الذكاء الاصطناعي: لمساعدة العاملين على النجاح... أم زيادة الإنتاجية فقط؟

بيئات العمل المعززة به تحرِّر مكان العمل وتخلق مساحة للتكامل بين العقول

الذكاء الاصطناعي: لمساعدة العاملين على النجاح... أم زيادة الإنتاجية فقط؟
الذكاء الاصطناعي: لمساعدة العاملين على النجاح... أم زيادة الإنتاجية فقط؟
TT

الذكاء الاصطناعي: لمساعدة العاملين على النجاح... أم زيادة الإنتاجية فقط؟

الذكاء الاصطناعي: لمساعدة العاملين على النجاح... أم زيادة الإنتاجية فقط؟
الذكاء الاصطناعي: لمساعدة العاملين على النجاح... أم زيادة الإنتاجية فقط؟

الأولوية للتنمية البشرية وليست الإنتاجية

لعقود طويلة، قيل لنا إن التكنولوجيا ستُحررنا من العمل الروتيني، لكننا بطريقة ما أصبحنا أكثر ارتباطاً بمكاتبنا من أي وقت مضى. والآن، يُشير بحثٌ رائدٌ من GoTo إلى أننا قد نصل أخيراً إلى نقطة تحول حيث لا يَعِدنا الذكاء الاصطناعي بالحرية فحسب، بل يُحققها، كما كتبت د. ناتالي نيكسون(*).

لكن الاكتشاف الحقيقي لا يتمثل في أن الذكاء الاصطناعي قد يُلغي أهمية المكاتب، بل إن الذكاء الاصطناعي يُهيئ الظروف لما أسميه «العمل المُركّز على الصقل» -وهو نهج يُعطي الأولوية للتنمية البشرية على الإنتاجية والأداء.

التحرير العظيم لقيود مكان العمل

تُشير الأرقام إلى أحداث مُقنعة، إذ يعتقد 51 في المائة من الموظفين أن الذكاء الاصطناعي سيجعل المكاتب التقليدية في نهاية المطاف مُهملة، فيما يُفضل 62 في المائة العمل من بُعد المُعزز بالذكاء الاصطناعي على بيئات المكاتب التقليدية. لكن ما يجعل هذا التحول عميقاً هو أنه لا يتعلق برفض التواصل الإنساني، بل يتعلق باستعادة استقلالية اختيار متى وأين وكيف نتفاعل بشكل أكثر جدوى مع عملنا وزملائنا.

هذا يتماشى تماماً مع المبادئ الأساسية لكتابي «تحرك. فكر. استرح Move. Think. Rest». عندما يقول 71 في المائة من العاملين إن الذكاء الاصطناعي يمنحهم مرونة أكبر وتوازناً بين العمل والحياة، فإنهم يصفون الظروف اللازمة للتطوير الحقيقي. إنهم يتحدثون عن وجود وقت للتفكير بعمق، ومساحة للتحرك بشكل طبيعي طوال يومهم، وإذن بالراحة عندما تتطلب أجسادهم وعقولهم ذلك.

من الاستخراج إلى التكامل

ما يلفت الانتباه بشكل خاص في بحث GoTo هو كيف يكشف عن قدرة الذكاء الاصطناعي على دعم كامل نطاق التجربة الإنسانية في العمل. وبينما تطلبت نماذج الإنتاجية التقليدية منَّا تقسيم أنفسنا -لنظهر كأدمغة منفصلة تركز فقط على الإنتاج- فإن بيئات العمل المعززة بالذكاء الاصطناعي تخلق مساحة للتكامل.

عندما يُفيد الموظفون بأن الذكاء الاصطناعي يُتيح لهم «العمل في أي مكان دون فقدان الإنتاجية» (66 في المائة)، فإنهم في الواقع يُعبّرون ​​عن حرية مواءمة إيقاعات عملهم مع دورات طاقتهم الطبيعية. إذ يُمكنهم عقد اجتماعات سيراً على الأقدام في الطبيعة، والتفكير في المشكلات في أثناء الحركة، وتهيئة الظروف البيئية التي تُعزز تفكيرهم بشكل أفضل.

