كوريا الجنوبية واليابان تدفنان الماضي لمواجهة التحدي الإقليمي

طموح بكين وبيونغ يانغ يعيد رسم أولويات الشرق الأقصى

كوريا الجنوبية واليابان تدفنان الماضي لمواجهة التحدي الإقليمي
TT

كوريا الجنوبية واليابان تدفنان الماضي لمواجهة التحدي الإقليمي

كوريا الجنوبية واليابان تدفنان الماضي لمواجهة التحدي الإقليمي

في خطوة جيوسياسية كبرى وناجحة باتجاه دفن الماضي المرير لعلاقات اليابان بجارتها كوريا الجنوبية، عقد قادة الدولتين العملاقتين المؤثرتين في منطقة الشرق الأقصى، قمتين متتاليتين تحظيان حالياً في ظل التطورات الدولية بأهمية كبرى.

خلال الفترة الأخيرة، التقى كل من رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول ورئيس الوزراء الياباني كيشيدا فوميو، مرتين في غضون شهرين فقط الأولى في العاصمة اليابانية طوكيو والثانية في العاصمة الكورية الجنوبية سيول.

وجاء اللقاءان، وفق خبراء ومراقبين، في محاولة للتغلب على مشاعر السخط والاستياء المزمنة التي تعود بين الجانبين إلى ما يزيد على 100 سنة، وأيضاً لمواجهة التحديات الإقليمية الجديدة للتوازن الاستراتيجي في شرق آسيا، وبالأخص عبر مضيق تايوان وفي شبه الجزيرة الكورية

يعود الكثير من الفضل في التقارب الأخير بين كوريا الجنوبية واليابان إلى الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، وذلك لأخذه زمام المبادرة واتخاذه الخطوة الأولى.

يرى محللون سياسيون أن السياسات الإقليمية لكل من اليابان وكوريا الجنوبية مدفوعة الآن بالبيئة الدولية المقلقة، التي تهيمن عليها تهديدات خطيرة للنظام الدولي جراء الغزو الروسي لأوكرانيا، والموقف الدولي العدواني للصين، والتهديد النووي والصاروخي المتزايد من قبل كوريا الشمالية. بل إنه خلال الشهور الأخيرة، لم تطلق كوريا الشمالية صواريخ باتجاه اليابان فحسب، بل هدّدت كذلك بشن هجوم نووي ضد كوريا الجنوبية.

في هذا الصدد، يعتقد الصحافي الهندي البارز سي راجا موهان أن «القمتين المنعقدتين بين اليابان وكوريا الجنوبية تشكلان انتصاراً للجغرافيا السياسية على جهود البحث عن العدالة التاريخية». ويضيف موهان: «يمكن أن تكون مسألة عقد القمتين بمثابة مقامرة من جانب الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول ورئيس الوزراء الياباني كيشيدا، ورهان على قدرتهما على التغلب على الخلافات التاريخية والسياسات الداخلية التي دفعت العلاقات بين الجارتين ـ وهما من أكبر اقتصادات المنطقة وديمقراطيات راسخة ـ نحو أدنى نقطة لها منذ عقود».

ثم يتابع: «إلى حد كبير، هدفت القمتان المتتاليتان إلى التوصل لتسوية بعد فترة طويلة من العلاقات الفاترة، التي أثارتها أحكام أصدرتها محكمة كورية جنوبية عام 2018 تقضي بدفع شركات يابانية تعويضات لبعض موظفيها الكوريين السابقين، عن تعرضهم للعمل القسري قبل نهاية الحرب العالمية الثانية. ولقد أثارت هذه الأحكام غضب اليابان، التي أصرت على أن جميع قضايا التعويض قد جرت تسويتها بموجب معاهدة عام 1965 التي أثمرت تطبيع العلاقات بين البلدين».

في الواقع، لطالما ساد الخلاف علاقة «الجارتين» في شرق آسيا، وكلتاهما من الدول الحليفة المهمة للولايات المتحدة، حول قضايا تاريخية على صلة بالاحتلال الاستعماري الوحشي لليابان من عام 1910 إلى عام 1945 لشبه الجزيرة الكورية، بما في ذلك العبودية الجنسية والعمل القسري.

ويذكر أنه عام 1910، ضمت إمبراطورية اليابان إليها شبه جزيرة كوريا، وظلت شبه الجزيرة كلها جزءاً من الإمبراطورية اليابانية حتى عام 1945. وخلال تلك الفترة، شنت اليابان هجوماً شاملاً ضد الثقافة الكورية بغية تعزيز وضعها الاحتلالي المهيمن.

