الصومال ينتظر «التحرّر» من حركة «الشباب»

بعد قرار مجلس الأمن إلغاء حظر التسلح المفروض منذ 1992

صورة أرشيفية لجنود أميركيين في الصومال خلال ديسمبر (كانون الأول) 1992 (آ ب)
صورة أرشيفية لجنود أميركيين في الصومال خلال ديسمبر (كانون الأول) 1992 (آ ب)
TT

الصومال ينتظر «التحرّر» من حركة «الشباب»

صورة أرشيفية لجنود أميركيين في الصومال خلال ديسمبر (كانون الأول) 1992 (آ ب)
صورة أرشيفية لجنود أميركيين في الصومال خلال ديسمبر (كانون الأول) 1992 (آ ب)

بعد مرور نحو 31 سنة، جاء قرار مجلس الأمن الدولي برفع حظر التسلح عن الصومال ليعيد للبلد القابع في القرن الأفريقي «حريته» في تعزيز قدرات جيشه، أملاً بأن يسهم ذلك في «دحر الإرهاب»، وربما تحرير البلاد من قبضة «حركة الشباب» المتطرفة الموالية لتنظيم «القاعدة»، التي ما زالت تسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي. القرار الذي أعلنه مجلس الأمن، مطلع ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة نص على «رفع حظر الأسلحة المنصوص عليه في القرار 733 الصادر عام 1992، بصيغته المعدلة». ودعا حكومة الصومال إلى «اتخاذ تدابير عدة. بينها؛ تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لإدارة الأسلحة والذخائر، وتعزيز مزيد من التأهيل المهني والتدريب، وبناء القدرات لجميع مؤسسات الأمن والشرطة الصومالية». كذلك دعا مجلس الأمن «الحكومة الصومالية لاتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان منع إعادة بيع الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية المستوردة لتستخدمها قوات معينة، وكذلك شركات الأمن الخاصة المرخصة، أو نقلها أو إتاحتها للاستخدام لأي جهة».

فور إعلان القرار الأممي الذي سعى الصومال طويلاً لتحقيقه، توالت بيانات الترحيب المحلي والدولي. وقال الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إن «مقديشو أصبحت الآن حرة في شراء أي نوع من الأسلحة»، وأكد أن «الأسلحة الموجودة بحوزة الحكومة لن تشكل تهديداً لشعبنا وللعالم». وأشارت وكالة الاستخبارات والأمن الوطني الصومالية إلى أن القرار «جاء في لحظة حاسمة، خصوصاً مع حرب الحكومة للقضاء على (حركة الشباب) التي تحاربها منذ 16 سنة». ووصفت الحكومة الصومالية القرار بأنه «خطوة مهمة إلى الأمام».

أما على الصعيد الدولي فاعتبرت دولة الإمارات العربية المتحدة أن «القرار سيؤثر إيجابياً على مستقبل البلاد»، كما رحّبت الخارجية التركية بالقرار الذي وصفته بـ«التاريخي»، ورحّب أيضاً البرلمان العربي بالقرار، معرباً عن أمله أن «يساعد في دحر الإرهاب». وكانت الأمم المتحدة قد فرضت حظراً على توريد الأسلحة للصومال إبان الحرب الأهلية عام 1992، بهدف وقف تدفق الأسلحة إلى الفصائل المتحاربة في أعقاب سقوط الحكومة المركزية الصومالية عام 1991. ومنذ عام 2012، يسعى الصومال لرفع حظر الأسلحة.

جهد سياسي كبير

وفي إطار المساعي الرامية إلى رفع الحظر، وصلت إلى العاصمة مقديشو عام 2022 لجنة من مجلس الأمن لمناقشة معوّقات رفع حظر الأسلحة، وتم الاتفاق على إنشاء عملية من 10 خطوات للتوصل إلى رفع كامل لحظر الأسلحة. وكانت الحكومة الصومالية قد بذلت جهداً سياسياً كبيراً لإقناع 15 عضواً في مجلس الأمن بأهمية القرار. وبدأت هذه الجهود تحقق تغييراً في الموقف الدولي، ففي مارس (آذار) الماضي، أشادت الولايات المتحدة الأميركية بما وصفته «خطوات مهمة» من جانب الرئيس الصومالي للوفاء بمعايير رفع حظر الأسلحة المفروض على بلاده. وأشار السفير الأميركي لدى الصومال، لاري أندريه، إلى أن «الحد من التسلح يساعد الصومال على تسهيل متطلبات مجلس الأمن الدولي برفع العقوبات عنه».

