التقنية المعاصرة بين التقديس والمسؤولية الأخلاقية

زائرة لمعرض «فيفا تكنولوجي» في فرنسا قبل أيام تلتقط صورة لرجل يرتدي بذة رائد فضاء (رويترز)
زائرة لمعرض «فيفا تكنولوجي» في فرنسا قبل أيام تلتقط صورة لرجل يرتدي بذة رائد فضاء (رويترز)
TT

التقنية المعاصرة بين التقديس والمسؤولية الأخلاقية

زائرة لمعرض «فيفا تكنولوجي» في فرنسا قبل أيام تلتقط صورة لرجل يرتدي بذة رائد فضاء (رويترز)
زائرة لمعرض «فيفا تكنولوجي» في فرنسا قبل أيام تلتقط صورة لرجل يرتدي بذة رائد فضاء (رويترز)

في بداية هذا المقال لا بد من تبرير عنوانه. في الواقع نحن استوحينا هذا العنوان من موقفين فلسفيين حول موضوع الظاهرة التقنية المعاصرة التي غيرت حياة الإنسان بشكل غير مسبوق في تاريخ البشرية: الموقف الأول يعود إلى الفيلسوف الإيطالي إمانويل سفيرينو (Severino)، والموقف الثاني يعود إلى الفيلسوف الألماني هانز يوناس (JONAS).
ولكن قبل عرض الموقفين لا بد لنا من الإشارة إلى إشكالية التقنية التي تتمفصل حول مجموعة من الأسئلة التي بدأت تشغل وتقلق الفكر الإنساني منذ أن شعر الإنسان كأنه أصبح يعيش بانتظار يوم آخر من إنجازات الحلف القائم بين سلطات العلم والتقنية والتكنولوجيا. في الواقع، بعد أن سيطر سحر التكنولوجيا الحديثة واعتاد الإنسان على إنجازاتها الجبارة والسريعة أصبح هذا الإنسان، الذي بدأ تحقيق إنسانيته من خلال مشروع السيادة على الطبيعة بواسطة الفعل التقني، أصبح يشعر بالخطر الداهم الذي بدأ يهدد هذه الإنسانية في ذاتها والآتي من التماهي بين مشروع السيادة الإنسانية على الطبيعة والمشروع التقني، فأصبح هذان المشروعان في حال من السباق الدائم ومن التلازم الضروري والمأزقي. من هنا ظهرت مجموعة من الأسئلة نوجزها فيما يلي:
كيف يستطيع الإنسان المحافظة على بقائه أمام أهوال الطبيعة من دون اللجوء إلى الفعل التقني؟
من أين يأتي نداء الفعل التقني؟ من الإنسان ذاته أم من الكينونة (هايدغر)؟
هل الإنسان، صاحب مشروع السيادة على الطبيعة وامتلاكها (ديكارت)، أصبح وسيلة لمشروع سيادة المشروع التقني؟
إلى متى وإلى أي حد سيستمر نزوع الإنسان نحو السيادة المطلقة على الطبيعة مع حاجته إلى الانجرار في مشروع العقلانية التقنية السلطوية؟
وهل الإنسان الذي بدأ رحلة البحث عن الحقيقة منذ آلاف السنين سيجد في التقنية المعاصرة المتمثلة في ميادين التكنولوجيا المتطورة معالم ظهور حقيقة الكون والحياة، وبالتالي هل سيتحول إلى مجرد مُسهم في هذه الصيرورة في مسار ظهور الحقيقة؟
