دنيس روس يرسم لـ«الشرق الأوسط» الجدول الزمني الأميركي لمستقبل غزة بعد الحرب

اقترح قوة أممية انتقالية على غرار كمبوديا قبل عودة السلطة وإجراء انتخابات

TT

دنيس روس يرسم لـ«الشرق الأوسط» الجدول الزمني الأميركي لمستقبل غزة بعد الحرب

بايدن مع نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل بعد بدء الحرب بعشرة أيام (د.ب.أ)
بايدن مع نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل بعد بدء الحرب بعشرة أيام (د.ب.أ)

يرسم دنيس روس خطاً زمنياً هو الأول من نوعه لما تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقه في غزة بعد انتهاء الحرب: مرحلة انتقالية مؤقتة تمتد من عام إلى عامين بقوة دولية شبيهة بالسلطة الانتقالية للأمم المتحدة في كمبوديا لملء الفراغ بعد انسحاب القوات الإسرائيلية، بالتزامن مع «إصلاح» السلطة الفلسطينية و«تنشيطها» قبل إعادة سيطرتها على القطاع، والشروع في عملية «إعادة إعمار ضخمة» بدعم عربي ودولي، وبطريقة تكفل عدم عودة «حماس» التي «لن يكون للفلسطينيين مستقبل معها»، ثم إجراء انتخابات في غضون 18 شهراً.

روس الدبلوماسي الأميركي الذي اضطلع بدور بارز في تشكيل سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وبخاصة في ما يتعلق بالنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، معروف أنه انخرط بشكل كبير في عملية السلام خلال التسعينات من القرن الماضي، وقام بـ«دور حاسم في المفاوضات التي أفضت إلى توقيع اتفاقات أوسلو عام 1993» التي كانت «خطوة مهمة نحو حل الدولتين»، فضلاً عن أنه كان كبير المفاوضين خلال قمة كامب ديفيد لعام 2000 في عهد الرئيس بيل كلينتون، قبل أن يشغل منصب المنسق الخاص للشرق الأوسط في عهد الرئيس جورج بوش الأب، ثم مستشاراً خاصاً لشؤون الخليج العربي وجنوب غرب آسيا لدى وزيرة الخارجية آنذاك هيلاري كلينتون.

دنيس روس متوسطاً المفاوضين الفلسطيني صائب عريقات والإسرائيلي دان شامرون خلال توقيع اتفاق الحكم الذاتي في سبتمبر 1993... في حضور عرفات ونتنياهو (غيتي)

هجوم بـ«كارثتين»

كان وقْعُ 7 أكتوبر (تشرين الأول) بادياً في كل جوانب الحوار مع دنيس روس. على رغم خبرته الواسعة في شؤون الشرق الأوسط ومنازعاته، لا يخفي أنه فوجيء ليس فقط بـ«جهل» الأجهزة المخابراتية والأمنية بما كانت تخطط له «حماس»، بل أيضاً بـ«الانحلال الأخلاقي» الذي أظهره مقاتلو الحركة خلال هجماتهم ضد المستوطنات والكيبوتزات الإسرائيلية المحيطة بالقطاع. هذا الهجوم «من وجهة نظر شخص يعتقد أن التعايش ممكن» بين الشعبين، قاد إلى «كارثتين»، الأولى في إسرائيل، والأخرى في غزة.

لم يكن عنصر «المفاجأة» هذا سوى مؤشر إلى رد الفعل الاستثنائي الذي عبّرت عنه الولايات المتحدة على كل المستويات تقريباً. يعكس كلام المبعوث الأميركي المقرب للغاية من دوائر صنع القرار لدى إدارة الرئيس جو بايدن، من أي منظور يتابع المسؤولون الكبار في واشنطن، وبينهم الرئيس بايدن نفسه ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جايك سوليفان، والمسؤولون الآخرون في الحزبين الديمقراطي والجمهوري وغيرهم، تطورات الحرب في غزة وتداعياتها. يرسم انطلاقاً منها صورة أوضح للنتائج المتوخاة من الحرب: تدمير «حماس» أولاً، ثم الشروع في مرحلة انتقالية تسبق إعادة غزة بالتزامن مع إعادة إعمارها، إلى سلطة فلسطينية معززة - ولكن منزوعة السلاح، وتنتهي أخيراً بتسوية على أساس حل الدولتين.

