أندرو بريجز: أوروبا ستحظر أشكال الذكاء الاصطناعي الأكثر عدوانية وغير الأخلاقية

الأستاذ الفخري للمواد النانوية في «أكسفورد» استعرض «المسودة الأوروبية للأخلاقيات»

أندرو بريجز المتخصص في  الذكاء الصناعي بجامعة أكسفورد
أندرو بريجز المتخصص في الذكاء الصناعي بجامعة أكسفورد
TT

أندرو بريجز: أوروبا ستحظر أشكال الذكاء الاصطناعي الأكثر عدوانية وغير الأخلاقية

أندرو بريجز المتخصص في  الذكاء الصناعي بجامعة أكسفورد
أندرو بريجز المتخصص في الذكاء الصناعي بجامعة أكسفورد

رغم توقيعه على مسودة في مارس (آذار) الماضي مع عدد كبير من المختصين وصناع التكنولوجيا تحذر من تداعيات التسابق السريع في قطاع الذكاء الاصطناعي ودعوته لـ«هدنة» بشأن تطوير برامجه؛ فإن أندرو بريجز الأستاذ الفخري للمواد النانوية بجامعة أكسفورد البريطانية العريقة يرى أن «المطالبة بحظر كامل لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الأغراض العسكرية قد يثير مخاوف من أن أوروبا تعطي الصين فرصة للهيمنة على الذكاء الاصطناعي المسلح».

وتحدث بريجز إلى «الشرق الأوسط» عن مسودة قانون «أخلاقيات الذكاء الاصطناعي» التي يجري إعدادها بواسطة الاتحاد الأوروبي، معتبراً أنها «محاولة للموازنة بين أن تقطع أوروبا خطوات متسارعة في مضمار الابتكار التنافسي بمجال الذكاء الاصطناعي، وأن تحافظ في نفس الوقت على الحقوق الأساسية للمواطن الأوروبي».

وقال بريجز، الذي يركز في جانب من أبحاثه على تخصص «الذكاء الاصطناعي»، إن «النصوص المقترحة للقانون الأوروبي، والتي تجري مراجعتها راهناً، ستحقق بعضاً من الراحة لأولئك الغاضبين من خوارزميات الذكاء الاصطناعي المتحيزة؛ مثل تلك التي تقلل من التصنيف المهني للمرأة بشكل منهجي، وتقنيات التعرف على الوجه المعيبة التي دفعت الشرطة إلى اعتقال السود بشكل خاطئ في الولايات المتحدة، وتقييم طلبات القروض بشكل متحيز تجاه فئات معينة».

ويضيف أن «نصوص مشروع القانون تتضمن حظراً لبعض أشكال الذكاء الاصطناعي التي تعتبرها جماعات حقوق الإنسان أكثر عدوانية وغير أخلاقية، مثل تلك التي تتلاعب بالسلوك، ومنها خوارزميات التعلم الآلي التي تستهدف المواطنين بالرسائل السياسية عبر الإنترنت».

وأوضح الخبير، الذي شارك في التوقيع على العريضة التي أعدها الشهر الماضي معهد «فيوتشر أوف لايف» غير الربحي الأميركي، والتي تطالب بوقف أنشطة الذكاء الاصطناعي ستة أشهر، أن «اللوائح (الأوروبية) المقترحة فريدة من نوعها على مستوى العالم، وهي بمثابة رسالة أوروبية واضحة بإعطاء أهمية لحقوق المواطنين الأساسية».

ومع ذلك لا يخفي بريجز مخاوفه من «إساءة استعمال هذه المواد القانونية حال إقرارها لـ(خنق ابتكارات الذكاء الاصطناعي)». مستدركاً: «لسنا ضد حماية حقوق المواطنين، ولكن يجب أن تكون المواد واضحة ومحددة، حتى لا تسمح بتأويلات تؤدي إلى خنق الابتكارات، وتُخرج أوروبا من مضمار التنافس مع الولايات المتحدة والصين».

وفي إطار التوازنات ذاتها، يرى الأكاديمي الأوروبي أن «المطالبة بحظر استخدام الذكاء الاصطناعي في الأغراض العسكرية قد تكون (غير دقيقة)، ولكن يمكن حظر استخدامات بعينها، لأن الحظر العام في هذا المجال قد يثير مخاوف من أن أوروبا تعطي الصين الفرصة للهيمنة على الذكاء الاصطناعي المسلح»، وفق رؤيته.

ولفت إلى أن «نصوص القانون المقترح، يكتنفها بعض الغموض في تعريف (الذكاء الاصطناعي)، والذي يركز بشكل خاص على التعلم الآلي، ولكنه قد لا ينطبق على الجيل التالي من تقنيات الحوسبة، مثل الحوسبة الكمومية أو الحوسبة المتطورة».

وأضاف بريجز أن «هناك أسئلة مفتوحة حول التمييز بين الذكاء الاصطناعي عالي الخطورة والمنخفض الخطورة، وبينما تنطبق اللوائح فقط على النوع الأول، فإن المشكلة قد تأتي من الفصل بين النوعين، ما قد يسبب تمييزا تعسفيا يؤدي لحدوث مشكلات في المستقبل».


