مواقف كشفت عن روح القيادة والفكاهة وسرعة البديهة عند الملك عبد العزيز

ابن عساكر يكشف لـ«الشرق الأوسط» قصصاً لم تُنشر عن جوانب شخصية للمؤسس

الملك عبد العزيز ومحمد نجيب في مادبة الغذاء التي اقيمت للوفد المصري وبدأ في الصورة الملك سلمان بن عبد العزيز ثم الامير طلال بن عبد العزيز ثم يوسف ياسين
الملك عبد العزيز ومحمد نجيب في مادبة الغذاء التي اقيمت للوفد المصري وبدأ في الصورة الملك سلمان بن عبد العزيز ثم الامير طلال بن عبد العزيز ثم يوسف ياسين
TT

مواقف كشفت عن روح القيادة والفكاهة وسرعة البديهة عند الملك عبد العزيز

الملك عبد العزيز ومحمد نجيب في مادبة الغذاء التي اقيمت للوفد المصري وبدأ في الصورة الملك سلمان بن عبد العزيز ثم الامير طلال بن عبد العزيز ثم يوسف ياسين
الملك عبد العزيز ومحمد نجيب في مادبة الغذاء التي اقيمت للوفد المصري وبدأ في الصورة الملك سلمان بن عبد العزيز ثم الامير طلال بن عبد العزيز ثم يوسف ياسين

لعل من الصعوبة الإحاطة بشخصية الملك عبد العزيز في كل الجوانب، فقد تميز منذ صغره بالذكاء الحاد والنباهة، إضافة إلى امتلاكه روح القيادة والتفرد، الدكتور راشد بن محمد بن عساكر المؤرخ والمؤلف والراصد لتاريخ الدولة السعودية بمراحلها الثلاث، فتح نافذة من نوافذ سيرة الملك عبد العزيز العطرة، وأورد لـ«الشرق الأوسط»، قصصاً ومواقف تنم عن امتلاكه «كريزما» القيادة والحكم وقراءة الأحداث منذ صغره.

بداية يقول ابن عساكر إن شخصية الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود (1293هـ /1876م - 1373هـ/1953م) لا يمكن الإحاطة بها من كافة جوانبها وأحداثها الشخصية. ولم تغطِ الدراسات الخاصة عن الملك عبد العزيز في ظني إلا القليل، فما خرج من جوانب سيرته لا يتعدى الثلاثين بالمائة من أخباره وأحداثه؛ لكونه من الشخصيات العالمية التى كان لها دور مؤثر في صناعة تاريخ الجزيرة العربية والعالم، هذه الشخصية رزقها الله بميزات مهمة ومواهب متعددة وفكر بارز، وما يزال أثرها وتأثيرها قائماً حتى اليوم، وقدم ابن عساكر إطلالة ولمحات قليلة من بعض قصص الملك التي جمعت بين النباهة والفكاهة المحمودة والذكاء الحاد منذ الصغر، ومن تلك القصص:

الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود

لن يحكم آل سعود إلا هذا الفتى

عندما عقد الصلح بين محمد بن رشيد وبين الإمام عبد الرحمن بن فيصل بالرياض عام 1307هـ، وكان في حضور الصلح الأمير محمد بن فيصل آل سعود (ت 1311هـ /1894م)، وكان الشاب الصغير عبد العزيز وعمره قرابة أربعة عشر عاماً، جالساً بجوار عمه وأديرت القهوة، فسأل الأمير محمد بن رشيد الفتى عبد العزيز بقوله: لماذا يا عبد العزيز أبوك علينا يحاربنا ونحن وأنتم حمولة وحدة وربع؟ فرد عليه عبد العزيز: والدي لم يسيّر عليك بيارق نجد في حائل وعلى محارمك، بل أنت الذى فعلت ذلك، ولا دون الحلق إلا اليدين. وعندما خرج قال بعض جلساء محمد بن رشيد بلهجتهم: ما هذا الولد المهبول الذى رد بهذا؟ فقال حمود العبيد الرشيد: بل أنتم المهابيل، ولكن تنافقون محمد بن رشيد، وإن طول الله لكم عمراً، فلن يحكم آل سعود ولن يستقيم لهم أمر إلا على يد هذا الفتى.

