أصبح إتقان الذكاء الاصطناعي بسرعة، الفجوة القيادية الجديدة؛ فبعض المديرين التنفيذيين يُدمجونه بالفعل في استراتيجياتهم، بينما لا يزال آخرون يتساءلون عن معناه، كما كتب مايك كاجيانو *.
فجوة إتقان التعامل مع الذكاء الاصطناعي
إن هذه الفجوة تتسع، وهي التي تحدد مَن مِن المديرين الذي سيعيَّن في موقع القيادة. ولهذا السبب، أصبح إتقان الذكاء الاصطناعي أولوية قصوى في البحث عن الشخص المناسب للقيادة.
وليس الأمر هنا إتقاناً تقنياً عميقاً؛ بل المقصود الفهم العملي لكيفية عمل هذه الأدوات وتطبيقاتها. فالشركات تريد قادة لا يتحدثون فقط عن التحول؛ بل يشاركون فيه بنشاط. أي تريد أشخاصاً أجروا اختبارات تجريبية، وقيَّموا المخاطر، وتعاونوا عملياً مع المنتجات والتكنولوجيا، أو قادوا جهودَ اعتمادها في وظائفهم.
وليس بالضرورة أن يكون القادة مهندسين، ولكنهم بحاجة إلى معرفة ما يمكن (وما لا يمكن) لهذه الأدوات فعله، وكيفية مساعدة الآخرين على استخدامها بمسؤولية.
القادة الطليعيون يثقون بالذكاء الاصطناعي وبعض قراراته
كيف يستخدم المديرون التنفيذيون الذكاء الاصطناعي فعلياً؟ يُوظِّف المديرون التنفيذيون الطليعيون، الذكاء الاصطناعي بالفعل بطرقٍ استراتيجية هادفة. وفقاً لشركة «Salesforce» يستفيد كبار القادة من الذكاء الاصطناعي في المهام الحرجة: إجراء تحليلات سوقية عالية المخاطر، واختبار تحمل أفكار الأعمال الجديدة قبل إطلاقها، وتوقع تحولات السوق قبل حدوثها.
وأفادت مقالة حديثة على «TechRadar» بأن 74 في المائة من المديرين التنفيذيين يثقون الآن بما يقدمه الذكاء الاصطناعي أكثر من زملائهم، مع استعداد 44 في المائة «للسماح له بتجاوز قراراتهم الخاصة». وهكذا أصبح الذكاء الاصطناعي أكثر من مجرد لوحة معلومات؛ إنه مساعد طيار في غرفة الاجتماعات.
الاستثمارات في الأدوات الذكية
وراء الكواليس، يزيد قادة المكاتب الخلفية من الإنفاق على الذكاء الاصطناعي؛ إذ يخطط 92 في المائة من المديرين التنفيذيين الذين شملهم الاستطلاع لزيادة الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي على مدى السنوات الثلاث المقبلة، ويتوقع 55 في المائة زيادة بنسبة 10 في المائة على الأقل. ومع ذلك، فإن التنفيذ غير متكافئ.
ووجدت دراسة حديثة أجرتها «آي بي إم» أنه بينما يتوقع الرؤساء التنفيذيون أن يزيد نمو الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي بأكثر من الضعف في العامين المقبلين، فإن 25 في المائة فقط من مبادرات الذكاء الاصطناعي حققت عائد الاستثمار المتوقع، و16 في المائة فقط تم توسيع نطاقها على مستوى المؤسسة.
وبالمثل، وجدت شركة «بي دبليو سي» (PwC) أنه في حين أن 79 في المائة من كبار المديرين التنفيذيين يتبنون وكلاء الذكاء الاصطناعي، فإن كثيرين لا يرون النجاح إلا عندما ترتبط التطبيقات مباشرة بمكاسب إنتاجية قابلة للقياس في مجالات مُستهدفة.
عائدات قليلة
ولكن التبني العالي لا يعني دائماً تأثيراً كبيراً. فقد وجد باحثو معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) أخيراً أن 95 في المائة من برامج الذكاء الاصطناعي التوليدية التجريبية تفشل في تحقيق عائد استثمار قابل للقياس، ويرجع ذلك غالباً إلى إطلاقها دون أهداف واضحة، أو دمجها في سير العمل الأساسي.
وفي الوقت نفسه، تُحذر دراسة أخرى من «إفراط في نفايات العمل»، وهو انتشار لمخرجات منخفضة الجودة نتيجة سوء إدارة استخدام الذكاء الاصطناعي.
«الإتقان» ميزة ضرورية
تُؤكد هذه النتائج حقيقة متنامية: أن إتقان الذكاء الاصطناعي بين القادة ليس مجرد ميزة إضافية؛ بل إنه يجسد الفرق بين البرامج التجريبية التي تفشل والمبادرات التي تتوسع.
