أقمار اصطناعية يابانية من الخشب

لتأمين بيئة فضائية أقل تلوثاً

نموذج اولي بقمؤ اصطناعي مكعب من الخشب
نموذج اولي بقمؤ اصطناعي مكعب من الخشب
TT

أقمار اصطناعية يابانية من الخشب

نموذج اولي بقمؤ اصطناعي مكعب من الخشب
نموذج اولي بقمؤ اصطناعي مكعب من الخشب

هناك ما يقرب من 10 آلاف قمر اصطناعي يدور حول الأرض، معظمها مصنوع من الألمنيوم. وقد كان هذا المعدن هو المادة المستخدمة في تصميم الطيران لسنوات كثيرة؛ لأنه خفيف الوزن ومتوفر بكثرة، ويمكن دمجه مع معادن أخرى ليصبح متيناً بشكل لا يصدق.

بيئة فضائية ملوثة

ولكن هذه التصاميم تُشكل مشكلة بيئية، إذ وعندما تحترق المركبات الفضائية المصنوعة من الألمنيوم في الغلاف الجوي، فإنها تترك وراءها دقائق صغيرة يمكن أن تلحق الضرر بطبقة الأوزون للأرض.

وبحلول عام 2030، يُتوقع أن يكون هناك أكثر من 60 ألف قمر اصطناعي جديد في المدار، سيكون الكثير منها عبارة عن أقمار اصطناعية ذات مدار أرضي منخفض تعمل لمدة خمس سنوات تقريباً قبل أن تتبخر عند العودة إلى الغلاف الجوي.

لذا بدأ العلماء يشعرون بالتوتر، ففي نهاية المطاف، هناك سبب وراء تسمية طبقة الأوزون بـ«الدرع الشمسية الطبيعية في العالم»؛ إذ ومن دونها، سنتعرض جميعاً لمستويات خطيرة من الأشعة فوق البنفسجية.

أقمار يابانية من الخشب

لأن هناك أملاً ضئيلاً في إبطاء انتشار الأقمار الاصطناعية، فسيكون من المستحيل تقريباً أن نبعد أنفسنا عن هذه المركبات الفضائية التي تجعل حياتنا الحديثة ذات التقنية العالية ممكنة، ولكن ماذا لو صنعنا الأقمار الاصطناعية من الخشب بدلاً من المعدن؟

هذه هي الفكرة التي اقترحها فريق من الباحثين من جامعة كيوتو اليابانية، فقد صمموا قمراً اصطناعياً خشبياً صغيراً، يعتقدون أنه يمكن أن يكون بديلاً صديقاً للبيئة أكثر من الأقمار الاصطناعية المصنوعة من الألمنيوم المستخدمة اليوم. وهم يخططون لوضع واحد في المدار في وقت لاحق من هذا العام. ولكن يُطرح السؤال التالي: هل يبدو الخشب منافساً واضحاً لمواد المركبات الفضائية أم أنه على العكس من ذلك يبدو خطيراً تماماً؟ لأنه يتعرض للاشتعال والتكسر، وحتى للتآكل.

وقد صرح كوجي موراتا، الباحث في جامعة كيوتو الذي يقود المبادرة، لوسائل إعلام أميركية: «عندما يستخدم الخشب على الأرض، فإنه يواجه مشاكل الاحتراق والتآكل والتشوه، لكن في الفضاء لا يواجه هذه المشاكل؛ إذ لا يوجد أكسجين في الفضاء، لذا فإنه لا يحترق، ولا تعيش في الفضاء كائنات حية، لذا فإنه لا يتآكل».

بدأ موراتا وفريقه مشروع «LignoStella Space Wood» في عام 2020، بالشراكة مع شركة بناء تدعى «ساميتومو فوريستري» في البحث عن أفضل الأخشاب لإرسالها إلى الفضاء، وقرروا إجراء اختبار على ثلاثة أنواع: خشب بتولا إيرمان، والكرز الياباني، ونبات الماغنوليا.

