بكتيريا مهندسة جينياً لتدمير الأورام السرطانية

توصل العلاج الكيميائي إليها مباشرة

بكتيريا مهندسة جينياً لتدمير الأورام السرطانية
TT

بكتيريا مهندسة جينياً لتدمير الأورام السرطانية

بكتيريا مهندسة جينياً لتدمير الأورام السرطانية

طور الباحثون في كلية الطب بجامعة سنغافورة الوطنية نهجاً ثورياً لعلاج السرطان، وهو بديل أكثر استهدافاً وفعالية وأقل سُمية للعلاج الكيميائي التقليدي للمرض.

ميكروبات مهندسة ولا يؤدي هذا النهج الجديد إلى تحسين فعالية العلاج فحسب، بل يقلل أيضاً بشكل كبير جرعة الدواء المطلوبة لعلاج السرطان، حيث تهدف الطريقة الجديدة في استخدام البكتيريا التي تجري هندستها لتوصيل أدوية العلاج الكيميائي مباشرة إلى مواقع الورم، من خلال الاستفادة من التفاعلات الطبيعية بين البكتيريا والخلايا السرطانية.

وتؤكد نتائج البحث، المنشور في مجلة «Nature Communications» في 21 مايو (أيار) 2024، بقيادة البروفيسور المشارك ماثيو تشانغ بقسم البيولوجيا الاصطناعية للابتكار السريري والتكنولوجي في جامعة سنغافورة الوطنية، إمكانية هذه الاستراتيجية المبتكرة في إحداث تحول بعلاج السرطان، حيث يقود التقدم السريع في البيولوجيا التركيبية إلى تطوير الميكروبات المعدَّلة أو المهندَسة جينياً بصفتها عوامل علاجية لعدد كبير من الأمراض التي تصيب الإنسان؛ بما في ذلك السرطان.

وتخلق البيئة الدقيقة المثبطة للمناعة للأورام الصلبة، على وجه الخصوص، مكاناً مناسباً للبكتيريا المُدارة بشكل منهجي لإيصال الأدوية العلاجية وإطلاقها، لكن مثل هذه الحمولات الدوائية يمكن أن تكون ضارة إذا جرى إطلاقها خارج الورم في الأنسجة السليمة.

العلاج بالبكتيريا الحيةيوفر العلاج بالبكتيريا الحية التي تستهدف الورم خياراً فريداً لمواجهة هذه التحديات. ومقارنةً بمعظم العلاجات الأخرى، فإن فعالية البكتيريا، التي تستهدف الورم، لا تتأثر بشكل مباشر بـ«التركيب الجيني» للورم، حيث تبدأ البكتيريا تأثيراتها المضادة للورم مباشرة من أعماق الورم، ثم تليها استجابات مناعية وتكيفية مضادة للورم من قِبل الجهاز المناعي للشخص نفسه، كما يمكن إعادة برمجة النواقل البكتيرية باتباع قواعد وراثية بسيطة أو مبادئ الهندسة الحيوية الاصطناعية المعقدة لإنتاج وتوصيل العوامل المضادة للسرطان على أساس الاحتياجات السريرية.

وإضافة لذلك، يمكن تطبيق الأساليب العلاجية التي تستخدم البكتيريا الحية التي تستهدف الورم بصفتها علاجاً وحيداً أو مكملة لعلاجات أخرى مضادة للسرطان لتحقيق نتائج سريرية أفضل.

تنشيط الدواء وعادةً ما تتحول العقاقير الأولية؛ وهي جزيئات غير نشطة، إلى أدوية نشطة داخل الجسم، خصوصاً في بيئات الأورام التي تتميز بظروف؛ مثل انخفاض الأكسجين أو الحموضة العالية. ويقلل هذا التنشيط في موقع السرطان تلف الأنسجة السليمة، ومع ذلك فإن استراتيجيات العقاقير الأولية الحالية تُظهر خصوصية محدودة للهدف، وتعتمد في كثير من الأحيان على ناقلات الجزيئات الكبيرة مما يعقّد توزيع الأدوية وإزالتها.