محبة الرياض و«كريزما» القيادة

وفيما يتعلق بسرعة البديهة والرد عند الملك يورد ابن عساكر قصة للملك عبد العزيز مع الشيخ عيسى بن علي آل خليفة (1848م - 1932م) حاكم البحرين، وكان الملك عبد العزيز صغير السن يقدره كثيراً، ففي إحدى المرات قال له: ما الأحسن... البحرين أم قطر؟ فرد عليه الملك عبد العزيز فقال: بل الرياض أحسن. فتنبأ الشيخ عيسى بأن سيكون له شأن وذكر.

وفي إحدى المرات كان بعض الفتيان يلعبون مع الملك عبد العزيز وكان عمره صغيراً، وانقسموا قسمين، وكل قسم يقول: من أنا معه، لكن الملك عبد العزيز يقول: من هو معي. كما أورد ذلك الزركلي في كتابه «شبه الجزيرة العربية» نقلاً عن الشيخ محمد بن بليهد.

كما نقل الشيخ بليهد في موضع آخر أنه في أثناء وجود الملك عبد العزيز مع والده الإمام عبد الرحمن في قطر عام 1310هـ/1893م، حدثت قصة مع التاجر الشيخ عبد اللطيف بن مانع في قطر، فقد وُجدت الأسرة السعودية هناك وعند الشيخ قاسم آل ثاني، فحضر ابن مانع أحد مجالسه، ثم جاء للسلام على الإمام عبد الرحمن ودعاه لمنزله لمناسبة الغداء، وعند الزيارة كان أبناء الإمام يلعبون خلف ظهره، فسأل الإمام ابن مانع بقوله: ما ترى في أبنائنا هؤلاء؟ وأتظن من ينفع الله به؟ وكان عبد العزيز الفتى يستمع للحوار، فقال ابن مانع: لعل في فلان (غير الملك عبد العزيز) من سيكون له الشأن، ثم تقلبت الأمور، وتمكن الملك عبد العزيز من حكم نجد، فدار بين ابن مانع والملك عبد العزيز حوار، فقال له الملك: إني أحبك يا عبد اللطيف وأبغضك في ذات الوقت. فقال: يا مولاي، إني والله أحفظ لكم الولاء. فقال الملك: أما إني أحبك فلأنك مخلص لنا ومحب لعائلتنا، وما زلت أتذكر عندما كنا في قطر وذكرت لوالدي من تتوسم فيه فذكرت فلاناً، فهذا مما أغاظني منك. فقال ابن مانع: حفظك الله وأبقاك، إني شفتُ سحاباً خلته ماطراً فلم يمطر.

نباهة وطرافة

وذكر الباحث ابن عساكر أنه وردت في وثائق الملك المرسلة أو المتبادلة طرائف وحكايا تحمل النباهة والطرافة، ومنها خطاب كتبه الملك إلى راوية الأدب الشيخ عبد الله العجيري المتوفى عام 1352هـ، وكان العجيري ذا ذاكرة عجيبة وحافظة قوية، وراوية مشهوراً.

وجرت العادة أن يطلب الملك منه القدوم إليه للالتحاق بالجيش، وهذا قبل دخول السيارات للمنطقة عام 1342هـ/ 1922م، وكان يرافق الملك، ويقوم العجيري بالقراءة من حفظه لكتب الأدب والتاريخ مثل «تاريخ الطبري» أو كتاب «الأغاني» للأصفهاني وقصائد الشعراء، ومما جاء في هذا الخطاب المرسل: «وصلك كتابي، فيدٌ في الكتاب ورجل في الركاب»؛ أي اركب راحلتك وخذ كتابك وأقدم علينا.

وقد كان الخليفة عمر بن الخطاب يكتب لبعض الصحابة بمثل هذه الألفاظ.

ومن القصص في حروب التوحيد فى عام 1331هـ، أن اتجه الملك عبد العزيز والجند لفتح الأحساء ووصلوا للحسي، فأقام الملك وجنده فيها، ورغب الملك من المشاركين في إقامة عرضة للحرب، تنهض همم المقاتلين وقائدهم، فكتب أحد شعراء أشيقر ويسمى الشويقّى وألف هذه القصيدة التي منها:

يا شيخ نبه بالنداوي ما لنا بالمقام الجيش ربّع واجتنى المرباع والسبيب

يا ما حلا قوله سعيّد في جناح الظلام قدام نمرا من تبين في نجاهم يغيب

فعندما قيلت القصيدة كاملة، عرض عليها الملك عبد العزيز وسأل عن قائلها فإذا هو رجل ليس من مظهره إلا الفقر والبساطة، فشاهده الملك عبد العزيز وشد رأسه مستعجباً منها ومعجباً بها: لا إله إلا الله، سبحان مظهر الردانة (نوع من المأكولات البحرية) من المحارة (وذكر هذه القصة الراوية علي فهد السكران مع الإعلامي الراحل عبد الرحمن الشبيلي في برنامجه «شريط الذكريات»).

