الجينات الطويلة قد تلعب دوراً حاسماً في عملية الشيخوخة

بسبب قلة التعبير الجيني لإنتاج البروتينات اللازمة

الجينات الطويلة قد تلعب دوراً حاسماً في عملية الشيخوخة
TT

الجينات الطويلة قد تلعب دوراً حاسماً في عملية الشيخوخة

الجينات الطويلة قد تلعب دوراً حاسماً في عملية الشيخوخة

أفادت دراسة حديثة بأن الشيخوخة قد لا تتعلق بـ«جينات الشيخوخة» المحددة بقدر ما تتعلق بطول الجينات، حيث إن الانخفاض في «التعبير عن الجينات» الطويلة مع تقدم العمر يمكن أن يكون عاملاً مهماً يسهم في الشيخوخة الشاملة في مختلف الكائنات الحية، بما في ذلك البشر.

وقد لُوحظت هذه الظاهرة في الأنواع المختلفة من الكائنات وأنواع مختلفة من الخلايا، وترتبط بالتغيرات على المستويات الجزيئية والخلوية وأعضاء الجسم التي تظهر عادة أثناء الشيخوخة.

تراكم الضرر الجيني

يقول الباحثون الذين يتألفون من أربع مجموعات بحثية من إسبانيا وهولندا وألمانيا والولايات المتحدة في مقال نُشر في 21 مارس (آذار) 2024 في مجلة «Trends in Genetics»، إن الجينات الطويلة أكثر عرضةً للتلف بمرور الوقت ربما بسبب العدد الأكبر من المواقع المحتملة لتراكم الضرر فيها. ويمكن أن تؤدي هذه القابلية للتلف إلى تغيرات جزيئية وخلوية مرتبطة بالشيخوخة مثل تغير إنتاج البروتين واستقلاب الخلايا دون المستوى الأمثل وهندسة الأنسجة المعرضة للخطر.

من الجدير بالذكر أن الخلايا التي لا تنقسم بشكل متكرر والخلايا التي تعبر عن جينات طويلة معرضة بشكل خاص لهذه الظاهرة، وهو ما قد يفسر سبب كون بعض الأنسجة مثل الخلايا العصبية أكثر عرضة للتغيرات المرتبطة بالشيخوخة.

وتسلط الدراسة الضوء أيضاً على العلاقة بين انخفاض التعبير الجيني الطويل وبين التنكس العصبي، ما يشير إلى أن هذه الظاهرة قد تساهم في أمراض التنكس العصبي المرتبطة بالعمر مثل مرض ألزهايمر.

ومن جهة أخرى يذكر المؤلفون أن العوامل المعروفة المضادة للشيخوخة مثل القيود الغذائية يمكن أن تخفف من انخفاض التعبير الجيني الطويل، وبالتالي ربما تبطئ عملية الشيخوخة، حيث يمكن أن يكون للقيود الغذائية معانٍ مختلفة اعتماداً على السياق.

وبشكل عام يشير مصطلح القيود الغذائية هذا إلى عمليات الحد من، أو تجنب، بعض الأطعمة أو العناصر الغذائية لأسباب مختلفة. وتعتمد بعض القيود الغذائية الشائعة على التفضيلات الدينية أو الأخلاقية أو الصحية أو الشخصية. وعلى سبيل المثال، تعد الأنظمة الغذائية النباتية أو الخالية من الغلوتين أواللاكتوز أو منخفضة الصوديوم بعضاً من القيود الغذائية التي قد يتبعها الأشخاص. ومع ذلك يمكن أن يكون التقييد الغذائي أيضاً علامة على اضطراب في الأكل مثل فقدان الشهية أو الشره المرضي عندما يتضمن نقصاً شديداً أو قهرياً في تناول الطعام.

الجينات الطويلة

غالباً ما ترتبط الجينات الطويلة بوظائف مهمة خلال مراحل التطور المبكرة، وقد تلعب دوراً في العمليات الحاسمة للنمو والتمايز. وتشمل أمثلة الجينات الأطول تلك التي يتم التعبير عنها في الدماغ، لها دور في أمراض القلب والسرطان. أما الجينات القصيرة فغالباً ما تشارك في وظائف مهمة طوال الحياة مثل الجهاز المناعي وفي العمليات التي تتطلب استجابات سريعة على سبيل المثال تلعب دوراً في نمو الجلد وتساهم في الصحة العامة.

إن فهم هذه الاختلافات يمكن أن يوفر نظرة ثاقبة حول الشيخوخة والطرق المحتملة لمواجهة عملية الشيخوخة، وعادة ما تصبح الجينات الأطول أقل نشاطاً مع التقدم في السن، بينما تصبح الجينات الأقصر أكثر نشاطاً. إنه أمر مدهش كيف يؤثر التركيب الجيني على صحة ورفاهية البشر.

