جون ماهاما... الطامح إلى فرصة ثانية لـ«إنقاذ غانا»

الرئيس السابق قدّمته المعارضة لانتخابات 2024

جون ماهاما... الطامح إلى فرصة ثانية لـ«إنقاذ غانا»
TT

جون ماهاما... الطامح إلى فرصة ثانية لـ«إنقاذ غانا»

جون ماهاما... الطامح إلى فرصة ثانية لـ«إنقاذ غانا»

يراهن حزب «المؤتمر الوطني الديمقراطي» المعارض الرئيس في غانا، على خبرات الرئيس السابق والسياسي المخضرم جون ماهاما؛ من أجل الوصول للحكم، وذلك بتقديمه مرشحاً في الانتخابات الرئاسية المرتقبة نهاية العام المقبل. هذه ستغدو المرة الثالثة التي يترشح فيها ماهاما لأعلى منصب في غانا، إحدى أكثر الديمقراطيات استقراراً في غرب أفريقيا؛ إذ سبق لماهاما أن تولى رئاسة جمهورية غانا في يوليو (تموز) 2012، في أعقاب الوفاة المفاجئة للرئيس الراحل جون أتا ميلز، وكان نائب الرئيس آنذاك. وبعد ذلك فاز في الانتخابات في وقت لاحق من ذلك العام، ولطالما سعى إلى «فرصة ثانية»، تمكنه من تطبيق أفكاره، بيد أنه خسر مرتين متتاليتين أمام الرئيس الحالي نانا أكوفو أدو في انتخابات عامي 2016 و2020 بفارق ضئيل.

لم يسبق لأي حزب في غانا منذ نحو 30 سنة، أن فاز بأكثر من ولايتين متتاليتين. وراهناً تعوّل المعارضة على خبرة الرئيس السابق جون ماهاما في الفوز وتحقيق تطلعات الغانيين، خاصة ما يتعلق بالخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة، كما يشير الدكتور عبد المنعم همّت، المحلل السياسي السوداني والخبير بالشأن الأفريقي.

يقول همّت لـ«الشرق الأوسط» شارحاً «تمرّ غانا، صاحبة الديمقراطية الراسخة والمستقرة، حالياً بأزمة اقتصادية معقدة جداً لم تشهدها منذ نحو 30 سنة، متمثلة في ديون اقتصادية وغلاء في المعيشة وانخفاض في قيمة العملة وتضاؤل للاحتياطي النقدي بشكل عام. هذا الوضع أثر سلباً بشكل كبير على الوضع الاقتصادي، وفرض على الحكومة اللجوء للاقتراض من الخارج؛ الأمر الذي سيكون له انعكاسات صعبة على فرص الحزب الحاكم في الانتخابات المقبلة». وأردف «في المقابل، فإن بإمكان المعارضة الاستفادة سياسياً من هذا الوضع، وخاصة مع تقديمها مرشحاً يتمتع بخبرات عالية ومتراكمة، بالنظر إلى تاريخه السياسي وممارسته العملية الانتخابية أكثر من مرة، ناهيك من خسارته في المرة الأخيرة بفارق قليل جداً عن الرئيس الحالي». ووفق همّت، فإن فرص فوز ماهاما بالرئاسة «مقدرة جداً وعالية».

السعي إلى القروض

تسعى غانا للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي لدعم اقتصادها المنهك. وفي هذا الصدد، قال وزير الدولة بوزارة المالية محمد أمين آدم إن «غانا تتوقع أن يوافق صندوق النقد الدولي على شريحة أولى من القروض بقيمة 600 مليون دولار». وهنا يرى همّت أن «الشروط الدولية التي تتبع الحصول على مثل هذه القروض، تتنافى مع الميل الاشتراكي للحزب الحاكم حالياً؛ الأمر الذي يتوقع أن يؤثر على شعبيته لصالح المعارضة».

للعلم، كان حزب «المؤتمر الوطني الديمقراطي»، قد اختار وبغالبية ساحقة ماهاما زعيماً له ومرشحاً عنه في الانتخابات الرئاسية المقرر أن تُجرى في ديسمبر (كانون الأول) 2024. ووفق بيان مفوضية الانتخابات في منتصف مايو (أيار) 2023، فإن ماهاما (64 سنة) حصل على 297603 صوتاً وهو ما يمثل 98.9 في المائة من الأصوات، في حين حصل منافسه عمدة مدينة كوماسي السابق كوجو بونسو على 1.1 في المائة فقط.

