كوريا الجنوبية واليابان تدفنان الماضي لمواجهة التحدي الإقليمي

طموح بكين وبيونغ يانغ يعيد رسم أولويات الشرق الأقصى

كوريا الجنوبية واليابان تدفنان الماضي لمواجهة التحدي الإقليمي
TT

كوريا الجنوبية واليابان تدفنان الماضي لمواجهة التحدي الإقليمي

كوريا الجنوبية واليابان تدفنان الماضي لمواجهة التحدي الإقليمي

في خطوة جيوسياسية كبرى وناجحة باتجاه دفن الماضي المرير لعلاقات اليابان بجارتها كوريا الجنوبية، عقد قادة الدولتين العملاقتين المؤثرتين في منطقة الشرق الأقصى، قمتين متتاليتين تحظيان حالياً في ظل التطورات الدولية بأهمية كبرى.

خلال الفترة الأخيرة، التقى كل من رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول ورئيس الوزراء الياباني كيشيدا فوميو، مرتين في غضون شهرين فقط الأولى في العاصمة اليابانية طوكيو والثانية في العاصمة الكورية الجنوبية سيول.

وجاء اللقاءان، وفق خبراء ومراقبين، في محاولة للتغلب على مشاعر السخط والاستياء المزمنة التي تعود بين الجانبين إلى ما يزيد على 100 سنة، وأيضاً لمواجهة التحديات الإقليمية الجديدة للتوازن الاستراتيجي في شرق آسيا، وبالأخص عبر مضيق تايوان وفي شبه الجزيرة الكورية

يعود الكثير من الفضل في التقارب الأخير بين كوريا الجنوبية واليابان إلى الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، وذلك لأخذه زمام المبادرة واتخاذه الخطوة الأولى.

يرى محللون سياسيون أن السياسات الإقليمية لكل من اليابان وكوريا الجنوبية مدفوعة الآن بالبيئة الدولية المقلقة، التي تهيمن عليها تهديدات خطيرة للنظام الدولي جراء الغزو الروسي لأوكرانيا، والموقف الدولي العدواني للصين، والتهديد النووي والصاروخي المتزايد من قبل كوريا الشمالية. بل إنه خلال الشهور الأخيرة، لم تطلق كوريا الشمالية صواريخ باتجاه اليابان فحسب، بل هدّدت كذلك بشن هجوم نووي ضد كوريا الجنوبية.

في هذا الصدد، يعتقد الصحافي الهندي البارز سي راجا موهان أن «القمتين المنعقدتين بين اليابان وكوريا الجنوبية تشكلان انتصاراً للجغرافيا السياسية على جهود البحث عن العدالة التاريخية». ويضيف موهان: «يمكن أن تكون مسألة عقد القمتين بمثابة مقامرة من جانب الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول ورئيس الوزراء الياباني كيشيدا، ورهان على قدرتهما على التغلب على الخلافات التاريخية والسياسات الداخلية التي دفعت العلاقات بين الجارتين ـ وهما من أكبر اقتصادات المنطقة وديمقراطيات راسخة ـ نحو أدنى نقطة لها منذ عقود».

ثم يتابع: «إلى حد كبير، هدفت القمتان المتتاليتان إلى التوصل لتسوية بعد فترة طويلة من العلاقات الفاترة، التي أثارتها أحكام أصدرتها محكمة كورية جنوبية عام 2018 تقضي بدفع شركات يابانية تعويضات لبعض موظفيها الكوريين السابقين، عن تعرضهم للعمل القسري قبل نهاية الحرب العالمية الثانية. ولقد أثارت هذه الأحكام غضب اليابان، التي أصرت على أن جميع قضايا التعويض قد جرت تسويتها بموجب معاهدة عام 1965 التي أثمرت تطبيع العلاقات بين البلدين».

في الواقع، لطالما ساد الخلاف علاقة «الجارتين» في شرق آسيا، وكلتاهما من الدول الحليفة المهمة للولايات المتحدة، حول قضايا تاريخية على صلة بالاحتلال الاستعماري الوحشي لليابان من عام 1910 إلى عام 1945 لشبه الجزيرة الكورية، بما في ذلك العبودية الجنسية والعمل القسري.

ويذكر أنه عام 1910، ضمت إمبراطورية اليابان إليها شبه جزيرة كوريا، وظلت شبه الجزيرة كلها جزءاً من الإمبراطورية اليابانية حتى عام 1945. وخلال تلك الفترة، شنت اليابان هجوماً شاملاً ضد الثقافة الكورية بغية تعزيز وضعها الاحتلالي المهيمن.

سيول اتخذت الخطوة الأولى

يعود الكثير من الفضل في التقارب الأخير بين كوريا الجنوبية واليابان إلى الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، وذلك لأخذه زمام المبادرة واتخاذه الخطوة الأولى نحو اليابان، بغية إصلاح العلاقات التي تضرّرت في عهد سلفه، مون جاي إن، ورفضه أن يحدد التاريخ المؤلم ملامح الحاضر والمستقبل.

