أبحاث علمية تشير إلى «وراثة» مرض الانسداد الرئوي المزمن

دراسة سويدية تتحدى فكرة أن المرض يصيب البالغين أولاً

جهاز لاختبار وظائف الرئة
جهاز لاختبار وظائف الرئة
TT

أبحاث علمية تشير إلى «وراثة» مرض الانسداد الرئوي المزمن

جهاز لاختبار وظائف الرئة
جهاز لاختبار وظائف الرئة

 

كشف الباحثون في معهد كارولينسكا في السويد أن المتغيرات الجينية المرتبطة سابقاً بمرض الانسداد الرئوي المزمن لدى البالغين يمكن أن تفسر أيضاً انخفاض وظائف الرئة لدى الأطفال والمراهقين.

دراسة تتحدى سبب نشأة المرض

ويمثل هذا تحدياً لوجهة النظر التقليدية القائلة بأن مرض الانسداد الرئوي المزمن هو في المقام الأول مرض يصيب البالغين ويتأثر بعوامل مثل التدخين، وذلك من خلال إظهار أن جذور المرض يمكن أن تحدث في مرحلة الطفولة.

ويعتبر الانسداد الرئوي المزمن chronic obstructive pulmonary disease السبب الرئيسي للوفاة في جميع أنحاء العالم وفقاً للموقع الإلكتروني الرسمي لمنظمة الصحة العالمية. ليس ذلك فحسب وإنما يُعتبر أيضاً السبب الرئيسي السابع لتدهور الصحة بجميع أنحاء العالم. وهو مرض شائع يتسبب في نقصٍ بتدفق الهواء ومشاكل في التنفس.

عوامل الخطر: التدخين والالتهابات التنفسية

ويُطلق عليه أحياناً انتفاخ الرئة أو التهاب الشعب الهوائية المزمن ويمكن أن يؤدي المرض إلى تلف الرئتين أو انسدادهما بالبلغم. وتشمل أعراضه السعال المصحوب أحياناً ببلغم وصعوبة في التنفس وصفيراً وتعباً. ويؤثر على أكثر من نصف مليون بالغ في السويد و300 مليون شخص في جميع أنحاء العالم.

وفي حين أن التدخين هو عامل خطر معروف فإن عوامل أخرى مثل تلوث الهواء والتهابات الجهاز التنفسي المتكررة والاستعداد الوراثي تساهم أيضاً في الإصابة بالمرض.

شكل تصويري لرئة شخص مدخن (إلى اليسار) وآخر غير مدخن

82 متغيراً جينياً ترتبط بالمرض

أجرى الباحثون في هذه الدراسة الرائدة التي نشرت في مجلة eClinicalMedicine في 12 أغسطس (آب) 2024 تحليلاً إحصائياً لنتائج دراسات متعددة شملت ما يقرب من 112 ألف مشارك عبر 15 مركزاً أوروبياً. وحددوا 82 متغيراً وراثياً مرتبطاً بمرض الانسداد الرئوي المزمن لدى البالغين. ودرسوا تأثيرها على وظائف الرئة لدى أكثر من 45 ألف مشارك تتراوح أعمارهم بين 4 إلى 50 عاماً.

وكشفت النتائج أن هذه المتغيرات الجينية لها بالفعل تأثير كبير على وظائف الرئة لدى الأطفال في سن ما قبل المدرسة. والأهم من ذلك أن هذا الارتباط كان مستقلاً عن عوامل مثل التدخين أو الجنس أو تشخيص الإصابة بالربو.

ووصف البروفسور إريك ميلين أستاذ طب الأطفال في قسم العلوم السريرية والتعليم معهد كارولينسكا ستوكهولم السويدي، الذي قاد الدراسة بأنها نقلة نوعية لأنها توضح أن الأسس الجينية لمرض الانسداد الرئوي المزمن يمكن أن تؤثر على وظائف الرئة في وقت مبكر بكثير في الحياة مما كان يعتقد سابقاً. وهذا يتحدى التفكير المميز القائل بأن مرض الانسداد الرئوي المزمن هو مرض يصيب المدخنين فقط.

وتسلط النتائج الضوء على أهمية التحديد المبكر والتدخل لدى الأفراد المعرضين لخطر وراثي للإصابة بمرض الانسداد الرئوي المزمن.