فجوة التعلّم

ومع ذلك، يكشف البحث أيضاً عن فجوة مُقلقة يجب على المؤسسات معالجتها. فبينما يعتقد 91 في المائة من قادة تكنولوجيا المعلومات أن شركاتهم تستخدم الذكاء الاصطناعي بفاعلية لدعم الفرق الموزعة، فإن 53 في المائة فقط من الموظفين من بُعد، والعاملين الهجينين، يُوافقون على ذلك. ولا تقتصر هذه الفجوة على نشر التكنولوجيا فحسب، بل تتعلق بفهم الفرق بين استخدام الذكاء الاصطناعي لمحاكاة نماذج الإنتاجية القديمة والاستفادة منه لدعم ازدهار الإنسان.

والشركات التي تُسدّ هذه الفجوة بنجاح هي تلك التي تطرح أسئلة مُختلفة. فبدلاً من «كيف يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يجعل الناس أكثر إنتاجية؟»، تتساءل: «كيف يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يُهيئ ظروفاً تُمكّن الناس من الازدهار بشكل طبيعي؟». إن تلك الشركات تصمم تطبيقات للذكاء الاصطناعي لكي تدعم الركائز الثلاث للتطوير: الحركة (المرونة في العمل في بيئات مختلفة)، والتفكير (الوقت والمساحة للتأمل العميق)، والراحة (الإذن بالانفصال وإعادة الشحن).

التأثير الذي يتحدى السن

تتحدى إحدى أكثر النتائج المشجعة الافتراضات التمييزية ضد كبار السن حول تبني التكنولوجيا. إذ يُظهر البحث أنه عبر جميع الأجيال -من 90 في المائة من العاملين من بُعد من جيل الشباب الحالي إلى 74 في المائة من جيل طفرة المواليد- يُعلن الناس تحسناً في الإنتاجية من خلال العمل من بُعد المُعزز بالذكاء الاصطناعي. وهذا يُشير إلى أمر بالغ الأهمية: عندما تُلبي التكنولوجيا الاحتياجات البشرية حقاً بدلاً من مطالبة الناس بالتكيف مع إيقاعات الآلة، يُمكن لجميع الأعمار الاستفادة.

تُشير هذه الوحدة الجيلية إلى إمكانات الذكاء الاصطناعي بوصفها قوة مُساوية -ليس بمعنى جعل الجميع مُتشابهين، ولكن في تكريم الطرق المُتنوعة التي يفكر بها الناس ويُعالجون ويُساهمون بها.

ولعل الأمر الأكثر دلالة هو أن 61 في المائة من الموظفين -بمن فيهم العاملون في المكاتب- يعتقدون أن على المؤسسات إعطاء الأولوية للاستثمار في الذكاء الاصطناعي على وسائل الراحة الفاخرة في مكان العمل. والأمر لا يتعلق هنا باختيار التكنولوجيا على حساب التجربة البشرية. بل يتعلق الأمر بإدراك أن تجربة الموظف الحقيقية تنبع من امتلاك الأدوات والمرونة اللازمة لأداء عمل هادف بطرق تُكرّم إنسانيته الكاملة.

الطريق إلى الأمام

مع إعادة صياغة الذكاء الاصطناعي للعمل، لدينا خيار: إما أن نستخدمه لابتكار أشكال أكثر تطوراً من المراقبة واستخلاص الإنتاجية الكبرى، وإما أن نستغله لتحقيق وعد التكنولوجيا في خدمة ازدهار الإنسان. ستجد المؤسسات التي تختار الخيار الأخير نفسها تتمتع بميزة تنافسية عميقة: موظفون ليسوا أكثر إنتاجية فحسب، بل أكثر إبداعاً وتفاعلاً وقدرة على التفكير المُبتكر الذي يُحفّز الابتكار.

السؤال ليس عمّا إذا كان الذكاء الاصطناعي سيُحوّل العمل -فهو يُغيّره بالفعل- وإنما السؤال هو عمّا إذا كنا سنستخدم هذا التحول لإنشاء أماكن عمل تُنمّي الإمكانات البشرية أم يهدف إلى تحسين الإنتاج البشري فحسب. ويُشير بحث GoTo إلى أن الموظفين مُستعدّون للتطوير. السؤال هو: هل قادتهم مستعدون كذلك؟

* اختصاصية في استراتيجية الإبداع ورئيسة شركة «فيغور 8 ثنكنغ»، مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».



هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟
TT

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

في سباق محتدم لنشر نماذج اللغات الكبيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي في الأسواق العالمية، تفترض العديد من الشركات أن «النموذج الإنجليزي ← المترجم» كافٍ لذلك.

اللغة- ثقافة وأعراف

ولكن إذا كنتَ مسؤولاً تنفيذياً أميركياً تستعد للتوسع في آسيا أو أوروبا أو الشرق الأوسط أو أفريقيا، فقد يكون هذا الافتراض أكبر نقطة ضعف لديك. ففي تلك المناطق، ليست اللغة مجرد تفصيل في التغليف: إنها الثقافة والأعراف والقيم ومنطق العمل، كلها مُدمجة في شيء واحد.

وإذا لم يُبدّل نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بك تسلسل رموزه الكمبيوترية فلن يكون أداؤه ضعيفاً فحسب؛ بل قد يُسيء التفسير أو يُسيء المواءمة مع الوضع الجديد أو يُسيء خدمة سوقك الجديدة.

الفجوة بين التعدد اللغوي والثقافي في برامج الدردشة الذكية

لا تزال معظم النماذج الرئيسية مُدربة بشكل أساسي على مجموعات النصوص باللغة الإنجليزية، وهذا يُسبب عيباً مزدوجاً عند نشرها بلغات أخرى. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أن اللغات غير الإنجليزية والمعقدة لغويا غالباً ما تتطلب رموزاً أكثر (وبالتالي تكلفةً وحساباً) لكل وحدة نصية بمقدار 3-5 أضعاف مقارنةً باللغة الإنجليزية.

ووجدت ورقة بحثية أخرى أن نحو 1.5 مليار شخص يتحدثون لغات منخفضة الموارد يواجهون تكلفة أعلى وأداءً أسوأ عند استخدام نماذج اللغة الإنجليزية السائدة.

والنتيجة: قد يتعثر نموذج يعمل جيداً للمستخدمين الأميركيين، عند عمله في الهند أو الخليج العربي أو جنوب شرق آسيا، ليس لأن مشكلة العمل أصعب، ولكن لأن النظام يفتقر إلى البنية التحتية الثقافية واللغوية اللازمة للتعامل معها.

«ميسترال سابا» نظام الذكاء الاصطناعي الفرنسي مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا

مثال «ميسترال سابا» الإقليمي جدير بالذكر

لنأخذ نموذج «ميسترال سابا» (Mistral Saba)، الذي أطلقته شركة ميسترال للذكاء الاصطناعي الفرنسية كنموذج مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا (التاميلية والمالايالامية... إلخ). تشيد «ميسترال» بأن «(سابا) يوفر استجابات أكثر دقة وملاءمة من النماذج التي يبلغ حجمها 5 أضعاف» عند استخدامه في تلك المناطق. لكن أداءه أيضاً أقل من المتوقع في معايير اللغة الإنجليزية.

وهذه هي النقطة المهمة: السياق أهم من الحجم. قد يكون النموذج أصغر حجماً ولكنه أذكى بكثير بالنسبة لمكانه.

بالنسبة لشركة أميركية تدخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو سوق جنوب آسيا، هذا يعني أن استراتيجيتك «العالمية» للذكاء الاصطناعي ليست عالمية ما لم تحترم اللغات والمصطلحات واللوائح والسياق المحلي.

تكاليف الرموز والتحيز اللغوي

من منظور الأعمال، تُعدّ التفاصيل التقنية للترميز أمراً بالغ الأهمية. تشير مقالة حديثة إلى أن تكاليف الاستدلال في اللغة الصينية قد تكون ضعف تكلفة اللغة الإنجليزية، بينما بالنسبة للغات مثل الشان أو البورمية، يمكن أن يصل تضخم عدد الرموز إلى 15 ضعفاً.

هذا يعني أنه إذا استخدم نموذجك ترميزاً قائماً على اللغة الإنجليزية ونشرتَه في أسواق غير إنجليزية، فإن تكلفة الاستخدام سترتفع بشكل كبير، أو تنخفض الجودة بسبب تقليل الرموز. ولأن مجموعة التدريب الخاصة بك كانت تركز بشكل كبير على اللغة الإنجليزية، فقد يفتقر «نموذجك الأساسي» إلى العمق الدلالي في لغات أخرى.