سيول اتخذت الخطوة الأولى

يعود الكثير من الفضل في التقارب الأخير بين كوريا الجنوبية واليابان إلى الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، وذلك لأخذه زمام المبادرة واتخاذه الخطوة الأولى نحو اليابان، بغية إصلاح العلاقات التي تضرّرت في عهد سلفه، مون جاي إن، ورفضه أن يحدد التاريخ المؤلم ملامح الحاضر والمستقبل.

وحقاً، بدأ التحول في العلاقات بين طوكيو وسيول أوائل مارس (آذار) 2023، مع قرار يون وضع نهاية لحالة التأزم التي وصلتها المفاوضات حول قضية ضحايا العمل القسري. وبدلاً عن ذلك، استعان يون بصندوق كوري جنوبي لتقديم تعويضات من جانب واحد للناجين وعائلاتهم الذين ذهبوا إلى المحكمة، الأمر الذي أعفى شركات يابانية من طلب تقديم اعتذار ودفع تعويضات. وفي غضون أيام من قراره هذا، زار يون طوكيو واتخذ خطوات مهمة نحو استعادة مناخ الأعمال والتجارة بين البلدين. وكانت هذه أول قمة ثنائية بين رئيس كوري جنوبي ورئيس وزراء ياباني منذ 12 سنة.

في هذا الصدد، يوضح سانديب كومار ميشرا، الأستاذ المساعد لدى مركز دراسات شرق آسيا في العاصمة الهندية دلهي: «لم يلق هذا التقارب استقبالاً إيجابياً داخل كل من سيول وطوكيو، فبينما جرى اتهام يون باتباع دبلوماسية مهينة أمام المعتدي الاستعماري السابق، تعرّض كيشيدا لانتقادات باعتباره وضع بلاده على الطريق نحو خيبة أمل أخرى عندما تأتي الانتخابات المستقبلية في كوريا بسياسي مناهض لليابان إلى الرئاسة. ولكن مع ذلك، يستحق الرجلان معاً الثناء لاعترافهما بالتاريخ المأساوي لبلديهما بينما يتطلعان نحو المستقبل... إن تعميق العلاقات بين القوتين الآسيويتين لا يفيد بلديهما فحسب، وإنما يعزز كذلك الجهود المبذولة لكبح العدوان الكوري الشمالي وتحقيق توازن ضروري أمام نفوذ الصين المتزايد في المنطقة».

الخطر الصيني

ويتابع ميشرا قائلاً: «مساعي الصين للهيمنة على شرق آسيا قد حققت على ما يبدو ما لم تحققه سنوات من الجهود الأميركية... فقد أثمرت عقد مصالحة بين حليفتي الولايات المتحدة المتناحرتين: اليابان وكوريا الجنوبية». ومن جانبه، صرح رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول خلال قمته الثنائية الثانية مع رئيس الوزراء الياباني كيشيدا بأن «الظروف الدولية الخطيرة» و«مجموعة معقدة من الأزمات العالمية» تستلزم التعاون بين كوريا الجنوبية واليابان. وبالفعل، هذا الشهر، رد رئيس الوزراء الياباني كيشيدا زيارة الرئيس الكوري الجنوبي لبلاده. وأظهر كيشيدا شجاعة سياسية تسجل له بزيارته سيول، في وجه معارضة العناصر المحافظة في اليابان.

لقد أقدم كيشيدا على فعل نادر الحدوث من جانب القادة السياسيين اليابانيين في فترة ما بعد الحرب، وذلك بإعرابه عن تعاطفه مع الكوريين الذين أجبروا على العبودية خلال الحكم الاستعماري الياباني، وقال إن قلبه «يتألم» بسبب معاناة كوريا خلال تلك الحقبة. وأضاف كيشيدا أن «مسؤوليته كرئيس لوزراء اليابان تكمن في التعاون مع الرئيس يون وكوريا الجنوبية في المستقبل، ومواصلة جهود أسلافنا للتغلب على الفترات العصيبة». واستطرد الزعيم الياباني قائلاً: «نحن الحلفاء الأساسيون للولايات المتحدة في شمال شرق آسيا». وأكد أن اليابان وكوريا الجنوبية تسعيان إلى تعزيز قدراتهما على صعيدي الردع والاستجابة لكوريا الشمالية، من خلال سلسلة من التحالفات الأمنية بين البلدين، إضافة إلى الولايات المتحدة.

في السياق ذاته، أعرب دانييل شنايدر، زميل المعهد الاقتصادي الكوري، عن اعتقاده بأن «كيشيدا، تحت ضغط من المحافظين الذين يعارضون أي اعتذار ياباني إضافي أو الاعتراف بمسؤولية القمع في كوريا الجنوبية، ساوره التردد حيال الذهاب إلى هذا الحد البعيد. لكنه مع ذلك، اتخذ قراره بإظهار تعاطفه الشخصي مع الضحايا... وقال أمام المراسلين إن قلبه (يتألم) بسبب معاناتهم. كذلك عرض على كوريا الجنوبية إتاحة الوصول إلى موقع فوكوشيما النووي لتهدئة المخاوف إزاء التلوث الإشعاعي في المياه التي يجري تصريفها».