ويتمتع ماهاما بتاريخ سياسي عريق، فبخلاف رئاسته السابقة للبلاد، شغل منصب نائب رئيس غانا من 2009 وحتى 2012، كما كان عضواً في البرلمان من 1997 حتى 2009، ووزير الاتصالات من 1998 إلى 2001. وهو يعدّ من السياسيين الناشطين على الساحة الأفريقية؛ إذ سبق أن عُيّن من قبل رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي «ممثلاً أعلى» في الصومال، واختير رئيساً لمجلس إدارة منتدى «تانا»، وغيرها من المناصب القيادية القارية.

هذا، بعد وقت قصير من إعلان النتيجة، قال ماهاما معلقاً على اختياره «أشعر بالتواضع من التصويت الساحق على الثقة الذي منحني إياه الحزب... دعونا نحافظ على أنظارنا الجماعية بحزم بشأن الهدف الأسمى لمؤتمر الحوار الوطني: إنقاذ غانا وإخراجها من الهاوية الحالية التي نجد بلادنا فيها». وما يجدر ذكره أنه من المقرر أن يختار الحزب الحاكم مرشحه في وقت لاحق من هذا العام.

صورة أفضل أفريقياً

على النقيض من الرئيس الحالي أنانا أكوفو أدو، الذي تسبب في «تشويه سمعة غانا التاريخية في أفريقيا بسبب وقوفه إلى جانب السياسات الغربية»، كما قال لـ«الشرق الأوسط» محمد الأمين سوادغو، المحلل البوركينابي والخبير بالشؤون الأفريقية، فإن ماهاما «قد يقدّم صورة أفضل لغانا في أفريقيا؛ فبرامجه السياسية طموحة وجيدة... وتتمتع باستقلالية تامة عن السياسية الغربية والمشروع الاستعماري الحديث في أفريقيا».

ويعتقد سوادغو أن أكوفو أدو «خيّب ظن كثرة من الأفارقة بإحجامه عن دعم الحركات الثورية الصاعدة ضد السياسات الغربية الاستغلالية في غرب أفريقيا؛ وهي منطقة تعاني من مختلف التشكيلات المسلحة الإرهابية، بل سبق أن أطلق تصريحات مستفزة ضد السلطة في مالي وبوركينا فاسو خدمة للتوجه الغربي في هذَين البلدَين».

وقال أكوفو أدو خلال «قمة الولايات المتحدة وأفريقيا» في ديسمبر 2022 «إن بوركينا فاسو توصّلت إلى اتفاق مع مرتزقة (فاغنر) لمحاربة الجماعات المسلحة (في منطقة الساحل والصحراء) مقابل تشغيل منجم»، وهو كلام أثار أزمة سياسية كبيرة بين البلدين، ونفت حكومة بوركينا فاسو الأمر واستدعت سفير غانا لديها لتقديم شكوى له؛ لأنه لا وجود لمسلحي «فاغنر» الروس حالياً في بوركينا فاسو، فاعتذرت غانا على الأثر لبوركينا فاسو عن هذه المسالة.

وحقاً، يرى بعض الشباب في غانا وبوركينا فاسو ومالي أن اكوفو أدو «لا يعمل لاستقلال غانا وعموم أفريقيا بقدر ما يسعى لخدمة مصالحه الشخصية وترسيخ الجبهة الغربية في أفريقيا على بناء وتقدم أفريقيا»، كما يقول سوادغو.

نشأة سياسيةجون ماهاما، الذي يرفع شاعر «التغيير» في حملته الانتخابية، على أساس أن «العالم يتغير بسرعة كبيرة... ولا يمكن أن تستمر غانا في البقاء على حالها»، نشأ في بيئة سياسية مميزة، أهّلته لما أصبح فيه الآن. فقد ولد يوم 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 1958 في بلدة دامونغو، التي كانت آنذاك عاصمة منطقة غرب غونجا في المنطقة الشمالية من غانا. وكان والده إيمانويل أداما ماهاما، مزارع أرز وعضواً بارزاً في البرلمان عن دائرة غرب غونجا، وأول مفوض إقليمي للمنطقة الشمالية تحت قيادة أول زعيم لغانا الرئيس السابق والزعيم الاستقلالي كوامي نكروما.