مقالات ذات صلة

علوم اضطراب مفصل الفك: الأعراض والعلاج ودور الذكاء الاصطناعي

اضطراب مفصل الفك: الأعراض والعلاج ودور الذكاء الاصطناعي

من المهم تشخيصه بشكل صحيح.

د. عميد خالد عبد الحميد (الرياض)
علوم أطلس الذكاء الاصطناعي لمرض السكري

أطلس الذكاء الاصطناعي لمرض السكري

عبر توظيف أجهزة الاستشعار البيئية ومسح العين ومقاييس الاكتئاب والعلامات البيولوجية.

د. وفا جاسم الرجب
علوم «جي بي تي» يصمم مواقع ويب جذابة... وخادعة

«جي بي تي» يصمم مواقع ويب جذابة... وخادعة

تحذيرات أكاديمية من وضع تصميمات دون التفكير في العواقب المحتملة.

كريس ستوكل - والكر (واشنطن)
الاقتصاد المدير التنفيذي لشركة «سيسكو السعودية» سلمان فقيه (تصوير: تركي العقيلي) play-circle 01:37

المدير التنفيذي لـ«سيسكو» السعودية: استثماراتنا بالمملكة مستمرة لدعم جهودها في التحول الرقمي

في ظل ما يشهده قطاع التقنية السعودي من تطور، حقَّقت «سيسكو» أداءً قوياً ومتسقاً مع الفرص المتاحة وقرَّرت مواصلة استثماراتها لدعم جهود السعودية في التحول الرقمي.

زينب علي (الرياض)

طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
TT

طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري

يشكّل قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الركيزة الأساسية لأي حلّ دبلوماسي للحرب الإسرائيلية على لبنان، رغم التصدعات التي أصابته جراء الخروق المتكررة لمضامينه منذ إقراره في شهر أغسطس (آب) 2006. وعلى رغم أن الأحداث المتسارعة تجاوزته وسياسة التدمير التي تنفذها إسرائيل على كامل الأراضي اللبنانية جعلت من الصعب البناء عليه، فإن وزير الخارجية الأسبق طارق متري، تحدث عن «استحالة الاتفاق على قرار بديل عنه بفعل الانقسام الحاد داخل مجلس الأمن الدولي وامتلاك الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حق النقض (الفيتو) لتعطيل أي قرار بديل». وشدد متري على أنه «لا بديل لهذا القرار وإن كان يحتاج إلى مقدمة جديدة وإعادة صياغة».

ثغرات تسهل الخرق

ثمة بنود ملتبسة في هذا القرار الدولي، تسببت بخرقه مراراً من إسرائيل و«حزب الله» على السواء؛ لكون كلّ منهما يفسّر هذه البنود بحسب رؤيته ومصلحته. ومتري هو أحد مهندسي الـ1701 عندما مثَّل لبنان وزيراً للخارجية بالوكالة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وأشار إلى أن «كل قرارات مجلس الأمن يشوبها بعض الغموض، ومن يقرأ 1701 بتأنٍ يتبيّن أنه ينطوي على لهجة قوية، لكن منطوقه يحمل بعض التأويل». وقال متري في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «مشكلة القرار 1701 الأساسية والتي كانت سبباً وراء تفسيره من نواحٍٍ مختلفة، أنه يدعو إلى وقف الأعمال العدائية وليس وقف إطلاق النار، وكذلك شابه الغموض أو عدم الوضوح، خصوصاً في الفقرة (8) التي تتحدث عن ترتيبات أمنية في المنطقة الفاصلة ما بين مجرى نهر الليطاني والخطّ الأزرق وجعلها خالية من المسلحين»، مشيراً إلى أن «هذا القرار صدر تحت الفصل السادس، لكن الالتباس الأكبر الذي شابه عندما تطرق إلى مهمة القوات الدولية (يونيفيل)؛ إذ أطلق يدها باتخاذ الإجراءات الضرورية كافة لمنع أي تواجد عسكري أو ظهور مسلّح غير شرعي كما لو أنه جاء تحت الفصل السابع». ويتابع متري قوله: «لكن للأسف هذه القوات لم تقم بدورها، وبدلاً عن أن تكون قوّة مراقبة وتدخل، باتت هي نفسها تحت المراقبة» (في إشارة إلى تعقبها من قِبل مناصري «حزب الله» واعتراضها).

ظروف صدور القرار

فرضت تطورات حرب يوليو (تموز) 2006 إصدار هذا القرار تحت النار والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل، ولم يخفِ الوزير متري أن «القرار 1701 لم يشبع درساً، وكان همّ كلّ الأطراف الاتفاق على ما يوقف الأعمال العدائية ولو كان ملتبساً». ويقول متري إن القرار «لم يكن ليصدر لو لم تتخذ حكومة لبنان برئاسة فؤاد السنيورة قراراً بإرسال 15 ألف جندي إلى الجنوب. لكن لأسباب متعددة لم يستطع لبنان أن يفي بوعده بإرسال هذا العدد من الجنود، أولاً لعدم توفر الإمكانات وانشغال الجيش بكثير من المهمات بينها حفظ الأمن الداخلي».