المصلحة في التقارب

مراقبون يرون أن التوجع العدواني المتزايد من جانب الصين وكوريا الشمالية دفع الولايات المتحدة نحو مزيد من التدخل في تحالفات شرق آسيا. وعليه، دعم البيت الأبيض التقارب الياباني ـ الكوري الجنوبي بشكل غير مباشر عبر سلسلة من اللقاءات الثلاثية خلال العام الماضي. ويرى محللون أن الأميركيين عملوا بجدٍّ لتقليل التوترات بين حليفيهم الآسيويين الرئيسين، مع أن هذه الجهود لم تصادف نجاحاً يذكر على امتداد فترة طويلة... رغم تصاعد التوترات مع الصين وكوريا الشمالية.

مع هذا، في ظل أجواء «الحرب الباردة» المتجددة التي بدأت تلقي بظلالها على آسيا، والتي تهدد باستمرار التصعيد وصولاً للمواجهة، يخالج سيول وطوكيو القلق. ويتركز هذا القلق على القوة العسكرية المتنامية للصين في بحر الصين الجنوبي وحول جزيرة تايوان، والتوجهات العدوانية لكوريا الشمالية التي تنفذ اختبارات صاروخية متطورة على نحو متزايد.

موقف واشنطن

في هذا الإطار، رفعت الولايات المتحدة وتيرة جهودها في الفترة الأخيرة، خاصة بعدما أجرت كوريا الشمالية تجارب على إطلاق أكثر من 70 صاروخاً، يتميز الكثير منها بقدرة نووية، خلال عام 2022. وبالفعل، اعترف السفير الأميركي لدى اليابان، رام إيمانويل، بأن بلاده وحليفتيها، اليابان وكوريا الجنوبية، عقدوا قرابة 40 اجتماعاً ثلاثياً قبل قمة طوكيو.

من ناحية أخرى، ترى الصحافية الهندية بالكي شارما أن كلا من اليابان وكوريا الجنوبية تتبنى التوجه الاستراتيجي القادم من واشنطن، وأنهما تدركان أن بقاءهما - على الصعيدين الوطني والسياسي - يعتمد على الانسجام مع الأولويات العالمية والإقليمية لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن. فقد أدركت طوكيو وسيول أن «البيئة الجيوسياسية السريعة التغير خلقت تحديات ليس بمقدورهما التعامل معها بمفردهما». وأسهمت المناورات المشتركة لطائرات عسكرية صينية وروسية قرب المجالين الجويين الكوري الجنوبي والياباني، خلال السنوات الأخيرة، في تعزيز هذه الرسالة.

وبجانب ذلك، ليس بإمكان كوريا الجنوبية تعزيز تحالفها مع الولايات المتحدة ما لم تحافظ على علاقة عمل جيدة مع اليابان، وهذا أمر يدركه الرئيس يون جيداً.

التعاون الثلاثي

على صعيد متصل، من المتوقع أن يعقد كل من يون وكيشيدا مباحثات ثلاثية مع الرئيس جو بايدن، قبل نهاية مايو (أيار) الجاري، على هامش اجتماعات «مجموعة السبعة» في مدينة هيروشيما اليابانية. وترمي المباحثات لمناقشة حالة كوريا الشمالية، واللا استقرار الإقليمي الناجم عن سياسة الصين الخارجية التي تبدي قوة متزايدة.

هنا يعتقد ميشرا أن «الحوار الأمني الثلاثي بين اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة سيحمل رداً قوياً على كل من كوريا الشمالية والصين، وحتى على المحور العسكري الصيني ـ الروسي المحتمل. كما ستثمر المباحثات اجتماعاً ثلاثياً في يونيو (حزيران) بين وزراء الدفاع، سيكون من شأنه إضفاء طابع رسمي على مشاركة البيانات حول الدفاع الصاروخي ـ وهو هدف أقر عام 2023. وعلاوة على ذلك، فإن استعادة العلاقات بين أقوى حليفين لواشنطن في آسيا، تتيح فرصاً أمام إدارة بايدن لبناء جبهة موحّدة ضد الصين، التي تسعى إلى تقويض النظام الدولي القائم على القواعد، والهيمنة على المنطقة في مواجهة الولايات المتحدة».

