هل تجد البشرية نفسها في «مسار تصادمي» مع الذكاء الاصطناعي؟

أنظمة تتصرف بطرق لم يطلبها أحد... وبدوافع وسلوكيات لم يتوقعها أحد

سواريس أثناء فعاليات «قمة الأفكار التي تُغير العالم»
سواريس أثناء فعاليات «قمة الأفكار التي تُغير العالم»
TT

هل تجد البشرية نفسها في «مسار تصادمي» مع الذكاء الاصطناعي؟

سواريس أثناء فعاليات «قمة الأفكار التي تُغير العالم»
سواريس أثناء فعاليات «قمة الأفكار التي تُغير العالم»

أعرب باحثون في طليعة أبحاث الذكاء الاصطناعي، وقادة العديد من المنصات الرئيسية - من جيفري هينتون إلى يوشوا بنجيو، وديميس هاسابيس، وسام ألتمان، وداريو أمودي، وإيلون ماسك - عن مخاوفهم من أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى فناء البشرية، كما كتبت آنا لويز جاكسون (*).

كتاب «إذا بناه أحد، سيموت الجميع»

كتاب جديد عن احتمالات نهاية العالم

غير أن هذه الاحتمالات التي ذكرها بعض خبراء الذكاء الاصطناعي هؤلاء، والتي تصل فيها احتمالية وقوع نهاية العالم إلى نسبة 25 في المائة، لا تزال «متفائلة بشكل مفرط»، كما يقول نايت سواريس، رئيس معهد أبحاث الذكاء الآلي، (MIRI)، المؤلف المشارك لكتاب «إذا بناه أحد، سيموت الجميع» If Anyone Builds It, Everyone Dies الذي حقق أعلى المبيعات أخيراً.

ويجادل سواريس بأن المسار الذي نسلكه مع الذكاء الاصطناعي يتجه نحو كارثة، ما لم يتغير شيء جذرياً.

تصرفات وسلوكيات غير متوقعة

يستكشف الكتاب، الذي شارك في تأليفه الباحث إيليزر يودكوفسكي، التهديدات المحتملة التي يشكلها «الذكاء الخارق»، أو أنظمة الذكاء الاصطناعي النظرية التي تفوق ذكاء البشر.

وصرح سواريس في فعاليات «قمة الأفكار التي تُغير العالم»، التي استضافتها مجلة «فاست كومباني» وجامعة جونز هوبكنز في واشنطن العاصمة الشهر الماضي: «نحن نُنمّي نوعاً ما أنظمة ذكاء اصطناعي تتصرف بطرق لم يطلبها أحد، ولديها دوافع وسلوكيات ناشئة لم يتوقعها أحد».

وأضاف: «إذا حصلنا على أنظمة ذكاء اصطناعي فائقة الذكاء تسعى لتحقيق غايات لم يرغب بها أحد، فأعتقد أن النتيجة الحتمية هي هلاك جميع سكان الأرض».

أهمية التأمل في النتائج السلبية

شبَّه سواريس عمل بعض رواد الذكاء الاصطناعي ببناء طائرة أثناء تحليقها من دون عجلات هبوط، وقال إنه لا يتم إيلاء الاهتمام الكافي للنتائج السلبية المحتملة لهذه التقنية. مؤكداً أن حجم الاستثمارات العالمية التي تُضخ في الذكاء الاصطناعي يُظهر أن الناس يراهنون على أنه لن يكون «فشلاً ذريعاً».

خياران مجنونان

لكن هناك خياران «مجنونان» آخران: إما أن يُؤتْمِت الذكاء الاصطناعي العمل البشري بالكامل بشكل جذري، مما يؤدي إلى سيطرة فئة قليلة جداً على الاقتصاد، أو أن يصبح فائق الذكاء ويقضي على الجميع.

وأضاف سواريس: «لم يستوعب العالم بعد مدى خطورة هذا الذكاء الاصطناعي».