ومن لطائفه أن الشيخ فوزان السابق (1859م - 1954م) المعتمد السعودي في مصر والسفير لديها، كتب للملك عبد العزيز أن الله رزقه بمولود له بعد عمر لامس التسعين عاماً، فرد عليه الملك عبد العزيز: سبحان من يحيي العظام وهي رميم.

الملك عبد العزيز ومحمد نجيب في مادبة الغذاء التي اقيمت للوفد المصري وبدأ في الصورة الملك سلمان بن عبد العزيز ثم الامير طلال بن عبد العزيز ثم يوسف ياسين

من يحكم مصر

ومن نباهة هذا القائد الكبير أن قدم عليه الوفد المصري برئاسة محمد نجيب بعد نهاية النظام الملكي ليسلم عليه، وأقام الملك عبد العزيز له مأدبة رسمية (حضرها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان (الأمير آنذاك)، فعند قدومه في أغسطس (آب) عام 1953م، وقد استمع لهم الملك في كل أقوالهم وشكرهم، وعندما خرج الوفد أخبر الملك عبد العزيز من عنده بأن هذا الوفد لا يحكم مصر، بل في القاهرة هناك من يحكمها، فعندما كنت أتحدث معهم في بعض شؤون مصر لا يستطيعون القطع فيها، ولهم رأس آخر يرجعون إليه في مصر.

الملك عبد العزيز مستقبلاً محمد نجيب

وقال ابن عساكر في هذا الصدد: ذكر لي الأستاذ عبد الله بن يعقوب الدغيثر نقلاً عن والده المستشار يعقوب الدغيثر عند الملك عبد العزيز، والذي حضر هذا الاجتماع بالقول: «إن الرئيس محمد نجيب يقول في بعض إجاباته للملك عبد العزيز: سنرجع لمجلس الثورة... فكلما استفسر الملك قال سنرجع إلى مجلس الثورة، كما ألمح الدغيثر لي نقلاً عن والده أنه عند زيارة حسن البنا رئيس الإخوان المسلمين للملك عبد العزيز وكان الشيخ يعقوب حاضراً لهذا الاجتماع، فطلب البنا من الملك تأسيس مقر للإخوان المسلمين في السعودية، فرد عليه الملك عبد العزيز مباشرة بأننا جميعاً إخوة مسلمون».

وتحفل بعض الصور الملتقطة للملك عبد العزيز بعض المداعبات اللطيفة مثل ممازحته لرئيس «أرامكو» وهو المهندس الأميركي أولجير، فقد قام الملك عبد العزيز بممازحته إبان زيارة الملك لرأس تنورة وتدشين ناقلة البترول عام 1358هـ/1939م؛ إذ قام الملك عبد العزيز بإمساك الشماغ الذى لبسه أولجير بقوة، مما قابله بابتسامة انطلقت من الاثنين لهذا الموقف العفوي والبسيط.

برقية من الملك عبد العزيز للوزير عبد الله السليمان رداً على خطابات بعثها الأخير للملك فيها حكايات ومسامرات لاقت استحسان الملك

بيض الصعو

ومن لطائف الملك في المراسلات أنه في إحدى السنوات كان يتم تقييد الميزانيات للمناطق عبر مديري المالية ويطلع عليها الملك عبد العزيز ليوجه عليها فيما يراه مناسباً، وفي إحدى السنوات تأخرت كشوفات مالية أبها وكان متولي المالية في عسير هو الشيخ عبد الوهاب أبو ملحة (1885م - 1954م) الذي قضى بهذا العمل خمسة وثلاثين عاماً، وقد نال ثقة الملك عبد العزيز، وفي إحدى المرات تأخرت تلك الكشوفات المرسلة، فبعث الملك خطاباً لسرعة الإنجاز، فتأخر للمرة الثانية، فكتب الملك له خطاباً، ومما قاله مذكراً إياه بمثل مشهور: «لا تصير مثل بيض الصعو يُذكر ولا ينشاف»، والصعو طائر مهاجر ولا يبيض إلا في بلده، ونادر المشاهدة في المنطقة.