التعبير الجيني

التعبير الجيني عملية أساسية في علم الأحياء تتضمن تحويل المعلومات الجينية المشفرة في الحامض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (DNA) إلى بروتينات وظيفية أو جزيئات الحامض النووي الريبي (RNA)، وكذلك تلعب دوراً حاسماً في تحديد سمات الكائن الحي وتطوره واستجابته لبيئته.

ويتكون الحامض النووي في البشر من جينات يمكن أن تختلف هذه الجينات بشكل كبير في الحجم، إذ يمكن أن تكون الجينات قصيرةً بقدر بضع مئات من الجزيئات المعروفة بالقواعد النتروجينية، أو طويلة بقدر مليوني قاعدة نتروجينية. وتحمل هذه الجينات تعليمات لبناء البروتينات وغيرها من المعلومات الأساسية اللازمة للحفاظ على عمل جسم الإنسان.

العوامل المؤثرة على الشيخوخة

إن العديد من الجينات المشاركة في منع تراكم البروتين في مرض ألزهايمر طويلة بشكل استثنائي، وكذلك فإن مرضى سرطان الأطفال الذين يتم شفاؤهم عن طريق العلاج الكيميائي المدمر للحامض النووي يعانون لاحقاً من الشيخوخة المبكرة والتنكس العصبي.

ويتكهن المؤلفون بأن الضرر الذي يلحق بالجينات الطويلة يمكن أن يفسر معظم سمات الشيخوخة لأنه يرتبط بمسرّعات الشيخوخة المعروفة. ولأنه يمكن تخفيفه باستخدام علاجات معروفة مضادة للشيخوخة مثل تقييد النظام الغذائي الذي ثبت أنه يحد من تلف الحامض النووي. ويضيف المؤلف المشارك توماس ستويجر من كلية فاينبرغ جامعة نورث وسترن شيكاغو بولاية إلينوي الأمريكية بأن العديد من الأشياء المختلفة المعروفة بتأثيرها على تسريع الشيخوخة مثل أنواع التعرض للإشعاع، خصوصاً الأشعة فوق البنفسجية، والتدخين والكحول والنظام الغذائي السيئ والإجهاد التأكسدي، كلها تؤثر بدورها على اختلال عمل الجينات الطويلة.

وفي حين أن الارتباط بين انخفاض التعبير الجيني الطويل والشيخوخة قوي، فإن الباحثين يعترفون بأن الأدلة السببية التي تربط بين الاثنين تحتاج إلى مزيد من البحث. وسوف تتعمق الدراسات المستقبلية في الآليات الكامنة وراء هذه الظاهرة وآثارها التطورية ودورها المحدد في التنكس العصبي. وبشكل عام يتحدى هذا البحث التركيز التقليدي على جينات محددة مرتبطة بالشيخوخة، ويشير إلى أن طول الجينات وقابليتها للتلف قد يلعبان دوراً حاسماً في عملية الشيخوخة عبر طيف كبير من الكائنات الحية وأنواع الخلايا المختلفة.


مقالات ذات صلة

فيروس الهربس قد يزيد خطر الإصابة بألزهايمر

صحتك فحوص تصوير مقطعي لشخص مصاب بألزهايمر (رويترز)

فيروس الهربس قد يزيد خطر الإصابة بألزهايمر

كشفت دراسة جديدة عن أن مرض ألزهايمر قد يكون ناجماً في بعض الأحيان عن فيروس الهربس الذي ينتقل من الأمعاء إلى الدماغ.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك أحد حمامات الصين (أرشيفية - أ.ف.ب)

كم مرة يجب عليك التبول يومياً وفقاً للخبراء؟

هل هناك عدد محدَّد لمرات التبول في اليوم؟ وماذا ينصح الخبراء الصحيون في هذا الأمر؟

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك تتم إزالة اللوزتين جراحياً لمئات الآلاف من الأطفال حول العالم كل عام (رويترز)

استئصال اللوزتين قد يزيد فرص إصابتك بالاضطرابات العقلية

كشفت دراسة جديدة أن استئصال اللوزتين يمكن أن يزيد من خطر إصابة المريض باضطرابات عقلية في وقت لاحق من الحياة.

