الجينوم... ثورة في علاج الصرع والأمراض النادرة لدى الأطفال

بتوظيف تقنية التسلسل الجيني السريع لتحليل الدم

الجينوم... ثورة في علاج الصرع والأمراض النادرة لدى الأطفال
TT

الجينوم... ثورة في علاج الصرع والأمراض النادرة لدى الأطفال

الجينوم... ثورة في علاج الصرع والأمراض النادرة لدى الأطفال

أثبتت دراسة دولية رائدة أجراها باحثون من جامعة «يونيفرسيتي كوليدج لندن» و«مستشفى غريت أورموند ستريت» للأطفال في لندن، أن التسلسل الجيني السريع يمكن أن يُحدث تحولاً جذرياً في تشخيص وعلاج الصرع لدى الأطفال، والأمراض النادرة الأخرى. وتأتي هذه الدراسة ضمن جهود الطب الدقيق لتوفير رعاية صحية أكثر تخصيصاً رغم الحاجة الماسة لاستثمارات عاجلة لضمان الوصول العادل وأنظمة تبادل بيانات آمنة على مستوى العالم.

مسار أسرع للتشخيص

استخدم الباحثون تقنية التسلسل الجيني السريع (rGS) rapid genomic sequencing عبر أنظمة الرعاية الصحية في المملكة المتحدة وكندا والولايات المتحدة وأستراليا. وقاموا بتحليل عينات الدم للأطفال الذين تم تشخيصهم حديثاً بالصرع، ما أدى إلى تحقيق تشخيص وراثي في 43 بالمائة من الحالات خلال أقل من ثلاثة أسابيع. ولعبت هذه النتائج دوراً حاسماً؛ إذ أثرت بشكل مباشر على قرارات العلاج في 98 بالمائة من الحالات، حيث ساعدت في اختيار الأدوية المضادة للصرع الأكثر فاعلية أو تجنب العلاجات التي قد تسبب آثاراً جانبية ضارة.

وتعتمد تقنية التسلسل الجيني السريع على فك شفرة الجينوم الكامل للمريض مرة واحدة لتحديد الطفرات المرتبطة بأكثر من ألف جين معروف بدوره في الصرع. وأوضحت الدكتورة إيمي ماكتاج، المحققة الرئيسية في المملكة المتحدة من الجامعة لندن ومستشفى غريت أورموند ستريت والمشاركة في الدراسة، أن الكشف المبكر لا يمنح الأسر الإجابات فحسب، بل يوفر للأطباء الأدوات اللازمة للتدخل السريع وتحسين النتائج العلاجية.

انطلاقة «الطب الدقيق»

كما أكدت الدكتورة كاثرين هاويل، الباحثة الأولى في الدراسة من معهد مردوخ لأبحاث طب الأطفال في ملبورن، أن تحديد التشخيص الجيني يمثل الخطوة الأولى نحو تقديم خدمات الطب الدقيق. وأشارت إلى أن أكثر من 70 بالمائة من الأمراض النادرة التي يقدر عددها بنحو عشرة آلاف مرض ناجمة عن عوامل وراثية، وهناك بالفعل أكثر من 600 جين مرتبط بالعلاجات المتوفرة. وأوضحت هاويل أن التقدم في تقنيات الجينوم، وخاصة التسلسل السريع، قد زاد من معدلات التشخيص بشكل كبير، مما يساعد في توجيه الإدارة السريرية والعلاج والتنبؤ بمسار المرض.

نشرت الدراسة في مجلة npj Genomic Medicine في 27 فبراير (شباط) 2025، وأكدت الحاجة الملحة لتوسيع نطاق الوصول إلى الاختبارات الجينومية؛ إذ إن الوصول إلى هذه التقنيات لا يزال محدوداً وغير متكافئ، ما يمنع العديد من الأطفال من تلقي العلاج المناسب في الوقت المناسب. تجدر الإشارة إلى أن الأمراض النادرة تؤثر على واحد من كل 17 شخصاً حول العالم، مما يجعل تحسين هذا الجانب أمراً حيوياً.

