جين يفتح آفاقاً جديدة لعلاج الشيخوخة

يرتبط بالالتهاب المزمن الخفيف المسبب للسكري وأمراض القلب وهزال العضلات

جين يفتح آفاقاً جديدة لعلاج الشيخوخة
TT
20

جين يفتح آفاقاً جديدة لعلاج الشيخوخة

جين يفتح آفاقاً جديدة لعلاج الشيخوخة

كشفت أبحاث حديثة عن اكتشاف جيني قد يمهد الطريق لعلاجات ثورية لإدارة الشيخوخة والحد من الأمراض المرتبطة بالتقدم في العمر. ويركز البحث على جين مستقبلات إكتوديسبلازين A2 (EDA2R) الذي يلعب دوراً محورياً في تحفيز الالتهاب المزمن منخفض الدرجة، وهو عامل رئيس وراء تدهور الصحة مع التقدم في السن.

وقد وُجد أن هذا الجين يسهم في تفاقم حالات مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والسكري والتنكس العصبي وهزال العضلات التي تؤثر بشكل كبير على جودة الحياة والعمر المديد.

ويفتح هذا الاكتشاف آفاقاً جديدة لفهم الآليات الجزيئية الدقيقة التي تربط بين الشيخوخة والالتهاب ما يُعَد خطوة جوهرية نحو تطوير أدوية تستهدف مسارات هذا الجين بشكل مباشر. ويُعتقد أن كبح نشاط الجين أو تعديله قد يُبطئ عمليات التدهور الخلوي ويُقلل من عبء الأمراض المزمنة. وإذا ما نجحت الأبحاث المستقبلية فقد تُحدث هذه العلاجات تحولاً جذرياً في كيفية تعامل الطب مع الشيخوخة معززة سنوات الحياة الصحية للملايين حول العالم.

جين يربط بين الالتهاب والهرم

وفي خطوة علمية واعدة كشفت دراسة حديثة نُشرت في مجلة Nature Communications بتاريخ 23 فبراير (شباط) 2025 عن دور محوري لجين الإكتوديسبلازين في تسريع عمليات الشيخوخة والالتهابات المزمنة. وقاد البحث فريق دولي بقيادة الدكتور إلدوس أحمدوف عالم الوراثة في جامعة ليفربول بالمملكة المتحدة بمشاركة باحثين من إيطاليا وسويسرا وهولندا.

ينتمي جين الإكتوديسبلازين إلى عائلة مستقبلات عامل نخر الورم Tumor necrosis factor (TNF). وارتبط سابقاً بتنظيم عمليات موت الخلايا المبرمج (الاستماتة) apoptosis والإشارات الالتهابية. لكن الدراسة الجديدة أظهرت أنه قد يكون «المفتاح» الذي يربط بين الشيخوخة والالتهاب المزمن منخفض الدرجة الذي يُعد عاملاً رئيساً وراء أمراض مثل السكري وأمراض القلب وألزهايمر وهزال العضلات sarcopenia.

ومن خلال تحليل بيانات من قاعدة «التعبير الجيني في الأنسجة» وجد الباحثون أن نشاط هذا الجين يرتفع بشكل ملحوظ مع التقدم في العمر عبر مختلف أنسجة الجسم بغض النظر عن نوع العضو. كما أكدت تجارب على القوارض أن ارتفاع تعبير الجين يؤدي إلى تسريع ظهور سمات الشيخوخة، مثل الالتهاب المزمن وخلل وظائف الأوعية الدموية.

والأمر الأكثر إثارة في الدراسة هو تحول الجين من مجرد «مؤشر حيوي» يرصد الالتهاب إلى «محرك فعلي» للشيخوخة. ففي تجارب مخبرية أدى الإفراط في تعبير الجين إلى تنشيط المسارات الالتهابية، وإضعاف صحة العضلات محاكياً أعراض هزال العضلات المرتبطة بالعمر. لكن عند تثبيط نشاط الجين انخفضت هذه الآثار الضارة بشكل كبير.

ولتأكيد النتائج حلل الفريق عينات دم من 5 آلاف و228 فرداً ووجدوا ارتباطاً واضحاً بين ارتفاع تعبير الجين وزيادة مستويات بروتين سي التفاعلي (CRP) C - reactive protein وهو علامة معروفة للالتهاب الجهازي. ويوضح الدكتور أحمدوف أن هذا الجين ليس شاهداً على الشيخوخة، بل قد يكون سبباً جوهرياً في تدهور الصحة مع التقدم في العمر.

