جَبَّانة القاهرة التاريخية تنتظر قرارات «صعبة»

ترانيم الدفن المصرية تتلعثم في تطورات مُربكة

TT

جَبَّانة القاهرة التاريخية تنتظر قرارات «صعبة»

عمليات حفر لتشييد طريق قرب مدافن بجنوب القاهرة القديمة في يوليو عام 2020 (أ.ف.ب)
عمليات حفر لتشييد طريق قرب مدافن بجنوب القاهرة القديمة في يوليو عام 2020 (أ.ف.ب)

وقف كاهن هرم الملك «ونيس» آخر ملوك الأسرة الخامسة (2300 قبل الميلاد)، مودّعاً الملك قبيل دفنه قائلاً: «التحيات لك يا أبي أوزير، أنا حورس، جئتُ إليك، لأفتح فمك مع بتاح، ولأمجدك مع تحوت، أرد لك قلبك في أحشائك، كي تتذكر ما نسيت، أعطيك خبزاً، لتأكل متى تشاء، كما كنت تفعل على الأرض».

هذه الترنيمة الجنائزية التي حفظتها أفئدة الكهنة لعصور طويلة، لتوديع الملوك، تعدّ النبع الذي فاضت منه كل صور الأدب الجنائزي في مصر القديمة، وتركت أثرها على مراسم الدفن المصرية في الفترات اللاحقة، مؤكدة أن اهتمام المصريين بشعائر الدفن وبناء المقابر كان يضاهي اهتمامهم بالحياة والبيوت وربما أكثر.

وعلى مدار القرون الماضية، نالت المنطقة المتاخمة لسفح هضبة المقطم (شرق القاهرة)، اهتماماً واسعاً من قِبل حكام «المحروسة» (مصر)، على اختلاف مذاهبهم وأفكارهم، حيث عدُّوها منطقة «مُباركة»، تتواجد بها أضرحة الصحابة والتابعين وتشكل نواة للجبَّانة التاريخية، التي أثار هدم عشرات المقابر بها اعتراضات واسعة.

قرافة الإمام الشافعي حيث يتم إنشاء مشروع طريق جديدة في العاصمة المصرية في صورة التُقطت في 31 مايو (أيار) الماضي (رويترز)

ولأن هذه الجَبَّانة حَوَت أيضاً أضرحة لرموز مصرية حديثة، مثل «أمير الشعراء» أحمد شوقي، والأديب يحيى حقي، فإن كثيرين يترقبون ما ستسفر عنه أعمال اللجنة الوزارية التي وجّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أخيراً بتشكيلها لتقييم الأوضاع في هذه البقعة التراثية الفريدة، التي تنفذ فيها الحكومة المصرية محاور مرورية جديدة، للربط بين الطرق الرئيسية شرق القاهرة وجنوبها؛ من أجل تخفيف الزحام المروري.

سوسيولوجيا الدفن

عُرف المصريون القدماء بالعناية الشديدة بموتاهم؛ استناداً إلى الاعتقاد بوجود حياة أخرى أبدية، وفق الدكتور محمد عبد المقصود، الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، الذي يؤكد أن «المصريين الحاليين توارثوا الاهتمام بالمقابر وتشييدها وتزيينها بأفخم الإمكانات المتاحة، من أسلافهم في العصور القديمة، فالشعب المصري يُعدّ متفرداً في الزيارات الدورية للمقابر، والإقامة بداخل أحواشها، وجلب المقرئين لقراءة القرآن أمام القبور».

وبعد الفتح الإسلامي للبلاد، تفرّد المصريون بإطلاقهم على الجبَّانات اسم «القرافة»، وهو مشتق من اسم قبيلة «بني قرافة» اليمنية التي حضرت إلى مصر مع عمرو بن العاص.

جسر يتم تشييده قرب مقابر البساتين في القاهرة في صورة التُقطت في 15 يونيو الماضي (أ.ف.ب)

وبدأ الدفن مبكراً في شرق مدينة الفسطاط المعروفة باسم «القرافة الكبرى»، وفق الدكتور أحمد سلامة، المدرس بكلية اللغة العربية، جامعة الأزهر.