من ناحية ثانية، كان رئيس وزراء الصومال، حمزة بري، قد طالب في حوار سابق مع «الشرق الأوسط» في أبريل (نيسان) الماضي برفع حظر التسلح لمواجهة «الإرهاب»، معتبراً الإبقاء عليه «مسألة غريبة»، بجانب كونه «عقبة أمام تسلم القوات الوطنية المسؤولية الأمنية، حتى يتمكن الصومال من استعادة استقراره».

وحقاً، يشير قرار رفع حظر التسلح إلى «الثقة الدولية في الحكومة الصومالية، بينما تواصل ترسيخ وجودها في البلاد»، وفق عمر محمود، الباحث المتخصص في شؤون شرق أفريقيا في «مجموعة الأزمات الدولية». لكن محمود، في لقاء مع «الشرق الأوسط»، يرجح أن «يكون تأثير قرار رفع حظر التسلح رمزياً أكثر من كونه عملياً، ولا سيما أن الصومال كان قادراً على استيراد معظم الأسلحة من قبل من خلال عملية الإخطار... إضافة إلى أن الصومال لا يزال يفتقر إلى التمويل اللازم لإجراء صفقات شراء كبيرة للأسلحة».

في الواقع، نجحت مساعي الصومال طوال السنوات الماضية في تخفيف القيود المفروضة على الحكومة الصومالية طوال سنوات الحظر، إذ لم يطبق القرار بشكل كامل على شحنات الأسلحة المخصصة لتطوير قوات الأمن الصومالية، وظل باستطاعة الحكومة شراء السلاح بعد إخطار اللجنة الأممية المشرفة على تنفيذ العقوبات، وإن كانت الأخيرة عادة ما تعترض على صفقات الأسلحة الثقيلة.

الرئيس حسن شيخ محمود (رويترز)

الحرب على الإرهاب

للعلم، لا يتعلق الأمر بتنفيذ صفقات أسلحة فقط، إذ أرجعت الدكتورة نرمين توفيق، الباحثة في الشؤون الأفريقية والمنسّقة العامة لمركز «فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية» خلال حوار مع «الشرق الأوسط»، صدور القرار في هذا التوقيت إلى قرب مغادرة قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي (أتميس) الصومال. إذ من المقرر أن تغادر البلاد العام المقبل، «ما يستدعي تعزيز بنية الجيش الصومالي، ولا سيما أنه سيكون المسؤول عن حفظ الأمن في البلاد»، على حد قولها.

وتشير توفيق إلى أن «الجيش الصومالي ظل لفترة طويلة محدود القدرات، وقرار التسليح مرتبط بلا شك بقرب مغادرة قوات أتميس (الأفريقية لحفظ السلام)». وتلفت إلى أن «قرار حظر التسلح عام 1992 كان مع بداية الحرب الأهلية في الصومال، وسعى أكثر من تيار سياسي للسيطرة على البلاد، مع وجود ما كان يسمى بأمراء الحرب، إضافة إلى تصنيف الصومال من قبل الولايات المتحدة عام 2001 كدولة راعية للإرهاب».

ما يستحق الذكر أنه دعماً لجهود الصومال في استعادة الأمن والاستقرار، ومحاربة «الإرهاب»، تنتشر على أرضه قوات «أتميس»، لكن على هذه القوات الانسحاب تدريجياً، ونقل أنشطتها إلى القوات الصومالية بنهاية عام 2024. وهذا أمر تحاول الحكومة الصومالية تأجيله، ولقد ناشدت في سبتمبر (أيلول) الماضي مجلس الأمن الدولي إرجاء سحب قوة الاتحاد الأفريقي لمدة 3 أشهر، بعد تعرضها لما وصفته الحكومة بـ«نكسات كبيرة» خلال الحرب على «حركة الشباب» المتطرفة.

أيضاً من المقرر أن تقلص «أتميس» عدد أفرادها من 17626 إلى 14626 عنصراً بحلول نهاية العام الحالي. وما يذكر أن «أتميس» تضم نحو 20 ألف جندي، وهي ذات تفويض معزز لمحاربة «حركة الشباب» المتطرفة. وكانت هذه القوات قد حلّت محل بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (أميصوم) التي شكّلت عام 2007، بموجب قرار من مجلس الأمن صدر في أبريل (نيسان) 2022. وفي يوليو (تموز) الماضي، أعلنت «أتميس» استكمال المرحلة الأولى من خفض قواتها في الصومال.