علاجات جينية وطبيعية

ورغم أن البحث ما زال في مراحله الأولى فإن النتائج تلمح إلى استراتيجيات واعدة للتدخل. فقد أشارت دراسات سابقة إلى أن تغييرات نمط الحياة مثل تقييد السعرات الحرارية وممارسة الرياضة بانتظام قد تقلل من تعبير الجين. كما أظهرت مكملات الجنكة المستخدمة في الطب الصيني لقرون ودواء الميتفورمين (المشهور بعلاج السكري) تأثيرات مشابهة في خفض نشاط الجين في النماذج الحيوانية والبشرية. والمكمل الغذائي الجنكة ginkgo عبارة عن أوراق شجرة تستخدم في كثير من الحالات، بما في ذلك القلق وأمراض القلب وضعف الإدراك والخرف والسكري ومتلازمة ما قبل الحيض والفصام والطنين.

لكن الأمل الأكبر يكمن في تطوير أدوية موجهة لتعديل إشارات الجين مباشرة. يقول الدكتور أحمدوف إذا تمكنا من تصميم جزيئات تمنع تفاعل الجين مع البروتين المرتبط به (EDA - A2) فقد نتمكن من إبطاء الالتهاب المزمن وتأخير ظهور أمراض الشيخوخة.

ويخطط الفريق الآن لدراسة تأثير أدوية موجودة ومستحدثة على تعبير الجين، بالإضافة إلى تحليل الجزيئات التي تتفاعل معه لفهم دوره بشكل أشمل. كما ستركز الأبحاث المقبلة على تحديد الفئات الأكثر استفادة من العلاجات المحتملة، مثل كبار السن أو المصابين بأمراض مرتبطة بالالتهاب.

وتعليقاً على ذلك تقول الدكتورة ماريا باربيرا إحدى المشاركات في الدراسة من قسم التكنولوجيا الحيوية والعلوم الحيوية جامعة ميلانو بإيطاليا إن هذا الجين قد يكون حلقة الوصل المفقودة بين الشيخوخة والأمراض المزمنة، وإن تحكمنا في نشاطه قد يُترجم إلى إطالة العمر الصحي وليس مجرد إطالة العمر.

لا تهدف الأبحاث حول جين الإكتوديسبلازين إلى تأخير الموت، بل إلى تعزيز «العمر الصحي» أي الفترة التي يعيشها الإنسان دون معاناة من الأمراض. فمع توقعات بأن يشكل كبار السن الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً نحو 16 في المائة من سكان العالم بحلول عام 2050 تصبح مثل هذه الاكتشافات ضرورة اجتماعية واقتصادية.

كما يذكرنا هذا الاكتشاف بأن الشيخوخة ليست قدراً محتوماً، بل عملية بيولوجية معقدة يمكن التأثير فيها. ربما لم نجد بعد «حبة الشباب الدائمة»، لكن العلم يقترب خطوة من جعل الشيخوخة مرحلة حياة أكثر إشراقاً.


مقالات ذات صلة

كيف يساعد الذكاء الاصطناعي تجار التجزئة في تحليل سلوك المستهلك بدقة؟

خاص يعزز الذكاء الاصطناعي من كفاءة العمليات ويوفر تجارب تسوق شخصية من خلال تحسين الاتصال وتوفير تحليلات فورية (أ.ف.ب)

كيف يساعد الذكاء الاصطناعي تجار التجزئة في تحليل سلوك المستهلك بدقة؟

تلعب الشبكات المدعومة بالذكاء الاصطناعي دوراً أساسياً في تخصيص تجربة التسوق فورياً مستفيدةً من بيانات تفاعلات العملاء وسجلات التصفح والرؤى القائمة على الموقع.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا مزج الباحثون بين نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية لإنشاء أداة سريعة تنتج صوراً بدقة عالية (Christine Daniloff, MIT)

في جزء من الثانية... «هارت» يولد صوراً عالية الجودة عبر الذكاء الاصطناعي

«هارت» (HART) أداة جديدة لإنشاء الصور بالذكاء الاصطناعي، تتفوق على التقنيات الحالية بجودة أعلى، وسرعة أكبر بتسع مرات من النماذج الحالية!

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا سان ديسك إكستريم 1 تيرابايت إس إٍس دي

أفضل محركات أقراص الحالة الصلبة الخارجية المحمولة لعام 2025

لزيادة سعة التخزين وسرعة استرداد البيانات

تكنولوجيا خدمة أتمتة متقدمة تتيح إنشاء سير عمل مرن يدمج أكثر من 400 تطبيق مما يسهل تنفيذ المهام تلقائياً دون تدخل يدوي (n8n)

كيف تتيح منصة «n8n» ربط التطبيقات وأتمتة الأعمال دون تدخل يدوي متكرر؟

توفر المنصة بيئة منخفضة التعليمات البرمجية ومفتوحة المصدر، مما يسمح للمستخدمين بتشغيلها على خوادمهم الخاصة.

