مآلات الانتخابات الليبية في ظل الحرب السودانية

تباطؤ سياسي وسط تعويل على «المصالحة الوطنية»

المنفي مع باتيلي
المنفي مع باتيلي
TT

مآلات الانتخابات الليبية في ظل الحرب السودانية

المنفي مع باتيلي
المنفي مع باتيلي

المنفي مع باتيلي

فرض الوضعُ الراهنُ في السودان تحدياً جديداً على دول «الجوار»، وفي مقدمتها ليبيا، خصوصاً لجهة الاهتمام بالملف الأمني والحدود المشتركة. وهذا الأمر أعاد طرح السؤال على النخب الليبية المتعارضة حول مدى إمكانية عقد الانتخابات المُنتظرة، في ظل الأجواء المضطربة بالخرطوم، وهل طبيعة الأزمة الليبية، حالياً، أمنية أم سياسية؟

جانب من النخبة السياسية، التي تحدثت إلى «الشرق الأوسط» بدت متفائلة، بإمكانية إجراء الانتخابات إذا ما «توفرت الإرادة»، لكن هذا تَقاطعَ مع آراء آخرين اعتبروا أن ذلك «صعب» لأسباب عدة، من بينها المعضلة الأمنية، وبقاء الأجسام السياسية - التي يُنظر إليها على أنها سببٌ في إفشال الاستحقاق السابق - على حالها دون تغيير.

وفي أول لقاء لمبعوث الولايات المتحدة وسفيرها لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، مع محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي، منذ اندلاع الحرب السودانية - وإن جاء عبر تقنية «زوم» - لم يخلُ من بحث مخاطرها جميعها، ما دفعهما إلى الاتفاق على «أهمية تشكيل قوة مشتركة لتسيير دوريات على الحدود الجنوبية، وضمان ألا تُستخدم ليبيا منصةً للتدخل في السودان». كذلك تطرق نورلاند والمنفي، إلى مناقشة الاستقرار الإقليمي، ودور «المصالحة الوطنية» في التقارب المأمول قبل الذهاب إلى الانتخابات المرجوّة، بجانب تحسين عملية إدارة الإيرادات لضمان استفادة الليبيين جميعاً من ثروة بلادهم. وأكد نورلاند دعم واشنطن العملية السياسية التي تيسرها الأمم المتحدة لتنظيم استحقاق مبكر في ليبيا.

عارف النايض

هنا يرى عارف النايض، رئيس «تكتل إحياء ليبيا»، أن «النكبة السودانية المؤلمة تذكير لهم بضرورة الإسراع في إجراء الانتخابات الليبية، بشكل عاجل، العام الحالي». واعتبر النايض، في حوار مع «الشرق الأوسط» ما سماها «الفتنة المسلحة» الدامية بين الأشقاء في السودان، دليلاً آخر على أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المباشرة، هي «السبيل الوحيد» لتجديد الشرعية المستمدة من الإرادة الشعبية من خلال صناديق الاقتراع، وأيضاً «دليلاً على خطورة المماطلة في الاحتكام إلى الإرادة الشعبية الحرة، ومحاولة الالتفاف حول تلك الإرادة من خلال الصفقات والتفاهمات والاقتسامات».

ولكن، هنا تتباين رؤى الليبيين حول طبيعة أزمة بلادهم بين مَن يراها أمنية، في مواجهة مَن يعتبرها سياسية. وهناك أيضاً مَن اعتبر أن الحديث عن إجراء انتخابات نهاية العام - دون تحسين ملموس بالجانب الأمني- ليس إلاّ مجرد «رفع لسقف الطموح والآمال وامتصاص للغضب الشعبي». وعلى صعيد آخر، من دون إعلان رسمي، نقلت مصادر إعلامية قريبة من «الجيش الوطني الليبي» أن قائده المشير خليفة حفتر وجه فور اندلاع الحرب في السودان بإغلاق الحدود المشتركة معه، وأرسل تعزيزات عسكرية إلى مدينة الكفرة، جنوب شرقي البلاد.

 

ماذا عن لجنة «6 + 6»؟

 

لا يخفي كثيرون من الليبيين دهشتهم لانقضاء قرابة نصف العام، وبقاء شهر واحد يفصلهم عن الموعد المحدد لانتهاء لجنة «6 + 6» من إعداد القوانين اللازمة للانتخابات - قبل نهاية يونيو (حزيران) - من دون أن تثمر اللقاءات المحدودة شيئاً إلاّ «تقارباً في وجهات النظر». ولذا يقول عبد الرؤوف بيت المال، رئيس حزب «ليبيا النماء» إن «الواضح لنا عدم وجود أي نية لإجراء الانتخابات»، قبل أن يستدرك فيقول: «ولكن إذا توافرت الإرادة الحقيقية من الليبيين والأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة في القرار المحلي، فستُجرى».

