هل بات لاجئو سوريا ونازحوها ممرّاً للرئاسة اللبنانية؟

وسط المطالبات والتجاذبات السياسية

لاجئون سوريون في لبنان (أ.ب)
لاجئون سوريون في لبنان (أ.ب)
TT

هل بات لاجئو سوريا ونازحوها ممرّاً للرئاسة اللبنانية؟

لاجئون سوريون في لبنان (أ.ب)
لاجئون سوريون في لبنان (أ.ب)

ينفي رسميون لبنانيون أن قراراً جديداً «غير معلن» بالتحرك للضغط باتجاه إعادة اللاجئين والنازحين السوريين إلى بلادهم، والتضييق عليهم لتفضيل العودة على البقاء، كان السبب الرئيس وراء استنفار الأجهزة الأمنية والبلديات لملاحقة المخالفين الذين لا يحملون أوراقاً رسمية تخوّلهم البقاء في لبنان.

في الواقع، الحملة الأمنية الكبيرة التي استهدفت المخالفين ترافقت مع حملة أكبر على وسائل التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام تدفع باتجاه إعادتهم «بأي طريقة». الأمر الذي أدى إلى تلقف الحكومة الكرة لتنظيم الوضع وتصويبه.

وهكذا كان، إذ كلف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي كلاً من المدير العام للأمن العام بالإنابة العميد إلياس البيسري ووزيري العمل والشؤون الاجتماعية متابعة موضوع إعادة النازحين السوريين، والتأكيد على التدابير والإجراءات المتخذة من قبل الجيش والأجهزة الأمنية كافة بحق المخالفين، خاصةً لجهة الداخلين بصورة غير شرعية وغير الحائزين على الوثائق الرسمية والقانونية. وأيضاً الطلب من المفوضية العليا لشؤون النازحين تزويد وزارة الداخلية والبلديات بالمعطيات (البيانات) الخاصة بالنازحين السوريين على أنواعها، على أن تسقط صفة النازح عن كل شخص يغادر الأراضي اللبنانية.

مراقبة العمالة

من الإجراءات الحكومية اللبنانية الجديدة، الطلب من وزارة العمل التشدد في مراقبة العمالة ضمن القطاعات المسموح بها، والطلب من وزير العدل البحث في إمكانية تسليم الموقوفين والمحكومين للدولة السورية بشكل فوري مع مراعاة القوانين والاتفاقيات ذات الصلة.

ولقد ألقت الحكومة ووزارة الداخلية بالحمل الأكبر في موضوع التشدد في التعامل مع النازحين السوريين المخالفين على عاتق البلديات - التي تئن أصلاً من تراجع إيراداتها وعجزها عن دفع رواتب موظفيها - كي يقوموا بالمهام المطلوبة منهم لجهة إحصاء النازحين والتأكد من حيازتهم الأوراق الرسمية التي تتيح لهم البقاء في لبنان والعمل في بعض القطاعات. وهذا ما دفع عدداً كبيراً من رؤساء البلديات لرفع الصوت، ما يهدد بسقوط الإجراءات الحكومية عند مفترق التطبيق والخطوات العملية.

خلفيات «رئاسية»

سياسياً، لطالما كان التيار الوطني الحر (التيار العوني) «رأس حربة» في المطالبة بإعادة النازحين. ونتيجة خطابه المتشدد في هذا المجال طوال السنوات الماضية وُجهت إليه اتهامات حادة بـ«العنصرية». ولكن كان لافتاً كيف لاقى «التيار» في الأيام الماضية بحذر الحملة الأخيرة ضد النزوح السوري. وهو ما عبّر عنه رئيسه النائب جبران باسيل الذي تحدث عن «خشية من التحريض المذهبي والعنصري والفئوي الحاصل والمبرمج حالياً بلبنان ضد النازحين». وحثّ على «الاستفادة من الحوار والتفاهم السوري – السعودي - الإيراني، لتأمين عودة لائقة آمنة وكريمة للنازح السوري من خلال إعادة إعمار سوريا ولبنان؛ وليس من خلال خلق فتنة جديدة بين اللبنانيين والسوريين، نتيجتها خدمة المشروع التقسيمي».

