مواقف كشفت عن روح القيادة والفكاهة وسرعة البديهة عند الملك عبد العزيز

ابن عساكر يكشف لـ«الشرق الأوسط» قصصاً لم تُنشر عن جوانب شخصية للمؤسس

الملك عبد العزيز ومحمد نجيب في مادبة الغذاء التي اقيمت للوفد المصري وبدأ في الصورة الملك سلمان بن عبد العزيز ثم الامير طلال بن عبد العزيز ثم يوسف ياسين
الملك عبد العزيز ومحمد نجيب في مادبة الغذاء التي اقيمت للوفد المصري وبدأ في الصورة الملك سلمان بن عبد العزيز ثم الامير طلال بن عبد العزيز ثم يوسف ياسين
TT

مواقف كشفت عن روح القيادة والفكاهة وسرعة البديهة عند الملك عبد العزيز

الملك عبد العزيز ومحمد نجيب في مادبة الغذاء التي اقيمت للوفد المصري وبدأ في الصورة الملك سلمان بن عبد العزيز ثم الامير طلال بن عبد العزيز ثم يوسف ياسين
الملك عبد العزيز ومحمد نجيب في مادبة الغذاء التي اقيمت للوفد المصري وبدأ في الصورة الملك سلمان بن عبد العزيز ثم الامير طلال بن عبد العزيز ثم يوسف ياسين

لعل من الصعوبة الإحاطة بشخصية الملك عبد العزيز في كل الجوانب، فقد تميز منذ صغره بالذكاء الحاد والنباهة، إضافة إلى امتلاكه روح القيادة والتفرد، الدكتور راشد بن محمد بن عساكر المؤرخ والمؤلف والراصد لتاريخ الدولة السعودية بمراحلها الثلاث، فتح نافذة من نوافذ سيرة الملك عبد العزيز العطرة، وأورد لـ«الشرق الأوسط»، قصصاً ومواقف تنم عن امتلاكه «كريزما» القيادة والحكم وقراءة الأحداث منذ صغره.

بداية يقول ابن عساكر إن شخصية الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود (1293هـ /1876م - 1373هـ/1953م) لا يمكن الإحاطة بها من كافة جوانبها وأحداثها الشخصية. ولم تغطِ الدراسات الخاصة عن الملك عبد العزيز في ظني إلا القليل، فما خرج من جوانب سيرته لا يتعدى الثلاثين بالمائة من أخباره وأحداثه؛ لكونه من الشخصيات العالمية التى كان لها دور مؤثر في صناعة تاريخ الجزيرة العربية والعالم، هذه الشخصية رزقها الله بميزات مهمة ومواهب متعددة وفكر بارز، وما يزال أثرها وتأثيرها قائماً حتى اليوم، وقدم ابن عساكر إطلالة ولمحات قليلة من بعض قصص الملك التي جمعت بين النباهة والفكاهة المحمودة والذكاء الحاد منذ الصغر، ومن تلك القصص:

الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود

لن يحكم آل سعود إلا هذا الفتى

عندما عقد الصلح بين محمد بن رشيد وبين الإمام عبد الرحمن بن فيصل بالرياض عام 1307هـ، وكان في حضور الصلح الأمير محمد بن فيصل آل سعود (ت 1311هـ /1894م)، وكان الشاب الصغير عبد العزيز وعمره قرابة أربعة عشر عاماً، جالساً بجوار عمه وأديرت القهوة، فسأل الأمير محمد بن رشيد الفتى عبد العزيز بقوله: لماذا يا عبد العزيز أبوك علينا يحاربنا ونحن وأنتم حمولة وحدة وربع؟ فرد عليه عبد العزيز: والدي لم يسيّر عليك بيارق نجد في حائل وعلى محارمك، بل أنت الذى فعلت ذلك، ولا دون الحلق إلا اليدين. وعندما خرج قال بعض جلساء محمد بن رشيد بلهجتهم: ما هذا الولد المهبول الذى رد بهذا؟ فقال حمود العبيد الرشيد: بل أنتم المهابيل، ولكن تنافقون محمد بن رشيد، وإن طول الله لكم عمراً، فلن يحكم آل سعود ولن يستقيم لهم أمر إلا على يد هذا الفتى.

