المسار الأردني... من ضغط «كامب ديفيد» إلى «وادي عربة»

المسار الأردني... من ضغط «كامب ديفيد» إلى «وادي عربة»
TT

المسار الأردني... من ضغط «كامب ديفيد» إلى «وادي عربة»

المسار الأردني... من ضغط «كامب ديفيد» إلى «وادي عربة»

ما إن بدأت «حرب أكتوبر» من العام 1973 حتى وجد العاهل الأردني الراحل الملك الحسين نفسه تحت ضغط المشاركة الرمزية في الحرب من خلال اللواء (40) من القوات المسلحة الأردنية (الجيش العربي) الذي بعث به عبر جبهة الجولان التي شهدت قتالا عنيفا بين الجيشين السوري والإسرائيلي.

وتحت مطالبات داخلية أهمها انقسام الجيش بين مؤيد ومعارض للمشاركة في الحرب، أرسل الحسين أحد أقوى ألوية جيشه، الذي شارك في حروب العام 1948 و1967 و1968 وكان له دور الحسم في مواجهات من العام 1970، وقد كُلف اللواء بالقتال في الجولان والدِّفاع عن مدينة دمشق بالتعاون مع «قوات صلاح الدِّين» العراقية، إذ «تمكن من صدِّ الهجوم الإسرائيلي على محور درعا دمشق وقدم 21 شهيداً بين ضباط وأفراد و110 جرحى»، بحسب رواية وثقتها «وكالة الأنباء الأردنية» (بترا) على لسان المقدَّم ملوح نزَّال العيسى.

بموازاة ذلك فقد كان هناك تحد داخلي يتصاعد بوجه العاهل الأردني بعد انقسام آراء كبار قادة الجيش من المشاركة في الحرب التي انطلقت، ففي جلسة مجلس الوزراء برئاسة زيد الرفاعي (الحكومة الأولى من العام 1973 - 1974)، تفجر نقاش حاد على خلفية عدم مشاركة الأردن في الحرب، ما دفع وزراء للتهديد بتقديم استقالاتهم.

أمام الحكومة

ولدى سماع عاهل الأردن بالأمر، جاء في اليوم التالي لمجلس الوزراء، وقدم شرحاً فيه تقدير موقف للأردن الرسمي، وقال إنه إذا كان متأكدا من قدرة الجيش العربي خلال أيام الحرب على استعادة الضفة الغربية، لكنه تساءل عن الحال بعد توقف الحرب على الجبهتين السورية والمصرية... وأصاف: «هل باستطاعتنا بعدها حماية الضفة الشرقية من الاحتلال؟» فانتهت القضية باستقالة الوزراء اسحق الفرحان، ومحمد نوري شفيق، وزهير المفتي، وكامل أبو جابر من الحكومة، وفق ما يوثقه كتاب (القرار) لمدير المخابرات ورئيس الوزراء الأسبق الراحل مضر بدران.

ولا تخفي مذكرات رجالات الحسين ما واجهه من ضغوط أميركية للحاق الأردن بـ«كامب ديفيد»، وهي الضغوط التي ضمنت على الأقل استمرار حلقات اللقاءات السرية بين الحسين والإسرائيليين، والتي توجت بمشاركة الأردن بـ«المؤتمر الدولي للسلام في مدريد» وبعدها في واشنطن، وانتهت بتوقيع معاهدة السلام بين البلدين في العام 1994 أو ما بات يُعرف بـ«اتفاق وادي عربة»، وكان ذلك بعد توصل «منظمة التحرير الفلسطينية» إلى إبرام «اتفاق أوسلو» في سبتمبر (أيلول) من العام 1993، الذي اعترف بالسلطة الوطنية الفلسطينية ومنحها حكما ذاتيا على الفلسطينيين.

سياسياً، أعلنت اتفاقية السلام الأردنية - الإسرائيلية إنهاء حالة الحرب، وارتخت أطول حدود برية للمملكة الأردنية من حالة الطوارئ المعلنة في صفوف القوات المسلحة الأردنية (الجيش العربي)، والتي عاشتها البلاد بعد احتلال الضفة الغربية في 4 يونيو (حزيران) العام 1967.

