قادة دول مجلس التعاون الخليجي والرئيس التركي في افتتاح القمة الخليجية في الدوحة نوفمبر الماضي (العمانية)
سيبقى عام 2024 كحال ما سبقه، عاماً خليجياً بتميز، حيث الأمن والأمان في منطقة ملتهبة، أصبح فيها مثقال الأمن أغلى وأهم بكثير من مثقال الذهب والألماس، حيث نشهد في كثير من بلدان الإقليم خروج المواطن من بيته صباحاً، دون أن يعلم إن كان منزله سيبقى قائماً حتى المساء.
ومع تساقط دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في أتون الحروب الأهلية التي تدخلها الشعوب دون قدرة على الخروج منها، وهي ظاهرة في التاريخ الإنساني، والمصاحبة بالانسدادات والأزمات السياسية والكوارث الاقتصادية، تبقى دول الخليج الست الملاذ الآمن للبشر ولرجال الأعمال وللشركات والاستثمارات وخلق فرص العمل، بل تبقى دول الخليج من الأماكن القليلة في العالم التي لا فرق بين المشي في شوارعها وأحيائها الساعة الثالثة عصراً أو الثالثة فجراً، فالأمن مستتبّ، والأمان مستقرّ، ولا تُرتكب بالعادة فيها جريمة إلا وتجد بقربها الفاعل مقبوضاً عليه في أزمان قياسية.
ظاهرة مدمرة
وفي وقت تشهد فيه دول المنطقة، ومعها دول الجنوب، ظاهرة مدمرة مستمرة تضر بشدة مستوى معيشة الشعوب، وهي الانهيارات المتتالية لأسعار صرف عملاتها، استطاعت الدول الخليجية بحكمة قادتها وحسن سياستها المالية، أن تحافظ على ثبات سعر صرف عملاتها منذ عهد الاستقلال وحرية حركة الأموال فيها.
وقد رأت الدول الخليجية أن الحقوق الحقيقية للإنسان وكرامته لا يمكن أن تُختزل بصناديق تُفتح كل أربع سنوات لأزمان قصيرة مصاحبة، في كثير من الأوقات، بالفوضى والاضطراب والحروب والدماء والأشلاء وتبديد الموارد، بل وفّرت دول الخليج للإنسان فرصاً للعمل والخدمات التعليمية والصحية المتميزة والثقافية والتنمية الفاعلة والقضاء المستقل والمستقبل المشرق، فليس بالشعارات السياسية البراقة الخالية من المحتوى وحدها يحيا الإنسان.
البطل العربي
يتبقى في النهاية أن الدول الخليجية استطاعت أن تقدم تعريفاً جديداً للبطل العربي، كما قدّمت تعريفاً جديداً لحقوق وكرامة الإنسان. فالبطل العربي، بالمفهوم الخليجي، ليس القائد المغامر الذي يُلقي خطابات حماسية تنتهي بالنكبات والنكسات والهزائم، بل هو من يحقن دماء الشعوب لا من يسفكها، من يعمر البناء لا من يتسبب بهدمه، من ينمي الثروات لا من يبددها، من يوحد الأوطان ويصون استقلالها لا من يفتتها ويتسبب باحتلالها، من يعتني بالشهداء والمُعاقين والفقراء لا من تتسبب مغامراته بفقد الأرواح والإعاقات والفقر والمجاعات، البطل العربي هو من توفر خططه التنموية الكهرباء والماء النظيف لا من تتسبب حروبه ومغامراته بقطعهما وفقدهما وهما عصب الحياة.
خليج 2024
خليج 2024 وما بعد هذا العام، وبفضل حكمة قادته المؤسسين والسابقين، وتواصلاً مع إنجازات قادته الحاليين وتعقلهم وبُعد نظرهم؛ وهم من تنطبق عليهم مواصفات البطل العربي بتعريفه الجديد، وهم مَن ورثوا أصول الحكم وحسن التدبير كابراً عن كابر، وليسوا من الطارئين عليه، يخططون لعلاقات صحية صادقة حسنة مع الجيران ومع العالم أجمع وسيلة للسلام والوئام والتنمية والإعمار وإنهاء الحروب والكراهية والأحقاد لبناء دول جديدة في منطقة ارتوت أرضها وترابها ومياهها من الدماء، وحان وقت البناء.