حساب درجة المخاطر الجينية

وقام الباحثون بحساب ما يسمى بدرجة المخاطر الجينية (وهو رقم يلخص التأثير المقدر للعديد من المتغيرات الجينية على النمط الظاهري للفرد) لمرض الانسداد الرئوي المزمن، والتي يمكن أن تفسر على وجه التحديد ما يزيد قليلاً عن ستة في المائة من التباين في وظائف الرئة.

وأكدوا على أن التأثير المشترك للعديد من المتغيرات الجينية هو الذي يمكن ربطه بانخفاض وظائف الرئة. ومع ذلك فقد لاحظوا أن نتائج الدراسة تقتصر على السكان الأوروبيين. وهناك حاجة إلى مزيد من البحث لاستكشاف إمكانية تطبيق هذه النتائج على المجموعات العرقية الأخرى.

ضعف صحة الرئة مبكراً

وأفادت دراسة أخرى نشرت في مجلة لانسيت The Lancet في 12 مارس (آذار) 2024 بإشراف إريك ميلين أيضاً، أن نمو الرئة يبدأ في الرحم ويستمر خلال مرحلة الطفولة حتى مرحلة المراهقة ويصل إلى ذروته في بداية مرحلة البلوغ. ويتبع هذا النمو انخفاض تدريجي بسبب شيخوخة الرئة الفسيولوجية.

ويمكن أن يتغير تطور وظائف الرئة بسبب العديد من العوامل المضيفة والبيئية خلال دورة الحياة. ونتيجة لذلك توجد مجموعة من مستويات وظائف الرئة بين السكان. وترتبط المستويات الأقل من المتوسط ​​بأمراض الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية والتمثيل الغذائي والصحة العقلية وكذلك الوفاة المبكرة.

استراتيجيات وقائية

وبالنظر إلى المستقبل، يخطط الباحثون لدراسة الاستراتيجيات الوقائية للأفراد الذين لديهم خطر وراثي مرتفع للإصابة بمرض الانسداد الرئوي المزمن.

ويمكن أن يشمل ذلك دمج قياسات وظائف الرئة في التقييمات الصحية الروتينية للأطفال على غرار كيفية مراقبة الطول والوزن حالياً في المدارس من خلال تحديد الأفراد المعرضين للخطر في وقت مبكر إذ يمكن للتدخلات المستهدفة أن تمنع ظهور مرض الانسداد الرئوي المزمن في وقت لاحق من الحياة.

ويمثل البحث الأخير خطوة مهمة نحو فهم الأساس الجيني لمرض الانسداد الرئوي المزمن ويفتح إمكانيات جديدة للكشف المبكر والوقاية ويهدف في النهاية إلى تحسين نتائج صحة الرئة على المدى الطويل.

 

حقائق

82

متغير وراثي مرتبط بمرض الانسداد الرئوي المزمن لدى البالغين حدده الباحثون السويديون


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة

صحتك طفل مصاب بجدري القردة يتلقى الرعاية الصحية (أ.ب)

«الصحة العالمية»: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة

قالت منظمة الصحة العالمية، اليوم الجمعة، إن تفشي جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي عاملا صحة يعتنيان بمصابة جراء الحرب في أحد مستشفيات لبنان 15 يوليو 2024 (أ.ب)

الصحة العالمية: مقتل 226 عاملاً صحياً ومريضاً في لبنان منذ بدء حرب 7 أكتوبر

قالت منظمة الصحة العالمية، اليوم (الجمعة)، إن 226 عاملاً صحياً ومريضاً قُتلوا في لبنان، فيما أصيب 199 آخرون جراء الهجمات الإسرائيلية منذ اندلاع الحرب.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
أوروبا أطفال مصابون بجدري القرود في الكونغو عام 1970 (منظمة الصحة العالمية)

«الصحة العالمية» تعطي الترخيص لأول لقاح لجدري القردة للأطفال

أصدرت «منظمة الصحة العالمية» ترخيصاً لاستخدام أول لقاح ضد جدري القردة للأطفال.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي فلسطينيون يتجمعون في موقع غارة إسرائيلية في ساحة مستشفى الأقصى في دير البلح بقطاع غزة 9 نوفمبر 2024 (أ.ب)

«الصحة العالمية»: إسرائيل رفضت 4 بعثات إمداد لـ«مستشفى كمال عدوان» في قطاع غزة

قالت منظمة الصحة العالمية إن إسرائيل رفضت «بشكل تعسفي» خلال الأيام العشرة الماضية دخول 4 بعثات من المنظمة لإرسال فرق طبية وإمدادات لـ«مستشفى كمال عدوان» في غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك أبرز «إعلان جدة» دور المنظمات الرباعية في تقديم الدعم اللازم للحكومات (واس)

«إعلان جدة» يدفع قُدماً الأجندة العالمية لمقاومة مضادات الميكروبات

تعهَّدت الدول الأعضاء في «إعلان جدة» بتحقيق أهداف الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن مقاومة مضادات الميكروبات بحلول عام 2030.