من جهة ثانية، شنّ العونيون أخيراً حملة مكثفة للتذكير بأنهم كانوا «أول وأبرز من طالب بإعادة النازحين»، واتهموا القوى التي تدفع اليوم بهذا الاتجاه «بتنفيذ أجندات داخلية وخارجية معينة». وعدّ ناشطون في «التيار» أن «حزب الله» وحلفاءه حرّكوا هذا الملف بهدف تعزيز حظوظ رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية الرئاسية، وبخاصة أنه فرنجية كان قد قال في غير إطلالة إنه «قادر على أن يحقق إنجازات في هذا الملف أكثر من أي رئيس آخر لعلاقته الوطيدة بالرئيس السوري بشار الأسد». وذهب بعضهم باتجاه إقحام قائد الجيش العماد جوزيف عون بالملف، معتبرين أن من مصلحته تحريكه أمنياً للقول إنه إذا انتُخب رئيساً سيكون قادراً على ضبط الوضع وإعادة النازحين إلى بلادهم.

تسجيل نقاط... واستهلاك سياسي

في هذا السياق، قال الدكتور سامي نادر، مدير معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية في بيروت، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، معلّقاً: «مما لا شك فيه أن توقيت فتح ملف العودة اليوم مرتبط بالسباق الرئاسي اللبناني... وهو يشكل مادة لتسجيل النقاط وللاستهلاك السياسي. هذا ما يحصل، ليس في لبنان فقط، بل في تركيا وأوروبا وأميركا أيضاً، حيث الكل يلعب ورقة المهاجرين عشية الاستحقاقات الرئاسية أو النيابية».

العميد المتقاعد خليل الحلو، وافق نادر رأيه، ويؤكد أن «جماعة الممانعة هي التي حركت ملف العودة في الفترة الخيرة لاعتبارات مرتبطة بالملف الرئاسي، خاصةً مع خروج سليمان فرنجية ليعدنا بحلول سحرية لحل أزمة النزوح». وبالفعل، كان لافتاً خروج الحزب السوري القومي الاجتماعي للدفع باتجاه العودة لأول مرة منذ 12 سنة، وهو ما وضعه كثيرون في خانة دعم حظوظ فرنجية الرئاسية. إذ ذكر الحزب في بيان: «بعد أكثر من 6 سنوات على وقف إطلاق النار في المدن والبلدات السورية، بات من الضروري عودة كل النازحين في لبنان إلى مدنهم وبلداتهم، انطلاقاً من حاجة تلك المناطق إلى أبنائها اجتماعياً وتنموياً، وكي يرفعوا عن بلادهم عبء استخدام ملف النزوح كورقة سياسية للضغط على الحكومتين في دمشق وبيروت، ولا سيّما أنهم يُستخدمون كورقة ضغط محلياً ودولياً».

أما «حزب الله» فواكب هذه الحملة وأبلغ مسؤول ملف النازحين في الحزب النائب السابق نوار الساحلي، المدير العام للأمن العام بالإنابة العميد إلياس البيسري «استعداد (حزب الله) دائماً لإبداء أي مساعدة في تسريع هذا الملف»، واضعاً «إمكانية الحزب الكاملة في سبيل تحقيق الأهداف التي تساهم في تحسين الأوضاع في لبنان».

«التقدمي الاشتراكي» يتمايز

وفي حين تجاوزت كل القوى السياسية خلافاتها وصراعاتها لتتكاتف في هذا الملف لاعتبارها أنه بات «يهدد وجودياً لبنان واللبنانيين»، تمايز الحزب التقدمي الاشتراكي في موقفه، ولم يبدُ رئيسه أو مسؤولوه متحمسين لإعادة النازحين. وقالت مصادر الحزب إنه «لا أحد يريد إبقاء النازحين السوريين في لبنان إلى الأبد، إنما المطلوب البحث في الآليات المثلى التي تضمن سلامتهم. وهي لا تبدو متوافرة عند النظام السوري، الذي راوغ في هذه المسألة منذ سنوات وأعاد كل الوفود اللبنانية الرسمية وغير الرسمية التي زارت دمشق خالية الوفاض».

وعدّ مصدر «تقدمي اشتراكي» في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «ما لم تتوافر ضمانات معينة تتيح عودة آمنة ولائقة وكريمة لهم، سنبقى على تحفظنا، فلبنان لا يستطيع أن يتنكّر لدوره التاريخي في أن يكون ملجأ للمضطهدين. كما أن التعويم السياسي الذي يعيشه في هذه الحقبة النظام السوري يضاعف من مخاوف دفع النازحين إلى قدَر مجهول ما لم تترافق خطوات (التطبيع) السياسي مع خطوات ملموسة ومواقف حاسمة تحمي النازحين».

