لطالما عرف العلماء أن مرض ألزهايمر يرتبط بتراكم البروتينات الضارة في الدماغ، لكن السبب وراء هذا التراكم ظلّ لغزاً يحير الباحثين لعقود. والآن تكشف دراسة جديدة أن متغيراً جينياً يُعطّل «نظام تنظيف» الدماغ ما يُقلّل قدرته على التخلّص من المخلفات الضارة، ويزيد من خطر الإصابة بالمرض.

الخلايا الدبقية - عمّال نظافة للدماغ
قاد الدراسة باحثون في مركز بيرد لأبحاث ألزهايمر بجامعة جنوب فلوريدا بالتعاون مع جامعة شيكاغو، ومعهد إنديفور لأبحاث الصحة في الولايات المتحدة، ونُشرت في مجلة «نتشر» Nature في 3 سبتمبر (أيلول) 2025. وتركزت على خلايا صغيرة لكنها قوية تُسمى الخلايا الدبقية الصغيرة (microglia)، وهي بمثابة «عمّال النظافة» في الدماغ، حيث تُزيل الحطام الخلوي، والبروتينات التالفة، وتُصلح التلف، وتحافظ على صحة الشبكات العصبية.
يقول الدكتور جوبال ثيناكاران الرئيس التنفيذي ورئيس معهد بيرد قسم الطب الجزيئي كلية مورساني للطب جامعة جنوب فلوريدا الولايات المتحدة الأميركية إن الخلايا الدبقية الصغيرة تُشبه عمال النظافة في المدينة، ومستجيبي الطوارئ، ومخططي المدن في آنٍ واحد. فهي تحافظ على عمل الدماغ بشكل منظم، وسليم.
ابتلاع البروتينات السامة
وفي الظروف العادية تتجول هذه الخلايا في الدماغ مثل ملايين من ألعاب «باك-مان» الصغيرة تبتلع البروتينات السامة، مثل أميلويد بيتا، وتاو amyloid and tau المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بألزهايمر. لكن مع التقدّم في العمر، أو عند حدوث تغيّرات جينية معيّنة تتباطأ هذه الخلايا، وتتراكم فيها الدهون، وتفقد قدرتها على تنظيف الدماغ بفعالية.
جين يغيّر قواعد اللعبة
ووجد الباحثون أن السبب وراء هذا الخلل يعود إلى متغير جيني يُسمى بيكالم PICALM، هذا الجين يعمل دليل تعليمات يساعد الخلايا الدبقية على إنتاج بروتين ضروري للتخلص من النفايات. لكن وجود نسخة محددة منه تُعرف بـ«الأليل الرئيس (major allele) يقلّل إنتاج هذا البروتين، ما يُضعف آلية التنظيف الداخلية للخلايا، خصوصاً ما يُعرف بـ«الليزوزومات» lysosomes وهي الأجزاء الخلوية المسؤولة عن تحليل النفايات.
ويقول الدكتور أري سودوارتس، بمركز بيرد لأبحاث ألزهايمر من جامعة جنوب فلوريدا الولايات المتحدة الأميركية المؤلف المشارك في الدراسة: اكتشفنا أن هذا المتغير الجيني يقلّل قدرة الخلايا الدبقية على إزالة الحطام، ما يؤدي إلى تراكم الكولسترول، والدهون داخلها، ويجعلها غير قادرة على القيام بعملها بكفاءة.
ومع مرور الوقت تتحوّل الخلايا من عمّال تنظيف نشطين إلى خلايا مترهلة مليئة بالدهون غير قادرة على منع التراكم السام للبروتينات في الدماغ، ما يُهيئ الظروف المثالية لتطوّر مرض ألزهايمر.
خريطة طريق لعلاجات جديدة
واللافت أن الدراسة وجدت أيضاً أن نحو 30 بالمائة من السكان يحملون نسخة أخرى من الجين تُعرف بـ«الأليل الثانوي «(minor allele) وهي كما يبدو تُوفر حماية طبيعية ضد المرض. أما الغالبية فيحملون النسخة التي تزيد خطر الإصابة.
يقول الدكتور ثيناكاران إننا فهمنا الآن الآلية التي يُعطّل بها هذا الجين عمل الخلايا الدبقية. وهذا يُعطينا خريطة طريق لتطوير أدوية يمكنها استعادة وظيفة هذه الخلايا، أو إعادة تنشيط نظام التنظيف في الدماغ.
ويرى الباحثون أن هذا الاكتشاف لا يفسّر فقط سبب ارتباط هذا الجين بزيادة خطر ألزهايمر، بل يوفّر أيضاً أهدافاً جديدة لتطوير علاجات مُستقبلية، خصوصاً أن مرض ألزهايمر يؤثر حالياً على أكثر من 6 ملايين شخص في الولايات المتحدة وحدها، ومن المتوقع أن تزداد الأعداد مع تقدّم السكان في العمر.
نحو فهم أعمق لألزهايمر
يؤكد الباحثون أن الاستعدادات الوراثية ليست العامل الوحيد، إذ تلعب أنماط الحياة -مثل درجة ممارسة الرياضة والنظام الغذائي الصحي والنشاط الذهني- دوراً مهماً في تحديد احتمالات الإصابة. لكن معرفة الدور المحدّد لكل متغير جيني تُقرّبنا خطوة نحو علاجات دقيقة تستهدف السبب الجذري للمرض بدلاً من معالجة الأعراض فقط.
ويختتم الدكتور ثيناكاران بقوله إن كل اكتشاف جديد يُضيف قطعة إلى أحجية معقّدة نعمل على حلّها منذ عقود. والآن أصبح لدينا فهم أوضح لكيفية مساهمة عامل خطر وراثي واحد في خلل وظائف الدماغ، مما يقربنا من علاجات يمكن أن تتدخل قبل استفحال المرض.
حقائق
30 بالمائه
من السكان يحملون نسخة أخرى من الجين توفر حماية طبيعية ضد مرض ألزهايمر

