«النمذجة الهيدرولوجية»... حل مستدام لمواجهة أزمات المياه في أفريقيا

تراقب تدفقات الأنهار بدقة

منظر جوي لوادي نهر النيل في مصر (رويترز)
منظر جوي لوادي نهر النيل في مصر (رويترز)
TT

«النمذجة الهيدرولوجية»... حل مستدام لمواجهة أزمات المياه في أفريقيا

منظر جوي لوادي نهر النيل في مصر (رويترز)
منظر جوي لوادي نهر النيل في مصر (رويترز)

تواجه قارة أفريقيا تحديات مائية كبيرة، بداية من الجفاف والفيضانات وانتهاء بنقص المياه النظيفة، وهي تحديات تتفاقم بفعل تغير المناخ الذي يؤثر في توازن المياه عبر القارة. ويُعد فهم العمليات الهيدرولوجية؛ مثل: التبخر، ورطوبة التربة، والجريان السطحي للمياه، أمراً أساسياً للتعامل مع هذه المشكلات؛ إذ يُسهم في اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن إدارة الموارد المائية، والزراعة، وحماية البيئة.ومع تزايد النمو السكاني وتأثيرات تغير المناخ، تزداد الحاجة إلى إدارة مستدامة للمياه، وهنا تبرز أهمية النمذجة الهيدرولوجية؛ وهي أدوات تستخدم النمذجة الرياضية والمحاكاة لفهم حركة المياه وتوزيعها على سطح الأرض وفي باطنها، وتمكّن هذه النماذج العلماء وصنّاع القرار من تطوير استراتيجيات فعّالة لإدارة الموارد المائية.

لكن تطوير نماذج هيدرولوجية فعّالة في أفريقيا يواجه الكثير من العقبات، أبرزها نقص البيانات الهيدرولوجية طويلة الأمد والموزعة جغرافياً على نطاق واسع. بالإضافة إلى ذلك، فإن التنوع الكبير في تضاريس القارة واختلاف المناخات يشكّل تحدياً في تمثيل العمليات الهيدرولوجية بدقة. وللتغلّب على هذه التحديات، تحتاج أفريقيا إلى تطوير نماذج قادرة على تمثيل تعقيدات توازن المياه مع مراعاة الاختلافات البيئية والجغرافية.

نموذج متقدموطوّر فريق بحثي دولي من الولايات المتحدة وعدد من البلدان الأفريقية نظاماً متقدماً لتحديد تدفق الأنهار في أفريقيا، باستخدام بيانات الاستشعار عن بُعد وتقنيات النمذجة الهيدرولوجية.

ومن خلال هذا النظام، حصل الفريق على مجموعة البيانات الأكثر شمولاً وتفصيلاً لتصريف الأنهار في القارة حتى الآن؛ حيث تمّ استخدام تقنيات النمذجة الهيدرولوجية المتطورة لتتبع تدفق المياه عبر أكثر من 64 ألف قطاع نهري في الفترة من 2001 إلى 2021. ونُشرت النتائج، في عدد 5 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، من دورية «Scientific Data».

ووفق الباحثين، تستفيد مجموعة البيانات عالية الدقة التي جُمعت باستخدام النظام المسمّى «egDischarge v1»، من بيانات الاستشعار عن بُعد والنمذجة المبتكرة؛ مما يوفّر أداة قوية لأصحاب المصلحة لمراقبة موارد المياه في أفريقيا وإدارتها.

وطُوّر هذا النظام باستخدام نموذج «VegET» التابع لهيئة المسح الجيولوجي الأميركية، إلى جانب أسلوب يجمع بين النمذجة الهيدرولوجية الزراعية المتقدمة وبيانات الأقمار الاصطناعية لمحاكاة تصريف الأنهار عبر القارة.

وبناءً على نتائج النموذج، قدّرت الدراسة أن متوسط التصريف السنوي الإجمالي لمياه الأنهار في الأحواض المحيطية الرئيسة في أفريقيا يبلغ 3271 كيلومتراً مكعباً سنوياً.

على سبيل المثال، تتدفق 1327 كيلومتراً مكعباً سنوياً إلى جنوب المحيط الأطلسي من أنهار مثل نهر الكونغو، في حين يستقبل المحيط الهندي 729 كيلومتراً مكعباً سنوياً من أنهار مثل نهر زامبيزي، في حين يُسهم نهر النيل بنحو 214 كيلومتراً مكعباً سنوياً في البحر الأبيض المتوسط.

