كيف يؤثر تغير المناخ في تدفق الأنهار حول العالم؟

مع الارتفاع المستمر لدرجات الحرارة

لقطة جوية لوادي نهر النيل (رويترز)
لقطة جوية لوادي نهر النيل (رويترز)
TT

كيف يؤثر تغير المناخ في تدفق الأنهار حول العالم؟

لقطة جوية لوادي نهر النيل (رويترز)
لقطة جوية لوادي نهر النيل (رويترز)

تختلف أنماط تدفق الأنهار باختلاف المواسم، وهي دورة تلعب دوراً حاسماً في الفيضانات والجفاف، والأمن المائي، وصحة التنوع البيولوجي والنظم البيئية في جميع أنحاء العالم.

وكشفت دراسة دولية عن أن تغير المناخ يعطل التدفق الموسمي للأنهار، خصوصاً عند خطوط العرض الشمالية المرتفعة لأميركا وروسيا وأوروبا، ويشكل تهديداً للأمن المائي والنظم البيئية. ويأتي هذا التهديد بشكل مستقل عن التأثيرات البشرية الأخرى التي تؤثر في تدفق الأنهار، كما يحدث في قارة أفريقيا، وعلى رأسها استخراج المياه الجوفية وبناء السدود وتحويل مجرى الأنهار.

تغييرات موسمية

ويُظهر الكثير من الأنهار حول العالم تغيرات موسمية في تدفقها، إذ تختلف كمية المياه المتدفقة خلال السنة تبعاً لظروف مناخية محددة مثل هطول الأمطار وذوبان الجليد والتبخر. ففي نهر النيل، على سبيل المثال يزداد التدفق بشكل كبير خلال فصل الصيف بسبب ذوبان الثلوج في مرتفعات إثيوبيا، فيما يزداد تدفق نهر الأمازون خلال فصل الشتاء بسبب هطول الأمطار الغزيرة في حوض الأمازون. أما نهر المسيسيبي فيزداد تدفق المياه فيه، خلال فصل الربيع بسبب ذوبان الجليد في شمال الولايات المتحدة.

وحلّل فريق من العلماء بقيادة جامعة «ليدز» البريطانية وبالتعاون مع الجامعة الجنوبية للعلوم والتكنولوجيا في الصين، البيانات التاريخية من محطات قياس الأنهار في جميع أنحاء العالم، في الفترة من عام 1965 إلى عام 2014.

واكتشف الباحثون، في دراسة نُشرت في العدد الأخير من دورية «ساينس»، أن ما يقرب من 21 في المائة من محطات قياس الأنهار طويلة المدى التقطت تغييرات كبيرة في التدفق الموسمي في جميع أنحاء العالم، وكانت فترات التدفق المنخفض هي الأكثر تأثراً.

علاوة على ذلك، كشفت النتائج عن ضعف ملحوظ في الدورة الموسمية لتدفق الأنهار في خطوط العرض العليا الشمالية فوق 50 درجة شمالاً، والذي يمكن أن يُعزى بشكل مباشر إلى تغير المناخ.

تغيُّر المناخ وتدفق الأنهار

ولأول مرة على الإطلاق، تمكن الباحثون من استبعاد التدخلات البشرية المباشرة مثل إدارة الخزانات أو استخراج المياه، لإظهار أن الانخفاض واسع النطاق في موسمية تدفق الأنهار كان مدفوعاً بتغير المناخ.

وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط، قالت الباحثة الرئيسية للدراسة، هونغ وانغ، باحثة دكتوراه في جامعة «ليدز» و«الجامعة الجنوبية للعلوم والتكنولوجيا» في الصين: «يُظهر بحثنا أن ارتفاع درجات حرارة الهواء، الذي من المحتمل أن يكون بسبب الأنشطة البشرية، يؤدي إلى الضعف الملحوظ في موسمية تدفق الأنهار».

وأضافت أن هذه النتيجة تشير إلى «انخفاض مستمر وكبير في موسمية تدفق الأنهار إذا استمرت درجات حرارة الهواء في الارتفاع. لذلك نحن ندعو إلى اتخاذ تدابير للتخفيف من آثار تغير المناخ، فهذه هي الطرق الأكثر مباشرةً لإبطاء ضعف موسمية تدفق الأنهار».

وعن أكثر المناطق تأثراً بالتغيرات في أنماط التدفق الموسمي، أوضحت أن الدراسة ترصد مناطق معينة، هي روسيا الأوروبية والدول الاسكندنافية وكندا، معرَّضة بشكل خاص للتغيرات في أنماط التدفق الموسمي، لأن تغير المناخ الناجم عن الإنسان يزيد من تعقيد ممارسات إدارة المياه على سبيل المثال، الخزانات الكبيرة، مما يؤدي إلى تفاقم تثبيط موسمية تدفق الأنهار.