بيت المال يفترض في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه إذا قرّرت هذه الأطراف إجراء الاستحقاق، «فسيكون ذلك بعد 6 إلى 8 أشهر، بما يعني نهاية العام الحالي، أو بداية 2024»، وتابع: «أتمنى بعد هذه المدة أن تكون الحرب السودانية قد انتهت. فالربط بين ما يحدث هناك وإجراء الانتخابات الليبية ليس في محله».

هذا، ويُنظر إلى اللجنة المعنية بإعداد قوانين الانتخابات على أنها «تتحرك ببطء»، فهي لم تعقد منذ تشكيلها سوى 3 اجتماعات، آخرها كان منتصف الأسبوع الماضي، مع عماد السائح رئيس المفوضية العليا للانتخابات، الذي استمع إلى ملاحظاتها الفنية حول القوانين لـ«أخذها بعين الاعتبار»، بحسب ما صرح به عبد الله بليحق، المتحدث باسم مجلس النواب. وسبق لعبد الله باتيلي، المبعوث الأممي إلى ليبيا، إعلان «خريطة طريق» جديدة وواضحة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة، بحلول منتصف يونيو المقبل. وهو الموعد الذي يفترض أن تكون لجنة «6 + 6» قد انتهت خلاله من أعمالها. وقال باتيلي «إن الأجسام السياسية (المنتهية ولايتها) والحكومات المتعاقبة هي سبب عدم الاستقرار في ليبيا وتعرِّض الوضع للخطر».

وكانت اللجنة قد اجتمعت في الثالث من مايو (أيار) الحالي، في مقر فرع ديوان مجلس النواب بمدينة طرابلس، وجرى الاتفاق، حينذاك، على آلية عملها بما يشمل التواصل مع الجهات والمؤسسات ذات العلاقة بالعملية الانتخابية، وقال بليحق، إن اجتماعها «شهد تقارباً في وجهات النظر بين أعضائها». يشار إلى أن مجلس النواب أعلن في 20 مارس (آذار) الماضي، تسمية 6 أعضاء ممثلين له في اللجنة المشتركة مع «الأعلى للدولة» (6 + 6)، المكلفة إعداد القوانين لإجراء الانتخابات المنتظرة.

 

«السلام الهش»... والجيش «المنقسم»

 

بموازاة التحركات التي تجريها لجنة «6 + 6» - حتى وإن بدت محدودة - هناك مسارات أمنية، وكذلك جهود لتوحيد المؤسسة العسكرية المنقسمة، وكلها تهدف إلى التمهيد لإجراء الانتخابات، وفق الرؤية الأممية. وخلال الأسابيع الماضية كثرت اجتماعات كبار القادة العسكريين بالجيش الليبي، بين شرق البلاد وغربها على نحو غير مسبوق، منذ إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011، مدفوعة بدعمين دولي وأممي كبيرين. وعلى الأثر تجددت لقاءات الفريق أول عبد الرازق الناظوري، رئيس أركان قوات القيادة العامة لـ«الجيش الوطني الليبي» ونظيره رئيس أركان القوات التابعة لحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة الفريق أول محمد الحداد، تلتها لقاءات على مستوى رؤساء الأركان النوعية.

واعتبر سياسيون هذه اللقاءات «خطوةً جادةً» على طريق «توحيد» الجيش المنقسم، وتفتح الباب أيضاً أمام مصالحة وطنية جادة، ومن ثم المضي باتجاه الانتخابات، التي يرى رئيس «تكتل إحياء ليبيا» أن عقدها «ليس فقط أمراً ممكناً، بل هو أمر ضروري لصيانة السلام الهش في ليبيا، وإعلاء السيادة الوطنية، وتوطيد وحدة البلاد، وترميم النسيج الاجتماعي، من خلال المصالحة الوطنية الشاملة».

 

وعلى هذا النحو رأى عبد الله اللافي، النائب بالمجلس الرئاسي، أن «طريق الانتخابات الحرة والنزيهة، تبدأ من نجاح مشروع المصالحة الوطنية، للعبور إلى مرحلة الاستقرار، وبناء دولة ديمقراطية». وأردف اللافي، خلال لقائه رئيس وأعضاء «تجمع ليبيا والانتخابات» أن مشروع المصالحة الوطنية يعد «السبيل الوحيد لضمان تحقيق السلم الأهلي لليبيا وشعبها»، مؤكداً عزم مجلسه على الاستمرار في استكمال كل مساراته.

في المقابل، يلاحظ ليبيون محدودية تحركات المبعوث الأممي، لا سيما بعد اندلاع الصراع السوداني، بينما تتمحور رؤيته في العموم حول ضمان الأمن في ليبيا أثناء الانتخابات العامة والفترة التي تليها. ولذا أقدم على تيسير سلسلة من الاجتماعات في تونس وطرابلس وبنغازي وسبها جمعت اللّجنة العسكرية المشتركة ( 5 + 5)، والجهات الأمنية والعسكرية من الأقاليم الثلاثة في ليبيا، وهي الخطوة التي أثنى عليها النايض، لجهة حصوله على «تعهدات منهم بحماية الانتخابات ونتائجها».