التعبير عن المخاوف يعزز التفاؤل

لكن هناك بعض الأسباب للتفاؤل، كما قال سواريس، إذ ما إن يشعر الكثيرون بالقلق حيال مستقبل الذكاء الاصطناعي ويعبرون عن مخاوفهم، فإن هذا يُنذر بوضع «هش» (في مجالات تطويره).

«ربما إذا تساءل عدد كافٍ من الناس: لحظة، ماذا نفعل الآن؟ ما هذا بحق الجحيم؟»، كما يشير سواريس. ويضيف: «ربما يُزلزل ذلك العالم بأسره ويجعله يقول: يا إلهي، لنغير مسارنا».

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


مقالات ذات صلة

من هارفارد إلى منهاتن… خريطة طريق جديدة لعكس المرض ومكافحة الشيخوخة

علوم دراسة ترابط الدماغ والقلب والميتوكوندريا... لفهم الشيخوخة

من هارفارد إلى منهاتن… خريطة طريق جديدة لعكس المرض ومكافحة الشيخوخة

البدايات الفعلية للمرض تتشكّل قبل سنوات من لحظة التشخيص

د. عميد خالد عبد الحميد (نيويورك)
الاقتصاد تُظهر هذه الصورة التوضيحية هاتفاً يعرض اتجاهاً هابطاً في سوق الأسهم أمام شاشة تُظهر شعار «بتكوين» (أ.ف.ب)

مخاوف الذكاء الاصطناعي وخيبة أمل «أوراكل» تدفعان العملات المشفرة لتراجع حاد

انخفض سعر «بتكوين» إلى ما دون 90 ألف دولار مع تراجع الإقبال على المخاطرة بفعل مخاوف مرتبطة بالذكاء الاصطناعي وتراجع العملات المشفرة يوم الخميس.

«الشرق الأوسط» (لندن )
خاص يتسارع نمو البيانات في الشرق الأوسط مدفوعاً بالتحول الحكومي والذكاء الاصطناعي والقطاعات الرقمية كثيفة البيانات (غيتي)

خاص هل تصبح البيانات أساس المرحلة المقبلة من التحول الرقمي في الشرق الأوسط؟

يتسارع نمو البيانات في الشرق الأوسط، ما يجعل البنية التحتية للتخزين وإدارة البيانات عاملاً حاسماً في نجاح التحول الرقمي ودعم الذكاء الاصطناعي بكفاءة واستدامة.

نسيم رمضان (لندن)
علوم الصعود الخطير للعلاج النفسي بتقنية الذكاء الاصطناعي

الصعود الخطير للعلاج النفسي بتقنية الذكاء الاصطناعي

خطر كبير يتهدد صحة الأفراد بسبب الجاذبية الشديدة

إنريكي دانس (واشنطن)
خاص إحدى طائرات «طيران الرياض (الشركة)

خاص «طيران الرياض» و«آي بي إم» ينجزان أول ناقل جوي في العالم «مؤسَّس بالذكاء الاصطناعي»

أعلنت شركة «طيران الرياض» بالتعاون مع «آي بي إم» بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تأسيس أول شركة وطنية جديدة مبنية بالكامل على الذكاء الاصطناعي.

عبير حمدي (الرياض)

من هارفارد إلى منهاتن… خريطة طريق جديدة لعكس المرض ومكافحة الشيخوخة

دراسة ترابط الدماغ والقلب والميتوكوندريا... لفهم الشيخوخة
دراسة ترابط الدماغ والقلب والميتوكوندريا... لفهم الشيخوخة
TT

من هارفارد إلى منهاتن… خريطة طريق جديدة لعكس المرض ومكافحة الشيخوخة

دراسة ترابط الدماغ والقلب والميتوكوندريا... لفهم الشيخوخة
دراسة ترابط الدماغ والقلب والميتوكوندريا... لفهم الشيخوخة

في قلب منهاتن، التقت «الشرق الأوسط» حصرياً، مع أحد أبرز العقول التي تعيد رسم مستقبل الطب: الدكتور صلاح الدين هلسة البروفسور في جامعة هارفارد، الذي جاء إلى نيويورك ليكشف لنا ملامح كتابٍ أثار اهتمام العالم الطبي، كتاب لا يكتفي بطرح أفكار جديدة، بل يقدّم ما يشبه «خريطة طريق» لإعادة كتابة علاقة الإنسان بمرضه وزمنه وعمره البيولوجي.

