يتأهب أكثر من 19 مليون طالب جامعي أميركي لإنهاء فصل الخريف الدراسي، والتطلع إلى الحصول على تدريب ووظائف في الربيع المقبل. لذا فإن من الطبيعي أن يشعروا - وعائلاتهم - بالقلق بشأن مصير سوق العمل في عصر الذكاء الاصطناعي، كما كتبت دوري كلارك*.
انحسار عدد الوظائف الشاغرة
في الواقع، توقع الرئيس التنفيذي لشركة أنثروبيك هذا الصيف أنه خلال السنوات الخمس المقبلة - وربما قبل ذلك - قد يؤدي اعتماد الذكاء الاصطناعي إلى خفض توظيف المبتدئين في المهن الإدارية بنسبة 50 في المائة. وقد بدأ التأثير يظهر بالفعل: فقد انخفضت إعلانات الوظائف الشاغرة في الشركات بنسبة 15 في المائة، بينما ارتفعت طلبات التوظيف بنسبة 30 في المائة. ووجدت دراسة منفصلة أجرتها جامعة ستانفورد أن الإزاحة التي أحدثها الذكاء الاصطناعي، في هذه المرحلة، تؤثر كما يبدو، بشكل غير متناسب على العمال الشباب.
ومما لا شك فيه أن هذه التغييرات مقلقة، لكنها ليست غير مسبوقة.
من دخول الكهرباء إلى ظهور الإنترنت
بالطبع، سمعنا عن العمال مُشعلي المصابيح وصانعي حدوات الخيول، إذ حلّت الكهرباء والسيارات محلهم، قبل مائة عام، إلا أن الاقتصاد استمر في التعافي ووجدوا مجالاً آخر يعملون فيه.
لكن فقاعة الإنترنت قبل 25 عاماً، تُعدّ مثالاً أكثر وضوحاً. وكان الخطاب السائد حينذاك حول «طرق المعلومات السريعة» الناشئة، يحمل تنبؤات مُتشائمة بأن عشرات الملايين من الناس سيفقدون وظائفهم بسبب الأتمتة المُعززة بالإنترنت، ما يؤدي إلى «نهاية العمل».
مخاوف قديمة - جديدة
كان النزوح الوظيفي، في بعض الحالات، حقيقياً. يتضح هذا النمط أيضاً من حيث التجربة المعيشية للأفراد. فقد أجري بحث حول طلاب جامعة هارفارد دفعة 1975، حيث دُرست الاختلافات والأنماط بين الأجيال. وتوصل البحث إلى استنتاج مفاجئ وهو أن تجربة طلاب الجامعات اليوم تشبه إلى حد كبير تجربة الطلاب قبل 50 عاماً.
وعلى الرغم من تغير الظروف الخارجية (سواءً كانت احتجاجات في الحرم الجامعي حول حرب فيتنام أو غزة، والواقع السياسي لإدارة نيكسون أو ترمب)، فإن آمال الطلاب ومخاوفهم المهنية لا تزال كما هي. هل يمكنني العثور على مهنة مثيرة للاهتمام وذات معنى؟ ما «أفضل» المهارات التي يجب تنميتها، وأين يجب أن أركز على تطويري المهني؟ هل يمكنني إعالة نفسي، وفي النهاية عائلتي، في ظل الظروف الاقتصادية المتغيرة؟
نصائح لمرحلة الذكاء الاصطناعي
إذن - في خضم هذه المخاوف الحقيقية، ولكن المألوفة - ما النصائح التي يمكننا التشارك بها حول كيفية الاستعداد لعصر الذكاء الاصطناعي دون ذعر؟
* استخدم الذكاء الاصطناعي بوصفه ميزة تنافسية
أولاً، استغل غياب ميزة وجود مهارات معمّقة في استخدام الذكاء الاصطناعي حالياً فهناك فرصة متساوية لاكتسابها. إذا كنتَ خريجاً حديثاً في كلية الحقوق، فإن شريكاً رئيسياً يتمتع بخبرة مهنية تمتد لثلاثين عاماً وشبكة علاقات واسعة سيتفوق عليك دائماً في معرفته بالسوابق القضائية وقدرته على جذب العملاء.
وبالمقابل، لا يمتلك أي متخصص خارج الأوساط الأكاديمية، خبرة 30 عاماً في مجال الذكاء الاصطناعي. لذا؛ يتمتع المهنيون الشباب بفرصة متساوية مع أي شخص آخر لاكتساب المعرفة والخبرة والمكانة المهنية من خلال توظيف الذكاء الاصطناعي في وظائفهم. في الواقع، يُعد الذكاء الاصطناعي قيّماً بشكل خاص للشباب، حيث تُظهر الدراسات أن استخدامه يكون أكثر فائدة للموظفين ذوي الخبرة الأقل.
* ركّز على تطوير مجموعة مهارات متعددة قابلة للتحويل
أي ركّز على تطوير مجموعات مهارات واسعة وقابلة للتحويل. لقد رأينا ما حدث عندما اجتمعت الآراء التقليدية (من السياسيين إلى قادة الأعمال) على فكرة أن الجميع بحاجة إلى التدريب على خبرات ترميز البرمجيات.
لكن الآن، وفي أعقاب تسريح العمال في شركات التكنولوجيا الكبرى وتباطؤ التوظيف، يُكافح مهندسو البرمجيات الجدد للعثور على وظائف.
إذا كان التجديد المهني ضرورياً لمعظمنا طوال مسيرتنا المهنية، فعلينا تنمية مهارات يمكن تطبيقها في مجالات متعددة.
بناء العلاقات
* وأخيراً، اهتم بالعلاقات الشخصية، لأن الذكاء الاصطناعي - على عكسك - لا يستطيع ذلك. فمع توفر بيانات كافية له حول الاجتماعات ورسائل البريد الإلكتروني، من المؤكد أنه قادر على تحليل الشبكات المهنية ورصد شبكات النفوذ داخل المؤسسات.
ولكن، على الأقل في الوقت الحالي، لن يتمكن الذكاء الاصطناعي من التقاط ما لا يُسجل في الكتابة، من ثرثرة وتكهنات في غرف الاستراحة إلى نصائح تُهمس بها، وتبادل الخدمات بين الناس.
بالطبع، لا نقترح عليك أن تصبح شخصاً ميكافيلياً. ولكن، في خضم كل هذا النقاش حول ما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محله وما لا يمكنه أن يحل محله، يبدو واضحاً أن الروابط الشخصية - والمبادئ الراسخة التي تحكمها، مثل الرغبة العامة في رد الجميل للآخرين - من المرجح أن تستمر.
إذن، لا يزال الاستثمار في فهم الآخرين ومحاولة مساعدتهم قدر الإمكان يبدو رهاناً قيّماً في عصر الذكاء الاصطناعي.
في الماضي، كان بإمكان المهنيين الشباب التكيف مع الواقع التكنولوجي الجديد، بل وفعلوا ذلك، وإيجاد طرق لتبنيه. وأعتقد أن هذا سيحدث مجدداً، وربما يُخفف بعض الضغط عن تجربة الدراسة الجامعية، إذ يُدرك الطلاب أنه لا أحد يستطيع التنبؤ بالمستقبل، ومن ثمّ، لا توجد «إجابة صحيحة» متاحة لنا ونحن نتعامل مع خيارات الحياة.
* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».
حقائق
15%
نسبة انخفاض إعلانات الوظائف الشاغرة في الشركات مقابل ارتفاع طلبات التوظيف بنسبة 30٪

