«القاعدة»... انكفاء «المشروع العالمي»

دعوات إلى حلّ التنظيم... فروعه «مشغولة بهمومها المحلية»... والقيادة تعاني من «عدم القدرة»

TT

«القاعدة»... انكفاء «المشروع العالمي»

سوريا كانت محور صراع بين «داعش» و«القاعدة» - والصورة لمقاتلي «داعش» بعد سيطرتهم على مدينة الرقة في 30 يونيو 2014 (رويترز)
سوريا كانت محور صراع بين «داعش» و«القاعدة» - والصورة لمقاتلي «داعش» بعد سيطرتهم على مدينة الرقة في 30 يونيو 2014 (رويترز)

مع اقتراب الذكرى الأولى لإعلان الولايات المتحدة قتلها زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، بضربة جوية في العاصمة الأفغانية كابل في نهاية يوليو (تموز) 2022، يرصد هذا التقرير وضع التنظيم حالياً في ظل «عجز» واضح عن تكرار الهجمات الإرهابية الضخمة التي تمكن من شنها في أوج صعود نجمه، منذ النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي... وكذلك تراجع فروعه عن استراتيجيته السابقة أيام زعيمه السابق أسامة بن لادن حيث كانت الأولوية لاستهداف ما يوصف بـ «العدو البعيد». كما يرصد صدور دعوات من جماعات مرتبطة به إلى حل «القاعدة» بعدما تولى قيادة التنظيم «فعلياً» سيف العدل المفترض أنه يقيم في إيران.

جماعات مسلحة.. وأهداف محلية

شهدت السنوات التي تلت الألفية الجديدة تغيّراً جوهرياً في طريقة عمل الجماعات المتشددة في عدد من الدول العربية. ففي تسعينات القرن الماضي، كان هدف هذه الجماعات محلياً صرفاً: قلب الأنظمة الحاكمة بزعم أنها «مرتدة». مع حلول النصف الثاني من ذلك العقد كان واضحاً أنها فشلت في تحقيق مبتغاها. فقد هُزمت عسكرياً وتفككت خلاياها واعتُقل أو قُتل الكثير من قادتها الكبار. حصل هذا مع «الجماعة الإسلامية المسلحة» في الجزائر، ومع «الجماعة الإسلامية المقاتلة» في ليبيا، ومع «جماعة الجهاد» و«الجماعة الإسلامية» في مصر.

ترافقت تلك الهزيمة مع دخول تنظيم «القاعدة» على الخط. فقد كان أسامة بن لادن، زعيم هذا التنظيم، قد حط رحاله في أفغانستان من جديد عام 1996، بعدما لم يعد موضع ترحيب في السودان. تكرر الأمر ذاته مع زعيم «جماعة الجهاد» المصرية، الدكتور أيمن الظواهري، الذي أُبعد أيضاً من السودان، فاستقر في أفغانستان بعدما فشل في الوصول إلى الشيشان، هدفه الأول. من مقره الجديد في أفغانستان، سعى بن لادن إلى إقناع الجماعات «المهزومة» بالانضمام إليه في «حرب عالمية» تستهدف الأميركيين، والغرب عموماً، وليس الأنظمة المحلية. عُرف ذلك التغيير باستراتيجية استهداف «العدو البعيد»... قبل «القريب».

انطلق «مشروع القاعدة العالمي» في فبراير (شباط) 1998 بتأسيس «الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين»، وضمّ، إضافةً إلى «القاعدة»، «جماعة الجهاد» المصرية، وجزءاً من «الجماعة الإسلامية» المصرية (جناح رفاعي طه)، وجماعات أخرى في جنوب شرقي آسيا. لم تمر سوى شهور، حتى باشر هذا التحالف ترجمة خطته لاستهداف الأميركيين، بدءاً بتفجير سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام في أغسطس (آب) 1998، قبل أن تكرّ المسبحة بتفجير المدمّرة «يو إس إس كول» أمام سواحل اليمن عام 2000، وصولاً إلى هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 في نيويورك وواشنطن.

تفجير برجي مركز التجارة في نيويورك... أبرز عناوين «المشروع العالمي» لـ «القاعدة» (غيتي)

شكّل هذا الهجوم الأخير امتحاناً للجماعات المتشددة، بما فيها تلك التي تحفظت في البداية على مشروع «القاعدة» العالمي، لكنها وجدت نفسها الآن مضطرة للالتحاق به بعدما شملتها «الحرب الأميركية ضد الإرهاب»، بدءاً من نهاية عام 2001. وقد تمثّل ذلك في إعلان جماعات مختلفة ولاءها لـ«القاعدة» وتحوّلها إلى فروع للتنظيم حول العالم.