حصاد الاتفاق

لم ينل ينل الأردن في اتفاق «وادي عربة» سوى حقوق الحدود والمياه، واحترام الدور الهاشمي في الوصاية على المقدسات، غير أن الاتفاق ظل فاترا والتطبيع ليس فاعلا بعد مضي 29 عاما على توقيعه، وذلك كنتيجة حتمية في ظل تصاعد دور اليمين المتطرف الإسرائيلي والممارسات التي تستهدف تغيير الواقع على الأرض وزيادة رقع الاستيطان.

وشعبياً، صعّدت تلك الاتفاقية من حالة الاحتقان، وتبلورت مؤسسات أهلية متعددة تحت شعار مقاومة التطبيع، وقادت تلك الجهود نخب سياسية محسوبة على النظام الأردني، واصطدمت تلك الجهود بقمع خشن في أكثر من مرة نهاية عقد التسعينات من القرن الماضي. كما مست تلك الاتفاقية حدود حرية الرأي والتعبير في البلاد، ونفذت حملات اعتقالات واسعة ضد معارضيها.

وظل الموقف الشعبي ضاغطاً ومطالبا بإلغاء اتفاق السلام، وذلك عبر عشرات المذكرات النيابية التي تباينت في مطالبها بين إلغاء المعاهدة أو طرد السفير الإسرائيلي، لكن رجال الحسين، الذين غابوا منذ «المعاهدة»، كانوا مدركين أن إسرائيل لن تمنح أي حق فلسطيني، فهي تريد سلاما من دون تنازلات، وسلاما على قياس مصالح الطرف الأقوى في الصراع.


مقالات ذات صلة

الأردن يعد الهجوم قرب سفارة إسرائيل «إرهابياً فردياً»

المشرق العربي سيارة لقوات الأمن الأردنية تقف قرب السفارة الإسرائيلية في عمّان (رويترز) play-circle 00:28

الأردن يعد الهجوم قرب سفارة إسرائيل «إرهابياً فردياً»

لم تكشف التحقيقات الأولية الأردنية، بشأن هجوم قرب السفارة الإسرائيلية في عمّان، عن ارتباطات تنظيمية لمُنفذه، ما رجحت معه مصادر أمنية أن يكون «عملاً فردياً»

المشرق العربي أرشيفية لمبنى السفارة الإسرائيلية في عمان

مقتل مسلح وإصابة 3 أفراد أمن بإطلاق نار قرب سفارة إسرائيل في عمّان

أعلنت قوات الأمن الأردنية، فجر اليوم (الأحد)، مقتل مسلح بعد فتحه النار على عناصر أمن في منطقة السفارة الإسرائيلية بالعاصمة الأردنية عمان.

«الشرق الأوسط» (عمان)
المشرق العربي الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

مع بدء الدورة العشرين لمجلس النواب الأردني، الذي انتخب في العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، بدأ الشحن الداخلي في معادلة الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.

محمد خير الرواشدة (عمّان)
الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والملك عبد الله الثاني بن الحسين ويظهر الشيخ عبد الله بن زايد وأيمن الصفدي وعدد من المسؤولين خلال اللقاء (وام)

تأكيد إماراتي أردني على أهمية تكثيف الجهود لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، بحث مع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني بن الحسين، قضايا المنطقة والعلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
رياضة عربية منتخب الأردن اكتفى بالتعادل مع الكويت (الاتحاد الأردني)

«تصفيات المونديال»: الكويت تحبط الأردن بالتعادل

فرّط منتخب الأردن في تقدمه بهدف رائع ليزن النعيمات، بعدما سجل محمد دحام في الشوط الثاني ليتعادل 1 - 1 مع مضيفه الكويت.

«الشرق الأوسط» (الكويت)

واشنطن واستراتيجية الـ«لا استراتيجية» في الشرق الأوسط

بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
TT

واشنطن واستراتيجية الـ«لا استراتيجية» في الشرق الأوسط

بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)

بعد عام على هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول)، تتخبط منطقة الشرق الأوسط في موجة تصعيد مستمر، من دون أي بوادر حلحلة في الأفق. فمن الواضح أن إسرائيل مصرة على الخيارات العسكرية التصعيدية، ضاربة بعرض الحائط كل المبادرات الدولية للتهدئة، ومن الواضح أيضاً أن الولايات المتحدة وإدارة الرئيس جو بايدن، إما عاجزتان عن التأثير على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وإما غير مستعدتين لممارسة ضغوطات كافية عليه للتجاوب مع دعواتها لوقف التصعيد. هذا في وقت تعيش فيه الولايات المتحدة موسماً انتخاباً ساخناً تتمحور فيه القرارات حول كيفية تأثيرها على السباق الرئاسي.