ورغم اختلاف الأزمنة وتنوع العادات والتقاليد خلال العصر الإسلامي، فإن المصريين اشتركوا في التوصية بالدفن بجوار مقابر أئمة العلم، وآل البيت للتبرك، وهو ما يبرز جلياً في الكثير من جَبَّانات القاهرة. فبعد انتهاء العصر الفاطمي الشيعي في مصر، والذي انعكست ملامحه ومظاهره على القرافة الكبرى، حرص الحكام الأيوبيون السُّنة على تغيير تلك المظاهر، عبر إنشاء القرافة الصغرى بالقرب من قبر الإمام الشافعي الذي توفي عام 204 هجرية.

وأمر السلطان الكامل الأيوبي ببناء ضريح للإمام الشافعي، قبل دفن والدته إلى جوار الإمام تبركاً به، كما دُفن بضريح الشافعي السلطان العزيز بالله، ابن صلاح الدين الأيوبي.

وتضم قرافة الإمام الشافعي قبور عدد من العلماء، منهم الليث بن سعد، وابن عطاء السكندري، وذو النون المصري، بينما يوجد في القرافة الكبرى قبر أحمد بن طولون، وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، والي مصر، في عهد علي بن أبي طالب، وعدد كبير من نسله.

ضريح الإمام الشافعي (الشرق الأوسط)

ويخشى علماء اجتماع وخبراء آثار إسلامية من تسبب الطرق الجديدة في قطع الأوصال بين الجَبَّانة الصغرى على غرار ما فعلته طريق «الأوتوستراد» (طريق سريعة تربط جنوب القاهرة بشرقها) في الجَبَّانة الكبرى.

وتسعى مصر للاستفادة من مقومات القاهرة التاريخية، التي تبلغ مساحتها نحو 30 كيلومتراً مربعاً عبر تدشين مشروع طموح، يتضمن إعادة إحياء المدينة، والترويج لها كمزار سياحي، خصوصاً بعد افتتاح المتحف القومي للحضارة بهذه المنطقة، ونقل المومياوات الملكية إليه.

وتستعد وزارة الإسكان، لطرح نحو ألفي وحدة سكنية جديدة للبيع، خلال الفترة المقبلة، بالإضافة إلى افتتاح فندق، و«مول» تجاري؛ ما يستلزم ربط الطرق الرئيسية (شرق القاهرة وجنوبها) بوسط القاهرة التاريخية، مروراً بالجَبَّانة، التي يرى خبراء ومسؤولون أن هدم بعض مقابرها «ضروري» من أجل السيولة المرورية.

ولم يرُق لكثير من المصريين مشاهدة الجرَّافات وهي تزيل المقابر، بجانب «رفض فكرة نقل الرفات من المناطق المأهولة إلى أماكن صحراوية»، بحسب وصف الدكتورة سوسن فايد، أستاذة علم النفس السياسي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية.

جبانات القاهرة القديمة تتزين بالأشجار (الشرق الأوسط)

«وبينما تتميز المدافن والأحواش القديمة بمدافن القاهرة بمساحاتها الشاسعة وأشجارها الوارفة، فإن المقابر الجديدة التي تم إعدادها بمعرفة الحكومة لنقل الرفات إليها، ضيقة وتوجد في مناطق بعيدة»، وفق ما ذكره أشخاص تم نقل رفات ذويهم إلى العاشر من رمضان، (شرق القاهرة).

نهى حقي، ابنة الكاتب الراحل يحيى حقي، أعربت عن حزنها الشديد لنقل رفات والدها من مرقده بجوار مقابر السيدة نفيسة إلى مقبرة في مدينة العاشر من رمضان، مؤكدة أنها «لم تستطع التصدي لمهمة نقل رفات والدها صاحب (قنديل أم هاشم) من المكان الذي عشقه في حياته، وأوصى بالدفن به بعد مماته».

«دفن طبقي»

على غرار نمط السكن والتعليم والعلاج الراهن في مصر، فإن «نمط الموت والدفن يتسم بالطبقية»، على حد تعبير الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي، الذي يرى أن «الطبقية تظهر ملامحها في مصر بشدة عبر الكمبوندات السكنية، وشاليهات الساحل الشمالي والمطاعم التي تختار زبائنها بعناية وحتى صالونات الحلاقة».

