دنيس روس يرسم لـ«الشرق الأوسط» الجدول الزمني الأميركي لمستقبل غزة بعد الحرب

اقترح قوة أممية انتقالية على غرار كمبوديا قبل عودة السلطة وإجراء انتخابات

TT

دنيس روس يرسم لـ«الشرق الأوسط» الجدول الزمني الأميركي لمستقبل غزة بعد الحرب

بايدن مع نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل بعد بدء الحرب بعشرة أيام (د.ب.أ)
بايدن مع نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل بعد بدء الحرب بعشرة أيام (د.ب.أ)

يرسم دنيس روس خطاً زمنياً هو الأول من نوعه لما تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقه في غزة بعد انتهاء الحرب: مرحلة انتقالية مؤقتة تمتد من عام إلى عامين بقوة دولية شبيهة بالسلطة الانتقالية للأمم المتحدة في كمبوديا لملء الفراغ بعد انسحاب القوات الإسرائيلية، بالتزامن مع «إصلاح» السلطة الفلسطينية و«تنشيطها» قبل إعادة سيطرتها على القطاع، والشروع في عملية «إعادة إعمار ضخمة» بدعم عربي ودولي، وبطريقة تكفل عدم عودة «حماس» التي «لن يكون للفلسطينيين مستقبل معها»، ثم إجراء انتخابات في غضون 18 شهراً.

روس الدبلوماسي الأميركي الذي اضطلع بدور بارز في تشكيل سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وبخاصة في ما يتعلق بالنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، معروف أنه انخرط بشكل كبير في عملية السلام خلال التسعينات من القرن الماضي، وقام بـ«دور حاسم في المفاوضات التي أفضت إلى توقيع اتفاقات أوسلو عام 1993» التي كانت «خطوة مهمة نحو حل الدولتين»، فضلاً عن أنه كان كبير المفاوضين خلال قمة كامب ديفيد لعام 2000 في عهد الرئيس بيل كلينتون، قبل أن يشغل منصب المنسق الخاص للشرق الأوسط في عهد الرئيس جورج بوش الأب، ثم مستشاراً خاصاً لشؤون الخليج العربي وجنوب غرب آسيا لدى وزيرة الخارجية آنذاك هيلاري كلينتون.

دنيس روس متوسطاً المفاوضين الفلسطيني صائب عريقات والإسرائيلي دان شامرون خلال توقيع اتفاق الحكم الذاتي في سبتمبر 1993... في حضور عرفات ونتنياهو (غيتي)

هجوم بـ«كارثتين»

كان وقْعُ 7 أكتوبر (تشرين الأول) بادياً في كل جوانب الحوار مع دنيس روس. على رغم خبرته الواسعة في شؤون الشرق الأوسط ومنازعاته، لا يخفي أنه فوجيء ليس فقط بـ«جهل» الأجهزة المخابراتية والأمنية بما كانت تخطط له «حماس»، بل أيضاً بـ«الانحلال الأخلاقي» الذي أظهره مقاتلو الحركة خلال هجماتهم ضد المستوطنات والكيبوتزات الإسرائيلية المحيطة بالقطاع. هذا الهجوم «من وجهة نظر شخص يعتقد أن التعايش ممكن» بين الشعبين، قاد إلى «كارثتين»، الأولى في إسرائيل، والأخرى في غزة.

لم يكن عنصر «المفاجأة» هذا سوى مؤشر إلى رد الفعل الاستثنائي الذي عبّرت عنه الولايات المتحدة على كل المستويات تقريباً. يعكس كلام المبعوث الأميركي المقرب للغاية من دوائر صنع القرار لدى إدارة الرئيس جو بايدن، من أي منظور يتابع المسؤولون الكبار في واشنطن، وبينهم الرئيس بايدن نفسه ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جايك سوليفان، والمسؤولون الآخرون في الحزبين الديمقراطي والجمهوري وغيرهم، تطورات الحرب في غزة وتداعياتها. يرسم انطلاقاً منها صورة أوضح للنتائج المتوخاة من الحرب: تدمير «حماس» أولاً، ثم الشروع في مرحلة انتقالية تسبق إعادة غزة بالتزامن مع إعادة إعمارها، إلى سلطة فلسطينية معززة - ولكن منزوعة السلاح، وتنتهي أخيراً بتسوية على أساس حل الدولتين.

