البلاستيك: «المستعمر الجديد... والأخير»

يخنق الأنهار والشعاب المرجانية ويُلوث النظم الغذائية ويقطع العلاقات الروحية للشعوب الأصلية مع بيئاتها

البلاستيك: «المستعمر الجديد... والأخير»
TT

البلاستيك: «المستعمر الجديد... والأخير»

البلاستيك: «المستعمر الجديد... والأخير»

بينما أسير على طول الشاطئ القريب مني، يقطع نظري جسم أصفر فاقع يتسلل من خلال السطح. ألتقطه؛ قطعة بلاستيكية متبقية من دلو؟ لعبة؟ زجاجة؟ مَن يعلم تاريخ هذه القطعة تحديداً؟ أنظر إلى الخارج، فأرى شظايا وردية وزرقاء وخضراء وبرتقالية متناثرة على طول الشاطئ. وأتساءل: كيف، ولماذا، وماذا يُمكننا أن نفعل حيال كل هذا البلاستيك؟ كما يكتب هيني أونوين(*).

تاريخ البلاستيك

لقد غيّر البلاستيك، في فترة وجيزة، مجتمعاتنا، وأعاد تشكيل أسلوب حياتنا. والمفارقة أن أصوله تعود إلى محاولات إنقاذ الأفيال والسلاحف من خطر الانقراض. ففي عام 1862، حصل ألكسندر باركس على براءة اختراع لأول بلاستيك من صنع الإنسان، مشتق من السليلوز، مصمم ليحل محل العاج وصدفة السلحفاة، ثم في عام 1907، ابتكر ليو بايكلاند الباكليت، أول بلاستيك صناعي بالكامل، وهي مادة لم يسبق لها مثيل في الطبيعة، ما بشّر بعصر جديد من الابتكار الصناعي.

البلاستيك الاصطناعي يتحوّل إلى سلعة سهلة الرمي

وأشعلت هذه الاكتشافات ثورة صناعية في المواد. وقد شكّلت شركات البتروكيماويات العملاقة مثل «داو» و«إكسون موبيل» و«باسف» تحالفات قوية لتطوير منتجات ثانوية بلاستيكية من نفايات الوقود الأحفوري. وأدّت هذه الشراكة إلى توسيع نطاق الإنتاج بسرعة، محولةً البلاستيك من اختراع جديد إلى سلعة تُنتج بكميات كبيرة ومدمجة في الصناعات العالمية.

بعد الحرب العالمية الثانية، غيَّرت صناعة البلاستيك، إلى جانب المعلنين والشركات، تركيزها. لم يعد البلاستيك متيناً فحسب؛ بل صُمم ليكون سهل الاستخدام. ووضع قادة الصناعة استراتيجيات واضحة لترسيخ سهولة الاستخدام هذه في عادات المستهلكين اليومية.

احتفت مقالة شهيرة نُشرت في مجلة «لايف» عام 1956 بعنوان «حياة الرمي» بأسلوب الحياة الجديد القائم على الراحة، مشيدةً بالبلاستيك بوصفه أداة للحرية العصرية ووسيلة للتخلص من الأعمال المنزلية. وصُممت المنتجات للاستخدام القصير والتخلّص السريع، ما أدَّى إلى استبدالها باستمرار والانفجار في مراكمة النفايات.

استعمار الأرض والبشرية

اليوم، استعمر البلاستيك كل جزء من حياتنا؛ طعامنا، تربتنا، محيطاتنا، هواءنا، الأوعية الدموية لنا، وطقوسنا. وأينما نظرنا، نجد البلاستيك، مستمرّاً في الاستعمار لفترة طويلة بعد انتهاء دورة حياته المقصودة، ودائماً دون علمنا أو مشاركتنا أو موافقتنا.

دورة حياة البلاستيك تعكس دور الاستعمار

أزمة البلاستيك العالمية ليست مجرد قضية بيئية؛ إنها قضية استعمارية. من أصوله إلى آثاره اليومية، تعكس دورة حياة البلاستيك منطق الاستعمار وقيمه، ويكمن جوهرها في أولوية الربح، فقد ظهر البلاستيك وسيلة لتحويل نفايات الوقود الأحفوري إلى سلع استهلاكية لا حصر لها، وهو مشروع لا تحركه الضرورة بل يحركه جشع الصناعة.