عمليات حفر لتشييد طريق قرب مدافن بجنوب القاهرة القديمة في يوليو عام 2020 (أ.ف.ب)

وبينما يبلغ متوسط سعر المدفن الواحد مساحة 20 متراً في مدينة 15 مايو (جنوب القاهرة) مائة وخمسين ألف جنيه مصري (الدولار الأميركي يعادل 30.9 جنيه مصري)، فإن أسعار بعض مدافن القاهرة الجديدة (شرق القاهرة) الواقعة بالقرب من طريق (السويس - القاهرة) تزيد على 750 ألف جنيه، بمساحة تبلغ 40 متراً.

وتنتشر المدافن الجديدة في محيط العاصمة المصرية، شرقاً وغرباً وجنوباً، في أماكن صحراوية، وتتميز بطرازها المعماري الذي يحاكي المدافن التاريخية بالقاهرة بالقرافتين الكبرى والصغرى.

وتتميز المقابر الجديدة للأثرياء والمشاهير المصريين، على أطراف مدينة القاهرة، بتوافر جميع وسائل الراحة والنظافة، بحسب صادق الذي يؤكد أن «الأثرياء وأصدقاءهم يفضّلون تقديم واجب العزاء والمواساة في جَبَّانات مجهزة بالمقاعد والأسقف والأشجار والأرضيات الممهدة».

في المقابل، فإن أقل تكلفة دفن راهناً في قرافات القاهرة القديمة، تبلغ خمسمائة جنيه مصري، وهي أجرة التُربي (عامل الدفن) في الدفنة الواحدة، وفق تأكيد أحمد السيد، وهو «تُربي» يقيم بمدافن الإمام الشافعي.

أضرحة أثرية بمنطقة السيدة عائشة بالقاهرة (الشرق الأوسط)

جَبَّانة تراثية

من أسفلٍ، تبدو المنطقة التي تحتضنها هضبة المقطم، شرق القاهرة، كبساط أصفر، تتخللها القباب والمآذن السامقة، والأشجار التي تسر زهورها الملوّنة الزائرين. في حين تُضفي شواهد المدافن التراثية وزخارفها أجواء تاريخية، ونفحات دينية يدور صداها في ضريح الإمام الشافعي، ومدافن «العائلة المالكة» المعروفة باسم «حوش الباشا» والمدفون بها عدد كبير من نسل محمد علي، والتي تتميز بزخارفها ونقوشها الفريدة على القطع الرخامية النادرة.

وتستهوي القرافة مجموعات كبيرة من محبي التراث المصري، والباحثين الآثاريين، من بينهم ندى زين الدين، وهي باحثة أثرية تنظم جولات متكررة بجَبَّانات القاهرة. تقول ندى: إن مدافن الليث ابن سعد، والسيدة عائشة، والإمام الشافعي، من أبرز المناطق التي تحب التجول بها باستمرار مع أصدقائها بسبب كنوزها التراثية والشخصيات المدفونة بها.

منظر من الجو لقلعة صلاح الدين الأيوبي ومقابر البساتين في وسط شرقي القاهرة يوم 28 أبريل 2023 (أ.ف.ب)

وفاجأ ندى ومن معها من محبي التراث، طراز مدفن عائلة «عظم» المعماري، وقباب مدفن عائلة محمد فاضل باشا درامللي، الذي استقبل زائريه بلوحة رخامية تشير إلى تسجيل المدفن ذي القباب المميزة، بقائمة لجنة الطراز المعماري المتميز، في محاولة من العائلة لإثناء الجهات المختصة عن هدم المدفن الذي يقع في طريق الجسر المزمع إنشاؤها، وهو ما تكرر كذلك في مدافن يحيى باشا إبراهيم.

أجواء المقابر الموحشة، التي يخشاها كثيرون في العادة، في فترات الظهيرة والمساء، لا يوجد لها أثر في قرافات القاهرة، بسبب «ونس» سكان المقابر الأحياء، الذين يسيرون على مدار الساعة بين دروبها، وشوارعها الفسيحة، حيث يرحّبون بالغرباء بعد رمقهم بنظرات فاحصة.