رقعة الحرب

الدبلوماسي الذي بدأ عمله في وزارة الخارجية في السبعينات من القرن الماضي، ونشر مجموعة كتب عن عملية السلام، ومنها «العلاقة الأميركية - الإسرائيلية من ترومان إلى أوباما: محكوم عليها بالنجاح» و«الأساطير والأوهام والسلام: إيجاد توجه جديد لأميركا في الشرق الأوسط» (مع خبير معهد واشنطن لعملية السلام ديفيد ماكوفسكي) و«السلام المفقود: القصة الخفية للكفاح من أجل السلام في الشرق الأوسط»، ركز في حواره مع «الشرق الأوسط» على الأبعاد الاستراتيجية للواقع الجديد الذي نشأ بسبب هجوم 7 أكتوبر الماضي.

قرأ روس ما تلا الهجوم من قرارات الحرب إسرائيلياً وأميركياً، في ظل مخاوف من امتداد شراراتها في اتجاهات مختلفة، أقربها بسبب العنف المتصاعد من المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، وارتفاع حدة الاشتباكات بين القوات الإسرائيلية و«حزب الله» بما ينذر بانزلاق يؤدي إلى فتح الجبهة اللبنانية، وربما السورية.

أما أخطرها عربياً فيتصل بمخاوف مشروعة من نيات مبيّتة لتهجير فلسطينيي غزة نحو مصر والأردن، في ما يخشى أن يكون «نكبة ثانية». الأميركيون يتحسّبون خصوصاً لاحتمال تورط إيران في مواجهة مع إسرائيل، في خطوة يمكن أن تقود إلى تدخل مباشر من الولايات المتحدة والدول الكبرى.

«هجوم للإذلال»

يقول دنيس روس، الذي عاين هجمات «حماس» ضد إسرائيل منذ التسعينات إن إيران «لم تكن ربما على علم مسبق» بهجمات «حماس». غير أن ذلك «لا يرفع عنها المسؤولية»؛ لأن الحركة جزء من «محور المقاومة»، الذي يسميه هو «محور البؤس»، مؤكداً أنه لم يتوقع على الإطلاق أن تنفذ الحركة الفلسطينية المتشددة هجوماً كالذي حصل في أكتوبر الماضي؛ لاعتقاده أن «إسرائيل ستكون أفضل استعداداً مما كانت عليه» لأن لديها «مزيجاً من المعلومات الاستخبارية والاستعداد العسكري الذي سيمنع أي شيء من هذا القبيل».

لم يتخيل أن مقاتلي الحركة «سيعذبون الناس قبل أن يقتلوهم» في ما يصفه بأنه «نوع من الانحلال الأخلاقي» الذي برر «احتجاز أكثر من 240 رهينة، بما في ذلك أطفال لا تتجاوز أعمارهم الأشهر التسعة». على رغم أن ماضي الإسرائيليين «حافل بالمآسي»، يسيئه خصوصاً ما يسميه «الاحتفال بالتعذيب» و«الاستمتاع بالقتل» خلال هجوم مقاتلي «حماس» في ما «كان مصمماً للإذلال والتجريد من الإنسانية»، عادّاً أن تلك «كانت كارثة في إسرائيل الآن، ثم كارثة كما نشهد الآن في غزة».

وإذ ينظر إلى ما يحدث الآن، يخلص إلى أن «علينا جميعاً أن نتعامل مع المستقبل ليس بكونه المستقبل الذي نعود فيه إلى 6 أكتوبر 2023»، الواقع «الوحيد الذي من شأنه أن يجعل هذه الكارثة أسوأ». ويتعامل بحذر مع مقولة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن «ما حدث في 7 أكتوبر لم يأت من فراغ»؛ لأنها يمكن أن تشي بأن «ما فعلته (حماس) كان مقبولاً بطريقة أو بأخرى». جوابه هو «لا» الناهية الجازمة. غير أن سؤالاً مثل: «هل يجب أن ينتهي الاحتلال؟»، يقابله الجواب: «نعم، يجب أن ينتهي بطريقة تتفق مع أمن إسرائيل».