مواجهة «حركة الشباب»

قرار رفع حظر التسلح عن الصومال تزامن مع قرار ثانٍ بـ«فرض حظر على الأسلحة الموجهة لحركة (الشباب)، يمنع الجماعات المتطرفة التي تستهدف تقويض الأمن والسلم في الصومال من شراء أسلحة ومعدات عسكرية». وكان القضاء على «حركة الشباب» هو التعهد الذي قطعه على نفسه الرئيس حسن شيخ محمود مع بداية ولايته الأولى عام 2012، لكنه لم يستطع الوفاء بتعهداته في فترة الرئاسة الأولى.

مع هذا، عاد شيخ محمود وجدد التعهد ذاته مع عودته للحكم مجدداً في مايو (أيار) 2022، حين أعلن في سبتمبر من العام نفسه عن استراتيجية للقضاء على الحركة «المتطرفة» تعتمد 4 محاور، من بينها العمليات العسكرية. إلا أن خبراء يرون أن حملة الحكومة الصومالية ضد «الشباب» تباطأت في الأشهر الأخيرة، ما يثير تساؤلات بشأن قدرة الصومال على الحد من تمدد الحركات المتطرفة. ومنذ أغسطس (آب) 2022، يخوض الجيش الصومالي، مدعوماً بقوات من الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة، حرباً ضد «حركة الشباب»، لكن الحكومة الصومالية قالت إنها «واجهت انتكاسات عدة في الحرب، خصوصاً بعد هجوم شنته «الشباب» على الجيش بمنطقة غلغدود.

وحسب تقرير، نشره معهد الأبحاث الأمني «هيرال» خلال فبراير (شباط) الماضي، فإن «حظر الأسلحة فشل في منع (حركة الشباب) من استيراد أسلحة لا يسمح للحكومة الصومالية بشرائها». وأشار التقرير إلى «محدودية قدرات الصومال، وحاجته إلى موافقة الأمم المتحدة لشراء أسلحة ضرورية من أجل كسر شوكة الإرهاب، في حين تشتري (حركة الشباب) السلاح بشكل غير قانوني، ما يشكل عقبة أمام جهود الحكومة لاجتثاث الإرهاب».

رئيس الوزراء حمزة بري (رويترز)

نجحت مساعي الصومال في تخفيف القيود المفروضة على الحكومة طوال سنوات الحظر الماضية

لا حل سحرياً

الباحث عمر محمود يرفض اعتبار قرار رفع حظر التسلح «حلاً سحرياً». ويقول إن «حرب الحكومة الصومالية ضد (حركة الشباب) توقفت لأسباب عدة، ليس من بينها الأسلحة»، ويوضح أن «بعض تلك الأسباب والديناميكيات الأساسية المرتبطة بالمظالم المحلية والنزاعات السياسية ستستمر في الصومال، بغضّ النظر عن استيراد مزيد من الأسلحة من عدمه». وتتفق معه الباحثة نرمين توفيق، فتقول إن مواجهة حركة «الشباب» الإرهابية «ليست بالمهمة السهلة». وتضيف أنه «رغم أن الحركة لم تنفذ عمليات إرهابية كبيرة كتلك التي وقعت في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، فإن عملياتها لا تزال مستمرة، وسط استمرار جهود الدولة لمواجهتها والحد من قدراتها».

تاريخياً، أسست «حركة الشباب» في الصومال عام 2006. ويعود أصلها إلى «الاتحاد الإسلامي»، وهو جماعة متشددة بلغت ذروتها في التسعينات من القرن الماضي، بعد سقوط نظام محمد سياد بري عام 1991، وكانت تمول جزئياً من زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن. وإثر غزو إثيوبيا للصومال عام 2006 تشكلت الحركة، ويذكر تقرير نشره «مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية» عام 2011 أن «تدخل إثيوبيا الذي جاء بناء على طلب من الحكومة الصومالية الانتقالية كان السبب وراء تطرف (حركة الشباب)، وتحوّلها إلى أقوى فصيل مسلح راديكالي في البلاد».

وبالفعل، نمت الحركة وصنفتها واشنطن كتنظيم إرهابي عام 2008. وعام 2011، طُرد مقاتلو «الشباب» من مقديشو، لكنهم ظلوا منتشرين في مناطق ريفية واسعة، ومنها كانوا يشنون هجمات على أهداف مدنية وأمنية. وعام 2012، أعلنت الحركة الولاء رسمياً لتنظيم «القاعدة»، ومن ثم نفذت هجمات عدة في الصومال، ومارست القرصنة والخطف وابتزاز المزارعين، إضافة إلى التهريب.

