بشر العصر الحجري اعتمدوا طريقة إنهاك الطريدة حتى اصطيادها

رسومات وجدت في كهف في سولاويزي بإندونيسيا تصور صيادا يطارد فريسته (رويترز)
رسومات وجدت في كهف في سولاويزي بإندونيسيا تصور صيادا يطارد فريسته (رويترز)
TT

بشر العصر الحجري اعتمدوا طريقة إنهاك الطريدة حتى اصطيادها

رسومات وجدت في كهف في سولاويزي بإندونيسيا تصور صيادا يطارد فريسته (رويترز)
رسومات وجدت في كهف في سولاويزي بإندونيسيا تصور صيادا يطارد فريسته (رويترز)

تَبيّن أن القدرة على التحمّل، وهي ميزة يتفرد بها البشر، وفّرت لهم خلال العصر الحجري القديم وسيلة إضافية لاصطياد الطرائد، وفقاً لدراسة استخدمت عدداً كبيراً من الروايات الإثنوغرافية التي كانت إلى اليوم متجاهَلَة.

وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، تزخر كتب التاريخ بالرسوم التوضيحية التي تُظهِر مجموعة من الرجال يكمنون للطريدة، يمسكون أوتاداً، ويتقدمون ببطء نحو الفريسة، أو ينتظرونها حول فخ.

لكنّ علماء الإثنوغرافيا رصدوا في بعض الروايات العائدة إلى القرن العشرين طريقة أخرى، وهي ما يُسمّى الصيد بالمثابرة، ويقوم على ملاحقة الطريدة حتى إنهاكها، وهي التقنية المعتمدة إلى اليوم في الصيد بواسطة كلاب الصيد.

لكنّ الباحثين كانوا يرون أن الاستعانة بهذه التقنية كان هامشياً ومحدوداً، على ما لاحظ أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة ترينت الكندية أوجين موران، وهو المُعدّ الأول للدراسة التي نُشرت الاثنين في مجلة «نيتشر هيومن بيهايفيور».

وأوضح موران لوكالة الصحافة الفرنسية أنه وجد خلال تفحّصه وثائق عرقية وتاريخية تعود إلى القرنين الخامس عشر والتاسع عشر الكثير من حالات الصيد التي تنطبق عليها مواصفات الصيد بالمثابرة.

وظهرت هذه الفرضية قبل 40 عاماً من خلال دراسة أجراها عالم الحيوان الأميركي ديفيد آر كارير، الذي شرح أن التطور وفّر على الأرجح خاصية حاسمة لأسلاف الإنسان، هي القدرة غير العادية على التعرق، وبالتالي على تبديد الحرارة الناتجة عن بذل الجهد البدني.

«القرد المتعرق»

ولهذا «القرد المتعرق» ميزة أخرى تتمثل في أن طبقة الشعر على جسمه رقيقة جداً مما يجعل العدّاء المشارك في سباق الماراثون مثلاً يتعرق أكثر من ثلاثة لترات من الماء في الساعة.

والبشر عدّاؤون متواضعو السرعة، إذ يستطيعون اجتياز عشرة أمتار في الثانية الواحدة، والحفاظ على هذه الوتيرة لمدة 20 ثانية، في حين أن الفهد يركض أسرع بثلاث مرات لبضع دقائق. لكنّ الفهد، مع أنه «أشبه بسيارة فيراري من دون مبرّد ويستطيع تالياً الركض بسرعة عالية جداً»، حسب البروفسور موران، فإنه «عاجز عن تصريف الحرارة» الداخلية.

وهذا الارتفاع في درجة الحرارة الداخلية يجبره في النهاية على التوقف عن الركض، ويدفع حيوانات «الجري» مثل الخيول أو الأيائل أو الظباء إلى أخذ قسط من الراحة لتبرد، في حين أن مُطاردها البشري لا يعاني مشكلة من هذا النوع.

وثمة ميزة أخرى لفت إليها علماء الأحياء وهي أن الجهاز العضلي الهيكلي يتكون في شكل أساسي من ألياف بطيئة، تلائم التحمل أكثر مما يُعرف بالألياف السريعة التي توفر الحيوية.

أما العنصر الأخير، فهو أن خصائص الأطراف السفلية للإنسان تحمل على الاعتقاد أن صفات التحمل لدى سلف الإنسان العاقل بدأت بالظهور قبل 1.8 مليون سنة.