رقعة الحرب

الدبلوماسي الذي بدأ عمله في وزارة الخارجية في السبعينات من القرن الماضي، ونشر مجموعة كتب عن عملية السلام، ومنها «العلاقة الأميركية - الإسرائيلية من ترومان إلى أوباما: محكوم عليها بالنجاح» و«الأساطير والأوهام والسلام: إيجاد توجه جديد لأميركا في الشرق الأوسط» (مع خبير معهد واشنطن لعملية السلام ديفيد ماكوفسكي) و«السلام المفقود: القصة الخفية للكفاح من أجل السلام في الشرق الأوسط»، ركز في حواره مع «الشرق الأوسط» على الأبعاد الاستراتيجية للواقع الجديد الذي نشأ بسبب هجوم 7 أكتوبر الماضي.

قرأ روس ما تلا الهجوم من قرارات الحرب إسرائيلياً وأميركياً، في ظل مخاوف من امتداد شراراتها في اتجاهات مختلفة، أقربها بسبب العنف المتصاعد من المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، وارتفاع حدة الاشتباكات بين القوات الإسرائيلية و«حزب الله» بما ينذر بانزلاق يؤدي إلى فتح الجبهة اللبنانية، وربما السورية.

أما أخطرها عربياً فيتصل بمخاوف مشروعة من نيات مبيّتة لتهجير فلسطينيي غزة نحو مصر والأردن، في ما يخشى أن يكون «نكبة ثانية». الأميركيون يتحسّبون خصوصاً لاحتمال تورط إيران في مواجهة مع إسرائيل، في خطوة يمكن أن تقود إلى تدخل مباشر من الولايات المتحدة والدول الكبرى.

«هجوم للإذلال»

يقول دنيس روس، الذي عاين هجمات «حماس» ضد إسرائيل منذ التسعينات إن إيران «لم تكن ربما على علم مسبق» بهجمات «حماس». غير أن ذلك «لا يرفع عنها المسؤولية»؛ لأن الحركة جزء من «محور المقاومة»، الذي يسميه هو «محور البؤس»، مؤكداً أنه لم يتوقع على الإطلاق أن تنفذ الحركة الفلسطينية المتشددة هجوماً كالذي حصل في أكتوبر الماضي؛ لاعتقاده أن «إسرائيل ستكون أفضل استعداداً مما كانت عليه» لأن لديها «مزيجاً من المعلومات الاستخبارية والاستعداد العسكري الذي سيمنع أي شيء من هذا القبيل».

لم يتخيل أن مقاتلي الحركة «سيعذبون الناس قبل أن يقتلوهم» في ما يصفه بأنه «نوع من الانحلال الأخلاقي» الذي برر «احتجاز أكثر من 240 رهينة، بما في ذلك أطفال لا تتجاوز أعمارهم الأشهر التسعة». على رغم أن ماضي الإسرائيليين «حافل بالمآسي»، يسيئه خصوصاً ما يسميه «الاحتفال بالتعذيب» و«الاستمتاع بالقتل» خلال هجوم مقاتلي «حماس» في ما «كان مصمماً للإذلال والتجريد من الإنسانية»، عادّاً أن تلك «كانت كارثة في إسرائيل الآن، ثم كارثة كما نشهد الآن في غزة».