ولكن في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، دعا مبعوث الاتحاد الأفريقي في الصومال محمد الأمين سويف إلى تقديم الدعم الدولي لقوات الحكومة الصومالية في حربها ضد «حركة الشباب» على جبهات عدة في البلاد. وقال إن «الجيش الصومالي لا يحتاج إلى التدريب فحسب، بل يحتاج إلى الأسلحة والمعدات والمهارات للضباط».

مخاوف «الأفغنة»

وحول ما إذا كانت الحلول العسكرية قادرة على مواجهة التنظيمات «الإرهابية»، ومن بينها «حركة الشباب»، يرى الباحث محمود أن «الجيش وتسليحه هو جزء من الحل، ولكنه جزء فقط... ومن أجل إضعاف (حركة الشباب) يتعين على الحكومة الصومالية معالجة الأسباب الكامنة التي أدت لظهورها من الأساس، إضافة إلى أن تظهر للشعب الصومالي أنها الرهان الأفضل على المدى الطويل مقارنة بالجماعات المسلحة الأخرى، وهو أمر كافح الصومال سنوات طويلة لتحقيقه».

ويؤكد الباحث في «مجموعة الأزمات الدولية» أن «مواجهة الإرهاب والقضاء على التنظيمات الإرهابية نوع من الصراعات عادة ما لا يُحسَم عن طريق القتال فحسب... وفي مرحلة ما سيتوجب على الحكومة الصومالية إشراك تلك التنظيمات (مثل الحركة) في الحوار بهدف وضع حد للعنف».

من جانبها، تخشى الدكتورة توفيق مما وصفته بـ«أفغنة الصومال» مع خروج قوات الاتحاد الأفريقي من البلاد، على غرار ما حدث بعد خروج القوات الأميركية من أفغانستان، وما تبعه من عودة حركة «طالبان» للسيطرة على البلاد، متسائلة عن «قدرات الجيش على حفظ الأمن في البلاد». ووسط التفاؤل بما قد يحدثه قرار رفع حظر التسلح من تأثير على القدرات العسكرية للصومال، يظل مستقبل البلاد محفوفاً بالمخاطر، وتختتم توفيق بأنه «لا يمكن لأحد التنبؤ بمستقبل الصومال عقب انسحاب قوات (أتميس)، ولا أحد يعرف شكل المشهد عام 2024، وهل سيقع الصومال فريسة في يد التنظيمات الإرهابية، أم أن الجيش والحكومة الحالية سيكونان قادرين على حفظ الأمن والاستقرار في البلاد». نجحت مساعي الصومال في تخفيف القيود المفروضة على الحكومة طوال سنوات الحظر الماضية

 

حول الدعم العسكري الدولي للصومال في حربه ضد «الإرهاب»

آثار إحدى هجمات "حركة الشباب" الأرهابية (رويترز)