السؤال الأبرز المطروح حالياً هو عما إذا كان هناك استراتيجية أميركية ما حيال ملف الشرق الأوسط، انطلاقاً من الحرب الدائرة منذ عام. فقد واجهت الإدارة الحالية انتقادات حادة بسبب غياب منطقة الشرق الأوسط عن لائحة أولوياتها منذ تسلم بايدن السلطة. ولكن الأمور منذ 7 أكتوبر 2023 تغيرت جذرياً.

تحدثت «الشرق الأوسط» إلى غيث العمري، المستشار السابق لفريق المفاوضات الفلسطيني خلال محادثات الوضع الدائم وكبير الباحثين في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، الذي رأى أن الإدارة الأميركية سعت فعلياً إلى عدم إعطاء الأولوية لمنطقة الشرق الأوسط، وحوّلت تركيزها ومواردها إلى أولويات أخرى. ويقول العمري: «جاءت هجمات 7 أكتوبر لتفاجئ الولايات المتحدة التي لم تكن مستعدة لها، والتي افتقرت لما يلزم لمواجهة أزمة بهذا الحجم». ويرى العمري أن الولايات المتحدة اعتمدت منذ السابع من أكتوبر وحتى تاريخنا هذا على سياسة «مجزأة مبنية على رد الفعل»، مضيفاً: «إنها لم تتمكن من رسم المشهد الاستراتيجي أو ممارسة النفوذ على حلفائها الإقليميين».

امرأة تعرض صورة لجنود إسرائيليين بعد استعادتهم لموقع كفرعزّة إثر هجمات 7 أكتوبر 2023 (د.ب.أ)

تحدثت «الشرق الأوسط» أيضاً إلى جون الترمان، المسؤول السابق في وزارة الخارجية ومدير برنامج الشرق الأوسط في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية، فقال: «فشلت إدارة بايدن بالتأكيد في تحقيق العديد من أهدافها في العام الماضي، ولكن في الوقت نفسه لم تندلع حرب إقليمية كبيرة بعد». ويعرب الترمان عن «دهشته» من أنه ورغم «الإخفاقات»، فإن الولايات المتحدة «لا تزال هي النقطة المحورية للدبلوماسية الإقليمية».

وفيما تدافع إدارة بايدن عن أدائها بالقول إنها أظهرت الردع من خلال إرسال تعزيزات أميركية إلى المنطقة، إلا أن العمري يختلف مع هذه المقاربة، لافتاً إلى أن نشر هذه الأصول العسكرية ربما ساهم في المراحل المبكرة من الحرب «في ردع إيران و(حزب الله) من الانخراط في تصعيد كبير، إلا أنه فشل في ردعهما إلى جانب وكلائهما كالحوثيين من الانخراط في أنشطة خبيثة على مستوى منخفض». وأضاف: «لقد تسبب ذلك في زيادة الضغط، وأدى في النهاية إلى انتقال الحرب إلى لبنان وربما مناطق أخرى».

الدبلوماسية «هي الحل»

في خضم التصعيد، تبقى إدارة بايدن مصرة على تكرار التصريحات نفسها من أن الحل الدبلوماسي هو الحل الوحيد، محذرة من توسع رقعة الصراع في المنطقة. وعن ذلك يقول الترمان إن بايدن يريد حلولاً دبلوماسية؛ «لأن الحلول العسكرية تتطلب هزيمة شاملة لأحد الأطراف. ونظراً للرّهانات العالية لكلا الجانبين، فإن الحل العسكري بعيد المنال، وسينجم عنه المزيد من الموت والدمار أكثر بكثير مما شهدناه حتى الآن».

أما العمري فيرى أن التركيز على الدبلوماسية هو أمر مناسب؛ لأنه «في نهاية المطاف، تنتهي الحروب وستكون هناك حاجة إلى حل دبلوماسي»، مضيفاً: «عندما يأتي (اليوم التالي)، يجب أن تكون الأسس لترتيبات دبلوماسية جاهزة».

إلا أن العمري يحذر في الوقت نفسه من أن الدبلوماسية وحدها غير كافية إذا لم تكن مدعومة بقوة واضحة، بما في ذلك القوة العسكرية، ويفسر ذلك قائلاً: «إذا لم تتمكن الولايات المتحدة من إقناع خصومها بأنها مستعدة لاستخدام قوتها لإيذائهم، وحلفائها بأنها مستعدة لفعل ما يلزم لمساعدتهم، فإن نفوذها تجاه الطرفين سيكون محدوداً».