وإذ ينظر إلى ما يحدث الآن، يخلص إلى أن «علينا جميعاً أن نتعامل مع المستقبل ليس بكونه المستقبل الذي نعود فيه إلى 6 أكتوبر 2023»، الواقع «الوحيد الذي من شأنه أن يجعل هذه الكارثة أسوأ». ويتعامل بحذر مع مقولة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن «ما حدث في 7 أكتوبر لم يأت من فراغ»؛ لأنها يمكن أن تشي بأن «ما فعلته (حماس) كان مقبولاً بطريقة أو بأخرى». جوابه هو «لا» الناهية الجازمة. غير أن سؤالاً مثل: «هل يجب أن ينتهي الاحتلال؟»، يقابله الجواب: «نعم، يجب أن ينتهي بطريقة تتفق مع أمن إسرائيل».

بايدن مع نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل بعد بدء الحرب بعشرة أيام (د.ب.أ)

مَن يمثّل الفلسطينيين؟

سيمر الإسرائيليون، في رأي روس الذي اضطلع بدور رئيسي في رسم معالم الدور الأميركي خلال إدارته عملية السلام في عهدي الرئيسين جورج بوش وبيل كلينتون وتيسيره اتفاق أوسلو الثاني لعام 1995، بعملية «حساب سياسي» بسبب 7 أكتوبر، متوقعاً أن يكون «المستقبل السياسي في إسرائيل مختلفاً عما هو اليوم» بالتزامن مع «نقاش بحثي جاد للمرة الأولى حول ما ينبغي أن تكون عليه العلاقة مع الفلسطينيين»؛ لأن الإسرائيليين «لم يناقشوا» اتفاق أوسلو الذي جرى التوصل إليه عبر «قناة سريّة» بإشراف رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحق رابين.

وكذلك كان الأمر عندما قرر رئيس الوزراء السابق أرييل شارون الانسحاب من غزة في سبتمبر (أيلول) 2005. ويرى أن النقاش «يجب أن ينعكس بين الفلسطينيين أيضاً» للرد على التساؤلات: «هل تمثل (حماس) وجهة النظر الفلسطينية؟ أم أن الذين يؤمنون بالعيش المشترك يمثلون وجهة النظر الفلسطينية؟».

حل الدولتين

وإذ يقطع الأمل نهائياً في أي مستقبل للفلسطينيين مع «حماس»؛ لأن «هدفها لا يتعلق بإنهاء الاحتلال»، بل بـ«إنهاء إسرائيل»، يقترح روس «خياراً آخر» يشبه ما حصل «في 1 سبتمبر 1982، بعد حصار تسعة أسابيع من الحصار الإسرائيلي، حين غادر الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات و11 ألفاً من منظمة التحرير الفلسطينية لبنان إلى تونس».

وفي دلالاته على أن «(حماس) ترفض حل الدولتين»، يستعيد كيف كانت الحركة تلجأ إلى التفجيرات لتحول دون «حل الدولتين» حتى في أعقاب اغتيال رابين، حين أعلن «الفلسطينيون الحداد أيضاً؛ مما أوجد رابطة حقيقية في عيون الإسرائيليين».

ويحذّر من أنه «إذا خرجت (حماس) من هذه الحرب وكأنها انتصرت»، سيندفع الإسرائيليون إلى مواقف أكثر تشدداً وسيبنون الجدران أعلى وأعلى»، ملاحظاً أن محادثاته مع المسؤولين العرب الآن «تشي باستعداد للقيام بعمل عملي لصالح الفلسطينيين أكثر مما رأيته من قبل»، إن لجهة إعادة إعمار غزة، أو لجهة «إصلاح» السلطة الفلسطينية.

وإذ يدعو إلى «معالجة» كل المسائل في سياق «عملية جامعة»، يرى أن «المرحلة الأولى من إعادة بناء غزة يجب أن تضمن عدم إعادة تسليحها». أما الثانية، فتشمل «إعادة صوغ وتنشيط السلطة الفلسطينية» في ما يمكن أن يستمر «سنة أو سنتين»، مشدداً على دور الدول العربية في إيجاد «أفق سياسي» لكي «يكون هناك إحساس بماهية نقطة النهاية بين الإسرائيليين والفلسطينيين».