أيضاً، تخطط اليابان وكوريا الجنوبية لربط الرادارات الخاصة بهما عبر نظام أميركي، وذلك لإمداد طوكيو ببيانات في الوقت الفعلي، وهي خطوة من شأنها تحسين قدراتها بينما وقت تواصل كوريا الشمالية المسلحة نووياً إطلاق الصواريخ بمعدل غير مسبوق. وضمن هذا الإطار، أفادت وكالة أنباء «يونهاب» الكورية الجنوبية للأنباء، نقلاً عن مسؤول بالرئاسة في سيول، أن الدول الثلاث تعمل كذلك على إطلاق مجموعة استشارية لتبادل بيانات التحذير من الصواريخ في الوقت الفعلي.

إعلان واشنطن

جدير بالذكر أنه بعد زيارة طوكيو، وصل يون إلى واشنطن للاحتفال بالذكرى السبعين للعلاقات الثنائية بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة. وكان أبرز ما في الزيارة التوقيع على «إعلان واشنطن» كاستراتيجية ردع نووي.

ماذا يقول إعلان واشنطن؟

وفق الإعلان، سيصار إلى تمركز غواصة نووية أميركية باليستية قبالة شبه الجزيرة الكورية. وسيجري تشكيل مجموعة استشارية نووية لصياغة مبادئ تكتيكات الرد المشترك. وستتلقى كوريا الجنوبية معلومات استخباراتية من الولايات المتحدة فيما يخص التطورات النووية، كما ستعزز الولايات المتحدة قدرات الردع النووي لكوريا الجنوبية من خلال برامج التدريب العسكري المشتركة.

أيضاً، أكد الإعلان من جديد على معاهدة حظر الانتشار النووي، ما يعني أن كوريا الجنوبية لن تغامر بإنشاء قدرات نووية مستقلة خاصة بها، بل ستركز اهتمامها بدلاً من ذلك على تدابير الردع من خلال نهج قائم على التحالف. كما يفوض الإعلان الرئيس الأميركي باعتباره صاحب «السلطة الوحيدة» لاستخدام الترسانة النووية للولايات المتحدة، حال وقوع مواجهة نووية.

ما يستحق الذكر عند هذه النقطة، أن التحالف بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة أسس قبل 70 سنة، تحديداً في أعقاب الحرب الكورية (1950-1953)، وهو الصراع الذي شهد مقتل قرابة 37.000 أميركي قاتلوا إلى جانب نظرائهم الكوريين الجنوبيين. وكانت شرارة الحرب الكورية قد انطلقت يوم 25 يونيو 1950، عندما شنت كوريا الشمالية غزواً مفاجئاً ضد كوريا الجنوبية. ورداً على هذا العدوان، أصبحت الولايات المتحدة أول دولة أجنبية تتدخل في الصراع، وتقف لجانب كوريا الجنوبية.

الترسانة النووية

أما بالنسبة للسؤال: لماذا لا تبدو الولايات المتحدة متحمسة تجاه امتلاك كوريا الجنوبية ترسانة نووية؟ فإن فيمي فرانسيس، الباحثة في المعهد الوطني للدراسات المتقدمة ببنغالورو (جنوب الهند)، توضح: «أعيق برنامج التطوير النووي لكوريا الجنوبية الذي دعمه الرئيس السابق بارك تشونغ هي، بسبب ضغوط أميركية. وفي التسعينات، سحبت واشنطن 100 سلاح نووي من كوريا الجنوبية كجزء من (معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية). وكانت واشنطن - التي أملت في جعل كوريا الشمالية تنزع سلاحها - قد افترضت خطأً أنها يمكن أن تردع إنتاج الأسلحة لكوريا الشمالية من خلال إعاقة القدرة النووية لكوريا الجنوبية».

وأضافت فرانسيس: «مراجعة الوضع النووي عام 2022 تعكس تحولاً في الرؤية الأميركية، مع شعور واشنطن بالقلق إزاء القدرات النووية المتقدمة لكوريا الشمالية. ويذكر التقرير أن كوريا الشمالية تخلق معضلات ردع أمام الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها، وأن اندلاع أزمة أو صراع في شبه الجزيرة الكورية يمكن أن يضم عدداً من العناصر الفاعلة المسلحة نووياً، ما يفاقم خطر اشتعال صراع أوسع».

وفي نهاية الأمر، ترغب واشنطن في السيطرة على إنتاج الأسلحة النووية عالمياً. لذلك، شعرت بالتردد حيال السماح لكوريا الجنوبية بتطوير ترسانتها النووية، لأنها ستعيق بذلك جهود السيطرة على الإنتاج النووي في العالم. ويتوافق التأكيد على أن الولايات المتحدة وأسلحتها النووية ستحمي حلفاءها، من خلال تحمل المسؤولية عن الحفاظ على الاستقرار في المنطقة، مع الهدف الأميركي الأكبر المتمثل في منع الانتشار النووي. وبوجه عام، تحظى واشنطن بنفوذ كبير فيما يخص صياغة أهداف السياسة الخارجية لكوريا الجنوبية. وفي المقابل، تفضل سيول تجنب إحباط آمال واشنطن، لأن الأخيرة داعم محوري لها.