ومن الوثائق الطريفة للملك عبد العزيز مع وزير المالية الشيخ عبد الله بن سليمان (1884م - 1965م)، أنه قد كان ابن سليمان في جدة وأرسل للملك عبد العزيز أحد خطاباته، ويبدو أن فيها حكايات ومسامرات أدبية ظريفة، فأنس الملك عبد العزيز بقراءتها كثيراً وسُرّ بها، ثم كتب رداً لابن سليمان: «نرجو أن الله يوفقك في آخر عمرك وتحط لك كتاب ألف ليلة وليلة...».

جبل أبو مخروق في العاصمة السعودية الرياض

جني أبو مخروق

ومن قصصه التي تدل على امتلاكه روح الدعابة ما حدث ليوسف ياسين أحد مستشاريه (1896م – 1962م)، فقد وعده الملك إن بات ليلة عند جبل أبو مخروق (الخرّبة قديماً) الواقع في الملز، وكان هذا المكان مشتهراً لدى بعض أهالى الرياض بوجود الجن والشياطين، ويبدو أن يوسف ياسين لم يصدق ذلك، فوعده الملك عبد العزيز إن ذهب إلى الجبل وبات فيه ليلة فسيمنحه 300 جنيه ذهباً، فاتجه يوسف ياسين للمكان، وعندما وصل إليه وأثناء نزوله فيه سقطت بالقرب منه حجارة وسمع جعجعة وأصواتاً، فارتعد وذُعر ولم يستطع أن ينام ليلة واحدة وخسر العطية، وعلم لاحقاً أن الملك قد أرسل شخصين ليسبقاه هناك ويخوفاه من دون أن يراهما.

الملك عبد العزيز ويقف خلفه الأمير سلطان بن عبد العزيز والمستشار يوسف ياسين

ومن قصصه أن أحد العاملين لديه أقام مأدبة للملك في بيت له بناه في حي الوسيطي (جنوب أسوار الرياض القديمة)، وذلك بعد عام 1356هـ /1946م، وكان هذا الرجل يردد كثيراً كلمة للمراجعين لديه بقوله: «ما لك سنع»؛ أي إن القادم إليه لا ينطبق عليه شرط الإعطاء.

وعندما قدم الملك لبيته وأقام مأدبة الغداء في أعلى المنزل (الروشن)، صعد الملك عبد العزيز الدرج وهو يردد: ما لك سنه... ما لك سنع.

شيخ الأرض

ومن لطائفه مع أحد مستشاريه الأطباء الشيخ مدحت شيخ الأرض (1900 - 2001م) أن سأله: من سماك شيخ الأرض؟ فنحن لنا 30 سنة في حروب وجهاد ما استطعنا أخذ مشيخة صغيرة في الأرض، فكيف أنت شيخ الأرض؟ وكان الملك عبد العزيز يناديه باسم (مدحه).

ومن القصص الظريفة والغريبة أن الملك عبد العزيز بعد نزوله المربع عام 1358هـ / 1938م كان في قصر المربع «طير الببغاء» وُضع في الممر الموصل لغرفة نوم الملك، وفى أحد الأيام دخل الغرفة أحد الأشخاص من دون الحصول على إذن، فعرفه الببغاء مردداً اسم الشخص، الذي تسلل إلى غرفة الملك، وعندما علم الملك بالقصة ضحك متعجباً من قدرة هذا الطائر.

محبة الأبناء والأحفاد

وبخصوص محبته لأبنائه وأحفاده يقول ابن عساكر: يحضرني لطائف الملك عبد العزيز مع أطفاله وأحفاده عند حضورهم بعض مجالسه، ومن ذلك ما ذكره لي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، من بعض القصص الخاصة مع والده عندما كان صغيراً، ومنها أن الملك عبد العزيز كان يصطحب أنجاله في بعض تنزهاته وزياراته، وخصوصاً زيارته اليومية لأخواته، وخصوصاً الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، والأميرة الجوهرة بنت عبد الرحمن، وكانت مساكنهن بجوار شارع «الثميري» حالياً بالرياض، وعند خروج موكب الملك، من مقر عمله في قصر الحكم، يصطحب الأبناء معه، ويذكر ابن عساكر نقلاً عن الملك سلمان أنه زار مع والده مراراً عماته، وأن الملك كان يلاطفهن ويتسامر معهن بإيراد حكايات وقصص باسمه وتعليقات لطيفة، «حتى إننا نفرح بزيارتهن، وتقدم لنا عماتنا نوعاً من الحلوى يسمى (البرميت)».


