هل انطلق «قطار السلام» في إثيوبيا؟

مفاوضات بين الحكومة ومتمردي الأورومو على غرار {التيغراي}

رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد خلال استقباله نظيرته الإيطالية جورجيا ميلوني (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد خلال استقباله نظيرته الإيطالية جورجيا ميلوني (د.ب.أ)
TT

هل انطلق «قطار السلام» في إثيوبيا؟

رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد خلال استقباله نظيرته الإيطالية جورجيا ميلوني (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد خلال استقباله نظيرته الإيطالية جورجيا ميلوني (د.ب.أ)

تسعى الحكومة الإثيوبية لاستثمار سريع في «النجاح النسبي»، الذي حققته، الآن، بعد توقيع «اتفاق سلام» مع متمردي إقليم «التيغراي» في شمال إثيوبيا. وهذا الاتفاق الذي وُقّع في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تأمل الحكومة بتعميمه في كل الأقاليم الإثيوبية، التي تعج بالجبهات الإثنية الرافضة للخضوع للحكومة المركزية في أديس أبابا. وبعد نحو 5 أشهر من توقيع اتفاق «التيغراي»، الذي أنهى سنتين من المعارك الدامية بين «الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي»، والقوات الإثيوبية، انطلقت، في تنزانيا، يوم 25 أبريل (نيسان) 2023، مباحثات سلام غير مسبوقة بين سلطات أديس أبابا، ومتمردي إقليم «أوروميا» (حيث يتركز شعب الأورومو)، الذين يقاتلون السلطات بشكل متقطع منذ عقود. ولكن، راهناً تأمل الحكومة، التي يرأسها رئيس الوزراء آبي أحمد - الحاصل على «جائزة نوبل للسلام» عام 2019 - في إبرام اتفاق سلام دائم مع متمردي «الأورومو»، الذين يشغل إقليمهم معظم مناطق وسط البلاد، ويضم مجموعة من الفصائل المسلَّحة التابعة لشعب «الأورومو»؛ لأنها تخشى انزلاق البلاد إلى حرب داخلية أخرى. غير أن هناك تحديات كبيرة تحيط بمباحثات «الأورومو»، كما يشير مراقبون تحدّثوا إلى «الشرق الأوسط»، من بينها الإرث الكبير من العداوة وانعدام الثقة بين «الأورومو» والحكومات الإثيوبية المتعاقبة، فضلاً عن التطلعات الكبيرة لجبهة «الأورومو» في السيطرة على السلطة والثروة، باعتبارهم أكبر جماعة عِرقية في إثيوبيا، ومع ذلك يشكون، منذ زمن طويل، من تعرّضهم للتهميش.
كان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قد أعلن بدء مفاوضات السلام مع «الأورومو»، متعهداً بتفكيك القوات التي أنشأتها بعض الولايات، إبّان حفلٍ أقامه قبل أسبوع، وجمع المشاركين ورعاة عملية السلام بمنطقة «التيغراي». ويومذاك قال إن «مفاوضات السلام ستبدأ في تنزانيا... والحكومة والشعب الإثيوبيان بأمسّ الحاجة إلى هذه المفاوضات، التي أدعو الجميع للقيام بدوره فيها».