ورأى المصدر أن «توقيت فتح هذا الملف مشبوه، والمقاربات العنصرية التي نسمعها من هنا وهناك من شأنها أن تؤجج التوتر، وتدفع الأمور إلى ما لا يحمد عقباه في مختلف المناطق التي تشهد اختلاطاً ملحوظاً». وشدد على أن «المطلوب اليوم تهدئة النفوس مجدداً واعتماد العقلانية سبيلاً وحيداً للتعامل مع هذا الملف الحساس، بعيداً عن الشعبوية أو العنصرية المقيتة». وأضاف: «أما إذا كانت الجهات الرسمية اللبنانية قادرة على دفع دمشق في اتجاه إعادة النازحين وحمايتهم والحفاظ على سلامتهم، وهو أمر مستبعد جداً، فعندئذ لكل حادث حديث. المطلوب اليوم الإقلاع عن التوتير السياسي والإعلامي والميداني وعدم تحميل النازحين السوريين كل مصائب لبنان ومفاسده».

صراع «التيار» ـ «القوات»

من جهة ثانية، شهد ملف «النزوح» كثيراً من الأخذ والرد بين «العونيين» و«القواتيين» (حزب «القوات اللبنانية»)، خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي، مع اتهام مناصري «التيار» مناصري «القوات» بـ«الدخول متأخرين على الخط وتنفيذ أجندات إقليمية أثبتت فشلها».

وردّ رئيس جهاز الإعلام والتواصل في «القوات اللبنانية» شارل جبور على كل هذه الاتهامات محملاً مسؤولية «الدخول العشوائي للنازحين إلى لبنان لحكومة (8 آذار) التي كانت قائمة مع انطلاق حملات النزوح، التي كان لباسيل حصة الأسد فيها، المتمثلة بـ11 وزيراً». ولفت جبور في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «في المرحلة الأولى كنا أمام مسألة من طبيعة إنسانية، لكن عندما توقفت الحرب قبل نحو 5 سنوات اعتبرنا أنه حان الوقت لعودة النازحين. لذلك رفعنا الصوت وقمنا بخطوات عملية في هذا السياق بخلاف الأداء الشعبوي لقوى أخرى، فتقدمنا بمشروع لنقل النازحين إلى الحدود من الجانب السوري، لكننا لم نجد تجاوباً في الداخل، ولا في الخارج، وكان الموضوع يستخدم في الداخل لتسجيل النقاط السياسية». واعتبر جبور أن «مَن يمنع إعادة النازحين اليوم هم حلفاء باسيل، أي (حزب الله) والأسد، لاعتبارات ديموغرافية معروفة».

وغير بعيد عن هذا الشأن، برز تصعيد رئيس الجمهورية السابق ميشال عون في موضوع النزوح، وقوله إن «أغلب الدول الأوروبية لا تريد النازحين، وتريد أن تفرضهم علينا وأن يبقوا عندنا». وعدّ عون أن «النازح السوري أتى إلى لبنان وارتاح هنا، وهو نازح أمني، لا سياسي. لكن الدول تفرض علينا أن نفكر بأن النازح السياسي هو مثل النازح الأمني، وهذه كذبة فيها وقاحة». وأردف: «نحن نعلم من سبّب دخول النازحين السوريين إلى لبنان، وكانت هناك دول خلف ذلك الأمر، وضغطت علينا للإتيان بهم». ثم تابع أنه «نبّه الحكومات المتتالية إلى خطورة نتائج النزوح، لكنها لم تكن على قدر كافٍ من الوعي، لاتخاذ الإجراءات أو المواقف السياسية أو الإنسانية اللازمة».

العودة صعبة المنال!

في أي حال، يُجمع الخبراء على أن تحقيق عودة النازحين لن تكون بالسهولة التي يعتقدها البعض، وأن المسار سيكون طويلاً ومعقداً. وهذا ما يقوله الدكتور نادر (مدير معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية) عندما يوضح أن «موضوع النزوح السوري يشكل مشكلة أكبر من الأزمة المالية - الاقتصادية التي نرزح تحتها لأننا هنا نتحدث عن احتمال تغيير ديموغرافي، يعني تهديداً وجودياً، فالخوف ليس حصراً من عدد النازحين الحالي، إنما من عدد الولادات التي تخطت نسبة الولادات اللبنانية».

