الشرق الأوسط... البقاء في مستقبل أكثر حرارة وجفافاً

معدل درجة الحرارة فيه ارتفع أسرع من «العالمي» بمرتين

الشرق الأوسط... البقاء في مستقبل أكثر حرارة وجفافاً
TT

الشرق الأوسط... البقاء في مستقبل أكثر حرارة وجفافاً

الشرق الأوسط... البقاء في مستقبل أكثر حرارة وجفافاً

كان 2023 العام الأكثر سخونة على الإطلاق، حيث حطم الأرقام القياسية التي يعود تاريخها إلى منتصف خمسينات القرن التاسع عشر، وأدى إلى شعور مزداد بالإلحاح بشأن العمل المناخي. وقد يكون عام 2024 أكثر سخونة، كما يتضح من موجة الحر الشديدة التي شهدتها الولايات المتحدة هذا الأسبوع.

معاناة الشرق الأوسط

وفي الشرق الأوسط؛ الذي يعدّ بالفعل من أعلى المناطق حرارة على وجه الأرض؛ ارتفعت درجات الحرارة بمعدل أسرع مرتين من المتوسط ​​العالمي. وتتسم بلدان هذه المنطقة ببيئاتها القاحلة، وتواجه مجموعة من التحديات والاحتياجات الخاصة بها، مما يستلزم إطاراً متميزاً لتعزيز سياسات وحلول الاستدامة.

لكن سكان الشرق الأوسط ليسوا وحدهم؛ إذ يعيش أكثر من ثلث سكان العالم في بلدان - مثل مناطق شاسعة من غرب آسيا، والأجزاء الشمالية الغربية من شبه القارة الهندية، وأميركا الجنوبية – موجودة ببيئات حارة وقاحلة.

حتى الآن؛ ركزت مناقشات الاستدامة العالمية إلى حد كبير على البلدان الاستوائية والمعتدلة. ويفترض الخبراء عادة أن التركيز الرئيسي يجب أن يكون على الحفاظ على الغابات الخضراء ذات إمدادات المياه الوفيرة، كما رأينا في أماكن مثل البرازيل وإندونيسيا.

استدامة المناطق الحارة

ومع ذلك، فإن البلدان الحارة والجافة (كثير منها غني بالطاقة) لا تملك النظم البيئية نفسها أو الموارد الطبيعية المتماثلة. وغالباً ما يُنظر إليها على أنها قاحلة أو فارغة، لكن الصحارى حية جداً.

وكتب غونزالو كاسترو دي لا ماتا؛ الباحث في منظمة «إرثنا»، وهي مركز غير ربحي لأبحاث السياسات والمناصرة ومقره قطر، يقول: «إننا نعمل على تطوير أطر الاستدامة المصممة خصيصاً للمناخات الحارة والجافة، ويمكن أن توفر مخططاً لمناطق مماثلة حول العالم».

إن إعادة التفكير في معنى التنوع البيولوجي لإنشاء أطر استدامة فعالة وقابلة للتنفيذ للمناطق الحارة والجافة، تتطلب أولاً فهم التحديات والفرص التي تواجهها هذه البيئات الطبيعية.

مشروع «مشيرب» في الدوحة

التنوع البيولوجي والتكيف

لنأخذ التنوع البيولوجي في قطر؛ على سبيل المثال... إن عملنا البحثي في ​​البلدان ذات درجات الحرارة القصوى يدرك أنه على الرغم من الظروف القاسية؛ بما فيها نقص المياه والحرارة الشديدة، فإن النظم البيئية القاحلة قد أنتجت نباتات وحيوانات قادرة على الصمود، التي اضطرت إلى التكيف بطرق فريدة ومبتكرة.

لقد طورت حيوانات الصحراء، مثل المَهَا، قدرة فطرية على الحفاظ على الطاقة والبقاء على قيد الحياة عندما تكون الأرض جافة والغذاء نادراً، ومعظم النباتات في الصحراء لا يحتاج إلى كثير من الماء ليزدهر. وأشجار المانغروف، التي لديها تكيفات خاصة لاستيعاب ثاني أكسيد الكربون الإضافي وإزالة الملح، تكيفت لتحمل الظروف التي قد تقتل معظم النباتات. تعمل هذه الأشجار الساحلية على تثبيت الخط الساحلي، والحفاظ على الشواطئ من التآكل، ويمكن أن تحمي من ارتفاع منسوب مياه البحر. وهي تعمل على تحسين الظروف لتنمية مصايد الأسماك، وتكون قادرة على امتصاص وتخزين ثاني أكسيد الكربون أكثر من معظم النباتات، مما يساعد في مكافحة تغير المناخ.