وقد بررت هذه العقلية التي تُعلي من شأن الربح، استخراج النفط والغاز بكميات كبيرة من أراضي السكان الأصليين دون موافقتهم، مُكررةً بذلك الحق الاستعماري في الاستخراج؛ أي فكرة أن المستعمرين، آنذاك والآن، يتمتعون بالسلطة الأخلاقية والقانونية للاستيلاء على الأرض، بغض النظر عمّن يسكنها.

اقتصاد البلاستيك يتجاهل مصالح السكان الأصليين

وتُظهر كل مرحلة من مراحل اقتصاد البلاستيك تجاهلاً لحياة السكان الأصليين؛ من مجتمعات السكان الأصليين الماليزيين الذين يعيشون بجوار مصانع البتروكيماويات السامة، إلى دول جزر المحيط الهادئ التي تغرق في نفايات بلاستيكية لم تنتجها، تدفع مجتمعات الخطوط الأمامية للإنتاج، الثمن الباهظ، وتُضحي هذه المنشآت بصحتهم ومياههم وسبل عيشهم من أجل راحة العالم.

خنق الطبيعة ومحو الثقافات التقليدية

ويدعم هذا الاعتقاد بالتفوق الأوروبي؛ الاعتقاد بأن المواد والاقتصادات وأنماط الحياة الغربية متفوقة. وكما قلل المستعمرون من قيمة المعرفة والثقافة الأصلية، محت الصناعات البلاستيكية أنماط الحياة التقليدية الخالية من النفايات، ودفعت «ثقافة الإلقاء والرمي» إلى أن تكون حديثة وطموحة.

وتُمثل صناعة البلاستيك أيضاً إزالة «التابو» (أي محظورات)، أي تدنيساً لقدسية السكان الأصليين. فالأراضي والمياه والأنواع ذات الأهمية الثقافية والروحية العميقة ملوثة أو تصبح محلاً للاتجار. ويخنق البلاستيك الأنهار، ويخنق الشعاب المرجانية، ويلوث النظم الغذائية، ما يقطع العلاقات الروحية التي تحافظ عليها الشعوب الأصلية مع بيئاتها.

ويحدث كل هذا تحت ستار التنمية، بدعم من الحكومات وقوانين التجارة التي تحمي الامتيازات الاستعمارية. حتى المعاهدات العالمية وعمليات سياسات المناخ غالباً ما تستبعد القيادة الأصلية أو ترفض حلولها، ما يُعزز هياكل السلطة القديمة نفسها.

وأخيراً، فإن الرواية القائلة بأن مجتمعات السكان الأصليين بحاجة إلى «تثقيف» حول الإدارة السليمة للنفايات أو «مساعدتهم» من خلال الحلول التكنولوجية، تعكس «الأبوية المتعالية»، فهي تُصور الشعوب الأصلية على أنها غير قادرة على إدارة بيئاتها، متجاهلة حقيقة أن الكثيرين من أفرادها عاشوا في توازن مستدام مع أنظمتهم البيئية لآلاف السنين؛ قبل زمن طويل من وجود البلاستيك.

مفاوضات معاهدة البلاستيك العالمية

في الوقت الذي يستعد فيه قادة العالم للاجتماع في جنيف في أغسطس (آب) لاستئناف دورة مفاوضات معاهدة الأمم المتحدة العالمية للبلاستيك (INC5.2)، تستعد الشعوب الأصلية للنضال من أجل معاهدة قوية وملزمة قانوناً تشمل أصواتنا.

في المفاوضات السابقة في بوسان (INC 5.1)، استُبعد ممثلو السكان الأصليون من المفاوضات غير الرسمية، وحُذفت من مسودة المعاهدة عباراتٌ تُشير إلى إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية (UNDRIP). في غضون ذلك، ازدحمت القاعات بمصالح شركات البتروكيماويات وجماعات الضغط التابعة للشركات، وكُممت أصوات الشعوب الأصلية مرةً أخرى.

هذا ليس مجرد إهمال إجرائي، بل هو عنصرية بيئية. لقد حافظت الشعوب الأصلية، على مدى آلاف السنين، على أساليب حياة مستدامة. إنها تحمل معرفة عريقة تُدرك أن النفايات التي لا يُمكن تحليلها إلى أجزائها الأصلية لا يُمكن أن تكون جزءاً من دورة مستدامة.