مقالات ذات صلة

احتفاء باليوم الوطني السعودي الـ94 في مصر

يوميات الشرق جانب من احتفال سفارة السعودية في القاهرة بالعيد الوطني الـ94  (السفارة السعودية في القاهرة)

احتفاء باليوم الوطني السعودي الـ94 في مصر

وسط حشد كبير من رجال السياسة والإعلام ونجوم الفن المصريين احتفلت سفارة السعودية في القاهرة باليوم الوطني الـ94 للمملكة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
رياضة سعودية مانشيني يتوسط نجوم المنتخب السعودي عقب تجاوز الصين في التصفيات الآسيوية (الشرق الأوسط)

مانشيني: السعودية بلد رائع بتراث غني... أشعر أنني منكم

قدم الإيطالي روبرتو مانشيني مدرب المنتخب السعودي التهنئة للسعوديين بمناسبة حلول ذكرى «اليوم الوطني الـ94» والتي تصادف يوم 23 من شهر سبتمبر كل عام.

«الشرق الأوسط» (الرياض )
يوميات الشرق جانب من إحدى المسيرات الاحتفالية بالمناسبة (واس)

مشاعر سعودية تفيض بالحب للوطن والقيادة بذكرى اليوم الوطني الـ94

عمت مسيرات الفرح الميادين والطرقات في السعودية، الاثنين، احتفاءً بذكرى اليوم الوطني الـ94 للبلاد، وأضاءت الألعاب النارية سماء المدن والمحافظات في أجواء احتفالية

إبراهيم القرشي (جدة)
الخليج خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (واس)

الملك سلمان: يومنا الوطني ذكرى متجذرة في وجدان شعبنا

قال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، إن «يومنا الوطني المجيد ذكرى عزيزة متجددة في صفحات الوطن الأبيّ، متجذرة في وجدان الشعب السعودي العظيم».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا ولي العهد السعودي والرئيس المصري خلال لقاء سابق بينهما (واس)

السيسي يهنئ خادم الحرمين وولي العهد السعودي بـ«اليوم الوطني»

بعث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ببرقيتي تهنئة إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، والأمير محمد بن سلمان بمناسبة ذكرى اليوم الوطني


غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

TT

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)
مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)

في المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، على مساحة لا تزيد على 360 كيلومتراً مربعاً، بطول 41 كم، وعرض يتراوح بين 5 و15 كم، يعيش في قطاع غزة نحو مليوني نسمة، ما يجعل القطاع البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم.

تبلغ نسبة الكثافة وفقاً لأرقام حديثة أكثر من 27 ألف ساكن في الكيلومتر المربع الواحد، أما في المخيمات فترتفع الكثافة السكانية إلى حدود 56 ألف ساكن تقريباً بالكيلومتر المربع.

تأتي تسمية القطاع «قطاع غزة» نسبة لأكبر مدنه، غزة، التي تعود مشكلة إسرائيل معها إلى ما قبل احتلالها في عام 1967، عندما كانت تحت الحكم المصري.

فقد تردد ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، في احتلال القطاع بعد حرب 1948، قبل أن يعود بعد 7 سنوات، في أثناء حملة سيناء، لاحتلاله لكن بشكل لم يدُم طويلاً، ثم عاد واحتله وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان عام 1967.

خيام النازحين الفلسطينيين على شاطئ دير البلح وسط قطاع غزة الأربعاء (إ.ب.أ)

في عام 1987، أطلق قطاع غزة شرارة الانتفاضة الشعبية الأولى، وغدا مصدر إزعاج كبيراً لإسرائيل لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، تمنى لو يصحو يوماً ويجد غزة وقد غرقت في البحر.