وحقاً، بدأ التحول في العلاقات بين طوكيو وسيول أوائل مارس (آذار) 2023، مع قرار يون وضع نهاية لحالة التأزم التي وصلتها المفاوضات حول قضية ضحايا العمل القسري. وبدلاً عن ذلك، استعان يون بصندوق كوري جنوبي لتقديم تعويضات من جانب واحد للناجين وعائلاتهم الذين ذهبوا إلى المحكمة، الأمر الذي أعفى شركات يابانية من طلب تقديم اعتذار ودفع تعويضات. وفي غضون أيام من قراره هذا، زار يون طوكيو واتخذ خطوات مهمة نحو استعادة مناخ الأعمال والتجارة بين البلدين. وكانت هذه أول قمة ثنائية بين رئيس كوري جنوبي ورئيس وزراء ياباني منذ 12 سنة.

في هذا الصدد، يوضح سانديب كومار ميشرا، الأستاذ المساعد لدى مركز دراسات شرق آسيا في العاصمة الهندية دلهي: «لم يلق هذا التقارب استقبالاً إيجابياً داخل كل من سيول وطوكيو، فبينما جرى اتهام يون باتباع دبلوماسية مهينة أمام المعتدي الاستعماري السابق، تعرّض كيشيدا لانتقادات باعتباره وضع بلاده على الطريق نحو خيبة أمل أخرى عندما تأتي الانتخابات المستقبلية في كوريا بسياسي مناهض لليابان إلى الرئاسة. ولكن مع ذلك، يستحق الرجلان معاً الثناء لاعترافهما بالتاريخ المأساوي لبلديهما بينما يتطلعان نحو المستقبل... إن تعميق العلاقات بين القوتين الآسيويتين لا يفيد بلديهما فحسب، وإنما يعزز كذلك الجهود المبذولة لكبح العدوان الكوري الشمالي وتحقيق توازن ضروري أمام نفوذ الصين المتزايد في المنطقة».

الخطر الصيني

ويتابع ميشرا قائلاً: «مساعي الصين للهيمنة على شرق آسيا قد حققت على ما يبدو ما لم تحققه سنوات من الجهود الأميركية... فقد أثمرت عقد مصالحة بين حليفتي الولايات المتحدة المتناحرتين: اليابان وكوريا الجنوبية». ومن جانبه، صرح رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول خلال قمته الثنائية الثانية مع رئيس الوزراء الياباني كيشيدا بأن «الظروف الدولية الخطيرة» و«مجموعة معقدة من الأزمات العالمية» تستلزم التعاون بين كوريا الجنوبية واليابان. وبالفعل، هذا الشهر، رد رئيس الوزراء الياباني كيشيدا زيارة الرئيس الكوري الجنوبي لبلاده. وأظهر كيشيدا شجاعة سياسية تسجل له بزيارته سيول، في وجه معارضة العناصر المحافظة في اليابان.

لقد أقدم كيشيدا على فعل نادر الحدوث من جانب القادة السياسيين اليابانيين في فترة ما بعد الحرب، وذلك بإعرابه عن تعاطفه مع الكوريين الذين أجبروا على العبودية خلال الحكم الاستعماري الياباني، وقال إن قلبه «يتألم» بسبب معاناة كوريا خلال تلك الحقبة. وأضاف كيشيدا أن «مسؤوليته كرئيس لوزراء اليابان تكمن في التعاون مع الرئيس يون وكوريا الجنوبية في المستقبل، ومواصلة جهود أسلافنا للتغلب على الفترات العصيبة». واستطرد الزعيم الياباني قائلاً: «نحن الحلفاء الأساسيون للولايات المتحدة في شمال شرق آسيا». وأكد أن اليابان وكوريا الجنوبية تسعيان إلى تعزيز قدراتهما على صعيدي الردع والاستجابة لكوريا الشمالية، من خلال سلسلة من التحالفات الأمنية بين البلدين، إضافة إلى الولايات المتحدة.

في السياق ذاته، أعرب دانييل شنايدر، زميل المعهد الاقتصادي الكوري، عن اعتقاده بأن «كيشيدا، تحت ضغط من المحافظين الذين يعارضون أي اعتذار ياباني إضافي أو الاعتراف بمسؤولية القمع في كوريا الجنوبية، ساوره التردد حيال الذهاب إلى هذا الحد البعيد. لكنه مع ذلك، اتخذ قراره بإظهار تعاطفه الشخصي مع الضحايا... وقال أمام المراسلين إن قلبه (يتألم) بسبب معاناتهم. كذلك عرض على كوريا الجنوبية إتاحة الوصول إلى موقع فوكوشيما النووي لتهدئة المخاوف إزاء التلوث الإشعاعي في المياه التي يجري تصريفها».