 

المسار الأممي

 

النايض، وهو مرشح رئاسي، يرى أن الصراع السوداني «لن يفسد الانتخابات الليبية، بل يؤكد ضرورة إجرائها». ويقول إن على المبعوث الأممي إحراز «تقدم ملحوظ» في الملف الليبي، بخطوات «في غاية الأهمية، مع تمسكه بإجرائها حتى لو تطلب الأمر تجاوز مجلسي النواب و(الأعلى للدولة) إذا لم يتعاونا»، بالإضافة إلى «التواصل مع النسيج الاجتماعي والمجتمع المدني، لتأكيد وجود حاضنة داعمة وضامنة للانتخابات». وأضاف النايض أن الأوضاع الأمنية والقانونية والاجتماعية في ليبيا، هي الآن «في أفضل حالاتها لإجراء الانتخابات»، وأن الحل في ليبيا والسودان واحد، وهو «اللجوء إلى صناديق الاقتراع، بدلاً عن صناديق الذخيرة».

 

ملف «المرتزقة»

 

بموازاة الجانب المتفائل، رأى عدد من الساسة الليبيين أن الحرب في السودان تضيف عبئاً جديداً على بلادهم، إلى جانب عقبات أخرى، من بينها «الأجسام الراهنة». ويتخوف هؤلاء من تعطّل ملف إخراج «المرتزقة» والمقاتلين الأجانب من البلاد، بالإضافة إلى توجّسهم أيضاً من تسرّب «محتمل» للمقاتلين والإرهابيين عبر الصحراء الليبية المترامية. وكان باتيلي، أجرى زيارة إلى الخرطوم نهاية مارس الماضي، التقى خلالها رئيس «مجلس السيادة الانتقالي» في السودان، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، بحضور وزير الخارجية المكلف، السفير علي الصادق، وبحث معه ملفات عديدة من بينها «المرتزقة»، ومساعي الأمم المتحدة لحل الأزمة الليبية.

ومعلوم أن عناصر «المرتزقة» الموجودة في ليبيا من جنسيات عدة تلقي بظلالها القاتمة على المشهد في البلاد، في ظل مخاوف من تصاعد نفوذ شركة «فاغنر» الروسية، واستثمارها في هذا المناخ المضطرب بحسب متابعين. إلى ذلك كشفت السفارة الأميركية في طرابلس أن مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، تحدثت مع المشير حفتر حول «الحاجة الملحة لمنع الجهات الخارجية، ومن بينها مجموعة (فاغنر) الروسية، المدعومة من الكرملين، من زيادة زعزعة استقرار ليبيا أو جيرانها، بما في ذلك السودان». والمخاوف ذاتها عبّر عنها عيسى عبد المجيد، رئيس الكونغرس التباوي، واعتبر في تصريح صحافي أن الوضع في السودان سيؤثر في الأمن القومي الليبي.

إلى ذلك، يرى الأكاديمي الليبي حافظ الغويل، وهو زميل أول بمعهد الدراسات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية، أن ما يحدث في السودان «سيعرقل ما يحدث في ليبيا، وسيكون له تأثره في دول المنطقة». وأردف الغويل في لقاء مع «الشرق الأوسط» أنه من «الصعب جداً» إجراء انتخابات في ليبيا هذه السنة، وأنه لا يرى أن «الأجسام السياسية الموجودة في البلاد منذ 2012، وسبق لها عرقلة كل الإجراءات والمحاولات الدولية في عقد الانتخابات الماضية... ستتغير». وبشأن لجنة «6 + 6» لفت الغويل إلى أنه «لم ينتج عنها شيء حتى الآن (...) لقد اقتربنا من منتصف العام. ولا أرى أي فرص حقيقية لإجراء الانتخابات (...) ولو فُرضت بطريقة أو بأخرى، فلن تكون نزيهة أو شفافة».

من جهة أخرى، من الذين يرون أن الحرب السودانية «سيكون لها تأثير كبير في الأوضاع بليبيا»، طلال الميهوب، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب، الذي قال عقب اندلاعها، إن لجنته ستعرض على جلسة مجلس النواب المقبلة تقريراً مفصلاً يتعلق بما يجب اتخاذه لحماية الحدود بين البلدين. وفي ظل انعدام الإحصائيات الرسمية عن عدد السودانيين الذين دخلوا ليبيا، قالت الأمم المتحدة على لسان رؤوف مازو، مساعد المفوض السامي لشؤون العمليات بمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إن نحو 73 ألفاً فروا بالفعل إلى الدول المجاورة للسودان، من بينها ليبيا، بالإضافة إلى جنوب السودان وتشاد ومصر وإريتريا وإثيوبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى. وسجلت مصفوفة تابعة للمنظمة الدولية للهجرة رصد نزوح ما يقرب من 700 شخص إلى الكفرة هرباً من الاضطرابات الأمنية في بلادهم.