ويرى أن الدور الأميركي سيكون «تحديد الوجهة السياسية: دولتان لشعبين» تحت شعار «إنهاء الاحتلال بما يتوافق مع الحاجات الأمنية الإسرائيلية»، ومعالجة ما يحتاج إليه الفلسطينيون، وهو «معرفة أنه ستكون هناك نهاية للاحتلال»؛ لأن «(أوسلو) فشل لأنه لم ينه الاحتلال».

جداول زمنية

يعرف دنيس روس، أنه «يتعين علينا أن نتجاوز العنف» قبل القيام بأي أمر آخر لوضع «اللبنات الأساسية»، وأولها اللبنة المتعلقة بطبيعة «الإدارة في غزة» قبل عودة السلطة الفلسطينية، وهي «إدارة مؤقتة تحت مظلة دولية، يفضّل أن تكون بتفويض من الأمم المتحدة»، موضحاً أنها ستكون «إدارة مدنية يدير فيها التكنوقراط الفلسطينيون الواقع اليومي في غزة» من غير أن تكون «واجهة لـ(حماس)»، وفي ظل «قوة مختلطة، قوة شرطة أكثر من أي شيء آخر تساعد على ضمان القانون والنظام»، مع إعداد «برنامج إعادة إعمار ضخم مع آلية لضمان أن المواد تذهب إلى الغرض المقصود»، على أن يكون «مرتبطاً بنزع السلاح وعدم إعادة التسلح داخل غزة». ويلي ذلك خطوة إجراء الانتخابات في غزة والضفة الغربية «في غضون 18 شهراً».

لا ينظر دنيس روس بإعجاب إلى تجربة الأمم المتحدة في لبنان، حيث أخفق قرار مجلس الأمن الرقم 1701 لعام 2006 في تحقيق الغاية المتوخاة منه، وهو «منع إعادة تسليح (حزب الله)» و«منع أي وجود لـ(حزب الله) في الجنوب»، حيث منطقة عمليات القوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان (اليونيفيل).

وهو يدعو عملياً إلى الإفادة من «تجربة الأمم المتحدة في كمبوديا بعد الخمير الحمر» عندما أنشئت «إدارة انتقالية جادة تحت تفويض الأمم المتحدة، وأدارتها بقوات جادة ذات صدقية» بهدف «إعطاء الفلسطينيين فرصة في المستقبل». ويحذر من أنه إذا بقيت «حماس» في السلطة و«تمكنت من القتل واتخاذ القرار في غزة، فلن يكون هناك مستقبل للفلسطينيين في غزة».

ويستدرك أن «على إسرائيل أن تنسحب، لكنها لا تستطيع أن تنسحب وتترك فراغاً. لذلك؛ يجب أن يأتي طرف ما ويملأه»، واصفاً السلطة الفلسطينية بأنها «ليست ذات صدقية»، بالإضافة إلى أنها «لا تريد أن تأتي (إلى غزة) على ظهر الدبابات الإسرائيلية». ويكرر أن «إدارة مفوضة دولياً لفترة انتقالية» ستكون مخصصة «لمساعدة الفلسطينيين. لا لخدمة الأغراض الإسرائيلية».

مستقبل غزة

على رغم الصورة القاتمة اليوم، يريد دنيس روس أن «يكون هناك مستقبل مفعم بالأمل لغزة... وألا تُفصل عن الضفة الغربية»، مبدياً كل العجب عندما يسأله البعض: «هل هناك حل الدول الثلاث؟». لكنه يستعجل الجواب: «هناك حل الدولتين» استناداً إلى «عملية إعادة إعمار واسعة النطاق مع نزع السلاح» بشرط ألا يكون مجرد شعار، بعدما «نجحت إسرائيل في تدمير معظم البنية التحتية العسكرية التي كانت (حماس) تبنيها».

