قانون الهجرة الفرنسي في طريق مسدودة... والحكومة تسعى لكسب رضا الشارع

مأزق ماكرون بين يمين متشدّد ويسار منفتح

تظاهرة لليسار ضد مشروع القانون ووزير الداخلية (أ.ف.ب)
تظاهرة لليسار ضد مشروع القانون ووزير الداخلية (أ.ف.ب)
TT

قانون الهجرة الفرنسي في طريق مسدودة... والحكومة تسعى لكسب رضا الشارع

تظاهرة لليسار ضد مشروع القانون ووزير الداخلية (أ.ف.ب)
تظاهرة لليسار ضد مشروع القانون ووزير الداخلية (أ.ف.ب)

التذمر من المهاجرين وقلة الترحيب بهم، اللذان ارتبطا في العادة بالفرنسيين ذوي التوجه اليميني، غدوا اليوم يطولان كل الأطياف السياسية > أمام تراجع الحكومة الفرنسية وإعلانها عن تأجيل مشروع الهجرة، بدأ تيار اليمين تصعيد لهجة النقد تجاه الحكومة، علماً بأن كثرة من عناصره كانوا قد أعربوا منذ الإعلان عن المشروع عن رفضهم القاطع للقانون بصيغته الحالية.

إيريك سيوتي، رئيس كتلة اليمين الجمهوري، وصف قانون الهجرة بأنه «مجموعة من الإجراءات التافهة»، داعياً إلى إجراء استفتاء، قبل أن يقدم الجمهوريون نصّهم الخاص. إذ قال: «يجب أن نخرج من هذه الإجراءات التافهة... تدفق المهاجرين يتزايد باستمرار. يجب تغيير الإطار القانوني، وللوصول إلى ذلك نحتاج إلى إصلاحات دستورية». وتطرّق سيوتي إلى النقاط التي يختلف فيها تنظيمه السياسي مع الحكومة، وذكر أن أهمها؛ إغلاق أبواب الهجرة بالكامل، ومنع كل أشكال المساعدات على المهاجرين غير القانونيين، وفرض فترة انتظار قبل منح المهاجرين الشرعيين حق الحصول على إعانات اجتماعية، ودراسة ملفات اللجوء عند الحدود. كذلك دعا اليمين إلى إعادة النظر في قانون الجنسية وتشديد إجراءات الحصول عليها للأجانب.

في المقابل، وباستثناء التدابير الإنسانية التقليدية، لم يقترح اليسار أي مبادرة ملموسة، بل اكتفى بالتنديد بما عدّه إجراءات «عبثية» لا تعالج المشكلة من جذورها بقدر ما تحثّ على «الصيد في أراضي اليمين المتطرف». ولكن رغم ذلك، يبدو البعض مصراً على إحداث تغيير، مع إقحام اليسار في النقاش بعدما تُرك ملف الهجرة منذ البداية لليمين واليمين المتطرف. وضمن هذا الإطار، صرّح زعيم الاشتراكيين أوليفييه فور على صفحات صحيفة «لو موند» معلقاً: «علينا الانتباه وألا نبتعد عن الفرنسيين... خصوصاً الطبقة المتوسطة، التي تبدو وكأنها تطالب الحكومة بصرامة أكبر في التعامل مع الهجرة».

جيرار دارمانان (إ.ب.أ)

وسط هذا الجدل، أدلى أرباب العمل، خاصة أصحاب المطاعم وشركات البناء، بدلوهم من الناحية المطلبية، فطالبوا الحكومة بتسوية غير مشروطة لأوضاع كل العمال. فقد دعا آلان فونتين، رئيس جمعية أصحاب المطاعم، صراحة «إلى وقف النفاق، لأن الكل يعلم أن كثيراً من القطاعات الاقتصادية تعتمد على المهاجرين». وذكّر أن أكثر من 26 في المائة من الطبّاخين الذين يعملون في منطقة «إيل دو فرانس»، التي تضم العاصمة باريس وضواحيها، هم من المهاجرين. والمشكلة، كما يقول فونتين، تتفاقم في قطاع البناء حيث يشكّل المهاجرون نسبة 75 في المائة من العاملين فيه. ومن ثم يوضح فونتان، شارحاً: «حين ننشر عرضاً لوظيفة في قطاع المطاعم، فمن النادر جداً أن نتلقى طلبات من فرنسيين متأصلين، بل إن معظم المتقدمين من المهاجرين الذين تأهلوا مهنياً في مراكز ومدارس فرنسية، وهم مستعدون للعمل، فلماذا يُمنعون من ذلك؟ هل يريد البعض لاقتصادنا أن ينهار؟».

