برنامج علاجي مُبتكر لمرض يهدّد مزارع الأسماك المصرية

يعتمد على مركبات طبيعية

الثروة السمكية من أبرز مصادر الدخل القومي في مصر (أ ف ب)
الثروة السمكية من أبرز مصادر الدخل القومي في مصر (أ ف ب)
TT

برنامج علاجي مُبتكر لمرض يهدّد مزارع الأسماك المصرية

الثروة السمكية من أبرز مصادر الدخل القومي في مصر (أ ف ب)
الثروة السمكية من أبرز مصادر الدخل القومي في مصر (أ ف ب)

تُعدّ الثروة السمكية في مصر واحدة من مصادر الدخل القومي المهمة، ومصدراً للبروتين الآمن. وتُسهم تربية الأحياء البحرية بشكل كبير في إنتاج الأسماك.

وتُعد أسماك القاروص الأوروبي والبوري الرمادي من الأنواع الرئيسية «المُستزرعة» في مصر، التي تُسهم بنحو 13.4 في المائة من إنتاج القاروص المستزرع عالمياً، وتأتي في المرتبة الثالثة عالمياً بعد تركيا واليونان. في حين تُنتج مصر أكثر من 60 في المائة من إجمالي البوري المُستزرع في أفريقيا، ويُسهم هذا النوع بأكثر من 12 في المائة من الإنتاج السنوي للأسماك في البلاد.

ومع ذلك، تشكّل العدوى الطفيلية والجرثومية؛ مثل: قمل السمك البحري، ومرض «الفيبريوسيس»، تهديدات كبيرة لهذه الأنواع، ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات النفوق وخسائر اقتصادية كبيرة، خصوصاً في ظروف بيئية غير مثالية.

وتشمل العوامل المؤثرة في مكان انتشار العدوى الطفيلية والجرثومية تقلبات درجة الحرارة وانخفاض المناعة؛ ما يزيد من قابلية الأسماك للإصابة. وتسبّب الطفيليات تآكل الجلد والتقرحات، مما يؤدي إلى التهابات ثانوية قد تهدّد صحة الأسماك.

وتقليدياً، استخدمت الفوسفات العضوي والمضادات الحيوية للسيطرة على العدوى، لكن الحاجة إلى حلول صديقة للبيئة دفعت فريقاً بحثياً مصرياً إلى اختبار استراتيجية علاجية جديدة لمواجهة العدوى.

انتشار العدوى

وكشفت دراسة قادها باحثون بكلية الطب البيطري جامعة القاهرة، عن انتشار العدوى الطفيلية والجرثومية بين أسماك القاروص الأوروبي والبوري الرمادي المستزرعة في منشأة خاصة لتربية الأسماك في منطقة مثلث الديبا غرب بورسعيد على ساحل البحر المتوسط.

ووجدت الدراسة، المنشورة في عدد 5 سبتمبر (أيلول) 2024، من دورية «ساينتفك ريبورتس»، أن الأسماك المصابة بالعدوى ظهرت عليها بقع بنية اللون على الجلد والخياشيم مع إفرازات مخاطية مفرطة، وكانت تعاني من خمول واضح.

كما أظهرت الأسماك أعراضاً خطيرة، شملت نزيفاً خارجياً وتقرحات واستسقاء، إلى جانب تضخم الكبد ووجود نزيف داخلي.

وأظهرت التحليلات الطفيلية وجود قشريات طفيلية بحرية (قمل السمك البحري) في تجاويف الفم والخياشيم، في حين أظهرت التحليلات الجزيئية وجود بكتيريا «فيبريو ألجينوليتيكس» (Vibrio alginolyticus) بصفتها عدوى ثانوية، وهي نوع من البكتيريا البحرية التي تعيش في المياه المالحة وتُعدّ ممرضة للأسماك.

وأكدت الدراسة أن هذا النوع من البكتيريا كان مقاوماً للمضادات الحيوية الشائعة الاستخدام، ما يشكل تحدياً كبيراً لصناعة تربية الأحياء المائية في المنطقة.

مركب طبيعي

وقالت الأستاذة بقسم الطفيليات بكلية الطب البيطري جامعة القاهرة، الباحثة المشاركة في الدراسة، الدكتورة مروة عطية، إن الدراسة استهدفت تحديد العوامل المسببة للإصابات والعدوى باستخدام تحليلات مورفولوجية وجزيئية، وتقييم فاعلية برنامج يعتمد على مركب طبيعي، ومركب «بيراكسيد الهيدروجين» الكيميائي الذي يُستخدم بشكل شائع بوصفه مطهراً للجروح ويمتاز بقدرته على القضاء على الجراثيم والبكتيريا، بصفتها بدائل مستدامة للتحكم في العدوى.