ويؤكد أنه «بسبب (حزب الله) وبسبب إيران، كانوا يصنعون طائراتهم من دون طيار. إنهم يصنعون قذائف الهاون الخاصة بهم، ويصنعون صواريخهم الخاصة»، محذراً من أن بقاء «حماس» يعني إعادة بناء هذه القدرات العسكرية، وبالتالي فإن «المانحين الذين يستثمرون بشكل كبير في غزة» لن يفعلوا ذلك «إذا علموا أن (حماس) ستفعل ذلك مرة أخرى».

وإذ يشدد أخيراً على أن «(حماس) ليست الفلسطينيين»، فهؤلاء «يريدون التعايش» مع الإسرائيليين، الذين ينبغي أن «يرسلوا تلك الإشارات أيضاً». ولعل هذا الرد الأبرز على من يسأل عما إذا كانت «حياة اليهود البيض» أهم أو أغلى في الغرب من حياة الفلسطينيين العرب. هذا واحدة من رسائل دنيس روس، المولود لأم يهودية، مذكراً بأن «غالبية الإسرائيليين يأتون من الشرق الأوسط. وهم يهود من العالم العربي» وبأن الرئيس بايدن والوزير بلينكن «يؤكدان على ضرورة بذل المزيد من الجهد لحماية حياة الفلسطينيين وتلبية حاجاتهم الإنسانية».


مقالات ذات صلة

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقمة دول مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل (أ.ف.ب)

بايدن وماكرون يناقشان الصراعين في أوكرانيا والشرق الأوسط

قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون ناقشا الصراعين الدائرين في أوكرانيا والشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية جنود في مقبرة بالقدس خلال تشييع رقيب قُتل في غزة يوم 20 نوفمبر (أ.ب)

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

نشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً بقلم «مقاتل في جيش الاحتياط»، خدم في كل من لبنان وقطاع غزة. جاء المقال بمثابة صرخة مدوية تدعو إلى وقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

لا أمل لدى سكان غزة في تراجع الهجمات بعد أمري اعتقال نتنياهو وغالانت

لم يشهد سكان غزة، الجمعة، ما يدعوهم للأمل في أن يؤدي أمرا الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت إلى إبطاء الهجوم على القطاع الفلسطيني، مع إعلان مقتل 21 شخصاً على الأقل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
TT

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)

عندما بدأت عملية «طوفان الأقصى» ونشوب الحرب في غزة، كانت إيران تواجه تداعيات الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة إثر وفاة الشابة مهسا أميني، التي جعلت خريف 2022 الأكثر دموية في الداخل الإيراني.

اندلعت الحرب في قطاع غزة، في لحظة محورية بالنسبة لمؤسسة المرشد الإيراني؛ حيث زادت الضغوط الدولية عليه بسبب قمع الاحتجاجات الداخلية، وإرسال الطائرات المسيّرة إلى روسيا، مع وصول المفاوضات النووية إلى طريق مسدود.

ومنذ الموقف الرسمي الأول، رأت طهران أن هجوم حركة «حماس» هو «رد فعل طبيعي وحركة عفوية على السياسات الحربية والاستفزازية والإشعال المتعمّد للصراعات من قبل رئيس الوزراء المتطرف والمغامر لإسرائيل».

دأب المسؤولون الإيرانيون على نفي أي دور في اتخاذ قرار عملية «طوفان الأقصى»، لكن الحراك الدبلوماسي والسياسي أوحى بأن أركان الدولة، بما في ذلك الجهاز الدبلوماسي، كان على أهبة الاستعداد للتطور الكبير الذي يهز المنطقة.