صحيح أن القرار الدولي كان عرضة للخرق الدائم وهذا كان موضع تقييم دائم من مجلس الأمن الدولي الذي لطالما حذّر من تجاوزه، لكنه بقي إطاراً ضابطاً للوضع الأمني على طول الخطّ الأزرق الفاصل ما بين لبنان وفلسطين المحتلّة.

جسر دمَّرته حرب 2006 شمال بيروت (غيتي)

وذكّر متري بأن «الفترة التي فصلت إقرار القانون ووقف الأعمال العدائية في عام 2006، وبين 7 أكتوبر (2023) لم يبادر (حزب الله) إلى الاصطدام بأحد، ولم يكن سلاحه ظاهراً كما غابت نشاطاته العسكرية، واعتبر نفسه مطبّقاً للقرار 1701 على النحو المطلوب، في حين أن إسرائيل خرقت السيادة اللبنانية جوّاً آلاف المرات، حتى أنها امتنعت عن إعطاء لبنان خرائط الألغام؛ وهو ما تسبب بسقوط عشرات الضحايا من المدنيين اللبنانيين». كذلك أشار متري إلى أن «دبلوماسيين غربيين تحدثوا عما يشبه الاتفاق الضمني بأن كلّ ما هو غير ظاهر من السلاح جنوبي الليطاني ينسجم القرار مع 1701، وأن (حزب الله) لم يقم بعمليات تخرق الخطّ الأزرق، بل كانت هناك عمليات في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا».

هل ما زال القرار قابلاً للحياة؟

يتردد طارق متري في الإجابة عن مستقبل هذا القرار؛ لأن «النوايا الفعلية لحكومة بنيامين نتنياهو غير واضحة». وسرعان ما يلفت إلى وجود تناقضات كبيرة في السياسة الدولية اليوم، ويقول: «الأميركيون يحذّرون نتنياهو من الغزو البرّي، لكنّ الأخير يزعم أنه يريد القيام بعمليات محدودة لضرب أهداف لـ(حزب الله)، وهذا غير مضمون»، مذكراً بأن «جناح اليمين المتطرف داخل الحكومة الإسرائيلية يدعو لاحتلال جزء من جنوب لبنان، لكنّ هؤلاء قلّة غير مؤثرة؛ لأن القرار في جنوب لبنان ونوعيّة الغزو البرّي تتخذه المؤسسة العسكرية»، متحدثاً عن «وجود إشارات متضاربة، إذ أنه عندما قدّم الأميركيون والفرنسيون ورقتهم لوقف النار، جاء التصعيد الإسرائيلي سريعاً في لبنان». وأضاف: «قبل الانتخابات الرئاسية يفضل الأميركيون ألا تندلع الحرب، وفي الوقت نفسه يغضون النظر عمّا تلحقه إسرائيل من أذى بحق المدنيين اللبنانيين».

سيناريو 2006

وتنطلق مخاوف وزير الخارجية السابق التجارب الإسرائيلية السابقة، قائلاً: «في عام 2006 زعمت إسرائيل أن الغاية من عملياتها في لبنان ضرب (حزب الله)، لكنها دمرت لبنان، واليوم تطبّق السيناريو نفسه، إن كانت لا تزال تحيّد مطار بيروت الدولي عن الاستهداف وتتجنّب تدمير الجسور، والفرنسيون متفهمون لذلك».

آثار القصف الإسرائيلي على بيروت خلال الحرب مع «حزب الله» عام 2006 (رويترز)

وشدد في الوقت نفسه على «مسؤولية لبنان بفتح نافذة دبلوماسية؛ إذ ليس لديه خيار سوى تطبيق القرار 1701 والاستعداد لإرسال الجيش إلى الجنوب». وتابع: «إسرائيل تعرف أن الحكومة اللبنانية ضعيفة وإذا حصلت على التزام لبناني بتطبيق القرار ستطالب بالأكثر».

وفي حين يسود اعتقاد بأن القرار 1701 لم يعد الوثيقة الدولية الصالحة لإنهاء الحرب القائمة على لبنان اليوم، استبعد طارق متري إصدار مجلس الأمن الدولي قراراً بديلاً عنه. ورأى أنه «يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يجدد المطالبة بتنفيذه مع إعادة صياغته ووضع مقدّمة جديدة له». وتحدث عن «استحالة صدور قرار جديد لأن مجلس الأمن الدولي مشلول ولا يمكن إصدار الاتفاق على بديل، لأن الفيتو الأميركي والروسي موجودون ولا إمكانية لقرار آخر». وأكد أن «التقدم الإسرائيلي ميدانياً سيقفل الباب أمام الحلّ الدبلوماسي، أما إذا تمكن (حزب الله) من الصمود أمام التدخل الإسرائيلي فهذا قد يفتح باباً أمام الحلول السياسية».