 

فروع «القاعدة»

كانت «الجماعة المسلحة» في الجزائر، بحلول ذلك التاريخ، قد تفككت بعدما هزمتها أجهزة الأمن و«نخرت عظامها» شبهةُ «اختراق» الاستخبارات لها، فقرر عدد من قادتها تأسيس جماعة جديدة باسم «الجماعة السلفية للدعوة والقتال». رفض هؤلاء السير في المصالحة مع الحكم الجزائري، بعكس ما فعل معارضون إسلاميون كثر في تلك الحقبة. وعندما جاءت هجمات 11 سبتمبر، كانت «الجماعة السلفية» تواجه ضغطاً أمنياً متصاعداً دفعها إلى نقل نشاطها، أكثر فأكثر، نحو بلدان الساحل الأفريقي. هناك استفادت هذه الجماعة من عدم قدرة الحكومات المحلية على السيطرة على أراضيها الصحراوية الشاسعة، فعززت وجودها بروابط قبلية وباستثمار كميات ضخمة من الأموال التي تم جنيها من الاتجار بالرهائن.

في ظل هذه الظروف، وجدت «الجماعة السلفية» نفسها تسير في ركاب «القاعدة»، فأعلنت ولاءها لزعيم هذا التنظيم وباتت فرعه المغاربي باسم «تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي» في يناير (كانون الثاني) 2007. وقد جاء ذلك بعد شهور من الاتصالات بين الجماعة الجزائرية وفرع «القاعدة» العراقي. وكما في حال «الجماعة» الجزائرية، لم يكن فرع «القاعدة» العراقي، في الواقع، جزءاً من تنظيم بن لادن قبل هجمات 11 سبتمبر. فمؤسسه، الأردني أبو مصعب الزرقاوي، كان يقود مجموعة مسلحة «مستقلة» في أفغانستان، بل إن هناك تقارير تؤكد رفضه عرضاً للانضمام إلى «القاعدة». فرّ الزرقاوي من أفغانستان عقب هجمات 11 سبتمبر والرد الأميركي عليها، وانتقل إلى العراق حيث عمل أولاً إلى جانب جماعة كردية تسمى «أنصار الإسلام»، قبل إعلانه، عام 2004، إنشاء فرع لـ«القاعدة» تحت مسمى «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين»، في العام التالي للغزو الأميركي الذي أطاح حكم الرئيس السابق صدام حسين.

والأمر نفسه ينطبق على جماعات كثيرة انخرطت في «مشروع القاعدة العالمي» عقب هجمات 11 سبتمبر، من الخليج إلى شرق أفريقيا، مروراً بسيناء المصرية. لكن لا بد من الإشارة، هنا، إلى أن إنشاء بعض الفروع الجديدة لـ«القاعدة» عكسَ خلافات تنظيمية حادة داخل الجماعات المنضمة. فـ«الجماعة السلفية» الجزائرية، مثلاً، لم تكن متفقة بشكل كامل على التحول إلى فرعٍ لتنظيم بن لادن، لكنّ المعارضين لذلك تم تهميشهم وإبعادهم عن مراكز القيادة. كما أن «الجماعة المقاتلة» الليبية لم تنضم بأكملها إلى «القاعدة» عام 2007، بل الذي انضم كان فقط فرعاً من فروعها يقوده «أبو الليث الليبي». فقد عارض الانضمام آنذاك قادة مسجونون في ليبيا كانوا يتفاوضون مع نظام العقيد معمر القذافي من أجل العفو عنهم لقاء التخلي عن العنف.

والمثالان الجزائري والليبي ينطبقان أيضاً على قادة جماعات مصرية كانت تخوض بدورها «مراجعات» في السجون من أجل التخلي عن العنف والمصالحة مع نظام الرئيس حسني مبارك، في حين كان قادة آخرون خارج مصر ينخرطون في مشروع «القاعدة» العالمي ويحتلون مناصب أساسية في تنظيم بن لادن.

«المشروع العالمي»

كان طبيعياً أن ينضم حلفاء «القاعدة» الجدد إلى مشروعها «العالمي». في البداية كانت الهجمات مرتبطة بقيادة «القاعدة» نفسها، كما حصل في بالي الإندونيسية عام 2002 والتي نفّذها أفراد من تنظيم «الجماعة الإسلامية» بقيادة «حنبلي»، العضو البارز في «القاعدة». وفي عام 2005، تعرضت لندن لأسوأ هجوم إرهابي شمل محطات قطارات وحافلة للنقل العام. كان معظم الانتحاريين في اعتداء لندن بريطانيين من أصول باكستانية، وبعضهم زار، قبل التفجيرات، مناطق الحدود الأفغانية – الباكستانية حيث تتمركز قيادة «القاعدة» التي تبنت هجوم لندن الدموي.

انضمت فروع «القاعدة» بدورها إلى هذا الجهد «العالمي»، إذ حاول الفرع اليمني (القاعدة في جزيرة العرب)، في عام 2009، إرسال انتحاري (عمر فاروق عبد المطلب) لتفجير طائرة ركاب أميركية، قبل أن يحاول التنظيم في العام التالي إرسال طرود متفجرة لتدمير طائرات عدة متجهة إلى الولايات المتحدة.

