حلول علمية لتحسين سلامة وكفاءة بطاريات الليثيوم المعدنية

في ظل تحديات بيئية تُعيق تسويقها

بطاريات الليثيوم المعدنية يمكنها تعزيز كفاءة السيارة الكهربائية (المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا)
بطاريات الليثيوم المعدنية يمكنها تعزيز كفاءة السيارة الكهربائية (المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا)
TT

حلول علمية لتحسين سلامة وكفاءة بطاريات الليثيوم المعدنية

بطاريات الليثيوم المعدنية يمكنها تعزيز كفاءة السيارة الكهربائية (المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا)
بطاريات الليثيوم المعدنية يمكنها تعزيز كفاءة السيارة الكهربائية (المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا)

تُعَد بطاريات الليثيوم المعدنية من بين أبرز الأنواع المرشحة الواعدة للجيل القادم من البطاريات عالية الطاقة، فهي قادرة على تخزين ما لا يقل عن ضعف الطاقة مقارنة ببطاريات الليثيوم أيون التقليدية التي تُستخدم على نطاق واسع حالياً.

وهذا يعني، على سبيل المثال، أن السيارة الكهربائية يمكنها السفر لضعف المسافة التي تقطعها بشحنة واحدة، أو أن الهاتف الذكي لن يحتاج إلى إعادة شحنه كثيراً. لكن تلك البطاريات لا تزال تواجه تحديات تعيق تسويقها الواسع والتجاري، ومنها سلامة الاستخدام، وثبات الدورة وعمر البطارية، وتكاليف الإنتاج، وتقنيات التصنيع، والسلامة البيئية.

ورغم التحديات، هناك كثير من الأبحاث تجري حالياً لتجاوز هذه العقبات وتحقيق تقدم في تطوير بطاريات الليثيوم المعدنية.

السلامة البيئية

وتواجه بطاريات الليثيوم المعدنية تحديات بيئية بسبب استخدام كميات كبيرة من المذيبات والأملاح المحتوية على الفلورين، ما يزيد من بصمتها البيئية بسبب سمية الفلورين وصعوبة تحلله. ومن دون الفلورين، الذي يحافظ على أداء البطارية واستقرارها، قد تتوقف عن العمل بعد عدد قليل من دورات الشحن، وتكون عرضة للتسخين الشديد والاشتعال.

وتوصل باحثون في سويسرا لطريقة جديدة لتقليل استخدام الفلورين في بطاريات الليثيوم المعدنية مع الحفاظ على كفاءتها واستقرارها، ونُشرت النتائج بعدد 5 يوليو (تموز) 2024، من دورية «Energy & Environmental Science».

وأوضح الباحثون في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيوريخ أن الطريقة الجديدة تجعل بطاريات الليثيوم المعدنية أكثر استدامة وكفاءة من حيث التكلفة وأقل تأثيراً على البيئة.

وتعتمد الطريقة على استخدام مركبات الفلورين لتشكيل طبقة حماية حول الليثيوم المعدني عند القطب السالب، ما يحميه من التفاعل المستمر مع مكونات الإلكتروليت، ويقلل من درجة الحرارة، وبالتالي يعزز سلامة البطارية وكفاءتها.

بطاريات الليثيوم المعدنية لاتزال تواجه تحديات بيئية (رويترز)

واستخدام الفريق جزيئات مشحونة كهربائياً لنقل الفلورين إلى طبقة الحماية، ما أدى لتقليل كمية الفلورين المطلوبة إلى 0.1 في المائة فقط من الوزن، وهو أقل بـ20 مرة من الدراسات السابقة. تقول الباحثة الرئيسية للدراسة المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا الدكتورة ماريا لوكاتسكايا، إن هذه الخطوة تعد بزيادة أمان وكفاءة البطاريات وجعلها خياراً أكثر صداقة للبيئة.

