قد يساعد تسلسل الجينوم الكامل قريباً آلاف النساء المصابات بسرطان الثدي على تلقي علاجات مصممة خصيصاً لحالاتهن، والوصول بشكل أسرع إلى التجارب السريرية وفقاً لعلماء من جامعة كمبردج في المملكة المتحدة.
وقد نُشرت نتائج الدراسة في مجلة «The Lancet Oncology» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2025، مشيرةً إلى أن فك الشيفرة الجينية الكاملة للمريضات وأورامهن يمكن أن يكشف عن معلومات أساسية تُوجّه نحو توفير العلاج الملائم بدقة.
تحديات في تحديد العلاج الأمثل
في عام 2022 وحده تم تشخيص2.3 مليون امرأة بسرطان الثدي حول العالم، وتُوفيت 670 ألف امرأة بسببه. ورغم التقدم الكبير في السنوات الأخيرة، لا يزال الأطباء يواجهون صعوبة في تحديد العلاج الأنسب لكل مريضة، أو التنبؤ بالحالات الأكثر عرضة لسوء النتائج.
•ما تسلسل الجينوم الكامل؟ يعمل تسلسل الجينوم الكامل على تحليل كل الحمض النووي (دي إن إيه) DNA في خلايا المريضة السليمة والسرطانية معاً لاكتشاف الطفرات التي تقود نمو الورم. ويمكن أن يكشف هذا التحليل عن نقاط ضعف تجعل الأورام أكثر استجابة لعقاقير معينة، أو العكس، أي الكشف عن علامات تدل على مقاومة العلاج.
ورغم أن تكاليف التسلسل انخفضت بشكل كبير، إذ أعلنت إحدى الشركات أخيراً عن إمكانية وضع تسلسل الجينوم البشري الكامل مقابل نحو 100 دولار أميركي فقط، فإن استخدام هذه التقنية في خدمة الصحة الوطنية البريطانية (NHS) لا يزال محدوداً، فهي تُقدَّم حالياً فقط لبعض السرطانات النادرة، أو المنتشرة، وبعض الحالات لدى الأطفال.
• معلومات جينية غنية يصعب تفسيرها. وقالت الأستاذة سيرينا زاينال من قسم الطب الجيني ومعهد السرطان المبكر بجامعة كمبردج: لقد أصبح من الممكن بشكل متزايد استخدام تسلسل الجينوم الكامل لإدارة علاج السرطان، لكنه لا يُستخدم بعد بكامل إمكانياته، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن كمية المعلومات الناتجة عنه ضخمة جداً لدرجة يصعب تفسيرها.
فرص جديدة للعلاج
وللتعمق في إمكانيات الجينوم الشخصي حلّلت سيرينا زاينال وفريقها بيانات نحو 2500 امرأة من جميع أنحاء إنجلترا ضمن مشروع 100 ألف جينوم، مع متابعة نتائجهن على مدى خمس سنوات. وقد بحث الفريق عن التغيرات الجينية التي تؤثر في تطور سرطان الثدي، بما في ذلك العيوب في آليات إصلاح الحمض النووي.
• سمات جينية تساعد في العلاج. وكانت النتائج لافتة، حيث أظهرت 27 في المائة من الحالات سمات جينية يمكن أن تساعد على توجيه العلاج الشخصي فوراً، إما باستخدام أدوية متاحة حالياً، أو من خلال ضم المريضات إلى تجارب سريرية مناسبة. وهذا يعادل أكثر من 15 ألف امرأة سنوياً في المملكة المتحدة.
ومن بين هذه السمات خلل إصلاح الحمض النووي الموجه homology-directed repair deficiency (HRD)، وهو اضطراب يوجد في نحو 12 في المائة من سرطانات الثدي، بالإضافة إلى طفرات يمكن استهدافها بأدوية محددة، أو مؤشرات على مقاومة العلاج الهرموني.
كما حدد الفريق 15 في المائة إضافية من الحالات التي تحتوي على سمات جينية قد تكون مفيدة في أبحاث المستقبل، مثل عيوب في مسارات إصلاح أخرى للحمض النووي، أي ما يعادل نحو 8300 امرأة سنوياً.
• مؤشرات جينية جديدة للتنبؤ بمسار المرض. وقدّم التسلسل أيضاً رؤى مهمة حول التنبؤ بمسار المرض، ففي أكثر أنواع سرطان الثدي شيوعاً وهو ER+HER2- (الذي يشكل نحو 70 بالمائة من الحالات) كانت هناك أنماط معينة في الحمض النووي تُنبئ بقوة بشراسة الورم. وارتبطت التغيرات البنيوية الكبيرة في الحمض النووي، وتوقيعات الطفرات المعروفة باسم APOBEC والطفرات في جين TP53 ارتبطت جميعها بارتفاع خطر الوفاة، وأحياناً بدقة تفوق المقاييس الإكلينيكية التقليدية، مثل عمر المريضة، أو مرحلة السرطان، أو درجة الورم.
نحو علاج أكثر دقة وتخصيصاً
• جرعات أقوى أو أخف. وباستخدام هذه النتائج أنشأ الباحثون إطاراً يساعد الأطباء على تحديد المريضات اللاتي يحتجن علاجاً أكثر كثافة، واللاتي يمكن علاجهن بجرعات أخف. وأشارت الدراسة إلى أن نحو 7500 امرأة مصابة بأورام منخفضة الدرجة قد يستفدن من علاج أقوى مما يحصلن عليه حالياً.
وقالت الأستاذة سيرينا زاينال إن المملكة المتحدة رائدة عالمياً في استخدام تسلسل الجينوم الكامل ضمن نظام الصحة الوطني، والآن بعد أن أصبح لدينا دليل على تأثيره على مستوى السكان يمكننا تخصيص الرعاية بدقة أكبر لنقدّم المزيد من العلاج لمن يحتجن إليه، ونقلل الأعباء عن الأخريات.
• ثورة محتملة في التجارب السريرية. ولا يقتصر الأمر على تحسين العلاج الفردي، إذ يمكن لتسلسل الجينوم الكامل أن يُحدث ثورة في طريقة إجراء التجارب السريرية، ففي الوقت الحالي تخضع المريضات للاختبار بحثاً عن عدد محدود من الطفرات لتحديد مدى أهليتهن للمشاركة في تجربة معينة. وأما عند وجود خريطة جينية كاملة فيمكن مطابقة المريضات مع عدة تجارب في الوقت نفسه.
وإذا كانت لدينا القراءة الجينية الكاملة للمريضة فلن نكون مقيدين بتجربة واحدة ذات هدف محدد، بل سنفتح الباب أمام تجارب متعددة بالتوازي، ما يجعل تجنيد المرضى أسرع، ويسرّع وصول العلاجات الجديدة إليهم.
ومع استمرار انخفاض التكلفة، وتزايد الأدلة على فائدته قد يصبح تسلسل الجينوم الكامل قريباً جزءاً أساسياً من رعاية مريضات سرطان الثدي، ومحولاً التعقيد الجيني إلى خريطة دقيقة لعلاج أكثر فاعلية، وتخصيصاً.
حقائق
2.3 مليون
امرأة تم تشخيصهن بسرطان الثدي في عام 2022 حول العالم وتُوفيت 670 ألف امرأة بسببه