عَلم إقليم التيغراي

وبينما لم يذكر رئيس الوزراء أي تفاصيل أخرى عن المفاوضات مع «جيش تحرير الأورومو»، أو المدى الزمني لها، أشارت مصادر إعلامية إثيوبية إلى وجود وسطاء دوليين، بينهم كينيا المجاورة، ومنظمة «الإيغاد»، فيما بدا خضوعاً لاشتراطات «الأورومو». وذكر الدكتور عبد الرحمن أحمد محمد، الخبير الإثيوبي في العلاقات الدولية، وعضو «المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية»، في لقاء معه، أن «الجبهة اشترطت سابقاً رعاية طرف ثالث (وسيط) للمفاوضات، كما جرى في اتفاق التيغراي للسلام الموقَّع في جنوب أفريقيا؛ كون متمردي الإقليم لا يثِقون بتنفيذ الحكومة تعهداتها».
في حين قاد مفاوضات «التيغراي» فريق وسطاء من مفوضية «الاتحاد الأفريقي»، يضم الرئيس النيجيري السابق أولوسيغون أوباسانجو، والرئيس الكيني السابق أوهورو كينياتا، ونائبة رئيس جنوب أفريقيا السابقة فومزيلي ملامبو نكوكا، بالإضافة إلى مشاركة ممثلي الأمم المتحدة والولايات المتحدة بصفتهم مراقبين. وقد أوضح عبد الرحمن محمد، لـ«الشرق الأوسط»، شارحاً أن «هناك حماسةً إثيوبية لحسم الصراعات العِرقية، بعد ما حدث في التيغراي... والفترة المقبلة ستوضح خطوات وملامح تلك المفاوضات، ومَن الأطراف الداعمة لها، خصوصاً في ظل وجود ضغوط دولية متعددة لدفع البلاد نحو مزيد من الاستقرار، بما يعود بتأثيرات إيجابية على منطقة القرن الأفريقي». وتهدف مباحثات تنزانيا إلى «وضع أسس لمباحثات أكثر شمولاً في المستقبل القريب جداً»، وفق الناطق باسم «جيش تحرير الأورومو» أودا تاربي.
وكان الصراع المسلَّح قد اندلع بين سلطات أديس أبابا والمتمردين الأوروميين في عام 1973، عندما أسس هؤلاء «جبهة تحرير الأورومو»، وجناحها المسلَّح «جيش تحرير الأورومو». ومعلوم أن «الأورومو» أكبر شعوب إثيوبيا تعداداً. ووفق إحصاء 2007، يشكل «الأورومو» وحدهم بين 34 و40 في المائة من مجموع سكان البلاد. وكانت جماعة «جيش تحرير الأورومو» متحالفة مع قوات «جبهة تحرير شعب التيغراي»، في حربها ضد الحكومة، إلا أنه يبدو أن الصلح الذي توصلت إليه أديس أبابا مع «التيغراي»، في نوفمبر الماضي، أفضى إلى المفاوضات مع «الأورومو».
- «تصفير الأزمات»
من جهة ثانية، يرى الدكتور محمد شفاء، الخبير التشادي في الشؤون الأفريقية، في لقاء مع «الشرق الأوسط»، أن شعار «تصفير الأزمات»، الذي ترفعه حكومة آبي أحمد لإرضاء شعب «الأورومو» ليس كافياً. ويضيف: «لا يزال الأورومو يشعرون بتهميش كبير، مع أن رئيس الوزراء آبي أحمد ينتمي إليهم... وهم يعتبرون أن وجوده على رأس السلطة، منذ نحو 5 سنوات، لم يحلَّ المشكلات، بل إن مناطقهم ما زالت تعاني من ضعف في التنمية، كما أنها بعيدة تماماً عن تقاسم الثروة في البلاد». ويضع شفاء عدداً من التحديات في مواجهة الحوار المزمع؛ أبرزها أن للأورومو «تطلعات أكبر وأبعد من التيغراي، فهم يعتقدون أنهم أصحاب البلد... وعانوا من ظلم العِرقيات الأخرى». ويتابع «أنهم لا يسعون إلى فيدرالية أو كونفدرالية، بل يتكلمون عن امتلاك إثيوبيا، واعتبار لغتهم هي اللغة الرسمية للبلاد، بدلاً من الأمهرية... وهذا مَكمن صعوبة المفاوضات عن سابقتها مع التيغراي... لكن الأمل يبقى في دور الضغوط الدولية لتقريب المسافات».