بعد أقل من أسبوع على هجوم «طوفان الأقصى» بدأ وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان، أول جولاته الخمس على دول المنطقة قبل وفاته في 19 مايو (أيار)؛ بهدف عقد مشاورات مع مسؤولي دول الجوار ولقاءات تنسيقية قادة جماعات «محور المقاومة» وتوجيه رسائل إقليمية، وتوجه إلى العراق وواصل زيارته إلى دمشق، ومنها إلى بيروت، وانتهى المطاف في الدوحة.

وحينها وجهت إيران رسالة لإسرائيل، بأنها قد تواجه عدة جبهات إذا لم تتوقف عملياتها العسكرية في غزة.

ودفعت طهران باتجاه تعزيز صورة الجماعات المسلحة في المنطقة، والعمل على إضفاء الشرعية على دورها في دعم تلك الجماعات، مستغلة الأوضاع السياسية والاضطرابات الإقليمية.

اجتماع ثلاثي بين عبداللهيان وزياد النخالة أمين عام «الجهاد الإسلامي» وصالح العاروري رئيس مكتب حركة «حماس» في بيروت مطلع سبتمبر 2023 (الخارجية الإيرانية)

وشكل هذا الموقف المحطة الأولى لإيران. وترى طهران أنها نقلت جماعات «محور المقاومة» من نطاق محصور إلى نطاق «عالمي»، أو ما يسميه الدبلوماسيون الإيرانيون من «عالم المقاومة» إلى «المقاومة العالمية».

بذلك، انتقلت إيران، التي حاولت الحفاظ على مرحلة التهدئة مع جيرانها الإقليميين، إلى وضع هجومي فيما يتعلق بالجماعات المرتبطة بها، وهو ما يراه البعض انعكاساً لاستراتيجيتها على توسيع نفوذها ودورها في المنطقة.

على المستوى الرسمي، بعثت إيران برسالة للأوساط الدولية بأن تلك الجماعات مستقلة، وتملك قرارها بنفسها، وتصنع أسلحتها، لكن عدة مسؤولين وقادة عسكريين إيرانيين أشاروا في تصريحاتهم إلى دور الجنرال قاسم سليماني وقوات الوحدة الخارجية في «الحرس الثوري» بتسليح تلك الجماعات وتزويدها بتقنيات صناعة الأسلحة.

أما ثاني محطة لإيران بعد «طوفان الأقصى»، فقد بدأت بعد شهر من اندلاع الحرب في غزة؛ حيث دعا المرشد الإيراني علي خامنئي إلى ما وصفه بـ«قطع الشرايين الاقتصادية» لإسرائيل، خصوصاً ممرات النفط والطاقة. ومنها دخلت الجماعات المرتبطة بطهران، وجماعة «الحوثي» تحديداً على خط الأزمة، وشنّت هجمات على سفن تجارية على مدى أشهر، أثرت على حركة الملاحة في البحر الأحمر.

كما باشرت الميليشيات والفصائل العراقية الموالية لإيران، هجمات بالطائرات المسيّرة على إسرائيل والقواعد الأميركية على حد سواء.

وبدأ الجيش الأميركي رده بعدما تعرضت له قاعدة في الحدود السورية بالرد على هجمات طالت قواته، مستهدفاً مواقع للفصائل المسلحة.

على المستوى السياسي، أصرت طهران على وضع شروط الجماعات الحليفة معها أولاً لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ومنها أبدت معارضتها لأي تسويات دولية، خصوصاً إحياء مقترح «حل الدولتين». وفي ديسمبر (كانون الأول)، قال وزير الخارجية الإيراني إن رفض «حل الدولتين» نقطة مشتركة بين إيران وإسرائيل.

المحطة الثالثة: بموازاتها باشرت إسرائيل بشن هجمات هادفة ضد القوات الإيرانية في سوريا، واستهدفت رضي موسوي مسؤول إمدادات «الحرس الثوري» في سوريا في ديسمبر، وبعد شهر، أعلن «الحرس الثوري» مقتل مسؤول استخباراته هناك، حجت الله أميدوار، لكن أقوى الضربات جاءت في مطلع أبريل (نيسان) عندما استهدفت غارة جوية إسرائيلية اجتماعاً لقادة «الحرس» في مقر القنصلية الإيرانية، وقتلت أرفع مسؤول عسكري إيراني في سوريا ولبنان، الجنرال محمد رضا زاهدي.