محبة الرياض و«كريزما» القيادة

وفيما يتعلق بسرعة البديهة والرد عند الملك يورد ابن عساكر قصة للملك عبد العزيز مع الشيخ عيسى بن علي آل خليفة (1848م - 1932م) حاكم البحرين، وكان الملك عبد العزيز صغير السن يقدره كثيراً، ففي إحدى المرات قال له: ما الأحسن... البحرين أم قطر؟ فرد عليه الملك عبد العزيز فقال: بل الرياض أحسن. فتنبأ الشيخ عيسى بأن سيكون له شأن وذكر.

وفي إحدى المرات كان بعض الفتيان يلعبون مع الملك عبد العزيز وكان عمره صغيراً، وانقسموا قسمين، وكل قسم يقول: من أنا معه، لكن الملك عبد العزيز يقول: من هو معي. كما أورد ذلك الزركلي في كتابه «شبه الجزيرة العربية» نقلاً عن الشيخ محمد بن بليهد.

كما نقل الشيخ بليهد في موضع آخر أنه في أثناء وجود الملك عبد العزيز مع والده الإمام عبد الرحمن في قطر عام 1310هـ/1893م، حدثت قصة مع التاجر الشيخ عبد اللطيف بن مانع في قطر، فقد وُجدت الأسرة السعودية هناك وعند الشيخ قاسم آل ثاني، فحضر ابن مانع أحد مجالسه، ثم جاء للسلام على الإمام عبد الرحمن ودعاه لمنزله لمناسبة الغداء، وعند الزيارة كان أبناء الإمام يلعبون خلف ظهره، فسأل الإمام ابن مانع بقوله: ما ترى في أبنائنا هؤلاء؟ وأتظن من ينفع الله به؟ وكان عبد العزيز الفتى يستمع للحوار، فقال ابن مانع: لعل في فلان (غير الملك عبد العزيز) من سيكون له الشأن، ثم تقلبت الأمور، وتمكن الملك عبد العزيز من حكم نجد، فدار بين ابن مانع والملك عبد العزيز حوار، فقال له الملك: إني أحبك يا عبد اللطيف وأبغضك في ذات الوقت. فقال: يا مولاي، إني والله أحفظ لكم الولاء. فقال الملك: أما إني أحبك فلأنك مخلص لنا ومحب لعائلتنا، وما زلت أتذكر عندما كنا في قطر وذكرت لوالدي من تتوسم فيه فذكرت فلاناً، فهذا مما أغاظني منك. فقال ابن مانع: حفظك الله وأبقاك، إني شفتُ سحاباً خلته ماطراً فلم يمطر.

نباهة وطرافة

وذكر الباحث ابن عساكر أنه وردت في وثائق الملك المرسلة أو المتبادلة طرائف وحكايا تحمل النباهة والطرافة، ومنها خطاب كتبه الملك إلى راوية الأدب الشيخ عبد الله العجيري المتوفى عام 1352هـ، وكان العجيري ذا ذاكرة عجيبة وحافظة قوية، وراوية مشهوراً.

وجرت العادة أن يطلب الملك منه القدوم إليه للالتحاق بالجيش، وهذا قبل دخول السيارات للمنطقة عام 1342هـ/ 1922م، وكان يرافق الملك، ويقوم العجيري بالقراءة من حفظه لكتب الأدب والتاريخ مثل «تاريخ الطبري» أو كتاب «الأغاني» للأصفهاني وقصائد الشعراء، ومما جاء في هذا الخطاب المرسل: «وصلك كتابي، فيدٌ في الكتاب ورجل في الركاب»؛ أي اركب راحلتك وخذ كتابك وأقدم علينا.

وقد كان الخليفة عمر بن الخطاب يكتب لبعض الصحابة بمثل هذه الألفاظ.