المصلحة في التقارب

مراقبون يرون أن التوجع العدواني المتزايد من جانب الصين وكوريا الشمالية دفع الولايات المتحدة نحو مزيد من التدخل في تحالفات شرق آسيا. وعليه، دعم البيت الأبيض التقارب الياباني ـ الكوري الجنوبي بشكل غير مباشر عبر سلسلة من اللقاءات الثلاثية خلال العام الماضي. ويرى محللون أن الأميركيين عملوا بجدٍّ لتقليل التوترات بين حليفيهم الآسيويين الرئيسين، مع أن هذه الجهود لم تصادف نجاحاً يذكر على امتداد فترة طويلة... رغم تصاعد التوترات مع الصين وكوريا الشمالية.

مع هذا، في ظل أجواء «الحرب الباردة» المتجددة التي بدأت تلقي بظلالها على آسيا، والتي تهدد باستمرار التصعيد وصولاً للمواجهة، يخالج سيول وطوكيو القلق. ويتركز هذا القلق على القوة العسكرية المتنامية للصين في بحر الصين الجنوبي وحول جزيرة تايوان، والتوجهات العدوانية لكوريا الشمالية التي تنفذ اختبارات صاروخية متطورة على نحو متزايد.

موقف واشنطن

في هذا الإطار، رفعت الولايات المتحدة وتيرة جهودها في الفترة الأخيرة، خاصة بعدما أجرت كوريا الشمالية تجارب على إطلاق أكثر من 70 صاروخاً، يتميز الكثير منها بقدرة نووية، خلال عام 2022. وبالفعل، اعترف السفير الأميركي لدى اليابان، رام إيمانويل، بأن بلاده وحليفتيها، اليابان وكوريا الجنوبية، عقدوا قرابة 40 اجتماعاً ثلاثياً قبل قمة طوكيو.

من ناحية أخرى، ترى الصحافية الهندية بالكي شارما أن كلا من اليابان وكوريا الجنوبية تتبنى التوجه الاستراتيجي القادم من واشنطن، وأنهما تدركان أن بقاءهما - على الصعيدين الوطني والسياسي - يعتمد على الانسجام مع الأولويات العالمية والإقليمية لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن. فقد أدركت طوكيو وسيول أن «البيئة الجيوسياسية السريعة التغير خلقت تحديات ليس بمقدورهما التعامل معها بمفردهما». وأسهمت المناورات المشتركة لطائرات عسكرية صينية وروسية قرب المجالين الجويين الكوري الجنوبي والياباني، خلال السنوات الأخيرة، في تعزيز هذه الرسالة.

وبجانب ذلك، ليس بإمكان كوريا الجنوبية تعزيز تحالفها مع الولايات المتحدة ما لم تحافظ على علاقة عمل جيدة مع اليابان، وهذا أمر يدركه الرئيس يون جيداً.

التعاون الثلاثي

على صعيد متصل، من المتوقع أن يعقد كل من يون وكيشيدا مباحثات ثلاثية مع الرئيس جو بايدن، قبل نهاية مايو (أيار) الجاري، على هامش اجتماعات «مجموعة السبعة» في مدينة هيروشيما اليابانية. وترمي المباحثات لمناقشة حالة كوريا الشمالية، واللا استقرار الإقليمي الناجم عن سياسة الصين الخارجية التي تبدي قوة متزايدة.

هنا يعتقد ميشرا أن «الحوار الأمني الثلاثي بين اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة سيحمل رداً قوياً على كل من كوريا الشمالية والصين، وحتى على المحور العسكري الصيني ـ الروسي المحتمل. كما ستثمر المباحثات اجتماعاً ثلاثياً في يونيو (حزيران) بين وزراء الدفاع، سيكون من شأنه إضفاء طابع رسمي على مشاركة البيانات حول الدفاع الصاروخي ـ وهو هدف أقر عام 2023. وعلاوة على ذلك، فإن استعادة العلاقات بين أقوى حليفين لواشنطن في آسيا، تتيح فرصاً أمام إدارة بايدن لبناء جبهة موحّدة ضد الصين، التي تسعى إلى تقويض النظام الدولي القائم على القواعد، والهيمنة على المنطقة في مواجهة الولايات المتحدة».

أيضاً، تخطط اليابان وكوريا الجنوبية لربط الرادارات الخاصة بهما عبر نظام أميركي، وذلك لإمداد طوكيو ببيانات في الوقت الفعلي، وهي خطوة من شأنها تحسين قدراتها بينما وقت تواصل كوريا الشمالية المسلحة نووياً إطلاق الصواريخ بمعدل غير مسبوق. وضمن هذا الإطار، أفادت وكالة أنباء «يونهاب» الكورية الجنوبية للأنباء، نقلاً عن مسؤول بالرئاسة في سيول، أن الدول الثلاث تعمل كذلك على إطلاق مجموعة استشارية لتبادل بيانات التحذير من الصواريخ في الوقت الفعلي.

إعلان واشنطن

جدير بالذكر أنه بعد زيارة طوكيو، وصل يون إلى واشنطن للاحتفال بالذكرى السبعين للعلاقات الثنائية بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة. وكان أبرز ما في الزيارة التوقيع على «إعلان واشنطن» كاستراتيجية ردع نووي.