في هذا السياق يلفت مراقبون إلى محاولة «الأورومو» توظيف حالة الإنهاك التي تعانيها القوات الإثيوبية، من أجل تحقيق مكاسب، عبر التوصل إلى اتفاق مماثل للاتفاق الذي أبرمته الأخيرة مع «التيغراي». ووفق دراسة أعدَّها أحد مراكز الأبحاث المتخصصة، فإن هذا الطرح تدعمه تصريحات أطلقها بعض النشطاء من «الأورومو»، الذين ألمحوا إلى ضرورة أن «تستفيد» حكومة أديس أبابا من تجربتها في محاربة «التيغراي»، إذ ثبتت قلة فاعلية الحل العسكري في حسم الصراعات في إثيوبيا، ثم إنه لا بد من أن تأخذ أديس أبابا في الاعتبار اختلافاً جوهرياً بين الصراعين، مع «التيغراي» الذين يقدَّر تعدادهم بنحو 5 ملايين نسمة، و«الأورومو» الذين يتجاوزون الـ40 مليون نسمة.
- حوار وطني شامل
الكلام عن حلحلة الصراع مع «الأورومو»، ومِن قبله اتفاق «التيغراي»، يأتي في خضم تجهيزات لـ«حوار وطني» إثيوبي شامل، محدد له شهر مايو (أيار) المقبل، وفق رئيس لجنة الحوار الوطني؛ البروفيسور مسفين أرايا. ووفق تاجسي تشافو، رئيس مجلس النواب، فإن الحوار الوطني هو من «أولويات الحكومة، باعتباره السبيل الوحيدة لحل التحديات التي تواجه إثيوبيا، من خلال بناء إجماع وطني حول القضايا الأساسية».
ولعلَّ ما يجعل الأمور أكثر تشجيعاً للتفاؤل، أنه على مدار الأشهر الماضية، أظهرت الحكومة الإثيوبية ومتمردو «التيغراي» جدية في تنفيذ اتفاق السلام، وذلك بتنفيذ عدد من بنود الاتفاق؛ على رأسها إدخال المساعدات الإنسانية والخدمات الأساسية إقليم «التيغراي»، الذي يعاني من انقطاع عن العالم الخارجي لسنتين، في مقابل تسليم المتمردين مزيداً من الأسلحة، ضمن عملية نزع سلاح الإقليم، ودمج مقاتليه في الجيش الوطني.
وحقاً، خلال الأشهر الفائتة، استؤنف تسليم المساعدات للإقليم، الذي عانى، لفترات طويلة، من نقص حادّ في الغذاء والوقود والسيولة والأدوية، كما بدأت عملية نزع سلاح المتمردين، وعودة السلطات الفيدرالية لممارسة مهامّها، كما شطب اسم الجبهة من «قائمة الإرهاب» الحكومية. ووفق العميد ديريبي ميكوريا، نائب مفوض «إعادة التأهيل الوطني»، في منتصف أبريل، «سلّمت الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي الدفعة الأولى من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة المتنوعة، التي سبق جمعها حول منطقة دينقولات في الإقليم». وينص اتفاق السلام على نزع سلاح الجبهة، وعودة السلطات الفيدرالية إلى الإقليم الشمالي المتمرد، وإعادة ربط الإقليم بالخارج.
هذا، وكانت «جبهة تحرير التيغراي» قد سلَّمت أسلحتها الثقيلة إلى القوات الإثيوبية، في يناير (كانون الثاني) الماضي، في جزء من عملية السلام التي قادها «الاتحاد الأفريقي». وأشرف على عملية نقل الأسلحة، التي جرت في مدينة أغولاي، مجموعة من مراقبي الجانبين ومندوبون من منظمة «إيغاد». ومن المقرر، وفق مفوض «إعادة التأهيل الوطني» تيشومي توغا، أن يبدأ تسجيل المقاتلين السابقين التابعين في الجبهة، خلال يونيو (حزيران) المقبل.
من جهته، يعتقد غيتاشو رضا، رئيس الإدارة المؤقتة لإقليم «التيغراي»، أن الطرفين «حقّقا تقدماً في عملية نزع السلاح، وتسريح ودمج المقاتلين، حتى الآن... والعمل جارٍ حالياً على إكمال مهمة جمع الأسلحة الثقيلة لإعادة الدمج بشكل كامل، والعمل على الأنشطة التنموية بشكل أفضل». وترهن حكومة أديس أبابا عملية دمج المقاتلين السابقين في «التيغراي» ضمن قوات الجيش الوطني، بـ«النزع الكامل» لأسلحة المتمردين.
ووفقاً لغيتاشو رضا، فإن الثقة بين سلطات أديس أبابا، و«الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي»، «تحسنت بشكل كبير، إذ اختار الجانبان العمل في شراكة وثيقة، من خلال إدراك الحقيقة، وأنه لن يكون هناك بديل آخر للسلام». وأردف: «إن شعب التيغراي لا يسمح بعرقلة عملية السلام التي يتمتع بها الآن»، مشدداً على الحاجة إلى الحفاظ على جهود بناء السلام الجارية؛ بهدف تسريع التنمية؛ «لأنه هو مصيرنا المشترك الوحيد»، داعياً جميع السياسيين للعمل بالتعاون.