بناء مدن أكثر مرونة

عندما نفكر في مستقبل مدننا، وما تحتاجه لتحقيق الازدهار بطرق مستدامة، فمن المهم أن نتذكر أن الحضارات عاشت في مناخات حارة وجافة لآلاف السنين وطورت سلوكيات اجتماعية وثقافية فريدة للتكيف مع بيئاتها.

توفر معارف الأسلاف التقليدية مصدراً غنياً للفهم حول العالم الطبيعي الذي تجب الاستفادة منه لتوجيه الأساليب الحديثة نحو الاستدامة. وفي العاصمة القطرية الدوحة، حيث الطلب على الطاقة في البلاد هو الأعلى، يدمج المطورون مبادئ التصميم المستدام التي تنسق الممارسات القديمة والهندسة المعمارية الحديثة لتقليل الحرارة وتقليل البصمة الكربونية للمدينة.

ملقف الهواء من العصر العباسي

توظيف معارف الأسلاف

مشيرب؛ قلب الدوحة، من الأمثلة على ذلك؛ إذ إنها منطقة مدينة تاريخية جرى تجديدها على مدى 12 عاماً، وتتميز بعناصر معمارية تقليدية، مثل «الملقف»، وهو حاجز مرتفع يستخدم لإيجاد تهوية متقاطعة وتبريد سلبي، والمشربيات (الشبكات الزخرفية) التي توفر الظل والخصوصية، مما أدى إلى خفض استهلاك الطاقة بنسبة 30 في المائة. ويعني وجود نظام متطور لجمع النفايات أن معظم نفايات المنطقة يعاد تدويرها واستخدامها،

ريّ الأفلاج في عٌمان

كما تعمل أنظمة الري على تقليل استخدام المياه. وقد أيد المهندسون المعماريون المنطقة بوصفها مخططاً للتجديد الحضري المستدام.

وفي عمان، يعمل نظام ري الأفلاج القديم منذ أكثر من 2000 عام. تقسم المياه بين المستخدمين من خلال مجموعة معقدة من القنوات التي تجري صيانتها بشكل جماعي، مما يجعل إدارة المياه أكثر عدالة وفاعلية، فساعدها ذلك في الحصول على الاعتراف بها موقعاً من مواقع «التراث العالمي لليونيسكو». وفي أحد مواقع الري، وهو فلج الجيلة، تُستخدم المياه للأغراض الزراعية والمدنية؛ إذ توفر المياه من هذه المواقع ما بين 30 و50 في المائة من إجمالي المياه المستخدمة في عمان اليوم.

من الواضح أن المدن في المناطق الحارة والقاحلة تواجه تحديات مختلفة تماماً عن تلك الموجودة في مناخات أكثر اعتدالاً. ومع ذلك، على مر التاريخ، تكيفت هذه المدن وابتكرت لتزدهر، على الرغم من الظروف القاسية.

إن أطر الاستدامة التي نعمل عليها لا تأخذ في الحسبان درجات الحرارة القصوى والبيئات الجافة فحسب؛ بل إنها مصممة لتشمل الحلول القديمة والحديثة التي يمكن أن تفيد مدن اليوم.

هناك بالفعل طرق لتعزيز الاستدامة في المناخات الأكثر حرارة وجفافاً، على الرغم من التحديات، خصوصاً عندما يكون ذلك بالشراكة مع مجموعات أصحاب المصلحة الأساسيين؛ بمن فيهم الخبراء الفنيون والأكاديميون والحكومات والمنظمات غير الحكومية والشركات والمجتمع المدني.

شبكة المدن القاحلة

تتطلع «إرثنا» إلى إنشاء شبكة المدن القاحلة التي ستجمع خبراء في المدن ذات البيئات الحارة والقاحلة، ونحن نقود حالياً تقييماً عالمياً للاستدامة مع التركيز على 6 مدن قاحلة: الدوحة، ومسقط، وجايبور، ومراكش، وغرينادا، وليما. وكما هي الحال مع إنشاء منصب «كبير مسؤولي الحرارة» في الولايات المتحدة، فسنشارك أفضل الممارسات ونطور حلولاً عملية قائمة على السياسات لمعالجة تأثير تغير المناخ في مناطقنا. للمناخات الحارة والجافة دور كبير في الحد من الآثار الضارة لتغير المناخ، بغض النظر عن موقعها. تحتوي هذه المنطقة مخزوناً غنياً من المعرفة التقليدية والابتكارات المستقبلية لرسم مسار نحو مستقبل أكثر استدامة.