وتابع نادر لـ«الشرق الأوسط» شارحاً أن «ملف العودة كان يحشر في السابق أخصام الأسد الذين كانوا يرفضون التكلم معه لإعادتهم. أما اليوم فهو يحشر حلفاءه، ولا سيما المرشحين للرئاسة، باعتبار أنه هو وسياسته أديا إلى النزوح، وهو نفسه اليوم لا يسهل العودة». ويعدّ نادر أن «تحقيق العودة صعب جداً، لأن الأسد الذي أخرجهم لن يعيدهم. وطالما هذا النظام موجود لن تكون هناك العودة المنشودة... وإن كنا سنشهد عودة قسم منهم إلى المناطق المحرّرة وإلى شمال سوريا والجنوب السوري بإطار سياسة هادفة فاعلة».

ويحمّل الحلو في لقائه مع «الشرق الأوسط» كلاً من «نظام الأسد و(حزب الله) والميليشيات المتعاونة مع إيران والقصف الجوي الروسي للمنشآت الحيوية في المدن والقرى مسؤولية تهجير السوريين»، معتبراً أن «وجودهم العشوائي في لبنان يتحمل مسؤوليته من جهة (السياديون) الذين رفضوا وضع النازحين في مخيمات تضامناً معهم... ومن جهة أخرى (حزب الله) وحلفاؤه الذين كان يخشى تسليحهم واستخدامهم ضده».

وإذ يدعو الحلو إلى «مقاربة عقلانية - قانونية للملف، بعيداً عن الغوغائية»، يشدد على وجوب الابتعاد قدر الإمكان عن أي مقاربة عنصرية للملف.

ولا تبدو قراءة رياض قهوجي، رئيس مركز «الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري - أنيغما»، بعيدة عن قراءتي نادر والحلو للمعطيات الراهنة. إذ يوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا الملف مرتبط بأمور كثيرة داخلية وخارجية»، مشيراً إلى وجود «أطراف مستفيدة من وضع النازحين عبر جمعيات توفر مدخولاً مالياً لها من جهات دولية. كما أن النظام السوري يستخدم النازحين كأداة ابتزاز ضد لبنان والمجتمع الدولي، والقوى الغربية بقيادة أميركا لا تدعم العودة قبل حل سياسي للأزمة السورية وتطبيق إصلاحات حسب قرار مجلس الأمن... لأن هذه العودة تتطلب دعماً مالياً لإعادة الإعمار، وهو ما لا تريد أن تُقدم عليه بوجود نظام الأسد بشكله الحالي».

ولا يستبعد قهوجي أن يكون للانتخابات الرئاسية «دور في إثارة هذا الموضوع لإظهار ضخامة المشكلة ومحاولة بعض الجهات عرض نفسها كمدخل للحل في حال تسلمت السلطة»، قبل أن يختتم بالقول: «لا أعتقد أن هذا الملف قابل للحل دون دعم أميركي - غربي».

الوجود السوري في لبنان... بالأرقام

- يُقدر العدد الإجمالي للاجئين والنازحين السوريين الموجودين بلبنان بحوالي مليوني سوري، بحسب الأمن العام اللبناني، أي ما نسبته تقريباً 35 في المائة من سكان لبنان. ومن بين هؤلاء 804326 مسجلاً لدى مفوضية اللاجئين.

- بحسب المفوضية، تستضيف منطقة جبل لبنان أكبر عدد من النازحين (385033 نازحاً)، يليها سهل البقاع (352110 نازحاً) ثمّ الشمال (200762 نازحاً).

- يتوزع النازحون على 1000 بلدة من البلدات اللبنانية الـ1050، بحسب وزارة الشؤون الاجتماعية.

- هناك نحو 200 ألف طفل سوري ولدوا في لبنان منذ بداية الأزمة، أي بمعدل 20 ألفاً سنوياً، وقد ارتفعت هذه الأرقام وفق آخر إحصاء لتصل إلى 50 ألف ولادة سنوياً مقابل 70 ألف ولادة لبنانية.

- أعيد 540 ألف سوري تم إعادتهم إلى سوريا ضمن إطار العودة الطوعية، وفق الأمن العام اللبناني.