لكن غزة لم تغرق كما يشتهي رابين، ورمتها إسرائيل في حضن السلطة الفلسطينية عام 1994 على أمل أن تتحول هذه السلطة إلى شرطي حدود. لكن هذا كان أيضاً بمثابة وهم جديد؛ إذ اضطرت إسرائيل إلى شن أولى عملياتها العسكرية ضد غزة بعد تسليمها السلطة بنحو 8 سنوات، وتحديداً في نهاية أبريل (نيسان) 2001.

وفي مايو (أيار) 2004، شنت إسرائيل عملية «قوس قزح»، وفي سبتمبر (أيلول) 2004، عادت ونفذت عملية «أيام الندم». ثم في 2005، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة ضمن خطة عرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط الأحادي الجانب».

بعد الانسحاب شنت إسرائيل حربين سريعين، الأولى في 25 سبتمبر (أيلول) 2005 باسم «أول الغيث»، وهي أول عملية بعد خطة فك الارتباط بأسبوعين، وبعد عام واحد، في يونيو (حزيران) 2006، شنت إسرائيل عملية باسم «سيف جلعاد» في محاولة فاشلة لاستعادة الجندي الإسرائيلي الذي خطفته «حماس» آنذاك جلعاد شاليط، بينما ما زالت السلطة تحكم قطاع غزة.

عام واحد بعد ذلك سيطرت حماس على القطاع ثم توالت حروب أكبر وأوسع وأضخم تطورت معها قدرة الحركة وقدرات الفصائل الأخرى، مثل «الجهاد الإسلامي» التي اضطرت في السنوات الأخيرة لخوض حروب منفردة.

ظلت إسرائيل تقول إن «طنجرة الضغط» في غزة تمثل تهديداً يجب التعامل معه حتى تعاملت معها «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بانفجار لم تتوقعه أو تستوعبه إسرائيل وجر حرباً دموية على غزة، وأخرى على لبنان، وسلسلة مواجهات باردة في جبهات أخرى في حرب تبدو نصف إقليمية، وما أسهل أن تتحول إلى نصف عالمية.

أبرز الحروب

«الرصاص المصبوب» حسب التسمية الإسرائيلية أو «الفرقان» فلسطينياً:

بدأت في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008، وشنت خلالها إسرائيل إحدى أكبر عملياتها العسكرية على غزة وأكثرها دموية منذ الانسحاب من القطاع في 2005. واستهلتها بضربة جوية تسببت في مقتل 89 شرطياً تابعين لحركة «حماس»، إضافة إلى نحو 80 آخرين من المدنيين، ثم اقتحمت إسرائيل شمال وجنوب القطاع.

خلفت العمليات الدامية التي استمرت 21 يوماً، نحو 1400 قتيل فلسطيني و5500 جريح، ودمر أكثر من 4000 منزل في غزة، فيما تكبدت إسرائيل أكثر من 14 قتيلاً وإصابة 168 بين جنودها، يضاف إليهم ثلاثة مستوطنين ونحو ألف جريح.

وفي هذه الحرب اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» إسرائيل باستخدام الفسفور الأبيض بشكل ممنهج في قصف مناطق مأهولة بالسكان خلال الحرب.

«عمود السحاب» إسرائيلياً أو «حجارة السجيل» فلسطينياً:

أطلقت إسرائيل العملية في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 باغتيال رئيس أركان «حماس»، أحمد الجعبري. واكتفت إسرائيل بالهجمات الجوية ونفذت مئات الطلعات على غزة، وأدت العمليات إلى مقتل 174 فلسطينياً وجرح 1400.

شنت «حماس» أعنف هجوم على إسرائيل آنذاك، واستخدمت للمرة الأولى صواريخ طويلة المدى وصلت إلى تل أبيب والقدس وكانت صادمة للإسرائيليين. وأطلق خلال العملية تجاه إسرائيل أكثر من 1500 صاروخ، سقط من بينها على المدن 58 صاروخاً وجرى اعتراض 431. والبقية سقطت في مساحات مفتوحة. وقتل خلال العملية 5 إسرائيليين (أربعة مدنيين وجندي واحد) بالصواريخ الفلسطينية، بينما أصيب نحو 500 آخرين.

مقاتلون من «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - «كتائب القسام» عبر «تلغرام»)

«الجرف الصامد» إسرائيلياً أو «العصف المأكول» فلسطينياً:

بدأتها إسرائيل يوم الثلاثاء في 8 يوليو (تموز) 2014، ظلت 51 يوماً، وخلفت أكثر من 1500 قتيل فلسطيني ودماراً كبيراً.