بايدن مع نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل بعد بدء الحرب بعشرة أيام (د.ب.أ)

مَن يمثّل الفلسطينيين؟

سيمر الإسرائيليون، في رأي روس الذي اضطلع بدور رئيسي في رسم معالم الدور الأميركي خلال إدارته عملية السلام في عهدي الرئيسين جورج بوش وبيل كلينتون وتيسيره اتفاق أوسلو الثاني لعام 1995، بعملية «حساب سياسي» بسبب 7 أكتوبر، متوقعاً أن يكون «المستقبل السياسي في إسرائيل مختلفاً عما هو اليوم» بالتزامن مع «نقاش بحثي جاد للمرة الأولى حول ما ينبغي أن تكون عليه العلاقة مع الفلسطينيين»؛ لأن الإسرائيليين «لم يناقشوا» اتفاق أوسلو الذي جرى التوصل إليه عبر «قناة سريّة» بإشراف رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحق رابين.

وكذلك كان الأمر عندما قرر رئيس الوزراء السابق أرييل شارون الانسحاب من غزة في سبتمبر (أيلول) 2005. ويرى أن النقاش «يجب أن ينعكس بين الفلسطينيين أيضاً» للرد على التساؤلات: «هل تمثل (حماس) وجهة النظر الفلسطينية؟ أم أن الذين يؤمنون بالعيش المشترك يمثلون وجهة النظر الفلسطينية؟».

حل الدولتين

وإذ يقطع الأمل نهائياً في أي مستقبل للفلسطينيين مع «حماس»؛ لأن «هدفها لا يتعلق بإنهاء الاحتلال»، بل بـ«إنهاء إسرائيل»، يقترح روس «خياراً آخر» يشبه ما حصل «في 1 سبتمبر 1982، بعد حصار تسعة أسابيع من الحصار الإسرائيلي، حين غادر الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات و11 ألفاً من منظمة التحرير الفلسطينية لبنان إلى تونس».

وفي دلالاته على أن «(حماس) ترفض حل الدولتين»، يستعيد كيف كانت الحركة تلجأ إلى التفجيرات لتحول دون «حل الدولتين» حتى في أعقاب اغتيال رابين، حين أعلن «الفلسطينيون الحداد أيضاً؛ مما أوجد رابطة حقيقية في عيون الإسرائيليين».

ويحذّر من أنه «إذا خرجت (حماس) من هذه الحرب وكأنها انتصرت»، سيندفع الإسرائيليون إلى مواقف أكثر تشدداً وسيبنون الجدران أعلى وأعلى»، ملاحظاً أن محادثاته مع المسؤولين العرب الآن «تشي باستعداد للقيام بعمل عملي لصالح الفلسطينيين أكثر مما رأيته من قبل»، إن لجهة إعادة إعمار غزة، أو لجهة «إصلاح» السلطة الفلسطينية.

وإذ يدعو إلى «معالجة» كل المسائل في سياق «عملية جامعة»، يرى أن «المرحلة الأولى من إعادة بناء غزة يجب أن تضمن عدم إعادة تسليحها». أما الثانية، فتشمل «إعادة صوغ وتنشيط السلطة الفلسطينية» في ما يمكن أن يستمر «سنة أو سنتين»، مشدداً على دور الدول العربية في إيجاد «أفق سياسي» لكي «يكون هناك إحساس بماهية نقطة النهاية بين الإسرائيليين والفلسطينيين».