دقة مكانية

وبلغت الدقة المكانية للنظام الجديد كيلومتراً واحداً، وهو ما يمثّل خطوة مهمة لمراقبة تدفق الأنهار بدقة في أفريقيا. وقال الباحث في مركز مراقبة موارد الأرض، التابع لهيئة المسح الجيولوجي الأميركية والمشارك في الدراسة، الدكتور غابرييل سيناي، إن استخدام دقة مكانية تبلغ 1 كلم يتيح تمثيلاً دقيقاً للعمليات الهيدرولوجية عبر قارة. وأضاف سيناي لـ«الشرق الأوسط»، أن هذه الدقة تعزّز من نتائج النموذج من خلال التقاط التباين في الجريان السطحي للمياه، والتبخر، ورطوبة التربة بدقة أكبر؛ مما يساعد في أخذ الفروقات في التضاريس، والتغطية النباتية، والمناخ بعين الاعتبار. وبفضل هذه الدقة، يمكن للنموذج تمثيل التباينات الصغيرة التي قد تُفقد عند استخدام دقة أقل؛ مما يؤدي إلى توقعات أكثر دقة للجريان النهري عبر المناظر الطبيعية المتنوعة. وأشار إلى أن هذه الدقة العالية تُحسّن من موثوقية مخرجات النموذج، وهو أمر بالغ الأهمية لفهم التفاعلات المعقّدة بين العمليات السطحية وتوافر المياه، خصوصاً في المناطق التي تعاني من ندرة أو توزيع غير متساوٍ للموارد المائية. وبالاستناد إلى تحليل أكثر من 64 ألف قطاع نهري، تقدم الدراسة رؤية شاملة حول توافر المياه وتغيّراتها المكانية والزمانية وتدفقات المياه العذبة نحو الأحواض المحيطية الرئيسة.

وأشار إلى أن هذه المعلومات تمثّل أساساً قوياً لصنّاع السياسات والمعنيين لاتخاذ قرارات مدروسة بشأن تخصيص المياه، وتخطيط البنية التحتية، واستراتيجيات التكيف المناخي. كما يمكن للبيانات حول تغيّرات الجريان النهري، بما في ذلك التغيّرات الموسمية والإقليمية، أن توجّه إدارة الموارد بشكل مستدام؛ مما يساعد على مواجهة ندرة المياه، وإدارة الفيضانات، وتحسين وصول المياه للمجتمعات.



كيف يحفز عثُّ الغبار المنزلي الربوَ التحسسي؟

الربو التحسسي يؤدي الى مضاعفات تنفسية
الربو التحسسي يؤدي الى مضاعفات تنفسية
TT

كيف يحفز عثُّ الغبار المنزلي الربوَ التحسسي؟

الربو التحسسي يؤدي الى مضاعفات تنفسية
الربو التحسسي يؤدي الى مضاعفات تنفسية

كشفت دراسة بحثية جديدة من جامعة بيتسبرغ الأميركية في بنسلفانيا عن كيفية تنشيطِ استنشاقِ عثّ الغبار المنزلي، وهو محفز شائع للربو التحسسي، الجهازَ المناعي والتسبب في هذا المرض. وتقدم نتائج الدراسة رؤى مهمة بشأن قدرة المواد التي تبدو غير ضارة، مثل عث الغبار ووبر الحيوانات الأليفة وحبوب اللقاح، في التغلب على الجهاز المناعي وإثارة ردود الفعل التحسسية. وقد تمهد الطريق في النهاية لتحديد علاجات جديدة للربو التحسسي ولكيفية إدارته.

الخلايا التائية كما تبدو تحت المجهر الإلكتروني

جهاز المناعة ومسببات الأمراض

تؤكد الدكتورة آماندا بوهوليك، مديرة «مركز تسلسل العلوم الصحية» والأستاذة المساعدة بقسم المناعة في كلية الطب بجامعة بيتسبرغ والباحثة الرئيسية في الدراسة، التي نُشرت بمجلة «Nature Immunology» في 11 أكتوبر (تشرين الأول) 2024، أن الجهاز المناعي لا يحارب دائماً مسببات الأمراض الضارة، حيث يتضمن جزء كبير من وظيفته التفاعل مع مواد غير ضارة مثل الغبار وحبوب اللقاح والطعام.

ويتمثل التحدي الرئيسي في فهم كيفية تحديد الجهاز المناعي متى يستجيب بقوة (كما هي الحال مع مسببات الأمراض) ومتى يظل متسامحاً مع المواد غير الضارة.

«التسامح المناعي»... وانهياره

عندما يعمل الجهاز المناعي بشكل صحيح يطلَق على هذا التوازن «التسامح المناعي (immune tolerance)». ومع ذلك، فإنه إذا انهار هذا التسامح، فيمكن لمسببات الحساسية غير الضارة، مثل الغبار أو حبوب اللقاح، أن تنشط عن طريق الخطأ خلايا مناعية تسمى «الخلايا التائية المساعدة T Helper 2 (TH2)»، وهي نوع من الخلايا التائية التي تلعب دوراً مهماً في الجهاز المناعي التكيفي. وتعمل هذه الخلايا على تحفيز الالتهاب؛ مما يؤدي إلى حالات حساسية مثل الربو التحسسي.