وكانت بلدية الكفرة (جنوب شرقي ليبيا) شكّلت غرفة طوارئ لمتابعة الأوضاع في السودان، ومن بينها حالات النزوح، واتخاذ الإجراءات حيال أي مستجدات طارئة. وقبل أن ينقضي الأسبوع الماضي، هاتف المبعوث الأممي عبد الله باتيلي رئيسَ مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، وتناقشا حول ضرورة تسريع وتيرة عمل لجنة «6 + 6»، في إعداد الإطار الدستوري للانتخابات، كما بحث مع المنفي، بمقر مجلسه، أموراً عدة من بينها الاستحقاق و«المصالحة الوطنية».

***

(إطار)

مفاوضات ومبادرات... «دفتر أحوال» ليبيا منذ رحيل القذافي

الرئيس التشادي ديبي مع السفير نورلاند

* أمضى الليبيون ما يزيد على 12 سنة منذ رحيل الرئيس الراحل معمر القذافي في البحث عن حل لمعضلة بلدهم، في ظل نزوع بعض الساسة والعسكريين للوصول إلى السلطة، بعقد «الصفقات السياسية» و«التفاهمات الجهوية». وما بين هذا وذاك، شهدت البلاد جهوداً أممية ومحلية عديدة على مدار السنوات التي تلت «ثورة 17 فبراير (شباط)» عام 2011، لتفكيك هذه المعضلة، إما بطرح المبادرات والمفاوضات، أو باللجوء للحرب أحياناً، لكن كل ذلك انتهى إلى لا شيء، ليحفل «دفتر أحوال ليبيا» بتفاصيل عديدة، هنا أهمها:

- أطاحت «ثورة فبراير» بنظام القذافي بعد 42 سنة من حكمه باستناد إلى ضربات لقوات حلف شمال الأطلسي (ناتو).

- انفتحت ليبيا تماماً أمام التدخلات الأجنبية بكل أجهزة استخباراتها، بينما شهدت البلاد سنوات من الاشتباكات والاقتتال الدامي انعدمت معها سبل الحياة الآمنة كلها، وانتشرت الجريمة والعمليات الإرهابية بأشكالها المختلفة.

- لسنوات عديدة، والأمم المتحدة تدفع بمبعوثيها، بداية من عبد الإله الخطيب وزير الخارجية الأردني الأسبق، وحتى عبد الله باتيلي، المبعوث الحالي، إلى ليبيا؛ أملاً في تفكيك المعضلتين السياسية والأمنية.

- كانت السنوات الدامية التي تلت «ثورة فبراير» كفيلة بتفكيك سلطة الدولة الموحّدة، لتسيطر عليها حكومتان: الأولى في العاصمة طرابلس، والثانية في مدينة طبرق (أقصى شرق البلاد). ولتشهد البلاد مزيداً من التدخلات الخارجية بقصد حماية وفرض مصالحها.

- شهدت ليبيا منذ 24 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2011 حتى العام الحالي تولّي 8 حكومات، بداية من عبد الرحيم الكيب، وعلي زيدان... ومروراً بحكومة فائز السراج في طرابلس، وأخرى موازية بقيادة عبد الله الثني في شرق ليبيا، ووصولاً إلى حكومتي عبد الحميد الدبيبة وفتحي باشاغا المتنازعتين على السلطة.

- حاول عديد المبعوثين الخاصين للأمم المتحدة جمع الأطراف المتنازعة على طاولة المفاوضات، ونجحت المحاولات في نهاية المطاف في عقد مؤتمرين عن ليبيا في برلين (بين عامي 2020 و2021) نظمتهما ألمانيا.

- في فبراير من عام 2021، اتفق الفاعلون الليبيون على حكومة مؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ضمن السلطة التنفيذية التي تضم محمد المنفي رئيساً للمجلس الرئاسي، مهمتها إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ديسمبر (كانون الأول) من العام ذاته.

- فشلت السلطة التنفيذية، في عقد الانتخابات الرئاسية والنيابية، لتدخل ليبيا مرة ثانية دوامة الانقسام السياسي بين حكومتي الدبيبة، التي تتخذ من طرابلس مقراً لها، وباشاغا «المستقرة» بين مدينتي سرت وبنغازي.

- تقول البعثة الأممية إلى ليبيا برئاسة عبد الله باتيلي، إن السنوات الـ12 الماضية شهدت أزمة لم تستثنِ أحداً من الليبيين، غير أنها أكدت كذلك تطلع الشعب للديمقراطية والسلام والعدالة. ولا تزال هذه الآمال قائمة، لكن دخول البلاد في دوامة من المراحل الانتقالية، فاقم من صعوبات الحياة اليومية للناس على المستويات كلها.