ويرى أن الدور الأميركي سيكون «تحديد الوجهة السياسية: دولتان لشعبين» تحت شعار «إنهاء الاحتلال بما يتوافق مع الحاجات الأمنية الإسرائيلية»، ومعالجة ما يحتاج إليه الفلسطينيون، وهو «معرفة أنه ستكون هناك نهاية للاحتلال»؛ لأن «(أوسلو) فشل لأنه لم ينه الاحتلال».

جداول زمنية

يعرف دنيس روس، أنه «يتعين علينا أن نتجاوز العنف» قبل القيام بأي أمر آخر لوضع «اللبنات الأساسية»، وأولها اللبنة المتعلقة بطبيعة «الإدارة في غزة» قبل عودة السلطة الفلسطينية، وهي «إدارة مؤقتة تحت مظلة دولية، يفضّل أن تكون بتفويض من الأمم المتحدة»، موضحاً أنها ستكون «إدارة مدنية يدير فيها التكنوقراط الفلسطينيون الواقع اليومي في غزة» من غير أن تكون «واجهة لـ(حماس)»، وفي ظل «قوة مختلطة، قوة شرطة أكثر من أي شيء آخر تساعد على ضمان القانون والنظام»، مع إعداد «برنامج إعادة إعمار ضخم مع آلية لضمان أن المواد تذهب إلى الغرض المقصود»، على أن يكون «مرتبطاً بنزع السلاح وعدم إعادة التسلح داخل غزة». ويلي ذلك خطوة إجراء الانتخابات في غزة والضفة الغربية «في غضون 18 شهراً».

لا ينظر دنيس روس بإعجاب إلى تجربة الأمم المتحدة في لبنان، حيث أخفق قرار مجلس الأمن الرقم 1701 لعام 2006 في تحقيق الغاية المتوخاة منه، وهو «منع إعادة تسليح (حزب الله)» و«منع أي وجود لـ(حزب الله) في الجنوب»، حيث منطقة عمليات القوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان (اليونيفيل).

وهو يدعو عملياً إلى الإفادة من «تجربة الأمم المتحدة في كمبوديا بعد الخمير الحمر» عندما أنشئت «إدارة انتقالية جادة تحت تفويض الأمم المتحدة، وأدارتها بقوات جادة ذات صدقية» بهدف «إعطاء الفلسطينيين فرصة في المستقبل». ويحذر من أنه إذا بقيت «حماس» في السلطة و«تمكنت من القتل واتخاذ القرار في غزة، فلن يكون هناك مستقبل للفلسطينيين في غزة».

ويستدرك أن «على إسرائيل أن تنسحب، لكنها لا تستطيع أن تنسحب وتترك فراغاً. لذلك؛ يجب أن يأتي طرف ما ويملأه»، واصفاً السلطة الفلسطينية بأنها «ليست ذات صدقية»، بالإضافة إلى أنها «لا تريد أن تأتي (إلى غزة) على ظهر الدبابات الإسرائيلية». ويكرر أن «إدارة مفوضة دولياً لفترة انتقالية» ستكون مخصصة «لمساعدة الفلسطينيين. لا لخدمة الأغراض الإسرائيلية».

مستقبل غزة

على رغم الصورة القاتمة اليوم، يريد دنيس روس أن «يكون هناك مستقبل مفعم بالأمل لغزة... وألا تُفصل عن الضفة الغربية»، مبدياً كل العجب عندما يسأله البعض: «هل هناك حل الدول الثلاث؟». لكنه يستعجل الجواب: «هناك حل الدولتين» استناداً إلى «عملية إعادة إعمار واسعة النطاق مع نزع السلاح» بشرط ألا يكون مجرد شعار، بعدما «نجحت إسرائيل في تدمير معظم البنية التحتية العسكرية التي كانت (حماس) تبنيها».

ويؤكد أنه «بسبب (حزب الله) وبسبب إيران، كانوا يصنعون طائراتهم من دون طيار. إنهم يصنعون قذائف الهاون الخاصة بهم، ويصنعون صواريخهم الخاصة»، محذراً من أن بقاء «حماس» يعني إعادة بناء هذه القدرات العسكرية، وبالتالي فإن «المانحين الذين يستثمرون بشكل كبير في غزة» لن يفعلوا ذلك «إذا علموا أن (حماس) ستفعل ذلك مرة أخرى».