الربو التحسسي

وهو النوع الأكثر شيوعاً من الربو، ويسبب أعراضاً مثل السعال وضيق الصدر وصعوبة التنفس، ومع انتشار هذه الحالة على مستوى العالم، فإنها تضغط بشكل كبير على أنظمة الرعاية الصحية؛ مما يؤكد على الحاجة إلى فهم أفضل وعلاجات أفضل.

واستخدم الباحثون أدوات متقدمة لتتبع الخلايا المناعية المسماة «الخلايا التائية المساعدة» وتحديد متى وأين تنشط استجابة لمسببات الحساسية. واكتشفوا أنه عند استنشاق مسببات الحساسية عثَّ الغبار المنزلي يكون البروتين المسمى «BLIMP1» ضرورياً لإنشاء تلك الخلايا في العقد الليمفاوية، ثم تنتقل هذه الخلايا إلى الرئتين؛ مما يسبب الالتهاب ويؤدي إلى الربو التحسسي.

ومن المثير للاهتمام أن مسار البروتين «BLIMP1» هذا ضروري فقط لمسببات الحساسية التي تُستنشق، فعندما يُدخَل عث الغبار المنزلي من خلال الحقن فلا يكون هذا المسار الجزيئي مطلوباً، مما يسلط الضوء على آلية فريدة خاصة بكيفية استجابة الجسم لمسببات الحساسية التي تُواجَه من خلال الهواء.

السيتوكينات والإنترلوكينات

الفرق الرئيسي بين السيتوكينات والإنترلوكينات هو أن السيتوكينات بروتينات صغيرة تفرزها الخلايا المناعية وغير المناعية للتواصل بعضها مع بعض، وتشارك في إشارات الخلايا، بينما الإنترلوكينات مجموعة من السيتوكينات التي تنظم الاستجابات المناعية والالتهابية. والسيتوكينات والإنترلوكينات نوعان من جزيئات الإشارة التي تشارك بالتوسط في استجابات الجهاز المناعي. علاوة على ذلك، يمكن أن تعمل السيتوكينات منظمات ذاتية أو خارجية أو صماء، بينما لوحظ لأول مرة أن الإنترلوكينات لها مهام وظيفية بين الكريات البيضاء. وقد توصلت الدكتورة بوهوليك وفريقها إلى اكتشافات مدهشة بشأن جزيئين من السيتوكينات للإشارات يسميان «إنترلوكين IL10 Interleukin» و«إنترلوكين IL2»، وبشأن دورهما في الربو التحسسي.

دور غير متوقع للسيتوكينات

يُعتقد عادةً أن «إنترلوكين10» هو «سيتوكين» مضاد للالتهابات، مما يخفف من الاستجابات المناعية. لذلك فوجئ الباحثون عندما وجدوا أنه في الواقع يعزز الالتهاب. وهذا الاكتشاف يفتح الباب أمام خيارات علاجية تستهدف «إنترلوكين10» ولم تكن موضع اعتبار من قبل، خصوصاً بالنسبة إلى المرضى الذين جرى تشخيصهم حديثاً.

ويتلقى معظم مرضى الربو التحسسي الستيرويدات التي تعالج الأعراض، ولكن لا تعالج جذور المرض، وهناك حاجة كبيرة لعلاجات جديدة تسمح بالتدخل المبكر قبل أن يتسبب الربو التحسسي في أضرار طويلة الأمد للمجاري الهوائية.

خريطة تنشيط «الخلايا التائية المساعدة»

عندما رسم الباحثون خريطة لموقع تنشيط «الخلايا التائية المساعدة» في العقدة الليمفاوية فوجئوا أيضاً بالعثور على نقاط ساخنة لنشاط «إنترلوكين2». وقالت مؤلفة البحث إن «إنترلوكين2» هو «سيتوكين» بارز جداً، «لذلك توقعنا أنه سينتشر في جميع أنحاء العقدة الليمفاوية. ولكن بدلاً من ذلك، اكتشفنا أنه كان موضعياً في مناطق معينة. والآن لدينا كثير من العمل لمعرفة كيفية تشكل هذه المناطق وما إذا كان تعطيل هذه المناطق يمكن أن يعطل تكوين (الخلايا التائية المساعدة)؛ مما يوقف الربو التحسسي» وفق قولها.

بالتعاون مع زملائها في قسم أمراض الرئة والحساسية والعناية المركزة وطب النوم بجامعة بيتسبرغ، خططت بوهوليك أيضاً للنظر في عينات أنسجة الرئة للبحث فيما إذا كان يمكن أن يكون كل من «إنترلوكين10» و«2» أيضاً من المحركات المهمة لـ«الخلايا التائية المساعدة» لدى المرضى الذين يعانون من الربو التحسسي؛ وذلك لاستكشاف السبل المحتملة لتطوير خيارات علاجية جديدة.