ويعد اتحاد الشراكة الدولية لصحة الطفل الدقيقة (IPCHiP) نموذجاً للتعاون العالمي في مجال الطب الدقيق. فقد تم تعيين هذه الشراكة أخيراً كمشروع محرك من قبل التحالف العالمي لعلم الجينوم والصحة (GA4GH) Alliance for Genomics and Health Global مما يؤكد أهميتها في دمج البحث العلمي مع الممارسة السريرية على مستوى دولي.

وأشار البروفسور ستيفن شيرير، رئيس الأبحاث في مستشفى الأطفال المرضى في كندا والمشارك الرئيسي في الدراسة، إلى أهمية دمج البحث العلمي في الممارسة السريرية لتسريع اكتشافات علم الجينوم وتحسين النتائج الصحية للأطفال.

كما أكد البروفسور جون كريستودولو، من معهد مردوخ لأبحاث صحة الطفل، أن فريقهم يعمل على إنشاء شبكة بيانات دولية لتحليل المعلومات السريرية والجينومية معاً، مما سيسهم ليس فقط في تحسين تشخيص الأمراض النادرة لدى الأطفال، بل سيفتح أيضاً آفاقاً لتطبيق هذه التقنية في الأمراض الشائعة مثل أمراض القلب والسرطان.

وقد أثبتت دراسة سابقة نشرت في مجلة The Lancet Neurology في 11 سبتمبر (أيلول) 2023، أن التسلسل الجيني السريع أسفر عن معدل تشخيص بلغ 43 بالمائة للأطفال المصابين بالصرع، مما أدى إلى تقديم علاجات أكثر استهدافاً وفاعلية.

تحديات وآفاق مستقبلية

وعلى الرغم من النتائج الواعدة فلا تزال هناك تحديات كبيرة أمام تطبيق هذه التكنولوجيا على نطاق واسع. فالاختبارات الجينومية باهظة التكلفة والوصول إليها غير متكافئ بين مختلف الدول والمناطق. لذلك يدعو الخبراء إلى بذل جهود عالمية لتعزيز دقة التشخيص وتوسيع نطاق الوصول إلى هذه التقنيات، مع تأمين أنظمة تبادل بيانات آمنة تعزز التعاون الدولي. وبالنظر إلى المستقبل تسعى الشراكة الدولية لصحة الطفل الدقيقة إلى توسيع استخدام الاختبارات الجينومية لتشمل حالات أخرى تستفيد من التشخيص المبكر. ومن ضمن الخطط المستقبلية التركيز على الأطفال حديثي الولادة الذين يعانون من نقص التوتر العضلي، وهو حالة يمكن أن تؤدي إلى صعوبات في التغذية وحركة الرأس.

ويعد تسريع التشخيص الجيني خطوة ثورية في مجال الطب الجينومي للأطفال؛ إذ يوفر أملاً جديداً لتحسين الرعاية والعلاجات المقدمة للأطفال المصابين بالصرع والأمراض النادرة. ومع تكاتف الجهود الدولية وتوفير الاستثمارات اللازمة لضمان وصول عادل لهذه التقنيات يُمكن للطب الدقيق أن يحقق نقلة نوعية في تحسين حياة ملايين الأطفال حول العالم.


مقالات ذات صلة

من خلية إلى نبض... كاميرا ترصد اللحظة الأولى لقلب يتكوَّن

يوميات الشرق تكنولوجيا قد توفّر رؤى جديدة حول عيوب القلب الخلقية (جامعة كلية لندن)

من خلية إلى نبض... كاميرا ترصد اللحظة الأولى لقلب يتكوَّن

في حدث غير مسبوق، تمكّن العلماء من تصوير لحظة بداية تشكُّل القلب باستخدام صور مدهشة بتقنية الفاصل الزمني.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم العربي حركة مواطنين في أحد شوارع العاصمة الخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)

«أطباء بلا حدود» تعلن استئناف أنشطتها بمستشفى «بشائر» في جنوب الخرطوم بالسودان

أعلنت منظمة «أطباء بلا حدود»، الأحد، أنها ستستأنف أنشطتها في مستشفى «بشائر» التعليمي الواقع في جنوب الخرطوم بعد توقف استمر 4 أشهر.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
صحتك أظهر بحث حديث أن الغسالات المنزلية غالباً ما تفشل في تعقيم الملابس (موقع بيكسلز)

باحثون: غسل الملابس في المنزل لا يعقِّم ملابس الأطباء

حذَّر باحثون من أن العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين يغسلون ملابس العمل في المنزل، ربما يساهمون دون قصد في انتشار حالات العدوى المقاومة للمضادات الحيوية.