ماذا يقول إعلان واشنطن؟

وفق الإعلان، سيصار إلى تمركز غواصة نووية أميركية باليستية قبالة شبه الجزيرة الكورية. وسيجري تشكيل مجموعة استشارية نووية لصياغة مبادئ تكتيكات الرد المشترك. وستتلقى كوريا الجنوبية معلومات استخباراتية من الولايات المتحدة فيما يخص التطورات النووية، كما ستعزز الولايات المتحدة قدرات الردع النووي لكوريا الجنوبية من خلال برامج التدريب العسكري المشتركة.

أيضاً، أكد الإعلان من جديد على معاهدة حظر الانتشار النووي، ما يعني أن كوريا الجنوبية لن تغامر بإنشاء قدرات نووية مستقلة خاصة بها، بل ستركز اهتمامها بدلاً من ذلك على تدابير الردع من خلال نهج قائم على التحالف. كما يفوض الإعلان الرئيس الأميركي باعتباره صاحب «السلطة الوحيدة» لاستخدام الترسانة النووية للولايات المتحدة، حال وقوع مواجهة نووية.

ما يستحق الذكر عند هذه النقطة، أن التحالف بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة أسس قبل 70 سنة، تحديداً في أعقاب الحرب الكورية (1950-1953)، وهو الصراع الذي شهد مقتل قرابة 37.000 أميركي قاتلوا إلى جانب نظرائهم الكوريين الجنوبيين. وكانت شرارة الحرب الكورية قد انطلقت يوم 25 يونيو 1950، عندما شنت كوريا الشمالية غزواً مفاجئاً ضد كوريا الجنوبية. ورداً على هذا العدوان، أصبحت الولايات المتحدة أول دولة أجنبية تتدخل في الصراع، وتقف لجانب كوريا الجنوبية.

الترسانة النووية

أما بالنسبة للسؤال: لماذا لا تبدو الولايات المتحدة متحمسة تجاه امتلاك كوريا الجنوبية ترسانة نووية؟ فإن فيمي فرانسيس، الباحثة في المعهد الوطني للدراسات المتقدمة ببنغالورو (جنوب الهند)، توضح: «أعيق برنامج التطوير النووي لكوريا الجنوبية الذي دعمه الرئيس السابق بارك تشونغ هي، بسبب ضغوط أميركية. وفي التسعينات، سحبت واشنطن 100 سلاح نووي من كوريا الجنوبية كجزء من (معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية). وكانت واشنطن - التي أملت في جعل كوريا الشمالية تنزع سلاحها - قد افترضت خطأً أنها يمكن أن تردع إنتاج الأسلحة لكوريا الشمالية من خلال إعاقة القدرة النووية لكوريا الجنوبية».

وأضافت فرانسيس: «مراجعة الوضع النووي عام 2022 تعكس تحولاً في الرؤية الأميركية، مع شعور واشنطن بالقلق إزاء القدرات النووية المتقدمة لكوريا الشمالية. ويذكر التقرير أن كوريا الشمالية تخلق معضلات ردع أمام الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها، وأن اندلاع أزمة أو صراع في شبه الجزيرة الكورية يمكن أن يضم عدداً من العناصر الفاعلة المسلحة نووياً، ما يفاقم خطر اشتعال صراع أوسع».

وفي نهاية الأمر، ترغب واشنطن في السيطرة على إنتاج الأسلحة النووية عالمياً. لذلك، شعرت بالتردد حيال السماح لكوريا الجنوبية بتطوير ترسانتها النووية، لأنها ستعيق بذلك جهود السيطرة على الإنتاج النووي في العالم. ويتوافق التأكيد على أن الولايات المتحدة وأسلحتها النووية ستحمي حلفاءها، من خلال تحمل المسؤولية عن الحفاظ على الاستقرار في المنطقة، مع الهدف الأميركي الأكبر المتمثل في منع الانتشار النووي. وبوجه عام، تحظى واشنطن بنفوذ كبير فيما يخص صياغة أهداف السياسة الخارجية لكوريا الجنوبية. وفي المقابل، تفضل سيول تجنب إحباط آمال واشنطن، لأن الأخيرة داعم محوري لها.

غضب صيني وكوري شمالي مفهوم لتقارب الخصوم

> التقارب بين سيول وطوكيو، إلى جانب الإعلان النووي لواشنطن، أثار قلق بكين.

وبحسب مقال في صحيفة «غلوبال تايمز» الحكومية في الصين، فإن «سلوك الولايات المتحدة يأتي نتاجاً لعقلية الحرب الباردة. إن ما فعلته الولايات المتحدة يؤجج احتمالات المواجهة، ويقوّض نظام حظر الانتشار النووي، ويضر بالمصالح الاستراتيجية للدول الأخرى».