- ترى البعثة أن الاقتصاد الليبي بات غير مستقر، والخدمات الأساسية، مثل الماء والكهرباء، غير منتظمة، بالإضافة إلى أن الرعاية الصحية تعاني من نقص حاد في الموارد، وتلفت إلى أن الإجراءات القضائية باتت شبه معطلة، كما أن حقوق الإنسان غير مكفولة وسط مخاوف أمنية.

- لا يزال عديد من أزمات البلاد من دون حل، من بين ذلك توحيد مؤسسات الدولة، خصوصاً المؤسسة العسكرية المنقسمة بين شرق ليبيا وغربها، بالإضافة إلى وجود عديد من التشكيلات المسلحة التي لا تزال تعمل في البلاد، وتجد الحماية والإسناد من قوى سياسية وعسكرية على الأرض.

- انتهت البعثة الأممية إلى أنه لا يزال من الممكن الاستجابة لتطلعات الشعب الليبي وتحقيق سلام مستدام. لكن يتوجب على قادة ليبيا وضع مصالحها فوق مصالحهم الشخصية، ووضع حد للجمود السياسي الراهن، وتمكين الليبيين من اختيار قادتهم، خلال عام 2023، من خلال انتخابات شاملة وحرة ونزيهة.



متغيرات إقليمية تهدد أوزان الأحزاب في موسم الانتخابات العراقية

من جلسات القمة العربية في بغداد (رويترز)
من جلسات القمة العربية في بغداد (رويترز)
TT

متغيرات إقليمية تهدد أوزان الأحزاب في موسم الانتخابات العراقية

من جلسات القمة العربية في بغداد (رويترز)
من جلسات القمة العربية في بغداد (رويترز)

أدت مجموعة من القضايا في العراق إلى تسخين الأجواء باكراً مع تحضير القوى السياسية لخوض الانتخابات المقبلة. وهذه الانتخابات تبدو مصيرية على كل الصعد، نظراً لحجم الشحن و«التسقيط» (الاستهداف السلبي) السياسي والضخّ المالي والتصعيد الطائفي. غير أن أهمية هذه الانتخابات، المقرّرة في نهاية العام الحالي، لا تنحصر بكونها مجرد استحقاق انتخابي يتكرّر كل 4 سنوات، بل لكونها تحوّلت الآن إلى أشبه بمحاولة خروج من عنق زجاجة أزمة الحكم في العراق، خصوصاً أن هناك متغيرات إقليمية تهدد أوزان الأحزاب العراقية في موسم الانتخابات.

في ظل المتغيرات الإقليمية المحيطة بالعراق، ينشغل السياسيون العراقيون مبكراً بالتخطيط لخوض الانتخابات النيابية المحددة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، والتي يتوقع أن تحدث تغييراً جوهرياً في أوزان الأحزاب.وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا عبر الانتخابات المقبلة نهاية العام الحالي، التي يراد من خلالها تحقيق نتائج كبيرة بنتيجة تحالف سياسي كبير، يستفيد من وقائع عديدة. أهمها أولاً مخرجات قمة بغداد التي عقدت في مايو (أيار) الماضي، وثانياً طريق التنمية، وثالثاً جلب الشركات والدول للاستثمار. وأهمية هذه الانتخابات لا تنحصر بكونها مجرد استحقاق انتخابي يتكرّر كل 4 سنوات، بل بكونها تحوّلت الآن إلى أشبه بمحاولة خروج من عنق زجاجة أزمة الحكم في العراق، فيما يسعى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى إحداث تغيير عبر خوضه الانتخابات مع أوسع تحالف.وفي المقابل، وجدت القوى السياسية التي تخاصمه وحكومته أن «نجاح» السوداني في القمة العربية، يكسبه مزيداً من النقاط الإيجابية لخوض الانتخابات البرلمانية السادسة، التي تأتي بعد عام 2003، وسط انقسام غير مسبوق بين الفرقاء السياسيين. فالسوداني يرى أن دور بغداد يكمن في «جمع الأشقاء، كما هو دورها التاريخي، من أجل صياغة رؤية استراتيجية للمستقبل تضمن الأمن والاستقرار والتنمية والتكامل بين شعوبنا الشقيقة». وفي المقابل، وجدت القوى السياسية التي تخاصمه وحكومته أن «نجاح» السوداني في القمة العربية سيكسبه مزيداً من النقاط الإيجابية وسط تأهب العراق خلال شهور لإجراء الانتخابات البرلمانية السادسة، التي تأتي بعد عام 2003، وسط انقسام غير مسبوق بين الفرقاء السياسيين. مع هذا، بينما نجح خصوم السوداني في خلق جوّ مشحون أدّى في النهاية إلى تغيّب عدد من الزعماء العرب، فإن بغداد الرسمية التي هيّأت كل مستلزمات نجاح القمة نجحت في الخروج بقرارات مهمة على صعيد العمل العربي المشترك، في ظل تحديات غير مسبوقة.