في الواقع، إن هذه الأسئلة ولدت أمام التطور الهائل في ميادين الأبحاث العلمية المتعلقة بالإنسان والهندسة الوراثية وصولاً إلى الادعاء بإمكانية صناعة أو خلق إنسان بمواصفات محددة. وهذا المسار بدأ منذ النصف الثاني من القرن العشرين. والدليل على ذلك ظهر في مقابلة تلفزيونية في أواخر الثمانينات مع فرنسوا جاكوب الحائز على جائزة نوبل في ميدان الهندسة الوراثية، حيث أعلن أنه لو تم السماح لأبحاث الهندسة الوراثية بأن تأخذ مداها لكان بالإمكان صناعة إنسان بالمواصفات التي نريدها. بالطبع إن هذا الموقف يستند إلى تطور التقنية وإلى الحلف القائم بين العلم والتقنية. وأمام التطور الهائل في العلم والتكنولوجيا برز «تيار تحويل الإنسان» (trans-humanısme) وتعديل مواصفاته الجينية من خلال التقنية المتطورة، بحيث يصل عمر الفرد إلى مئات السنين. وأكثر من ذلك بدأنا نشهد ولادة مرحلة «ما بعد الإنسان» (post-humanisme) من خلال الاعتماد على الذكاء الصناعي وعلى الإنسان الآلي (Robot).
إن هذا الوضع الذي وصلنا إليه من خلال التقنية المظفرة أثار حفيظة الفليلسوف الإيطالي إمانويل سفيرينو (SEVERINO) الذي اعتبر أن التقنية أصبحت آخر الآلهة بالنسبة إلى «تيار التحويل أو التعديل الإنساني»، بحيث إن التقنية المتطورة حلّت مكان الله الذي خلق الأشياء والعالم من عدم. في الواقع إن وجهة نظر سفيرينو تتلخص في أنه يعتبر على مثال الفيلسوف اليوناني برمنيدس أن الكون يكون وبأن العدم لا يكون. على ذلك، فإنه يعتبر القول بالخلق من عدم هو بمثابة جنون. في مقابلة مع مجلة «Philosophie» الفرنسية عدد رقم 125 يناير (كانون الثاني) 2019 يقول: «إن الكائنات البشرية في عصر التقنية تتماهى مع الإله الخالق؛ إنهم يعتقدون بأنهم يصنعون من العدم أشياء لم تكن موجودة من قبل مثل الذكاء الصناعي والمفاعل النووي وسيستم الاتصالات القائم على المعلوماتية وكل الأدوات التي تجعل من حياة الإنسان ممكنة...». ويختم سفيرينو هذه المقابلة بالقول: «إن التقنية أصبحت إلهنا الأخير وسيدنا، وهذا ما تعترف به نزعة تحويل وتعديل الإنسان. ولكن بما أن هذه النزعة ولدت من الجنون وأن مشروعها غير قابل للتحقق، فهي لن تنقذنا ولن تقدم لنا الخلود الموعود، حيث الفلسفة وحدها بصفتها المنفتحة على حالة عدم الجنون تستطيع أن تقودنا إلى البعد الحقيقي للأبدية».
هكذا إذن، إن تأليه التقنية لن يصب في خانة تحرير الإنسان من جنون الاعتقاد بإمكان الخلق من عدم والعودة إلى العدم، وذلك لأن الكون يكون دائماً والأشياء تظهر وتتخفى في الكينونة الأبدية.
ولذلك تستمر المسألة التقنية في إثارة التساؤلات والمفارقات. ومن أهم هذه المفارقات تلك التي تجعلنا في آن واحد مقيمين في المجال التقني ومرتابين تجاه المصير الذي يدفعنا إليه. فالإنسان المعاصر يفتخر بأنه وريث الحداثة الفلسفية والعلمية والتقنية ولكنه بدأ ينوء تحت أثقالها وسلطاتها بدلاً من أن يحقق من خلالها مشروع السيادة على الطبيعة وامتلاكها. وهذه المفارقة شكلت الأرض الخصبة لطروحات ما بعد الحداثة التي انتفضت تجاه هذه السلطات وتجاه العقل التركيبي الكلي أو الشمولي والعقل التكنولوجي.