ارتفعت أسواق الأسهم الخليجية في بداية جلسة تداولات الأربعاء، بعد إعلان المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترمب فوزه على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس.
وسط تنامي الترجيحات بخفض «الاحتياطي الفيدرالي» الأميركي أسعار الفائدة مرة أخرى خلال اجتماعه يوم الخميس، تتجه الأنظار نحو تأثير هذا الإجراء الذي يلي الانتخابات
الغزّيون ملّوا الحروب ويحلمون بحياة تشبه الحياةhttps://aawsat.com/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82/%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7/5068367-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B2%D9%91%D9%8A%D9%88%D9%86-%D9%85%D9%84%D9%91%D9%88%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%88%D8%A8-%D9%88%D9%8A%D8%AD%D9%84%D9%85%D9%88%D9%86-%D8%A8%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%A9-%D8%AA%D8%B4%D8%A8%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%A9
سيدة فلسطينية تبحث عن ابنها المفقود عبر صورته على هاتفها في مخيم جباليا (رويترز)
غزة:«الشرق الأوسط»
TT
غزة:«الشرق الأوسط»
TT
الغزّيون ملّوا الحروب ويحلمون بحياة تشبه الحياة
سيدة فلسطينية تبحث عن ابنها المفقود عبر صورته على هاتفها في مخيم جباليا (رويترز)
بخلاف الناس في البلدان الأخرى وحتى تلك التي تشهد حروباً، لا يملك أهالي قطاع غزة بعد عام على الحرب الإسرائيلية المجنونة عليهم، ترف الحزن على أحبائهم وبيوتهم وذكرياتهم. لقد فقدوا البلد، كل البلد بكل ما فيها: البيوت، والحارات، والشوارع، والناس، والمساجد، والكنائس، والمحال، والمستشفيات، والمدارس والجامعات... كل شيء أصبح كأنه مجرد ذكرى من حياة سابقة، وهم نفدت طاقتهم على الحزن.
لا يعرف الغزيون اليوم ماذا ينتظرهم، لكن بخبرة العارفين بالحروب، يدركون جيداً أن بؤس الحرب لا ينتهي مع وقف إطلاق النار. إنه بؤس ممتد، تغلّفه أسئلة كثيرة: مَن يعيد الأحبَّة والبلاد؟ مَن يبني البيوت؟ كم سنعيش في الخيام؟ من أين وإلى متى وكيف سنؤمّن قوت من بقي حيّاً من أبنائنا؟ والحال أن كثيرين لا تشغلهم هذه الأسئلة لأنهم مرهقون بأسئلة أصعب، أين يجدون جثامين أحبائهم؟ ومتى قد يلتقون أحباء مفقودين؟ وكم سيصمدون على قيد الحياة أصلاً؟
إنها أسئلة الحرب المدمّرة التي تدخل عامها الثاني، وهي حرب غيَّرت إلى حد كبير تفكير الغزيين حول كل شيء.
«الشرق الأوسط» جالت على مَن بقي ورصدت ماذا غيَّرت الحرب في فكر سكان القطاع وعقولهم وقلوبهم.
ليس الكثير فيما يتعلق بحب البلد والعداء لإسرائيل، لكن الكثير والكثير فيما يتعلق بمستقبلهم، ومَن يحكمهم، وإذا كانت الهجرة أفضل أم البقاء.
حلم الهجرة والأمان
يلخص تفكير أيسر عقيلان، وهو خريج كلية التجارة من الجامعة الإسلامية في غزة، ونازح من مخيم الشاطئ غرب المدينة إلى خان يونس جنوب القطاع، ما يجول في عقل كثيرين من الشبان مثله.
قال عقيلان (27 عاماً) لـ«الشرق الأوسط» إنه يخطط لمغادرة القطاع في أي لحظة. وحاول عقيلان كثيراً الحصول على مبلغ 6 آلاف دولار، لتأمين سبيل سفر عبر معبر رفح، إلى مصر ثم البحث عن حياة جديدة، لكنه لم ينجح.