- عام 2022 نُقل ما يقارب 8300 نازح من لبنان إلى بلد ثالث، وهذه زيادة بنسبة 24 في المائة مقارنة بعام 2021.

- تلقى لبنان ما يقارب 9.3 مليار دولار أميركي منذ عام 2015 لدعم اللاجئين السوريين واللبنانيين واللاجئين الفلسطينيين والمؤسسات العامة في إطار خطة لبنان للاستجابة للأزمة.

- بحسب المفوضية، 90 في المائة من النازحين السوريين في لبنان يعيشون في فقر مدقع، وأقل من 1 في المائة منهم يتمتعون بالأمن الغذائي.

- بحسب تصريحات للواء عباس إبراهيم، مدير عام الأمن العام اللبناني سابقاً، عام 2022، فإن 42 في المائة من مجموع السجناء في لبنان من الجنسية السورية. لكن هذه النسبة تدنت وهي تبلغ حالياً 29.8 في المائة.

- تكلفة النزوح السوري على لبنان تجاوزت 40 مليار دولار، وفق الرئيس السابق ميشال عون.

- أبرز الأسباب التي يقول اللاجئون والنازحون إنها تحول دون عودتهم، هي عدم توفر السلامة، انعدام الأمن، الافتقار إلى المسكن، نقص الخدمات الأساسية وسُبل العيش. ويضاف إلى ما سبق الخوف من الاعتقال والاحتجاز وفرض الالتحاق بالخدمة العسكرية.


مقالات ذات صلة

مقتل 5 في إطلاق نار بشمال فرنسا... والمشتبه به يسلم نفسه للشرطة

أوروبا عنصر من الشرطة الفرنسية في ستراسبورغ (أ.ف.ب)

مقتل 5 في إطلاق نار بشمال فرنسا... والمشتبه به يسلم نفسه للشرطة

نقلت وسائل إعلام فرنسية عن مصادر أمنية، السبت، أن اثنين من رجال الأمن ومهاجرَين قُتلوا بإطلاق نار في لون بلاج بالقرب من مدينة دونكيرك الشمالية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا منظمة «أطباء بلا حدود» تنقذ مئات المهاجرين على متن قارب في البحر الأبيض المتوسط (أ.ب)

بسبب القوانين... «أطباء بلا حدود» تُوقف إنقاذ المهاجرين في البحر المتوسط

أعلنت منظمة «أطباء بلا حدود»، الجمعة، وقف عملياتها لإنقاذ المهاجرين في وسط البحر الأبيض المتوسط بسبب «القوانين والسياسات الإيطالية».

«الشرق الأوسط» (روما)
المشرق العربي مهاجرون جرى إنقاذهم ينزلون من سفينة لخفر السواحل اليوناني بميناء ميتيليني (رويترز)

اليونان تعلّق دراسة طلبات اللجوء للسوريين

أعلنت اليونان التي تُعدّ منفذاً أساسياً لكثير من اللاجئين إلى الاتحاد الأوروبي، أنها علّقت بشكل مؤقت دراسة طلبات اللجوء المقدَّمة من سوريين

«الشرق الأوسط» (أثينا)
العالم العربي دول أوروبية تعلق البت في طلبات اللجوء المقدمة من سوريين (أ.ف.ب)

دول أوروبية تعلق طلبات اللجوء المقدمة من سوريين بعد الإطاحة بالأسد

علقت دول أوروبية كثيرة التعامل مع طلبات اللجوء المقدمة من سوريين بعد استيلاء المعارضة على دمشق وهروب الرئيس بشار الأسد إلى روسيا بعد 13 عاماً من الحرب الأهلية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)

جزر الباهاماس ترفض اقتراح ترمب باستقبال المهاجرين المرحّلين

قالت صحيفة «الغارديان» البريطانية إن جزر الباهاماس رفضت اقتراحاً من إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب المقبلة، باستقبال المهاجرين المرحَّلين.