- مساندة وترقب دولي
على صعيد أوسع، أسهمت الخطوات المتتالية المحققة لتنفيذ اتفاق السلام في «التيغراي»، وعودة الخدمات الأساسية، في استعادة لافتة لثقة المجتمع الدولي في حكومة أديس أبابا. ووفق مسؤولين إثيوبيين، تجلَّى هذا في زيارات مسؤولين أميركيين وأوروبيين أخيراً، بعد قطيعة دامت سنتين. في المقابل، يشير مراقبون إلى مطالب أساسية، ما زالت «موضع اختبار» من جانب القوى الدولية لحكومة آبي أحمد، أبرزها ملفا «العدالة الانتقالية، ومحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب».
والواقع أن الحكومة الإثيوبية تسعى إلى استعادة ثقة المجتمع الدولي بجهودها لإرساء حالة استقرار سياسي وأمني؛ على أمل مشاركة دولية واسعة في إعادة الإعمار، من خلال استثمارات في البنية التحتية ومساعدات اقتصادية.
وفي مطلع أبريل، تلقّت سلطات أديس أبابا دعماً مالياً من «الاتحاد الأوروبي»، و«وكالة التنمية الفرنسية»، بقيمة 32 مليون يورو، عبر اتفاقية تمويل تهدف، وفق وكالة الأنباء الإثيوبية (الرسمية)، إلى العمل على «مشروع الأمن الغذائي، وتدابير إعادة التأهيل الزراعي في المناطق المتضررة من النزاع في إثيوبيا، والذي جرى تمويله بمبلغ 18 مليون يورو من (الوكالة الفرنسية للتنمية)، و14 مليون يورو من (الاتحاد الأوروبي) على التوالي».
وبموجب الاتفاقية، سيُصار إلى تلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحاً، من خلال إنعاش الإنتاج الزراعي بهذه المناطق، وتعزيز الاكتفاء الذاتي الغذائي في إثيوبيا.
وهنا يرى ياسين أحمد، رئيس «المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية» في العاصمة السويدية إستوكهولم، أن الجهود الملموسة التي تبذلها الحكومة الإثيوبية مع شركائها الأفارقة أسهمت في توطيد تدريجي للعلاقات مع القوى الكبرى، وتخفيف الضغوط على حكومة آبي أحمد. وأضاف، في لقاء مع «الشرق الأوسط»، أن واشنطن، والاتحاد الأوروبي، على وجه الخصوص، يضغطان من أجل تعزيز اتفاق السلام في التيغراي؛ «خوفاً من انتكاسة تؤثر على أمن القرن الأفريقي ككل».
ورأى الخبير الإثيوبي في زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لأديس أبابا، خلال مارس (أذار) الماضي - وهي الأولى لمسؤول أميركي منذ سنتين - ومِن قبله وزيرتا خارجيتي ألمانيا وفرنسا في يناير، «تجسيداً لهذا التوجه».
ثم إنه، قبل أيام، أبدى «الاتحاد الأوروبي» استعداده لإعادة إطلاق برنامجه الإرشادي المتعدد السنوات، لمواكبة المزيد من التقدم في تعزيز حل النزاعات سلمياً، والمصالحة، واستقرار الاقتصاد الكلي في إثيوبيا. ونصّ بيان لمجلس الاتحاد على أن الاتحاد «يشجع بقوة المؤسسات المالية الدولية على مساعدة حكومة إثيوبيا في معالجة الوضع الاقتصادي الحرِج في البلاد، من خلال أجندة الإصلاح الاقتصادي، والدول الدائنة على العمل من أجل الانتهاء السريع لعملية إعادة هيكلة الديون من خلال الإطار المشترك». كذلك رحّب مجلس «الاتحاد الأوروبي» بالتقدم الكبير في تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية، ولا سيما فيما يتعلق بإسكات البنادق، وتيسير وصول المساعدات الإنسانية، وإطلاق «اللجنة الوطنية لإعادة التأهيل»، لمعالجة نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج.