وأضافت لـ«الشرق الأوسط»، أن الفريق نجح في تنفيذ برنامج علاجي متكامل شمل حمامات غمر باستخدام «بيراكسيد الهيدروجين» وتطبيق مركب طبيعي مستخلص من زيوت النباتات، بالإضافة إلى استخدام مكملات «البروبيوتيك»، وأن هذه الاستراتيجية أثبتت فاعليتها في السيطرة على العدوى الطفيلية والبكتيرية، ما أدى إلى تقليل معدل النفوق إلى مستويات ضئيلة واستعادة صحة الأسماك.

ويوضح الباحث الرئيسي للدراسة من قسم طب ورعاية الأحياء المائية بكلية الطب البيطري جامعة القاهرة، الدكتور محمد عبد السلام، أن الخطة العلاجية تضمّنت حمامات غمر باستخدام «بيراكسيد الهيدروجين» للقضاء على قمل السمك البحري، وتطبيقاً مستخلصاً من زيوت النباتات للسيطرة على العدوى البكتيرية، بالإضافة إلى مكملات «البروبيوتيك»، لاستعادة صحة الأسماك.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»، أن هذه الخطة العلاجية المتكاملة نجحت في القضاء على الإصابة بقمل البحر، والسيطرة على العدوى البكتيرية الثانوية، وخفض معدلات النفوق بين الأسماك بشكل كبير، ما يوفّر طريقة مستدامة وفعّالة لمكافحة هذه الأمراض المدمرة، ويقلل من الاعتماد على المضادات الحيوية ويعالج قضية مقاومة مضادات الميكروبات المتزايدة.



فيروسات تنفسية تختبئ في الخلايا المناعية للرئتين

فيروسات تنفسية تختبئ في الخلايا المناعية للرئتين
TT

فيروسات تنفسية تختبئ في الخلايا المناعية للرئتين

فيروسات تنفسية تختبئ في الخلايا المناعية للرئتين

تشير دراسة، أجراها باحثون في كلية الطب بجامعة واشنطن، إلى أن الفيروسات التنفسية، مثل «الفيروس المخلوي التنفسي»، قد تختبئ في الخلايا المناعية بالرئتين لمدة طويلة بعد زوال الأعراض الأولية للعدوى.

بقايا الفيروسات تخلق بيئة التهابية

تأتي أهمية هذا الاكتشاف من أنه يشير إلى أن الفيروسات المستمرة في الخلايا المناعية يمكن أن تخلق بيئة التهابية مزمنة، مما يعزز تطور أمراض الرئة، مثل الربو، ومرض الانسداد الرئوي المزمن، وهو مرض مزمن يتسم بانسداد الشعب الهوائية، وقلة تدفق الهواء بشكل مزمن، وقصور في وظائف الرئة لا رجعة فيه.

وتشير النتائج، التي نشرت بمجلة «Nature Microbiology» في 2 أكتوبر (تشرين الأول) 2024، إلى نهج جديد محتمل للوقاية من الربو و«مرض الانسداد الرئوي المزمن chronic obstructive pulmonary disease (COPD)»، وأمراض الرئة المزمنة الأخرى، عبر القضاء على الفيروسات التنفسية المستمرة التي تغذي هذه الحالات.

رصد البقايا قبل إخراج الأطفال من المستشفى

وقالت المؤلفة الرئيسية، كارولينا لوبيز، أستاذة علم الأحياء الدقيقة الجزيئية في كلية الطب بجامعة واشنطن: «في الوقت الحالي يرسَل الأطفال الذين أُدخلوا إلى المستشفى بسبب عدوى تنفسية بـ(الفيروس المخلوي التنفسي respiratory syncytial virus - RSV) إلى منازلهم بمجرد اختفاء أعراضهم. ولتقليل خطر إصابة هؤلاء الأطفال بالربو، فربما نتمكن في المستقبل من التحقق مما إذا كان الفيروس قد اختفى بالفعل من الرئة، والقضاء على جميع الفيروسات المتبقية، قبل إرسالهم إلى المنزل».

ويتعايش نحو 27 مليون شخص في الولايات المتحدة مع حالات الربو، فكثير من العوامل يؤثر على احتمالية إصابة الشخص بمرض الجهاز التنفسي المزمن، بما في ذلك العيش في حي ذي جودة هواء رديئة، والتعرض لدخان السجائر، والدخول إلى المستشفى بسبب الالتهاب الرئوي الفيروسي، أو التهاب الشعب الهوائية في أثناء الصغر.