وإذ يشدد أخيراً على أن «(حماس) ليست الفلسطينيين»، فهؤلاء «يريدون التعايش» مع الإسرائيليين، الذين ينبغي أن «يرسلوا تلك الإشارات أيضاً». ولعل هذا الرد الأبرز على من يسأل عما إذا كانت «حياة اليهود البيض» أهم أو أغلى في الغرب من حياة الفلسطينيين العرب. هذا واحدة من رسائل دنيس روس، المولود لأم يهودية، مذكراً بأن «غالبية الإسرائيليين يأتون من الشرق الأوسط. وهم يهود من العالم العربي» وبأن الرئيس بايدن والوزير بلينكن «يؤكدان على ضرورة بذل المزيد من الجهد لحماية حياة الفلسطينيين وتلبية حاجاتهم الإنسانية».


مقالات ذات صلة

«الجهاد الإسلامي» تنشر فيديو لأحد الأسرى الإسرائيليين

المشرق العربي أرشيفية لمجموعة من المقاتلين التابعين لـ«سرايا القدس» في غزة (إ.ب.أ)

«الجهاد الإسلامي» تنشر فيديو لأحد الأسرى الإسرائيليين

نشرت «سرايا القدس»، الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي»، الأربعاء، مقطع فيديو يُظهر شخصاً قدّم نفسه على أنه أحد الرهائن الإسرائيليين في قطاع غزة

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي بلينكن: نحتاج إلى هُدَنٍ حقيقية وممتدة في غزة ليتسنى وصول المساعدات الإنسانية

بلينكن: نحتاج إلى هُدَنٍ حقيقية وممتدة في غزة

قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، للصحافيين، اليوم (الأربعاء)، إن الولايات المتحدة تريد هُدَنَاً حقيقية وممتدة في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي دخان يتصاعد من الضاحية الجنوبية لبيروت بعد قصف إسرائيلي اليوم (ا,ف,ب)

غارة إسرائيلية تستهدف الضاحية الجنوبية لبيروت بعد إنذار بالإخلاء

استهدفت غارة إسرائيلية، ليل الثلاثاء-الأربعاء، الضاحية الجنوبية لبيروت بعد إنذار اسرائيلي بالإخلاء في أحد أحياء المنطقة، كما أظهرت لقطات بثّ مباشر.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي فلسطينيون يتجمعون على أنقاض مبنى دمرته غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة 12 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة تندد بـ«أعمال تذكّر بأخطر الجرائم الدولية» في قطاع غزة

ندّدت مسؤولة أممية رفيعة، الثلاثاء، بـ«وحشية يومية» تواجه سكان قطاع غزة المحاصر، الذي تقصفه إسرائيل، واصفة ما يجري هناك بـ«أعمال تذكّر بأخطر الجرائم الدولية».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الولايات المتحدة​ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أرشيفية - رويترز)

واشنطن: بلينكن أكد لإسرائيل أهمية تحسين الوضع الإنساني بغزة

قالت وزارة الخارجية الأميركية إن الوزير أنتوني بلينكن شدد على أهمية تحسين الوضع الإنساني في غزة خلال اجتماع مع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

السلطة الفلسطينية... تكون أو لا تكون

حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
TT

السلطة الفلسطينية... تكون أو لا تكون

حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)

حين أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه سيتوّجه إلى غزة في خضّم الحرب المسعورة التي تشنها إسرائيل، كان يعرف أكثر من غيره أنها خطوة شبه مستحيلة، لكنه أراد إطلاق رسائله الخاصة، وأهمها على الإطلاق أن السلطة الفلسطينية «موجودة»، وهي «صاحبة الولاية» على الأراضي الفلسطينية،

سواء في غزة التي تئن تحت وطأة حرب مدمّرة، وتضع لها إسرائيل خططاً شتى لما تسميه «اليوم التالي»، من غير أن تأخذ السلطة بالحسبان، أو الضفة الغربية التي ترزح تحت وطأة حرب أخرى، تستهدف من بين ما تستهدف تفكيك السلطة.