نقاط الخلاف بين اليمين واليسار

وُصف موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من مسألة الهجرة منذ 2017 بـ«المتقلب». إذ يُذكِّر المراقبون بأنه كان أول المُصفقين لسياسة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حين شجّعت دخول المهاجرين إلى ألمانيا عام 2015، بيد أنه سرعان ما غيّر موقفه وأظهر صرامة أكبر ضد مدّ اللجوء والهجرة بعد وصوله إلى قصر الإليزيه الرئاسي.

ورغم أن ملف الهجرة يعود للواجهة في كل الحملات الانتخابية في فرنسا، فإنه كان موضع نقاش حاد بين الرئيس ماكرون وزعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان إبان الانتخابات الرئاسية السابقة. وللعلم، خلافاً للرئيس السابق فرنسوا هولاند، وضع ماكرون ملف الهجرة في قائمة اهتماماته ووعد بترتيب وإعادة تعديل الإطار القانوني بطريقة جذرية بالتنسيق مع شركائه الأوروبيين. فلماذا قانون جديد الآن، خاصة أن فرنسا قد ناقشت 29 مشروعاً لتعديل قوانين الهجرة منذ 1980؟

الإجابة حسب ديدييه ليشي، مدير الديوان الوطني الفرنسي للهجرة، «تكمن في التّوجه السائد في أوروبا». وفي فرنسا، على غرار باقي الدول الأوروبية المعروفة بتقليد قديم في استقبال المهاجرين، بات هناك توجّه عام نحو إعادة النظر في سياسات الهجرة، وبالأخص إزاء صعود الحركات الشعبوية وتفاقم الأزمات الاقتصادية. مثل هذه الأمثلة نجدها اليوم في ألمانيا وإسبانيا وهولندا وبريطانيا، حتى السويد... التي تبنّت طويلاً سياسة انفتاح واسعة تجاه الهجرة، فاستقبلت مثلاً عام 2015 أكثر من 136 ألف لاجئ مُنحوا حق الإقامة النهائية قبل أن تشدد حكومة تحالف اليسار والوسط - التي وصلت إلى الحكم في سبتمبر (أيلول) 2022 - إجراءات استقبال المهاجرين، وخاصة اللاجئين.

مع هذا، فإن فرنسا، بخلاف الدول الغربية الأخرى، لا تزال تحتفظ بمعدّلات دخول ثابتة من المهاجرين. وهي تستقبل حسب إحصائيات الديوان الوطني الفرنسي للهجرة ما بين 200 إلى 220 ألف مهاجر جديد سنوياً، وهذه هي الحال منذ عدة سنوات، أياً كان توجّه الحكومة، يسارياً أو يمينياً أو وسطياً.

ثم إن فرنسا، رغم استقبالها حوالي 50 ألف لاجئ سنوياً، نجدها تحتل أسفل قائمة الدول فيما يخص استقبال اللاجئين. ومقارنة مع فرنسا، تركيا مثلاً استقبلت عام 2021 أكثر من 4 ملايين لاجئ، أما كندا أو النرويج فكانتا أسخى من يستقبل اللاجئين ويوفّر لهم ظروف إقامة «جيدة». أما الجديد عام 2022 فهو أن عدد الذين دخلوا الأراضي الفرنسية ببطاقة إقامة «طالب» قد فاق أعداد الهجرة العائلية، حيث وصل عدد بطاقات الإقامة التي منحت للطلبة عام 2022 حوالي 116 ألفاً، وهو رقم قياسي مقابل 80 ألف للتجمع العائلي. كذلك، فإن بطاقات الإقامة التي مُنحت بغرض «العمل» قد سجلت هي الأخرى ارتفاعاً أيضاً عام 2022، إذ بلغت 52 ألفاً.

تصاعد مشاعر التذمرالسبب الآخر الذي قد يفسّر الأهمية التي توليها الحكومة لمشروع قانون حول الهجرة يكمن في الضغوط التي يمارسها الرأي العام، الذي أضحى يعارض أكثر فأكثر قبول مزيد من المهاجرين. ولقد كشفت دراسة أخيرة لمعهد «إيفوب» عن أن 70 في المائة من الفرنسيين يعدّون اليوم أن بلدهم قد استقبل «عدداً كبيراً» من الأجانب، وبالتالي، صار من المستحسن التوقّف عند هذا الحد. وذكرت الدراسة نفسها أيضاً أن 61 في المائة من الفرنسيين باتوا يعدّون المهاجرين عبئاً اقتصادياً بالغاً على الحكومة، و80 في المائة مقتنعون بأن الهجرة قضية ما عاد من الممكن التكلم فيها بهدوء، لأن الموضوع يثير كثيراً من الحساسيات.