وأشارت وانغ إلى أن الأنهار المرتبطة بتغيرات الغلاف الجليدي، مثل الاستنفاد المبكر للثلوج، وفقدان الأنهار الجليدية، وتدهور التربة الصقيعية، وزيادة نسبة هطول الأمطار، وفترات التجمد القصيرة، تظهر بوصفها الأنهار الأكثر عرضة للخطر.

لكن في المقابل، تُظهر أنهار قارة أفريقيا وفي مقدمتها نهر النيل، التي تقع في المنطقة الاستوائية وشبه الاستوائية، نوعاً مختلفاً من الضعف، حيث ترتبط التغيرات الموسمية لتدفق الأنهار بشكل أوثق بأنظمة التدفق وممارسات الاستخدام البشري للمياه.

تأثيرات محتملة

وعن التأثيرات المحتملة، نوهت وانغ إلى أن تغير موسمية تدفق الأنهار يمكن أن يؤدي إلى تغيرات في توافر المياه عبر المواسم، مع احتمال نقص المياه أو فائضها في بعض الأشهر. وقد يؤثر ذلك في قدرة المجتمعات على تلبية احتياجاتها من المياه لأغراض الزراعة والصناعة والاستخدام المنزلي، خصوصاً خلال مواسم ذروة الطلب على المياه.

وفيما يتعلق بالتدابير التي يمكن اتخاذها للتخفيف من الآثار السلبية لتغير موسمية تدفق الأنهار على النظم البيئية والمجتمعات البشرية، قالت وانغ إن الأمر يتعلق بتدابير التكيف مع المناخ. وتتمثل إحدى الطرق في الحفاظ على النظم البيئية الطبيعية واستعادتها مثل الأراضي الرطبة والغابات، لأنها تلعب دوراً حاسماً في تنظيم تدفق المياه، ومنع التآكل، والحفاظ على التنوع البيولوجي، كما تعمل هذه النُّظُم البيئية كحواجز طبيعية ضد الأحداث المتطرفة.

ووفق الدراسة، جرى بالفعل تغيير تدفق أكثر من ثلثي أنهار العالم من البشر حتى دون النظر في التأثيرات غير المباشرة للزيادات في غازات الدفيئة والهباء الجوي.

وتلعب موسمية تدفق الأنهار دوراً حاسماً في الدورة المتوقعة للفيضانات والجفاف. ويمكن أن يؤدي التذبذب في تدفق الأنهار إلى تهديد الأمن المائي والتنوع البيولوجي للمياه العذبة. على سبيل المثال، قد يتدفق بسرعة جزء كبير من المياه الذائبة المبكرة الناتجة عن استنفاد كتل الثلوج إلى المحيطات، وبالتالي لا تكون متاحة للاستخدام البشري. كما يمكن أن يكون لضعف موسمية تدفق الأنهار، على سبيل المثال بسبب انخفاض مستويات الأنهار في الربيع وأوائل الصيف في مناطق ذوبان الثلوج، تأثير أيضاً في الغطاء النباتي على ضفة النهر والكائنات الحية التي تعيش في النهر نفسه.

تأثير الإنسان في تدفق النهر

وإلى جانب تغير المناخ، تعمل الأنشطة البشرية على تغيير أنماط تدفق الأنهار في جميع أنحاء العالم، سواء بشكل مباشر من خلال تنظيم استخراج المياه الجوفية، أو بشكل غير مباشر من خلال تغير استخدام الأراضي عبر توسع المدن والبلدات على حساب الأراضي الزراعية أو الغابات، وتأثيرات تغير المناخ في درجة حرارة الهواء، وهطول الأمطار، ورطوبة التربة، وذوبان الثلوج.

ويمكن تقليل التأثيرات السلبية للأنشطة البشرية في تدفق الأنهار من خلال تدابير أبرزها، تقليل استهلاك المياه من خلال استخدام طرق الري الحديثة وإصلاح تسريبات المياه، ومعالجة مياه الصرف الصحي قبل تصريفها في الأنهار، واستخدام تقنيات صديقة للبيئة في الزراعة والصناعة، وحماية الغابات من التلوث والحرائق.



نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»
TT

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

توصَّل باحثون في «مركز علوم الحياة بجامعة» فيلنيوس في ليتوانيا، إلى اكتشاف طريقة جديدة رائدة في مجال البحث الجيني تسمح بإسكات (أو إيقاف عمل) جينات معينة دون إجراء قطع دائم للحمض النووي (دي إن إيه).

وتُقدِّم الدراسة مساراً جديداً محتملاً لتعديل الجينات بشكل أكثر أماناً يشبه الضغط على زر «إيقاف مؤقت» على التعليمات الجينية داخل الخلايا.

آلية عمل نظام «كريسبر» الجديد

اكتشف فريق البروفسور باتريك باوش من معهد الشراكة لتقنيات تحرير الجينوم بمركز العلوم الحياتية في جامعة فيلنيوس بليتوانيا، بالتعاون مع خبراء دوليين في البحث المنشور في مجلة «Nature Communications» في 29 أكتوبر (تشرين الأول) 2024، نظاماً جديداً مختلفاً للتعديل الجيني.