ومن القصص في حروب التوحيد فى عام 1331هـ، أن اتجه الملك عبد العزيز والجند لفتح الأحساء ووصلوا للحسي، فأقام الملك وجنده فيها، ورغب الملك من المشاركين في إقامة عرضة للحرب، تنهض همم المقاتلين وقائدهم، فكتب أحد شعراء أشيقر ويسمى الشويقّى وألف هذه القصيدة التي منها:

يا شيخ نبه بالنداوي ما لنا بالمقام الجيش ربّع واجتنى المرباع والسبيب

يا ما حلا قوله سعيّد في جناح الظلام قدام نمرا من تبين في نجاهم يغيب

فعندما قيلت القصيدة كاملة، عرض عليها الملك عبد العزيز وسأل عن قائلها فإذا هو رجل ليس من مظهره إلا الفقر والبساطة، فشاهده الملك عبد العزيز وشد رأسه مستعجباً منها ومعجباً بها: لا إله إلا الله، سبحان مظهر الردانة (نوع من المأكولات البحرية) من المحارة (وذكر هذه القصة الراوية علي فهد السكران مع الإعلامي الراحل عبد الرحمن الشبيلي في برنامجه «شريط الذكريات»).

ومن لطائفه أن الشيخ فوزان السابق (1859م - 1954م) المعتمد السعودي في مصر والسفير لديها، كتب للملك عبد العزيز أن الله رزقه بمولود له بعد عمر لامس التسعين عاماً، فرد عليه الملك عبد العزيز: سبحان من يحيي العظام وهي رميم.

الملك عبد العزيز ومحمد نجيب في مادبة الغذاء التي اقيمت للوفد المصري وبدأ في الصورة الملك سلمان بن عبد العزيز ثم الامير طلال بن عبد العزيز ثم يوسف ياسين

من يحكم مصر

ومن نباهة هذا القائد الكبير أن قدم عليه الوفد المصري برئاسة محمد نجيب بعد نهاية النظام الملكي ليسلم عليه، وأقام الملك عبد العزيز له مأدبة رسمية (حضرها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان (الأمير آنذاك)، فعند قدومه في أغسطس (آب) عام 1953م، وقد استمع لهم الملك في كل أقوالهم وشكرهم، وعندما خرج الوفد أخبر الملك عبد العزيز من عنده بأن هذا الوفد لا يحكم مصر، بل في القاهرة هناك من يحكمها، فعندما كنت أتحدث معهم في بعض شؤون مصر لا يستطيعون القطع فيها، ولهم رأس آخر يرجعون إليه في مصر.

الملك عبد العزيز مستقبلاً محمد نجيب

وقال ابن عساكر في هذا الصدد: ذكر لي الأستاذ عبد الله بن يعقوب الدغيثر نقلاً عن والده المستشار يعقوب الدغيثر عند الملك عبد العزيز، والذي حضر هذا الاجتماع بالقول: «إن الرئيس محمد نجيب يقول في بعض إجاباته للملك عبد العزيز: سنرجع لمجلس الثورة... فكلما استفسر الملك قال سنرجع إلى مجلس الثورة، كما ألمح الدغيثر لي نقلاً عن والده أنه عند زيارة حسن البنا رئيس الإخوان المسلمين للملك عبد العزيز وكان الشيخ يعقوب حاضراً لهذا الاجتماع، فطلب البنا من الملك تأسيس مقر للإخوان المسلمين في السعودية، فرد عليه الملك عبد العزيز مباشرة بأننا جميعاً إخوة مسلمون».

وتحفل بعض الصور الملتقطة للملك عبد العزيز بعض المداعبات اللطيفة مثل ممازحته لرئيس «أرامكو» وهو المهندس الأميركي أولجير، فقد قام الملك عبد العزيز بممازحته إبان زيارة الملك لرأس تنورة وتدشين ناقلة البترول عام 1358هـ/1939م؛ إذ قام الملك عبد العزيز بإمساك الشماغ الذى لبسه أولجير بقوة، مما قابله بابتسامة انطلقت من الاثنين لهذا الموقف العفوي والبسيط.

