امتنعت عن إعطاء لبنان خرائط الألغام؛ وهو ما تسبب بسقوط عشرات الضحايا من المدنيين اللبنانيين». كذلك أشار متري إلى أن «دبلوماسيين غربيين تحدثوا عما يشبه الاتفاق الضمني بأن كلّ ما هو غير ظاهر من السلاح جنوبي الليطاني ينسجم القرار مع 1701، وأن (حزب الله) لم يقم بعمليات تخرق الخطّ الأزرق، بل كانت هناك عمليات في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا».

هل ما زال القرار قابلاً للحياة؟

يتردد طارق متري في الإجابة عن مستقبل هذا القرار؛ لأن «النوايا الفعلية لحكومة بنيامين نتنياهو غير واضحة». وسرعان ما يلفت إلى وجود تناقضات كبيرة في السياسة الدولية اليوم، ويقول: «الأميركيون يحذّرون نتنياهو من الغزو البرّي، لكنّ الأخير يزعم أنه يريد القيام بعمليات محدودة لضرب أهداف لـ(حزب الله)، وهذا غير مضمون»، مذكراً بأن «جناح اليمين المتطرف داخل الحكومة الإسرائيلية يدعو لاحتلال جزء من جنوب لبنان، لكنّ هؤلاء قلّة غير مؤثرة؛ لأن القرار في جنوب لبنان ونوعيّة الغزو البرّي تتخذه المؤسسة العسكرية»، متحدثاً عن «وجود إشارات متضاربة، إذ أنه عندما قدّم الأميركيون والفرنسيون ورقتهم لوقف النار، جاء التصعيد الإسرائيلي سريعاً في لبنان». وأضاف: «قبل الانتخابات الرئاسية يفضل الأميركيون ألا تندلع الحرب، وفي الوقت نفسه يغضون النظر عمّا تلحقه إسرائيل من أذى بحق المدنيين اللبنانيين».

سيناريو 2006

وتنطلق مخاوف وزير الخارجية السابق التجارب الإسرائيلية السابقة، قائلاً: «في عام 2006 زعمت إسرائيل أن الغاية من عملياتها في لبنان ضرب (حزب الله)، لكنها دمرت لبنان، واليوم تطبّق السيناريو نفسه، إن كانت لا تزال تحيّد مطار بيروت الدولي عن الاستهداف وتتجنّب تدمير الجسور، والفرنسيون متفهمون لذلك».

آثار القصف الإسرائيلي على بيروت خلال الحرب مع «حزب الله» عام 2006 (رويترز)

وشدد في الوقت نفسه على «مسؤولية لبنان بفتح نافذة دبلوماسية؛ إذ ليس لديه خيار سوى تطبيق القرار 1701 والاستعداد لإرسال الجيش إلى الجنوب». وتابع: «إسرائيل تعرف أن الحكومة اللبنانية ضعيفة وإذا حصلت على التزام لبناني بتطبيق القرار ستطالب بالأكثر».

وفي حين يسود اعتقاد بأن القرار 1701 لم يعد الوثيقة الدولية الصالحة لإنهاء الحرب القائمة على لبنان اليوم، استبعد طارق متري إصدار مجلس الأمن الدولي قراراً بديلاً عنه. ورأى أنه «يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يجدد المطالبة بتنفيذه مع إعادة صياغته ووضع مقدّمة جديدة له». وتحدث عن «استحالة صدور قرار جديد لأن مجلس الأمن الدولي مشلول ولا يمكن إصدار الاتفاق على بديل، لأن الفيتو الأميركي والروسي موجودون ولا إمكانية لقرار آخر». وأكد أن «التقدم الإسرائيلي ميدانياً سيقفل الباب أمام الحلّ الدبلوماسي، أما إذا تمكن (حزب الله) من الصمود أمام التدخل الإسرائيلي فهذا قد يفتح باباً أمام الحلول السياسية».

عاجل «إف.بي.آي» يحبط خطة إيرانية لاستئجار قاتل لاغتيال ترمب (أسوشييتد برس)