وعلى الجانب الآخر، كان ضمن الإيجابيات ما كتبت عنه مئات من وسائل الإعلام العربية التي شاركت في القمة. إذ توزّع الإعلاميون العرب على 3 فنادق كبرى بالعاصمة العراقية بغداد، هي «الرشيد» و«قلب العالم» و«موفنبيك»، وتمكّنوا من تغطية وقائع القمة، من «القصر الرئاسي»، بفضل تسهيلات غير مسبوقة قدّمتها لهم الجهات العراقية الرسمية.

وكذلك غطّوا أجواء بغداد، التي لم تعد تنام الليل وسط حالة من الأمن والأمان بالقياس إلى فترات سابقة، خصوصاً أيام قمة بغداد السابقة عام 2012، حين أغلقت العاصمة تماماً، وفرض حظر التجوال لمدة 3 أيام تجنباً للتفجيرات والخروق الأمنية.

ملاعق القمة!

من جهة ثانية، عمليات «التسقيط» السياسي، التي سبقت القمة بأيام، استمرت بعدها بأيام، وكانت من قبل نوعين من الجهات داخل العراق. الجهة الأولى، هي التي لا تريد أي انفتاح عراقي على محيطه العربي أو أي انفتاح عربي على العراق. والجهة الثانية، هي التي لديها خصومات مع محمد شيّاع السوداني وحكومته نظراً لما تحقق خلال السنتين ونصف السنة الماضية من «لمسات»، سواء في بغداد أو في عدد من المحافظات، وهو ما قد يرفع أسهم رئيس الوزراء خلال الانتخابات البرلمانية نهاية العام الحالي.

الجهة الأولى فشلت في تحقيق هدفها، أي منع أي انفتاح متبادل بين العراق ومحيطه العربي، نظراً لما تحقق خلال القمة التي لم تقاطعها أي دولة عربية، بصرف النظر عن مستوى التمثيل. أما الجهة الثانية، فراحت في سياق «حربها» ضد القمة إلى البحث عن تفاصيل لا تعني أحداً، كالكلام عن استيراد ملاعق طعام (باللهجة العراقية «خواشيق») بنحو 12 مليون دولار أميركي. وللعلم، عندما قدّمت وجبة الطعام الوحيدة للزعماء العرب بعد الجلسة الأولى لم يكن لافتاً وجود ملاعق ذات ميزة مختلفة عما يقدم من ملاعق في أي وجبة طعام رئاسية أو ملوكية.

وطبعاً، كان الجانب الآخر من مساعي هذه الجهة زعمها أنها هي التي «منعت مشاركة عدد من الزعماء العرب» الذين تناوئهم أطرافها في بغداد، وفي مقدمهم الرئيس السوري أحمد الشرع، فضلاً عن الرئيس اللبناني جوزيف عون، الذي زار العراق بعد القمة، إثر تسوية، ما بدا أنها تصريحات أثارت لغطاً داخل العراق عن «الحشد الشعبي».

أجواء «التسخين»

في أي حال، لا يمرّ شيء مروراً عابراً في العراق. فبعد انتهاء القمة، وعودة الأجواء إلى طبيعتها، تلقت بغداد الرسمية عشرات التقارير عمّا يمكن عدّه وقائع مهمّة، إن كان على صعيد الرصد الإعلامي، أو المواقف السياسية. هذا الأمر بات يهيئ لمخرجات جديدة، تمثلت أساساً في رهانات بغداد لربطها جذرياً مع محيطها العربي والإقليمي في شراكات سياسية أو اقتصادية. وفي الوقت عينه، بدأت معركة موازية، بدأت بين مختلف الأطراف المناوئة لتطلعات السوداني للفوز بولاية ثانية. هذا لا يمكن أن يتحقق إلا عبر الانتخابات المقبلة نهاية العام الحالي، التي يراد من خلالها تحقيق نتائج كبيرة بنتيجة تحالف سياسي كبير، يستفيد من وقائع عديدة. أهمها أولاً مخرجات قمة بغداد، وثانياً طريق التنمية، وثالثاً جلب الشركات والدول للاستثمار.

أزمة حكم أم سلطة؟

في الواقع، ثمة «أزمة حكم» في العراق يراها مراقبون الآن «أزمة سلطة». والسبب تعدد الولاءات، وكون الآيديولوجيات والعقائد ليست وليدة الظروف الراهنة التي يمرّ بها العراق لدى تأهبه للاستحقاق الانتخابي السادس، بل أضحت عنواناً بارزاً لكل المراحل السابقة بعد عام 2003. وخصوصاً مع إسقاط دبابة أميركية تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس ببغداد، صبيحة 9 أبريل (نيسان) 2003. مع سقوط التمثال، انتهت حقبة من أزمة الحكم والسلطة الفردية في العراق، لتبدأ البلاد جولة جديدة من الأزمات السياسية.