إذن، المعضلة التكنولوجية طرحت على الإنسان المعاصر مسألة المصير، وبالتالي مسألة مسؤولية الإنسان الراهن تجاه مستقبل البشرية جمعاء. فهل يحق للإنسان المعاصر تقرير مصير الكون بما فيه من بشر وحجر؟ وهل يحق له تقرير مصير الأجيال القادمة؟ إن هذه الأسئلة دفعت بالفيلسوف الألماني هانز يوناس إلى طرح القضية في كتابه المنشور تحت عنوان «مبدأ المسؤولية، أخلاق من أجل الحضارة التكنولوجية» (Le principe responsabilité, une éthique pour la civilisation technologique). في هذا الكتاب، يطرح يوناس إعادة صياغة الأخلاق انطلاقاً من فكرة المسؤولية. ولذلك ينطلق من الأخلاق الكانطية، خصوصاً من القواعد التي أرساها كانط في كتابه «أسس ميتافيزيقا الأخلاق». ويركز على دور الأمر القطعي أو الواجب الإلزامي في تأسيس مبدأ المسؤولية، ويحاول أن يستبدل بصيغة كانط، صيغة أخرى تنسجم مع دعوته للإنسان المعاصر إلى الالتزام بالمستقبل البشري وإلى عدم المخاطرة حتى ولو كان ذلك منطقياً بمصير الأجيال القادمة.
وسنحاول التقاط الفرق بين صيغتي كانط ويوناس. الأمر القطعي لدى كانط يقول: «افعل بطريقة تستطيع معها أن تريد بأن تصبح حكمتك قانوناً كونياً»، ويلاحظ يوناس أن مسألة الاستطاعة هنا هي مسألة منطقية تتعلق بمدى عدم تناقض العقل مع ذاته، أي أن الإنسان العاقل عليه أن يأخذ بعين الاعتبار كونه واحداً من الكائنات العاقلة، ولذلك عليه أن يحكم بطريقة يكون فيها حكمه كونياً. وبالتالي، فإن الاعتبار الأساسي للأخلاق هنا ليس أخلاقياً بل منطقي، إذ إن الاستطاعة أو عدم الاستطاعة هنا تعبر عن التواؤم أو عدم التواؤم منطقياً، وليس عن موافقة أو عدم موافقة. هذا يعني أن الإنسان يستطيع منطقياً أن يريد أو لا يريد تقرير نهاية البشرية. هذا على صعيد المنطق. ولكن على صعيد الأخلاق يجدر التساؤل: من يعطي الحق لحلقة معينة من السلسلة البشرية أن تقطع هذه السلسلة؟ قد يكون من حق أو من واجب جيل معين أو جماعة معينة أن تضحي بنفسها من أجل قضية ما، ولكن لا يحق لها أن تتخذ قراراً بقطع السلسلة البشرية، وذلك لأنها مسؤولة عن المستقبل أكثر مما هي مسؤولة عن الحاضر، وبالتالي الأمر القطعي عند يوناس يتحول إلى أخلاق من أجل الأجيال القادمة، ليس بمعنى أننا يجب أن نضع من الآن قواعد أخلاقية تلتزم بها الأجيال القادمة، بل بمعنى أن تكون أخلاقنا الراهنة مسؤولة تجاه أجيال المستقبل.
- باحث وأستاذ جامعي لبناني