المرشد الإيراني علي خامنئي يؤم صلاة الجنازة على جثامين زاهدي وجنوده في حسينية مكتبه 4 أبريل 2024 (أ.ف.ب - موقع المرشد)

أما المحطة الإيرانية الرابعة، فقد وصلت إيران فيها إلى حافة الحرب مع إسرائيل، عندما ردت على قصف قنصليتها، بشن أول هجوم مباشر من أراضيها على الأراضي الإسرائيلية بمئات الصواريخ والمسيّرات.

ورغم تأكيد الجانب الإسرائيلي على صد الهجوم الإيراني، فقد وجهت ضربة محدودة لإيران باستهداف منظومة رادار مطار عسكري في مدينة أصفهان، قرب منشأة نووية حساسة.

وزادت المواجهة من احتمال تغيير مسار البرنامج النووي الإيراني، مع تكاثر الحديث في طهران عن ضرورة التوصل لأسلحة رادعة، وأيضاً التهديدات الإسرائيلية بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية.

امرأة غير محجبة تمر أمام لافتة دعائية للصواريخ الإيرانية في ساحة «ولي عصر» وسط طهران 15 أبريل الماضي (رويترز)

المحطة الإيرانية الخامسة، جاءت بعد مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، في حادث تحطم مروحية قرب الحدود الأذربيجانية. وسارعت السلطات الإيرانية لنفي نظرية المؤامرة، مستبعدة بذلك أي احتمالات لتعرض أرفع مسؤول تنفيذي في البلاد لضربة إسرائيلية. وأصدرت هيئة الأركان بعد نحو 3 أشهر على مقتل رئيسي، تأكيداً بأن مروحيته سقطت نتيجة ظروف مناخية، رغم أنها لم تُجِب عن كل الأسئلة.

عبداللهيان خلال اللقاء الذي جمعه بنصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية فبراير الماضي (إعلام «حزب الله»)

وفي هذه المرحلة، توسعت الحملة الإيرانية، مع دخول الموقف السياسي الإيراني مرحلة السبات فيما يخص تطورات الحرب في غزة، نظراً لانشغال السلطات بالانتخابات الرئاسية، والسعي لتشكيل حكومة جديدة.

وخلال حملة الانتخابات الرئاسية، تجنب المرشحون للانتخابات إثارة القضايا المتعلقة بحرب غزة والدعم الإيراني. على الرغم من الانتقادات الداخلية لتأجيل القضايا الإيرانية الملحة مثل رفع العقوبات وتعطل المسار الدبلوماسي لإحياء الاتفاق النووي.

وكان لافتاً أن تصريحات المرشحين بمختلف توجهاتهم لم تذهب أبعد من الإشادة بالبرنامج الصاروخي، وتوجيه الضربة لإسرائيل، والتعهد بتعزيز معادلات الردع.

المحطة السادسة: بمراسم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في 30 يوليو (تموز)؛ إذ شهدت طهران أكبر تحول في حرب غزة، ألا وهو اغتيال رئيس حركة «حماس» إسماعيل هنية، في مقر تابع لـ«فيلق القدس» في شمال طهران.

هنية ونائب الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني ورئيس حركة «الجهاد الإسلامي» والمتحدث باسم الحوثيين في مراسم القسم الدستوري للرئيس الإيراني بطهران 30 يوليو الماضي (رويترز)

وتعهد المرشد الإيراني علي خامنئي حينها بالرد على «انتهاك السيادة الإيرانية» واغتيال «ضيف إيران»، وتنوعت نبرة ومفردات التهديد بين مسؤولين سياسيين وقادة عسكريين. وشدد المسؤولون الإيرانيون على حتمية الرد مع تقدم الوقت وتراكم الشكوك بشأن رد إيران.