إلى جوار مقابر «الأسرة المالكة»، بجَبَّانة الإمام الشافعي، تقبع مدافن رموز أدبية وسياسية مصرية وعائلات شهيرة، من بينها الأديب والمؤرخ المصري أحمد تيمور باشا، وعائلة النحاس، وعائلة الشماشرجي، وأنختار أغاسي، وعلي باشا فهمي، وضريح إسماعيل باشا صدقي وأسرته، ومدفن علوي باشا، ومسجد وضريح محمود باشا الفلكي.

«نطاق مدافن القاهرة يُعدّ نسيجاً عمرانياً متفرداً، لا يصح قطعه بشق طرق أو كباري؛ فالمدن التراثية لا ينظر إليها بشكل جزئي، بل بنظرة شمولية وحضارية»، وفق ما قالت لـ«الشرق الأوسط» الدكتورة سهير زكي حواس، أستاذة العمارة والتصميم العمراني بجامعة القاهرة، وعضو مجلس إدارة الجهاز القومي للتنسيق الحضاري.

منظر جوي لعمليات بناء في منطقة تقع جنوب متحف الحضارات وقرب مدافن تاريخية في القاهرة القديمة في 28 أبريل 2023 (أ.ف.ب)

«مقبرة الخالدين»

ويترقب متابعون عمل اللجنة الوزارية المكلفة إنشاء مقبرة للخالدين، حيث لا يستسيغ كثيرون نقل الرفات من موقعها الحالي إلى مكان جديد بالصحراء.

ويعدّ الدكتور محمد عبد المقصود إنشاء مقبرة للخالدين «عملاً محفوفاً بالمخاطر والصعوبات الميدانية»، ونوّه إلى أن «الأزمة الراهنة تجاوزت إهمال الأبنية التراثية إلى الأبنية الأثرية، وخصوصاً في جَبَّانة السيوطي بمنطقة السيدة عائشة».

وفي المقابل، أشاد الدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية السابق، والذي يُعدّ أحد أبرز الداعمين لفكرة إنشاء مقبرة الخالدين، بتوجيهات الرئيس المصري الأخيرة، مقترحاً إنشاء المقبرة على غرار النمط الفرنسي، لتضم رفات الكبار والعظماء في مجالات السياسة والأدب والفنون والموسيقى. ويرى الفقي أن «المقبرة ستكون بمنزلة تكريم لرموز مصر»، كما طالب بـ«تقسيم أماكن الدفن بحسب تخصصات (الخالدين)»، مؤكداً أن «هذا المشروع سيكون رائداً بين دول الشرق».

مقابر السيدة عائشة التاريخية في القاهرة في صورة التُقطت في 24 يونيو الماضي (أ.ف.ب)

سيولة مرورية

ويشهد إقليم القاهرة الكبرى كثافة سكانية كبيرة، تستلزم شق طرق وجسور جديدة، للقضاء على الاختناقات المرورية الشديدة، ببعض الأحياء، ومن بينها منطقة جَبَّانات القاهرة، وفق الدكتور حسن مهدي، أستاذ النقل والطرق، بكلية الهندسة، جامعة عين شمس.

ويدافع الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، عن مشروعات الطرق الجارية، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «هذا مشروع قومي مهم جداً، لا يؤثر على الآثار الموجودة بالجَبَّانة»، مطالباً بـ«عدم تحميله مسؤولية كل ما يحدث في الجَبَّانة لكثرة الجهات المشرفة عليها».

رموز

وقد شارك في إنشاء مدافن القاهرة عدد من كبار المعماريين الأجانب، منهم المهندس الإيطالي إرنستو فيروتشي، كبير المهندسين في السرايات الملكية، وصاحب تصميم قصر رأس التين، ومبنى معهد الموسيقى العربية، وإضافات قصر عابدين.

وتضم جَبَّانة القاهرة بين جوانبها مقابر بعض الشخصيات الشهيرة، أمثال ابن ورش، صاحب «قراءة ورش» القرآنية، والشيخ محمد رفعت وعبد الخالق باشا ثروت، والشمسي باشا، وعثمان مصطفى، ومحمد نسيم توفيق.