يجب أن تتجاوز معاهدة البلاستيك العالمية العادلة بحق الاعترافات الرمزية، وأن تُقدّم التزامات قابلة للتنفيذ تُعلي من شأن حقوق الشعوب الأصلية، وتُؤكد حق تقرير المصير، والمشاركة الكاملة، والسيادة على أراضيها ومياهها ومستقبلها. ويشمل ذلك تضمين إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية في النص القانوني للمعاهدة، والاعتراف بالشعوب الأصلية بصفتهم أصحاب حقوق، لا مجرد أصحاب مصلحة.

كما يجب أن تضع المعاهدة أيضاً حدّاً أقصى قانونياً لإنتاج البلاستيك الخام، وتحظر المواد الكيميائية المضافة الأكثر خطورة، وترفض الحلول الزائفة، مثل إعادة التدوير الكيميائي والحرق، التي لا تؤدي إلا إلى نقل الضرر، وتوفر تمويلاً عادلاً للحلول التي يقودها السكان الأصليون في جميع المناطق الاجتماعية والثقافية.

يجب أن تكون جنيف نقطة تحول

لم ينشأ تلوث البلاستيك مصادفةً، بل نشأ من نظام مصمم لخدمة قلة متميزة على حساب مجتمعات. ما لم تواجه المعاهدة هذا الإرث بشكل مباشر، بما في ذلك دورة حياة البلاستيك الكاملة من الاستخراج إلى التخلص من النفايات وما بعدها، فإنها تُخاطر بترسيخ فصل جديد من العنف الاستعماري تحت ستار العمل المناخي.

ما نحتاج إليه حقاً ليس مزيداً من الرقابة الاستعمارية، بل تحولٌ ديمقراطيٌّ يُعيد السلطة والاحترام والموارد إلى مجتمعات السكان الأصليين، ويُدرك أن مشكلة البلاستيك ليست مشكلة سلوك، بل هي نظام استعماري يُعامل الأرض والبشر، حتى المقدسات، على أنها قابلة للتصرف.

يجب على جنيف كسر هذه الحلقة المفرغة... لأن هناك أمراً واحداً مؤكداً: إذا لم يتغير شيء، فسيكون البلاستيك هو المستعمر الأخير لنا.

* «ذا ديبلومات»، خدمات «تريبيون ميديا».


مقالات ذات صلة

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

بيئة عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، في تقرير، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجّلت أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق في عام 2024

«الشرق الأوسط» (جنيف)
يوميات الشرق نفايات القهوة تعزز قوة الخرسانة وتقلل البصمة الكربونية (معهد ملبورن الملكي للتكنولوجيا)

نفايات القهوة تصنع خرسانة أقل انبعاثاً للكربون

تكشف الدراسة عن إمكانية تحويل مخلفات القهوة إلى مادة بناء مستدامة تعزز صلابة الخرسانة وتخفض بصمتها الكربونية، مما يدعم التوجه نحو اقتصاد دائري.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
ثقافة وفنون عالمة الرئيسيات والناشطة البيئية جين غودال

جين غودال وإرث البشرية المضطرب

غيابها ليس مجرد فقدانٍ لعالمةِ رئيسياتٍ أو ناشطةِ بيئةٍ، بل هو إغلاق للنافذة التي فتحتها بنفسها بقوةٍ وصبرٍ في غابات غومبي التنزانية قبل أكثر من ستة عقود.

ندى حطيط (لندن)
آسيا فيضانات في تايلاند (أ.ب)

ارتفاع عدد الوفيات جراء الفيضانات في تايلاند وسريلانكا

ذكر بيان حكومي أن حصيلة الوفيات جراء الفيضانات في جنوب تايلاند ارتفعت إلى 87 اليوم الجمعة.

«الشرق الأوسط» (بانكوك)
يوميات الشرق يعكس ظهور النسر ضمن المحمية أهميتها المتزايدة بوصفها ملاذاً للطيور المهاجرة (واس)

رصد أول ظهور للنسر أبيض الذيل في السعودية منذ 20 عاماً

رصدت محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية ظهوراً نادراً للنسر أبيض الذيل، أحد الطيور المهاجرة، وهو الرصد المؤكد الأول لهذا النوع في السعودية منذ أكثر من 20 عاماً.