وبعد عام على الحرب الأكثر مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية، تخوض السلطة أصعب معركة عرفتها يوماً، وهي معركة «البقاء».

ولم تقتصر رسائل عباس على إسرائيل وحدها، بل شملت أولاً الولايات المتحدة التي انخرطت في نقاشات واسعة مع إسرائيل حول احتمالات انهيار السلطة، وراحت تتحدث عن سلطة متجددة، وثانياً، دولاً إقليمية وعربية تناقش مستقبل السلطة وشكل الهيئة التي يفترض أن تحكم قطاع غزة بعد الحرب، وأخيراً الفصائل الفلسطينية التي تهاجم و«تزايد» على السلطة، وترى أنها غير جديرة بحكم غزة، وتدفع باتجاه حلها.

الأيام الأصعب منذ 30 عاماً

تعيش السلطة الفلسطينية، اليوم، واحدة من أسوأ مراحلها على الإطلاق منذ تأسست قبل 30 عاماً.

فبعدما تقلصت المساحات التي تسيطر عليها في الأراضي الفلسطينية، وفيما هي تكابد بلا انتخابات رئاسية، وبلا مجلس تشريعي، أو أفق سياسي واقتصادي، وبالتزامن مع أزمة مالية خانقة، وأخرى أمنية، ومشاكل داخلية لا تحصى، وجدت هذه السلطة نفسها في مواجهة «طوفان» جديد؛ طوفان تغذيه أكثر حكومة يمينية تشن هجوماً منظماً وممنهجاً ضدها، وضد شعبها، وفيه كثير من المس بهيبتها وبرنامجها السياسي ووظيفتها، إلى الحد الذي يرتفع فيه السؤال حول إمكانية نجاتها أصلاً في الضفة، قبل أن تعود لتحكم غزة ثانية.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال كلمته في الأمم المتحدة بنيويورك (إ.ب.أ)

وبين الفينة والأخرى يتردد سؤال معقد بعض الشيء، ويبدو منطقياً أحياناً، وغير بريء أحياناً أخرى، وهو: لماذا لا تحل السلطة نفسها؟

هذا سؤال يبرز اليوم مجدداً، مع توسيع إسرائيل حربها ضد الفلسطينيين في الضفة وغزة، وإن كان في صيغة مختلفة كالقول: لماذا لا تسلم السلطة المفاتيح لإسرائيل، وتزيد عليها الضغوط؟

الأكيد أن السلطة لا تُخطط لحل نفسها، وهذا ينطلق من «قناعة وطنية» بأنها وجدت لنقل الفلسطينيين من المرحلة الانتقالية إلى إقامة الدولة، وأنها لا تعمل وكيلاً لدى لاحتلال.

ويعرف المسؤولون الفلسطينيون أنه لطالما أرادت إسرائيل أن تجعل السلطة وكيلاً أمنياً لها، لكنهم يقولون في العلن والسر، إنهم ليسوا قوات «لحد» اللبنانية، وإنما هم في مواجهة مفتوحة لإنهاء الاحتلال، وهذا سبب الحرب التي تشنّها تل أبيب على السلطة سياسياً وأمنياً ومالياً.

وفي حديث مع «الشرق الأوسط»، قال توفيق الطيراوي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومسؤول جهاز المخابرات السابق: «إن السلطة لا تنهار لأنها نتاج طبيعي لنضال طويل للثورة الفلسطينية، وستبقى حتى إقامة الدولة».

هل هو قرار فلسطيني وحسب؟

ربما يرتبط ذلك أكثر بما ستؤول إليه الحرب الحالية الآخذة في الاتساع، وهي حرب يتضح أنها غيّرت في عقلية الإسرائيليين قبل الفلسطينيين، وفي نهج وسلوك وتطلعات الطرفين، وماضية نحو تغيير وجه الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يمتنع حتى الآن عن وضع خطة واضحة لما بعد الحرب، لا في الضفة ولا في غزة، يجاهر أركان حكومته وحلفاؤه بما سيأتي، وهي خطة على الأقل واضحة جداً في الضفة الغربية، وتقوم على تغيير الواقع والتخلُّص من السلطة وإجهاض فكرة إقامة الدولة.