كما تضم رفات فنانين مشاهير، من بينهم يوسف وهبي، وأم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، وأسمهان، وفريد الأطرش، وهند رستم، وصلاح ذو الفقار.

قرافة الإمام الشافعي حيث يتم إنشاء مشروع طريق جديدة في العاصمة المصرية في صورة التُقطت في 31 مايو (أيار) الماضي (رويترز)

ومن الشعراء تضم مقبرة محمود سامي البارودي، الذي خدم وزيراً للحربية، و«شاعر النيل» حافظ إبراهيم، و«عميد الأدب العربي» طه حسين.

وكما كانت حكايا الدفن وترانيمه شغلاً شاغلاً للمصريين على مدى آلاف السنين، يبدو أنها ستظل كذلك لقرون أخرى عديدة.


مقالات ذات صلة

أبرز حوادث الغرق المصرية في البحر الأحمر

شمال افريقيا حطام الباخرة «سالم إكسبريس» في مياه البحر الأحمر (المصدر: مجموعة «DIVING LOVERS» على موقع «فيسبوك»)

أبرز حوادث الغرق المصرية في البحر الأحمر

شهد البحر الأحمر على مدار السنوات الماضية حوادث غرق كثيرة، طالت مراكب سياحية وعبّارات، وخلَّفت خسائر كبيرة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا عناصر من رجال الإسعاف والإنقاذ المصري يُسعفون أحد الناجين من ركاب المركب (المتحدث العسكري المصري - «فيسبوك»)

مصر: انتشال 4 جثث بعد غرق مركب سياحي في البحر الأحمر

صرح عمرو حنفي، محافظ البحر الأحمر في مصر، بأنه جرى انتشال 4 جثث من مركب سياحي غرق قبالة سواحل البحر الأحمر، أمس (الاثنين).

رياضة عربية نور الشربيني حافظت على صدارة التصنيف العالمي للاعبات الإسكواش (رويترز)

مصر تواصل هيمنتها على التصنيف العالمي للإسكواش

حافظ الثنائي المصري علي فرج ونور الشربيني على صدارة التصنيف العالمي للإسكواش لفئتي الرجال والسيدات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا شرطيون ألمان (أرشيفية - رويترز)

ألمانيا: محاكمة رجل بتهمة احتجاز وإساءة معاملة امرأة في الغردقة

بدأت وقائع محاكمة ألماني أمام المحكمة الإقليمية الأولى في ميونيخ بتهمة احتجاز ألمانية في شقة على مدار شهرين في منتجع الغردقة المصري.

«الشرق الأوسط» (ميونيخ )
شمال افريقيا وزير الخارجية المصري خلال كلمته في النسخة العاشرة لمنتدى حوارات روما المتوسطية بإيطاليا (وزارة الخارجية المصرية)

مؤتمر دولي في مصر يبحث تعزيز «الاستجابة الإنسانية» لغزة

تستعد القاهرة لاستضافة مؤتمر دولي لدعم وتعزيز «الاستجابة الإنسانية لقطاع غزة» يوم الاثنين المقبل بمشاركة إقليمية ودولية واسعة.

أحمد إمبابي (القاهرة)

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
TT

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)

عندما بدأت عملية «طوفان الأقصى» ونشوب الحرب في غزة، كانت إيران تواجه تداعيات الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة إثر وفاة الشابة مهسا أميني، التي جعلت خريف 2022 الأكثر دموية في الداخل الإيراني.

اندلعت الحرب في قطاع غزة، في لحظة محورية بالنسبة لمؤسسة المرشد الإيراني؛ حيث زادت الضغوط الدولية عليه بسبب قمع الاحتجاجات الداخلية، وإرسال الطائرات المسيّرة إلى روسيا، مع وصول المفاوضات النووية إلى طريق مسدود.

ومنذ الموقف الرسمي الأول، رأت طهران أن هجوم حركة «حماس» هو «رد فعل طبيعي وحركة عفوية على السياسات الحربية والاستفزازية والإشعال المتعمّد للصراعات من قبل رئيس الوزراء المتطرف والمغامر لإسرائيل».