«الشرق الأوسط» (تبوك)

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟
TT

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

في سباق محتدم لنشر نماذج اللغات الكبيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي في الأسواق العالمية، تفترض العديد من الشركات أن «النموذج الإنجليزي ← المترجم» كافٍ لذلك.

اللغة- ثقافة وأعراف

ولكن إذا كنتَ مسؤولاً تنفيذياً أميركياً تستعد للتوسع في آسيا أو أوروبا أو الشرق الأوسط أو أفريقيا، فقد يكون هذا الافتراض أكبر نقطة ضعف لديك. ففي تلك المناطق، ليست اللغة مجرد تفصيل في التغليف: إنها الثقافة والأعراف والقيم ومنطق العمل، كلها مُدمجة في شيء واحد.

وإذا لم يُبدّل نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بك تسلسل رموزه الكمبيوترية فلن يكون أداؤه ضعيفاً فحسب؛ بل قد يُسيء التفسير أو يُسيء المواءمة مع الوضع الجديد أو يُسيء خدمة سوقك الجديدة.

الفجوة بين التعدد اللغوي والثقافي في برامج الدردشة الذكية

لا تزال معظم النماذج الرئيسية مُدربة بشكل أساسي على مجموعات النصوص باللغة الإنجليزية، وهذا يُسبب عيباً مزدوجاً عند نشرها بلغات أخرى. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أن اللغات غير الإنجليزية والمعقدة لغويا غالباً ما تتطلب رموزاً أكثر (وبالتالي تكلفةً وحساباً) لكل وحدة نصية بمقدار 3-5 أضعاف مقارنةً باللغة الإنجليزية.

ووجدت ورقة بحثية أخرى أن نحو 1.5 مليار شخص يتحدثون لغات منخفضة الموارد يواجهون تكلفة أعلى وأداءً أسوأ عند استخدام نماذج اللغة الإنجليزية السائدة.

والنتيجة: قد يتعثر نموذج يعمل جيداً للمستخدمين الأميركيين، عند عمله في الهند أو الخليج العربي أو جنوب شرق آسيا، ليس لأن مشكلة العمل أصعب، ولكن لأن النظام يفتقر إلى البنية التحتية الثقافية واللغوية اللازمة للتعامل معها.

«ميسترال سابا» نظام الذكاء الاصطناعي الفرنسي مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا

مثال «ميسترال سابا» الإقليمي جدير بالذكر

لنأخذ نموذج «ميسترال سابا» (Mistral Saba)، الذي أطلقته شركة ميسترال للذكاء الاصطناعي الفرنسية كنموذج مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا (التاميلية والمالايالامية... إلخ). تشيد «ميسترال» بأن «(سابا) يوفر استجابات أكثر دقة وملاءمة من النماذج التي يبلغ حجمها 5 أضعاف» عند استخدامه في تلك المناطق. لكن أداءه أيضاً أقل من المتوقع في معايير اللغة الإنجليزية.

وهذه هي النقطة المهمة: السياق أهم من الحجم. قد يكون النموذج أصغر حجماً ولكنه أذكى بكثير بالنسبة لمكانه.

بالنسبة لشركة أميركية تدخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو سوق جنوب آسيا، هذا يعني أن استراتيجيتك «العالمية» للذكاء الاصطناعي ليست عالمية ما لم تحترم اللغات والمصطلحات واللوائح والسياق المحلي.

تكاليف الرموز والتحيز اللغوي

من منظور الأعمال، تُعدّ التفاصيل التقنية للترميز أمراً بالغ الأهمية. تشير مقالة حديثة إلى أن تكاليف الاستدلال في اللغة الصينية قد تكون ضعف تكلفة اللغة الإنجليزية، بينما بالنسبة للغات مثل الشان أو البورمية، يمكن أن يصل تضخم عدد الرموز إلى 15 ضعفاً.

هذا يعني أنه إذا استخدم نموذجك ترميزاً قائماً على اللغة الإنجليزية ونشرتَه في أسواق غير إنجليزية، فإن تكلفة الاستخدام سترتفع بشكل كبير، أو تنخفض الجودة بسبب تقليل الرموز. ولأن مجموعة التدريب الخاصة بك كانت تركز بشكل كبير على اللغة الإنجليزية، فقد يفتقر «نموذجك الأساسي» إلى العمق الدلالي في لغات أخرى.