استمر هذا الاتجاه «العالمي» لدى تنظيم «القاعدة» وحلفائه حتى مرحلة ما يُعرف بـ«الربيع العربي» عام 2011، حيث غرقت دول عدة في ثورات واضطرابات داخلية، وهو أمر سارع هذا التنظيم إلى محاولة استغلاله مستفيداً من سقوط الأنظمة التي هزمت الجماعات المتشددة في التسعينات.

تفجيرات 7/7 2005 في لندن (غيتي)

لكن «القاعدة» واجهت في تلك الفترة مشكلتين أساسيتين.

الأولى، أن الأميركيين قتلوا زعيمها أسامة بن لادن بعد 10 سنوات من مطاردته إثر فراره من تورا بورا نهاية عام 2001. عثروا عليه مختبئاً في فيلا بمدينة أبوت آباد الباكستانية، وقتلوه ليلة 2 مايو (أيار) 2011. ورغم الإعلان السريع عن اختيار خليفة له هو الدكتور الظواهري، زعيم «الجهاد» المصرية سابقاً، فإن سلطة الأخير على التنظيم وفروعه لم تكن هي ذاتها كما كانت أيام بن لادن. وربما ما صعّب من مهمة الظواهري أكثر أنه ورث تنظيماً نجح الأميركيون، على مدى سنوات، في تفكيكه وضرب شبكاته وقتل معظم قادته الكبار المخضرمين الذين قضوا في الحملة على أفغانستان عام 2001، وفي الحملة اللاحقة على مخابئهم في منطقة الحدود الأفغانية – الباكستانية حيث لاحقتهم، بلا هوادة، غارات الطائرات الأميركية المسيّرة.

الثانية، «مشكلة داعش». هذا التنظيم الذي نشأ من رحم فرع «القاعدة في بلاد الرافدين» سرعان ما وجد نفسه في صدام مع الظواهري، خليفة بن لادن. كانت سوريا سبب الخلاف. فـ«الدولة الإسلامية في العراق» بقيادة أبو بكر البغدادي سعت إلى التوسع في سوريا مستغلةً تضعضع نظام الرئيس بشار الأسد على خلفية الثورة ضد نظامه. لكنّ البغدادي سرعان ما واجه تمرداً داخلياً. فالقيادي السوري الذي أرسله لقيادة التوسع في سوريا، أبو محمد الجولاني، استعان بالظواهري كي يستقل بجماعته (جبهة النصرة) عن سلطة زعيمه العراقي السابق، البغدادي. ولم يكن الأخير ليسمح بمثل هذا التمرد على سلطته، حتى ولو كان المتمردون يحظون بدعم قيادة «القاعدة». وهكذا اندلعت حرب ضروس بين الطرفين كادت تنتهي بنصر ساحق للبغدادي على الجولاني، لولا تدخل تحالف عالمي تقوده الولايات المتحدة أرغم «داعش» على الانحسار تدريجياً في العراق أولاً حيث خسر «عاصمته»، الموصل، ثم في سوريا حيث فقد عاصمته، الرقة، قبل أن ينتهي المطاف بمعركة الباغوز على ضفاف الفرات حيث قاتل «داعش» حتى الموت إلى أن تم القضاء عليه. البغدادي نفسه نجا، لكن الأميركيين نجحوا في العثور عليه مختبئاً في قرية صغيرة بمحافظة إدلب، في شمال غربي سوريا، حيث قُتل في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، بعد شهور فقط من معركة الباغوز.

زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي نافس «القاعدة» في أماكن انتشارها حول العالم... قتله الأميركيون في 27 أكتوبر 2019 في محافظة إدلب السورية (أ.ف.ب)

تراجع «الحرب العالمية»

في ظل هذا الوضع، كان لافتاً أن «الحرب العالمية» التي أطلقها تنظيم «القاعدة» ضد الغرب عموماً والأميركيين خصوصاً منذ التسعينات تراجعت إلى حد كبير، إنْ لم تختفِ كلياً. فالسنوات القليلة الماضية أظهرت عجز «القاعدة» عن تكرار الهجمات الكبرى التي تمكّنت سابقاً من شنها على غرار تفجير السفارتين في دار السلام ونيروبي وتفجير المدمرة «كول» وهجمات 11 سبتمبر في واشنطن ونيويورك، ثم تفجيرات بالي ومحطات قطارات الأنفاق بلندن... وكل هذه الهجمات «العالمية» كان لها علاقة، كما يُعتقد، بقيادة «القاعدة» نفسها.

لكن توقف الهجمات «العالمية» لم يشمل قيادة «القاعدة» فقط، بل شمل أيضاً فروعها المفترض أنها جزء من استراتيجية استهداف «العدو البعيد». والحقيقة أن توقف العمليات ترافق مع تصريحات صادرة عن فروع «القاعدة» نفسها تؤكد أن نشاطها «محلي» فقط وليس عالمياً، في نأيٍ لافت بالنفس عن «مشروع القاعدة العالمي».