وأثار اغتيال هنية في طهران الكثير من التساؤلات حول طبيعة العملية، خصوصاً مع وجود الاختراقات.

موكب تشييع إسماعيل هنية في طهران يوم 1 أغسطس الماضي (أ.ب)

المحطة السابعة: كان عنوانها تفجيرات أجهزة «البيجر»، بالتزامن مع رسالة تهدئة من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، خصوصاً مع الولايات المتحدة، وشملت إسرائيل.

وقبل أن يتوجه إلى نيويورك، قال بزشكيان في مؤتمر صحافي إن بلاده لا تريد أن تكون عاملاً لزعزعة الاستقرار في المنطقة، ولا تريد تصدير الثورة، مبدياً استعداده للانفتاح على واشنطن، إذا أثبتت أنها ليست معادية لطهران، وذهب أبعد من ذلك عندما استخدم وصف «الأخوة الأميركية».

واصل بزشكيان هذه النبرة في لقاءات على هامش حضوره أعمال الجمعية العامة في نيويورك، وقال: «إيران مستعدّة لوضع أسلحتها جانباً إذا وضعت إسرائيل أسلحتها جانباً»، حسب تسجيل صوتي انتشر من اللقاء نفسه. وقال إن تأخير الرد الإيراني على اغتيال هنية هو تلقي بلاده رسائل بأن اتفاقاً لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» سيُبرم خلال أسبوع، مبدياً انزعاجه من عدم التوصل للاتفاق واستمرار الهجمات الإسرائيلية.

خامنئي يلقي خطاباً أمام مجموعة من أنصاره وفي الخلفية صورة نصر الله (موقع المرشد)

وقلل بزشكيان من قدرة «حزب الله» على مواجهة إسرائيل وحده، وهو ما مزق الصورة التي رسمها مسؤولون مقربون من المرشد علي خامنئي.

وزاد موقف بزشكيان وكذلك الفرضيات بوجود اختراق في هجمات «البيجر»، واستهداف قادة «حزب الله»؛ من الشكوك في طهران بوجود اختراقات للجبهة الإيرانية، وعززت أيضاً مخاوف داخلية من وجود اختراقات.

المحطة الثامنة والخطيرة، بدأت باغتيال الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، ثاني أهم لاعب للاستراتيجية الإقليمية الإيرانية، بعد الجنرال قاسم سليماني، خلال 35 سنة من حكم المرشد علي خامنئي. كما أدت الغارة الجوية الإسرائيلية على مقر نصر الله، إلى تسجيل ثاني خسائر «الحرس الثوري» الكبيرة منذ «طوفان الأقصى»، وهو نائب قائد غرفة العمليات، الجنرال عباس نيلفروشان.

ويحظى نصر الله بأهمية كبيرة لدى حكام إيران وخصوصاً الأوساط المحافظة، لدرجة تداول اسمه في بعض الفترات لتولي منصب المرشد الإيراني بعد خامنئي بوصفه «ولي الفقيه»، ولو أن الترشيح بدا مثالياً لأنه ليس مسؤولاً إيرانياً، فسيكون مرفوضاً من غالبية الأطراف السياسية.

نظام القبة الحديدية الإسرائيلي يعترض الصواريخ الآتية من إيران (رويترز)

ورداً على اغتيال هنية في عمق الأراضي الإيرانية، ونصر الله، ونيلفروشان، وجهت إيران هجومها الصاروخي الثاني المباشر على إسرائيل، في خطوة هدّدت إسرائيل بالرد عليها مع التلويح ببنك أهداف غير محدودة تشمل مصافي النفط ومحطات الوقود وأيضاً المنشآت النووية والعسكرية، ما يجعل الأزمة بين إسرائيل وإيران مفتوحة على كل الاحتمالات.