البروفسور صلاح الدين هلسة داخل مختبره أثناء شرحه آليات تحليل العمر البيولوجي

قراءة إيقاع العمر

هذا العمل الذي شارك في تأليفه أربعة من كبار الأطباء العالميين - لا يَعِد بمعجزة، ولا يبيع وهماً؛ بل يقدّم منهجاً علمياً متماسكاً، قائماً على فهمٍ أعمق للأيض الخلوي، وتجديد الأنسجة، وقراءة إيقاع العمر في داخل الجسم. وهو كتاب يستعين بالذكاء الاصطناعي لا بوصفه تقنية مساعدة، بل كنافذة جديدة يرى من خلالها الطبيب ما كان يختبئ خلف أعراض صامتة، وما كان يبدأ قبل سنوات من لحظة التشخيص.

الأمراض المزمنة ليست ألغازاً... إنها تبدأ من نقطة واحدة

وفي حديثه بدأ البروفسور صلاح الدين هلسة بقوله: «الأمراض المزمنة ليست ألغازاً معقدة. إنها تبدأ من نقطة واحدة: خلل مبكر في طريقة تواصل خلايا الجسم. وإذا أمكن قراءة هذا الخلل في الزمن المناسب... يمكن إيقاف المرض، بل وعكس مساره».

لم تكن هذه الكلمات مجرد افتتاح، بل كانت المفتاح الفكري الذي يقوم عليه الكتاب كله. فعالم الطب، كما يوضح هلسة، ظلّ لعقود طويلة يتعامل مع المرض عندما يصبح صارخاً وواضحاً: السكري بعد أن يرتفع السكر، ارتفاع ضغط الدم بعد أن يتصاعد الضغط، هشاشة بعد أن يحدث الكسر. لكن ما يكشفه العلم الحديث اليوم هو أن البدايات الفعلية للمرض تتشكّل قبل سنوات من لحظة التشخيص، وأن الخلايا ترسل إشارات خافتة لا يسمعها الطبيب إلا إذا امتلك الأدوات التي تكشف ما تحت السطح وما وراء الأعراض.

البداية من الخلية... لا من العَرَض

يوضّح البروفسور هلسة أن الطريق إلى فهم المرض لا يبدأ من الأعراض التي يراها الطبيب، بل من الخلية نفسها؛ تلك الوحدة الصغيرة التي تحمل داخلها سرّ الصحة وسرّ الانهيار في آنٍ واحد. ويشير إلى أن نحو 80 في المائة من الأمراض المزمنة - من السكري إلى أمراض القلب والسرطان - تشترك في خيط بيولوجي واحد يبدأ بالضغط الخلوي (Cell Stress)، واضطراب عمل الميتوكوندريا المسؤولة عن إنتاج الطاقة، ثم يتطور بصمت عبر تراكم الالتهابات الخفية التي تعمل لسنوات دون أن يشعر بها المريض.

وفي لقائه، يلخّص البروفسور هذه الرؤية بكلمات لافتة: «الخلية هي وحدتنا الأولى. فإذا فُهمت جيداً، فُهم كل شيء بعدها».

هذه العبارة - كما يصفها - ليست مجازاً علمياً، بل قاعدة ذهبية لفهم كيف ينشأ المرض وكيف يمكن إيقافه قبل أن يتحوّل إلى معاناة واضحة تُجبر الطبيب على التدخل.