> بصفته من دول القرن الأفريقي، اكتسب الصومال أهمية لدى قوى دولية عدة دفعت إلى دعم مقديشو عسكرياً، سواء في حربها ضد التنظيمات المتطرفة، أم حتى ضد القراصنة في البحر الأحمر. اليوم، يوجد في الصومال، وفق دراسة نشرها «معهد بروكينغز» الأميركي في مايو (أيار) 2022، نحو 3 قواعد عسكرية أميركية وإماراتية وتركية. ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، عقدت «المجموعة الخماسية» بشأن الصومال - التي تضم قطر وتركيا ودولة الإمارات العربية المتحدة وبريطانيا والولايات المتحدة، أربعة اجتماعات؛ كان آخِرها في أنقرة أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وفي كل اجتماع جدَّد مسؤولو الدول الخمس دعمهم للصومال وحربه على «حركة الشباب»، وناقشوا سبل تعزيز المساعدات الأمنية لاستعادة الاستقرار في البلاد، واستعداد الصومال لسحب بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية «أتميس». أما «أتميس»، التي يشكل «الاتحاد الأوروبي» أكبر مانحيها، فقوام عسكريّيها من بوروندي وجيبوتي وإثيوبيا وكينيا وأوغندا، وفق «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى»، الذي يشير، في تقرير نشره في يونيو (حزيران) الماضي، إلى أن «أتميس لعبت دوراً أساسياً في ضمان أمن مقديشو والمدن الأخرى». وقبل «أتميس»، لعبت بعثة «أميصوم» أيضاً دوراً بارزاً في الصومال، و«قادت القتال ضد حركة الشباب، في الوقت الذي عجز فيه الجيش الصومالي عن تأدية هذا الدور، ولا سيما مع تورطه في فترة سابقة في نزاعات بين العشائر المختلفة»، وفق المعهد الأميركي. من جهة أخرى، فإن الدعم الدولي، وتحديداً الأميركي، أسهم في إنشاء وتدريب وتمويل «لواء دنب»، الذي تحمّل العبء الأكبر في محاربة «حركة الشباب». وشُكّل «لواء دنب» للاستفادة من نجاحات «أميصوم»، ودرّبته واشنطن وشركة «بانكروفت غلوبال» للتدريب العسكري عام 2012. إلا أن الدور الأميركي لا يقتصر على تدريب «لواء دنب»، ففي عام 2022 قدّمت واشنطن مساعدات عسكرية بقيمة 9 ملايين دولار للجيش الصومالي؛ لدعمه في الحرب ضد «حركة الشباب»، وتراوحت، من ثم، علاقة واشنطن بمقديشو بين البعد والتوغل. وبعد التدخل العسكري الأميركي في الصومال، إبان الحرب الأهلية في الفترة بين عاميْ 1992 و1993، وحادثة «سقوط طائرة بلاك هوك» التي خلفت 18 قتيلاً أميركياً ومئات الصوماليين، ابتعدت واشنطن بعض الشيء عن الصومال، لكن هذا التحفظ في العلاقات تغيَّر مع بداية الألفية الثانية، وأصبحت واشنطن من أكبر الجهات المانحة للمساعدات الدولية للصومال، وإن ظلت المساعدات العسكرية عنصراً رئيساً. ووفقاً لتقرير من «خدمة أبحاث الكونغرس الأميركي»، فإن واشنطن قدَّمت مساعدات أمنية مباشرة للصومال بأكثر من 500 مليون دولار، خلال الفترة بين 2010 و2020، كما أنفقت نحو 2.5 مليار دولار على المساعدة لبعثة الاتحاد الأفريقي «أميصوم»، وخليفتها «أتميس». وبعدها، عام 2017، علّقت واشنطن دعمها للجيش الصومالي قبل أن تستأنفه جزئياً عام 2019، لكن الرئيس السابق دونالد ترمب سحب كل القوات الأميركية من الصومال عام 2020، قبل أن يعيدها الرئيس الحالي جو بايدن عام 2022، عقب عملية كبيرة نفّذتها «حركة الشباب».


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
TT

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في أزمة سياسية بعد الانهيار المفاجئ للحكومة الائتلافية التي يرأسها المستشار أولاف شولتس. وبهذا التطوّر بات شولتس أحد أقصر المستشارين حكماً في ألمانيا؛ إذ إنه قبل إكماله 3 سنوات على رأس الحكومة الائتلافية التي تمثل 3 أحزاب (اشتراكي وليبرالي وبيئي «أخضر») صار المستشار رئيساً لحكومة أقلية مؤلفة من حزبين بانتظار الانتخابات المبكرة التي حُدّد موعدها يوم 23 فبراير (شباط) المقبل.

الحكومة الألمانية ترنّحت إثر انسحاب «ضلعها» الليبرالي، الحزب الديمقراطي الحر، منها. ورغم انسحاب الحزب، أراد رئيسها المستشار أولاف شولتس الاستمرار على رأس «حكومة أقلية» حتى نهاية مارس (آذار)، وهو التاريخ الذي حدّده في البداية لإجراء الانتخابات المبكرة عوضاً عن نهاية سبتمبر (أيلول).

لكن أمام ضغوط المعارضة وافق المستشار وزعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) على تقريب الموعد شهراً آخر. وحتى بعد إجراء الانتخابات، فإن فترة الشكوك قد تستمر لأسابيع أو أشهر إضافية. وللعلم، في ألمانيا، لم يسبق أن فاز أي حزب بغالبية مطلقة تسمح له بتشكيل حكومة منفرداً. وبالنتيجة، حكمت ألمانيا (الغربية أساساً) منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حكومات ائتلافية قادها إما محافظو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (يمين الوسط) أو اشتراكيو الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يسار الوسط).

فريدريش ميرتز (آجنزيا نوفا)

اليمين عائد... لكن!

هذه المرة يبدو أن الديمقراطيين المسيحيين (الحزب الذي قادته لفترة أنجيلا ميركل) يتجهون لاستعادة السلطة. فحزبهم تصدر استطلاعات الرأي بفارق كبير بنسبة تصل إلى 33 في المائة، وهي أعلى من النسبة التي تتمتع بها الأحزاب الثلاثة التي شكَّلت حكومة شولتس مجتمعة، قبل انهيارها. غير أن اختيار الحزب الشريك - أو الأحزاب الشريكة – في ائتلاف الديمقراطيين المرتقب، قد يكون أمراً معقّداً ويستغرق وقتاً طويلاً.