أضف إلى هذا المزيج اختلافات الثقافة والمعايير: النبرة، والمراجع، وممارسات العمل، والافتراضات الثقافية، وما إلى ذلك، وستصل إلى مجموعة تنافسية مختلفة تماماً: ليس «هل كنا دقيقين» بل «هل كنا ملائمين».

التوسع في الخارج

لماذا يهم هذا الأمر المديرين التنفيذيين الذين يتوسعون في الخارج؟

إذا كنت تقود شركة أميركية أو توسّع نطاق شركة ناشئة في الأسواق الدولية، فإليك ثلاثة آثار:

-اختيار النموذج ليس حلاً واحداً يناسب الجميع: قد تحتاج إلى نموذج إقليمي أو طبقة ضبط دقيقة متخصصة، وليس فقط أكبر نموذج إنجليزي يمكنك ترخيصه.

-يختلف هيكل التكلفة باختلاف اللغة والمنطقة: فتضخم الرموز وعدم كفاءة الترميز يعنيان أن تكلفة الوحدة في الأسواق غير الإنجليزية ستكون أعلى على الأرجح، ما لم تخطط لذلك.

-مخاطر العلامة التجارية وتجربة المستخدم ثقافية: فبرنامج الدردشة الآلي الذي يسيء فهم السياق المحلي الأساسي (مثل التقويم الديني، والمصطلحات المحلية، والمعايير التنظيمية) سيُضعف الثقة بشكل أسرع من الاستجابة البطيئة.

بناء استراتيجية ذكاء اصطناعي متعددة اللغات واعية ثقافياً

للمديرين التنفيذيين الجاهزين للبيع والخدمة والعمل في الأسواق العالمية، إليكم خطوات عملية:

• حدّد اللغات والأسواق كميزات من الدرجة الأولى. قبل اختيار نموذجك الأكبر، اذكر أسواقك ولغاتك ومعاييرك المحلية وأولويات عملك. إذا كانت اللغات العربية أو الهندية أو الملايوية أو التايلاندية مهمة، فلا تتعامل معها كـ«ترجمات» بل كحالات استخدام من الدرجة الأولى.

• فكّر في النماذج الإقليمية أو النشر المشترك. قد يتعامل نموذج مثل «Mistral Saba» مع المحتوى العربي بتكلفة أقل ودقة أكبر وبأسلوب أصلي أكثر من نموذج إنجليزي عام مُعدّل بدقة.

• خطط لتضخم تكلفة الرموز. استخدم أدوات مقارنة الأسعار. قد تبلغ تكلفة النموذج في الولايات المتحدة «س» دولاراً أميركياً لكل مليون رمز، ولكن إذا كان النشر تركياً أو تايلاندياً، فقد تكون التكلفة الفعلية ضعف ذلك أو أكثر.

• لا تحسّن اللغة فقط، بل الثقافة ومنطق العمل أيضاً. لا ينبغي أن تقتصر مجموعات البيانات المحلية على اللغة فحسب، بل ينبغي أن تشمل السياق الإقليمي: اللوائح، وعادات الأعمال، والمصطلحات الاصطلاحية، وأطر المخاطر.

صمم بهدف التبديل والتقييم النشطين. لا تفترض أن نموذجك العالمي سيعمل محلياً. انشر اختبارات تجريبية، وقيّم النموذج بناءً على معايير محلية، واختبر قبول المستخدمين، وأدرج الحوكمة المحلية في عملية الطرح.

المنظور الأخلاقي والاستراتيجية الأوسع

عندما تُفضّل نماذج الذكاء الاصطناعي المعايير الإنجليزية والناطقة بالإنجليزية، فإننا نُخاطر بتعزيز الهيمنة الثقافية.

كمسؤولين تنفيذيين، من المغري التفكير «سنترجم لاحقاً». لكن الترجمة وحدها لا تُعالج تضخم القيمة الرمزية، وعدم التوافق الدلالي، وعدم الأهمية الثقافية. يكمن التحدي الحقيقي في جعل الذكاء الاصطناعي مُتجذراً محلياً وقابلاً للتوسع عالمياً.

إذا كنت تُراهن على الذكاء الاصطناعي التوليدي لدعم توسعك في أسواق جديدة، فلا تُعامل اللغة كحاشية هامشية. فاللغة بنية تحتية، والطلاقة الثقافية ميزة تنافسية. أما التكاليف الرمزية وتفاوتات الأداء فليست تقنية فحسب، بل إنها استراتيجية.