وقد بدأ الانقلاب على السلطة بوضوح بعد شهرين فقط من بدء الحرب على القطاع، نهاية العام الماضي، عندما خرج نتنياهو ليقول إن جيشه يستعد لقتال محتمل مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهي تصريحات فهمتها الرئاسة الفلسطينية فوراً، قائلة إنها تعبر عن نياته المبيتة لاستكمال الحرب على الفلسطينيين من خلال السلطة بعد «حماس»، وفي الضفة بعد غزة.

تصريحات نتنياهو التي جاءت في جلسة للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، أعقبها توضيح بالغ الأهمية من نتنياهو ومفاده أن «الفارق بين السلطة و(حماس) هو أن الأخيرة تريد إبادتنا حالاً، أما السلطة فتخطط لتنفيذ ذلك على مراحل».

فلسطينيون في وقفة احتجاجية في مدينة رام الله بالضفة الغربية الثلاثاء طالبوا بالإفراج عن جثامين أسراهم في سجون إسرائيل (أ.ف.ب)

ويفسر هذا الفهم لماذا عَدّ نتنياهو أن اتفاق «أوسلو» كان خطأ إسرائيل الكبير، موضحاً أن «السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية و(حماس) في غزة يريدان تدمير إسرائيل... طرف يقول ذلك صراحة، والآخر يفعل ذلك من خلال التعليم والمحكمة الجنائية الدولية».

وهجوم نتنياهو على السلطة ليس جديداً، لكنه الأوضح الذي يكشف جزءاً من خطته القائمة على تقويض السلطة. ومنذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تتعامل إسرائيل مع السلطة كأنها غير موجودة.

الضفة مثل غزة ولبنان

وصعّدت إسرائيل في الضفة الغربية منذ بدء الحرب في قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي، وقتلت أكثر من 720 فلسطينياً، في هجمات متفرقة، تميّزت بإعادة استخدام الطائرات في عمليات اغتيال، وتنفيذ عمليات واسعة.

وكان لافتاً أن التصعيد في الضفة كان مبادرة إسرائيلية، إذ هاجم الجيش مدناً ومخيمات وبلدات، وراح يقتل الفلسطينيين قصفاً بالطائرات ويعتقلهم، كما يدمر البنى التحتية، مستثيراً الجبهة الضفَّاوية، بحجة ردع جبهة ثالثة محتملة.

اليوم لا تكتفي إسرائيل بالمبادرة، بل تريد أن تجعل الضفة أحد أهداف الحرب، مثل غزة ولبنان. ولم يتردد وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير، بالقول إن الحرب التي تخوضها إسرائيل «ليست فقط ضد غزة وضد (حزب الله) اللبناني، بل هي أيضاً في الضفة»، مؤكداً أنه طلب من رئيس الوزراء أن يدرج ضمن أهداف الحرب تحقيق النصر في الضفة أيضاً.

لكن لماذا تخشى إسرائيل الضفة إلى هذه الدرجة؟ يقول مسؤول فلسطيني -فضّل عدم الكشف عن اسمه- لـ«الشرق الأوسط»: «إنهم يستهدفون الضفة لضرب المشروع الوطني الفلسطيني، ويسعون إلى تقويض السلطة».

وأضاف: «يصعّدون هنا حتى يثبتوا للفلسطينيين أن السلطة ضعيفة وواهنة ولا تحميهم، ويجب أن ترحل، لأنها غير جديرة بهم».

قوات إسرائيلية خلال عملية اقتحام لمخيم فلسطيني قرب رام الله بالضفة مارس الماضي (أ.ف.ب)

وخلال الأسابيع القليلة الماضية فقط، حذّرت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من أن الوضع الأمني في الضفة قد يتطور إلى انتفاضة؛ ولذلك دفع الجيش بـ3 كتائب احتياط إلى الضفة، لأهداف «تشغيلية ودفاعية» على ما قال، وللقيام بمهام «عملياتية».