وتضيف لوكاتسكايا لـ«الشرق الأوسط»: تقليل الاعتماد على الفلور «يؤدي لخفض تكاليف الإنتاج، ما يجعل هذه البطاريات أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية، كما يمكن دمج هذه الطريقة بسلاسة في عمليات إنتاج البطاريات الحالية، ما يسهل على الشركات المصنعة زيادة الإنتاج وطرح البطاريات الجديدة في السوق بسرعة أكبر».

أداء أعلى

تستخدم بطاريات الليثيوم المعدنية قطباً من الليثيوم المعدني بدلاً من الغرافيت في البطاريات التقليدية، ما يؤدي لتكوين طبقة عازلة صلبة (SEI) تؤثر على أداء البطارية.

واستخدم باحثون في جامعة كولومبيا تقنية الرنين المغناطيسي النووي لدراسة التفاعلات على سطح القطب، ما يساعد في تحسين أداء وسلامة البطاريات.

وكشفت الدراسة المنشورة مايو (أيار) الماضي، بدورية «Joule»، أن التقنية تحلل حركة أيونات الليثيوم والتأثير الكيميائي على طبقة العزل، ما يساهم في تطوير بطاريات أكثر فعالية وأماناً.

الاستقرار والسلامة

من جهة أخرى، ومن نواحي الاستقرار والسلامة، نجح علماء جامعة ستانفورد في حل مشكلة رئيسية في بطاريات الليثيوم المعدنية تتعلق بتكوين دوائر كهربائية مغلقة تستنزف الطاقة وتدمر البطارية. ووجدت الدراسة، المنشورة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بدورية «Nature Energy» أن هذه الدوائر تنشأ عن تصدعات في إلكتروليتات السيراميك الصلبة بسبب الضغوط الميكانيكية أثناء الشحن أو التصنيع. وتوفر هذه النتائج حلولاً لتحسين استقرار وسلامة بطاريات الليثيوم المعدنية.

حماية من الحريق

كما طور باحثون بجامعة كاليفورنيا تقنية لحماية بطاريات الليثيوم المعدنية من الاشتعال عبر تعديل جُزء يعرف بـ«الفاصل» لإبطاء تدفق الطاقة والحرارة في حالة حدوث ماس كهربائي، مما يمنع انفجار البطارية ويقلل مخاطر الحريق، وفق دراسة منشورة بدورية «Science Advances» نوفمبر 2020.

وتستخدم التقنية طبقة رقيقة من الأنابيب الكربونية لسد الشروخ في الفاصل ومنع تدفق الإلكترونات بشكل غير منضبط، مما يحسن سلامة بطاريات الليثيوم المعدنية.


مقالات ذات صلة

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

يوميات الشرق إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

«الشرق الأوسط» (برلين)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الاقتصاد شاشة تسجيل الوصول في مكتب «إنفيديا» في أوستن بتكساس (أ.ف.ب)

«إنفيديا» تتفوق على توقعات الأرباح مع ترقب المستثمرين للطلب على رقائق «بلاكويل» للذكاء الاصطناعي

أعلنت شركة «إنفيديا»، يوم الأربعاء، عن زيادة في أرباحها ومبيعاتها في الربع الثالث مع استمرار الطلب على رقائق الكمبيوتر المتخصصة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
تكنولوجيا  الحكومة الأميركية تتحرك لإجبار «غوغل» على بيع متصفّحه «كروم»

 الحكومة الأميركية تتحرك لإجبار «غوغل» على بيع متصفّحه «كروم»

طلبت الحكومة الأميركية، الأربعاء، من القضاء إجبار «غوغل» على بيع متصفّحه «كروم»، في إجراء يهدف لمكافحة الممارسات الاحتكارية المتّهم بارتكابها عملاق التكنولوجيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك بهدف تكوين صورة بصرية ذات معنى لمشهد ما تقوم أعيننا بسلسلة من الحركات السريعة المنسقة (رويترز)

خلل بسيط في حركة العين قد يشير إلى إصابتك بألزهايمر

تبرز مؤخراً طريقة جديدة للكشف المبكر عن مرض ألزهايمر ترتبط بالاستماع إلى حركة عيون المرضى عبر ميكروفونات في آذانهم.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