وتناول مقال آخر سياسات الرئيس الكوري الجنوبي يون «الداعمة للولايات المتحدة بشدة»، واتهمه بـ«السير خلف الولايات المتحدة بشكل أعمى» و«الإذعان أمام اليابان لإرضاء واشنطن». وذكر كذلك أن يون «فقد التوازن» و«يبدو أكثر عدائية تجاه جيرانه الثلاثة المهمين»، بما في ذلك كوريا الشمالية وروسيا.

وبالنسبة لبيونغ يانغ، هدد زعيم كوريا الشمالية، كيم يونغ أون، مراراً بمهاجمة كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، اللتين تعدهما بيونغ يانغ «بلدين عدوين» لها. وجرى التأكيد على تصريحاته من خلال عدد قياسي من عمليات إطلاق الصواريخ العام الماضي. ومنذ العام الماضي، أظهرت الأنشطة في موقع بونغيي ـ ري للتجارب النووية في كوريا الشمالية، استعداد الأخيرة لإجراء تجربة نووية بأي وقت.

غير أن الرئيس الكوري الجنوبي، بعد زيارته الرسمية لواشنطن، أعلن رفضه الانتقادات الصينية، وقال يون: «إذا كانوا يريدون إثارة مشكلة معنا، وانتقادنا لتبني إعلان واشنطن ورفع مستوى تعاوننا الأمني مع واشنطن إلى تعاون نووي، فعليهم خفض التهديد النووي» الصادر عن كوريا الشمالية، «أو على الأقل الالتزام بالقانون الدولي، والالتزام بالعقوبات المفروضة من مجلس الأمن الدولي».

في الوقت ذاته، رأى مراقبون دبلوماسيون أن رد فعل بكين على التحسن السريع في العلاقات بين كوريا الجنوبية واليابان، يؤكد مخاوفها المتزايدة بشأن تحالف عسكري ناشئ بين الجارتين الآسيويتين وواشنطن. وفي الإطار ذاته، قالت كيم يو جونغ، شقيقة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، في تعليقاتها المنشورة عبر وسائل الإعلام الرسمية «إن الاتفاق بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية يعكس (إرادة الحلفاء الأكثر عدائية وعدوانية) ضد كوريا الشمالية، وسيدفع السلام والأمن الإقليميين نحو (خطر أكبر)».



الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
TT

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر والمؤامرات» و«المتآمرين» على أمن الدولة. كما كثف سعيّد لقاءاته بمسؤولي وزارتي الدفاع والداخلية وأعضاء مجلس الأمن القومي الذي يضم كذلك أكبر قيادات القوات المسلحة العسكرية والمدنية إلى جانب رئيسَي الحكومة والبرلمان ووزراء السيادة وكبار مستشاري القصر الرئاسي. وزاد الاهتمام بزيادة تفعيل دور القوات المسلحة و«تصدرها المشهد السياسي» بمناسبة مناقشة مشروع ميزانية الدولة للعام الجديد أمام البرلمان بعد تصريحات غير مسبوقة لوزير الدفاع الوطني السفير السابق خالد السهيلي عن «مخاطر» تهدد أمن البلاد الداخلي والخارجي.

تصريحات وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي تزامنت مع تصريحات أخرى صدرت عن وزير الداخلية خالد النوري وعن وزير الدولة للأمن القاضي سفيان بالصادق وعن الرئيس قيس سعيّد شخصياً. وهي كلها حذّرت من مخاطر الإرهاب والتهريب والمتفجرات والهجرة غير النظامية، ونبّهت إلى وجود «محاولات للنيل من سيادة تونس على كامل ترابها الوطني ومياهها الإقليمية» وعن «خلافات» لم تُحسم بعد و«غموض» نسبي في العلاقات مع بعض دول المنطقة.

وهنا نشير إلى أن اللافت في هذه التصريحات والمواقف كونها تأتي مع بدء الولاية الرئاسية الثانية للرئيس قيس سعيّد، ومع مصادقة البرلمان على مشروع الحكومة لموازنة عام 2025... وسط تحذيرات من خطر أن تشهد تونس خلال العام أزمات أمنية وسياسية واقتصادية اجتماعية خطيرة.

أكثر من هذا، يتساءل البعض عن مبرّر إثارة القضايا الخلافية مع ليبيا، والمخاطر الأمنية من قِبل كبار المسؤولين عن القوات المسلحة، في مرحلة تعذّر فيها مجدداً عقد «القمة المغاربية المصغرة التونسية - الليبية - الجزائرية»... التي سبق أن تأجلت مرات عدة منذ شهر يوليو (تموز) الماضي.

كلام السهيلي... وزيارة سعيّد للجزائركلام السهيلي، وزير الدفاع، جاء أمام البرلمان بعد نحو أسبوع من زيارة الرئيس قيس سعيّد إلى الجزائر، وحضوره هناك الاستعراض العسكري الضخم الذي نُظّم بمناسبة الذكرى السبعين لانفجار الثورة الجزائرية المسلحة. وما قاله الوزير التونسي أن «الوضع الأمني في البلاد يستدعي البقاء على درجة من اليقظة والحذر»، وقوله أيضاً إن «المجهودات العسكرية الأمنية متضافرة للتصدّي للتهديدات الإرهابية وتعقّب العناصر المشبوهة في المناطق المعزولة». إلى جانب إشارته إلى أن تونس «لن تتنازل عن أي شبر من أرضها» مذكراً - في هذا الإطار - بملف الخلافات الحدودية مع ليبيا.