«الشرق الأوسط» (لندن)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
TT

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ مستوياتها منذ تفكّك الاتحاد السوفياتي السابق، وجرى تقويض كل قنوات الاتصال السياسية والدبلوماسية والأمنية. وحتى «الخط الساخن» الذي طالما عوّل عليه البلدان لمواجهة الظروف الطارئة وتجنّب الانزلاق إلى احتكاكات مقصودة أو غير مقصودة، جرى تجميده كلياً. كانت تلك، وفقاً لمسؤولين روس، أسوأ أربع سنوات في العلاقات، ولقد تحوّلت فيها الولايات المتحدة إلى خصم مباشر، و«شريك رئيس في الحرب الهجينة ضد روسيا». ولم ينعكس التدهور فقط في ملفات أوكرانيا والأمن الاستراتيجي والوضع في أوروبا - وهي القضايا المركزية التي تشغل بال الكرملين - بل أيضاً امتد في تأثيره بعيداً عن الجغرافيا الحيوية لروسيا... ليصل إلى الملفات الإقليمية الساخنة في الشرق الأوسط التي شهدت تصعيداً متواصلاً فاقم تأجيج الأزمة في العلاقات.

بمجرد اتضاح نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، بدأ محللون روس في وضع «سيناريوهات» للتقارب مع الإدارة الجمهورية الجديدة في واشنطن. ولطالما كان ينظر في موسكو للرئيس المنتخب دونالد ترمب على أنه «قادر على إعادة تشغيل العلاقات مع موسكو»، والتوصل إلى تسويات أو «صفقات» حول القضايا الأكثر خلافية.

بيد أن الكرملين كان قد خاض تجربة مريرة مع ولاية ترمب الأولى، عندما بدا الرئيس - المتهم بالتعاون سرّاً مع روسيا - عاجزاً عن مواجهة تركة باراك أوباما الثقيلة في العلاقة مع موسكو. لذلك لم ينجح التفاؤل الروسي في حينه، ولا الخطوات المحدودة التي انتهجها ترمب في تحسين العلاقات جدياً، ووضع «سيناريوهات» للتعاون في ملفات دولية أو إقليمية. بل بالعكس من ذلك، فقد واجهت روسيا في ولاية ترمب السابقة أضخم رُزم عقوبات فرضتها واشنطن. ومن ناحية ثانية، فشل الطرفان أيضاً في تحسين شروط التعاون حيال ملفات إقليمية مهمة، فتدهور الوضع حول إيران بعد انسحاب ترمب من الاتفاقية النووية، وتراجع الأخير عن تنفيذ تعهد الانسحاب من سوريا.

ثلاثة أفخاخ

بناءً عليه، بدت موسكو أكثر حذراً هذه المرة وهي تستقبل أنباء فوز ترمب الساحق. وحقاً، تجنّبت تعليق آمال جدية، بانتظار ما ستقدم عليه الإدارة الجديدة من خطوات عملية فور تسلم الرئيس منصبه رسمياً في يناير (كانون الثاني) المقبل.

لكن هذا لم يمنع التوقّعات المتشائمة، التي غلبت على العلاقة، من البروز بشكل مباشر أو غير مباشر. والحال أن موسكو تبدو حالياً ضعيفة الثقة بقدرة «ترمب الجديد» على تجاوز التغيّرات الكبرى التي شهدتها الأوضاع الإقليمية والدولية خلال السنوات الأخيرة. وفي هذا الإطار، أجمل أليكسي بوشكوف، عضو مجلس الشيوخ الروسي وأحد خبراء السياسة المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين، المأزق الذي يواجه ترمب بأنه يشتمل على «ثلاثة أفخاخ صعبة».

الفخ الأول، بطبيعة الحال، هو ملف أوكرانيا: فلقد استثمرت الولايات المتحدة بالفعل الكثير في أوكرانيا لدرجة أنها ما عادت تعرف كيفية الخروج من هذه الأزمة. وهنا لا تتوقف موسكو كثيراً عند الوعود الانتخابية لترمب بإنهاء الحرب في 24 ساعة. ويتساءل بوشكوف: «هل ستتخلى واشنطن عنها مثل أفغانستان؟ لم يعد يمكنها ذلك». أو تكمل ما بدأته الإدارة الديمقراطية؟ عندها... وكما حذّر ترمب بحق، فإن هذا قد يؤدي إلى صراع نووي مع روسيا. تدرك موسكو حجم الصعوبات التي تواجه ترمب في هذا الملف.