جدل أخلاقي حول «تحرير الجينوم البشري» لإنجاب أطفال معدّلين وراثياً

gettyimages
gettyimages
TT

جدل أخلاقي حول «تحرير الجينوم البشري» لإنجاب أطفال معدّلين وراثياً

gettyimages
gettyimages

أثار التغيير الأخير في إرشادات البحث الصحي الوطنية بجنوب أفريقيا الذي صدر في مايو (أيار) 2024 موجة من الجدل الأخلاقي، إذ يبدو أنه يفتح الطريق أمام استخدام تقنية تحرير الجينوم لإنجاب أطفال معدلين وراثياً مما يجعل جنوب أفريقيا أول دولة تتبنى هذ ا التوجه بشكل علني.

القصّ الجيني

ويعود السبب في الخلاف الحاد حول تحرير الجينوم البشري الوراثي (الفصّ الجيني) إلى تأثيراته الاجتماعية وإمكانياته المتعلقة بالانتقاء الجيني، ويعدُّ هذا التوجه مثيراً للاستغراب نظراً للمخاطر العالية التي تحيط بهذه التقنية.

وقد لفتت الانتباه إلى أن جنوب أفريقيا بصدد تسهيل هذا النوع من الأبحاث، كما ذكرت كاتي هاسون المديرة المساعدة في مركز علم الوراثة والمجتمع المشاركة في تأليف مقالة نشرت في 24 أكتوبر (تشرين الأول) 2024 في مجلة The Conversation.

وكان عام 2018 شهد قضية عالم صيني قام بتعديل جينات أطفال باستخدام تقنية «كريسبر» CRISPR لحمايتهم من فيروس نقص المناعة البشرية، مما أثار استنكاراً عالمياً وانتقادات من العلماء والمجتمع الدولي الذين رأوا أن هذا الاستخدام غير مبرر. وانتقد البعض سرية الطريقة، في حين شدد آخرون على ضرورة توفير رقابة عامة صارمة حول هذه التقنية ذات الأثر الاجتماعي الكبير.

معايير جديدة

ومع ذلك يبدو أن جنوب أفريقيا قد عدلت توجيهاتها للأبحاث في الصحة لتشمل معايير محددة لأبحاث تحرير الجينوم الوراثي لكنها تفتقر إلى قواعد صارمة تتعلق بالموافقة المجتمعية رغم أن التوجيهات تنص على ضرورة تبرير البحث من الناحية العلمية والطبية مع وضع ضوابط أخلاقية صارمة وضمان السلامة والفعالية. إلا أن هذه المعايير ما زالت أقل تشدداً من توصيات منظمة الصحة العالمية.

* التوافق مع القانون. وتأتي هذه الخطوة وسط انقسام في القانون بجنوب أفريقيا حيث يحظر قانون الصحة الوطني لعام 2004 التلاعب بالمواد الوراثية في الأجنة لأغراض الاستنساخ البشري. ورغم أن القانون لا يذكر تقنيات تعديل الجينات الحديثة مثل «كريسبر» فإن نصوصه تشمل منع تعديل المادة الوراثية البشرية ما يُلقي بتساؤلات حول التوافق بين القانون والتوجيهات الأخلاقية.

* المخاوف الأخلاقية. ويثير هذا التطور مخاوف واسعة بما في ذلك تأثيرات تقنية كريسبر على النساء والآباء المستقبليين والأطفال والمجتمع والنظام الجيني البشري ككل. وأثيرت تساؤلات حول إمكانية أن تكون جنوب أفريقيا مهيأة لاستقطاب «سياحة علمية»، حيث قد تنجذب مختبرات علمية من دول أخرى للاستفادة من قوانينها الميسرة.

استخدام تقنية «كريسبر»

وفي سابقة هي الأولى من نوعها في العالم وافقت الجهات التنظيمية الطبية في المملكة المتحدة العام الماضي على علاج جيني لاضطرابين في الدم.