عقبة البيروقراطية

من ناحية ثانية، رغم محاولات الديمقراطيين المسيحيين تقريب موعد الانتخابات أكثر، مستفيدين من تقدم حزبهم في استطلاعات الرأي، ودعوات جمعيات الأعمال لتقليص فترة الشك والغموض في بلد لم يشهد نمواً اقتصادياً منذ 5 سنوات، فإن البيروقراطية الألمانية شكّلت عائقاً أساسياً أمام ذلك.

وحقاً، لا يقع اللوم في تأخير الانتخابات لنهاية فبراير (شباط) فقط على تشبّث شولتس بإطالة عمر حكومته العاجزة عن العمل. ذلك أنه فور انهيار الحكومة، وبدء الكلام عن انتخابات جديدة، دقّت «هيئة الانتخابات» جرس الإنذار محذّرة من أن التسرّع في إجرائها قد يؤدي إلى أخطاء تسببت بإعادتها. ورأت «الهيئة» ضرورة إفساح الوقت الكافي لتحضير اللوائح، وطبع الأوراق، وتحديات العثور على ورق كافٍ ومطابع جاهزة للعمل في خلال مدة زمنية قصيرة.

نقاط خلافية جدّية

ورغم سخافة هذا المشهد، فهو يعكس واقعاً في ألمانيا المقيدة بالبيروقراطية التي تعيق الكثير من تقدّمها، وكان واحداً من أسباب انهيار الحكومة في النهاية. فقد فشلت حكومة شولتس بإدخال أي إصلاحات لتخفيف البيروقراطية رغم التوصيات المتكرّرة من اختصاصيين. ولقد صدرت آخر هذه التوصيات الأسبوع الماضي من «مجلس الخبراء الاقتصادي»، وهو «مجلس حكماء» مدعوم من الحكومة، دعا إلى تقليص البيروقراطية وتسريع «المكننة» كواحدة من الخطوات الرئيسة لتحقيق النمو الاقتصادي.

وللعلم، كانت تلك واحدة من الخلافات الأبرز بين أحزاب الائتلاف الحكومي الثلاثة. فليبراليو الحزب الديمقراطي الحر (وسط) - الذي يعتبر مؤيداً لمجتمع الأعمال والشركات الكبرى - دفعوا منذ تشكيل الحكومة إلى «تقليص البيروقراطية»، خصوصاً على الشركات، إضافة إلى تخفيض الضرائب عنها، لكن أولويات الاشتراكيين وحزب «الخضر» البيئي تمثّلت بزيادة المعونات الاجتماعية والاستدانة لمواجهة التحديات الاقتصادية التي فرضتها تبعات حرب أوكرانيا وجائحة «كوفيد - 19».

قضية الإنفاق العام

شكّل الإنفاق العام نقطة خلافية أخرى مع الليبراليين الذين رفضوا التخلي عن بند كبح الديون الذي يوصي به الدستور الألماني إلا في الحالات القصوى. وجرى التخلي عن هذا البند بعد جائحة «كوفيد - 19» عندما اضطرت الحكومة إلى الاستدانة والإنفاق لمساعدة الاقتصاد على النهوض. وفي المقابل، أراد الاشتراكيون و«الخضر» مواصلة العمل بتعليق بند كبح الديون ضمن خطط إنعاش الاقتصاد وتمويل الحرب الأوكرانية، لكن ليندنر رفض رغم أن «مجلس الخبراء» أوصى ببحث هذا البند وتخفيف التقيد به.

هكذا أدى الخلاف على إجراءات إنعاش الاقتصاد وميزانية عام 2025 إلى انفراط التحالف مع الليبراليين، ودفع بشولتس إلى طرد زعيمهم ووزير المالية كريستيان ليندنر، الذي قدم مقترحاً لتقليص البيروقراطية وخفض الضرائب مقابل خفض الإعانات الاجتماعية لتمويل الحرب في أوكرانيا من دون زيادة الدين العام.

الاشتراكيون بقيادة شولتس وحزب «الخضر» رفضوا مقترح ليندنر من دون القدرة على التوصل إلى «حل وسط»، مع أن المستشار اعتاد المساومة والحلول الوسطى منذ تشكيل حكومته التي غالباً ما شابتها الخلافات الداخلية.