يوميات الشرق الحبّ بمرتبة النُبل (أ.ب)

أمٌ تتبرَّع بكليتها... وابنتها تردّ الجميل بالعباءة البيضاء

اضطُرَّت أمبريال براون لسنوات إلى تعليق أحلامها بأن تصبح ممرضة، بسبب مرض في الكلى هدَّد حياتها وجعلها عاجزة مؤقتاً... إليكم قصتها.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
صحتك مكعبات من الثلج تظهر داخل كوب (د.ب.أ)

هل من الآمن استخدام الثلج لعلاج الحروق؟

قبل ظهور الطب الحديث، كانت العلاجات المنزلية للحروق تتطلب استخدام منتجات موجودة عادة في المطبخ، بما في ذلك الزبدة أو الزيت، وبياض البيض والثلج.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

5 طرق لتحسين تواصلك فوراً باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي

5 طرق لتحسين تواصلك فوراً باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي
TT

5 طرق لتحسين تواصلك فوراً باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي

5 طرق لتحسين تواصلك فوراً باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي

إلى جانب التدقيق النحوي والتصحيح الإملائي، يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي اليوم مساعدتك في شحذ وتبادل الأفكار وتبسيط وتحسين رسائلك. ما عليك سوى معرفة كيفية استخدامها بشكل صحيح، كما كتبت د. أندريا فوينيكي (*).

بريد إلكتروني وعرض تقديمي

سواء كنت تكتب بريداً إلكترونياً مهماً، أو تُعدّ عرضاً تقديمياً ذا أهمية كبيرة، أو تُعدّ مقالاً قيادياً فكرياً، فإن قدرتك على التواصل بوضوح وإقناع لم تكن يوماً أكثر أهمية. كما أنها لم تكن في السابق مدعومة بالتكنولوجيا مثلما هي اليوم.

الآن، يستخدم الجميع الذكاء الاصطناعي للتدقيق الإملائي والنحوي، وأيضاً للحصول على مرادفات للكلمات. ولكن، هل أنت مستعد للارتقاء بتواصلك إلى مستوى أعلى مع الذكاء الاصطناعي؟

شحذ الأفكار بذكاء

إليك 5 طرق أستخدمها لتحسين تواصلي. وإليك أيضاً تصوراتي لتشجيع المديرين التنفيذيين ورواد الأعمال الذين أدربهم على فعل الشيء نفسه.

1. شحذ وتبادل الأفكار بذكاء أكبر. هل تحدق في شاشة فارغة؟ يستطيع الذكاء الاصطناعي توليد قوائم أفكار، واستكشاف زوايا بديلة، ومساعدتك على تجاوز المأزق.

يمكنك تحفيزه بعبارة: «أعطني 10 خيارات عناوين لهذه الفكرة» أو «ما هو الرأي المخالف لهذا الموضوع؟» أو «كيف يمكن للرئيس التنفيذي شرح هذا الأمر بلغة واضحة؟».

غالباً ما أستخدم أنا الذكاء الاصطناعي لمساعدتي في توليد القوائم. إذا كنتُ أُنتج حلقة «بودكاست» حول «ثماني طرق لإظهار الحضور التنفيذي»، فسأبدأ بإنشاء قائمتي الخاصة. ثم أقارنها بقائمة أخرى أنشأها الذكاء الاصطناعي. تعامل مع الذكاء الاصطناعي كمتعاون إبداعي، ليس كمؤلف، بل كشريك فكري سيساعدك على تحسين محتواك.

الاستعارات والملخصات

2. ابتكر استعارات جذابة. هل تبحث عن طريقة مضمونة للارتقاء بتواصلك؟ يمكن أن يساعدك استخدام الاستعارات في توضيح رسالتك وجعلها أكثر جاذبية ورسوخاً. الجزء الصعب هنا هو التوصل إلى الاستعارة المثالية.