أمضى ماهاما السنوات الأولى من حياته مع والدته، أبيبا نابا، في دامونغو، قبل أن ينتقل إلى العاصمة أكرا للعيش مع والده، الذي أشبعه بشغف قوي بالتعليم. وبالفعل تلقى تعليمه الأساسي في مدرسة أشيموتا الأساسية، وهنا يقول عن نفسه إنه اعتاد آنذاك على «الدفاع عن الأطفال الآخرين من المتنمّرين عليهم»، قبل أن ينتقل لاحقاً إلى مدرسة غانا الثانوية في مدينة تامالي.

ويشير موقعه الانتخابي، إلى حصوله لاحقاً على القبول في جامعة غانا، الجامعة الأولى في البلاد، حيث حصل على شهادة بكالوريوس الآداب في التاريخ عام 1981. وبعد حصوله على البكالوريوس، عاد ماهاما إلى تامالي، حيث عمل في تدريس التاريخ في مدرسة غانا الثانوية، إلى أن أجبره الوضع السياسي والاقتصادي في غانا على الفرار إلى نيجيريا، حيث عاد إلى والده الذي كان في المنفى.

وفي عام 1983 عاد برغبة قوية في بناء جسور بين الناس من خلال التواصل؛ لذلك التحق ببرنامج الدراسات العليا في دراسات الاتصالات في جامعة غانا. وعقب تخرجه عام 1986 ذهب ماهاما إلى موسكو، عاصمة الاتحاد السوفياتي السابق، ودرس هناك في «معهد العلوم الاجتماعية» المرموق، وفيه حصل على دبلوم الدراسات العليا في علم النفس الاجتماعي في العام 1988. وأثناء وجوده في موسكو، بدأ في الانقلاب على «الفكر الاشتراكي» وأخذت أفكاره تدعو إلى التحول بعيداً عن العقائد الأيديولوجية.

تدرج وظيفي... ونجاحات لافتة

كان العام 1996 هو موعد دخول جون ماهاما السياسة الغانية، حين انضم إلى حزب «المؤتمر الوطني الديمقراطي» (NDC)، المحسوب على يسار الوسط. ونظراً لنشاطه الحزبي وخبرته انتُخب نائباً في البرلمان الغاني لتمثيل دائرة بول - بامبوي الانتخابية لمدة أربع سنوات. وأعيد انتخابه في انتخابات عامي 2000 و2004.

خلال هذه الفترة، عُيّن نائباً لوزير الاتصالات عام 1997، وأصبح وزيراً للاتصالات من عام 1998 حتى عام 2001. وأثناء عمله وزيراً للاتصالات، تولّى ماهاما أيضاً رئاسة الهيئة الوطنية للاتصالات، ولعب دوراً رئيسياً في استقرار وتحويل قطاع الاتصالات في غانا.

في يوليو (تموز) 2012، وعندما كان ماهاما نائباً للرئيس، خلف رئيسه الذي وافته المنية يوم 24 يوليو من ذلك العام، وانتخب في ديسمبر 2012 رئيساً للجمهورية لأول فترة مدتها أربع سنوات. وهكذا صنع التاريخ السياسي من خلال أن يصبح أول رئيس دولة غاني يولد بعد إعلان استقلال غانا في 6 مارس (آذار) 1957.

ووفق بيانات رسمية، نشرتها الرئاسة الغانية، شهدت خلال فترة رئاسته تحولات مهمة، كان أهمها بناء ديمقراطية أكثر حيوية. فعام 2012، كانت درجة غانا في مؤشر الديمقراطية 6.02، وتحتل المرتبة الـ78 في العالم. ولكن في عام 2016، عندما ترك منصبه، كانت نتيجة غانا 6.75؛ ما وضعها في المرتبة الـ54 في العالم - وجعلها خامس أكثر دولة ديمقراطية في أفريقيا.

ومن ناحية ثانية، يشير برنامج ماهاما الانتخابي إلى أنه لطالما كان «موحّداً، متجاوزاً للسياسة القبلية، ومؤيداً قوياً للتعليم العام للجميع، كما أنه صاحب رؤية، يسعى إلى تطوير غانا».