مقالات ذات صلة

«بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

عالم الاعمال «بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

«بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

تعود فعالية الأمن السيبراني الأبرز عالمياً «بلاك هات» في نسختها الثالثة إلى «مركز الرياض للمعارض والمؤتمرات» ببلدة ملهم شمال العاصمة السعودية الرياض.

تكنولوجيا «غوغل» تطلق النسخة الأولية من آندرويد 16 للمطورين مع ميزات جديدة لتعزيز الخصوصية ومشاركة البيانات الصحية (غوغل)

«غوغل» تطلق النسخة الأولية من آندرويد 16 للمطورين مع ميزات جديدة

أطلقت «غوغل» النسخة التجريبية الأولية من آندرويد 16 للمطورين، وهي خطوة تمهد الطريق للتحديثات الكبيرة المقبلة في هذا النظام.

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
تكنولوجيا «أبل» تؤكد مشكلة اختفاء الملاحظات بسبب خلل بمزامنة (iCloud) وتوضح خطوات استعادتها مع توقع تحديث (iOS) قريب (أبل)

اختفاء الملاحظات في أجهزة آيفون... المشكلة والحلول

وفقاً لتقرير رسمي من «أبل»، فإن المشكلة تتعلق بإعدادات مزامنة الآيكلاود (iCloud).

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
تكنولوجيا تمكنك «دورا» من تصميم مواقع ثلاثية الأبعاد مذهلة بسهولة تامة باستخدام الذكاء الاصطناعي دون الحاجة لأي معرفة برمجية (دورا)

صمم موقعك ثلاثي الأبعاد بخطوات بسيطة ودون «كود»

تتيح «دورا» للمستخدمين إنشاء مواقع مخصصة باستخدام الذكاء الاصطناعي عبر إدخال وصف نصي بسيط.

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص يحول الذكاء الاصطناعي الطابعات من مجرد خدمة بسيطة إلى أداة أكثر ذكاءً واستجابة لحاجات المستخدمين (أدوبي)

خاص كيف يجعل الذكاء الاصطناعي الطابعات أكثر ذكاءً؟

تلتقي «الشرق الأوسط» الرئيسة العامة ومديرة قسم الطباعة المنزلية في شركة «إتش بي» (HP) لفهم تأثير الذكاء الاصطناعي على عمل الطابعات ومستقبلها.

نسيم رمضان (بالو ألتو - كاليفورنيا)

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

TT

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)
مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)

في المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، على مساحة لا تزيد على 360 كيلومتراً مربعاً، بطول 41 كم، وعرض يتراوح بين 5 و15 كم، يعيش في قطاع غزة نحو مليوني نسمة، ما يجعل القطاع البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم.

تبلغ نسبة الكثافة وفقاً لأرقام حديثة أكثر من 27 ألف ساكن في الكيلومتر المربع الواحد، أما في المخيمات فترتفع الكثافة السكانية إلى حدود 56 ألف ساكن تقريباً بالكيلومتر المربع.

تأتي تسمية القطاع «قطاع غزة» نسبة لأكبر مدنه، غزة، التي تعود مشكلة إسرائيل معها إلى ما قبل احتلالها في عام 1967، عندما كانت تحت الحكم المصري.

فقد تردد ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، في احتلال القطاع بعد حرب 1948، قبل أن يعود بعد 7 سنوات، في أثناء حملة سيناء، لاحتلاله لكن بشكل لم يدُم طويلاً، ثم عاد واحتله وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان عام 1967.

خيام النازحين الفلسطينيين على شاطئ دير البلح وسط قطاع غزة الأربعاء (إ.ب.أ)

في عام 1987، أطلق قطاع غزة شرارة الانتفاضة الشعبية الأولى، وغدا مصدر إزعاج كبيراً لإسرائيل لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، تمنى لو يصحو يوماً ويجد غزة وقد غرقت في البحر.

لكن غزة لم تغرق كما يشتهي رابين، ورمتها إسرائيل في حضن السلطة الفلسطينية عام 1994 على أمل أن تتحول هذه السلطة إلى شرطي حدود. لكن هذا كان أيضاً بمثابة وهم جديد؛ إذ اضطرت إسرائيل إلى شن أولى عملياتها العسكرية ضد غزة بعد تسليمها السلطة بنحو 8 سنوات، وتحديداً في نهاية أبريل (نيسان) 2001.

وفي مايو (أيار) 2004، شنت إسرائيل عملية «قوس قزح»، وفي سبتمبر (أيلول) 2004، عادت ونفذت عملية «أيام الندم». ثم في 2005، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة ضمن خطة عرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط الأحادي الجانب».