غلاف الكتاب الجديد

الذكاء الاصطناعي... الطبيب الذي يرى ما لا نراه

لم تعد التقنيات الحديثة تقتصر على تحليل صور الأشعة أو قراءة السجلات الطبية؛ فقد بات الذكاء الاصطناعي قادراً على:

- بناء عمر بيولوجي لكل عضو على حدة.

- اكتشاف الأمراض قبل 5 إلى 10 سنوات من ظهورها.

- التنبؤ بأنماط الشيخوخة وتسارعها.

- تصميم بروتوكولات علاجية شخصية لكل مريض.

ويقول هلسة في حديثه: «الذكاء الاصطناعي لا يستبدل الطبيب، بل يعطيه عيوناً جديدة».

من الوقاية... إلى الوقاية الاستباقية

يشرح البروفسور هلسة أن الوقاية لم تعد فحوصاً سنوية روتينية، بل منظومة متكاملة تشمل: تحليل الدم المتقدم، وقياس المؤشرات الالتهابية الخفية، وقراءة الميكروبيوم، وتقييم الأداء الخلوي، وتتبع النوم والإجهاد، ثم دمج كل هذه البيانات في خوارزميات ذكاء اصطناعي قادرة على التنبؤ بخطر المرض قبل ظهوره.

هل يمكن إبطاء الشيخوخة؟

يُوضّح البروفسور هلسة أن الحديث عن الشيخوخة لم يعد خيالاً علمياً، قائلاً: «نحن لا نتحدث عن إيقاف الزمن، بل عن تحسينه. فهناك اليوم أدلة واضحة على أن بعض المسارات البيوكيميائية يمكن إعادة ضبطها. نحن لا نطيل العمر فقط... بل نعيد جودة الحياة إلى مركزه». وهذه الرؤية، كما يشرح: تُحوّل الشيخوخة من قدر محتوم إلى عملية يمكن توجيهها وتعديل سرعتها.

«المريض الكامل»... رؤية جديدة

يقدّم الكتاب الذي نشر بعنوان The Metabolic Codex (المدوّنة الأيضية)، نموذج «المريض الكامل» الذي يرى الإنسان كمنظومة مترابطة؛ فكل عضو يؤثر في الآخر: القلب بالنوم، والدماغ بالغذاء، والمناعة بالحالة النفسية، والشيخوخة بإيقاع الميتوكوندريا.

ويوجز البروفسور هلسة هذه الفكرة بعبارة لافتة: «لا يوجد مرض منفصل. يوجد إنسان واحد».

من هارفارد إلى العالم العربي

وفي تصريحه الخاص بـ«الشرق الأوسط»، يشيد البروفسور هلسة بالدور المتنامي للمنطقة في تبنّي الطب المستقبلي، قائلاً: «الشرق الأوسط يمتلك طاقة بشرية وصحية هائلة، وما تقوم به السعودية في مجال الذكاء الاصطناعي والطب الوقائي قد يجعلها في مقدمة الدول القادرة على تطبيق هذا النموذج الجديد. وهذه المنطقة - بخططها الطموحة واستثماراتها في التقنيات الطبية - قادرة على أن تتحول إلى منصة عالمية لإعادة تعريف مفهوم الصحة».

ويضيف أن البيئة البحثية في المملكة، وما تشهده من مبادرات في البيانات الصحية، والطب الدقيق، والتوأم الرقمي، تؤهلها لتكون من أوائل الدول التي تنقل هذا العلم من المختبرات إلى الحياة اليومية للمرضى

تطلعات المستقبل

هذا الكتاب ليس مجرد تأليف أكاديمي، بل إعلان بداية مرحلة جديدة من الطب: طبّ ذكي، وشفاف، واستباقي، وشخصي... طبّ لا ينتظر المرض ليظهر، بل يعترضه قبل أن يولد. رؤيةٌ تعيد تعريف العلاقة بين الإنسان وعمره البيولوجي، وتفتح باباً كان مغلقاً لعقود أمام فكرة «عكس المرض» بدل الاكتفاء بإدارته.