معهد «إيفوب» أشار أيضاً إلى أن كل الأرقام التي نشرت ماضية إلى ارتفاع، بالمقارنة مع الدراسة السابقة، التي أنجزها عام 2018، بنسبة تتراوح بين 6 إلى 8 نقاط. الأمر الذي يشير إلى وجود توجه نحو مشاعر أكثر سلبية تجاه المهاجرين.

إريك سيوتي (آ ف ب)

ثم إن التذمر من المهاجرين وقلة الترحيب بهم، اللذين ارتبطا في العادة بالفرنسيين ذوي التوجه اليميني، غدوا اليوم يطولان كل الأطياف السياسية. وهذا الجانب هو ما كشفت عنه دراسة أخرى أجراها معهد «جان جوريس» القريب من الحزب الاشتراكي. ولقد بيّنت هذه الدراسة أن فرنسياً واحداً من بين اثنين ممن يصوتون عادة لصالح اليسار يريد الآن قانوناً جديداً ينص على الحد من الهجرة، وأن فرنسياً واحداً من بين اثنين أيضاً يعتقد أنه يوجد الآن في فرنسا «عدد كبير» من الأجانب، وأن 8 من بين 10 فرنسيين ينتظرون من الحكومة صرامة أكبر مع المهاجرين غير القانونيين.

وأخيراً، أفادت دراسة ثالثة لمعهد «سي إس آي»، أجريت في أبريل المنصرم، بأن 82 في المائة من الفرنسيين يرحبون الآن بفكرة تسهيل عمليات ترحيل المهاجرين غير القانونيين.

تأجيل القانون إلى الخريف المقبلعودة إلى هموم الإليزيه، يقال إن مشروع «مراقبة الهجرة وتحسين الاندماج» كان موجوداً على مكتب الرئيس ماكرون منذ أشهر، قبل أن يقدمه وزير الداخلية جيرارد درمانان إلى مجلس الوزراء في الأول من فبراير (شباط) 2023 بغرض المناقشة.

نصّ مشروع القانون قُدم على أنه يحوي مجموعة من التدابير لتسهيل عمليات ترحيل المهاجرين غير الشرعيين، ولا سيما ذوي السوابق العدلية، وتعديل نظام اللجوء، وتنظيم اندماج المهاجرين، وتسوية أوضاع أولئك الذين يعملون في القطاعات التي تعاني أزمة يد عاملة. وللعلم، صُمم مشروع قانون الهجرة في البداية لكسب تأييد اليمين الجمهوري الذي ازدادت عناصره تطرّفاً خلال السنوات الأخيرة، وبالأخص فيما يتعلق بإشكاليات الهجرة. وفي الوقت نفسه، كانت ثمة مبادرة للحصول على تأييد اليسار الذي يندد منذ سنوات بتدهور شروط استقبال اللاجئين.

ولكن سرعان ما انقلب السحر على الساحر، ليغدو مشروع قانون الهجرة مأزقاً للحكومة وموضوعاً خلافياً بين كل هذه الأطراف، خصوصاً أن رئيسة الوزراء كانت قد لمّحت إلى احتمال اللجوء إلى قانون 49.3 للتصويت في حال الفشل في تكوين غالبية برلمانية. ولقد كان من المنتظر إعلان الحكومة الفرنسية عن تفاصيل أكثر دقة عن مشروع هذا القانون الذي يحمل اسم «مراقبة الهجرة وتحسين الاندماج»، الذي حضّره «مهندسه» جيرارد دارمانان، بمساعدة زميله وزير العمل أوليفييه دوسوبت، بيد أن رئيسة الوزراء إليزابيث بورن فاجأت الجميع بإعلان التأجيل خلال مؤتمرها الصحافي الذي عقدته يوم 26 أبريل المنصرم، مضيفة أنه سيصار إلى النظر في هذا المشروع خلال الخريف المقبل.

هذا التأجيل أثار غضب اليمين الذي كان يطالب بالتسريع في تعديل قانون الهجرة الفرنسية، بعدما برّرت رئيسة الوزراء هذا التأجيل بغياب غالبية برلمانية تسمح بالتصويت على هذه القوانين الجديدة. وهنا نذكر أن اليمين الفرنسي الذي قد يبدو كأحسن حليف للحكومة في هذا المشروع، تعرّض لانقسام في صفوفه بين مؤيد ومعارض لقانون تعديل المعاشات، ما أصاب هذه «الشراكة السياسية» بالتصّدع. وفي المقابل، بادرت الصحافة إلى التعليق على قرار التأجيل، معتبرة إياه محاولة «لتهدئة» النفوس وسط أجواء مشحونة بالسخط والغضب تجاه الحكومة.