وجاء القرار الذي تحدّث عن تعزيز الدفاع، وسط تصاعد الصراع في المنطقة وقبيل ذكرى السابع من أكتوبر، لكن إذا كانت هذه خطة الحكومة الإسرائيلية، فيبقى من السابق لأوانه معرفة إن كانت نجحت في مهمتها أم لا.

يكفي لجولة صغيرة على مواقع التواصل الاجتماعي أن تشير إلى أن السلطة في وضع لا تحسد عليه. فهي عاجزة عن خلق أفق سياسي وأفق اقتصادي وتوفير الأمن، وأساسيات أخرى من بينها رواتب الموظفين للعام الثاني على التوالي.

واليوم، الجميع على المحك في مواجهة حرب ممنهجة، تسعى إلى تغيير الواقع مرة وإلى الأبد.

خطة قديمة جديدة

كان الوزير الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموترتيش، واضحاً عندما قال إنه لا يفعل شيئاً سرياً، وهو يعمل ضد السلطة في الضفة، ويسعى لمنع إقامة دولة.

وتعهد سموتريتش نهاية الشهر الماضي، بأن تكون «مهمة حياته» إحباط قيام دولة فلسطينية، وكتب في منشور على منصة «إكس»: «أخذت على عاتقي، إضافة إلى منصب وزير المالية، مسؤولية القضايا المدنية في يهودا والسامرة (الضفة)».

وأضاف: «سأواصل العمل بكل قوتي حتى يتمتع نصف مليون مستوطن موجودين في الضفة بحقوق كل مواطن في إسرائيل وإثبات الحقائق على الأرض، التي تمنع قيام دولة إرهابية فلسطينية يمكن أن تكون قاعدة إيرانية أمامية للمجزرة المقبلة».

فلسطينيون يحتفلون فوق صاروخ إيراني صقط في رام الله (أ.ف.ب)

وكان تسجيل مسرب لسموتريتش قبل شهرين فضح خطة حكومية رسمية لفرض السيطرة الإسرائيلية المدنية على الضفة الغربية، قال خلاله الوزير المسؤول عن الإدارة المدنية الإسرائيلية، إن الحكومة منخرطة في جهود سرية لتغيير الطريقة التي تحكم فيها إسرائيل الضفة الغربية.

وخطة سموترتيش الماضية، ستعني حتماً تفكيك السلطة، لكن المحلل السياسي محمد هواش يرى أن العالم لن يسمح بذلك.

وقال هواش لـ«الشرق الأوسط»: «إن السلطة مرتبطة بالمشروع القائم على إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية، وهذا جزء من تسوية دولية. مشروع دولي بالأساس، وهناك حتى الآن رعاية دولية له، ومن الصعب التراجع عنه».

وأضاف هواش: «التراجع يعني إعادة الاحتلال، وهذا غير مقبول فلسطينياً ودولياً، وإسرائيل لن تقبل، لأنها ستذهب إلى دولة واحدة ونظام (أبرتهايد)».

وتابع هواش: «لا توجد مصلحة لإسرائيل بإنهاء السلطة بالكامل، بل في إضعافها حتى تتوقف مطالبها بإنهاء الاحتلال، وتغير العلاقة مع إسرائيل». وحذر من أن «إسرائيل ستتحمل العبء الأكبر من غياب عنوان سياسي للشعب الفلسطيني».

الثابت الوحيد اليوم أنه لا أحد يملك وصفة سحرية، سواء أذهبت السلطة أم بقيت، قويت «حماس» أم ضعفت، امتدت الحرب أم انتهت، تطرفت إسرائيل أكثر أم تعقّلت، سيظل يوم السابع من أكتوبر شاهداً على أن الطريق الأقصر للأمن والاستقرار هو بصنع السلام، وليس بطائرات حربية ومدافع ورشاشات.