وفي ختام اللقاء، عبَّر البروفسور هلسة عن تطلّعه - مع فريق مؤلفي الكتاب - لزيارة الشرق الأوسط، ولا سيما السعودية، لبحث فرص التعاون في تحويل هذه المفاهيم العلمية إلى برامج عملية؛ من الطب الوقائي إلى الذكاء الاصطناعي الصحي، ومن العيادات الذكية إلى منصات العمر البيولوجي. وأضاف: «نحن مستعدون للعمل مع المنطقة لخلق نموذج صحي جديد... يبدأ من هنا، ويصل أثره إلى العالم».


«ناسا» تفقد الاتصال بالمركبة «مافن» التي تدور حول المريخ منذ عقد

المركبة «مافن» (أ.ب)
المركبة «مافن» (أ.ب)
TT

«ناسا» تفقد الاتصال بالمركبة «مافن» التي تدور حول المريخ منذ عقد

المركبة «مافن» (أ.ب)
المركبة «مافن» (أ.ب)

فقدت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) الاتصال بمركبة فضائية كانت تدور حول المريخ منذ أكثر من عقد.

ووفقاً لوكالة الأنباء الألمانية، توقفت المركبة «مافن» فجأة عن التواصل مع المحطات الأرضية خلال مطلع الأسبوع. وقالت وكالة ناسا، هذا الأسبوع، إن المركبة كانت تعمل بشكل طبيعي قبل أن تختفي خلف الكوكب الأحمر، وعندما عادت للظهور، لم يكن هناك سوى الصمت.

وبعد إطلاقها في 2013، بدأت المركبة «مافن» دراسة الغلاف الجوي العلوي للمريخ، وتفاعله مع الرياح الشمسية، وذلك بمجرد وصولها إلى الكوكب الأحمر في العام التالي.

وتوصل العلماء في نهاية الأمر إلى تحميل الشمس مسؤولية فقدان المريخ لمعظم غلافه الجوي في الفضاء عبر العصور، ما حوّله من كوكب رطب ودافئ إلى الكوكب الجاف والبارد الذي هو عليه الآن.

وعملت مركبة «مافن» أيضاً كحلقة وصل للاتصالات لعربتي «ناسا» الاستكشافيتين على المريخ؛ «كيوريوسيتي» و«بيرسيفيرانس». وقالت وكالة ناسا إن تحقيقات هندسية تجري حالياً.


الصعود الخطير للعلاج النفسي بتقنية الذكاء الاصطناعي

الصعود الخطير للعلاج النفسي بتقنية الذكاء الاصطناعي
TT

الصعود الخطير للعلاج النفسي بتقنية الذكاء الاصطناعي

الصعود الخطير للعلاج النفسي بتقنية الذكاء الاصطناعي

أدى الانتشار السريع لـ«الذكاء الاصطناعي المتعاطف»، ومنصات الصحة النفسية الرقمية إلى ظهور سردية جذابة: وكلاء محادثة متاحون دائماً، لا يصدرون أحكاماً، وقادرون على القيام بدور المعالجين النفسيين.

خطر الوعود الزائفة

تعد هذه الأدوات بتقديم الدعم دون قوائم انتظار، أو فواتير، أو قيود بشرية. إلا أن خطراً جسيماً يكمن وراء جاذبيتها. تجادل المقالة بأن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه محاكاة الرعاية العلاجية الحقيقية، وأن استخدامه المتزايد بوصف أنه رفيق نفسي ليس مضللاً فحسب، بل إنه خطير أيضاً.

الفرق بين العلاج الحقيقي والاصطناعي

يتمثل أحد الشواغل الرئيسة في الفرق بين العلاج الحقيقي وما تقدمه أنظمة الذكاء الاصطناعي التفاعلية.

المعالجون النفسيون البشريون يتحدون الافتراضات، ويحددون التشوهات المعرفية، ويطرحون على المرضى وسائل مماحكة ضرورية تساعد المرضى على مواجهة الحقائق الصعبة.