وطبعاً، دفع طرد ليندنر الوزراء الليبراليين للتضامن مع زعيمهم والاستقالة... ما فرط عقد الحكومة. وبعد أيام من الجدل حول موعد الانتخابات المقبلة، اتفقت الأحزاب على طرح الثقة بالحكومة يوم 16 ديسمبر (كانون الأول) - ويتوقع أن تخسرها بعد خسارتها الغالبية البرلمانية - ما سيؤدي إلى انتخابات عامة حدد موعدها في 23 فبراير.

كريستيان ليندنر (رويترز)

الاقتصاد أساس الأزمة

نقطة إنعاش الاقتصاد تظهر الآن نقطةً خلافية أساسية، بينما يراوح الاقتصاد الألماني مكانه عاجزاً عن تحقيق أي نمو يذكر. ثم أن مئات الشركات الصغيرة والوسطى أقفلت خلال العامين الماضيين، وبدأت حتى كبرى شركات السيارات تعاني خسائر دفعت بشركة «فولكسفاغن» العملاقة إلى إقفال 3 من مصانعها العشرة في ألمانيا.

مع هذا، لا يمكن لوم سياسات الحكومة والخلافات الداخلية حول التعامل مع الاقتصاد وحدها، لتبرير تدهور الاقتصاد الألماني خلال السنوات الثلاث الماضية. إذ بدأت حكومة شولتس عملها في خضم جائحة «كوفيد - 19» التي تسببت بأزمات اقتصادية عالمية، وتلت الجائحة الحرب الأوكرانية وتبعاتها المباشرة على ألمانيا، التي كانت تستورد معظم حاجاتها من الغاز من روسيا. وقد تعاملت حكومة شولتس مع انقطاع الغاز الروسي السريع عن ألمانيا بحكمة، ونجحت في تعويضه بسرعة من دون التسبب بأزمة نقص للغاز في البلاد. وأيضاً اتخذت تدابير لحماية المستهلكين من الارتفاع الكبير في الأسعار، مع أنها ما كانت قادرة على تفادي التداعيات بشكل كامل.

من ثم، تحوّلت الحكومة إلى ما يشبه حكومة إدارة الأزمات والسياسات السيئة الموروثة عن الحكومات السابقة. لكن حتى هنا، يمكن تحميل الاشتراكيين بعض مسؤولية السياسات الاقتصادية السيئة، ومنها اعتماد ألمانيا بشكل متزايد طوال حكومات أنجيلا ميركل الأربع على الغاز الروسي، والسبب أن الاشتراكيين شاركوا في ثلاث من هذه الحكومات، وشولتس نفسه كان وزيراً للمالية ثم نائب المستشارة.

علاقة الاشتراكيين بروسيا

من جانب آخر، لم يساعد القرب التاريخي للاشتراكيين من روسيا حكومة شولتس بإبعاد نفسها عن موسكو؛ إذ بقي المستشار متردداً لفترة طويلة في قطع العلاقات مع روسيا ودعم أوكرانيا. ومع أن ألمانيا تحوّلت الآن إلى ثاني أكبر داعم عسكري لكييف بعد واشنطن، فإن تردد شولتس شخصياً في كل قرار يتعلق بتسليح أوكرانيا، غالباً ما وضعه في مواجهة مع حليفيه في الحكومة وكذلك مع المعارضة. وللعلم، يعتمد شولتس سياسة حذرة في دعم أوكرانيا ولا يؤيد ضمها لـ«ناتو» (حلف شمال الأطلسي)؛ تخوفاً من استفزاز روسيا أكثر وخشيته من دفعها لتوسيع الصراع.

في أي حال، كرّر شولتس القول في كل مناسبة بضرورة استمرار دعم أوكرانيا، وكان هذا واحداً من أسباب الخلافات حول الميزانية التي أدت إلى انهيار الحكومة، فوزير المالية أراد اقتطاع مخصّصات اجتماعية لتمويل الحرب في حين شولتس أراد الاستدانة لذلك رافضاً المس بالإعانات.

وحيال أوكرانيا، مع أن مقاربة تمويل الحرب في أوكرانيا تختلف بين الأحزاب الألمانية، لا خلاف على دعم كييف لا خلاف عليه. بل يتشدّد الديمقراطيون المسيحيون المتوقع فوزهم بالانتخابات وقيادتهم الحكومة المقبلة أكثر في دعمهم. ويؤيد زعيم حزبهم، فريدريش ميرتز، الذي قد يصبح المستشار القادم، أوكرانيا ضم أوكرانيا «فوراً» إلى «ناتو» بخلاف شولتس، كما يؤيد إرسال صواريخ «توروس» البعيدة المدى والألمانية الصنع إليها، بينما يعارض شولتس ذلك.