اختبارات في محطة الفضاء

وفي عام 2021، وصلت عينات الخشب إلى محطة الفضاء الدولية، حيث أمضت 290 يوماً في وحدة التجارب اليابانية «كيبو»، وتعرضت لدرجات حرارة شديدة، و«أشعة كونية شديدة ودقائق شمسية خطيرة».

وقال موراتا: «لقد أذهلتنا قدرة الأخشاب على تحمل هذه الظروف». وعلى الرغم من قضاء ما يقرب من عام في ظروف الفضاء القاسية، لم تظهر عينات الخشب أي علامات للتلف... لا تكسير، ولا تقشير، ولا خدش. ويقول الفريق إن من المحتمل استخدام خشب الماغنوليا للقمر الاصطناعي المقترح في وقت لاحق من هذا العام، حيث إن تركيبته الفريدة تجعل العمل معه أسهل وأكثر صلابة بشكل خاص.

نموذج أولي مكعب

ومن المتوقع إطلاق النموذج الأولي «LignoSat2» هذا الصيف في عملية مشتركة بين «وكالة ناسا» و«وكالة الفضاء اليابانية JAXA». وسيكون القمر على شكل مكعب، وبحجم فنجان القهوة تقريباً.

لماذا هذا الحجم الصغير جدا؟ إنه ما يُعرف باسم «CubeSat»، وهو نوع من الأقمار الاصطناعية النانوية المعيارية التي تتميز بتكلفة معقولة في التصميم والتشغيل، ما يجعلها مثالية للمؤسسات البحثية والشركات الصغيرة التي تتطلع إلى إرسال شيء ما إلى المدار. سيكون للمكعب غلاف خشبي، ولكنه سيحتوي أيضاً على كميات صغيرة من البلاستيك والسيليكون، بالإضافة إلى وجود شبه موصل ورقاقة للاتصال بالأرض. وسيقوم الباحثون بمراقبته في المدار لمدة ستة أشهر، ومراقبة رد فعله على التغيرات في درجات الحرارة، ومراقبة القدرات الوقائية له، قبل أن يحترق في الغلاف الجوي للأرض.

يقول موراتا: «يدور القمر الاصطناعي حول الأرض، وتحدث هذه الاختلافات الهائلة في درجات الحرارة خلال 90 دقيقة... نحن لا نعرف إلى أي مدى يمكن للقمر الاصطناعي أن يتحمل هذه الدورة المكثفة والمتكررة من اختلاف درجات الحرارة، لذلك يجب التحقيق في هذا الأمر».

منزل خشبي على القمر

يمكن أن يفتح «LignoSat2» الباب أمام تطبيقات أخرى للخشب في الفضاء. نشأت فكرة المشروع في الأصل من مسألة ما إذا كان المجتمع البشري الذي يعيش في الفضاء يمكنه زراعة الأشجار لاستخدامها بوصفها مورداً متجدداً لبناء الأشياء.

وكان رائد الفضاء والمهندس الياباني تاكاو دوي تواصل مع موراتا، وطرح عليه فكرة مذهلة تتمثل في بناء منزل خشبي على القمر. لكن موراتا قال: «قبل بناء منزل على القمر، نحتاج إلى التحقق مما إذا كان الخشب مادة يمكن استخدامها في الفضاء».

ومن هنا ولدت فكرة القمر الاصطناعي الخشبي. وبطبيعة الحال، إذا ثبت أن الخشب هو المادة الفضائية في المستقبل، فيجب على المرء أن يتساءل: من أين سيأتي كل هذا الخشب؟ وعما إذا كان قطع الأشجار لبناء مركبات فضائية صديقة للبيئة هو أفضل استخدام لها بوصفها منافذ طبيعية لامتصاص الكربون على كوكب الأرض.