إبراهيم القرشي (جدة)

جدل أخلاقي حول «تحرير الجينوم البشري» لإنجاب أطفال معدّلين وراثياً

gettyimages
gettyimages
TT

جدل أخلاقي حول «تحرير الجينوم البشري» لإنجاب أطفال معدّلين وراثياً

gettyimages
gettyimages

أثار التغيير الأخير في إرشادات البحث الصحي الوطنية بجنوب أفريقيا الذي صدر في مايو (أيار) 2024 موجة من الجدل الأخلاقي، إذ يبدو أنه يفتح الطريق أمام استخدام تقنية تحرير الجينوم لإنجاب أطفال معدلين وراثياً مما يجعل جنوب أفريقيا أول دولة تتبنى هذ ا التوجه بشكل علني.

القصّ الجيني

ويعود السبب في الخلاف الحاد حول تحرير الجينوم البشري الوراثي (الفصّ الجيني) إلى تأثيراته الاجتماعية وإمكانياته المتعلقة بالانتقاء الجيني، ويعدُّ هذا التوجه مثيراً للاستغراب نظراً للمخاطر العالية التي تحيط بهذه التقنية.

وقد لفتت الانتباه إلى أن جنوب أفريقيا بصدد تسهيل هذا النوع من الأبحاث، كما ذكرت كاتي هاسون المديرة المساعدة في مركز علم الوراثة والمجتمع المشاركة في تأليف مقالة نشرت في 24 أكتوبر (تشرين الأول) 2024 في مجلة The Conversation.

وكان عام 2018 شهد قضية عالم صيني قام بتعديل جينات أطفال باستخدام تقنية «كريسبر» CRISPR لحمايتهم من فيروس نقص المناعة البشرية، مما أثار استنكاراً عالمياً وانتقادات من العلماء والمجتمع الدولي الذين رأوا أن هذا الاستخدام غير مبرر. وانتقد البعض سرية الطريقة، في حين شدد آخرون على ضرورة توفير رقابة عامة صارمة حول هذه التقنية ذات الأثر الاجتماعي الكبير.

معايير جديدة

ومع ذلك يبدو أن جنوب أفريقيا قد عدلت توجيهاتها للأبحاث في الصحة لتشمل معايير محددة لأبحاث تحرير الجينوم الوراثي لكنها تفتقر إلى قواعد صارمة تتعلق بالموافقة المجتمعية رغم أن التوجيهات تنص على ضرورة تبرير البحث من الناحية العلمية والطبية مع وضع ضوابط أخلاقية صارمة وضمان السلامة والفعالية. إلا أن هذه المعايير ما زالت أقل تشدداً من توصيات منظمة الصحة العالمية.

* التوافق مع القانون. وتأتي هذه الخطوة وسط انقسام في القانون بجنوب أفريقيا حيث يحظر قانون الصحة الوطني لعام 2004 التلاعب بالمواد الوراثية في الأجنة لأغراض الاستنساخ البشري. ورغم أن القانون لا يذكر تقنيات تعديل الجينات الحديثة مثل «كريسبر» فإن نصوصه تشمل منع تعديل المادة الوراثية البشرية ما يُلقي بتساؤلات حول التوافق بين القانون والتوجيهات الأخلاقية.

* المخاوف الأخلاقية. ويثير هذا التطور مخاوف واسعة بما في ذلك تأثيرات تقنية كريسبر على النساء والآباء المستقبليين والأطفال والمجتمع والنظام الجيني البشري ككل. وأثيرت تساؤلات حول إمكانية أن تكون جنوب أفريقيا مهيأة لاستقطاب «سياحة علمية»، حيث قد تنجذب مختبرات علمية من دول أخرى للاستفادة من قوانينها الميسرة.