في المقابل، تُبنى روبوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي على «التقارب» الخوارزمي: فهي تتكيف مع نبرة المستخدم، ومزاجه، ومعتقداته، للحفاظ على التفاعل. يؤدي هذا التصميم إلى تعزيز التشوهات العاطفية للمستخدم بدلاً من تحديها. ويمكن أن يؤدي هذا التعزيز إلى نتائج ضارة، أو حتى مأساوية.

محاباة المستخدم

في دعوى قضائية رفعتها عائلة من كاليفورنيا تزعم أن برنامج «تشات جي بي تي» ساهم في ظهور أفكار انتحارية لدى مراهق من خلال ترديد أفكاره التشاؤمية، ومساعدته في كتابة رسالة انتحار. وقد أظهرت أبحاث أخرى أن نماذج اللغة تقدم اقتراحات حول أساليب إيذاء النفس عند التعرض لضيق عاطفي. هذه الإخفاقات ليست تعبيراً عن نية حقيقية، بل هي انعكاسات لنظام مُحسَّن للموافقة، والمحاكاة، والحفاظ على الألفة بدلاً من ممارسة التدخل الصحي الحقيقي.

وهم التعاطف الاصطناعي بلا مسؤولية أخلاقية

يكشف هذا الواقع أيضاً عن وهم التعاطف الكامن في صميم هذه الأدوات. فنماذج اللغة الكبيرة ليست من المستمعين الواعين؛ إذ إنها محركات إحصائية مُدرَّبة على محاكاة أنماط التواصل البشري. قد تبدو نبرتها حنونة، أو داعمة، لكن «التعاطف» الناتج عنها هو محاكاة تفتقر إلى التاريخ العاطفي، والوعي الذاتي، والمسؤولية الأخلاقية. ومع ذلك، غالباً ما يُكوِّن المستخدمون روابط عاطفية سريعة مع هذه الأنظمة، ويُضفون عليها صفات بشرية لا تمتلكها. يمكن أن تؤدي هذه الألفة المصطنعة إلى اعتمادهم عليها، خاصة بين الأفراد المعزولين، أو الضعفاء.

الاستغلال لأغراض تجارية

يُشكّل استغلال هذه العلاقة الحميمة لأغراض تجارية خطراً أخلاقياً أعمق. فعندما يُفصح المستخدمون عن مخاوفهم، أو صدماتهم الشخصية لمنصات الذكاء الاصطناعي، فإنهم يُولّدون بيانات بالغة الحساسية.

وتقوم العديد من تطبيقات الصحة النفسية، وبرامج الدردشة الآلية بجمع هذه المعلومات، وتخزينها، ومشاركتها بموجب شروط خدمة فضفاضة، أو مبهمة. وتشير التقارير إلى أن العديد من المنصات تُرسل بيانات المستخدمين إلى شركات تحليل وتسويق خارجية، أو تستخدم نصوصاً عاطفية مجهولة المصدر لتدريب نماذج تجارية.

خروج عن المعايير العلاجية البشرية

ويُمثّل هذا خروجاً صارخاً عن المعايير العلاجية البشرية. تصبح السرية، التي تُشكّل الأساس الأخلاقي للرعاية السريرية، اختيارية، أو مشروطة، أو معدومة داخل أنظمة الذكاء الاصطناعي. تُصبح مشاركة المعلومات الحميمة جزءاً من نموذج عمل تجاري بدلاً من كونها تبادلاً علاجياً محمياً.

خطر الذكاء الاصطناعي الصوتي

وتتفاقم المخاطر عند الوصول إلى الذكاء الاصطناعي عبر واجهات صوتية، مثل مساعدي الصوت المدعومين بالذكاء الاصطناعي. يُقلّل التحدث بصوت عالٍ من الرقابة الذاتية، ويُسرّع الإفصاح العاطفي، ويُنشئ شعوراً أعمق بالتواصل.