غضب صيني وكوري شمالي مفهوم لتقارب الخصوم

> التقارب بين سيول وطوكيو، إلى جانب الإعلان النووي لواشنطن، أثار قلق بكين.

وبحسب مقال في صحيفة «غلوبال تايمز» الحكومية في الصين، فإن «سلوك الولايات المتحدة يأتي نتاجاً لعقلية الحرب الباردة. إن ما فعلته الولايات المتحدة يؤجج احتمالات المواجهة، ويقوّض نظام حظر الانتشار النووي، ويضر بالمصالح الاستراتيجية للدول الأخرى».

وتناول مقال آخر سياسات الرئيس الكوري الجنوبي يون «الداعمة للولايات المتحدة بشدة»، واتهمه بـ«السير خلف الولايات المتحدة بشكل أعمى» و«الإذعان أمام اليابان لإرضاء واشنطن». وذكر كذلك أن يون «فقد التوازن» و«يبدو أكثر عدائية تجاه جيرانه الثلاثة المهمين»، بما في ذلك كوريا الشمالية وروسيا.

وبالنسبة لبيونغ يانغ، هدد زعيم كوريا الشمالية، كيم يونغ أون، مراراً بمهاجمة كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، اللتين تعدهما بيونغ يانغ «بلدين عدوين» لها. وجرى التأكيد على تصريحاته من خلال عدد قياسي من عمليات إطلاق الصواريخ العام الماضي. ومنذ العام الماضي، أظهرت الأنشطة في موقع بونغيي ـ ري للتجارب النووية في كوريا الشمالية، استعداد الأخيرة لإجراء تجربة نووية بأي وقت.

غير أن الرئيس الكوري الجنوبي، بعد زيارته الرسمية لواشنطن، أعلن رفضه الانتقادات الصينية، وقال يون: «إذا كانوا يريدون إثارة مشكلة معنا، وانتقادنا لتبني إعلان واشنطن ورفع مستوى تعاوننا الأمني مع واشنطن إلى تعاون نووي، فعليهم خفض التهديد النووي» الصادر عن كوريا الشمالية، «أو على الأقل الالتزام بالقانون الدولي، والالتزام بالعقوبات المفروضة من مجلس الأمن الدولي».

في الوقت ذاته، رأى مراقبون دبلوماسيون أن رد فعل بكين على التحسن السريع في العلاقات بين كوريا الجنوبية واليابان، يؤكد مخاوفها المتزايدة بشأن تحالف عسكري ناشئ بين الجارتين الآسيويتين وواشنطن. وفي الإطار ذاته، قالت كيم يو جونغ، شقيقة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، في تعليقاتها المنشورة عبر وسائل الإعلام الرسمية «إن الاتفاق بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية يعكس (إرادة الحلفاء الأكثر عدائية وعدوانية) ضد كوريا الشمالية، وسيدفع السلام والأمن الإقليميين نحو (خطر أكبر)».



ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
TT

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في أزمة سياسية بعد الانهيار المفاجئ للحكومة الائتلافية التي يرأسها المستشار أولاف شولتس. وبهذا التطوّر بات شولتس أحد أقصر المستشارين حكماً في ألمانيا؛ إذ إنه قبل إكماله 3 سنوات على رأس الحكومة الائتلافية التي تمثل 3 أحزاب (اشتراكي وليبرالي وبيئي «أخضر») صار المستشار رئيساً لحكومة أقلية مؤلفة من حزبين بانتظار الانتخابات المبكرة التي حُدّد موعدها يوم 23 فبراير (شباط) المقبل.

الحكومة الألمانية ترنّحت إثر انسحاب «ضلعها» الليبرالي، الحزب الديمقراطي الحر، منها. ورغم انسحاب الحزب، أراد رئيسها المستشار أولاف شولتس الاستمرار على رأس «حكومة أقلية» حتى نهاية مارس (آذار)، وهو التاريخ الذي حدّده في البداية لإجراء الانتخابات المبكرة عوضاً عن نهاية سبتمبر (أيلول).

لكن أمام ضغوط المعارضة وافق المستشار وزعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) على تقريب الموعد شهراً آخر. وحتى بعد إجراء الانتخابات، فإن فترة الشكوك قد تستمر لأسابيع أو أشهر إضافية. وللعلم، في ألمانيا، لم يسبق أن فاز أي حزب بغالبية مطلقة تسمح له بتشكيل حكومة منفرداً. وبالنتيجة، حكمت ألمانيا (الغربية أساساً) منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حكومات ائتلافية قادها إما محافظو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (يمين الوسط) أو اشتراكيو الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يسار الوسط).