وفي هذا الإطار، كان لافتاً أن الجولاني نفسه الذي كان يمثّل فرع «القاعدة» في سوريا لم يكتفِ بإعلان فك ارتباطه بالتنظيم، بل جَهَدَ لتأكيد أن تنظيمه -«هيئة تحرير الشام»، (جبهة النصرة سابقاً)- لا يستهدف الغرب بل ينشط فقط «ضد النظام» في سوريا. ويقول الجولاني في حوار شهير عام 2020 مع «مركز إدارة الأزمات» شارحاً انفصاله عن البغدادي (عام 2013): «لم يكن أمامنا أي خيارات جيدة. كان عليّ أن أتخذ قراراً سريعاً، ولذلك اجتمعت بحلقتي الداخلية وأخبرتهم بأني أفكر في مبايعة (القاعدة). لم ينصحوني بذلك –بل إن بعضهم وصفوا ذلك بأنها خطوة انتحارية– لكن لم يكن أي منهم قادراً على تقديم بديل. إلا أنني جعلت مبايعتي مشروطة بفكرة أننا لن نستخدم سوريا كنقطة انطلاق لشن عمليات خارجية. كما أننا لن نسمح لآخرين باستخدامها لمثل تلك الغاية. وأوضحت أننا سنركز حصرياً على صراعنا ضد النظام السوري وحلفائه في سوريا». ويبدو أن الجولاني قد التزم بذلك حتى الآن. فحتى جماعة «حراس الدين» التي باتت تمثل «القاعدة» في سوريا والتي تنشط في مناطق نفوذ «هيئة تحرير الشام»، لم يُسجّل أنها شنت هجمات ضد الغرب انطلاقاً من الأراضي السورية، من دون أن يعني ذلك أنها لم تحاول. وربما فشلها مرتبط بتمسك الجولاني بعدم السماح لها باستخدام أراضيه لشن هجمات خارجية، أو بسبب الضربات التي تشنها بين الوقت والآخر طائرات مسيّرة غربية ضد قادة التنظيم المشتبه بتورطهم في التخطيط لهجمات.

والأمر نفسه ينطبق، كما يبدو، على فرع «القاعدة» في شرق أفريقيا. فبعدما تحولت حركة «الشباب» إلى فرع لـ«القاعدة» حاولت أن تشارك في «الحرب العالمية» من خلال تفجير طائرة ركاب مدنية في الجو عام 2016 (وقتها قُتل الانتحاري فقط بعدما نجح قائد الطائرة في الهبوط بها بسلام رغم فجوة كبيرة أحدثها الانفجار في هيكلها). وقد شنت الحركة الصومالية هجمات عدة في دول الجوار، لكنها، كما يبدو، باتت منشغلة الآن بهمها «المحلي» في ظل حرب شديدة تشنها ضدها القوات الحكومية الصومالية، بمساندة أميركية مباشرة. ولم تعلن حركة «الشباب»، في الواقع، موقفاً واضحاً يتعلق بوقف انخراطها في «الحرب العالمية» ضد الغرب، لكنّ الواضح أن عملياتها باتت منذ فترة طويلة «محلية»، إذ تقتصر على الصومال ومحيطه.

أبو عبيدة العنابي مطلوب أميركياً... ينأى بنفسه عن الهجمات ضد الغرب (الشرق الأوسط)

في المقابل، كان فرع «القاعدة» في الصحراء الكبرى (دول الساحل الأفريقي) الأكثر وضوحاً في ما يخص الحرب «العالمية» ضد الغرب، إذ قال زعيم هذا التنظيم «أبو عبيدة يوسف العنابي»، لـ«فرنس 24»، عندما سُئل عن التهديدات الإرهابية على الأراضي الفرنسية، إن القيادات الغربية «تعرف وتعي» ما هي أهداف «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» و«تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، موضحاً أن هذه الأهداف «تركز على القتال في أفريقيا ولم تجهز لأي عمليات في الغرب أو على الأراضي الفرنسية». ويؤكد كلام العنابي أن تنظيمه منشغل فقط، حالياً، بمعاركه «المحلية» ضد حكومات دول الساحل، وليس ضد الغرب، بالإضافة إلى انشغاله بحرب ضروس يخوضها ضد منافسه «داعش» الذي ينشط في مناطق انتشاره نفسها بمالي وبوركينا فاسو والنيجر ونيجيريا. وإضافة إلى الانشغال بـ«العدو القريب جداً»، تنظيم «داعش»، يجد فرع «القاعدة» نفسه في حرب قاسية مع حكومات محلية باتت تحظى اليوم بدعم من جماعة «فاغنر» الروسية التي لا تجد رادعاً يمنعها عن ملاحقة المتشددين في أماكن اختبائهم حتى ولو أدى ذلك إلى مقتل مدنيين، وهو أمر كان الأميركيون والفرنسيون يترددون في القيام به سابقاً.