ورأى غير المقتنعين بنظرية الصيد بالمثابرة أن تكلفة الطاقة الناجمة عنها غير متناسبة مع تلك المترتبة عن المشي. وقال موران إن «الجري أكثر تكلفة من المشي»، ولكن تُعَوَّض هذه التكلفة إلى حد كبير بالوقت الذي يتم توفيره. وفق ما يبيّن النموذج الحسابي الذي اعتمدته الدراسة.

«الركض من الصباح إلى المساء»

واستندت هذه الدراسة المهمة إلى مجموعة غير مسبوقة من المصادر العرقية والتاريخية.

وشرح موران أن «هذا النوع من الصيد كان معتمداً في كل مكان من العالم (...) وفي السياقات كافة (...) وعلى امتداد أكثر من فصل»، مشيراً إلى وجود نحو 400 رواية تنطبق على أكثر من 270 مكاناً في العالم، من القطب الشمالي إلى تشيلي، ومن أفريقيا إلى أوقيانوسيا.

ويروي هنود في نصٍّ يعود تاريخه إلى عام 1850، قصصاً عن أسلافهم يصفون فيها «صيد الأيائل عن طريق مطاردتها حتى الإرهاق بأحذية الثلوج»، حسبما أشارت إليه الدراسة. وتتناول إحدى روايات القرن السادس عشر طريقة الصيد التي اتَّبعها الأميركيون الأصليون في كواويتيكانز الذين كانوا يستطيعون «الركض من الصباح إلى المساء» خلف الغزلان «حتى إنهاك الطريدة».

وتتطرق قصة من بورنيو تعود لمنتصف القرن التاسع عشر إلى صيادين يستخدمون أساليب مماثلة.

ولم يتنبه علماء الأعراق كثيراً في الماضي إلى هذه الروايات، إذ في القرن التاسع عشر، عندما «بدأوا يحترفون» مهنتهم، حسب موران، أدى انتشار الأسلحة النارية إلى انقراض أسلوب الصيد بالمثابرة تقريباً. ولا تزال هذه الطريقة معتمَدة اليوم لدى بعض القبائل في بُتسوانا، إذ يستطيع أبناؤها مطاردة الظباء حتى الإنهاك.

وأوضح الباحث أنه تمكَّن من استخدام «مجموعة من المصادر التاريخية التي لم تسبق دراستها». وبفضل رقمنة الوثائق التي تتولاها مؤسسات عدة، تمكَّن من استخدام نحو ثمانية آلاف منها، يعود تاريخها إلى القرن الخامس عشر.

ويبقى السؤال قائماً عن دور الصيد بالمثابرة في تشكيل ضغط انتقائي على أسلاف الإنسان، مما جعلهم عدَّائي مسافات طويلة.


مقالات ذات صلة

معرض في سويسرا يحتضن آثار غزة: تدميرها المُتعمَّد «جريمة حرب»

يوميات الشرق الإرث مرايا الشعوب (أ.ف.ب)

معرض في سويسرا يحتضن آثار غزة: تدميرها المُتعمَّد «جريمة حرب»

أُحضرت هذه الآثار التي توضح جوانب من الحياة اليومية المدنية والدينية من العصر البرونزي إلى العصر العثماني، إلى جنيف ضمن معرض «غزة على مفترق طرق الحضارات».

«الشرق الأوسط» (جنيف)
يوميات الشرق أرشيفية من قمة العلا للآثار في 2023 (واس)

العلا تجمع علماء الآثار لبحث تراث المجتمعات المتنقلة عبر العصور

على أرض الحضارات تلتئم ندوة العلا للآثار جامعةً تحت سقفها مئات من الخبراء والمختصين في علم الآثار والتراث الثقافي من شتى دول العالم لتبادل خبراتهم العلمية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق وزير الخارجية المصري يتفقد القطع الأثرية بنيويورك قبل إرسالها إلى القاهرة (وزارة الخارجية المصرية)

مصر لاستقبال قطع فرعونية نادرة بعد إحباط بيعها في أميركا

تترقب مصر استقبال قطع آثار فرعونية «نادرة» أحبطت السلطات الأميركية بالتعاون مع نظيرتها في القاهرة محاولات لبيعها أخيراً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي الدكتور رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني خلال كلمته (سبأ)

اليمن يسترد 14 قطعة أثرية ثمينة تعود للحقبة القتبانية

في لحظة وصفت بـ«التاريخية»، أعلنت الحكومة اليمنية استرداد 14 قطعة أثرية ثمينة تعود للحقبة القتبانية، ووضعها بمتحف المتروبوليتان للفنون بمدينة نيويورك بشكل مؤقت…

عبد الهادي حبتور (الرياض)
يوميات الشرق دهشة الذكاء الاصطناعي (رويترز)

الذكاء الاصطناعي «نجم» رسوم عمرها 2000 عام في بيرو

تُعدّ خطوط نازكا، التي تعود إلى 2000 عام مضت، رسوم لنباتات وحيوانات، يمكن رؤيتها فقط من السماء. وقد أُعلنت ضمن مواقع التراث العالمي لـ«يونيسكو» عام 1994.