وقال الشاب: «في أول فرصة سأغادر. لم أكن قادراً على العمل قبل الحرب، والآن لا أعتقد أن ذلك سيكون ممكناً أبداً. لا توجد أعمال. لا يوجد بلد أصلاً. لقد دمَّروا كل شيء». وحسب الإحصائيات التي تصدر عن جهات حكومية وأهلية مختصة، فإنه حتى قبل الحرب، كان أكثر من 64 في المائة من سكان قطاع غزة يعانون البطالة وانعدام فرص العمل، واليوم يعتقد أن هذه النسبة باتت شبه كاملة. ورغم صعوبة الحياة قبل الحرب لم يفكر عقيلان في الهجرة، لكن «وجهة نظره في الحياة» تغيرت في أثناء الحرب، كما قال.
ومن يتحدث لأهالي غزة لا يفوته أن غالبية الجيل الشاب ترغب في الهجرة، والبحث عن مستقبل جديد، غير آبهين بما سيصبح عليه الحال في القطاع. وقال باسل سالم (31 عاماً)، الذي حالفه الحظ بالخروج من غزة مع زوجته وطفلته الوحيدة: «لم يبقَ أمامي أي خيارات أخرى. كل ما فكرت فيه هو إنقاذ زوجتي وابنتي من جحيم الحرب».
كان سالم قد فقد شقته السكنية التي امتلكها قبل الحرب بقليل وهو سبب آخر دفعه للهجرة، موضحاً لـ«الشرق الأوسط»: «لم يعد هناك بيت يؤويني، تشردنا وتعبنا ومرضنا وشعرت أني وسط كابوس لعين». ونجح الآلاف من الغزيين خصوصاً الغزيين، ممن يحملون جنسيات مزدوجة، في السفر قبيل سيطرة إسرائيل على معبر رفح، ووصلوا إلى بلدان مختلفة، في حين استقر آخرون لا يملكون جنسيات أخرى، داخل مصر، وبعضهم في تركيا. ويعمل سالم في مجال التصميم والغرافيك؛ الأمر الذي سهَّل سفره إلى الخارج من أجل الحصول على فرصة عمل تتيح له الاستمرار بحياة أفضل. ولا يجد سالم كلمات تصف «الأمان» الذي يشعر به مع عائلته: «هذا أهم ما في الحياة».
وفي وقت تغيب الإحصاءات الدقيقة لمن هاجروا إبان الحرب وخلالها، يذهب بعض التقديرات الأهلية إلى أن العدد الإجمالي يزيد على 220 ألفاً.
ومثل سالم لا تخطط إيمان ساقلا (59 عاماً) التي كانت في رحلة علاج خارجية مع بدء الحرب على غزة، للعودة، بل نجحت في التنسيق لإنقاذ أفراد أسرتها وإحضارهم إليها في مصر لكونها تحمل الجنسية المصرية، لكن أيضاً بعد دفع مبالغ طائلة. وقالت ساقلا: «لم يعد لنا في غزة مستقبل. ربما نعود إليها بعد أعوام، لكن الآن لا يوجد سوى الموت والدمار والخراب».
وبينما يرى سالم وساقلا أنهما قد نجوا بنفسيهما وأسرتيهما من جحيم الحرب، يعيش مئات الآلاف من الغزيين، خصوصاً الشبان، في ظروف صعبة ويمنّون النفس بالمغادرة. لكن ليست هذه حال كل الغزيين بالطبع.
سمير النجار (52 عاماً) من سكان بلدة خزاعة، شرقي شرق خان يونس، والذي فقد منزله بعد تجريفه من آليات إسرائيلية، وبات مشرداً ونازحاً في خيمة أقامها غرب المدينة، قال إنه يفضل البقاء في القطاع، وينتظر انتهاء الحرب كي يستصلح أرضاً كان يزرعها.