من جهة ثانية، مع أن الوزير السهيلي ذكر أن الوضع الأمني بالبلاد خلال هذا العام يتسم بـ«الهدوء الحذر»، فإنه أفاد في المقابل بأنه جرى تنفيذ 990 عملية في «المناطق المشبوهة» - على حد تعبيره - شارك فيها أكثر من 19 ألفاً و500 عسكري. وأنجز هؤلاء خلال العمليات تفكيك 62 لغماً يدوي الصنع، وأوقفوا آلاف المهرّبين والمهاجرين غير النظاميين قرب الحدود مع ليبيا والجزائر، وحجزوا أكبر من 365 ألف قرص من المخدرات.

بالتوازي، كشف وزير الدفاع لأول مرة عن تسخير الدولة ألفي عسكري لتأمين مواقع إنتاج المحروقات بعد سنوات من الاضطرابات وتعطيل الإنتاج والتصدير في المحافظات الصحراوية المتاخمة لليبيا والجزائر.

مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه اوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

تفعيل دور «القوات المسلحة»

تصريحات الوزير السهيلي لقيت أصداء كبيرة، محلياً وخارجياً، في حين اعترض على جانب منها سياسيون وإعلاميون ليبيون بارزون.

بيد أن الأمر الأهم، وفق البشير الجويني، الخبير التونسي في العلاقات بين الدول المغاربية والدبلوماسي السابق لدى ليبيا، أنها تزامنت مع «تأجيل» انعقاد القمة المغاربية التونسية - الليبية - الجزائرية التي سبق الإعلان أنه تقرر تنظيمها في النصف الأول من الشهر الأول في ليبيا، وذلك في أعقاب تأخير موعدها غير مرة بسبب انشغال كل من الجزائر وتونس بالانتخابات الرئاسية، واستفحال الأزمات السياسية الأمنية والاقتصادية البنكية في ليبيا من جديد.

والحال، أن الجويني يربط بين هذه العوامل والخطوات الجديدة التي قام بها الرئيس سعيّد وفريقه في اتجاه «مزيد من تفعيل دور القوات المسلحة العسكرية والمدنية» وسلسلة اجتماعاته مع وزيري الداخلية والدفاع ومع وزير الدولة للأمن الوطني، فضلاً عن زياراته المتعاقبة لمقر وزارة الداخلية والإشراف على جلسات عمل مع كبار كوادرها ومع أعضاء «مجلس الأمن القومي» في قصر الرئاسة بقرطاج. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه إذ يسند الدستور إلى رئيس الدولة صفة «القائد العام للقوات المسلحة»، فإن الرئيس سعيّد حمّل مراراً المؤسستين العسكرية والأمنية مسؤولية «التصدي للخطر الداهم» ولمحاولات «التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي».

واعتبر سعيّد خلال زيارات عمل قام بها إلى مؤسسات عمومية موسومة بأنه «انتشر فيها الفساد» - بينها مؤسسات زراعية وخدماتية عملاقة - أن البلاد تواجه «متآمرين من الداخل والخارج» وأنها في مرحلة «كفاح جديد من أجل التحرر الوطني»، ومن ثم، أعلن إسناده إلى القوات المسلّحة مسؤولية تتبع المشتبه فيهم في قضايا «التآمر والفساد» والتحقيق معهم وإحالتهم على القضاء.

المسار نفسه اعتمده، في الواقع، عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين التونسيين بينهم وزير الصحة والوزير المستشار السابق في قصر قرطاج الجنرال مصطفى الفرجاني، الذي أعلن بدوره عن إحالة مسؤولين متهمين بـ«شبهة الفساد» في قطاع الصحة على النيابة العمومية والوحدات الأمنية المركزية المكلّفة «الملفات السياسية والاقتصادية الخطيرة»، وبين هذه الملفات الإرهاب وسوء التصرّف المالي والإداري في أموال الدولة ومؤسساتها.

متغيرات في العلاقات مع ليبيا والجزائر وملفَي الإرهاب والهجرة

القمة المغاربية الأخيرة التي استضافتها الجزائر (لانا)

حملات غير مسبوقة

وفعلاً، كانت من أبرز نتائج «التفعيل الجديد» للدور الوطني للمؤسستين العسكرية والأمنية، وتصدّرهما المشهد السياسي الوطني التونسي، أن نظّمت النيابة العمومية وقوات الأمن والجيش حملات غير مسبوقة شملت «كبار الحيتان» في مجالات تهريب المخدرات والممنوعات، وتهريب عشرات آلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء سنوياً نحو تونس، عبر الحدود الليبية والجزائرية تمهيداً لترحيلهم بحراً نحو أوروبا عبر إيطاليا.