لقد رفعت رئاسة ماهاما ترتيب غانا في المؤشر المتعلق بالمساواة بين الرجل والمرأة من المركز الـ71 في العالم في عام 2012 إلى المرتبة الـ59 في العالم في عام 2016. وبالقدر نفسه من الأهمية، ارتفع ترتيب غانا في عهده على صعيد حرية الصحافة من المرتبة الـ41 في عام 2012 إلى المرتبة الـ26 في عام 2016؛ ما جعل غانا بطلة عالمية للصحافة الحرة.

وفي تالمقابل، انخفض معدل البطالة من 3.6 في المائة عام 2012 إلى 2.3 في المائة خلال عام 2016. وانخفض معدل اللامساواة البشرية من 31.9 في عام 2012 إلى 28.8 في عام 2016. وانخفض معدل اللاالمساواة في التعليم من 40.9 في المائة في عام 2012 إلى 34.9 في المائة في عام 2016.

وراهناً، يهتم المرشح الرئاسي الغاني بموضوع تلوث البيئة، وتحديداً التلوث بالبلاستيك في أفريقيا، وقد ساهم في معالجة هذه المشكلة عندما كان نائب لرئيس الجمهورية. وفي كتابه الأول، الذي صدر يوم 3 يوليو 2012، بعنوان «أول انقلاباتي وقصص صادقة أخرى من العقود الضائعة في أفريقيا»، يتذكر ماهاما في فصله الأول ذلك اليوم من عام 1966 عندما علم بإطاحة كوامي نكروما، الرئيس الاستقلالي المؤسس لغانا، في انقلاب عسكري: يقول ماهاما «عندما ألقي نظرة على حياتي، من الواضح لي أن هذه اللحظة كانت بمثابة إيقاظ وعيي... لقد غيّرت حياتي وأثرت في كل اللحظات التي تلت ذلك».

معارك رئاسية سابقة

في انتخابات عام 2012، فاز جون ماهاما بنسبة 50.70 في المائة من إجمالي الأصوات الصحيحة المُدلى بها، بهامش فوز 3 في المائة على أقرب منافسيه نانا أكوفو أدو من حزب المعارضة (يمين الوسط) الرئيس آنذاك، الذي حصل على 47.74 في المائة تقريباً. كان هذا بالكاد يكفي للفوز بالرئاسة دون الحاجة إلى جولة الإعادة.

عقب ذلك سعى ماهاما لولاية ثانية كاملة في الانتخابات العامة خلال ديسمبر 2016. وكان مؤهلاً لولاية ثانية كاملة منذ أن صعد إلى الرئاسة مع بقاء ستة أشهر فقط خلال ولاية أتا ميلز. وبموجب الدستور الغاني يُسمح لنائب الرئيس الذي يصعد إلى الرئاسة بالترشح لفترتين كاملتين. لكنه هُزم أمام الرئيس الحالي أكوفو أدو بعد حصوله على 44.4 في المائة من الأصوات فقط.

بعدها، في 4 ديسمبر 2020، وقع ماهاما أكوفو أدو، الذي واجهه في الانتخابات الرئاسية الغانية عامي 2012 و2016 «اتفاق سلام» لضمان السلام قبل وأثناء وبعد انتخابات 7 ديسمبر، وبالفعل فاز أكوفو أدو في الانتخابات بنسبة 51.6 في المائة من الأصوات.

وتعبيراً عن «روحه الرياضية» وتقبله الهزيمة، أجرى ماهاما جولة أطلق عليها اسم «جولة الشكر» في أغسطس (آب) 2021، لشكر الغانيين على التصويت في الانتخابات الرئاسية لعام 2020.

نشاط أفريقي

استمراراً لتوسيع اهتمام ماهاما ومشاركته في الشؤون الدولية، أصبح عام 2003 عضواً في برلمان عموم أفريقيا، حيث شغل منصب رئيس تجمع غرب أفريقيا حتى عام 2011. وكان أيضاً عضواً في البرلمانات الأوروبية والبرلمانات الإفريقية المخصصة ولجنة التعاون. وفي عام 2005، عُيّن، بالإضافة إلى ذلك، الناطق باسم الأقليات للشؤون الخارجية. وهو اليوم عضو في اللجنة الاستشارية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بشأن حل النزاعات في غانا.