الفيروسات المختبئة تسبب الربو لاحقاً

وقد اشتبه بعض الباحثين في أن الصلة بين عدوى الرئة الخطرة وتشخيص الربو اللاحق كانت بسبب الفيروس نفسه المتبقي في الرئتين، الذي يسبب تلفاً مستمراً. ولكن لم يُثبَت وجود صلة مباشرة بين الوجود المستمر للفيروس وأمراض الرئة المزمنة من قبل.

وقد طورت لوبيز والمؤلف الآخر للدراسة، إيتالو أراوغو كاسترو، وهو باحث ما بعد الدكتوراه في مختبرها، نظاماً فريداً من نوعه يتضمن فيروس فأر طبيعياً يُعرف باسم «فيروس سينداي (Sendai virus)». ويرتبط «سينداي» بـ«فيروس نظير الإنفلونزا البشري (human parainfluenza virus)»، وهو فيروس تنفسي شائع مثل «الفيروس المخلوي التنفسي» يرتبط بالربو لدى الأطفال.

ويتصرف «سينداي» في الفئران بالطريقة نفسها التي يتصرف بها «فيروس نظير الإنفلونزا البشري» في البشر، مما يجعله نموذجاً ممتازاً لأنواع العدوى التي يمكن أن تؤدي إلى أمراض الرئة المزمنة.

الأهمية الطبية للاكتشاف

لطالما عرف الأطباء أن الأطفال الذين يصابون بعدوى شديدة بفيروسات الجهاز التنفسي يكونون أكثر عرضة للإصابة بالربو لاحقاً. ومع ذلك، لم يكن السبب وراء هذا الرابط واضحاً، لكن هذه الدراسة تقدم حلاً لهذا اللغز عبر إظهار أن الفيروسات المستمرة في الخلايا المناعية تساهم في إحداث التهاب مزمن يؤدي إلى تلف في الرئتين يمكن أن يتطور إلى أمراض رئة مزمنة.

الاختباء داخل الخلايا المناعية

تستمر الفيروسات التنفسية في الاختباء داخل الخلايا المناعية، وليس في الخلايا الظهارية (التي تبطن الجهاز التنفسي) كما كان يُعتقد سابقاً. وهذه الخلايا المناعية المصابة تصبح أكثر التهابية، مما يؤدي إلى إحداث التهاب مزمن في الرئتين.

ومع مرور الوقت، يؤدي هذا الالتهاب إلى تغييرات في أنسجة الرئة، مثل التهاب الأوعية الدموية والحويصلات الهوائية، وظهور أنسجة مناعية زائدة؛ مما يتسبب في تلف طويل الأمد، على الرغم من أن الشخص قد يبدو ظاهرياً متعافياً.

تطبيقات علاجية ووقائية

تشير الدراسة الجديدة إلى أنه إذا تمكن الأطباء من استهداف هذه الخلايا المناعية المصابة والقضاء عليها، فقد يكون من الممكن منع أو تقليل تطور أمراض الرئة المزمنة مثل الربو ومرض الانسداد الرئوي المزمن.

كما تفتح هذه النتائج الباب أمام نهج جديد في الوقاية من الربو لدى الأطفال المعرضين للخطر بعد الإصابة بعدوى فيروسية تنفسية شديدة؛ إذ يمكن أن تشمل الاستراتيجيات المستقبلية فحص المرضى، خصوصاً الأطفال، بعد زوال الأعراض للتأكد من القضاء على الفيروس تماماً قبل خروجهم من المستشفى.

وقد يغير اكتشاف أن الفيروسات يمكن أن تستمر في الخلايا المناعية وتؤدي إلى التهاب مزمن، الطريقة التي يجري التعامل بها مع المرضى الذين يعانون من عدوى تنفسية شديدة؛ مما يعزز الجهود لتقليل المخاطر طويلة الأمد المتعلقة بأمراض الرئة.

وأضافت لوبيز: «قد يصاب كل طفل تقريباً بهذه الفيروسات قبل سن الثالثة، وربما يصاب 5 في المائة بمرض خطر بما يكفي لدرجة أنه قد يصاب بعدوى مستمرة، لكننا في المقام الأول لن نتمكن من منع إصابة الأطفال، ولكن إذا فهمنا كيف تستمر هذه الفيروسات والتأثيرات التي يخلفها استمرارها على الرئتين، فقد نتمكن من تقليل حدوث مشكلات خطرة طويلة الأمد».