وللتغلب على هذه القيود، طور الباحثون طريقة لتوصيل الأدوية الأولية تستخدم سلالة العصيات اللبنية «Lactobacillus» المتعايشة «Commensal»؛ أي البكتيريا الطبيعية غير المَرضية التي ترتبط بشكل خاص بالخلايا السرطانية عبر جزيء سطحي يسمى كبريتات الهيباران «heparan sulfate».

تحمل هذه البكتيريا المهندسة عقّاراً أولياً يتحول إلى عقّار للعلاج الكيميائي في موقع الورم، كما هي الحال مع الدواء المضاد للأورام «SN-38».

تطبيقات محتملة واسعة وتشير قدرة سلالة العصيات اللبنية على الارتباط بشكل خاص بالخلايا السرطانية، إلى تطبيقات محتملة عبر أنواع مختلفة من علاج السرطان، إذ يقوم الباحثون بتقييم التقارب الملزم بين عدد من السلالات الميكروبية وخطوط الخلايا السرطانية المتعددة بهدف تطوير نظام توصيل متعدد الاستخدامات لسرطانات الغشاء المخاطي، مثل سرطان القولون والمستقيم والمثانة والمعدة والفم والرئة والأنف.

وقد تبيَّن في النماذج قبل السريرية لسرطان البلعوم الأنفي أن البكتيريا المهندسة تمركزت، على وجه التحديد، في الورم، وأطلقت دواء العلاج الكيميائي مباشرة في موقع السرطان، ما أدى إلى تقليل نمو الورم بنسبة 67 في المائة، وزيادة فعالية دواء العلاج الكيميائي بنسبة 54 في المائة.

وتُعد التطبيقات الأوسع المحتملة عبر أنواع مختلفة من علاج السرطان أحد الجوانب الواعدة في هذا البحث، حيث ترتبط سلالة العصيات اللبنية، التي حددها الباحثون بالخلايا السرطانية على وجه التحديد. ومن خلال تسخير التقارب بين البكتيريا والخلايا السرطانية، يهدف الباحثون إلى إحداث ثورة في تقديم العلاج الكيميائي، إذ يقومون بتقييم التقارب الارتباطي لعدد من السلالات الميكروبية مع خطوط خلايا سرطانية متعددة لتطوير نظام توصيل متعدد الاستخدامات باستخدام سلالات ميكروبية لاستهداف أدوية العلاج الكيميائي لسرطانات الغشاء المخاطي المختلفة.

ويقول ماثيو تشانغ إن علاج السرطان غالباً ما يتسبب في خسائر فادحة للمرضى، لذا فإن نتائج هذا البحث تمثل خطوة مهمة نحو تطوير نهج أكثر استهدافاً، وأقل سُمية لعلاج السرطان، نأمل أن يمهد هذا الطريق لعلاجات خفيفة وفعالة.

ويمثل هذا النهج الجديد للعلاج الجيني، والذي يستخدم البكتيريا المهندسة لتوصيل أدوية العلاج الكيميائي مباشرة إلى مواقع الورم تقدماً واعداً في علاج السرطان ومن خلال استهداف الخلايا السرطانية بشكل أكثر دقة، وتقليل الآثار الجانبية، يمكن لهذه الطريقة أن تُحسّن بشكل كبير نوعية الحياة لمرضى السرطان، وتفتح آفاقاً جديدة لعلاج أنواع مختلفة من السرطان.