دأب المسؤولون الإيرانيون على نفي أي دور في اتخاذ قرار عملية «طوفان الأقصى»، لكن الحراك الدبلوماسي والسياسي أوحى بأن أركان الدولة، بما في ذلك الجهاز الدبلوماسي، كان على أهبة الاستعداد للتطور الكبير الذي يهز المنطقة.

بعد أقل من أسبوع على هجوم «طوفان الأقصى» بدأ وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان، أول جولاته الخمس على دول المنطقة قبل وفاته في 19 مايو (أيار)؛ بهدف عقد مشاورات مع مسؤولي دول الجوار ولقاءات تنسيقية قادة جماعات «محور المقاومة» وتوجيه رسائل إقليمية، وتوجه إلى العراق وواصل زيارته إلى دمشق، ومنها إلى بيروت، وانتهى المطاف في الدوحة.

وحينها وجهت إيران رسالة لإسرائيل، بأنها قد تواجه عدة جبهات إذا لم تتوقف عملياتها العسكرية في غزة.

ودفعت طهران باتجاه تعزيز صورة الجماعات المسلحة في المنطقة، والعمل على إضفاء الشرعية على دورها في دعم تلك الجماعات، مستغلة الأوضاع السياسية والاضطرابات الإقليمية.

اجتماع ثلاثي بين عبداللهيان وزياد النخالة أمين عام «الجهاد الإسلامي» وصالح العاروري رئيس مكتب حركة «حماس» في بيروت مطلع سبتمبر 2023 (الخارجية الإيرانية)

وشكل هذا الموقف المحطة الأولى لإيران. وترى طهران أنها نقلت جماعات «محور المقاومة» من نطاق محصور إلى نطاق «عالمي»، أو ما يسميه الدبلوماسيون الإيرانيون من «عالم المقاومة» إلى «المقاومة العالمية».

بذلك، انتقلت إيران، التي حاولت الحفاظ على مرحلة التهدئة مع جيرانها الإقليميين، إلى وضع هجومي فيما يتعلق بالجماعات المرتبطة بها، وهو ما يراه البعض انعكاساً لاستراتيجيتها على توسيع نفوذها ودورها في المنطقة.

على المستوى الرسمي، بعثت إيران برسالة للأوساط الدولية بأن تلك الجماعات مستقلة، وتملك قرارها بنفسها، وتصنع أسلحتها، لكن عدة مسؤولين وقادة عسكريين إيرانيين أشاروا في تصريحاتهم إلى دور الجنرال قاسم سليماني وقوات الوحدة الخارجية في «الحرس الثوري» بتسليح تلك الجماعات وتزويدها بتقنيات صناعة الأسلحة.

أما ثاني محطة لإيران بعد «طوفان الأقصى»، فقد بدأت بعد شهر من اندلاع الحرب في غزة؛ حيث دعا المرشد الإيراني علي خامنئي إلى ما وصفه بـ«قطع الشرايين الاقتصادية» لإسرائيل، خصوصاً ممرات النفط والطاقة. ومنها دخلت الجماعات المرتبطة بطهران، وجماعة «الحوثي» تحديداً على خط الأزمة، وشنّت هجمات على سفن تجارية على مدى أشهر، أثرت على حركة الملاحة في البحر الأحمر.

كما باشرت الميليشيات والفصائل العراقية الموالية لإيران، هجمات بالطائرات المسيّرة على إسرائيل والقواعد الأميركية على حد سواء.

وبدأ الجيش الأميركي رده بعدما تعرضت له قاعدة في الحدود السورية بالرد على هجمات طالت قواته، مستهدفاً مواقع للفصائل المسلحة.

على المستوى السياسي، أصرت طهران على وضع شروط الجماعات الحليفة معها أولاً لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ومنها أبدت معارضتها لأي تسويات دولية، خصوصاً إحياء مقترح «حل الدولتين». وفي ديسمبر (كانون الأول)، قال وزير الخارجية الإيراني إن رفض «حل الدولتين» نقطة مشتركة بين إيران وإسرائيل.