كذلك في 30 مارس 2014، انتخب ماهاما لرئاسة الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وفي 26 يونيو 2014، انتخب رئيساً للجنة التجارة الأفريقية رفيعة المستوى التابعة للاتحاد الأفريقي. وفي 21 يناير 2016 بمناسبة «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس، أصبح ماهاما الرئيس المشارك لمجموعة مناصري أهداف التنمية المستدامة التي تتكون من 17 شخصية بارزة تساعد الأمين العام للأمم المتحدة في حملة تحقيق أهداف التنمية المستدامة، التي اعتمدها قادة العالم بالإجماع في سبتمبر 2015. وبتفويض لدعم الأمين العام في جهوده لتوليد الزخم والالتزام بتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030.

أخيراً، في ديسمبر 2016، كان ماهاما جزءاً من فريق الوساطة التابع لـ«المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا» لحل المأزق السياسي الذي أعقب الانتخابات في غامبيا بين الرئيس المهزوم يحيى جامح ومنافسه الفائز المعلن آدم بارو. ثم في فبراير 2017 ، حصل ماهاما على جائزة «القائد السياسي الأفريقي لعام 2016» من مجلة القيادة الأفريقية في جنوب أفريقيا.



القضايا الرئيسية في انتخابات 2024 الكشميرية

طابور اقتراع في كشمير (رويترز)
طابور اقتراع في كشمير (رويترز)
TT

القضايا الرئيسية في انتخابات 2024 الكشميرية

طابور اقتراع في كشمير (رويترز)
طابور اقتراع في كشمير (رويترز)

برز إلغاء المادة 370 وتأسيس دولة مستقلة في جامو وكشمير قضيتَين رئيسيتين في هذه الانتخابات، بينما تشكّل البطالة مصدر قلق مزمن كبير. الصحافي زاهور مالك قال: «ثمة استياء عميق في العديد من الدوائر تجاه إلغاء المادة 370. إلا أنه بدلاً من مقاطعة الانتخابات، دفع القرار الكشميريين إلى التصويت على نحو يتناقض مع الـ30 إلى الـ40 سنة الماضية. في وقت سابق، جرى استغلال مثل هذا الاستياء لدعم النزعة الاستقلالية والتطرف؛ ما أدى إلى صعود تهديدات وتحذيرات من مقاطعة الانتخابات، لكن هذه المرة، لم تسمح الطوابير الطويلة للناخبين بحدوث ذلك. وتبقى الميزة الأهم في هذه الانتخابات، أنها جاءت سلمية تماماً. وتكشف حقيقة خروج حشود من الناس للتصويت كيف أصبح التصويت في حد ذاته عملاً من أعمال المقاومة والتضامن».

وشرح مالك أن «السنوات الست الماضية من الحكم المستمر لنيودلهي دفع شعب جامو وكشمير للشعور بالتهميش السياسي. وأثار تنفيذ الحاكم غير المنتخب بل المعيّن مركزياً للعديد من القوانين مخاوف عامة الناس. إذ يرى أهل جامو وكشمير أن البيروقراطية التي تديرها الحكومة المركزية - حيث يتولى مسؤولون غير محليين المناصب الإدارية العليا - لا تتناسب مع القضايا والحساسيات المحلية».

من جهته، علّق المحلل السياسي مفتي شوكت فاروقي بأن «قرار الحكومة الهندية إجراء انتخابات يبدو ظاهرياً بمثابة خطوة نحو استعادة الوضع الطبيعي في الإقليم. ولكن، من دون معالجة السبب الجذري للصراع في كشمير - الوضع السياسي غير المحلول، وتطلعات الشعب الكشميري، وانعدام الثقة العميق بين الدولة ومواطنيها - فإن هذه الانتخابات لن تعدو مجرد ممارسة سطحية للديمقراطية».

والحقيقة، كان إلغاء المادة 370 عام 2019، الذي جرّد جامو وكشمير من وضعها الخاص واستقلالها كولاية داخل الاتحاد الهندي، سبباً في تفاقم التوترات. بل تسبّب القرار في انهيار الثقة بين السكان الكشميريين والحكومة الهندية. ونظر كثيرون إلى العملية الانتخابية في ظل الإطار السياسي الحالي، باعتبارها «غير شرعية»؛ لأنها لم تعد تمثل الهوية المميزة للإقليم أو تطلعات أبنائه للحكم الذاتي.