بداية صعبة للمشروعفي الواقع، بدأ مشروع القانون رحلته البرلمانية في منتصف مارس (آذار) الماضي عندما عُرض على لجنة القوانين في مجلس الشيوخ. في حينه لم يوافق أعضاء مجلس الشيوخ على الصيغة الأولى لمشروع القانون، واقترحوا عدة تعديلات تتماشى مع بعض المواقف التاريخية لليمين المتطرّف، مثل؛ إلغاء المعونة الطبية التي تُمنح للمهاجرين غير الشرعيين، وتشديد منح الإقامة للمهاجرين بغرض لمّ شمل الأسر.

وعلى خلفية الحُمى السياسية والاجتماعية، ولمواجهة المقاومة التي اعترضت طريق القانون في مجلس الشيوخ، أعلن الرئيس ماكرون يوم 22 مارس 2023 أن نص مشروع القانون سيُقسم إلى عدة نصوص صغيرة، وأن الفكرة هي تمكين اليسار الفرنسي من التصويت على الجزء الخاص بدمج العمال المهاجرين، وفي الوقت ذاته تمكين اليمين من التصويت على الجزء الخاص بترحيل المهاجرين غير القانونيين. إلا أن المشروع عرف فشلاً آخر حين أعلن ماكرون في مداخلته التلفزيونية، التي أذيعت على الفرنسيين، أن مشروع قانون الهجرة سيدخل ضمن «خطة المائة يوم» التي دعا إليها بغرض تهدئة النفوس وإعادة ترتيب ملفات الإصلاحات إثر أجواء من الاحتجاجات والغضب الشعبي العارم بوجه إصلاح نظام المعاشات.

البعض فسّر هذا الإعلان على أنه بمثابة «تخلٍ» وانسحاب لماكرون من المعركة قبل بدايتها، ولو مؤقتاً. وفي اليوم التالي، أعلن وزير الداخلية دارمانان في وسائل الإعلام أن «الوصول إلى اتفاق مع اليمين الجمهوري بخصوص قانون الهجرة وارد». وبناءً عليه، فهو سيعيد عرض المشروع على مجلس الشيوخ الذي ينتمي غالبية أعضائه إلى اليسار والوسط، ولكن بعد إحداث بعض التغييرات.

دارمانان قال لقناة «إل سي آي» الإخبارية إنه سيقدم «نصاً قوياً واحداً» للمناقشة. ولمّح إلى أنه سيصار إلى التخلّي عن «تجزئة النصوص» التي اقترحها ماكرون، مؤكداً على أنه بدأ بمجموعة مشاورات مُكثفة مع عناصر من كتلة اليمين للوصول إلى اتفاق يرضي الجميع، ويُمكن الحكومة من الحصول على غالبية برلمانية تسمح بتمرير القانون.

على ماذا ينصّ هذا القانون؟مشروع قانون الهجرة الجديد يتضمن شقّين متباينين؛ الجزء الأول يخص تشديد شروط الدخول والإقامة في فرنسا مع تسريع وتسهيل عمليات ترحيل المهاجرين غير الشرعيين. والجزء الثاني يهدف إلى تشجيع الهجرة الاقتصادية من خلال استحداث تصاريح للإقامة خاصة بالعمال الذين يشغلون وظائف في قطاعات تعاني من نقص اليد العاملة، كقطاعي البناء والمطاعم.

من جهته، قدّم وزير الداخلية دارمانان مشروع القانون على أنه مشروع «متوازن» لأنه - على لسانه - إنساني وصارم في آنٍ معاً. والحقيقة أن مشروع القانون أعطى أهمية كبرى لتعديل قانون الترحيل، وبالأخص الأجانب الذين صدرت ضدهم أحكام بالسجن لمدة تعادل أو تفوق 10 سنوات، أما الغاية فهي تقليص نطاق الطعن في قرارات الترحيل الإجبارية، خصوصاً عندما يشكّل الأجانب المعنيون بالأمر خطراً على الأمن العام وسلامة المواطنين.