المحطة الثالثة: بموازاتها باشرت إسرائيل بشن هجمات هادفة ضد القوات الإيرانية في سوريا، واستهدفت رضي موسوي مسؤول إمدادات «الحرس الثوري» في سوريا في ديسمبر، وبعد شهر، أعلن «الحرس الثوري» مقتل مسؤول استخباراته هناك، حجت الله أميدوار، لكن أقوى الضربات جاءت في مطلع أبريل (نيسان) عندما استهدفت غارة جوية إسرائيلية اجتماعاً لقادة «الحرس» في مقر القنصلية الإيرانية، وقتلت أرفع مسؤول عسكري إيراني في سوريا ولبنان، الجنرال محمد رضا زاهدي.

المرشد الإيراني علي خامنئي يؤم صلاة الجنازة على جثامين زاهدي وجنوده في حسينية مكتبه 4 أبريل 2024 (أ.ف.ب - موقع المرشد)

أما المحطة الإيرانية الرابعة، فقد وصلت إيران فيها إلى حافة الحرب مع إسرائيل، عندما ردت على قصف قنصليتها، بشن أول هجوم مباشر من أراضيها على الأراضي الإسرائيلية بمئات الصواريخ والمسيّرات.

ورغم تأكيد الجانب الإسرائيلي على صد الهجوم الإيراني، فقد وجهت ضربة محدودة لإيران باستهداف منظومة رادار مطار عسكري في مدينة أصفهان، قرب منشأة نووية حساسة.

وزادت المواجهة من احتمال تغيير مسار البرنامج النووي الإيراني، مع تكاثر الحديث في طهران عن ضرورة التوصل لأسلحة رادعة، وأيضاً التهديدات الإسرائيلية بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية.

امرأة غير محجبة تمر أمام لافتة دعائية للصواريخ الإيرانية في ساحة «ولي عصر» وسط طهران 15 أبريل الماضي (رويترز)

المحطة الإيرانية الخامسة، جاءت بعد مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، في حادث تحطم مروحية قرب الحدود الأذربيجانية. وسارعت السلطات الإيرانية لنفي نظرية المؤامرة، مستبعدة بذلك أي احتمالات لتعرض أرفع مسؤول تنفيذي في البلاد لضربة إسرائيلية. وأصدرت هيئة الأركان بعد نحو 3 أشهر على مقتل رئيسي، تأكيداً بأن مروحيته سقطت نتيجة ظروف مناخية، رغم أنها لم تُجِب عن كل الأسئلة.

عبداللهيان خلال اللقاء الذي جمعه بنصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية فبراير الماضي (إعلام «حزب الله»)

وفي هذه المرحلة، توسعت الحملة الإيرانية، مع دخول الموقف السياسي الإيراني مرحلة السبات فيما يخص تطورات الحرب في غزة، نظراً لانشغال السلطات بالانتخابات الرئاسية، والسعي لتشكيل حكومة جديدة.

وخلال حملة الانتخابات الرئاسية، تجنب المرشحون للانتخابات إثارة القضايا المتعلقة بحرب غزة والدعم الإيراني. على الرغم من الانتقادات الداخلية لتأجيل القضايا الإيرانية الملحة مثل رفع العقوبات وتعطل المسار الدبلوماسي لإحياء الاتفاق النووي.

وكان لافتاً أن تصريحات المرشحين بمختلف توجهاتهم لم تذهب أبعد من الإشادة بالبرنامج الصاروخي، وتوجيه الضربة لإسرائيل، والتعهد بتعزيز معادلات الردع.

المحطة السادسة: بمراسم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في 30 يوليو (تموز)؛ إذ شهدت طهران أكبر تحول في حرب غزة، ألا وهو اغتيال رئيس حركة «حماس» إسماعيل هنية، في مقر تابع لـ«فيلق القدس» في شمال طهران.