ولا يقتصر الصوت على التقاط المحتوى فحسب، بل يُسجّل أيضاً النبرة، والتنفس، والترددات، والضوضاء المحيطة، وكلها قد تكشف جوانب من الحالة العاطفية، أو الجسدية. تُشكّل هذه الإشارات بصمة بيومترية (للقياسات البيولوجية). فإذا قامت الشركات بمعالجة أنماط المشاعر الشخصية، أو تخزينها دون ضوابط صارمة، فقد تصبح هذه الأنماط ملكاً للشركة. لذا لا يكمن الخطر في التكنولوجيا نفسها، بل في ملكية البيانات الناتجة، وإدارتها.

«آلات قمار عاطفية»

وهناك مفارقة جوهرية: فكلما زادت قدرة الذكاء الاصطناعي على محاكاة التعاطف، ازدادت حساسيته الأخلاقية. إذ يمكن للراحة المصطنعة التي يوفرها للمستخدم أن تخفي غياب الرعاية الحقيقية، ما يخلق مرآةً تعكس معاناة المستخدم، وتضخمها بدلاً من تقديم التوجيه.

ورغم الترويج التسويقي أن الذكاء الاصطناعي سيُتيح دعم الصحة النفسية للجميع، فإن نشر هذه الأنظمة دون إشراف سريري، أو ضوابط صارمة يحولها إلى أدوات للتلاعب العاطفي، لتصبح «آلات قمار عاطفية» تستخرج البيانات مقابل راحة مصطنعة.

على القادة حماية البيانات النفسية

بالنسبة لقادة الأعمال والمديرين التنفيذيين الذين يفكرون في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية، أو التعليم، أو صحة الموظفين، فإن هذا التحدي ليس فلسفياً فحسب، بل هو عملي أيضاً. فالبيانات النفسية تحمل تبعات تنظيمية، وقانونية، وسمعة.

يجب على المؤسسات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي في سياقات حساسة أن تضمن الشفافية التامة بشأن تفاعل الآلات، وأن تُطبّق إجراءات صارمة لحماية البيانات، وأن تُراعي القيود القانونية، وأن تُنشئ أنظمة ترفض التفاعلات الخطرة، وتحيل الأمر إلى المختصين عند الضرورة. فسوء التعامل مع الضغوط النفسية قد يُلحق ضرراً بالغاً بسمعة المؤسسة، ولا يُمكن لأي بيان امتثال أن يُصلحه.

مسؤولية المصممين والمطورين

كما أن المصممين والمطورين يتحملون أيضاً جزءاً من المسؤولية. إذ يتطلب التصميم الأخلاقي الاعتراف بوهم التعاطف الآلي، وتطبيق حدود صارمة للاحتفاظ بالبيانات، وضمان الإحالة التلقائية إلى خبراء بشريين بدلاً من العلاج الارتجالي. ولعلّ أكثر معالج ذكاء اصطناعي أماناً هو الذي يمتنع عن الانخراط في المواقف التي تتطلب حكماً، ومساءلة، وتعاطفاً حقيقياً.

في نهاية المطاف، تكمن الرسالة الأساسية في أن الذكاء الاصطناعي لا يستطيع توفير المنظور، أو التناقضات، أو المساءلة التي تُعرّف الرعاية الإنسانية. فالآلات تستطيع محاكاة التعاطف، لكنها لا تستطيع تحمّل مسؤولية رفاهية شخص آخر.

إن التعامل مع الذكاء الاصطناعي على أنه معالج يُخاطر بتفويض الحكم الأخلاقي إلى كيان يفتقر إليه. وفي عالم يتزايد فيه استغلال المشاعر لتحقيق الربح، لا يُهدد هذا الاعتماد سلامة الأفراد فحسب، بل يُهدد أيضاً جوهر الرعاية نفسها.

لن يهتم الذكاء الاصطناعي بالمستخدمين أبداً، بل سيُعالج بياناتهم فقط. وهذه مشكلة لا يمكن لأي خوارزمية حلّها.

* مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»