القرار يسعى أيضاً إلى إسقاط الحماية التي يحظى بها الأجانب الذين صدرت بحقهم أحكام بالترحيل غير أنها في الغالب لا تُنفذ، لأنهم يقيمون في فرنسا منذ مدة طويلة. وبين البنود بند يهتم بتعديل الإطار القانوني لطلبات اللجوء السياسي أو الإنساني، والهدف منه أولاً تقصير الآجال المخصصة لدراسة الطلبات إلى بضعة أسابيع بدل بضعة أشهر، وأحياناً سنوات، ومن جانب آخر صدّ الأجانب الذين يطلبون حق اللجوء من دون مبرّرات قوية.

كذلك، من البنود اللافتة في مشروع القانون، تسوية أوضاع العمال غير القانونيين، وهو الإجراء الذي ترى الحكومة أنه سيضفي «توازناً» ووجهاً أكثر «إنسانية» لنص القانون. ذلك أنها تنوي تسوية أوضاع العمال الموجودين في الأراضي الفرنسية منذ أكثر من 3 سنوات ومنحهم بطاقات إقامة يصار إلى تجديدها كل سنة بشرط أن يشغلوا وظائف في قطاعات مهنية تعاني أزمة توظيف. وهنا، يُخطّط القانون أيضاً لاستحداث بطاقة إقامة تدوم 4 سنوات خاصة بالعاملين في القطاع الصحي والحاصلين على شهاداتهم خارج المجموعة الأوروبية، خاصة أن فرنسا تعاني منذ سنوات من نقص خطر في عدد الأطباء والجراحين، وأطباء الأسنان، والصيادلة، والممرّضين.

وفي سياق متصل، من بنود قانون الهجرة الأخرى ربط شرط الحصول على الإقامة بإتقان اللغة الفرنسية على المهاجرين الجدد، بينما لا يطلب منهم حالياً سوى المشاركة في تدريب قصير على اللغة. وهذا الإجراء حسب وزير الداخلية دارمانان سيتعلق بـ270 ألف شخص سيجتازون امتحان لغة فرنسية، وفي حالة إخفاقهم سترفض طلباتهم. وأخيراً، سيتضمن القانون اقتراحات بإبعاد المهاجرين القُصَّر، وهذه نقطة تعثرت في تناولها القوانين السابقة بسبب تصدّي المنظمات الإنسانية وجمعيات المهاجرين التي ترفض ترحيل القُصَّر وتطالب بحمايتهم.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
TT

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في أزمة سياسية بعد الانهيار المفاجئ للحكومة الائتلافية التي يرأسها المستشار أولاف شولتس. وبهذا التطوّر بات شولتس أحد أقصر المستشارين حكماً في ألمانيا؛ إذ إنه قبل إكماله 3 سنوات على رأس الحكومة الائتلافية التي تمثل 3 أحزاب (اشتراكي وليبرالي وبيئي «أخضر») صار المستشار رئيساً لحكومة أقلية مؤلفة من حزبين بانتظار الانتخابات المبكرة التي حُدّد موعدها يوم 23 فبراير (شباط) المقبل.

الحكومة الألمانية ترنّحت إثر انسحاب «ضلعها» الليبرالي، الحزب الديمقراطي الحر، منها. ورغم انسحاب الحزب، أراد رئيسها المستشار أولاف شولتس الاستمرار على رأس «حكومة أقلية» حتى نهاية مارس (آذار)، وهو التاريخ الذي حدّده في البداية لإجراء الانتخابات المبكرة عوضاً عن نهاية سبتمبر (أيلول).

لكن أمام ضغوط المعارضة وافق المستشار وزعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) على تقريب الموعد شهراً آخر. وحتى بعد إجراء الانتخابات، فإن فترة الشكوك قد تستمر لأسابيع أو أشهر إضافية. وللعلم، في ألمانيا، لم يسبق أن فاز أي حزب بغالبية مطلقة تسمح له بتشكيل حكومة منفرداً. وبالنتيجة، حكمت ألمانيا (الغربية أساساً) منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حكومات ائتلافية قادها إما محافظو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (يمين الوسط) أو اشتراكيو الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يسار الوسط).

فريدريش ميرتز (آجنزيا نوفا)

اليمين عائد... لكن!

هذه المرة يبدو أن الديمقراطيين المسيحيين (الحزب الذي قادته لفترة أنجيلا ميركل) يتجهون لاستعادة السلطة. فحزبهم تصدر استطلاعات الرأي بفارق كبير بنسبة تصل إلى 33 في المائة، وهي أعلى من النسبة التي تتمتع بها الأحزاب الثلاثة التي شكَّلت حكومة شولتس مجتمعة، قبل انهيارها. غير أن اختيار الحزب الشريك - أو الأحزاب الشريكة – في ائتلاف الديمقراطيين المرتقب، قد يكون أمراً معقّداً ويستغرق وقتاً طويلاً.