«الشرق الأوسط» (بكين)
صحتك مسافرون  بمطار هامبورج، مع بدء إجازة عيد الميلاد (د.ب.أ)

نشاط واحد قد يعزز من صحة عقلك بشكل كبير... ما هو؟

الخبراء يقولون إن هناك ترابطاً بين الإجازات والفوائد الصحية المؤثرة على صحتك الإدراكية والعقلية، إليك كيف يمكن للسفر أن يحسِّن من صحة دماغك.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق الثقة هي الأساس لأي علاقة ذات مغزى وتعمل كأساس حيوي يعزز الألفة والارتباط العاطفي (رويترز)

نصائح للتحكم في النفس بنجاح

قدَّم موقع «سيكولوجي توداي» نصائح للتحكُّم في النفس؛ حيث قال إن التحكم في النفس يشير إلى مقاومة الرغبات

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الثقب الأسود الهائل في مجرّة درب التبانة ليس مدمّراً بقدر ما كان يُعتقد

مجرّة درب التبانة (د.ب.أ)
مجرّة درب التبانة (د.ب.أ)
TT

الثقب الأسود الهائل في مجرّة درب التبانة ليس مدمّراً بقدر ما كان يُعتقد

مجرّة درب التبانة (د.ب.أ)
مجرّة درب التبانة (د.ب.أ)

اكتشف فريق من الباحثين أقرب نجم ثنائي يُرصد على الإطلاق حول الثقب الأسود الهائل الموجود في مركز المجرّة التي ينتمي إليها كوكب الأرض؛ ما يشير إلى أن هذا الثقب ليس مدمّراً بقدر ما كان يُعتقد. وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وأنظمة النجوم الثنائية المؤلفة من نجمين يدور أحدهما حول الآخر شائعة جداً في الكون وتشكل 50 في المائة من النجوم في مجرّة درب التبانة.

لكن في مركز مجرّة درب التبانة، حيث يقع الثقب الأسود الهائل «ساجيتاريوس إيه»، لا يتجاوز عدد هذه النجوم الثنائية عدد «أصابع اليد الواحدة»؛ إذ رُصدَت حتى الآن في هذا الموقع خمسة أنظمة مزدوجة فحسب، وفق ما شرحت عالمة الفيزياء الفلكية في جامعة كولونيا الألمانية إيما بوردييه التي شاركت في إعداد الدراسة المنشورة الثلاثاء في مجلة «نيتشر كوميونيكيشنز».

وأضافت الباحثة أن هذه المنطقة تُعَدّ «واحدة من أكثر المناطق تطرفاً» في درب التبّانة؛ إذ إن «تأثير الجاذبية الضخم للثقب الأسود الهائل يؤدي إلى مدارات نجمية شديدة الانحراف وعالية السرعة، بالإضافة إلى قوى مدّ وجزر من شأنها تعطيل الأنظمة الثنائية المحتمل وجودها وتدميرها».

ويُظهر اكتشاف النجم الثنائي أن الثقوب السوداء بهذا الحجم «ليست مدمرة بقدر» ما كان يُعتقَد، وفق ما نقله بيان للمرصد الجنوبي الأوروبي عن المُعدّ الرئيسي للدراسة فلوريان بيسكر (جامعة كولونيا).

ويقع هذا النظام المزدوج المسمى «دي 9» في مجموعة كثيفة من النجوم والأجسام الأخرى التي تدور حول «ساجيتاريوس ايه» وتسمى «الكتلة إس». وخلال أقرب مرور له، كان على بعد 0.12 سنة ضوئية فقط من الثقب الأسود.

وبالمقارنة، فإن «بروكسيما سنتوري»، أقرب نجم إلى الشمس، تفوق بأربعين مرة المسافة الفاصلة بين النجم «دي 9» و«ساجيتاريوس إيه».

وأشار المعدّ المشارك للدراسة الباحث في جامعة ماساريك (جمهورية التشيك) وجامعة كولونيا ميشال زاجاتشيك إلى أن نظام «دي 9» يُظهر «علامات واضحة على وجود الغاز والغبار بالقرب من النجوم (...)؛ ما يشير إلى أنه من الممكن أن يكون نظاماً نجمياً صغيراً جداً تشكّلَ بالقرب من الثقب الأسود الهائل».

ورجّح فرق الباحثين أن يكون عمر «دي 9» 2.7 مليون سنة فحسب، وأن تؤدي قوة جاذبية الثقب الأسود إلى اندماجه في نجم واحد خلال مليون سنة فقط.

والحداثة النسبية لعمر النجم تجعله فريداً من نوعه إلى حد ما، في حين أن الأنظمة المزدوجة الخمسة الأخرى المكتشفة حتى الآن هي نجوم ضخمة، بل ضخمة جداً، وأكثر تطوراً.

ويعتقد العلماء أن الظروف القاسية بالقرب من الثقب الأسود تمنع النجوم الجديدة من التشكل، وأن النجوم الموجودة هناك تشكلت في مناطق أكثر ملاءمة قبل أن تهاجر خلال حياتها إلى مركز المجرّة.

إلا أن اكتشاف نجم ثنائي حديث العمر «يُظهر مجدداً أن كل شيء ممكن حول ثقب أسود هائل»، بحسب بوردييه.