وربما يجب التوقف هنا عند وضع قيادة «القاعدة» نفسها التي وجدت نفسها في السنوات الأخيرة معزولة بشكل واضح عن خلاياها وفروعها بسبب ظروف اختباء الظواهري وعدم قدرته على التواصل مع مناصريه. وهو استعاض عن ذلك بأشرطة فيديو وتسجيلات صوتية كان يبثها بين الوقت والآخر ويحرّض فيها على مواصلة الحرب ضد الغرب، في إشارة إلى هجمات «الذئاب المنفردة». وقد شكّل الانسحاب الفوضوي المفاجئ للأميركيين من أفغانستان عام 2021، فرصة ذهبية لـ«القاعدة» لإعادة تنظيم صفوفها. ويبدو أن الظواهري نفسه شعر بنوع من الاطمئنان إلى هذا الوضع الجديد، فانتقل إلى كابل حيث عاش في حماية «شبكة حقاني» واسعة النفوذ داخل «طالبان». لكنّ الأميركيين تمكنوا من قتله بهجوم بطائرة مسيّرة في يوليو (تموز) 2022.

دخان يتصاعد في كابل عقب ضربة أميركية في 31 يوليو (تموز) 2022... الأميركيون قالوا إنهم قتلوا أيمن الظواهري (أ.ف.ب)

ورغم مرور شهور على مقتل الظواهري، لم يعلن تنظيم «القاعدة» بعد اختيار خليفة له. وقد يكون ذلك مرتبطاً بـ«طالبان»، لأن الإقرار بمقتله في كابل سيُحرج الحركة الأفغانية التي نفت وجوده فيها. وقد يكون التأخر في إعلان خليفة للظواهري مرتبطاً أيضاً بأن الشخص الأكثر ترجيحاً للحلول محله والذي يوصف بأنه بات «الأمير الفعلي» الجديد، سيف العدل، يقيم في إيران، ما يمكن أن يحرج التنظيم أمام أفراده والمدافعين عنه. وكانت هذه القضية، كما هو معروف، أحد أسباب دعوة وجّهها الرجل الثاني في تنظيم الجولاني في سوريا، أبو ماريا القحطاني، لفروع «القاعدة» لإعلان حل نفسها كفروع للتنظيم، مؤيداً فكرة حل التنظيم كلياً بما أن زعيمه الجديد، سيف العدل، يعيش في حماية أجهزة الأمن الإيرانية.

ولا يبدو أن الغرب، في الواقع، بعيد كلياً عن ظروف وضع «القاعدة» حالياً، بدليل أن «الهم الإرهابي» الذي كان طاغياً على مدى سنوات أفسح المجال أمام أولويات أخرى، على غرار «التحدي الصيني» والغزو الروسي لأوكرانيا. وقد ظهر هذا التغيير في السياسة الغربية بشكل واضح من خلال إنشاء وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) مركزاً مكرساً للصين، على غرار المركز الذي أنشأته الوكالة في التسعينات للتركيز على «خطر القاعدة»، وهو ما تمثل آنذاك في تكثيف حملات تجنيد العملاء في المجتمعات الإسلامية وتعلم اللغة العربية. كما كان الأمر ذاته واضحاً من الاستراتيجية الجديدة التي أعلنتها المملكة المتحدة أخيراً والتي تؤكد أن الأولوية باتت للصين، ما يتطلب تركيز الاهتمام على تجنيد خبراء بهذا البلد وتعلم لغة الماندرين... وبذلك يبدو واضحاً أن أجهزة الأمن الغربية طوت مرحلة التسعينات عندما كانت أولويتها تعليم عملائها العربية ومحاولة اختراق «القاعدة».

ماذا يعني ذلك، ولماذا؟

يطرح توقف «القاعدة» وفروعها عن الانخراط في الحرب ضد «العدو البعيد» وحصر نشاطها بالشأن المحلي (العدو القريب)، تساؤلاً حول مغزى هذا التراجع الواضح عن استراتيجية بن لادن القديمة.

يشرح عضو سابق في «القاعدة» انشقّ عن التنظيم بسبب تطرفه في سفك الدم وساعد أجهزة أمنية في تفكيك خلاياه، أن هناك سببين «للعودة إلى قتال العدو القريب وليس البعيد». يوضح لـ«الشرق الأوسط»: «السبب الأول هو عدم القدرة. مشكلة تنظيم «القاعدة» أنه فقد القدرة على التواصل مع خلاياه وتهريب أفراد لتكوين خلايا وتجنيد أفراد في البلاد البعيدة، مثل أميركا وكندا وأستراليا وأوروبا وغيرها، كما أنه فقد القدرة على تمويل هذه الجهات. عنده فقط قدرة على إلهام الذئاب المنفردة. ولكن لم يعد يستطيع إدارة عمليات من الخارج في الداخل الأوروبي أو الأميركي أو الأسترالي. حتى إن التنظيم فشل أحياناً في العمل داخل دول عربية. إذن، السبب الأول الذي يحكم الانتقال من قتال العدو البعيد إلى العدو القريب هو عدم القدرة: القدرة المالية، القدرة التنظيمية، القدرة الاختراقية، القدرة الاستخباراتية... كلها باتت شبه منتفية الآن».