عقبة البيروقراطية

من ناحية ثانية، رغم محاولات الديمقراطيين المسيحيين تقريب موعد الانتخابات أكثر، مستفيدين من تقدم حزبهم في استطلاعات الرأي، ودعوات جمعيات الأعمال لتقليص فترة الشك والغموض في بلد لم يشهد نمواً اقتصادياً منذ 5 سنوات، فإن البيروقراطية الألمانية شكّلت عائقاً أساسياً أمام ذلك.

وحقاً، لا يقع اللوم في تأخير الانتخابات لنهاية فبراير (شباط) فقط على تشبّث شولتس بإطالة عمر حكومته العاجزة عن العمل. ذلك أنه فور انهيار الحكومة، وبدء الكلام عن انتخابات جديدة، دقّت «هيئة الانتخابات» جرس الإنذار محذّرة من أن التسرّع في إجرائها قد يؤدي إلى أخطاء تسببت بإعادتها. ورأت «الهيئة» ضرورة إفساح الوقت الكافي لتحضير اللوائح، وطبع الأوراق، وتحديات العثور على ورق كافٍ ومطابع جاهزة للعمل في خلال مدة زمنية قصيرة.

نقاط خلافية جدّية

ورغم سخافة هذا المشهد، فهو يعكس واقعاً في ألمانيا المقيدة بالبيروقراطية التي تعيق الكثير من تقدّمها، وكان واحداً من أسباب انهيار الحكومة في النهاية. فقد فشلت حكومة شولتس بإدخال أي إصلاحات لتخفيف البيروقراطية رغم التوصيات المتكرّرة من اختصاصيين. ولقد صدرت آخر هذه التوصيات الأسبوع الماضي من «مجلس الخبراء الاقتصادي»، وهو «مجلس حكماء» مدعوم من الحكومة، دعا إلى تقليص البيروقراطية وتسريع «المكننة» كواحدة من الخطوات الرئيسة لتحقيق النمو الاقتصادي.

وللعلم، كانت تلك واحدة من الخلافات الأبرز بين أحزاب الائتلاف الحكومي الثلاثة. فليبراليو الحزب الديمقراطي الحر (وسط) - الذي يعتبر مؤيداً لمجتمع الأعمال والشركات الكبرى - دفعوا منذ تشكيل الحكومة إلى «تقليص البيروقراطية»، خصوصاً على الشركات، إضافة إلى تخفيض الضرائب عنها، لكن أولويات الاشتراكيين وحزب «الخضر» البيئي تمثّلت بزيادة المعونات الاجتماعية والاستدانة لمواجهة التحديات الاقتصادية التي فرضتها تبعات حرب أوكرانيا وجائحة «كوفيد - 19».

قضية الإنفاق العام

شكّل الإنفاق العام نقطة خلافية أخرى مع الليبراليين الذين رفضوا التخلي عن بند كبح الديون الذي يوصي به الدستور الألماني إلا في الحالات القصوى. وجرى التخلي عن هذا البند بعد جائحة «كوفيد - 19» عندما اضطرت الحكومة إلى الاستدانة والإنفاق لمساعدة الاقتصاد على النهوض. وفي المقابل، أراد الاشتراكيون و«الخضر» مواصلة العمل بتعليق بند كبح الديون ضمن خطط إنعاش الاقتصاد وتمويل الحرب الأوكرانية، لكن ليندنر رفض رغم أن «مجلس الخبراء» أوصى ببحث هذا البند وتخفيف التقيد به.

هكذا أدى الخلاف على إجراءات إنعاش الاقتصاد وميزانية عام 2025 إلى انفراط التحالف مع الليبراليين، ودفع بشولتس إلى طرد زعيمهم ووزير المالية كريستيان ليندنر، الذي قدم مقترحاً لتقليص البيروقراطية وخفض الضرائب مقابل خفض الإعانات الاجتماعية لتمويل الحرب في أوكرانيا من دون زيادة الدين العام.

الاشتراكيون بقيادة شولتس وحزب «الخضر» رفضوا مقترح ليندنر من دون القدرة على التوصل إلى «حل وسط»، مع أن المستشار اعتاد المساومة والحلول الوسطى منذ تشكيل حكومته التي غالباً ما شابتها الخلافات الداخلية.