وعلى عكس نظام «كريسبر كاس9 (CRISPR-Cas9)»، المعروف الذي اشتهر بقدرته على قطع الحمض النووي (DNA)، يعمل نظام «كريسبر» من النوع «آي في إيه» (IV-A CRISPR) بشكل مختلف، حيث يستخدم مركباً موجهاً بالحمض النووي الريبي لإسكات الجينات دون انشقاق خيوط الحمض النووي «دي إن إيه (DNA)».

كما يستخدم النظام الجديد مركباً مؤثراً يجنِّد إنزيماً يُعرف باسم «دين جي (DinG)». ويعمل هذا الإنزيم عن طريق التحرك على طول خيط الحمض النووي (DNA)، وتسهيل إسكات الجينات من خلال عملية غير جراحية.

تقنية «كريسبر-كاس9» للقص الجيني

هي أداة تعمل كمقص جزيئي لقص تسلسلات معينة من الحمض النووي (دي إن إيه). وتستخدم الحمض النووي الريبي الموجه للعثور على الحمض النووي المستهدف. و«كاس9» هو البروتين الذي يقوم بالقص، وهذا ما يسمح للعلماء بتعديل الجينات عن طريق إضافة أو إزالة أو تغيير أجزاء من الحمض النووي، وهو ما قد يساعد على علاج الأمراض الوراثية، وتعزيز الأبحاث.

** آفاق جديدة لتعديل الجينات بشكل أكثر أماناً وغير جراحي

بروتينات وحلقات

يستخدم نظام «كريسبر» من النوع «IV-A» بروتينين مهمين، هما «Cas8»، و«Cas5» للعثور على بقع محددة على الحمض النووي (DNA). ويبحث هذان البروتينان عن تسلسل قصير من الحمض النووي بجوار المنطقة المستهدفة التي تتطابق مع دليل الحمض النووي الريبي. وبمجرد العثور عليه يبدآن في فك الحمض النووي وإنشاء هياكل تسمى حلقات «آر (R)».

وحلقات «آر» هي الأماكن التي يلتصق فيها الحمض النووي الريبي بخيط واحد من الحمض النووي (DNA)، وتعمل بوصفها إشارةً للنظام لبدء إيقاف أو إسكات الجين.

وكما أوضح البروفسور باوش، فإن «آر» في حلقة «R» تعني الحمض النووي الريبي. وهذه الهياكل أساسية لأنها تخبر النظام متى وأين يبدأ العمل. ولكي تكون حلقات «آر» مستقرةً وفعالةً يجب أن يتطابق الحمض النووي، ودليل الحمض النووي الريبي بشكل صحيح.

وظيفة إنزيم «دين جي»

يساعد إنزيم «DinG» نظام «كريسبر» على العمل بشكل أفضل من خلال فك خيوط الحمض النووي (DNA). وهذا يجعل من الأسهل على النظام التأثير على قسم أكبر من هذا الحمض النووي، ما يجعل عملية إسكات الجينات أكثر فعالية وتستمر لفترة أطول.

وأشار البروفسور باوش إلى أنه نظراً لأن إنزيم «DinG» يمكنه تغيير كيفية التعبير عن الجينات دون قطع الحمض النووي، فقد يؤدي ذلك إلى تطوير أدوات وراثية أكثر أماناً في المستقبل.

تطبيقات محتملة لتخفيف تلف الحمض النووي

يحمل الاكتشاف إمكانات هائلة لتحرير الجينوم والبحث في المستقبل، إذ يمكن أن تخفف الطبيعة غير القاطعة لهذه الطريقة من المخاطر المرتبطة بتلف الحمض النووي( DNA). وهو مصدر قلق عند توظيف تقنيات تحرير الجينات الحالية.

ومن خلال تمكين تعديل الجينات دون إحداث تغييرات دائمة في الحمض النووي( DNA) يمكن أن يكون هذا النهج الجديد مفيداً بشكل خاص في التطبيقات السريرية مثل العلاج الجيني للاضطرابات الوراثية. كما أن القدرة الفريدة لهذا النظام على عبور الحمض النووي دون إجراء قطع، أمر مثير للاهتمام لتطبيقات تحرير الجينات المتقدمة.

الدقة والسلامة

ويعتقد فريق البحث بأن هذه الطريقة يمكن أن تزوِّد العلماء وخبراء التكنولوجيا الحيوية بأدوات أكثر دقة لدراسة وظائف الجينات وتصحيح التشوهات الجينية بطريقة خاضعة للرقابة.

ويمثل الاكتشاف تقدماً كبيراً في مجال البحث الجيني؛ حيث يفتح نظام «كريسبر» من النوع «IV-A» آفاقاً جديدة لتعديل الجينات بشكل أكثر أماناً وغير جراحي، ويمكن أن تحدث هذه الطريقة ثورةً في كيفية دراسة الأمراض الوراثية وعلاجها، مع التركيز على الدقة والسلامة.