إليك ما أفعله. ابدأ بسؤال الذكاء الاصطناعي: «اذكر 10 استعارات لوصف (مفهوم معقد)». ثم، من قائمة النتائج، حدد اثنين أو ثلاثة متقاربين، واطلب تعديلات حتى تجد واحداً. عند إنجازه بشكل جيد، يمكن أن تصبح الاستعارة الرائعة محور عرضك التقديمي أو خطابك الرئيسي.

3. لخّص وحدّد عدد الكلمات. قال الكاتب والمخترع الفرنسي بليز باسكال مقولته الشهيرة: «كنت سأكتب رسالة أقصر، لكن لم يكن لديّ وقت». ها نحن ذا بعد 300 عام نجد أنفسنا عند نفس هذه الحالة.

بفضل الذكاء الاصطناعي، لم تعد بحاجة للاختيار بين الإيجاز والكفاءة. يمكنك الآن استخدام الذكاء الاصطناعي لتضييق عدد كلمات مستنداتك بسرعة. ما عليك سوى تحميل مستندك وتحديد عدد الكلمات المطلوب. وبالطبع، لا تزال بحاجة إلى تدقيق وتحرير المستند الأقصر.

يمكنك أيضاً استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء ملخصات. على سبيل المثال، في أعلى رسالتك الإلكترونية المطولة، ابدأ بملخص TLDR بمساعدة الذكاء الاصطناعي (طويل جداً؛ لم أقرأه: too long; didn't read).

إذا طُلب منك تقديم وصف موجز لخطابك الرئيسي، فما عليك سوى تحميل ملاحظاتك. وبالمثل، أستخدم الذكاء الاصطناعي لمساعدتي في كتابة أوصاف حلقات «البودكاست» الخاص بي. يشبه الذكاء الاصطناعي وجود محرر مدمج بالكمبيوتر يعمل بسرعة.

تحسين «نبرة النصوص»

4. حسّن «نبرة نصوصك». نبرة صوتك قد تُحسّن أو تُفسد تواصلك. إليك اقتراحي لكيفية استخدام الذكاء الاصطناعي لمساعدتك في تحسين نبرة كتابتك. أولاً، حدد ثلاث «صفات للنبرة»، مثل رسمي، ومهني، وداعم، وودود، ومتعاطف. ما هي نبرتي المفضلة؟ «ذكي».

بمجرد تحديد النبرة، أحث الذكاء الاصطناعي على تقديم اقتراحات لتحسين النبرة بناءً على هذه الصفات. يمكن أن يُحدث هذا التغيير البسيط فرقاً كبيراً، خاصةً عندما تكون المخاطر كبيرة أو تكون المشاعر قوية.

5. احصل على ملاحظات فورية. قبل الضغط على زر الإرسال أو قبل الصعود إلى المنصة، اطلب من الذكاء الاصطناعي أن يتصرف كقارئك أو مستمعك. حفزه بسؤال: «ما الأسئلة التي قد يطرحها جمهوري بعد قراءة هذا؟» أو «ما أجزاء هذه الرسالة التي قد تكون غير واضحة أو غير مريحة؟» يمكن أن يساعدك هذا النوع من حلقة التغذية الراجعة على توقع الاعتراضات، وتوضيح رسالتك، وتحسين أسلوب توصيلها.

بعض التحذيرات قبل الانغماس في تحسين الذكاء الاصطناعي

إليك بعض التذكيرات لمساعدتك على تحسين كيفية استخدامك للذكاء الاصطناعي:

* ابدأ دائماً بأفكارك الخاصة، حتى لو كانت نقاطاً موجزة. الذكاء الاصطناعي موجود للتحسين، وليس للاختراع.

* حافظ على طابع شخصي في التواصل الشخصي. استخدم الذكاء الاصطناعي للهيكلة أو الاقتراحات، لكن علاقاتك تستحق هيمنة صوتك الحقيقي.

* تحقق جيداً من كل شيء. لا يزال الذكاء الاصطناعي يُبالغ في خداعك، إذ إن مصداقيتك تعتمد على الدقة.

* متخصصة في وسائل الاتصال، «مانسيوتو فنتشرز»، خدمات «تريبيون ميديا».