بعد الانسحاب شنت إسرائيل حربين سريعين، الأولى في 25 سبتمبر (أيلول) 2005 باسم «أول الغيث»، وهي أول عملية بعد خطة فك الارتباط بأسبوعين، وبعد عام واحد، في يونيو (حزيران) 2006، شنت إسرائيل عملية باسم «سيف جلعاد» في محاولة فاشلة لاستعادة الجندي الإسرائيلي الذي خطفته «حماس» آنذاك جلعاد شاليط، بينما ما زالت السلطة تحكم قطاع غزة.

عام واحد بعد ذلك سيطرت حماس على القطاع ثم توالت حروب أكبر وأوسع وأضخم تطورت معها قدرة الحركة وقدرات الفصائل الأخرى، مثل «الجهاد الإسلامي» التي اضطرت في السنوات الأخيرة لخوض حروب منفردة.

ظلت إسرائيل تقول إن «طنجرة الضغط» في غزة تمثل تهديداً يجب التعامل معه حتى تعاملت معها «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بانفجار لم تتوقعه أو تستوعبه إسرائيل وجر حرباً دموية على غزة، وأخرى على لبنان، وسلسلة مواجهات باردة في جبهات أخرى في حرب تبدو نصف إقليمية، وما أسهل أن تتحول إلى نصف عالمية.

أبرز الحروب

«الرصاص المصبوب» حسب التسمية الإسرائيلية أو «الفرقان» فلسطينياً:

بدأت في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008، وشنت خلالها إسرائيل إحدى أكبر عملياتها العسكرية على غزة وأكثرها دموية منذ الانسحاب من القطاع في 2005. واستهلتها بضربة جوية تسببت في مقتل 89 شرطياً تابعين لحركة «حماس»، إضافة إلى نحو 80 آخرين من المدنيين، ثم اقتحمت إسرائيل شمال وجنوب القطاع.

خلفت العمليات الدامية التي استمرت 21 يوماً، نحو 1400 قتيل فلسطيني و5500 جريح، ودمر أكثر من 4000 منزل في غزة، فيما تكبدت إسرائيل أكثر من 14 قتيلاً وإصابة 168 بين جنودها، يضاف إليهم ثلاثة مستوطنين ونحو ألف جريح.

وفي هذه الحرب اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» إسرائيل باستخدام الفسفور الأبيض بشكل ممنهج في قصف مناطق مأهولة بالسكان خلال الحرب.

«عمود السحاب» إسرائيلياً أو «حجارة السجيل» فلسطينياً:

أطلقت إسرائيل العملية في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 باغتيال رئيس أركان «حماس»، أحمد الجعبري. واكتفت إسرائيل بالهجمات الجوية ونفذت مئات الطلعات على غزة، وأدت العمليات إلى مقتل 174 فلسطينياً وجرح 1400.

شنت «حماس» أعنف هجوم على إسرائيل آنذاك، واستخدمت للمرة الأولى صواريخ طويلة المدى وصلت إلى تل أبيب والقدس وكانت صادمة للإسرائيليين. وأطلق خلال العملية تجاه إسرائيل أكثر من 1500 صاروخ، سقط من بينها على المدن 58 صاروخاً وجرى اعتراض 431. والبقية سقطت في مساحات مفتوحة. وقتل خلال العملية 5 إسرائيليين (أربعة مدنيين وجندي واحد) بالصواريخ الفلسطينية، بينما أصيب نحو 500 آخرين.

مقاتلون من «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - «كتائب القسام» عبر «تلغرام»)

«الجرف الصامد» إسرائيلياً أو «العصف المأكول» فلسطينياً:

بدأتها إسرائيل يوم الثلاثاء في 8 يوليو (تموز) 2014، ظلت 51 يوماً، وخلفت أكثر من 1500 قتيل فلسطيني ودماراً كبيراً.

اندلعت الحرب بعد أن اغتالت إسرائيل مسؤولين من حركة «حماس» اتهمتهم أنهم وراء اختطاف وقتل 3 مستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.