وحسب المعلومات التي ساقها كل من وزيري الدفاع والداخلية، وأيضاً رئاسة الحرس الوطني، تمكنت القوات العسكرية والأمنية لأول مرة من أن تحجز مئات الكيلوغرامات من الكوكايين إلى جانب «كميات هائلة من الحشيش» والأقراص المخدرة.

وفي الحصيلة، أدّت تلك العمليات إلى إيقاف عدد من كبار المهرّبين ومن رؤوس تجار المخدرات «بقرار رئاسي»، بعدما أثبتت دراسات وتقارير عدة أن مئات الآلاف من أطفال المدارس، وشباب الجامعات، وأبناء الأحياء الشعبية، تورّطوا في «الإدمان» والجريمة المنظمة. وجاء هذا الإنجاز بعد عقود من «تتبّع صغار المهرّبين والمستهلكين للمخدرات وغضّ الطرف عن كبار المافيات»، على حد تعبير الخبير الأمني والإعلامي علي الزرمديني في تصريح لـ«الشرق الأوسط».

تحرّكات أمنية عسكرية دوليةعلى صعيد آخر، جاء تصدّر القوات المسلحة العسكرية والأمنية التونسية المشهدين السياسي متلازماً زمنياً مع ترفيع التنسيقين الأمني والعسكري مع عواصم وتكتلات عسكرية دولية، بينها حلف شمال الأطلسي (ناتو) وقيادة القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم). وما يُذكر هنا أنه في ظل عودة التوترات السياسية في ليبيا، وتفاقم الخلافات داخلها بين حلفاء روسيا وتركيا والعواصم الغربية، تزايدت الاهتمامات الأميركية والأوروبية والأطلسية بـ«ترفيع الشراكة الأمنية والعسكرية مع تونس».

أيضاً، ورغم الحملات الإعلامية الواسعة في تونس ضد الإدارة الأميركية وحلفائها منذ عملية «طوفان الأقصى»؛ بسبب انحيازها لإسرائيل ودعمها حكومة بنيامين نتنياهو، كثّفت واشنطن - عبر بعثاتها في المنطقة - دعمها التدريبات العسكرية والأمنية المشتركة مع قوات الجيش والأمن التونسية.

بل، لقد أعلن جوي هود، السفير الأميركي لدى تونس، عن برامج واسعة لترفيع دور «الشراكة» العسكرية والأمنية الأميركية - التونسية، وبخاصة في المحافظات التونسية الحدودية مع كل من ليبيا والجزائر، وأيضاً في ميناء بنزرت العسكري (شمال تونس) ومنطقة النفيضة (100 كلم جنوب شرقي العاصمة تونس).

وإضافة إلى ما سبق، أعلنت مصادر رسمية تونسية وأميركية عن مشاركة قوات تونسية ومغاربية أخيراً في مناورات عسكرية بحرية أميركية دولية نُظمت في سواحل تونس. وجاءت هذه المناورات بعد مشاركة الجيش التونسي، للعام الثالث على التوالي، في مناورات «الأسد الأفريقي» الدولية المتعددة الأطراف... التي نُظم جانب منها في تونس برعاية القوات الأميركية.

وحول هذا الأمر، أكد وزير الداخلية التونسي خالد النوري، قبل أيام في البرلمان، أن من بين أولويات وزارته عام 2025 «بناء أكاديمية الشرطة للعلوم الأمنية» في منطقة النفيضة من محافظة سوسة، وأخرى لحرس السواحل، وهذا فضلاً عن توسيع الكثير من الثكنات ومراكز الأمن والحرس الوطنيين وتهيئة مقر المدرسة الوطنية للحماية المدنية.

أبعاد التنسيقين الأمني والعسكري مع واشنطنوحقاً، أكد تصريح الوزير النوري ما سبق أن أعلن عنه السفير الأميركي هود عن «وجود فرصة لتصبح تونس ومؤسّساتها الأمنية والعسكرية نقطة تصدير للأمن وللتجارب الأمنية في أفريقيا وفي كامل المنطقة».

وفي هذا الكلام إشارة واضحة إلى أن بعض مؤسسات التدريب التي يدعمها «البنتاغون» (وزارة الدفاع الأميركية)، وحلفاء واشنطن في «ناتو»، معنية في وقت واحد بأن تكون تونس طرفاً في «شراكة أمنية عسكرية أكثر تطوراً» مع ليبيا وبلدان الساحل والصحراء الأفريقية والبلدان العربية.

وزير الداخلية خالد النوري نوّه أيضاً بكون جهود تطوير القدرات الأمنية لتونس «تتزامن مع بدء العهدتين الثانيتين للرئيس قيس سعيّد وأخيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون».