ويضيف: «السبب الثاني هو أن معظم فروع تنظيم القاعدة أصبحت الآن تهتم بقضاياها الداخلية. فحركة (الشباب) في الصومال مهتمة بالصومال والجاليات الصومالية في كينيا وأوغندا وإثيوبيا. (تنظيم القاعدة في اليمن) عنده مشكلات لا يمكن تخيلها وبالكاد يستطيع تنظيم العمل في الداخل اليمني. بات همّه الآن النجاة. (تنظيم القاعدة في أفغانستان وباكستان) يركز عمله على إعادة التدريب وفتح المعسكرات وبدء التجنيد لعمليات مستقبلية قد تحصل في دول عربية. (تنظيم حراس الدين في سوريا) مهتم فقط بسوريا ولم يستطع تحقيق أي اختراق حتى في الداخل التركي، ناهيك بالداخل الأوروبي والأميركي».

إذا كان هذا التحليل صحيحاً فإنه يُذكّر بما حصل مع «جماعة الجهاد» المصرية في نهاية التسعينات. فرغم أن هذا التنظيم ظل يرفض الانضمام إلى وقف النار الذي أعلنته «الجماعة الإسلامية» خلال مفاوضاتها في السجون مع الحكومة المصرية، فإنه ظل يروّج لمسألة أنه يلتزم عدم شن عمليات في الداخل المصري. لم يُعرف سوى في وقت لاحق سبب ذلك... إذ تبيّن أن «جماعة الجهاد» أوقفت عملياتها داخل مصر نتيجة «عدم القدرة» فقط. فالأجهزة الأمنية فككت خلاياها كلها.

ويبدو اليوم أن «عدم القدرة» هو نفس السبب الذي دفع «القاعدة» وفروعها إلى التوقف عن شن هجمات ضد «العدو البعيد»، ربما باستثناء هجمات «الذئاب المنفردة». المشكلة ستكون بالطبع عندما ينتفي سبب «عدم القدرة». حتى ذلك الوقت، يبدو أن أولوية الغرب ستبقى... الصين وروسيا.


مقالات ذات صلة

باكستان: جهود لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين

آسيا جندي باكستاني يقف حارساً على الحدود الباكستانية الأفغانية التي تم تسييجها مؤخراً (وسائل الإعلام الباكستانية)

باكستان: جهود لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين

الجيش الباكستاني يبذل جهوداً كبرى لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين.

عمر فاروق (إسلام آباد)
أفريقيا وحدة من جيش بوركينا فاسو خلال عملية عسكرية (صحافة محلية)

دول الساحل تكثف عملياتها ضد معاقل الإرهاب

كثفت جيوش دول الساحل الثلاث؛ النيجر وبوركينا فاسو ومالي، خلال اليومين الماضيين من عملياتها العسكرية ضد معاقل الجماعات الإرهابية.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا سيدة في إحدى قرى بوركينا فاسو تراقب آلية عسكرية تابعة للجيش (غيتي)

تنظيم «القاعدة» يقترب من عاصمة بوركينا فاسو

أعلنت «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، الموالية لتنظيم «القاعدة»، أنها سيطرت على موقع عسكري متقدم تابع لجيش بوركينا فاسو.

الشيخ محمد ( نواكشوط)
أفريقيا رئيس تشاد يتحدث مع السكان المحليين (رئاسة تشاد)

الرئيس التشادي: سنلاحق إرهابيي «بوكو حرام» أينما ذهبوا

قال الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي، في مقطع فيديو نشرته الرئاسة التشادية، إنه سيلاحق مقاتلي «بوكو حرام» «أينما ذهبوا، واحداً تلو الآخر، وحتى آخر معاقلهم».

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا آثار هجوم إرهابي شنَّته «بوكو حرام» ضد الجيش التشادي (إعلام محلي)

«الإرهاب» يصعّد هجماته في دول الساحل الأفريقي

تصاعدت وتيرة الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي، خصوصاً بعد أن أعلنت تشاد أن أربعين جندياً قُتلوا في هجوم إرهابي.

الشيخ محمد (نواكشوط)

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

TT

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)
مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)

في المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، على مساحة لا تزيد على 360 كيلومتراً مربعاً، بطول 41 كم، وعرض يتراوح بين 5 و15 كم، يعيش في قطاع غزة نحو مليوني نسمة، ما يجعل القطاع البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم.

تبلغ نسبة الكثافة وفقاً لأرقام حديثة أكثر من 27 ألف ساكن في الكيلومتر المربع الواحد، أما في المخيمات فترتفع الكثافة السكانية إلى حدود 56 ألف ساكن تقريباً بالكيلومتر المربع.