أما الفخ الثاني، فهو شرق أوسطي. وهنا - حسب بوشكوف - «لا يمكن لترمب التراجع عن دعم إسرائيل بسبب وجود لوبي قوي جدّاً مؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة. لكنه لا يستطيع دعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علناً في كل ما يفعله، لأن هذا يضرّ بمكانة الولايات المتحدة في العالم العربي (...) ولأن المخطط الأميركي لمصالحة إسرائيل مع جيرانها ما زال موضع شك. لقد حاولت الولايات المتحدة إخراج إسرائيل من عزلتها في المنطقة... لكن هذا المدخل لم يعد يعمل. وعلاوة على ذلك: يُصرّ العالم العربي على إقامة الدولة الفلسطينية، وهو ما ترفضه إسرائيل بشكل قاطع. إذن فهذا أيضًاً فخ».

وأما الفخ الثالث فهو تايوان. ووفقاً لبوشكوف: «من الممكن أن تصبح قضية تايوان فخاً كبيراً للولايات المتحدة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ستدعم أوروبا الأميركيين إذا دخلت الولايات المتحدة في صراع مع الصين؟ لقد قوّضت أوروبا نفسها اقتصادياً بشدة بالفعل بسبب انفصالها عن روسيا. وإذا فتحت أيضاً معركة مع الصين، التي يبلغ حجم تجارة الاتحاد الأوروبي معها تريليون دولار أميركي، فمن المرجح أن ينهار الاقتصاد الأوروبي ببساطة».

قنابل موقوتة

السياسي الروسي يرى أن «الأفخاخ الثلاثة» تمثل قنابل موقوتة بالنسبة إلى دونالد ترمب... مهما كانت طبيعة التركيبة النهائية لفريقه الرئاسي، أو خطواته الأولى على صعيد السياسة الخارجية.

فضلاً عن ذلك، يرى بوشكوف، أن ترمب الذي تعهد بإيلاء القدر الأكبر من الاهتمام للإصلاح الداخلي، سيواجه صعوبة كبرى في إيجاد توازن بين الانكفاء إلى الداخل من أجل تحسين الأداء الاقتصادي ومواجهة الهجرة و«إعادة أميركا عظيمة» بقدراتها واقتصادها ومستوى المعيشة لشعبها، وبين العمل بسرعة لتنفيذ وعود انتخابية بإنهاء حروب وتقليص التوتر في أزمات خارجية. ويضيف متسائلاً: «كيف يمكن أن تكون أميركا عظيمة مجدّداً... وهي تنكفئ في السياسة الدولية؟».

تبدو موسكو حالياً ضعيفة الثقة بقدرة «ترمب الجديد» على تجاوز

التغيّرات الكبرى التي شهدتها الأوضاع الإقليمية والدولية خلال السنوات الأخيرة

تباين حيال التسوية في الشرق الأوسط

لا يبدو أن موسكو تثق كثيراً بقدرة ترمب على لعب دور نشط لإنهاء الحرب على غزة ولبنان، ودفع الإسرائيليين إلى التوصّل لحلول سياسية تعيد الهدوء - ولو نسبياً - إلى الشرق الأوسط.

وهنا، يذكر خبراء أن المدخل الأميركي السابق قام على أساس تعزيز اتفاقات تطبيع وفرض سلام من نوع خاص، لا يؤدي إلى تسوية سياسية حقيقية تنهي العنف في المنطقة وتنزع ذرائعه.

وترمب نفسه أعرب خلال فترة ولايته الرئاسية الأولى عن نيته التوسط في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكنه أظهر لاحقاً التقارب مع إسرائيل من أجل كسب دعم المانحين الرئيسيين والناخبين الرئيسيين، وخاصة الصهاينة المسيحيين الإيفانجيليين.

بحسب خبراء، هذا الموقف يتوافق مع النهج القائل: «أميركا تفعل ما تريد، وبالتالي أصدقاء أميركا يفعلون ما يريدون». مع الإشارة هنا إلى أن هذا النهج المائل إلى عقد «صفقات» ينصّ على «امتيازات خاصة للحلفاء كدفعة مقابل الأمن». غير أن موسكو ليست مقتنعة بأن هذا المدخل سيعزّز طريق الحلول النهائية للمنطقة.