إن القادة الذين يفهمون قدرات هذه الأدوات وقيودها يكونون أكثر قدرة على تحقيق قيمة أكبر، مع تجنب التكاليف الخفية لسوء الاستخدام.
قادة متميزون
ما يميز القادة الذين يجيدون استخدام الذكاء الاصطناعي عن غيرهم:
• التجريب العملي: يكتسب هؤلاء القادة خبرة عملية في استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي. فهم لا يقصرون دورهم على فهم قدرات هذه التقنية فحسب؛ بل يتفهمون أيضاً حدودها.
• إتقان واضح وقابل للتطوير: تُظهر دراسة جديدة أجرتها دار نشر هارفارد للأعمال، أن الموظفين الذين يتقنون الذكاء الاصطناعي لا يكتفون بالتجربة؛ بل يدمجون الذكاء الاصطناعي في سير العمل اليومي. وفي المؤسسات «الأفضل في فئتها»، فإن 98 في المائة من المستخدمين الذين يتقنون الذكاء الاصطناعي واثقون من استخدام الأدوات، ويُبلِّغون عن تحسن ملحوظ في أداء الفريق.
توظيف استراتيجي
• الاستخدام الاستراتيجي وليس الانعزال: لا يقتصر استخدام الذكاء الاصطناعي على مدير التكنولوجيا الرئيسي. فالقادة من جميع أنحاء المؤسسة -من مديري الموارد البشرية إلى المديرين الماليين- يُدمجون معرفة الذكاء الاصطناعي في مجالاتهم، محولين إياه من تخصص تقني إلى قدرة قيادية.
• الإشراف المسؤول: حتى عند تطبيق الذكاء الاصطناعي، فإنه نادراً ما يُستخدم بمسؤولية؛ إذ وجدت «إنفوسيس» أن 95 في المائة من المديرين التنفيذيين واجهوا حوادث في مجال الذكاء الاصطناعي، وأن 2 في المائة فقط من الشركات تُلبي معايير الاستخدام المسؤول.
لا تكتفِ بالتوظيف السريع... بل وظِّف للمستقبل
إن معظم الشركات اليوم لا تتجاهل الذكاء الاصطناعي؛ بل تحاول إيجاد سبل لمواكبة التطورات. إنها تدرك أنها لا تستطيع تحمُّل التخلف عن الركب؛ خصوصاً مع استثمار المنافسين بكثافة في الذكاء الاصطناعي في مختلف العمليات. ويكمن التحدي في إيجاد أشخاص قادرين على قيادة هذا التحول؛ ليس ضمن وظائفهم فقط؛ بل على مستوى الشركة.
هذا هو الحوار الذي أجريه مع العملاء حالياً. ليس: «كيف نوظف شخصاً بسرعة؟»؛ بل: «كيف نوظف شخصاً يستطيع أن يقودنا إلى حيث نريد؟».
انتقاء المواهب والقادة
خطوات انتقاء المرشحين:
• فحص الكفاءة الحقيقية: اطلب من المرشحين مشاركة تجاربهم في استخدام الأدوات، وتخطي العقبات، والتبني البارد، وإدارة الفرص والمخاطر.
• تفضيل الخبرة العملية وليس التحصيل الأكاديمي: اطلب من المرشح أن يُبرهن على إتقانه الذكاء الاصطناعي، وليس الحديث عنه؛ من توظيفه في أدوات التجارب إلى إجراء عمليات الفريق.
• الإصرار على الحوكمة والرقابة: اجمع بين الإتقان والمساءلة. استخدم الذكاء الاصطناعي، نعم، ولكن بمسؤولية.
• إعطاء الأولوية لمدى الفضول (حب الاطلاع) والقدرة على التكيف: ليس على القادة إتقان جميع الأدوات، ولكن عليهم التحلي بالمرونة، وطرح الأسئلة، وتعزيز ثقافة التجريب. سيستمر الذكاء الاصطناعي في التطور، ويجب على من يقودون تبنِّيه أن يفعلوا ذلك أيضاً.
لا يُتوقع من القادة أن يكونوا مُبرمجين. ولكن يجب أن يعرفوا كيفية حشد أدوات وقدرات الذكاء الاصطناعي، وترجمة الأفكار، وتوجيه عملية التبني، مع مراعاة الحكمة. ومستقبل القيادة لا يكمن في الهرب من التغيير؛ بل في تحديد معالمه.
* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».
حقائق
74 %
من المديرين التنفيذيين يثقون الآن بما يقدمه الذكاء الاصطناعي أكثر من زملائهم
حقائق
44 %
من المديرين التنفيذيين مستعدون «للسماح للذكاء الاصطناعي بتجاوز قراراتهم الخاصة»