هنية ونائب الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني ورئيس حركة «الجهاد الإسلامي» والمتحدث باسم الحوثيين في مراسم القسم الدستوري للرئيس الإيراني بطهران 30 يوليو الماضي (رويترز)

وتعهد المرشد الإيراني علي خامنئي حينها بالرد على «انتهاك السيادة الإيرانية» واغتيال «ضيف إيران»، وتنوعت نبرة ومفردات التهديد بين مسؤولين سياسيين وقادة عسكريين. وشدد المسؤولون الإيرانيون على حتمية الرد مع تقدم الوقت وتراكم الشكوك بشأن رد إيران.

وأثار اغتيال هنية في طهران الكثير من التساؤلات حول طبيعة العملية، خصوصاً مع وجود الاختراقات.

موكب تشييع إسماعيل هنية في طهران يوم 1 أغسطس الماضي (أ.ب)

المحطة السابعة: كان عنوانها تفجيرات أجهزة «البيجر»، بالتزامن مع رسالة تهدئة من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، خصوصاً مع الولايات المتحدة، وشملت إسرائيل.

وقبل أن يتوجه إلى نيويورك، قال بزشكيان في مؤتمر صحافي إن بلاده لا تريد أن تكون عاملاً لزعزعة الاستقرار في المنطقة، ولا تريد تصدير الثورة، مبدياً استعداده للانفتاح على واشنطن، إذا أثبتت أنها ليست معادية لطهران، وذهب أبعد من ذلك عندما استخدم وصف «الأخوة الأميركية».

واصل بزشكيان هذه النبرة في لقاءات على هامش حضوره أعمال الجمعية العامة في نيويورك، وقال: «إيران مستعدّة لوضع أسلحتها جانباً إذا وضعت إسرائيل أسلحتها جانباً»، حسب تسجيل صوتي انتشر من اللقاء نفسه. وقال إن تأخير الرد الإيراني على اغتيال هنية هو تلقي بلاده رسائل بأن اتفاقاً لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» سيُبرم خلال أسبوع، مبدياً انزعاجه من عدم التوصل للاتفاق واستمرار الهجمات الإسرائيلية.

خامنئي يلقي خطاباً أمام مجموعة من أنصاره وفي الخلفية صورة نصر الله (موقع المرشد)

وقلل بزشكيان من قدرة «حزب الله» على مواجهة إسرائيل وحده، وهو ما مزق الصورة التي رسمها مسؤولون مقربون من المرشد علي خامنئي.

وزاد موقف بزشكيان وكذلك الفرضيات بوجود اختراق في هجمات «البيجر»، واستهداف قادة «حزب الله»؛ من الشكوك في طهران بوجود اختراقات للجبهة الإيرانية، وعززت أيضاً مخاوف داخلية من وجود اختراقات.

المحطة الثامنة والخطيرة، بدأت باغتيال الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، ثاني أهم لاعب للاستراتيجية الإقليمية الإيرانية، بعد الجنرال قاسم سليماني، خلال 35 سنة من حكم المرشد علي خامنئي. كما أدت الغارة الجوية الإسرائيلية على مقر نصر الله، إلى تسجيل ثاني خسائر «الحرس الثوري» الكبيرة منذ «طوفان الأقصى»، وهو نائب قائد غرفة العمليات، الجنرال عباس نيلفروشان.

ويحظى نصر الله بأهمية كبيرة لدى حكام إيران وخصوصاً الأوساط المحافظة، لدرجة تداول اسمه في بعض الفترات لتولي منصب المرشد الإيراني بعد خامنئي بوصفه «ولي الفقيه»، ولو أن الترشيح بدا مثالياً لأنه ليس مسؤولاً إيرانياً، فسيكون مرفوضاً من غالبية الأطراف السياسية.

نظام القبة الحديدية الإسرائيلي يعترض الصواريخ الآتية من إيران (رويترز)

ورداً على اغتيال هنية في عمق الأراضي الإيرانية، ونصر الله، ونيلفروشان، وجهت إيران هجومها الصاروخي الثاني المباشر على إسرائيل، في خطوة هدّدت إسرائيل بالرد عليها مع التلويح ببنك أهداف غير محدودة تشمل مصافي النفط ومحطات الوقود وأيضاً المنشآت النووية والعسكرية، ما يجعل الأزمة بين إسرائيل وإيران مفتوحة على كل الاحتمالات.