ومقابل القناعة الروسية بالعودة إلى الآليات التي توافر عليها نوعٌ من الإجماع الدولي، كإحياء «الرباعية الدولية» وتوسيعها بضم بعض الأطراف الإقليمية المهمة (المملكة العربية السعودية ومصر وجامعة الدول العربية)، وأيضاً العودة إلى مبادئ التسوية القائمة على أساس رفض التوسّع الجغرافي للاحتلال، وإعلاء «مبدأ حل الدولتين» ووضع خرائط طريق جديدة بينها «المبادرة العربية للسلام»، فإن مدخل ترمب يقوم على عقد صفقات سريعة للتهدئة، وترك المناطق أمام «برميل بارود» قابل للانفجار مجدداً في أي وقت.

في هذا الإطار لا يتوقّع خبراء روس أن تكون التسوية في الشرق الأوسط بين أولويات الحوار المنتظر مع الإدارة الأميركية الجديدة، بالنظر إلى أن هذا الموضوع فيه تباعد واسع في وجهات النظر، ولا يدخل ضمن الملفات التي قد يكون بوسع الطرفين التوصل إلى صفقات حولها.

وفي الوقت ذاته، ترى موسكو - وفقاً لتحركات محدَّدة برزت في سوريا، ومن خلال حوارات مكثفة أجريت غالباً خلف أبواب مغلقة مع الجانب الإسرائيلي - أن بوسعها لعب دور أساسي في تأكيد دورها بضمان أمن إسرائيل من جهة سوريا وإيران مستقبلاً. وهو ما يعني أن هذا الموضوع قد يكون جزئياً على طاولة حوار روسي - أميركي في وقت لاحق.

تأهب للحوار حول سوريا

في هذه الأثناء، لدى الأوساط الروسية نظرة إيجابية، ولكن حذرة، بشأن احتمالات سحب ترمب القوات الأميركية من سوريا إبان ولاية ترمب الجديدة.

موسكو تتذكر الإرادة الأميركية في الانسحاب من سوريا إبان ولاية ترمب السابقة، لكن يومذاك كان التهديد الإرهابي ما زال نشطاً، والخطوط الفاصلة ومناطق النفوذ لم تكن قد تبلورت بشكل شبه نهائي. لذا يرى خبراء روس أن ترمب عندما يتكلّم عن سحب القوات حالياً فهو ينطلق من واقع ميداني وسياسي جديد. وبالتالي، سيكون حذراً للغاية عند مناقشة هذه المشكلة مجدداً.

أيضاً، ونظراً لوعود ترمب الانتخابية المتكررة، يُرجح أن ترغب واشنطن في سحب قواتها من سوريا، لكن لا يبدو لموسكو أن هذه القضية ستكون مُدرجة على جدول الأعمال ضمن أولويات التحرك الأميركي حالياً.

لقد قوبلت خطط ترمب لسحب القوات في السابق بمقاومة مفتوحة، خاصة من «القيادة الوسطى» الأميركية وشخصيات، مثل بريت ماكغورك، الذي عمل مبعوثاً خاصاً لمكافحة «داعش» حتى أواخر عام 2018، واستقال قبل شهرين من انتهاء فترة ولايته، مباشرة بعد قرار إدارة ترمب سحب القوات من سوريا في 19 ديسمبر (كانون الأول) 2018. بعدها عيّن جو بايدن، الرئيس الأميركي المنتخب، عام 2020، ماكغورك منسقاً لمجلس الأمن القومي الأميركي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، واكتسبت سياسة واشنطن في سوريا لدعم حزب العمال الكردستاني «وحدات حماية الشعب» زخماً.

حالياً يعود الملف إلى دائرة النقاش، ولقد برز بشكل واضح خلال اجتماعات «جولة آستانة للحوار» التي انعقدت أخيراً. وأكد المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف إلى سوريا في ختام الاجتماعات أن موسكو منفتحة على الحوار مع الإدارة الأميركية الجديدة فور تشكيلها، لبحث الملفات المتعلقة بسوريا. وقال الدبلوماسي الروسي: «إذا كانت هناك مقترحات، فإن الجانب الروسي منفتح، ونحن على استعداد لمواصلة الاتصالات مع الأميركيين».

وفي هذا المجال، تنطلق موسكو من قناعة بأنه لا يمكن التوصل إلى بعض الحلول الوسط إلا من خلال المفاوضات المباشرة. وهي هنا مستعدة للاستماع إلى وجهات النظر الأخرى، وربما تقديم بعض الضمانات التي تحتاج إليها واشنطن لتسريع عملية الانسحاب ودعم التسوية في سوريا برعاية روسية تضمن مصالح الأخيرة.