برقية من الملك عبد العزيز للوزير عبد الله السليمان رداً على خطابات بعثها الأخير للملك فيها حكايات ومسامرات لاقت استحسان الملك

بيض الصعو

ومن لطائف الملك في المراسلات أنه في إحدى السنوات كان يتم تقييد الميزانيات للمناطق عبر مديري المالية ويطلع عليها الملك عبد العزيز ليوجه عليها فيما يراه مناسباً، وفي إحدى السنوات تأخرت كشوفات مالية أبها وكان متولي المالية في عسير هو الشيخ عبد الوهاب أبو ملحة (1885م - 1954م) الذي قضى بهذا العمل خمسة وثلاثين عاماً، وقد نال ثقة الملك عبد العزيز، وفي إحدى المرات تأخرت تلك الكشوفات المرسلة، فبعث الملك خطاباً لسرعة الإنجاز، فتأخر للمرة الثانية، فكتب الملك له خطاباً، ومما قاله مذكراً إياه بمثل مشهور: «لا تصير مثل بيض الصعو يُذكر ولا ينشاف»، والصعو طائر مهاجر ولا يبيض إلا في بلده، ونادر المشاهدة في المنطقة.

ومن الوثائق الطريفة للملك عبد العزيز مع وزير المالية الشيخ عبد الله بن سليمان (1884م - 1965م)، أنه قد كان ابن سليمان في جدة وأرسل للملك عبد العزيز أحد خطاباته، ويبدو أن فيها حكايات ومسامرات أدبية ظريفة، فأنس الملك عبد العزيز بقراءتها كثيراً وسُرّ بها، ثم كتب رداً لابن سليمان: «نرجو أن الله يوفقك في آخر عمرك وتحط لك كتاب ألف ليلة وليلة...».

جبل أبو مخروق في العاصمة السعودية الرياض

جني أبو مخروق

ومن قصصه التي تدل على امتلاكه روح الدعابة ما حدث ليوسف ياسين أحد مستشاريه (1896م – 1962م)، فقد وعده الملك إن بات ليلة عند جبل أبو مخروق (الخرّبة قديماً) الواقع في الملز، وكان هذا المكان مشتهراً لدى بعض أهالى الرياض بوجود الجن والشياطين، ويبدو أن يوسف ياسين لم يصدق ذلك، فوعده الملك عبد العزيز إن ذهب إلى الجبل وبات فيه ليلة فسيمنحه 300 جنيه ذهباً، فاتجه يوسف ياسين للمكان، وعندما وصل إليه وأثناء نزوله فيه سقطت بالقرب منه حجارة وسمع جعجعة وأصواتاً، فارتعد وذُعر ولم يستطع أن ينام ليلة واحدة وخسر العطية، وعلم لاحقاً أن الملك قد أرسل شخصين ليسبقاه هناك ويخوفاه من دون أن يراهما.

الملك عبد العزيز ويقف خلفه الأمير سلطان بن عبد العزيز والمستشار يوسف ياسين

ومن قصصه أن أحد العاملين لديه أقام مأدبة للملك في بيت له بناه في حي الوسيطي (جنوب أسوار الرياض القديمة)، وذلك بعد عام 1356هـ /1946م، وكان هذا الرجل يردد كثيراً كلمة للمراجعين لديه بقوله: «ما لك سنع»؛ أي إن القادم إليه لا ينطبق عليه شرط الإعطاء.

وعندما قدم الملك لبيته وأقام مأدبة الغداء في أعلى المنزل (الروشن)، صعد الملك عبد العزيز الدرج وهو يردد: ما لك سنه... ما لك سنع.

شيخ الأرض

ومن لطائفه مع أحد مستشاريه الأطباء الشيخ مدحت شيخ الأرض (1900 - 2001م) أن سأله: من سماك شيخ الأرض؟ فنحن لنا 30 سنة في حروب وجهاد ما استطعنا أخذ مشيخة صغيرة في الأرض، فكيف أنت شيخ الأرض؟ وكان الملك عبد العزيز يناديه باسم (مدحه).