وقال النجار: «أفهم الذين ينوون الرحيل من هنا. لكن أنا أفضّل الموت هنا. لا أعتقد أن لديّ فرصة لتأسيس حياة جديدة خارج القطاع. كل ما أريده من الحياة هو إعادة بناء واستصلاح أرضي... ولا شيء أكثر».
والنجار واحد من مئات الآلاف الذين فقدوا منازلهم في غزة. ووفقاً لتقديرات أممية حتى شهر أغسطس (آب) الماضي، فإن نحو ثلثي المباني في قطاع غزة تضررت أو دُمرت منذ بدء الحرب، وأن القطاع يحتاج إلى أكثر من 15 عاماً حتى يتم إعادة إعماره. ويتطلع النجار لإعادة الإعمار، ويعتقد أن أي جهة قادرة على إعادة الإعمار هي التي يجب أن تحكم غزة.
وأضاف: «بعد كل هذه الحروب. نريد أن نعيش. بصراحة لم أعد أكترث بالحرب ولا السياسة ولا من يحكمني. أنا أريد العيش فقط. العيش بعيداً عن الحروب والقتل والدمار».
وتتفق نجوى الدماغ (47 عاماً) مع النجار ولا تفكر بمغادرة القطاع، لكنها تمنّي النفس بحياة أفضل.
وقالت الدماغ لـ«الشرق الأوسط» إنها تفضّل البقاء في غزة، لكنها تريد السلام والأمن. وأضافت: «تعبنا من الحروب. أعتقد ما ظل فينا نَفَس. صار وقت نعيش بسلام».
ولا تهتم الدماغ بمن يحكمها، «المهم أن نعيش مثل بقية البشر». وهذا شعور انتقل تلقائياً لابنتها إيمان (22 عاماً) التي خرجت من هذه الحرب وهي لا تثق بأي فصيل فلسطيني سياسي.
وقالت إيمان: «كلهم (الفصائل) يبحثون عن مصالحهم الشخصية ولديهم أجندات. لا أحد يفكر أو يهتم للناس». وبخلاف والدتها، تسعى إيمان للهجرة وبناء حياة جديدة في الخارج «بعيداً من تجار الحروب والدم»، كما قالت.
وبينما يعيش مئات آلاف من الغزيين في مخيمات نزوح موزعة في كل قطاع غزة، تعيش الأغلبية الباقية في منازل شبه مدمَّرة أو نازحين عند أقاربهم، ويعانون مجاعة حقيقية وغلاء أسعار فاحشاً، والكثير من الفوضى التي عمقت شكل المأساة في القطاع. وقال كثير من الغزيين الذي سألتهم «الشرق الأوسط» عن مستقبلهم إنهم لا يفضلون الفصائل ويتطلعون إلى «حكومة مسؤولة»، وفق تعبيرهم.
وشرح الكاتب والمحلل السياسي مصطفى إبراهيم، ذلك بالقول إن الغزيين لم يعودوا يهتمون بما تتبناه الفصائل وحتى السلطة الفلسطينية من شعارات «ليس لها من الواقع نصيب». وأضاف: «هم يفضّلون جهة تحكمهم قادرة على وقف نزيف الدم وأن تعيد بناء منازلهم وتوفر لهم فرص عمل يستعيدون بها حياتهم». ورأى إبراهيم أن «الأفق السياسي لليوم التالي للحرب ما زال غامضاً ولا يمكن التنبؤ به؛ مما شكّل حالة من اليأس لدى السكان ودفعهم لعدم الاهتمام بمن يحكمهم بقدر اهتمامهم بمصيرهم ومستقبل حياتهم في اللحظة التي تتوقف فيها الحرب».
ويرى إبراهيم أن السكان في غزة ملّوا من الصراع مع إسرائيل والحرب التي تتكرر كل بضعة أعوام، واليوم أصبحوا أكثر من أي وقت مضى يفكرون بالهجرة في حال أُتيحت لهم فرصة حقيقية. وأضاف: «الكلام الذي لا يقوله أهل غزة على الملأ هو: لماذا نحن؟ القضية الفلسطينية والقدس والأقصى ليست قضيتنا وحدنا... فلماذا وحدنا نموت؟».