الكشف عن العوامل الوراثية المرتبطة بـ«الانزلاق الغضروفي»

 41 منطقة جديدة من الجينوم تعمل على تعديل خطر الإصابة بالانزلاق الغضروفي (غيتي)
41 منطقة جديدة من الجينوم تعمل على تعديل خطر الإصابة بالانزلاق الغضروفي (غيتي)
TT

الكشف عن العوامل الوراثية المرتبطة بـ«الانزلاق الغضروفي»

 41 منطقة جديدة من الجينوم تعمل على تعديل خطر الإصابة بالانزلاق الغضروفي (غيتي)
41 منطقة جديدة من الجينوم تعمل على تعديل خطر الإصابة بالانزلاق الغضروفي (غيتي)

سلطت دراسة حديثة الضوء على التقدم الكبير في فهم الأسس الجينية للانزلاق الغضروفي القطني، ووجدت 41 منطقة جديدة من الجينوم تعمل على تعديل خطر الإصابة بالانزلاق الغضروفي، بالإضافة إلى 23 منطقة كانت حُددت سابقاً.

كما توفر الدراسة رؤى جديدة بشأن كيفية تأثير هذه المناطق على بنية القرص الموجود بين الفقرات (القرص الفقري)، والالتهاب، ووظيفة الأعصاب. وتتعلق النتائج الرئيسية بالجينات المرتبطة بالأعصاب، والتي تعزز فهمنا كيفية تسبب الانزلاق الغضروفي في ألم طويل الأمد وتجارب ألم متفاوتة.

الجينات و«الانزلاق الغضروفي»

يعدّ الانزلاق الغضروفي القطني أحد أكثر التغيرات البنيوية شيوعاً في أسفل الظهر، والسبب الأكثر شيوعاً لألم العصب الوركي في الساق، وقد حُقق في عوامل الخطر الوراثية للانزلاق الغضروفي في دراسة دولية قادتها مجموعة بحثية من فلندا.

وحللت الدراسة، التي نُشرت في مجلة «Nature Communications» يوم 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، برئاسة يوهانس كيتونين، من وحدة أبحاث الصحة السكانية بكلية الطب والمركز الحيوي في جامعة أولو، البيانات الجينية والصحية لنحو 830 ألف مشارك من بنوك حيوية قوية، مثل «البنك الحيوي الفلندي والإستوني» و«البنك الحيوي البريطاني»، وقيّمت دور مجموعات البيانات الكبيرة في الكشف عن العلاقات الجينية المعقدة. وكان لاكتشاف 5 مناطق جينومية جديدة مرتبطة بحالات أكثر شدة تتطلب الجراحة أهمية كبيرة للتأكيد على إمكانية تصميم التدخلات الطبية.

وحددت الدراسة، بالإضافة إلى ذلك، ارتباطات جديدة بالقرب من الجينات المرتبطة بالجهاز العصبي ووظيفة الأعصاب. وقد أدت النتائج المتعلقة بوظائف الجهاز العصبي إلى زيادة فهمنا العلاقة بين الانزلاق الغضروفي العرضي والألم المنتشر.

جينات الاستعداد الوراثي

وقال فيلي سالو، الباحث في جامعة أولو والمحلل الرئيسي في الدراسة، إنهم وجدوا جينات الاستعداد الوراثي التي يمكنها تفسير إطالة الألم جزئياً وكذلك الاختلافات التي لوحظت سريرياً في الألم الذي يعانيه المرضى.

وهذا ما يساعد في تطوير أساليب إدارة الألم لمرضى الانزلاق الغضروفي الذين يعانون آلاماً شديدة، وبالتالي تحسين نوعية حياتهم، كما يقول المختص في الطب الطبيعي الذي شارك في البحث، جوهاني ماتا، من وحدة أبحاث العلوم الصحية والتكنولوجيا بكلية الطب في جامعة أولو بفنلندا.