ومن القصص الظريفة والغريبة أن الملك عبد العزيز بعد نزوله المربع عام 1358هـ / 1938م كان في قصر المربع «طير الببغاء» وُضع في الممر الموصل لغرفة نوم الملك، وفى أحد الأيام دخل الغرفة أحد الأشخاص من دون الحصول على إذن، فعرفه الببغاء مردداً اسم الشخص، الذي تسلل إلى غرفة الملك، وعندما علم الملك بالقصة ضحك متعجباً من قدرة هذا الطائر.

محبة الأبناء والأحفاد

وبخصوص محبته لأبنائه وأحفاده يقول ابن عساكر: يحضرني لطائف الملك عبد العزيز مع أطفاله وأحفاده عند حضورهم بعض مجالسه، ومن ذلك ما ذكره لي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، من بعض القصص الخاصة مع والده عندما كان صغيراً، ومنها أن الملك عبد العزيز كان يصطحب أنجاله في بعض تنزهاته وزياراته، وخصوصاً زيارته اليومية لأخواته، وخصوصاً الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، والأميرة الجوهرة بنت عبد الرحمن، وكانت مساكنهن بجوار شارع «الثميري» حالياً بالرياض، وعند خروج موكب الملك، من مقر عمله في قصر الحكم، يصطحب الأبناء معه، ويذكر ابن عساكر نقلاً عن الملك سلمان أنه زار مع والده مراراً عماته، وأن الملك كان يلاطفهن ويتسامر معهن بإيراد حكايات وقصص باسمه وتعليقات لطيفة، «حتى إننا نفرح بزيارتهن، وتقدم لنا عماتنا نوعاً من الحلوى يسمى (البرميت)».


مقالات ذات صلة

احتفاء باليوم الوطني السعودي الـ94 في مصر

يوميات الشرق جانب من احتفال سفارة السعودية في القاهرة بالعيد الوطني الـ94  (السفارة السعودية في القاهرة)

احتفاء باليوم الوطني السعودي الـ94 في مصر

وسط حشد كبير من رجال السياسة والإعلام ونجوم الفن المصريين احتفلت سفارة السعودية في القاهرة باليوم الوطني الـ94 للمملكة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
رياضة سعودية مانشيني يتوسط نجوم المنتخب السعودي عقب تجاوز الصين في التصفيات الآسيوية (الشرق الأوسط)

مانشيني: السعودية بلد رائع بتراث غني... أشعر أنني منكم

قدم الإيطالي روبرتو مانشيني مدرب المنتخب السعودي التهنئة للسعوديين بمناسبة حلول ذكرى «اليوم الوطني الـ94» والتي تصادف يوم 23 من شهر سبتمبر كل عام.

«الشرق الأوسط» (الرياض )
يوميات الشرق جانب من إحدى المسيرات الاحتفالية بالمناسبة (واس)

مشاعر سعودية تفيض بالحب للوطن والقيادة بذكرى اليوم الوطني الـ94

عمت مسيرات الفرح الميادين والطرقات في السعودية، الاثنين، احتفاءً بذكرى اليوم الوطني الـ94 للبلاد، وأضاءت الألعاب النارية سماء المدن والمحافظات في أجواء احتفالية

إبراهيم القرشي (جدة)
الخليج خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (واس)

الملك سلمان: يومنا الوطني ذكرى متجذرة في وجدان شعبنا

قال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، إن «يومنا الوطني المجيد ذكرى عزيزة متجددة في صفحات الوطن الأبيّ، متجذرة في وجدان الشعب السعودي العظيم».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا ولي العهد السعودي والرئيس المصري خلال لقاء سابق بينهما (واس)

السيسي يهنئ خادم الحرمين وولي العهد السعودي بـ«اليوم الوطني»

بعث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ببرقيتي تهنئة إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، والأمير محمد بن سلمان بمناسبة ذكرى اليوم الوطني


طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
TT

طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري

يشكّل قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الركيزة الأساسية لأي حلّ دبلوماسي للحرب الإسرائيلية على لبنان، رغم التصدعات التي أصابته جراء الخروق المتكررة لمضامينه منذ إقراره في شهر أغسطس (آب) 2006. وعلى رغم أن الأحداث المتسارعة تجاوزته وسياسة التدمير التي تنفذها إسرائيل على كامل الأراضي اللبنانية جعلت من الصعب البناء عليه، فإن وزير الخارجية الأسبق طارق متري، تحدث عن «استحالة الاتفاق على قرار بديل عنه بفعل الانقسام الحاد داخل مجلس الأمن الدولي وامتلاك الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حق النقض (الفيتو) لتعطيل أي قرار بديل». وشدد متري على أنه «لا بديل لهذا القرار وإن كان يحتاج إلى مقدمة جديدة وإعادة صياغة».

ثغرات تسهل الخرق

ثمة بنود ملتبسة في هذا القرار الدولي، تسببت بخرقه مراراً من إسرائيل و«حزب الله» على السواء؛ لكون كلّ منهما يفسّر هذه البنود بحسب رؤيته ومصلحته. ومتري هو أحد مهندسي الـ1701 عندما مثَّل لبنان وزيراً للخارجية بالوكالة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وأشار إلى أن «كل قرارات مجلس الأمن يشوبها بعض الغموض، ومن يقرأ 1701 بتأنٍ يتبيّن أنه ينطوي على لهجة قوية، لكن منطوقه يحمل بعض التأويل». وقال متري في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «مشكلة القرار 1701 الأساسية والتي كانت سبباً وراء تفسيره من نواحٍٍ مختلفة، أنه يدعو إلى وقف الأعمال العدائية وليس وقف إطلاق النار، وكذلك شابه الغموض أو عدم الوضوح، خصوصاً في الفقرة (8) التي تتحدث عن ترتيبات أمنية في المنطقة الفاصلة ما بين مجرى نهر الليطاني والخطّ الأزرق وجعلها خالية من المسلحين»، مشيراً إلى أن «هذا القرار صدر تحت الفصل السادس، لكن الالتباس الأكبر الذي شابه عندما تطرق إلى مهمة القوات الدولية (يونيفيل)؛ إذ أطلق يدها باتخاذ الإجراءات الضرورية كافة لمنع أي تواجد عسكري أو ظهور مسلّح غير شرعي كما لو أنه جاء تحت الفصل السابع». ويتابع متري قوله: «لكن للأسف هذه القوات لم تقم بدورها، وبدلاً عن أن تكون قوّة مراقبة وتدخل، باتت هي نفسها تحت المراقبة» (في إشارة إلى تعقبها من قِبل مناصري «حزب الله» واعتراضها).

ظروف صدور القرار

فرضت تطورات حرب يوليو (تموز) 2006 إصدار هذا القرار تحت النار والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل، ولم يخفِ الوزير متري أن «القرار 1701 لم يشبع درساً، وكان همّ كلّ الأطراف الاتفاق على ما يوقف الأعمال العدائية ولو كان ملتبساً». ويقول متري إن القرار «لم يكن ليصدر لو لم تتخذ حكومة لبنان برئاسة فؤاد السنيورة قراراً بإرسال 15 ألف جندي إلى الجنوب. لكن لأسباب متعددة لم يستطع لبنان أن يفي بوعده بإرسال هذا العدد من الجنود، أولاً لعدم توفر الإمكانات وانشغال الجيش بكثير من المهمات بينها حفظ الأمن الداخلي».

صحيح أن القرار الدولي كان عرضة للخرق الدائم وهذا كان موضع تقييم دائم من مجلس الأمن الدولي الذي لطالما حذّر من تجاوزه، لكنه بقي إطاراً ضابطاً للوضع الأمني على طول الخطّ الأزرق الفاصل ما بين لبنان وفلسطين المحتلّة.