فريدريش ميرتز (آجنزيا نوفا)

اليمين عائد... لكن!

هذه المرة يبدو أن الديمقراطيين المسيحيين (الحزب الذي قادته لفترة أنجيلا ميركل) يتجهون لاستعادة السلطة. فحزبهم تصدر استطلاعات الرأي بفارق كبير بنسبة تصل إلى 33 في المائة، وهي أعلى من النسبة التي تتمتع بها الأحزاب الثلاثة التي شكَّلت حكومة شولتس مجتمعة، قبل انهيارها. غير أن اختيار الحزب الشريك - أو الأحزاب الشريكة – في ائتلاف الديمقراطيين المرتقب، قد يكون أمراً معقّداً ويستغرق وقتاً طويلاً.

عقبة البيروقراطية

من ناحية ثانية، رغم محاولات الديمقراطيين المسيحيين تقريب موعد الانتخابات أكثر، مستفيدين من تقدم حزبهم في استطلاعات الرأي، ودعوات جمعيات الأعمال لتقليص فترة الشك والغموض في بلد لم يشهد نمواً اقتصادياً منذ 5 سنوات، فإن البيروقراطية الألمانية شكّلت عائقاً أساسياً أمام ذلك.

وحقاً، لا يقع اللوم في تأخير الانتخابات لنهاية فبراير (شباط) فقط على تشبّث شولتس بإطالة عمر حكومته العاجزة عن العمل. ذلك أنه فور انهيار الحكومة، وبدء الكلام عن انتخابات جديدة، دقّت «هيئة الانتخابات» جرس الإنذار محذّرة من أن التسرّع في إجرائها قد يؤدي إلى أخطاء تسببت بإعادتها. ورأت «الهيئة» ضرورة إفساح الوقت الكافي لتحضير اللوائح، وطبع الأوراق، وتحديات العثور على ورق كافٍ ومطابع جاهزة للعمل في خلال مدة زمنية قصيرة.

نقاط خلافية جدّية

ورغم سخافة هذا المشهد، فهو يعكس واقعاً في ألمانيا المقيدة بالبيروقراطية التي تعيق الكثير من تقدّمها، وكان واحداً من أسباب انهيار الحكومة في النهاية. فقد فشلت حكومة شولتس بإدخال أي إصلاحات لتخفيف البيروقراطية رغم التوصيات المتكرّرة من اختصاصيين. ولقد صدرت آخر هذه التوصيات الأسبوع الماضي من «مجلس الخبراء الاقتصادي»، وهو «مجلس حكماء» مدعوم من الحكومة، دعا إلى تقليص البيروقراطية وتسريع «المكننة» كواحدة من الخطوات الرئيسة لتحقيق النمو الاقتصادي.

وللعلم، كانت تلك واحدة من الخلافات الأبرز بين أحزاب الائتلاف الحكومي الثلاثة. فليبراليو الحزب الديمقراطي الحر (وسط) - الذي يعتبر مؤيداً لمجتمع الأعمال والشركات الكبرى - دفعوا منذ تشكيل الحكومة إلى «تقليص البيروقراطية»، خصوصاً على الشركات، إضافة إلى تخفيض الضرائب عنها، لكن أولويات الاشتراكيين وحزب «الخضر» البيئي تمثّلت بزيادة المعونات الاجتماعية والاستدانة لمواجهة التحديات الاقتصادية التي فرضتها تبعات حرب أوكرانيا وجائحة «كوفيد - 19».

قضية الإنفاق العام

شكّل الإنفاق العام نقطة خلافية أخرى مع الليبراليين الذين رفضوا التخلي عن بند كبح الديون الذي يوصي به الدستور الألماني إلا في الحالات القصوى. وجرى التخلي عن هذا البند بعد جائحة «كوفيد - 19» عندما اضطرت الحكومة إلى الاستدانة والإنفاق لمساعدة الاقتصاد على النهوض. وفي المقابل، أراد الاشتراكيون و«الخضر» مواصلة العمل بتعليق بند كبح الديون ضمن خطط إنعاش الاقتصاد وتمويل الحرب الأوكرانية، لكن ليندنر رفض رغم أن «مجلس الخبراء» أوصى ببحث هذا البند وتخفيف التقيد به.

هكذا أدى الخلاف على إجراءات إنعاش الاقتصاد وميزانية عام 2025 إلى انفراط التحالف مع الليبراليين، ودفع بشولتس إلى طرد زعيمهم ووزير المالية كريستيان ليندنر، الذي قدم مقترحاً لتقليص البيروقراطية وخفض الضرائب مقابل خفض الإعانات الاجتماعية لتمويل الحرب في أوكرانيا من دون زيادة الدين العام.