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً


مقالات ذات صلة

صناديق استثمار الحوكمة البيئية الأوروبية تحقق 13 % عوائد خلال العام الحالي

الاقتصاد أعلام الاتحاد الأوروبي خارج مبنى المفوضية الأوروبية في بروكسل (رويترز)

صناديق استثمار الحوكمة البيئية الأوروبية تحقق 13 % عوائد خلال العام الحالي

أظهرت بيانات أداء صناديق الاستثمار الأوروبية التي تستثمر في الأدوات الملتزمة بقواعد الحوكمة البيئية والاجتماعية، أنها حققت عوائد بمعدل 13 في المائة العام الحالي

«الشرق الأوسط» (فرانكفورت)
العالم من فعاليات قمة المستقبل أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة (أ.ب)

الأمم المتحدة تتبنى ميثاقاً واعداً لبناء «مستقبل أفضل» للبشرية

تبنّت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، اليوم الأحد، «ميثاقاً من أجل المستقبل» يهدف إلى رسم «مستقبل أفضل» للبشرية، رغم معارضة بعض الدول بينها روسيا.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد جانب من الاجتماعات التي جرت اليوم حول صندوق التمويل للتغير المناخي (الشرق الأوسط)

رئاسة «كوب 29» تخطو نحو تحويل تعهدات صندوق التمويل إلى واقع ملموس

قال مجلس إدارة الصندوق المعني بالاستجابة للخسائر والأضرار، إنه اتخذ قرارات مهمة نحو التشغيل الكامل للصندوق في اجتماعه الثالث في باكو، الذي استضافته رئاسة مؤتمر…

«الشرق الأوسط»
أوروبا متظاهرون في مدينة بوخوم بغرب ألمانيا (أ.ب)

عشرات الآلاف يتظاهرون في ألمانيا للتحرك من أجل المناخ

نزل عشرات الآلاف من الأشخاص إلى الشوارع في جميع أنحاء ألمانيا، الجمعة، للمطالبة بمزيد من العمل من أجل المناخ.

«الشرق الأوسط» (فرانكفورت)
العالم حريق غابات في قرية فيغا بأغويدا في البرتغال - 17 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

الاتحاد الأوروبي: الفيضانات وحرائق الغابات تظهر أن الانهيار المناخي بات القاعدة

حذّر الاتحاد الأوروبي من الفيضانات المدمّرة وحرائق الغابات التي تظهر أن الانهيار المناخي بات سريعاً القاعدة، مؤثراً على الحياة اليومية للأوروبيين.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

مفارقة المساواة بين الجنسين: الفتيات أكثر ميلاً للآداب والأولاد نحو العلوم

مفارقة المساواة بين الجنسين: الفتيات أكثر ميلاً للآداب والأولاد نحو العلوم
TT

مفارقة المساواة بين الجنسين: الفتيات أكثر ميلاً للآداب والأولاد نحو العلوم

مفارقة المساواة بين الجنسين: الفتيات أكثر ميلاً للآداب والأولاد نحو العلوم

تكشف دراسة جديدة أن الاختلافات بين الجنسين في جوانب القدرات الأكاديمية موجودة في جميع أنحاء العالم، وأن الميزة النسبية لتفوّق الفتيات في القراءة، والأولاد في العلوم، هي الأكبر في البلدان المساوية بين الجنسين.

القدرات الأكاديمية لدى الجنسين

غالباً ما تلفت المساواة بين الجنسين انتباه الباحثين، خصوصاً في المجالات التي لا تحظى فيها النساء بتمثيل كافٍ، مثل المهن ذات المكانة العالية والأجور المرتفعة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.

وتؤثر جوانب القدرة الأكاديمية، أي الموضوع المفضل لدى الطالب، بقوة على مجال دراسته؛ إذ ينجذب الطلاب الذين يتمتّعون بنقاط قوة في الرياضيات أو العلوم نحو مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، بينما ينجذب أولئك الذين يتمتّعون بقوة في القراءة نحو مجالات أخرى، مثل الصحافة.