أضف إلى هذا المزيج اختلافات الثقافة والمعايير: النبرة، والمراجع، وممارسات العمل، والافتراضات الثقافية، وما إلى ذلك، وستصل إلى مجموعة تنافسية مختلفة تماماً: ليس «هل كنا دقيقين» بل «هل كنا ملائمين».

التوسع في الخارج

لماذا يهم هذا الأمر المديرين التنفيذيين الذين يتوسعون في الخارج؟

إذا كنت تقود شركة أميركية أو توسّع نطاق شركة ناشئة في الأسواق الدولية، فإليك ثلاثة آثار:

-اختيار النموذج ليس حلاً واحداً يناسب الجميع: قد تحتاج إلى نموذج إقليمي أو طبقة ضبط دقيقة متخصصة، وليس فقط أكبر نموذج إنجليزي يمكنك ترخيصه.

-يختلف هيكل التكلفة باختلاف اللغة والمنطقة: فتضخم الرموز وعدم كفاءة الترميز يعنيان أن تكلفة الوحدة في الأسواق غير الإنجليزية ستكون أعلى على الأرجح، ما لم تخطط لذلك.

-مخاطر العلامة التجارية وتجربة المستخدم ثقافية: فبرنامج الدردشة الآلي الذي يسيء فهم السياق المحلي الأساسي (مثل التقويم الديني، والمصطلحات المحلية، والمعايير التنظيمية) سيُضعف الثقة بشكل أسرع من الاستجابة البطيئة.

بناء استراتيجية ذكاء اصطناعي متعددة اللغات واعية ثقافياً

للمديرين التنفيذيين الجاهزين للبيع والخدمة والعمل في الأسواق العالمية، إليكم خطوات عملية:

• حدّد اللغات والأسواق كميزات من الدرجة الأولى. قبل اختيار نموذجك الأكبر، اذكر أسواقك ولغاتك ومعاييرك المحلية وأولويات عملك. إذا كانت اللغات العربية أو الهندية أو الملايوية أو التايلاندية مهمة، فلا تتعامل معها كـ«ترجمات» بل كحالات استخدام من الدرجة الأولى.

• فكّر في النماذج الإقليمية أو النشر المشترك. قد يتعامل نموذج مثل «Mistral Saba» مع المحتوى العربي بتكلفة أقل ودقة أكبر وبأسلوب أصلي أكثر من نموذج إنجليزي عام مُعدّل بدقة.

• خطط لتضخم تكلفة الرموز. استخدم أدوات مقارنة الأسعار. قد تبلغ تكلفة النموذج في الولايات المتحدة «س» دولاراً أميركياً لكل مليون رمز، ولكن إذا كان النشر تركياً أو تايلاندياً، فقد تكون التكلفة الفعلية ضعف ذلك أو أكثر.

• لا تحسّن اللغة فقط، بل الثقافة ومنطق العمل أيضاً. لا ينبغي أن تقتصر مجموعات البيانات المحلية على اللغة فحسب، بل ينبغي أن تشمل السياق الإقليمي: اللوائح، وعادات الأعمال، والمصطلحات الاصطلاحية، وأطر المخاطر.

صمم بهدف التبديل والتقييم النشطين. لا تفترض أن نموذجك العالمي سيعمل محلياً. انشر اختبارات تجريبية، وقيّم النموذج بناءً على معايير محلية، واختبر قبول المستخدمين، وأدرج الحوكمة المحلية في عملية الطرح.

المنظور الأخلاقي والاستراتيجية الأوسع

عندما تُفضّل نماذج الذكاء الاصطناعي المعايير الإنجليزية والناطقة بالإنجليزية، فإننا نُخاطر بتعزيز الهيمنة الثقافية.

كمسؤولين تنفيذيين، من المغري التفكير «سنترجم لاحقاً». لكن الترجمة وحدها لا تُعالج تضخم القيمة الرمزية، وعدم التوافق الدلالي، وعدم الأهمية الثقافية. يكمن التحدي الحقيقي في جعل الذكاء الاصطناعي مُتجذراً محلياً وقابلاً للتوسع عالمياً.

إذا كنت تُراهن على الذكاء الاصطناعي التوليدي لدعم توسعك في أسواق جديدة، فلا تُعامل اللغة كحاشية هامشية. فاللغة بنية تحتية، والطلاقة الثقافية ميزة تنافسية. أما التكاليف الرمزية وتفاوتات الأداء فليست تقنية فحسب، بل إنها استراتيجية.