وطبعاً، دفع طرد ليندنر الوزراء الليبراليين للتضامن مع زعيمهم والاستقالة... ما فرط عقد الحكومة. وبعد أيام من الجدل حول موعد الانتخابات المقبلة، اتفقت الأحزاب على طرح الثقة بالحكومة يوم 16 ديسمبر (كانون الأول) - ويتوقع أن تخسرها بعد خسارتها الغالبية البرلمانية - ما سيؤدي إلى انتخابات عامة حدد موعدها في 23 فبراير.

كريستيان ليندنر (رويترز)

الاقتصاد أساس الأزمة

نقطة إنعاش الاقتصاد تظهر الآن نقطةً خلافية أساسية، بينما يراوح الاقتصاد الألماني مكانه عاجزاً عن تحقيق أي نمو يذكر. ثم أن مئات الشركات الصغيرة والوسطى أقفلت خلال العامين الماضيين، وبدأت حتى كبرى شركات السيارات تعاني خسائر دفعت بشركة «فولكسفاغن» العملاقة إلى إقفال 3 من مصانعها العشرة في ألمانيا.

مع هذا، لا يمكن لوم سياسات الحكومة والخلافات الداخلية حول التعامل مع الاقتصاد وحدها، لتبرير تدهور الاقتصاد الألماني خلال السنوات الثلاث الماضية. إذ بدأت حكومة شولتس عملها في خضم جائحة «كوفيد - 19» التي تسببت بأزمات اقتصادية عالمية، وتلت الجائحة الحرب الأوكرانية وتبعاتها المباشرة على ألمانيا، التي كانت تستورد معظم حاجاتها من الغاز من روسيا. وقد تعاملت حكومة شولتس مع انقطاع الغاز الروسي السريع عن ألمانيا بحكمة، ونجحت في تعويضه بسرعة من دون التسبب بأزمة نقص للغاز في البلاد. وأيضاً اتخذت تدابير لحماية المستهلكين من الارتفاع الكبير في الأسعار، مع أنها ما كانت قادرة على تفادي التداعيات بشكل كامل.

من ثم، تحوّلت الحكومة إلى ما يشبه حكومة إدارة الأزمات والسياسات السيئة الموروثة عن الحكومات السابقة. لكن حتى هنا، يمكن تحميل الاشتراكيين بعض مسؤولية السياسات الاقتصادية السيئة، ومنها اعتماد ألمانيا بشكل متزايد طوال حكومات أنجيلا ميركل الأربع على الغاز الروسي، والسبب أن الاشتراكيين شاركوا في ثلاث من هذه الحكومات، وشولتس نفسه كان وزيراً للمالية ثم نائب المستشارة.

علاقة الاشتراكيين بروسيا

من جانب آخر، لم يساعد القرب التاريخي للاشتراكيين من روسيا حكومة شولتس بإبعاد نفسها عن موسكو؛ إذ بقي المستشار متردداً لفترة طويلة في قطع العلاقات مع روسيا ودعم أوكرانيا. ومع أن ألمانيا تحوّلت الآن إلى ثاني أكبر داعم عسكري لكييف بعد واشنطن، فإن تردد شولتس شخصياً في كل قرار يتعلق بتسليح أوكرانيا، غالباً ما وضعه في مواجهة مع حليفيه في الحكومة وكذلك مع المعارضة. وللعلم، يعتمد شولتس سياسة حذرة في دعم أوكرانيا ولا يؤيد ضمها لـ«ناتو» (حلف شمال الأطلسي)؛ تخوفاً من استفزاز روسيا أكثر وخشيته من دفعها لتوسيع الصراع.

في أي حال، كرّر شولتس القول في كل مناسبة بضرورة استمرار دعم أوكرانيا، وكان هذا واحداً من أسباب الخلافات حول الميزانية التي أدت إلى انهيار الحكومة، فوزير المالية أراد اقتطاع مخصّصات اجتماعية لتمويل الحرب في حين شولتس أراد الاستدانة لذلك رافضاً المس بالإعانات.

وحيال أوكرانيا، مع أن مقاربة تمويل الحرب في أوكرانيا تختلف بين الأحزاب الألمانية، لا خلاف على دعم كييف لا خلاف عليه. بل يتشدّد الديمقراطيون المسيحيون المتوقع فوزهم بالانتخابات وقيادتهم الحكومة المقبلة أكثر في دعمهم. ويؤيد زعيم حزبهم، فريدريش ميرتز، الذي قد يصبح المستشار القادم، أوكرانيا ضم أوكرانيا «فوراً» إلى «ناتو» بخلاف شولتس، كما يؤيد إرسال صواريخ «توروس» البعيدة المدى والألمانية الصنع إليها، بينما يعارض شولتس ذلك.