إضاءة على التركيبة الديمغرافية لإثيوبيا

> تتشكل إثيوبيا من 11 إقليماً، مع تمايز عِرقي ولغوي متنوع تعبر عنه 9 مكوّنات رئيسة.
من الناحية اللغوية، توجد في إثيوبيا نحو 100 لغة يمكن تقسيمها إلى 4 «مجموعات لغوية» رئيسة هي: المجموعة الأفروآسيوية، وتضم اللغات السامية (الأمهرة والتيغراي/ التغرينيا والغوراغ والهررية)، والكوشية (الأورومو والسيدامو والصومالية والعفر والهاديا والكامباتا)، والأومية، ثم هناك المجموعة النيلية – الصحراوية، التي تضم في إثيوبيا لغة الكوناما، ولكنها خارج حدودها تشمل عدة لغات؛ منها الدينكا والفور في السودان، واللوو في كينيا، والصنغاي في غرب أفريقيا.

مقاتلون من «جيش تحرير الأورومو» (غيتي)

شعب الأورومو هو أكبر مكون عِرقي - لغوي في إثيوبيا، ويتركز في إقليم أوروميا بوسط البلاد، ويشكل بمفرده أكثر من ثلث عدد السكان، الذي تَجاوز 100 مليون نسمة، وأبناؤه يتكلمون اللغة الأورومية الكوشية، ويعملون بالزراعة والرعي. وكانت احتجاجات «الأورومو» المناهضة للحكومة قد اندلعت عام 2015 بسبب نزاع بين مواطنين غالبيتهم من الأورومو والحكومة حول ملكية بعض الأراضي، إلا أن رقعة المظاهرات اتسعت لتشمل المطالبة بالحقوق السياسية، وحقوق الإنسان، وأدّت لمقتل المئات واعتقال الآلاف. وأجبرت المظاهرات الائتلاف الحاكم، في نهاية المطاف، على إبدال رئيس الوزراء في حينه هايلي مريام ديسالين، بآبي أحمد، الذي ينتمي إلى عِرقية «الأورومو»، لكن، مع هذا، تجددت الاحتجاجات قبل 3 سنوات، وسقط عشرات المتظاهرين في الإقليم، عقب مقتل المغني هاشالو هونديسا، في يوليو (تموز) 2020، وحالياً، الوضع ليس بأفضل حال، رغم وجود آبي أحمد في الحكم.
أما ثاني أكبر مكونات في إثيوبيا، شعب الأمهرة، الذين يتكلم أبناؤه اللغة الأمهرية السامية، وهي اللغة الرسمية للجمهورية الإثيوبية، ويشكل الأمهرة نحو 27 في المئة من عدد السكان. ووفق المعتقد التقليدي، فإن أصول الأمهرة ترجع إلى سام الابن الأكبر لنوح، الذي وردت قصته في العهد القديم.
ثالث الشعوب البارزة، التيغراي، الذين يشكلون نحو 6.1 في المئة من الشعب الإثيوبي، ويتركزون في شمال البلاد وعبر الحدود في إريتريا. وكانت «الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي» أقوى أطراف الائتلاف الحاكم في إثيوبيا لسنوات عدة، لكن رئيس الحكومة الحالي آبي أحمد كبح نفوذها بعد تولّيه السلطة عام 2018. وساءت العلاقات بين الجانبين، قبل سنوات، بعدما حلّ آبي أحمد الائتلاف الحاكم، الذي كان يتألف من عدة أحزاب إقليمية عِرقية. ثم أعلن أحمد دمج الأحزاب في حزب وطني واحد أطلق عليه «حزب الرخاء»، لكن الجبهة رفضت الانضمام إليه، وقررت محاربته سياسياً وعسكرياً. وبعد حروب دامية راح ضحيتها الآلاف، وقّع اتفاق سلام في نوفمبر 2022.
المكون الرابع المهم هم الصوماليون، الذين يشكلون نحو 6.1 في المئة من تعداد الشعب الإثيوبي، وهم يتركزون في منطقة أوغادين، كما ينتشرون في أنحاء مختلفة من البلاد، وأخيراً هناك مكونات أصغر حجماً، أبرزها الغوراغ، والولياتا، والعفر، والهاديي، والغامو، وغيرها.