«الشرق الأوسط» (بوينس آيرس)

استطلاع «إتش بي»: الذكاء الاصطناعي يعزز الإبداع

استطلاع «إتش بي»: الذكاء الاصطناعي يعزز الإبداع
TT

استطلاع «إتش بي»: الذكاء الاصطناعي يعزز الإبداع

استطلاع «إتش بي»: الذكاء الاصطناعي يعزز الإبداع

يبدو أن الأشخاص الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي في المكتب لديهم علاقة «أكثر صحية» بعملهم، مقارنة بأولئك الذين لا يستخدمون الذكاء الاصطناعي على الإطلاق، وفقاً لمسح لشركة «إتش بي» HP للكومبيوترات شمل 15600 من العاملين.

تقرير «إتش بي» الجديد

عاملو المعرفة سعداء مع الذكاء الاصطناعي

وأفادت الشركة في أحدث تقرير لها حول مؤشر علاقة العمل (لدى الموظفين): بأن «العاملين في مجال المعرفة الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي هم أكثر سعادة بعلاقتهم بالعمل بمقدار +11 نقطة من زملائهم الذين لا يستخدمونه»، وهذا يمثل زيادة بنقطة واحدة مقارنة بعام 2023.

ووجدت الدراسة أيضاً أن 90 في المائة من مستخدمي الذكاء الاصطناعي الذين شملهم الاستطلاع يقولون إن هذه الأدوات ساعدتهم في توفير المزيد من الوقت، بينما يقول 85 في المائة إن الأدوات ساعدتهم في تخصيص المزيد من الوقت للمهام المهمة والضرورية.

وأفاد 84 في المائة بأن الذكاء الاصطناعي ساعدهم على أن يكونوا أكثر إبداعاً، بينما قال 83 في المائة إن مثل هذه الخدمات ساعدتهم في إيجاد المتعة في عملهم. وفي الوقت نفسه، ذكر ما يقرب من 68 في المائة من العمال الذين لديهم معرفة بالذكاء الاصطناعي أن الأدوات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي ساعدت في فتح فرص جديدة لهم للاستمتاع بعملهم.

مخاوف من التسريح

ووجد تقرير «مؤشر علاقة العمل لعام 2024» 2024 HP Work Relationship Index، الذي جاء حصيلة الدراسة العالمية السنوية الثانية للشركة، أنه بينما يستخدم بعض الموظفين أدوات الذكاء الاصطناعي لتحسين حياتهم المهنية، يشعر الكثيرون بالقلق بشأن الجوانب السلبية لظهور الذكاء الاصطناعي في مكان العمل، بما في ذلك دوره في تسريح العاملين.

ويشير الخبراء إلى أن زيادة الأتمتة وأدوات دعم القرار، ستقلل من أهمية التفاعلات البشرية وحجمها؛ ما يؤدي إلى مخاطر تتمثل في المعاناة من قلة العلاقات الشخصية أو استبدالها بالذكاء الاصطناعي.

توسع استخدام الذكاء الاصطناعي

وأضاف تقرير «إتش بي» أن نحو ثلثي العمال الذين شملهم الاستطلاع أعربوا عن رغبتهم في الحصول على مزيد من الوصول إلى التكنولوجيا المفضلة لديهم في العمل، واختبار: تجارب العمل الشخصية، ومساحات العمل المصممة خصيصاً، وبيئات العمل المرنة.

مهارات أعلى لدى القائدات النساء

ويرغب ما لا يقل عن ثلثي العاملين بمجال المعرفة في الحصول على تجارب عمل مخصصة؛ وقال 87 في المائة منهم إنهم على استعداد للتنازل عن جزء من رواتبهم للحصول عليها.

وارتفع استخدام الذكاء الاصطناعي بين الأفراد الذين هم على دراية بالأدوات إلى 66 في المائة هذا العام، مقارنة بـ38 في المائة العام الماضي، وفقاً للشركة.

وأخيراً، ذكر التقرير أن 44 في المائة فقط من القادة لديهم ثقة في مهاراتهم البشرية؛ بينما تتمتع قائدات الأعمال بثقة أكبر بكثير من القادة الذكور.