وهنا نشير إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي كان طوال السنوات الماضية، منذ تفجّر الحرب الأوكرانية، شديد الانتقاد لتردّد المستشار الاشتراكي في قرارات تسليح كييف وقطع العلاقات الاقتصادية مع روسيا، رغم أنه كان المسؤول عن وصول العلاقات الاقتصادية إلى مرحلة الاعتماد الألماني على الطاقة الروسية... كما كان حاصلاً قبل الحرب.

على الحكومة الجديدة التعامل مع ترمب

في ملف العلاقات الاقتصادية

أولاف شولتس (رويترز)

تبعات عودة ترمب

في اتجاه موازٍ، مقاربة الحرب الأوكرانية ستضع أي حكومة ألمانية جديدة في مواجهة محتملة مع إدارة دونالد ترمب القادمة في واشنطن. إذ ستضيع ألمانيا شهوراً ثمينة في تحديد سياستها مع العد العكسي للانتخابات المبكرة وتفاوض الأحزاب خلالها على تشكيل حكومة ائتلافية.

ولن يكون أمام الحكومة الجديدة فقط تحدي التعامل مع إدارة ترمب في ملف أوكرانيا، بل أيضاً في ملف التجارة والعلاقات الاقتصادية. ذلك أن ترمب في عهده الأول دأب على انتقاد ألمانيا بسبب ضخامة صادراتها إلى الولايات المتحدة، وبخاصة السيارات، التي تفوق بأضعاف الصادرات الأميركية إليها. وبالفعل، هدَّد آنذاك برسوم على السيارات الألمانية في حال لم تزد برلين وارداتها من الولايات المتحدة خاصة الغاز الأميركي الذي كان ترمب يضغط على ميركل لاستيراده عوضاً عن الغاز الروسي. بالتالي، مع عودة ترمب، ستعود المخاوف من حرب اقتصادية مع واشنطن قد تكون إذا وقعت مدمّرة لقطاع السيارات الألمانية. وحقاً، خفّضت كل الشركات الألمانية الكبرى سقف توقّعاتها للأرباح في الأشهر المقبلة، بعد تراجع مبيعاتها في الأسواق الخارجية وتحديداً الصين، بشكل كبير. وقد يشكّل تقلّص سوقها في الولايات المتحدة ضربة جديدة لها يحذّر الخبراء الاقتصاديون من أن تبعاتها ستكون مؤلمة للاقتصاد الألماني.

حسابات الانتخابات المقبلة

عودة إلى حسابات الداخل، لم يطرح الزعيم الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتز، في الواقع، فكرة إعادة وزير المالية المعزول كريستيان ليندنر إلى حكومته المحتملة. لكن سيتوجّب أولاً على حزب ليندنر، أي الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) أن يكسب أصواتاً كافية لتمثيله في البرلمان. وحتى مع تحقيق هذا قد لا يكون التحالف بين الحزبين كافياً لضمان الغالبية، إلا إذا حصلت مفاجأة وحقق أحد الحزبين نتائج أعلى من المتوقع في الاستطلاعات، كما فعل الاشتراكيون في الانتخابات الماضية عندما نالوا قرابة 26 في المائة متقدمين على الديمقراطيين المسيحيين الذين نالوا 24 في المائة من الأصوات. ويومذاك كانت استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات تشير إلى شبه تعادل بين الحزبين.

من ثم، في حال بقاء ليبراليي الحزب الديمقراطي الحر خارج الحكومة، قد تعيد ألمانيا إنتاج حكومة يشارك فيها الحزبان الرئيسان المتناقضان في سياساتهما الاجتماعية والاقتصادية، أي الاتحاد الديمقراطي المسيحي اليميني والحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي). وقد يُجبَر الحزبان على ضم شريك ثالث يرجح أن يكون حزب «الخضر» في حال غياب الليبراليين عن المشهد. وقد تعيد هكذا حكومة ثلاثية فترة الخلافات والاضطراب التي شهدتها ألمانيا في ظل الحكومة الثلاثية الحالية التي رغم انجازاتها، لا يذكر كثيرون إلا الخلافات التي شابتها.وحتى ذلك الحين، فإن التحديات التي ستواجهها أي حكومة ألمانية قادمة، تجعل من فترة انتظار الانتخابات وتشكيل الحكومة، فترة صعبة ستزيد من عمق الأزمة الاقتصادية وتشرذم الموقف الألماني والأوروبي أمام الإدارة الأميركية.