في عالم الذكاء الاصطناعي، كانت اللغة الإنجليزية هي الطريق الأقل مقاومة. ولكن ما هي حدود نموك التالية؟ قد يتطلب الأمر لغةً وثقافةً وهياكل تكلفة تُمثل عوامل تمييز أكثر منها عقبات.

اختر نموذجك ولغاتك واستراتيجية طرحك، لا بناءً على عدد المعاملات، بل على مدى فهمه لسوقك. إن لم تفعل، فلن تتخلف في الأداء فحسب، بل ستتخلف أيضاً في المصداقية والأهمية.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
TT

الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي

في مدينةٍ لا تهدأ، وتحديداً في مركز «جاڤِتس» على ضفاف نهر هدسون، اختتمت أمس أعمال اجتماعات نيويورك السنوية لطبّ الأسنان، التي استمرت 5 أيام، أحد أكبر التجمعات العالمية للمهنة، بمشاركة نحو 50 ألف طبيب وخبير من أكثر من 150 دولة.

لم يكن الحدث مجرد مؤتمر، بل منصّة حيّة لمستقبل طبّ الأسنان؛ فبين أروقته تتقدّم التكنولوجيا بخطى ثابتة: من الروبوتات الجراحية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على قراءة الأشعة في ثوانٍ، وصولاً إلى تجارب التجديد الحيوي التي قد تغيّر شكل العلاج خلال سنوات قليلة.

الذكاء الاصطناعي نجم المؤتمر بلا منافس

كان الذكاء الاصطناعي العنوان الأبرز لهذا العام، إذ جاء المؤتمر في لحظةٍ تتسارع فيها التحوّلات العلمية بسرعة تفوق قدرة المناهج التقليدية على مواكبتها. وقد برزت تقنيات محورية: أنظمة تحليل الأشعة الفورية، والمساعد السريري الذكي، والتخطيط الرقمي للابتسامة. وعلى امتداد القاعات، كان واضحاً أن هذه التقنيات لم تعد تجارب مختبرية، بل هي حلول جاهزة تغيّر طريقة ممارسة المهنة أمام أعيننا.

الروبوتات تدخل غرفة العمليات

شكّلت الجراحة الروبوتية محوراً لافتاً هذا العام، بعد أن عرضت شركات متخصصة أنظمة دقيقة تعتمد على بيانات الأشعة ثلاثية الأبعاد وتتكيف لحظياً مع حاجة الإجراء. وقد أظهرت العروض قدرة هذه الروبوتات على تنفيذ خطوات معقدة بثباتٍ يفوق اليد البشرية، مع تقليل هامش الخطأ ورفع مستوى الأمان الجراحي.

التجديد الحيوي... من الخيال إلى التجربة

عرضت جامعات نيويورك وكورنيل أبحاثاً حول بروتينات مثل «BMP-2»، وهو بروتين ينشّط نمو العظم، و«FGF-2» عامل يساعد الخلايا على الانقسام والتئام الأنسجة خصوصاً الألياف، إلى جانب تقنيات الخلايا الجذعية لإحياء الهياكل الدقيقة للسن.

في حديث مباشر مع «الشرق الأوسط»

وأثناء جولة «الشرق الأوسط» في معرض اجتماع نيويورك لطبّ الأسنان، التقت الدكتورة لورنا فلامر–كالديرا، الرئيس المنتخب لاجتماع نيويورك الكبرى لطب الأسنان، التي أكدت أنّ طبّ الأسنان يشهد «أكبر تحوّل منذ ثلاثة عقود»، مشيرة إلى أنّ المملكة العربية السعودية أصبحت جزءاً فاعلاً في هذا التحوّل العالمي.

وأضافت الدكتورة لورنا، خلال حديثها مع الصحيفة في أروقة المؤتمر، أنّ اجتماع نيويورك «يتطلّع إلى بناء شراكات متقدمة مع جهات في السعودية، أسوة بالتعاون القائم مع الإمارات ومؤسسة (إندكس) وجهات دولية أخرى»، موضحة أنّ هناك «فرصاً واسعة للتعاون البحثي والتعليمي في مجالات الزراعة الرقمية والذكاء الاصطناعي والعلاجات المتقدمة»، وأن هذا التوجّه ينسجم بطبيعة الحال مع طموحات «رؤية السعودية 2030».