في عالم الذكاء الاصطناعي، كانت اللغة الإنجليزية هي الطريق الأقل مقاومة. ولكن ما هي حدود نموك التالية؟ قد يتطلب الأمر لغةً وثقافةً وهياكل تكلفة تُمثل عوامل تمييز أكثر منها عقبات.

اختر نموذجك ولغاتك واستراتيجية طرحك، لا بناءً على عدد المعاملات، بل على مدى فهمه لسوقك. إن لم تفعل، فلن تتخلف في الأداء فحسب، بل ستتخلف أيضاً في المصداقية والأهمية.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
TT

الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي

في مدينةٍ لا تهدأ، وتحديداً في مركز «جاڤِتس» على ضفاف نهر هدسون، اختتمت أمس أعمال اجتماعات نيويورك السنوية لطبّ الأسنان، التي استمرت 5 أيام، أحد أكبر التجمعات العالمية للمهنة، بمشاركة نحو 50 ألف طبيب وخبير من أكثر من 150 دولة.

لم يكن الحدث مجرد مؤتمر، بل منصّة حيّة لمستقبل طبّ الأسنان؛ فبين أروقته تتقدّم التكنولوجيا بخطى ثابتة: من الروبوتات الجراحية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على قراءة الأشعة في ثوانٍ، وصولاً إلى تجارب التجديد الحيوي التي قد تغيّر شكل العلاج خلال سنوات قليلة.

الذكاء الاصطناعي نجم المؤتمر بلا منافس

كان الذكاء الاصطناعي العنوان الأبرز لهذا العام، إذ جاء المؤتمر في لحظةٍ تتسارع فيها التحوّلات العلمية بسرعة تفوق قدرة المناهج التقليدية على مواكبتها. وقد برزت تقنيات محورية: أنظمة تحليل الأشعة الفورية، والمساعد السريري الذكي، والتخطيط الرقمي للابتسامة. وعلى امتداد القاعات، كان واضحاً أن هذه التقنيات لم تعد تجارب مختبرية، بل هي حلول جاهزة تغيّر طريقة ممارسة المهنة أمام أعيننا.

الروبوتات تدخل غرفة العمليات

شكّلت الجراحة الروبوتية محوراً لافتاً هذا العام، بعد أن عرضت شركات متخصصة أنظمة دقيقة تعتمد على بيانات الأشعة ثلاثية الأبعاد وتتكيف لحظياً مع حاجة الإجراء. وقد أظهرت العروض قدرة هذه الروبوتات على تنفيذ خطوات معقدة بثباتٍ يفوق اليد البشرية، مع تقليل هامش الخطأ ورفع مستوى الأمان الجراحي.

التجديد الحيوي... من الخيال إلى التجربة

عرضت جامعات نيويورك وكورنيل أبحاثاً حول بروتينات مثل «BMP-2»، وهو بروتين ينشّط نمو العظم، و«FGF-2» عامل يساعد الخلايا على الانقسام والتئام الأنسجة خصوصاً الألياف، إلى جانب تقنيات الخلايا الجذعية لإحياء الهياكل الدقيقة للسن.

في حديث مباشر مع «الشرق الأوسط»

وأثناء جولة «الشرق الأوسط» في معرض اجتماع نيويورك لطبّ الأسنان، التقت الدكتورة لورنا فلامر–كالديرا، الرئيس المنتخب لاجتماع نيويورك الكبرى لطب الأسنان، التي أكدت أنّ طبّ الأسنان يشهد «أكبر تحوّل منذ ثلاثة عقود»، مشيرة إلى أنّ المملكة العربية السعودية أصبحت جزءاً فاعلاً في هذا التحوّل العالمي.

وأضافت الدكتورة لورنا، خلال حديثها مع الصحيفة في أروقة المؤتمر، أنّ اجتماع نيويورك «يتطلّع إلى بناء شراكات متقدمة مع جهات في السعودية، أسوة بالتعاون القائم مع الإمارات ومؤسسة (إندكس) وجهات دولية أخرى»، موضحة أنّ هناك «فرصاً واسعة للتعاون البحثي والتعليمي في مجالات الزراعة الرقمية والذكاء الاصطناعي والعلاجات المتقدمة»، وأن هذا التوجّه ينسجم بطبيعة الحال مع طموحات «رؤية السعودية 2030».