ويعد علاج مرض «فقر الدم المنجلي» و«بيتا ثلاسيميا» أول علاج يتم ترخيصه باستخدام أداة تحرير الجينات المعروفة باسم كريسبر. ويعد هذا تقدماً ثورياً لعلاج حالتين وراثيتين في الدم وكلاهما ناتج عن أخطاء في جين الهيموغلوبين، حيث ينتج الأشخاص المصابون بمرض فقر الدم المنجلي خلايا دم حمراء ذات شكل غير عادي يمكن أن تسبب مشكلات لأنها لا تعيش طويلاً مثل خلايا الدم السليمة، ويمكن أن تسد الأوعية الدموية مما يسبب الألم والالتهابات التي تهدد الحياة.

وفي حالة المصابين ببيتا ثلاسيميا فإنهم لا ينتجون ما يكفي من الهيموغلوبين الذي تستخدمه خلايا الدم الحمراء لحمل الأكسجين في جميع أنحاء الجسم، وغالباً ما يحتاج مرضى بيتا ثلاسيميا إلى نقل دم كل بضعة أسابيع طوال حياتهم

علاج واعد لاضطرابات الدم

الموافقة عليه أخيراً في المملكة المتحدة على تحرير الجينات باستخدام طريقة مطورة من تقنية «كريسبر - كاس 9» CRISPR - Cas 9 لعلاج مرض فقر الدم المنجلي ومرض بيتا ثلاسيميا، من خلال تعديل الحمض النووي «دي إن إيه» بدقة حيث يتم أخذ الخلايا الجذعية من نخاع العظم وهي الخلايا المكونة للدم في الجسم من دم المريض.

ويتم تحرير الجينات باستخدام مقصات «كريسبر» الجزيئية بإجراء قطع دقيقة في الحمض النووي لهذه الخلايا المستخرجة واستهداف الجين المعيب المسؤول عن إنتاج الهيموغلوبين المعيب. ويؤدي هذا إلى تعطيل «الجين - المشكلة» وإزالة مصدر الاضطراب بشكل فعال ثم يعاد إدخال الخلايا المعدلة إلى مجرى دم المريض. ومع اندماج هذه الخلايا الجذعية المعدلة في نخاع العظم تبدأ في إنتاج خلايا الدم الحمراء الصحية القادرة على العمل بشكل طبيعي حيث يصبح الجسم الآن قادراً على توليد الهيموغلوبين المناسب.

وقد أظهرت هذه العملية نتائج واعدة في التجارب السريرية فقد تم تخفيف الألم الشديد لدى جميع مرضى فقر الدم المنجلي تقريباً (28 من 29 مريضاً) ولم يعد 93 في المائة من مرضى ثلاسيميا بيتا (39 من 42 مريضاً) بحاجة إلى نقل الدم لمدة عام على الأقل. ويشعر الخبراء بالتفاؤل بأن هذا قد يوفرعلاجاً طويل الأمد وربما مدى الحياة.

ويقود البروفسور جوسو دي لا فوينتي من مؤسسة إمبريال كوليدج للرعاية الصحية التابعة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية، التجارب في المملكة المتحدة لهذا العلاج لكل من البالغين والأطفال، ويصفه بأنه اختراق تحويلي مع وجود نحو 15 ألف شخص في المملكة المتحدة مصابين بمرض فقر الدم المنجلي ونحو ألف مصابين بالثلاسيميا، إذ يمكن أن يحسن «كاسجيفي» نوعية الحياة بشكل كبير، وخاصة بالنسبة لأولئك الذين يواجهون نطاق علاج محدود.

وتُعد «كريسبر - كاس 9» واحدة من الابتكارات الرائدة التي أحدثت تحولاً في الأبحاث الطبية والأدوية رغم أن استخدامها يثير جدلاً أخلاقياً، نظراً لاحتمالية تأثير تعديل الجينات على الأجيال المقبلة. وقد مُنحت جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2020 لجنيفر دودنا وإيمانويل شاربنتييه لمساهمتهما الأساسية في اكتشاف طريقة فعالة لتحرير الجينات، أي التدخل الدقيق الذي يسمح بإدخال التعديلات المطلوبة داخل الحمض النووي بطريقة بسيطة بكفاءة وسريعة واقتصادية.