العرب في قلب الحدث

شارك وفود من السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين ومصر والعراق في جلسات متقدمة حول الذكاء الاصطناعي والزراعة الرقمية، وكان حضور الوفود لافتاً في النقاشات العلمية، ما عكس الدور المتنامي للمنطقة في تشكيل مستقبل طبّ الأسنان عالمياً.

نيويورك... حيث يبدأ الغد

منذ بدايات اجتماع نيويورك قبل أكثر من قرن، بقيت المدينة مرآةً لتحوّلات المهنة ومختبراً مفتوحاً للمستقبل. وعلى امتداد 5 أيام من الجلسات والمحاضرات والورش العلمية، رسّخ اجتماع نيويورك السنوي مكانته كأكبر تجمع عالمي لطبّ الأسنان، وكمنصّة تُختبر فيها التقنيات التي ستعيد رسم ملامح المهنة في السنوات المقبلة. كما يقول ويليام جيمس، مؤسس الفلسفة البراغماتية الأميركية، إنّ أميركا ليست مكاناً، بل تجربة في صناعة المستقبل... وفي نيويورك تحديداً، يبدو مستقبل طبّ الأسنان قد بدأ بالفعل.


دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
TT

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

أدت الزيادة الكبيرة في أعداد الأقمار الاصطناعية المتمركزة في مدار منخفض حول الأرض إلى تطورات في مجال الاتصالات، منها توفير خدمات النطاق العريض في المناطق الريفية والنائية في أنحاء العالم.

لكنها تسببت أيضا في زيادة حادة في التلوث الضوئي في الفضاء، ما يشكل تهديدا لعمل المراصد الفلكية المدارية. وتشير دراسة جديدة أجرتها إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وتركز على أربعة تلسكوبات فضائية، منها تلسكوبان يعملان حاليا وآخران يجري العمل عليهما، إلى أن نسبة كبيرة من الصور التي سيجري التقاطها بواسطة هذه المراصد على مدى العقد المقبل قد تتأثر بالضوء المنبعث أو المنعكس من الأقمار الاصطناعية التي تشترك معها في المدار المنخفض.

وخلص الباحثون إلى أن نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية. وقال الباحثون إن «هابل» سيكون أقل تأثرا بسبب مجال رؤيته الضيق.

والتلسكوبات المدارية عنصر أساسي في استكشاف الفضاء، نظرا لما تمتلكه من قدرة على رصد نطاق أوسع من الطيف الكهرومغناطيسي مقارنة بالتلسكوبات الأرضية، كما أن غياب التداخل مع العوامل الجوية يمكنها من التقاط صور أكثر وضوحا للكون، مما يتيح التصوير المباشر للمجرات البعيدة أو الكواكب خارج نظامنا الشمسي.

وقال أليخاندرو بورلاف، وهو عالم فلك من مركز أميس للأبحاث التابع لوكالة ناسا في كاليفورنيا وقائد الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر «في حين أن معظم تلوث الضوء حتى الآن صادر من المدن والمركبات، فإن زيادة مجموعات الأقمار الاصطناعية للاتصالات بدأ يؤثر بوتيرة أسرع على المراصد الفلكية في جميع أنحاء العالم».

وأضاف «في الوقت الذي ترصد فيه التلسكوبات الكون في مسعى لاستكشاف المجرات والكواكب والكويكبات البعيدة، تعترض الأقمار الاصطناعية في كثير من الأحيان مجال الرؤية أمام عدساتها، تاركة آثارا ضوئية ساطعة تمحو الإشارة الخافتة التي نستقبلها من الكون. كانت هذه مشكلة شائعة في التلسكوبات الأرضية. ولكن، كان يعتقد، قبل الآن، أن التلسكوبات الفضائية، الأكثر كلفة والمتمركزة في مواقع مراقبة مميزة في الفضاء، خالية تقريبا من التلوث الضوئي الناتج عن أنشطة الإنسان».

وفي 2019، كان هناك نحو ألفي قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض. ويبلغ العدد الآن نحو 15 ألف قمر. وقال بورلاف إن المقترحات المقدمة من قطاع الفضاء تتوقع تمركز نحو 650 ألف قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض خلال العقد المقبل.