تأتي تسمية القطاع «قطاع غزة» نسبة لأكبر مدنه، غزة، التي تعود مشكلة إسرائيل معها إلى ما قبل احتلالها في عام 1967، عندما كانت تحت الحكم المصري.

فقد تردد ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، في احتلال القطاع بعد حرب 1948، قبل أن يعود بعد 7 سنوات، في أثناء حملة سيناء، لاحتلاله لكن بشكل لم يدُم طويلاً، ثم عاد واحتله وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان عام 1967.

خيام النازحين الفلسطينيين على شاطئ دير البلح وسط قطاع غزة الأربعاء (إ.ب.أ)

في عام 1987، أطلق قطاع غزة شرارة الانتفاضة الشعبية الأولى، وغدا مصدر إزعاج كبيراً لإسرائيل لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، تمنى لو يصحو يوماً ويجد غزة وقد غرقت في البحر.

لكن غزة لم تغرق كما يشتهي رابين، ورمتها إسرائيل في حضن السلطة الفلسطينية عام 1994 على أمل أن تتحول هذه السلطة إلى شرطي حدود. لكن هذا كان أيضاً بمثابة وهم جديد؛ إذ اضطرت إسرائيل إلى شن أولى عملياتها العسكرية ضد غزة بعد تسليمها السلطة بنحو 8 سنوات، وتحديداً في نهاية أبريل (نيسان) 2001.

وفي مايو (أيار) 2004، شنت إسرائيل عملية «قوس قزح»، وفي سبتمبر (أيلول) 2004، عادت ونفذت عملية «أيام الندم». ثم في 2005، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة ضمن خطة عرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط الأحادي الجانب».

بعد الانسحاب شنت إسرائيل حربين سريعين، الأولى في 25 سبتمبر (أيلول) 2005 باسم «أول الغيث»، وهي أول عملية بعد خطة فك الارتباط بأسبوعين، وبعد عام واحد، في يونيو (حزيران) 2006، شنت إسرائيل عملية باسم «سيف جلعاد» في محاولة فاشلة لاستعادة الجندي الإسرائيلي الذي خطفته «حماس» آنذاك جلعاد شاليط، بينما ما زالت السلطة تحكم قطاع غزة.

عام واحد بعد ذلك سيطرت حماس على القطاع ثم توالت حروب أكبر وأوسع وأضخم تطورت معها قدرة الحركة وقدرات الفصائل الأخرى، مثل «الجهاد الإسلامي» التي اضطرت في السنوات الأخيرة لخوض حروب منفردة.

ظلت إسرائيل تقول إن «طنجرة الضغط» في غزة تمثل تهديداً يجب التعامل معه حتى تعاملت معها «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بانفجار لم تتوقعه أو تستوعبه إسرائيل وجر حرباً دموية على غزة، وأخرى على لبنان، وسلسلة مواجهات باردة في جبهات أخرى في حرب تبدو نصف إقليمية، وما أسهل أن تتحول إلى نصف عالمية.

أبرز الحروب

«الرصاص المصبوب» حسب التسمية الإسرائيلية أو «الفرقان» فلسطينياً:

بدأت في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008، وشنت خلالها إسرائيل إحدى أكبر عملياتها العسكرية على غزة وأكثرها دموية منذ الانسحاب من القطاع في 2005. واستهلتها بضربة جوية تسببت في مقتل 89 شرطياً تابعين لحركة «حماس»، إضافة إلى نحو 80 آخرين من المدنيين، ثم اقتحمت إسرائيل شمال وجنوب القطاع.

خلفت العمليات الدامية التي استمرت 21 يوماً، نحو 1400 قتيل فلسطيني و5500 جريح، ودمر أكثر من 4000 منزل في غزة، فيما تكبدت إسرائيل أكثر من 14 قتيلاً وإصابة 168 بين جنودها، يضاف إليهم ثلاثة مستوطنين ونحو ألف جريح.

وفي هذه الحرب اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» إسرائيل باستخدام الفسفور الأبيض بشكل ممنهج في قصف مناطق مأهولة بالسكان خلال الحرب.

«عمود السحاب» إسرائيلياً أو «حجارة السجيل» فلسطينياً:

أطلقت إسرائيل العملية في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 باغتيال رئيس أركان «حماس»، أحمد الجعبري. واكتفت إسرائيل بالهجمات الجوية ونفذت مئات الطلعات على غزة، وأدت العمليات إلى مقتل 174 فلسطينياً وجرح 1400.

شنت «حماس» أعنف هجوم على إسرائيل آنذاك، واستخدمت للمرة الأولى صواريخ طويلة المدى وصلت إلى تل أبيب والقدس وكانت صادمة للإسرائيليين. وأطلق خلال العملية تجاه إسرائيل أكثر من 1500 صاروخ، سقط من بينها على المدن 58 صاروخاً وجرى اعتراض 431. والبقية سقطت في مساحات مفتوحة. وقتل خلال العملية 5 إسرائيليين (أربعة مدنيين وجندي واحد) بالصواريخ الفلسطينية، بينما أصيب نحو 500 آخرين.