و«الانزلاق الغضروفي القطني» هو إصابة للغضروف بين فقرتين من العمود الفقري، وعادة ما يحدث بسبب الإجهاد المفرط أو صدمة للعمود الفقري، ويعدّ من أكثر التغيرات البنيوية شيوعاً في أسفل الظهر، كما أنه السبب الأكثر شيوعاً لـ«الألم المنتشر» الذي يسمى «عرق النسا»؛ إذ يحدث «الألم المنتشر» بسبب تهيج الأعصاب الذي يحدث بسبب ضيق العصب الناجم عن الانزلاق، وخصوصاً بسبب زيادة العوامل الالتهابية في منطقة الانزلاق الغضروفي.

والانزلاق الغضروفي شائع جداً حتى لدى الأشخاص الذين لا تظهر عليهم أعراض. ويزداد تكراره مع تقدم العمر، ويسبب أعراضاً لبعض الأشخاص فقط عندما يهيج العصب؛ فالعوامل المرتبطة بتطور الانزلاق الغضروفي معروفة نسبياً، لكن التحقيق في خلفيتها الوراثية لم يحظ باهتمام كبير.

التنبؤ بالإعاقة والألم بعد الجراحة

ووفقاً لدراسة نُشرت في 7 فبراير (شباط) 2024 بمجلة «JAMA»، وقادها بيورنار بيرج، من «مركز صحة الجهاز العضلي الهيكلي الذكي» بكلية العلوم الصحية في جامعة أوسلو النرويجية، فقد طور بيرج وزملاؤه نماذج التنبؤ بالإعاقة والألم بعد 12 شهراً من جراحة الانزلاق الغضروفي القطني، وأكدوا صحة هذه النماذج.

كما أكدت الدراسة على إمكانات التعلم الآلي في تعزيز عملية اتخاذ القرار السريري وإرشاد المرضى فيما يتعلق بنتائج جراحة الانزلاق الغضروفي القطني، فقد استخدم البحث مجموعة بيانات شاملة من السجل النرويجي لجراحة العمود الفقري، وحلل أكثر من 22 ألفاً و700 حالة لتطوير نماذج التنبؤ بالإعاقة والألم بعد الجراحة.

واكتشف الباحثون أن معدلات عدم نجاح العلاج كانت على النحو التالي: 33 في المائة للحالات التي قيست باستخدام «مؤشر أوزويستري للإعاقة (ODI)»، و27 في المائة للحالات التي قيست باستخدام «مقياس التصنيف العددي (NRS)» لألم الظهر، و31 في المائة للحالات التي قيست باستخدام المقياس نفسه؛ أي «مقياس التصنيف العددي لألم الساق».

وهذا يشير إلى أن نسبة كبيرة من المرضى لم يحققوا نتائج ناجحة في تقليل الإعاقة أو تخفيف الألم بعد جراحة الانزلاق الغضروفي القطني.

دعم التشخيصات

و«مؤشر أوزويستري للإعاقة Oswestry Disability Index (ODI)» مشتق من استبيان لآلام أسفل الظهر يستخدمه الأطباء والباحثون لقياس الإعاقة الناجمة عن آلام أسفل الظهر ونوعية الحياة. و«أوزويستري» مدينة تاريخية في شروبشاير بإنجلترا.

أما «مقياس التقييم الرقمي (NRS) Numeric Rating Scale» فيقيس مستوى الألم من 0 إلى 10 (حيث يشير 0 إلى عدم وجود ألم، و10 إلى ألم شديد).

ويشير استخدام البيانات قبل الجراحة بوصفها متنبئات إلى أنه يمكن دمج هذه النماذج في سير العمل السريري عبر أنظمة السجلات الطبية الإلكترونية، مما يدعم «التشخيصات الشخصية» ويساعد في اتخاذ القرارات المشتركة للجراحة.

ويؤكد المؤلفون على الحاجة إلى مزيد من التحقق الخارجي بسجلات جراحة العمود الفقري الأخرى؛ لتوسيع نطاق التطبيق. كما يمثل هذا التطور خطوة مهمة نحو الطب الدقيق في جراحة العمود الفقري، مما قد يحسن نتائج المرضى ويحسن التخطيط الجراحي.