العرب في قلب الحدث

شارك وفود من السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين ومصر والعراق في جلسات متقدمة حول الذكاء الاصطناعي والزراعة الرقمية، وكان حضور الوفود لافتاً في النقاشات العلمية، ما عكس الدور المتنامي للمنطقة في تشكيل مستقبل طبّ الأسنان عالمياً.

نيويورك... حيث يبدأ الغد

منذ بدايات اجتماع نيويورك قبل أكثر من قرن، بقيت المدينة مرآةً لتحوّلات المهنة ومختبراً مفتوحاً للمستقبل. وعلى امتداد 5 أيام من الجلسات والمحاضرات والورش العلمية، رسّخ اجتماع نيويورك السنوي مكانته كأكبر تجمع عالمي لطبّ الأسنان، وكمنصّة تُختبر فيها التقنيات التي ستعيد رسم ملامح المهنة في السنوات المقبلة. كما يقول ويليام جيمس، مؤسس الفلسفة البراغماتية الأميركية، إنّ أميركا ليست مكاناً، بل تجربة في صناعة المستقبل... وفي نيويورك تحديداً، يبدو مستقبل طبّ الأسنان قد بدأ بالفعل.


دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
TT

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

أدت الزيادة الكبيرة في أعداد الأقمار الاصطناعية المتمركزة في مدار منخفض حول الأرض إلى تطورات في مجال الاتصالات، منها توفير خدمات النطاق العريض في المناطق الريفية والنائية في أنحاء العالم.

لكنها تسببت أيضا في زيادة حادة في التلوث الضوئي في الفضاء، ما يشكل تهديدا لعمل المراصد الفلكية المدارية. وتشير دراسة جديدة أجرتها إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وتركز على أربعة تلسكوبات فضائية، منها تلسكوبان يعملان حاليا وآخران يجري العمل عليهما، إلى أن نسبة كبيرة من الصور التي سيجري التقاطها بواسطة هذه المراصد على مدى العقد المقبل قد تتأثر بالضوء المنبعث أو المنعكس من الأقمار الاصطناعية التي تشترك معها في المدار المنخفض.

وخلص الباحثون إلى أن نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية. وقال الباحثون إن «هابل» سيكون أقل تأثرا بسبب مجال رؤيته الضيق.

والتلسكوبات المدارية عنصر أساسي في استكشاف الفضاء، نظرا لما تمتلكه من قدرة على رصد نطاق أوسع من الطيف الكهرومغناطيسي مقارنة بالتلسكوبات الأرضية، كما أن غياب التداخل مع العوامل الجوية يمكنها من التقاط صور أكثر وضوحا للكون، مما يتيح التصوير المباشر للمجرات البعيدة أو الكواكب خارج نظامنا الشمسي.

وقال أليخاندرو بورلاف، وهو عالم فلك من مركز أميس للأبحاث التابع لوكالة ناسا في كاليفورنيا وقائد الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر «في حين أن معظم تلوث الضوء حتى الآن صادر من المدن والمركبات، فإن زيادة مجموعات الأقمار الاصطناعية للاتصالات بدأ يؤثر بوتيرة أسرع على المراصد الفلكية في جميع أنحاء العالم».

وأضاف «في الوقت الذي ترصد فيه التلسكوبات الكون في مسعى لاستكشاف المجرات والكواكب والكويكبات البعيدة، تعترض الأقمار الاصطناعية في كثير من الأحيان مجال الرؤية أمام عدساتها، تاركة آثارا ضوئية ساطعة تمحو الإشارة الخافتة التي نستقبلها من الكون. كانت هذه مشكلة شائعة في التلسكوبات الأرضية. ولكن، كان يعتقد، قبل الآن، أن التلسكوبات الفضائية، الأكثر كلفة والمتمركزة في مواقع مراقبة مميزة في الفضاء، خالية تقريبا من التلوث الضوئي الناتج عن أنشطة الإنسان».

وفي 2019، كان هناك نحو ألفي قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض. ويبلغ العدد الآن نحو 15 ألف قمر. وقال بورلاف إن المقترحات المقدمة من قطاع الفضاء تتوقع تمركز نحو 650 ألف قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض خلال العقد المقبل.