روسيا وأوكرانيا في صميم هموم البرلمان الأوروبي الأكثر يمينية

من لقاء أوربان - بوتين في موسكو (رويترز)
من لقاء أوربان - بوتين في موسكو (رويترز)
TT

روسيا وأوكرانيا في صميم هموم البرلمان الأوروبي الأكثر يمينية

من لقاء أوربان - بوتين في موسكو (رويترز)
من لقاء أوربان - بوتين في موسكو (رويترز)

مطلع الشهر الماضي ذهب الأوروبيون إلى صناديق الاقتراع لتجديد عضوية البرلمان الأوروبي، فيما أجمعت الآراء على وصفها بأنها أهمّ انتخابات في تاريخ الاتحاد، الذي منذ أكثر من سنتين تشتعل حرب على تخومه وتهدد باتساع دائرتها وإيقاظ أشباح الماضي الذي قام المشروع الأوروبي بهدف وأده، وهذا بينما تتنامى داخل حدوده القوى التي منذ ثمانية عقود أفرزت أقسى الحروب التي شهدتها القارة في الأزمنة الحديثة. ولقد جاءت النتائج لتؤكد الصعود المطّرد للموجة اليمينية المتطرفة التي كانت قد أمسكت بزمام الحكم منذ سنتين في إحدى الدول الأعضاء الكبرى المؤسسة، إيطاليا، وأصبحت قاب قوسين من الوصول إلى سدّة الرئاسة الفرنسية... فيما بدت جذورها راسخة في العديد من البلدان الأعضاء الأخرى. ولكن، على الرغم من الصاعقة التي ضربت الصرح السياسي الفرنسي، ظل صعود هذه الموجة دون منسوب الطوفان الذي كانت تنذر به الاستطلاعات ويهدد - وفقاً لأفضل الاحتمالات - بجنوح المركب الأوروبي عن مساره التأسيسي. أمام هذا المشهد المعقد، كان القرار الأول الذي اتخذه البرلمان الجديد في جلسته الافتتاحية يوم الثلاثاء الفائت بعد انتخاب رئيسة له، تأكيد الدعم لأوكرانيا وترسيخ الانقسام الحاد بين الكتل السياسية الذي لم يشهد له مثيلاً منذ تأسيسه في عام 1979.

صور بارديلا مرفوعة خلال حملة الانتخابات الفرنسية (إيبا/شاترستوك)

يتّسم البرلمان الأوروبي الجديد الذي افتتح ولايته الاشتراعية العاشرة هذا الأسبوع في العاصمة البلجيكية بروكسل بكونه الأكثر تشرذماً، على صعيد الكتل التي تشكلت داخله بعد انتخابات التاسع من الشهر الماضي، والأكثر جنوحاً نحو اليمين. إذ أصبح أكثر من نصف أعضائه ينضوون تحت الرايات اليمينية المحافظة واليمينية المتطرفة. بيد أن عجز القوى المتطرفة عن الانصهار ضمن كتلة واحدة، أدّى إلى تشكيل 8 كتل سياسية، للمرة الأولى منذ عشرين سنة، تتصدرها كتلة الحزب الشعبي الأوروبي الذي يضمّ 26 في المائة من الأعضاء. وحقاً، ينذر هذا التشرذم بولاية يتخلّلها المزيد من النقاش الحاد، يصعب فيها التوازن عند الاستحقاقات الحسّاسة ويتعذّر الاتفاق، ذلك أن القوى المعتدلة التي كانت تشكل مجتمعة 70 في المائة من أعضاء البرلمان الأول عام 1979، ما عادت تمثّل اليوم أكثر من 45 في المائة فقط.

أهمية الاستقرار السياسي

تعدّ هذه الولاية على جانب كبير من الأهمية بالنسبة للاستقرار السياسي داخل الاتحاد، خاصةً بعد صعود اليمين المتطرف والزلزال الذي نجم عن الانتخابات الأخيرة في فرنسا، حيث لا يزال المخاض مستمراً لتشكيل حكومة جديدة. وفي حين تجهد القوى المعتدلة للتأكيد بأنها تمكّنت من صدّ الموجة اليمينية المتطرفة - مع خشية كثيرين من أن تكون هذه آخر فرصة لقطع الطريق أمام الانقلاب السياسي الكبير - تكثّف هذه القوى مساعيها لفرض حظر على التعامل مع بعض القوى اليمينية المتطرفة التي تصنّفها قريبة من روسيا، وتعمل على منعها من تولّي مناصب حساسة في المؤسسات الأوروبية.