الاشتراكيون بقيادة شولتس وحزب «الخضر» رفضوا مقترح ليندنر من دون القدرة على التوصل إلى «حل وسط»، مع أن المستشار اعتاد المساومة والحلول الوسطى منذ تشكيل حكومته التي غالباً ما شابتها الخلافات الداخلية.

وطبعاً، دفع طرد ليندنر الوزراء الليبراليين للتضامن مع زعيمهم والاستقالة... ما فرط عقد الحكومة. وبعد أيام من الجدل حول موعد الانتخابات المقبلة، اتفقت الأحزاب على طرح الثقة بالحكومة يوم 16 ديسمبر (كانون الأول) - ويتوقع أن تخسرها بعد خسارتها الغالبية البرلمانية - ما سيؤدي إلى انتخابات عامة حدد موعدها في 23 فبراير.

كريستيان ليندنر (رويترز)

الاقتصاد أساس الأزمة

نقطة إنعاش الاقتصاد تظهر الآن نقطةً خلافية أساسية، بينما يراوح الاقتصاد الألماني مكانه عاجزاً عن تحقيق أي نمو يذكر. ثم أن مئات الشركات الصغيرة والوسطى أقفلت خلال العامين الماضيين، وبدأت حتى كبرى شركات السيارات تعاني خسائر دفعت بشركة «فولكسفاغن» العملاقة إلى إقفال 3 من مصانعها العشرة في ألمانيا.

مع هذا، لا يمكن لوم سياسات الحكومة والخلافات الداخلية حول التعامل مع الاقتصاد وحدها، لتبرير تدهور الاقتصاد الألماني خلال السنوات الثلاث الماضية. إذ بدأت حكومة شولتس عملها في خضم جائحة «كوفيد - 19» التي تسببت بأزمات اقتصادية عالمية، وتلت الجائحة الحرب الأوكرانية وتبعاتها المباشرة على ألمانيا، التي كانت تستورد معظم حاجاتها من الغاز من روسيا. وقد تعاملت حكومة شولتس مع انقطاع الغاز الروسي السريع عن ألمانيا بحكمة، ونجحت في تعويضه بسرعة من دون التسبب بأزمة نقص للغاز في البلاد. وأيضاً اتخذت تدابير لحماية المستهلكين من الارتفاع الكبير في الأسعار، مع أنها ما كانت قادرة على تفادي التداعيات بشكل كامل.

من ثم، تحوّلت الحكومة إلى ما يشبه حكومة إدارة الأزمات والسياسات السيئة الموروثة عن الحكومات السابقة. لكن حتى هنا، يمكن تحميل الاشتراكيين بعض مسؤولية السياسات الاقتصادية السيئة، ومنها اعتماد ألمانيا بشكل متزايد طوال حكومات أنجيلا ميركل الأربع على الغاز الروسي، والسبب أن الاشتراكيين شاركوا في ثلاث من هذه الحكومات، وشولتس نفسه كان وزيراً للمالية ثم نائب المستشارة.

علاقة الاشتراكيين بروسيا

من جانب آخر، لم يساعد القرب التاريخي للاشتراكيين من روسيا حكومة شولتس بإبعاد نفسها عن موسكو؛ إذ بقي المستشار متردداً لفترة طويلة في قطع العلاقات مع روسيا ودعم أوكرانيا. ومع أن ألمانيا تحوّلت الآن إلى ثاني أكبر داعم عسكري لكييف بعد واشنطن، فإن تردد شولتس شخصياً في كل قرار يتعلق بتسليح أوكرانيا، غالباً ما وضعه في مواجهة مع حليفيه في الحكومة وكذلك مع المعارضة. وللعلم، يعتمد شولتس سياسة حذرة في دعم أوكرانيا ولا يؤيد ضمها لـ«ناتو» (حلف شمال الأطلسي)؛ تخوفاً من استفزاز روسيا أكثر وخشيته من دفعها لتوسيع الصراع.

في أي حال، كرّر شولتس القول في كل مناسبة بضرورة استمرار دعم أوكرانيا، وكان هذا واحداً من أسباب الخلافات حول الميزانية التي أدت إلى انهيار الحكومة، فوزير المالية أراد اقتطاع مخصّصات اجتماعية لتمويل الحرب في حين شولتس أراد الاستدانة لذلك رافضاً المس بالإعانات.

وحيال أوكرانيا، مع أن مقاربة تمويل الحرب في أوكرانيا تختلف بين الأحزاب الألمانية، لا خلاف على دعم كييف لا خلاف عليه. بل يتشدّد الديمقراطيون المسيحيون المتوقع فوزهم بالانتخابات وقيادتهم الحكومة المقبلة أكثر في دعمهم. ويؤيد زعيم حزبهم، فريدريش ميرتز، الذي قد يصبح المستشار القادم، أوكرانيا ضم أوكرانيا «فوراً» إلى «ناتو» بخلاف شولتس، كما يؤيد إرسال صواريخ «توروس» البعيدة المدى والألمانية الصنع إليها، بينما يعارض شولتس ذلك.