مقاتلون من «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - «كتائب القسام» عبر «تلغرام»)

«الجرف الصامد» إسرائيلياً أو «العصف المأكول» فلسطينياً:

بدأتها إسرائيل يوم الثلاثاء في 8 يوليو (تموز) 2014، ظلت 51 يوماً، وخلفت أكثر من 1500 قتيل فلسطيني ودماراً كبيراً.

اندلعت الحرب بعد أن اغتالت إسرائيل مسؤولين من حركة «حماس» اتهمتهم أنهم وراء اختطاف وقتل 3 مستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.

شنت إسرائيل خلال الحرب أكثر من 60 ألف غارة على القطاع ودمرت 33 نفقاً تابعاً لـ«حماس» التي أطلقت في هذه المواجهة أكثر من 8000 صاروخ وصل بعضها للمرة الأولى في تاريخ المواجهات إلى تل أبيب والقدس وحيفا وتسببت بشل الحركة هناك، بما فيها إغلاق مطار بن غوريون.

قتل في الحرب 68 جندياً إسرائيلياً، و4 مدنيين، وأصيب 2500 بجروح.

قبل نهاية الحرب أعلنت «كتائب القسام» أسرها الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، خلال تصديها لتوغل بري لجيش الاحتلال في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وما زال في الأسر.

«صيحة الفجر»:

عملية بدأتها إسرائيل صباح يوم 12 نوفمبر عام 2019، باغتيال قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، بهاء أبو العطا، في شقته السكنية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وردت «حركة الجهاد الإسلامي» بهجوم صاروخي استمر بضعة أيام، أطلقت خلالها مئات الصواريخ على مواقع وبلدات إسرائيلية.

كانت أول حرب لا تشارك فيها «حماس» وتنجح إسرائيل في إبقائها بعيدة.

طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

«حارس الأسوار» أو «سيف القدس»:

بدأت شرارتها من القدس بعد مواجهات في حي الشيخ جراح، واقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى ثم تنظيم مسيرة «الأعلام» نحو البلدة القديمة، وهي المسيرة التي حذرت «حماس» من أنها إذا تقدمت فإنها ستقصف القدس، وهو ما تم فعلاً في يوم العاشر من مايو (أيار) عام 2021.

شنت إسرائيل هجمات مكثفة على غزة وقتلت في 11 يوماً نحو 250 فلسطينياً، وأطلقت الفصائل أكثر من 4 آلاف صاروخ على بلدات ومدن في إسرائيل، ووصلت الصواريخ إلى تخوم مطار رامون، وقتل في الهجمات 12 إسرائيلياً.

 

«الفجر الصادق» أو «وحدة الساحات»:

كررت إسرائيل هجوماً منفرداً على «الجهاد» في الخامس من أغسطس (آب) 2022 واغتالت قائد المنطقة الشمالية لـ«سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، تيسير الجعبري، بعد استنفار أعلنته «الجهاد» رداً على اعتقال مسؤول كبير في الحركة في جنين في الضفة الغربية، وهو بسام السعدي.

ردت «حركة الجهاد الإسلامي» بمئات الصواريخ على بلدات ومدن إسرائيلية، وقالت في بيان إنها عملية مشتركة مع كتائب المقاومة الوطنية وكتائب المجاهدين وكتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح)، في انتقاد مبطن لعدم مشاركة «حماس» في القتال. توقفت العملية بعد أيام قليلة إثر تدخل وسطاء. وقتل في الهجمات الإسرائيلية 24 فلسطينياً بينهم 6 أطفال.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام خريطة لغزة خلال مؤتمره الصحافي في القدس ليلة الاثنين (إ.ب.أ)

«السهم الواقي» أو «ثأر الأحرار»:

حرب مفاجئة بدأتها إسرائيل في التاسع من مايو 2023، باغتيال 3 من أبرز قادة «سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة)، أمين سر المجلس العسكري لسرايا القدس، جهاد غنام (62 عاماً)، وقائد المنطقة الشمالية في السرايا خليل البهتيني (44 عاماً)، وعضو المكتب السياسي أحد مسؤولي العمل العسكري في الضفة الغربية، المبعد إلى غزة، طارق عز الدين (48 عاماً).

وحرب عام 2023 هي ثالث هجوم تشنه إسرائيل على «الجهاد الإسلامي» منفرداً، الذي رد هذه المرة بتنسيق كامل مع «حماس» عبر الغرفة المشتركة وقصف تل أبيب ومناطق أخرى كثيرة بوابل من الصواريخ تجاوز الـ500 صاروخ على الأقل.

... ثم الحرب الحالية في السابع من أكتوبر 2023.