كتلة الحزب الشعبي الأوروبي تضم اليوم في البرلمان الجديد 188 عضواً، تليها كتلة الحزب الاشتراكي التي تتكوّن من 136 عضواً لا يتجاوزون نسبة 20 في المائة من المجموع للمرة الأولى منذ انطلاق البرلمان. وتأتي في المرتبة الثالثة كتلة «وطنيون من أجل أوروبا» اليمينية المتطرفة بـ84 عضواً، التي يقودها رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان وزعيمة «التجمّع الوطني» الفرنسي مارين لوبان، ثم تأتي في المرتبة الرابعة الكتلة اليمينية الأخرى التي تتزعمها رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني وتضمّ 87 عضواً تحت شعار «المحافظون والديمقراطيون من أجل أوروبا»... التي فشلت حتى الآن كل محاولات ضمّها إلى كتلة الحزب الشعبي الأوروبي. أما الكتلة الأخيرة التي تتجاوز بقليل 10 في المائة من مجموع أعضاء البرلمان، فهي الكتلة الليبرالية الوسطية، التي كانت أكبر الخاسرين في الانتخابات الأخيرة بعدما فقدت المرتبة الثالثة التي كانت تحتلها عادةً بين الكتل السياسية في البرلمان الأوروبي.

"تشكّك أوساط برلمانية أوروبية في قدرة الكتلة اليمينية المتطرفة الجديدة على التأثير داخل البرلمان"

البرلمان الأكثر جنوحاً نحو اليمين

بذلك يكون هذا البرلمان الجديد الأكثر جنوحاً نحو اليمين في تاريخ الاتحاد الأوروبي. ويبقى الذكور يشكلون فيه أكثرية الأعضاء (60 في المائة)، مع أن بعض البلدان، مثل قبرص، لم تنتخب أي رجل للبرلمان الجديد، بينما تشكّل النساء ثلث الأعضاء المنتخبين في كلٍ من ألمانيا وإيطاليا.

من ناحية أخرى، كان التطور اللافت والمفاجئ في المعسكر اليميني المتطرف نجاح رئيس الوزراء المجري أوربان في لمّ شمل القوى اليمينية المتطرفة القريبة من موسكو ضمن كتلة برلمانية جديدة «وطنيون من أجل أوروبا». ولقد قامت هذه الكتلة على أنقاض كتلة «الهوية والديمقراطية»، وتضمّ كلاً من الحزب الليبرالي النمساوي و«التحالف المدني» الذي يقوده رئيس الوزراء التشيكي السابق أندريه بابيس، إلى جانب حزب «فوكس» الإسباني، وحزب «الرابطة» الإيطالي بزعامة ماتّيو سالفيني، واليمين الهولندي المتطرف، وحزب «التجمع الوطني» الفرنسي بزعامة مارين لوبان.

ويعود الفضل في تشكيل هذه الكتلة الجديدة، التي تعمّدت تهميش رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، إلى أوربان وحلفائه في أوروبا الشرقية. ويهدف هذا التجمع الجديد إلى التأثير في سياسات البرلمان الأوروبي وعرقلة مشروع الاندماج الذي يتجه نحو توسعة جديدة للاتحاد تشمل دول البلقان وبعض بلدان القوقاز، إلى جانب أوكرانيا.

رئيس الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني (رويترز)

دور فيكتور أوربان

وتأتي هذه الخطوة أيضاً، وسط تزايد القلق بين الشركاء الأوروبيين من الدور الذي يلعبه فيكتور أوربان في الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد، وجولاته على كييف وموسكو وبكين في «مهمة سلام» لم تكلفه بها الدول الأعضاء التي وجهت إليه انتقادات شديدة واتهمته بخدمة مصالح الكرملين، وبدأت أخيراً بمقاطعة الاجتماعات الوزارية التي تنظمها الرئاسة المجرية.