وهنا نشير إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي كان طوال السنوات الماضية، منذ تفجّر الحرب الأوكرانية، شديد الانتقاد لتردّد المستشار الاشتراكي في قرارات تسليح كييف وقطع العلاقات الاقتصادية مع روسيا، رغم أنه كان المسؤول عن وصول العلاقات الاقتصادية إلى مرحلة الاعتماد الألماني على الطاقة الروسية... كما كان حاصلاً قبل الحرب.

على الحكومة الجديدة التعامل مع ترمب

في ملف العلاقات الاقتصادية

أولاف شولتس (رويترز)

تبعات عودة ترمب

في اتجاه موازٍ، مقاربة الحرب الأوكرانية ستضع أي حكومة ألمانية جديدة في مواجهة محتملة مع إدارة دونالد ترمب القادمة في واشنطن. إذ ستضيع ألمانيا شهوراً ثمينة في تحديد سياستها مع العد العكسي للانتخابات المبكرة وتفاوض الأحزاب خلالها على تشكيل حكومة ائتلافية.

ولن يكون أمام الحكومة الجديدة فقط تحدي التعامل مع إدارة ترمب في ملف أوكرانيا، بل أيضاً في ملف التجارة والعلاقات الاقتصادية. ذلك أن ترمب في عهده الأول دأب على انتقاد ألمانيا بسبب ضخامة صادراتها إلى الولايات المتحدة، وبخاصة السيارات، التي تفوق بأضعاف الصادرات الأميركية إليها. وبالفعل، هدَّد آنذاك برسوم على السيارات الألمانية في حال لم تزد برلين وارداتها من الولايات المتحدة خاصة الغاز الأميركي الذي كان ترمب يضغط على ميركل لاستيراده عوضاً عن الغاز الروسي. بالتالي، مع عودة ترمب، ستعود المخاوف من حرب اقتصادية مع واشنطن قد تكون إذا وقعت مدمّرة لقطاع السيارات الألمانية. وحقاً، خفّضت كل الشركات الألمانية الكبرى سقف توقّعاتها للأرباح في الأشهر المقبلة، بعد تراجع مبيعاتها في الأسواق الخارجية وتحديداً الصين، بشكل كبير. وقد يشكّل تقلّص سوقها في الولايات المتحدة ضربة جديدة لها يحذّر الخبراء الاقتصاديون من أن تبعاتها ستكون مؤلمة للاقتصاد الألماني.

حسابات الانتخابات المقبلة

عودة إلى حسابات الداخل، لم يطرح الزعيم الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتز، في الواقع، فكرة إعادة وزير المالية المعزول كريستيان ليندنر إلى حكومته المحتملة. لكن سيتوجّب أولاً على حزب ليندنر، أي الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) أن يكسب أصواتاً كافية لتمثيله في البرلمان. وحتى مع تحقيق هذا قد لا يكون التحالف بين الحزبين كافياً لضمان الغالبية، إلا إذا حصلت مفاجأة وحقق أحد الحزبين نتائج أعلى من المتوقع في الاستطلاعات، كما فعل الاشتراكيون في الانتخابات الماضية عندما نالوا قرابة 26 في المائة متقدمين على الديمقراطيين المسيحيين الذين نالوا 24 في المائة من الأصوات. ويومذاك كانت استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات تشير إلى شبه تعادل بين الحزبين.

من ثم، في حال بقاء ليبراليي الحزب الديمقراطي الحر خارج الحكومة، قد تعيد ألمانيا إنتاج حكومة يشارك فيها الحزبان الرئيسان المتناقضان في سياساتهما الاجتماعية والاقتصادية، أي الاتحاد الديمقراطي المسيحي اليميني والحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي). وقد يُجبَر الحزبان على ضم شريك ثالث يرجح أن يكون حزب «الخضر» في حال غياب الليبراليين عن المشهد. وقد تعيد هكذا حكومة ثلاثية فترة الخلافات والاضطراب التي شهدتها ألمانيا في ظل الحكومة الثلاثية الحالية التي رغم انجازاتها، لا يذكر كثيرون إلا الخلافات التي شابتها.وحتى ذلك الحين، فإن التحديات التي ستواجهها أي حكومة ألمانية قادمة، تجعل من فترة انتظار الانتخابات وتشكيل الحكومة، فترة صعبة ستزيد من عمق الأزمة الاقتصادية وتشرذم الموقف الألماني والأوروبي أمام الإدارة الأميركية.