شنت إسرائيل خلال الحرب أكثر من 60 ألف غارة على القطاع ودمرت 33 نفقاً تابعاً لـ«حماس» التي أطلقت في هذه المواجهة أكثر من 8000 صاروخ وصل بعضها للمرة الأولى في تاريخ المواجهات إلى تل أبيب والقدس وحيفا وتسببت بشل الحركة هناك، بما فيها إغلاق مطار بن غوريون.

قتل في الحرب 68 جندياً إسرائيلياً، و4 مدنيين، وأصيب 2500 بجروح.

قبل نهاية الحرب أعلنت «كتائب القسام» أسرها الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، خلال تصديها لتوغل بري لجيش الاحتلال في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وما زال في الأسر.

«صيحة الفجر»:

عملية بدأتها إسرائيل صباح يوم 12 نوفمبر عام 2019، باغتيال قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، بهاء أبو العطا، في شقته السكنية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وردت «حركة الجهاد الإسلامي» بهجوم صاروخي استمر بضعة أيام، أطلقت خلالها مئات الصواريخ على مواقع وبلدات إسرائيلية.

كانت أول حرب لا تشارك فيها «حماس» وتنجح إسرائيل في إبقائها بعيدة.

طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

«حارس الأسوار» أو «سيف القدس»:

بدأت شرارتها من القدس بعد مواجهات في حي الشيخ جراح، واقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى ثم تنظيم مسيرة «الأعلام» نحو البلدة القديمة، وهي المسيرة التي حذرت «حماس» من أنها إذا تقدمت فإنها ستقصف القدس، وهو ما تم فعلاً في يوم العاشر من مايو (أيار) عام 2021.

شنت إسرائيل هجمات مكثفة على غزة وقتلت في 11 يوماً نحو 250 فلسطينياً، وأطلقت الفصائل أكثر من 4 آلاف صاروخ على بلدات ومدن في إسرائيل، ووصلت الصواريخ إلى تخوم مطار رامون، وقتل في الهجمات 12 إسرائيلياً.

 

«الفجر الصادق» أو «وحدة الساحات»:

كررت إسرائيل هجوماً منفرداً على «الجهاد» في الخامس من أغسطس (آب) 2022 واغتالت قائد المنطقة الشمالية لـ«سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، تيسير الجعبري، بعد استنفار أعلنته «الجهاد» رداً على اعتقال مسؤول كبير في الحركة في جنين في الضفة الغربية، وهو بسام السعدي.

ردت «حركة الجهاد الإسلامي» بمئات الصواريخ على بلدات ومدن إسرائيلية، وقالت في بيان إنها عملية مشتركة مع كتائب المقاومة الوطنية وكتائب المجاهدين وكتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح)، في انتقاد مبطن لعدم مشاركة «حماس» في القتال. توقفت العملية بعد أيام قليلة إثر تدخل وسطاء. وقتل في الهجمات الإسرائيلية 24 فلسطينياً بينهم 6 أطفال.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام خريطة لغزة خلال مؤتمره الصحافي في القدس ليلة الاثنين (إ.ب.أ)

«السهم الواقي» أو «ثأر الأحرار»:

حرب مفاجئة بدأتها إسرائيل في التاسع من مايو 2023، باغتيال 3 من أبرز قادة «سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة)، أمين سر المجلس العسكري لسرايا القدس، جهاد غنام (62 عاماً)، وقائد المنطقة الشمالية في السرايا خليل البهتيني (44 عاماً)، وعضو المكتب السياسي أحد مسؤولي العمل العسكري في الضفة الغربية، المبعد إلى غزة، طارق عز الدين (48 عاماً).

وحرب عام 2023 هي ثالث هجوم تشنه إسرائيل على «الجهاد الإسلامي» منفرداً، الذي رد هذه المرة بتنسيق كامل مع «حماس» عبر الغرفة المشتركة وقصف تل أبيب ومناطق أخرى كثيرة بوابل من الصواريخ تجاوز الـ500 صاروخ على الأقل.

... ثم الحرب الحالية في السابع من أكتوبر 2023.