وفي السياق ذاته، نوّه عزوز باعلال، سفير الجزائر لدى تونس، بالشراكة الاقتصادية والأمنية والسياسية بين تونس والجزائر، وبنتائج زيارة الرئيس سعيّد الأخيرة للجزائر، وكذلك بجلسات العمل واللقاءات السبعة التي عقدها وزيرا خارجيتي البلدين محمد علي النفطي وأحمد عطّاف خلال الأسابيع القليلة الماضية في الجزائر وفي عواصم أخرى عدة.

حقائق

قضايا الحدود التونسية... شرقاً وغرباً

اقترن بدء الولاية الرئاسية الثانية التونسي للرئيس قيس سعيّد بتحرّكات قام بها مسؤولون كبار في الدولة إلى مؤسسات الأمن والجيش في المحافظات الحدودية، وبالأخص من جهة ليبيا، ضمن جهود مكافحة الإرهاب والتهريب والمخدرات.ومعلوم أنه زاد الاهتمام بالأبعاد الأمنية في علاقات تونس بجارتيها ليبيا والجزائر بعد إثارة وزير الدفاع خالد السهيلي أمام البرلمان ملف «رسم الحدود» الشرقية لتونس من قِبل «لجنة مشتركة» تونسية - ليبية. وكما سبق، كان الوزير السهيلي قد تطرّق إلى استغلال الأراضي الواقعة بين الحاجز الحدودي بين ليبيا وتونس، قائلاً إن «تونس لم ولن تسمح بالتفريط في أي شبر من الوطن». وفي حين رحّبت أطراف ليبية ومغاربية بهذا الإعلان، انتقده عدد من المسؤولين والخبراء الليبيين بقوة واعتبروا أن «ملف الخلافات الحدودية أغلق منذ مدة طويلة».ولكن، حسب تأكيدات مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، فإن السلطات الليبية أعلنت عن تغيير موقع العلامة الحدودية الفاصلة بين ليبيا وتونس «جزئياً» في منطقة سانية الأحيمر، التي تتبع ليبيا. إذ أورد بيان مديرية أمن السهل الغربي في يوليو (تموز) 2022، أنها رصدت ضم سانية الأحيمر إلى الأراضي التونسية، من خلال وضع العلامة الدالة على الحدود بذلك المكان (شرق السانية) بمسافة تقدر بنحو 150 متراً شرقاً ونحو 6 كيلو جنوباً.‏ما يستحق الإشارة هنا أن اللجنة الخاصة بترسيم الحدود الليبية مع تونس، والمكلفة من قِبل وزارة الدفاع في حكومة طرابلس، كشفت عن وجود عملية «تحوير» للعلامة. لكن مصادر دبلوماسية من الجانبين أكدت أن هذه القضية، وغيرها من «الخلافات والمستجدات»، جارٍ بحثها على مستوى اللجنة المشتركة ومن قِبل المسؤولين السياسيين والديبلوماسيين «بهدوء».في أي حال، أعادت إثارة هذه القضية إلى الواجهة تصريحاً سابقاً قال فيه الرئيس سعيّد بشأن الحدود مع ليبيا: «إن تونس لم تحصل إلا على الفتات» بعد خلافها الحدودي البحري مع ليبيا في فترة سبعينات القرن الماضي.والحقيقة، أنه سبق أن شهدت علاقات تونس وليبيا في أوقات سابقة توترات محورها الحدود والمناطق الترابية المشتركة بينهما؛ وذلك بسبب خلافات حدودية برّية وبحرية تعود إلى مرحلة الاحتلالين الفرنسي لتونس والإيطالي لليبيا، ثم إلى «التغييرات» التي أدخلتها السلطات الفرنسية على حدود مستعمراتها في شمال أفريقيا خلال خمسينات القرن الماضي عشية توقيع اتفاقيات الاستقلال. وهكذا، بقيت بعض المناطق الصحراوية الحدودية بين تونس وكل من ليبيا والجزائر «مثار جدل» بسبب قلة وضوح الترسيم وتزايد الأهمية الاستراتيجية للمناطق الحدودية بعد اكتشاف حقول النفط والغاز.وعلى الرغم من توقيع سلطات تونس وليبيا والجزائر اتفاقيات عدة لضبط الحدود والتعاون الأمني، تضاعف الاضطرابات الأمنية والسياسية في المنطقة منذ عام 2011 بسبب اندلاع حروب جديدة «بالوكالة» داخل ليبيا ودول الساحل والصحراء، بعضها بين جيوش و«ميليشيات» تابعة لواشنطن وموسكو وباريس وأنقرة على مواقع جيو - استراتيجية شرقاً غرباً.مع هذا، وفي كل الأحوال، تشهد علاقات تونس وكل من ليبيا والجزائر مستجدات سريعة على المجالين الأمني والعسكري. وربما تتعقد الأوضاع أكثر في المناطق الحدودية بعدما أصبحت التوترات والخلافات تشمل ملفات أمنية دولية تتداخل فيها مصالح أطراف محلية وعالمية ذات «أجندات» مختلفة وحساباتها للسنوات الخمس المقبلة من الولاية الثانية للرئيسين سعيّد وعبد المجيد تبّون.