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص التقارب بين الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية يمكن أن يسرع الاكتشافات في مجالات مثل الأدوية والمناخ (أدوبي)

خاص كيف يغير تقارب الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية وجه الاكتشافات العلمية؟

الحوسبة الكمومية والذكاء الاصطناعي يجتمعان لقيادة الابتكار العلمي، مع تقدم سريع في التطبيقات التجارية، من اكتشاف الأدوية إلى الأمن السيبراني.

نسيم رمضان (سياتل)

التنافس بين الصين وأميركا في مجال الذكاء الاصطناعي... متعدد الأوجه

التنافس بين الصين وأميركا في مجال الذكاء الاصطناعي... متعدد الأوجه
TT
20

التنافس بين الصين وأميركا في مجال الذكاء الاصطناعي... متعدد الأوجه

التنافس بين الصين وأميركا في مجال الذكاء الاصطناعي... متعدد الأوجه

في 13 مارس (آذار) الحالي، أصدرت شركة «أوبن إيه آي» مقترحاً لخطة عمل الولايات المتحدة للذكاء الاصطناعي. وأكدت في تقريرها أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة تحتل حالياً مكانة رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، فإن نجاح شركة «ديب سيك» الصينية يشير إلى أن هذه الميزة ليست بالأهمية نفسها التي تبدو عليها، وأنها تتضاءل تدريجياً، كما كتب دينغدينغ تشين، وينغفان تشين، ورونيو هوانغ *.

وتهدف خطة عمل الذكاء الاصطناعي إلى ضمان استمرار تفوق ابتكارات الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة على ابتكارات الصين، ما يضمن ريادة الولايات المتحدة في هذا المجال.

تنافس متعدد الأوجه

مع ذلك، فإن اختزال التنافس في إطار تبسيطي لـ«مَن يقود الذكاء الاصطناعي» يتجاهل التعقيدات المحيطة به. فالتنافس بين الولايات المتحدة والصين في مجال الذكاء الاصطناعي ليس لعبة محصلتها صفر؛ بل هو تنافسٌ متعدد الأوجه ومعقد، تُشكِّله عوامل كثيرة، كالاعتبارات الجيوسياسية، والوصول إلى البيانات، والمواهب، والبيئات التنظيمية، والبنية التحتية التكنولوجية.

تصاميم ذكية متنوعة

دفعت المنافسة بين الصين والولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى منافسة أكثر تنوعاً وتميزاً. ويُجسِّد تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي الكبيرة الطبيعة المتطورة لهذه المنافسة. على سبيل المثال، صُمم «GPT-4.5» من «أوبن إيه آي» خصيصاً للمهام المعقدة عالية الأداء، متفوقاً في توليد النصوص المعقدة وفهمها من خلال موارد حاسوبية هائلة. يسمح هذا التخصص له بالتعامل مع المهام التي تتطلب فهماً عميقاً للغة والسياق والفروق الدقيقة.

من ناحية أخرى، يتبنى «Perceiver» من «ديب مايند» نهجاً مختلفاً؛ حيث يُقدِّم نسخة من أداة تحويلية قادرة على معالجة البيانات متعددة الوسائط -مثل الصور والأصوات والفيديو- ما يجعله متعدد الاستخدامات عبر مجموعة متنوعة من أنواع المدخلات.

أنظمة ذكية متكيفة ليست بنمط واحد مهيمن

أدى التنافس في تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي بين البلدين إلى استكشاف هياكل معمارية متنوعة مُحسنة لحالات استخدام مختلفة، بدلاً من مجرد تجاوز حدود الحوسبة. تُبرز هذه المناهج الوطنية المتباينة الطبيعة الديناميكية والمتطورة لبحوث الذكاء الاصطناعي؛ حيث تظهر أساليب وتطبيقات مبتكرة. وهذا يُشير إلى أن مستقبل الذكاء الاصطناعي ستُحدده أنظمة متعددة متخصصة وقابلة للتكيف، وليست بنية معمارية واحدة مهيمنة.

التطوير المتنوع لنماذج الذكاء الاصطناعي الكبيرة

يزداد تنوع المشهد التقني لنماذج الذكاء الاصطناعي الكبيرة، ما يجعل من غير العملي إجراء مقارنات بناءً على منظور أحادي البعد فقط. يشمل نموذج الذكاء الاصطناعي مجموعة متنوعة من المجالات، مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي، والتعلم الآلي، والتعلم العميق، والرؤية الحاسوبية، ونماذج الذكاء الاصطناعي الهجين؛ حيث يستخدم كل منها أطراً معمارية مختلفة.