هذه الجولة احتوت ظاهراً كل عناصر النجاح؛ من تداول سلمي للسلطة، وإجراء انتخابات في موعدها، وانتخاب برلمان، وتشكيل حكومة. إلا أنها حقّاً حملت وتحمل كثيراً من بذور الفشل بسبب الديمقراطية المشوهة والانقسامين الطائفي والعرقي، ما انعكس في توزيع المناصب على ضوء هذه المعادلة المذهبية العرقية، بدءاً من منصب رئيس الجمهورية، وصولاً إلى «فرّاشي» المدارس الابتدائية.

لذا، مع بدء التحضير للجولة السادسة من الانتخابات، باتت أزمة الحكم تلقي بظلالها الثقيلة على إمكانية تعديل طبيعة النظام الديمقراطي الذي توافق عليه العراقيون بعد عام 2003. ومع أن الانتخابات المقبلة، وهي السادسة بعد أول انتخابات عام 2005، إثر إقرار أول دستور دائم في العام ذاته، فإن التحضيرات لإجرائها تبدو اختباراً حاسماً يثير سؤالاً محورياً في مختلف الأوساط، هو؛ هل ستكون هذه الانتخابات فرصة حقيقية للتغيير... أم مجرّد حلقة إضافية في تكريس أزمة الحكم؟

للطائفية عنوان

المؤشرات المتاحة، ولغة الأرقام بشأن حجم الأموال التي تضخّ في هذه الانتخابات، والتصاعد الواضح في الخطابين الطائفي والعرقي، كلها ترجّح كفة التشاؤم. إذ تبدو فرص التغيير أمنية بعيدة المنال، بينما تزداد المؤشرات على استمرار «سمات الفشل» التي حكمت المشهد السياسي في العقدَيْن الماضيين.

ويضاعف من حجم التساؤلات غياب التغيير الحقيقي، حتى في أبسط الجوانب الخدمية، كملف الكهرباء، وهو الشريان الحيوي للحياة الاقتصادية والاجتماعية والتنموية. فمع أن العراق يُعدّ من أغنى دول المنطقة من حيث الموارد المالية، تشير التقارير الرسمية إلى أنه ينفق سنوياً ما يقارب 7 مليارات دولار على قطاع الكهرباء، في حين بلغ مجموع ما أُنفق على هذا القطاع منذ عام 2003 نحو 200 مليار دولار، من دون تحقيق تحسّن ملموس.

وإلى جانب أزمة الكهرباء، تعاني بقية القطاعات الخدمية والإنتاجية من ركود واضح، باستثناء تطوّرات محدودة شهدتها السنتان الأخيرتان من عمر حكومة رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني. إذ نجحت هذه الحكومة في إحداث تحوّل ملحوظ في البنية الخدمية للعاصمة بغداد، نال إشادة واسعة من أوساط سياسية وإعلامية، خصوصاً خلال القمة العربية الأخيرة في بغداد.

وعلى الرغم من ذلك، للصورة جانب آخر، يتمثّل في طبيعة إدارة الحكم وآليات توزيع السلطة والمناصب في العراق، فضلاً عن التداخل بين القوات الرسمية للدولة وقوى مسلحة أخرى، بعضها اكتسب صفة رسمية مثل «الحشد الشعبي»، رغم استمرار الجدل حول موقع الفصائل المسلحة داخله، ومدى خضوعها للقيادة الرسمية. وأيضاً، هناك «فصائل مسلحة» لا تتلقى أوامرها من الحكومة العراقية، بل تعدّ نفسها مرتبطة بتكليف «شرعي» صادر عن القيادة الإيرانية، خصوصاً إبان مرحلة ما عُرف بـ«محور الممانعة» المنهار بعد نحو سنتين من عملية «طوفان الأقصى». واستطراداً، لا يمكن إغفال وجود قوات «البيشمركة» الكردية التي تُعدّ جزءاً آخر من هذا التعدد الأمني والعسكري المعقّد.

وهكذا، من أبرز الإشكاليات البنيوية التي تواجه السلطة العراقية، تعدّد مراكز القرار وتضارب الصلاحيات، في ظل دستور عام 2005 الذي لم يمنح وضوحاً كافياً في توزيع السلطات والأدوار بين مختلف مستويات الحكم. وكمثال، لا يتعلق الخلاف بين بغداد وأربيل، بمسألة تحويل الأموال أو دفع رواتب موظفي إقليم كردستان فقط، بل يعود أساساً إلى إشكالية دستورية أعمق، ترتبط بطبيعة النظام الفيدرالي نفسه.

فعقب التغيير في عام 2003، كان الكرد والشيعة، لكونهما أبرز أطراف المعارضة لنظام صدام حسين، على توافق شبه كامل، تُرجم في صياغة سريعة لدستور عام 2005، وفي تبني نموذج فيدرالي للحكم من دون التعمّق في تبعاته المستقبلية، ومن دون أن يُحسب حساب ما قد تؤول إليه الأمور لاحقاً. ولكن بعد مرور عقدَيْن، تحولت العلاقة الثنائية من تحالف إلى خصومة مستحكمة دائمة.