استخدام تقنية «كريسبر»

وفي سابقة هي الأولى من نوعها في العالم وافقت الجهات التنظيمية الطبية في المملكة المتحدة العام الماضي على علاج جيني لاضطرابين في الدم.

ويعد علاج مرض «فقر الدم المنجلي» و«بيتا ثلاسيميا» أول علاج يتم ترخيصه باستخدام أداة تحرير الجينات المعروفة باسم كريسبر. ويعد هذا تقدماً ثورياً لعلاج حالتين وراثيتين في الدم وكلاهما ناتج عن أخطاء في جين الهيموغلوبين، حيث ينتج الأشخاص المصابون بمرض فقر الدم المنجلي خلايا دم حمراء ذات شكل غير عادي يمكن أن تسبب مشكلات لأنها لا تعيش طويلاً مثل خلايا الدم السليمة، ويمكن أن تسد الأوعية الدموية مما يسبب الألم والالتهابات التي تهدد الحياة.

وفي حالة المصابين ببيتا ثلاسيميا فإنهم لا ينتجون ما يكفي من الهيموغلوبين الذي تستخدمه خلايا الدم الحمراء لحمل الأكسجين في جميع أنحاء الجسم، وغالباً ما يحتاج مرضى بيتا ثلاسيميا إلى نقل دم كل بضعة أسابيع طوال حياتهم

علاج واعد لاضطرابات الدم

الموافقة عليه أخيراً في المملكة المتحدة على تحرير الجينات باستخدام طريقة مطورة من تقنية «كريسبر - كاس 9» CRISPR - Cas 9 لعلاج مرض فقر الدم المنجلي ومرض بيتا ثلاسيميا، من خلال تعديل الحمض النووي «دي إن إيه» بدقة حيث يتم أخذ الخلايا الجذعية من نخاع العظم وهي الخلايا المكونة للدم في الجسم من دم المريض.

ويتم تحرير الجينات باستخدام مقصات «كريسبر» الجزيئية بإجراء قطع دقيقة في الحمض النووي لهذه الخلايا المستخرجة واستهداف الجين المعيب المسؤول عن إنتاج الهيموغلوبين المعيب. ويؤدي هذا إلى تعطيل «الجين - المشكلة» وإزالة مصدر الاضطراب بشكل فعال ثم يعاد إدخال الخلايا المعدلة إلى مجرى دم المريض. ومع اندماج هذه الخلايا الجذعية المعدلة في نخاع العظم تبدأ في إنتاج خلايا الدم الحمراء الصحية القادرة على العمل بشكل طبيعي حيث يصبح الجسم الآن قادراً على توليد الهيموغلوبين المناسب.

وقد أظهرت هذه العملية نتائج واعدة في التجارب السريرية فقد تم تخفيف الألم الشديد لدى جميع مرضى فقر الدم المنجلي تقريباً (28 من 29 مريضاً) ولم يعد 93 في المائة من مرضى ثلاسيميا بيتا (39 من 42 مريضاً) بحاجة إلى نقل الدم لمدة عام على الأقل. ويشعر الخبراء بالتفاؤل بأن هذا قد يوفرعلاجاً طويل الأمد وربما مدى الحياة.

ويقود البروفسور جوسو دي لا فوينتي من مؤسسة إمبريال كوليدج للرعاية الصحية التابعة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية، التجارب في المملكة المتحدة لهذا العلاج لكل من البالغين والأطفال، ويصفه بأنه اختراق تحويلي مع وجود نحو 15 ألف شخص في المملكة المتحدة مصابين بمرض فقر الدم المنجلي ونحو ألف مصابين بالثلاسيميا، إذ يمكن أن يحسن «كاسجيفي» نوعية الحياة بشكل كبير، وخاصة بالنسبة لأولئك الذين يواجهون نطاق علاج محدود.

وتُعد «كريسبر - كاس 9» واحدة من الابتكارات الرائدة التي أحدثت تحولاً في الأبحاث الطبية والأدوية رغم أن استخدامها يثير جدلاً أخلاقياً، نظراً لاحتمالية تأثير تعديل الجينات على الأجيال المقبلة. وقد مُنحت جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2020 لجنيفر دودنا وإيمانويل شاربنتييه لمساهمتهما الأساسية في اكتشاف طريقة فعالة لتحرير الجينات، أي التدخل الدقيق الذي يسمح بإدخال التعديلات المطلوبة داخل الحمض النووي بطريقة بسيطة بكفاءة وسريعة واقتصادية.