اندلعت الحرب بعد أن اغتالت إسرائيل مسؤولين من حركة «حماس» اتهمتهم أنهم وراء اختطاف وقتل 3 مستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.

شنت إسرائيل خلال الحرب أكثر من 60 ألف غارة على القطاع ودمرت 33 نفقاً تابعاً لـ«حماس» التي أطلقت في هذه المواجهة أكثر من 8000 صاروخ وصل بعضها للمرة الأولى في تاريخ المواجهات إلى تل أبيب والقدس وحيفا وتسببت بشل الحركة هناك، بما فيها إغلاق مطار بن غوريون.

قتل في الحرب 68 جندياً إسرائيلياً، و4 مدنيين، وأصيب 2500 بجروح.

قبل نهاية الحرب أعلنت «كتائب القسام» أسرها الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، خلال تصديها لتوغل بري لجيش الاحتلال في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وما زال في الأسر.

«صيحة الفجر»:

عملية بدأتها إسرائيل صباح يوم 12 نوفمبر عام 2019، باغتيال قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، بهاء أبو العطا، في شقته السكنية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وردت «حركة الجهاد الإسلامي» بهجوم صاروخي استمر بضعة أيام، أطلقت خلالها مئات الصواريخ على مواقع وبلدات إسرائيلية.

كانت أول حرب لا تشارك فيها «حماس» وتنجح إسرائيل في إبقائها بعيدة.

طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

«حارس الأسوار» أو «سيف القدس»:

بدأت شرارتها من القدس بعد مواجهات في حي الشيخ جراح، واقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى ثم تنظيم مسيرة «الأعلام» نحو البلدة القديمة، وهي المسيرة التي حذرت «حماس» من أنها إذا تقدمت فإنها ستقصف القدس، وهو ما تم فعلاً في يوم العاشر من مايو (أيار) عام 2021.

شنت إسرائيل هجمات مكثفة على غزة وقتلت في 11 يوماً نحو 250 فلسطينياً، وأطلقت الفصائل أكثر من 4 آلاف صاروخ على بلدات ومدن في إسرائيل، ووصلت الصواريخ إلى تخوم مطار رامون، وقتل في الهجمات 12 إسرائيلياً.

 

«الفجر الصادق» أو «وحدة الساحات»:

كررت إسرائيل هجوماً منفرداً على «الجهاد» في الخامس من أغسطس (آب) 2022 واغتالت قائد المنطقة الشمالية لـ«سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، تيسير الجعبري، بعد استنفار أعلنته «الجهاد» رداً على اعتقال مسؤول كبير في الحركة في جنين في الضفة الغربية، وهو بسام السعدي.

ردت «حركة الجهاد الإسلامي» بمئات الصواريخ على بلدات ومدن إسرائيلية، وقالت في بيان إنها عملية مشتركة مع كتائب المقاومة الوطنية وكتائب المجاهدين وكتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح)، في انتقاد مبطن لعدم مشاركة «حماس» في القتال. توقفت العملية بعد أيام قليلة إثر تدخل وسطاء. وقتل في الهجمات الإسرائيلية 24 فلسطينياً بينهم 6 أطفال.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام خريطة لغزة خلال مؤتمره الصحافي في القدس ليلة الاثنين (إ.ب.أ)

«السهم الواقي» أو «ثأر الأحرار»:

حرب مفاجئة بدأتها إسرائيل في التاسع من مايو 2023، باغتيال 3 من أبرز قادة «سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة)، أمين سر المجلس العسكري لسرايا القدس، جهاد غنام (62 عاماً)، وقائد المنطقة الشمالية في السرايا خليل البهتيني (44 عاماً)، وعضو المكتب السياسي أحد مسؤولي العمل العسكري في الضفة الغربية، المبعد إلى غزة، طارق عز الدين (48 عاماً).

وحرب عام 2023 هي ثالث هجوم تشنه إسرائيل على «الجهاد الإسلامي» منفرداً، الذي رد هذه المرة بتنسيق كامل مع «حماس» عبر الغرفة المشتركة وقصف تل أبيب ومناطق أخرى كثيرة بوابل من الصواريخ تجاوز الـ500 صاروخ على الأقل.

... ثم الحرب الحالية في السابع من أكتوبر 2023.