وبينما يعتمد معظم نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية الرائدة في الولايات المتحدة، مثل «ChatGPT-O3» من «OpenAI» و«Grok-3» من «xAI»، على هياكل لأدوات تحويلية، فإن هذا لا يعني بالضرورة أن هذه النماذج ستستمر في الهيمنة على مستقبل تطوير الذكاء الاصطناعي.

الريادة التكنولوجية

يُظهر التطور السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي، إلى جانب تغير المتطلبات في مختلف القطاعات، أن الريادة التكنولوجية لا يمكن تحديدها فقط من خلال التفوق الحالي لأي بنية معمارية واحدة؛ بل سيُشكل مستقبل الذكاء الاصطناعي مجموعة من النماذج المتخصصة التي يُعالج كل منها مهامَّ ومتطلبات فريدة.

ابتكارات لنظم ذكية متنوعة

تعمل شركات التكنولوجيا في كل من الصين والولايات المتحدة باستمرار على ابتكار نماذج الذكاء الاصطناعي وتحسينها، مُصدرة منتجات واسعة النطاق ذات تطبيقات مُتنوعة ومزايا مُتميزة. على سبيل المثال، يُعزز نظام «Claude 3.5 Sonnet» من «أنثروبيك» قدرات التفكير البصري من خلال تحسين قدرة الذكاء الاصطناعي على نسخ النصوص من صور غير مُكتملة أو مُشوشة، ما يُمثل تقدماً كبيراً في مجال الذكاء الاصطناعي مُتعدد الوسائط. وبالمثل، يُجسد استخدام «DeepSeek» نموذج «MoE» (مزيج الخبراء) مفتوح المصدر، كيفية تعزيز الكفاءة من خلال تخصيص الموارد ديناميكياً للخبراء المُتخصصين في مهام مُحددة، ما يُحسِّن كلاً من استخدام الموارد وأداء المهام.

من ناحية أخرى، يُمثل نموذج «Hunyuan Turbo S» من «تنسنت» نهجاً مختلفاً؛ إذ يستفيد من بنية «Hybrid Mamba Transformer» لتحقيق التوازن بين التفكير السريع والسطحي والتفكير البطيء والمدروس، ما يُحقق مرونة فريدة في صنع القرار.

تُوضح هذه الأمثلة اتساع نطاق النهج الذي يتبعه مطورو الذكاء الاصطناعي؛ حيث يُمثل كل نموذج آفاقاً جديدة في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. وعلى الرغم من تفوق هذه النماذج في مجالات مختلفة، فإنها لا تستبعد بعضها بعضاً؛ بل تعكس مشهداً سريع التطور؛ حيث تُحرك الابتكارات اتجاهات معمارية متعددة ومتباينة.

فرص التعاون بين الصين والولايات المتحدة

للحفاظ على هيمنتها في مجال الذكاء الاصطناعي، شددت الولايات المتحدة ضوابط التصدير، وقيدت تعاونها مع الصين. في يناير (كانون الثاني) 2025، قدَّم مكتب الصناعة والأمن Bureau of Industry and Security» (BIS)» إطار عمل لنشر الذكاء الاصطناعي، ما حدَّ من وصول الصين إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي الأميركية المتقدمة، بما في ذلك الرقائق المتطورة، والحوسبة السحابية.

ومع ذلك، يتجاهل هذا النهج الفوائد المحتملة للتعاون؛ إذ تتمتع كلتا الدولتين بنقاط قوة فريدة، ويمكن للتعاون أن يدفع عجلة الابتكار في البحث والأمن ومعايير الذكاء الاصطناعي العالمية، ما يعود بالنفع في نهاية المطاف على منظومة الذكاء الاصطناعي الأوسع.

تدفق متبادل للمواهب في الذكاء الاصطناعي

هناك تدفق كبير للمواهب في مجال الذكاء الاصطناعي بين الصين والولايات المتحدة، مع درجة عالية من التكامل العابر للحدود في بحوث الذكاء الاصطناعي.

وقد وجدت بدور الشبلي وآخرون، من خلال تحليل مجموعات بيانات لأكثر من 350 ألف عالم ذكاء اصطناعي، و5 ملايين ورقة بحثية في هذا المجال، أن معظم علماء الذكاء الاصطناعي المهاجرين إلى الصين يأتون من الولايات المتحدة، بينما يأتي معظم المهاجرين إلى الولايات المتحدة من الصين، ما يُبرز بوضوح التدفق الثنائي للكفاءات.