الخلل في الدستور

السبب الجوهري لذلك يكمن في بنية النظام السياسي. إذ تبيّن أن الدستور الذي كان ثمرة اتفاق مرحلي، أصبح اليوم عبئاً مشتركاً بين الطرفَيْن. ثم إن الفيدرالية، التي منحت للكرد مرونة سياسية من قِبل الأطراف الشيعية في تلك المرحلة، تحولت إلى أزمة حكم، ولا سيما بعدما أحكمت القوى الشيعية، بحكم غالبيتها السكانية، سيطرتها الكاملة على مؤسسات الدولة، ما هزّ التوازن السياسي تماماً. في ظل هذه الأجواء يتجه العراقيون نحو الانتخابات البرلمانية المقبلة، المقررة بنهاية العام الحالي، وسط أجواء مشحونة بالمال، باتت موضع جدل واسع حتى داخل أروقة الطبقة السياسية، ولا سيّما قيادات الصفّ الأول.

لكن التمويل الانتخابي لا يقتصر على الجانب المالي فحسب، بل امتدّ ليشمل التحريض الطائفي والعرقي، واستثمار قضايا اجتماعية وثقافية قابلة للتسييس، بهدف التأثير على جمهور متنوّع في وعيه وثقافته وانتماءاته، ما يجعله عرضة للاختراق والتوجيه.

كذلك يميّز المشهد الحالي، للمرة الأولى منذ 2003، أن الطبقة السياسية بدأت تشعر بوجود تهديد فعلي لمواقعها ونفوذها، في ضوء متغيرات إقليمية لافتة في محيط العراق، عربياً وإيرانياً. وعليه، تُشكل الانتخابات المقبلة نقطة مفصلية؛ فإما تكون فرصة لبعض القوى لإحداث تغيير حقيقي في معادلة توزيع المناصب السيادية العليا، أو تتحول كالعادة إلى «محطة» أخرى على «سكة» تكريس أزمة الحكم، التي لا تتجاوز كونها توزيعاً تقنياً لمقاعد البرلمان، تُبنى عليه محاصصة سياسية للوزارات والمناصب، من دون أي مساس جوهري ببنية النظام أو الدستور، ما يعني في نهاية المطاف بقاء الوضع على ما هو عليه.

محمد شياع السوداني (رووداو)

بغداد وأربيل... الإشكالية الدائمة

> في ضوء كل ما يمكن تسليط الضوء عليه عراقياً، يستحيل تخطي العلاقة المتشابكة والمتداخلة بين الحكومة العراقية وسلطة إقليم كردستان العراق. فهي تمثّل جوهر أزمة الحكم في ظل دولة تعددية اختارت طبقاً للدستور النظام الفيدرالي، لكنها أخفقت في تطبيقه كما يجب. وفي حين يقال إن القوى السياسية المهيمنة في بغداد تستغل الخلافات الحزبية - الحزبية في أربيل، فإنه وبالتزامن مع تحذير رئيس حكومة «الإقليم» مسرور بارزاني لبغداد - مذكراً إياها بنتائج «سياسة التجويع» - دخلت واشنطن على خط الأزمة، وإن بمنظور مختلف نسبياً. بغداد تراهن على خلافات بدأت تطفو على السطح بين الأحزاب الكردية بشأن أزمة الرواتب، بينما تراهن أربيل على المواقف الدولية، وخصوصاً موقف واشنطن الداعم، ولقد جاءت دعوة وزارة الخارجية الأميركية بشأن أزمة الرواتب موجهة، ليست للحكومة الاتحادية فقط، بل لحكومة الإقليم. وفي حين بدا موقف «الاتحاد الوطني الكردستاني» بزعامة بافل طالباني بشأن الأزمة مع بغداد مختلفاً عن موقف «الحزب الديمقراطي الكردستاني» وحكومة الإقليم، قررت بغداد عدم إرسالها الوفد الرسمي الحكومي والحزبي للتباحث بشأن أزمة الرواتب، بعد إعلانه الأسبوع الماضي عزمها على إرسال وفد رفيع المستوى بزعامة هادي العامري زعيم منظمة «بدر» المقرّب من الزعيم الكردي مسعود بارزاني. وفي سياق الجدل بين الطرفين، الذي يبدو أنه آخذ بالتصاعد، وبينما تنشط أطراف من «الإطار التنسيقي» في اللعب على وتر الخلاف بين الحزبين الكرديين الكبيرين في السليمانية وأربيل، دعا الموقف الأميركي الرسمي الطرفين إلى حل الخلاف، ورآه مراقبون حيادياً من شأنه تعزيز أوراق بغداد في سياق أي مباحثات رسمية أو موازية بين الجانبين.