وفي قلب القضية، تكمن الحاجة إلى حل سياسي شامل يعالج تاريخ كشمير الفريد وتطلعاتها ومظالمها. ولا يمكن تحقيق ذلك عبر الانتخابات فقط، بل عبر الحوار الهادف بين الحكومتين الهندية والباكستانية والجهات السياسية المحلية وجماعات المجتمع المدني، بما في ذلك أولئك الذين يدافعون عن فكرة تقرير المصير، ويدعون إلى استقلال كشمير.

وبالانتقال إلى الانتخابات في كشمير، نجد أن حلبة التنافس راهناً تضم الأحزاب الإقليمية الكشميرية، على رأسها «المؤتمر الوطني» و«حزب الشعب الديمقراطي»، والعديد من الاستقلاليين الذين يتنافسون بصفتهم «مستقلين» سعياً إلى استعادة المادة 370 والوضع الخاص لجامو وكشمير. ويتواجه هؤلاء عملياً مع حزب «بهاراتيا جاناتا». وفي تصريح له، قال الرئيس السابق لحكومة الإقليم عمر عبد الله إن كشمير في حاجة إلى «استعادة هويتها» عبر إلغاء الخطوة التي اتخذتها حكومة مودي عام 2019. وفي المقابل، صرح أميت شاه، وزير داخلية مودي، خلال الشهر، بأن وضع الإقليم شبه المستقل «أصبح تاريخاً ولا أحد يستطيع إعادته». وأضاف أنه «لا يمكن للساعة أن تعود إلى وضع 370 عندما كان لدينا دستوران وعَلمان».

في سياق موازٍ، بين القضايا الرئيسية الأخرى في الانتخابات، احتجاز العديد من الشباب الكشميريين في السجون الهندية، وتحديات محلية مثل تفشي المخدرات والبطالة. وتشير تقديرات الحكومة منذ يوليو (تموز)، إلى أن معدل البطالة في كشمير يبلغ 18.3 في المائة، أي أكثر عن ضعف المتوسط الوطني.

وفي هذا الصدد، قال خورشيد أحمد (50 سنة): «هناك الكثير من القضايا التي نواجهها هنا. نحن سعداء لأننا سنرى تغييراً. نريد حكومتنا الإقليمية ونهاية حكم ممثل نيودلهي. قد تفهمنا حكومتنا الإقليمية، لكن لا أحد من الخارج يستطيع ذلك. أنا أدلي بصوتي اليوم لأننا نتعرض للقمع، وقد سُجن الأطفال، ويتعرضون لأفعال غير عادلة. نحن نصوّت اليوم ضد تصرفات مودي في كشمير».

وقال فايز أحمد ماجراي (46 سنة): «كانت السنوات الأربع الماضية صعبة. لقد اتخذت قوات الأمن إجراءات صارمة، والإذلال الذي ألحقه المسؤولون من الخارج بالسكان غرس شعوراً بالعجز. صيغت القوانين المعادية للشعب من دون استشارة السكان المحليين. أنا أصوّت لإنهاء عجزنا. نحن في مرحلة حرجة من التاريخ، والتصويت وسيلتي للتعبير عن رفضي ضد القوى العازمة على تدمير جامو وكشمير مع كل يوم يمرّ».

مع ذلك، يبدو أن بعض مواطني كشمير فقدوا الأمل باستعادة استقلال منطقتهم، مثل سهيل مير - وهو باحث - الذي قال: «لا أعتقد أن المادة 370 ستعود ما لم تحدث أي معجزة»، وتابع أن الأحزاب كانت تقدم وعوداً بشأن استعادة الحكم الذاتي في خضم أجواء «مشحونة سياسياً» للحصول على الأصوات.

في هذه الأثناء، وفي سابقة هي الأولى من نوعها، دعت سلطات نيودلهي دبلوماسيين أجانب إلى جامو وكشمير لمتابعة الانتخابات. وبالفعل، زار ما يقرب من 20 دبلوماسياً من سفارات مختارة، بينها سفارات الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وسنغافورة والفلبين وماليزيا، جامو وكشمير لمراقبة الانتخابات.