جسر دمَّرته حرب 2006 شمال بيروت (غيتي)

وذكّر متري بأن «الفترة التي فصلت إقرار القانون ووقف الأعمال العدائية في عام 2006، وبين 7 أكتوبر (2023) لم يبادر (حزب الله) إلى الاصطدام بأحد، ولم يكن سلاحه ظاهراً كما غابت نشاطاته العسكرية، واعتبر نفسه مطبّقاً للقرار 1701 على النحو المطلوب، في حين أن إسرائيل خرقت السيادة اللبنانية جوّاً آلاف المرات، حتى أنها امتنعت عن إعطاء لبنان خرائط الألغام؛ وهو ما تسبب بسقوط عشرات الضحايا من المدنيين اللبنانيين». كذلك أشار متري إلى أن «دبلوماسيين غربيين تحدثوا عما يشبه الاتفاق الضمني بأن كلّ ما هو غير ظاهر من السلاح جنوبي الليطاني ينسجم القرار مع 1701، وأن (حزب الله) لم يقم بعمليات تخرق الخطّ الأزرق، بل كانت هناك عمليات في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا».

هل ما زال القرار قابلاً للحياة؟

يتردد طارق متري في الإجابة عن مستقبل هذا القرار؛ لأن «النوايا الفعلية لحكومة بنيامين نتنياهو غير واضحة». وسرعان ما يلفت إلى وجود تناقضات كبيرة في السياسة الدولية اليوم، ويقول: «الأميركيون يحذّرون نتنياهو من الغزو البرّي، لكنّ الأخير يزعم أنه يريد القيام بعمليات محدودة لضرب أهداف لـ(حزب الله)، وهذا غير مضمون»، مذكراً بأن «جناح اليمين المتطرف داخل الحكومة الإسرائيلية يدعو لاحتلال جزء من جنوب لبنان، لكنّ هؤلاء قلّة غير مؤثرة؛ لأن القرار في جنوب لبنان ونوعيّة الغزو البرّي تتخذه المؤسسة العسكرية»، متحدثاً عن «وجود إشارات متضاربة، إذ أنه عندما قدّم الأميركيون والفرنسيون ورقتهم لوقف النار، جاء التصعيد الإسرائيلي سريعاً في لبنان». وأضاف: «قبل الانتخابات الرئاسية يفضل الأميركيون ألا تندلع الحرب، وفي الوقت نفسه يغضون النظر عمّا تلحقه إسرائيل من أذى بحق المدنيين اللبنانيين».

سيناريو 2006

وتنطلق مخاوف وزير الخارجية السابق التجارب الإسرائيلية السابقة، قائلاً: «في عام 2006 زعمت إسرائيل أن الغاية من عملياتها في لبنان ضرب (حزب الله)، لكنها دمرت لبنان، واليوم تطبّق السيناريو نفسه، إن كانت لا تزال تحيّد مطار بيروت الدولي عن الاستهداف وتتجنّب تدمير الجسور، والفرنسيون متفهمون لذلك».

آثار القصف الإسرائيلي على بيروت خلال الحرب مع «حزب الله» عام 2006 (رويترز)

وشدد في الوقت نفسه على «مسؤولية لبنان بفتح نافذة دبلوماسية؛ إذ ليس لديه خيار سوى تطبيق القرار 1701 والاستعداد لإرسال الجيش إلى الجنوب». وتابع: «إسرائيل تعرف أن الحكومة اللبنانية ضعيفة وإذا حصلت على التزام لبناني بتطبيق القرار ستطالب بالأكثر».

وفي حين يسود اعتقاد بأن القرار 1701 لم يعد الوثيقة الدولية الصالحة لإنهاء الحرب القائمة على لبنان اليوم، استبعد طارق متري إصدار مجلس الأمن الدولي قراراً بديلاً عنه. ورأى أنه «يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يجدد المطالبة بتنفيذه مع إعادة صياغته ووضع مقدّمة جديدة له». وتحدث عن «استحالة صدور قرار جديد لأن مجلس الأمن الدولي مشلول ولا يمكن إصدار الاتفاق على بديل، لأن الفيتو الأميركي والروسي موجودون ولا إمكانية لقرار آخر». وأكد أن «التقدم الإسرائيلي ميدانياً سيقفل الباب أمام الحلّ الدبلوماسي، أما إذا تمكن (حزب الله) من الصمود أمام التدخل الإسرائيلي فهذا قد يفتح باباً أمام الحلول السياسية».