تجميد الأسلحة لإسرائيل

سقوط أعداد هائلة من المدنيين في حربي غزة ولبنان منذ بدء العمليات الإسرائيلية للرد على هجمات 7 أكتوبر 2023، دفع الكثيرين إلى دعوة بايدن لوضع قيود على الأسلحة الأميركية لإسرائيل، بهدف ممارسة نوع من الضغوط على نتنياهو لوقف التصعيد، لكن الترمان يرفض النظرة القائلة بأن تجميد الأسلحة سيمهد للحل، ويفسر قائلاً: «إذا اعتمدت إدارة بايدن هذه المقاربة، أتوقع أن يعترض الكونغرس بشدة، وقد تكون النتيجة عرضاً للضعف والهشاشة في سياسة البيت الأبيض، بدلاً من صورة تقديم حلول». ويحذّر الترمان من أن خطوة من هذا النوع من شأنها كذلك أن تدفع إسرائيل إلى «الشعور بمزيد من العزلة التي قد تولّد بالتالي شعوراً أكبر بعدم الالتزام بأي قيود».

الرئيس الأميركي جو بايدن خارجاً من البيت الأبيض ليستقل الطائرة إلى نيويورك (أ.ب)

ويوافق العمري مع هذه المقاربة، مشيراً إلى أنه «من غير الواضح أن أي وسيلة ضغط ستنجح»، فيقول: «إسرائيل تشعر بأنها مهددة وجودياً، مما يجعلها أقل استعداداً لتقبل أي تأثير خارجي». ويوفر العمري نظرة شاملة عن مقاربة الإدارة الأميركية في غزة ولبنان التي تحد من الضغوط التي ترغب في ممارستها على إسرائيل، فيفسر قائلاً: «رغم أن الولايات المتحدة غير راضية عن بعض جوانب سير الحرب، خصوصاً فيما يتعلق بالخسائر البشرية بين المدنيين، فإنها تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بعد السابع من أكتوبر». لهذا السبب يشير العمري إلى أن الولايات المتحدة تحتاج إلى تحقيق توازن في الضغط بطرق يمكن أن تغير سلوك إسرائيل «دون تقييد قدرتها على تحقيق الهدف المشروع المتمثل في هزيمة (حماس)»، مضيفاً: «هذا التوازن ليس سهلاً».

بالإضافة إلى ذلك، يذكّر العمري بطبيعة العلاقة التاريخية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي «تتجاوز القضية الإسرائيلية - الفلسطينية»، فيقول: «الولايات المتحدة تستفيد استراتيجياً من هذه العلاقة، بما في ذلك الفوائد المتعلقة بالتهديدات الإقليمية الأخرى مثل الأنشطة الإيرانية. وبذلك، فإن الولايات المتحدة لديها مصالحها الاستراتيجية الخاصة التي يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار».

أي حل في نهاية النفق

رغم التصعيد المستمر، تعمل الولايات المتحدة على بناء استراتيجية تضمن عدم خروج الأمور عن السيطرة، ودخول إيران على خط المواجهة، ويشدد العمري على أن «الأولوية الآن هي ضمان بقاء إيران خارج هذه الحرب»، مشيراً إلى أن هذا الأمر ضروري للحد من انتشار الصراع، و«لإضعاف مصداقية إيران الإقليمية ونفوذها مع وكلائها»، لكنه يرى في الوقت نفسه أنه «لا يمكن تحقيق مثل هذه النتيجة إلا إذا كانت إيران مقتنعة بأن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام العمل العسكري».

عنصران من الدفاع المدني الفلسطيني في دير البلح في غزة (أ.ف.ب)

أما الترمان الذي يؤكد ضرورة استمرار الولايات المتحدة «في تقديم مسار للمضي قدماً لجميع الأطراف»، فيحذّر من أن هذا لا يعني أنها يجب أن «تحمي الأطراف من العواقب الناجمة عن أفعالهم»، ويختم قائلاً: «هناك مفهوم يسمى (الخطر الأخلاقي)، يعني أن الناس يميلون إلى اتخاذ سلوكيات أكثر خطورة إذا اعتقدوا أن الآخرين سيحمونهم من الخسارة».