تحليل قدرات ملايين المراهقين

قام فريق البحث من جامعة «توركو» الفنلندية بتحليل بيانات ما يقرب من 2.5 مليون مراهق في 85 دولة، على مدى 12 عاماً، أو في 5 موجات (2006 - 2018) من برنامج تقييم الطلاب الدوليين (PISA).

وأكّدت نتائج الدراسة أن قوة الفتيات عادةً ما تكون في القراءة، في حين تكون قوة الأولاد عادةً في الرياضيات أو العلوم، ولاحظت الدراسة وجود هذه الأنماط عبر البلدان والأزمنة.

اختلافات أكاديمية برغم مساواة الجنسين

وكان الأمر الأكثر بروزاً هو أن الاختلافات بين الجنسين في القراءة والعلوم قوة أكاديمية تكون أكثر وضوحاً في البلدان ذات المساواة بين الجنسين، مثل فنلندا.

ومن ناحية أخرى، ظلت الاختلافات بين الجنسين في الرياضيات مستقرة، بغضّ النظر عن المساواة بين الجنسين على مستوى الدولة.

وفي بيان صحافي تلقّته «الشرق الأوسط»، ذكر الباحث الدكتور ماركو بالدوتشي من مركز أبحاث «INVEST» في الجامعة: «تشير هذه النتائج إلى أنه في المجتمعات الأكثر مساواةً بين الجنسين، قد تختار النساء مجالات أخرى غير العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، بناءً على قدراتهن في القراءة؛ لذا فإن زيادة حصة النساء في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات تتطلّب أكثر من مجرد تعزيز مهارات الرياضيات والعلوم للفتيات، أو تعزيز المساواة بين الجنسين».

مفارقة تتحدّى الاعتقاد السائد

وجاء في الدراسة الموسومة «مفارقة المساواة بين الجنسين في جوانب القدرة الأكاديمية الفردية: تحليل عبر الزمن»، إن الاكتشاف الذي يفيد بأن الاختلافات بين الجنسين في القدرات الأكاديمية في القراءة والعلوم أكبر في البلدان الإسكندنافية المساوية بين الجنسين مقارنةً بالدول الأكثر تقليديةً في الشرق الأوسط، والمعروفة باسم مفارقة المساواة بين الجنسين؛ يتحدى الاعتقاد السائد بأن الاختلافات بين الجنسين مدفوعة بشكل أساسي بضغوط التنشئة الاجتماعية.

ويضيف بالدوتشي: «الافتراض الشائع هو أنه مع تحسّن المساواة بين الجنسين، يجب أن تتلاشى الأدوار الجنسانية التقليدية، ما يؤدي إلى اختلافات جنسية أصغر، لكن هذا ليس ما وجدناه، بل وبدلاً من ذلك تتوافق نتائجنا مع الأبحاث الحديثة التي تُظهر أن الاختلافات بين الجنسين إما أن تظل كما هي، أو حتى تزداد مع المزيد من المساواة بين الجنسين».

ويلاحظ الأستاذ ديفيد جيري من جامعة ميسوري المشارك في الدراسة أن «الدول المساوية بين الجنسين والثرية والليبرالية توفر المزيد من الفرص، وتسمح بحرية أكبر في الاختيار، وفي هذه السياقات يتخذ الرجال والنساء قرارات مختلفة، ما يؤدي إلى اختلافات جنسية أكبر في مختلف مجالات الحياة، بما في ذلك مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات».

منح الفرص للفتيات الموهوبات

ويشجّع فريق البحث صُنّاع السياسات على إعطاء الأولوية لفرص الإرشاد للفتيات الموهوبات، حيث قد يزيد ذلك من احتمالية التحاقهن ببرنامج لدراسة علمية في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.

ومع ذلك، يضيف بالدوتشي أن «دراستنا تسلّط الضوء على أن تحقيق التكافؤ بين الأولاد والبنات قد يكون تحدياً، حيث تلعب العوامل الأوسع نطاقاً، مثل الاختلافات بين الجنسين في جوانب القدرة الأكاديمية، دوراً رئيسياً في تحديد الفوارق بين الجنسين بمجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات».

وتجدر الاشارة إلى أن جامعة توركو مؤسسة أكاديمية تضم 25 طالباً وموظفاً في جنوب غرب فنلندا.