وهنا نشير إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي كان طوال السنوات الماضية، منذ تفجّر الحرب الأوكرانية، شديد الانتقاد لتردّد المستشار الاشتراكي في قرارات تسليح كييف وقطع العلاقات الاقتصادية مع روسيا، رغم أنه كان المسؤول عن وصول العلاقات الاقتصادية إلى مرحلة الاعتماد الألماني على الطاقة الروسية... كما كان حاصلاً قبل الحرب.

على الحكومة الجديدة التعامل مع ترمب

في ملف العلاقات الاقتصادية

أولاف شولتس (رويترز)

تبعات عودة ترمب

في اتجاه موازٍ، مقاربة الحرب الأوكرانية ستضع أي حكومة ألمانية جديدة في مواجهة محتملة مع إدارة دونالد ترمب القادمة في واشنطن. إذ ستضيع ألمانيا شهوراً ثمينة في تحديد سياستها مع العد العكسي للانتخابات المبكرة وتفاوض الأحزاب خلالها على تشكيل حكومة ائتلافية.

ولن يكون أمام الحكومة الجديدة فقط تحدي التعامل مع إدارة ترمب في ملف أوكرانيا، بل أيضاً في ملف التجارة والعلاقات الاقتصادية. ذلك أن ترمب في عهده الأول دأب على انتقاد ألمانيا بسبب ضخامة صادراتها إلى الولايات المتحدة، وبخاصة السيارات، التي تفوق بأضعاف الصادرات الأميركية إليها. وبالفعل، هدَّد آنذاك برسوم على السيارات الألمانية في حال لم تزد برلين وارداتها من الولايات المتحدة خاصة الغاز الأميركي الذي كان ترمب يضغط على ميركل لاستيراده عوضاً عن الغاز الروسي. بالتالي، مع عودة ترمب، ستعود المخاوف من حرب اقتصادية مع واشنطن قد تكون إذا وقعت مدمّرة لقطاع السيارات الألمانية. وحقاً، خفّضت كل الشركات الألمانية الكبرى سقف توقّعاتها للأرباح في الأشهر المقبلة، بعد تراجع مبيعاتها في الأسواق الخارجية وتحديداً الصين، بشكل كبير. وقد يشكّل تقلّص سوقها في الولايات المتحدة ضربة جديدة لها يحذّر الخبراء الاقتصاديون من أن تبعاتها ستكون مؤلمة للاقتصاد الألماني.

حسابات الانتخابات المقبلة

عودة إلى حسابات الداخل، لم يطرح الزعيم الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتز، في الواقع، فكرة إعادة وزير المالية المعزول كريستيان ليندنر إلى حكومته المحتملة. لكن سيتوجّب أولاً على حزب ليندنر، أي الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) أن يكسب أصواتاً كافية لتمثيله في البرلمان. وحتى مع تحقيق هذا قد لا يكون التحالف بين الحزبين كافياً لضمان الغالبية، إلا إذا حصلت مفاجأة وحقق أحد الحزبين نتائج أعلى من المتوقع في الاستطلاعات، كما فعل الاشتراكيون في الانتخابات الماضية عندما نالوا قرابة 26 في المائة متقدمين على الديمقراطيين المسيحيين الذين نالوا 24 في المائة من الأصوات. ويومذاك كانت استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات تشير إلى شبه تعادل بين الحزبين.

من ثم، في حال بقاء ليبراليي الحزب الديمقراطي الحر خارج الحكومة، قد تعيد ألمانيا إنتاج حكومة يشارك فيها الحزبان الرئيسان المتناقضان في سياساتهما الاجتماعية والاقتصادية، أي الاتحاد الديمقراطي المسيحي اليميني والحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي). وقد يُجبَر الحزبان على ضم شريك ثالث يرجح أن يكون حزب «الخضر» في حال غياب الليبراليين عن المشهد. وقد تعيد هكذا حكومة ثلاثية فترة الخلافات والاضطراب التي شهدتها ألمانيا في ظل الحكومة الثلاثية الحالية التي رغم انجازاتها، لا يذكر كثيرون إلا الخلافات التي شابتها.وحتى ذلك الحين، فإن التحديات التي ستواجهها أي حكومة ألمانية قادمة، تجعل من فترة انتظار الانتخابات وتشكيل الحكومة، فترة صعبة ستزيد من عمق الأزمة الاقتصادية وتشرذم الموقف الألماني والأوروبي أمام الإدارة الأميركية.