هذا، وكان «التجمّع الوطني» الفرنسي الذي تقوده لوبان، والذي يشكّل القوة الرئيسية في هذه الكتلة الجديدة بعد حصوله على 30 مقعداً في انتخابات الشهر الماضي، قد تريّث في الإعلان عن انضمامه إلى الكتلة في انتظار نتائج الدورة الثانية من الانتخابات الاشتراعية الفرنسية التي كان يأمل أن يحصل فيها على الغالبية المطلقة ويكلّف نجمه الصاعد الشاب جوردان بارديلا تشكيل الحكومة الجديدة. إلا أنه بعد ظهور النتائج النهائية للانتخابات الفرنسية وتراجع «التجمع الوطني» إلى المرتبة الثالثة، صرّح بارديلا - الذي كان قد انتُخب عضواً في البرلمان الأوروبي – بـ«أن أعضاء (التجمع الوطني) في البرلمان الأوروبي الجديد سيلعبون دورهم كاملاً ضمن كتلة كبيرة سيكون لها تأثير واضح على موازين السلطة ومعادلاتها في أوروبا». وتعهّد بارديلا، بالتالي، مواصلة العمل من أجل «منع إغراق بلدان الاتحاد بالمهاجرين، ورفض السياسات البيئية المتطرفة، ومصادرة السيادة الوطنية».

وما يُذكر أنه على الرغم من تغيّب بارديلا عن الاجتماع التأسيسي للكتلة الجديدة، فإنه انتُخب رئيساً لها بالإجماع، يعاونه ستة نواب للرئيس، تبرز من بينهم المجرية كينغا غال كنائبة أولى.

تشكيك بإمكانية توحيد اليمين

في أي حال، تشكّك أوساط برلمانية أوروبية في قدرة هذه الكتلة اليمينية المتطرفة الجديدة على التأثير داخل البرلمان الجديد، وتستبعد نجاحها في العمل بتوجيهات موحدة في ضوء اختلاف مصالحها وأهدافها الخاصة. وكانت الكتلة السابقة «الهوية والديمقراطية»، التي قامت على أنقاضها الكتلة الجديدة، وكان ينتمي إليها حزب «البديل من أجل ألمانيا» - الذي طُرد منها بسبب التصريحات النازية لزعيمه - دائماً معزولة من القوى البرلمانية الأخرى، بما فيها الكتلة التي تتزعمها ميلوني. وهنا نشير إلى أنه رغم الانسجام العريض بين مواقف ميلوني ومواقف أوربان من معظم الملفات الأوروبية، فإن الزعيمين يختلفان بوضوح حول الحرب الدائرة في أوكرانيا؛ إذ تصطف ميلوني ضمن الموقف الرسمي للاتحاد، بعكس حليفها اللدود في الائتلاف الحكومي الذي ينافسها على زعامة المعسكر اليميني المتطرف في إيطاليا، زعيم حزب «الرابطة» ماتيو سالفيني.

جدير بالذكر، أن البرلمان الأوروبي الجديد انتخب في جلسته الافتتاحية يوم الثلاثاء الماضي المالطية روبرتا متسولا، من الحزب الشعبي، رئيسة لنصف الولاية الاشتراعية حتى مطلع عام 2027. ونالت متسولا، التي كانت ترأس البرلمان السابق منذ وفاة الإيطالي دافيد ساسولي، 562 صوتاً من أصل 720، وهذا رقم قياسي لم يحصل عليه أي من الرؤساء السابقين؛ الأمر الذي يدلّ على أنها حصلت أيضاً على تأييد عدد من نواب اليمين المتطرف بجانب تأييد الكتلتين الكبريين اللتين تتوافقان عادة على توزيع المناصب القيادية في مؤسسات الاتحاد.

ولقد قالت متسولا في كلمتها قبل البدء بالاقتراع السري: «أدعوكم إلى التمسك والالتزام بمبادئنا وقيمنا التأسيسية، والدفاع عن سيادة القانون، وعن الإنسانية في الشرق الأوسط ورفض اجتياح أوكرانيا». وشددت، كما فعلت عند انتخابها للمرة الأولى، على إعطاء البرلمان الأوروبي صلاحية اقتراح التشريعات المقصورة حالياً على المفوضية.