بحوث صينية- أميركية مشتركة

إضافة إلى ذلك، ورغم وجود اتجاه تنازلي، فلا تزال الأدبيات العلمية حول بحوث الذكاء الاصطناعي الناتجة عن التعاون الصيني الأميركي، تتفوق بشكل ملحوظ على مثيلاتها الناتجة عن تعاون الولايات المتحدة مع دول أخرى.

ووفقاً لقاعدة بيانات أنشأتها جامعة جورجتاون؛ بلغ عدد المقالات المشتركة بين الصين والولايات المتحدة 47715 مقالاً، وهو رقم أعلى بكثير من ثاني أكبر متعاون، المملكة المتحدة، التي بلغ عدد المقالات المشتركة معها 18400 مقال. كما أظهرت الدراسات أن أوراق البحوث التي تتضمن تعاوناً بين الولايات المتحدة والصين تميل إلى أن يكون لها تأثير أكبر من تلك التي تقودها دولة واحدة بمفردها.

ومع ذلك، اتخذت الحكومة الأميركية خطوات للحد من تبادل المواهب والتعاون بين البلدين، ولا سيما في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي. وقد طُرح أخيراً مشروع قانون يُسمَّى «قانون إيقاف تأشيرات الحزب الشيوعي الصيني»، ويهدف إلى استبعاد الطلاب الصينيين من المشاركة في المشاريع الأكاديمية الأميركية. وتُهدد هذه الإجراءات بإلحاق الضرر ببيئة التعاون بين الولايات المتحدة والصين في مختلف مجالات البحث والابتكار.

من ناحية أخرى، هناك إمكانات كبيرة للتعاون بين شركات الذكاء الاصطناعي الصينية والأميركية، ولا سيما في مجالات مثل الأمن والحوكمة والمعايير التكنولوجية الدولية.

ابتكارات صينية متميزة

ومع التقدم السريع لنماذج الذكاء الاصطناعي الكبيرة في الصين، فإنها تُضيِّق الفجوة بشكل متزايد مع تلك التي تقودها الشركات الأميركية. على سبيل المثال، أظهر الإصدار الأخير من «Ernie 4.5» من «Baidu» قدرات رائعة في فهم الوسائط المتعددة ومعالجة اللغات، بينما يُمكِّن برنامج «Hunyuan 3D-2.0» مفتوح المصدر من «Tencent» الذي أُطلق في 18 مارس، من تحويل النصوص والصور إلى نماذج ثلاثية الأبعاد، ما يُمثل تقدماً ملحوظاً في المحتوى المُولَّد بالذكاء الاصطناعي (AIGC).

علاوة على ذلك، يُبرز التعاون المستمر بين شركات الذكاء الاصطناعي الصينية والأميركية إمكانات التآزر التكنولوجي.

وأخيراً، دخلت شركة «أبل» في شراكة مع «علي بابا» لتطوير ميزات متقدمة للذكاء الاصطناعي، بينما تستكشف «فورد» دمج نماذج الذكاء الاصطناعي في تصميم السيارات، بما في ذلك نماذج من شركتي «أوبن إيه آي» و«أنثروبيك» الأميركيتين، و«ديب سيك» الصينية. تساعد نماذج الذكاء الاصطناعي هذه في أتمتة مهام، مثل إنشاء نماذج ثلاثية الأبعاد من الرسومات، وإجراء تحليلات الإجهاد على مكونات السيارة، مما يُقلل بشكل كبير من أوقات المحاكاة والاختبار.

التنافس: تحدٍّ متعدد الأبعاد وتعاوني

في الختام، بينما يُصوَّر التنافس بين الصين والولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي غالباً على أنه تنافس على الهيمنة العالمية، فإنه في الواقع تحدٍّ متعدد الأبعاد وتعاوني.

وتدفع كلتا الدولتين عجلة الابتكار التكنولوجي في مجال الذكاء الاصطناعي قُدماً، وبدلاً من مجرد التنافس، تتوفر لهما فرص كثيرة للتعاون. ومن خلال التركيز على الأهداف المشتركة في سلامة الذكاء الاصطناعي والحوكمة والابتكار، لا تستطيع الولايات المتحدة والصين فقط تطوير أجنداتهما التكنولوجية الخاصة؛ بل تُسهمان أيضاً في تشكيل مشهد عالمي مسؤول ومبتكر للذكاء الاصطناعي.

* «ذا دبلومات»، خدمات «تريبيون ميديا».