*مجلة «فاست كومباني»

- خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

اكتمال انسحاب القوات الأميركية من قاعدة نيامي في النيجر

أفريقيا اللواء كينيث بي إيكمان يتحدث إلى أفراد عسكريين أمام لافتة «مرحباً بكم في نيامي» التي تصور المركبات العسكرية الأميركية في القاعدة الجوية 101 بالنيجر 30 مايو 2024 (أ.ب)

اكتمال انسحاب القوات الأميركية من قاعدة نيامي في النيجر

استُكمِلت عملية مغادرة الجنود الأميركيين من قاعدة نيامي بالنيجر وسيعقبها في 15 سبتمبر (أيلول) المقبل خروج القوات المتمركزة بأغاديز شمالاً.

«الشرق الأوسط» (نيامي )
الولايات المتحدة​ سياح قرب الكابيتول مقر الكونغرس الأميركي في واشنطن (أ.ف.ب)

من ينقذ «الحلم الأميركي» من اعتلالات الديمقراطية؟

لا يمنع هذا النظام الديمقراطي نظرياً نشوء أحزاب متعددة، لكنه عملياً يحصر الحياة السياسية بحزبين يتبادلان إدارة البلاد عبر البيت الأبيض والكونغرس بمجلسَيه...

أنطوان الحاج
تكنولوجيا شعار شركة «أوبن إيه آي» (رويترز)

متسللون يخترقون «أوبن إيه آي»... ويكشفون محادثات داخلية

تمكّن متسللون من اختراق أنظمة شركة «أوبن إيه آي» التي طورت برنامج الدردشة الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي «شات جي بي تي».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الطاعون الدبلي سببه بكتيريا يرسينيا الطاعونية والتي من المحتمل أنها دخلت أميركا الشمالية عام 1900 من الفئران (رويترز)

تأكيد إصابة شخص بالطاعون في الولايات المتحدة

أكد مسؤولون صحيون في الولايات المتحدة إصابة شخص بالطاعون في مقاطعة بويبلو بولاية كولورادو.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن (د.ب.أ)

استطلاع: 86 % من الديمقراطيين سيصوتون لبايدن في الانتخابات

ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن 86 في المائة من الديمقراطيين قالوا إنهم سيصوتون للرئيس جو بايدن أمام منافسه الرئيس السابق دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

هل يصبح يومنا أقصر بسبب دوران لُب الأرض؟

كوكب الأرض كما يظهر من سطح القمر (ناسا - أ.ب)
كوكب الأرض كما يظهر من سطح القمر (ناسا - أ.ب)
TT

هل يصبح يومنا أقصر بسبب دوران لُب الأرض؟

كوكب الأرض كما يظهر من سطح القمر (ناسا - أ.ب)
كوكب الأرض كما يظهر من سطح القمر (ناسا - أ.ب)

داخل كوكب الأرض كرة من الحديد، تدور بشكل مستقل عن دوران كوكبنا حول نفسه، هذه الكرة لطالما شغلت الباحثين منذ اكتشفتها عالمة الزلازل الدنماركية إنجي لمان، واحتلت أسئلة مثل: ما سرعة دورانها؟ وفي أي اتجاه تدور؟ مركز النقاشات العلمية لعقود.

وظهرت أدلة في الآونة الأخيرة تشير إلى أن دوران قلب كوكب الأرض (لُب الأرض) يتغير بشكل كبير، وما زال العلماء منقسمين حول ماذا يحدث بالضبط، وما يترتب عليه.

إحدى المشكلات هي أن لُب الأرض الداخلي لا يمكن رؤيته أو ملاحظته بشكل مباشر، ويحصل علماء الزلازل على معلوماتهم عنه بملاحظة الموجات الزلزالية في منطقة معينة.

وسمحت الاختلافات بين الموجات الزلزالية من الشدة نفسها، التي تمر في لُب الأرض بأوقات مختلفة، بحساب التغيرات على لُب الأرض ودورانه.

وتقول الدكتورة لورين وازيك، المتخصّصة في الفيزياء بجامعة جيمس كوك بأستراليا: «في السبعينات والثمانينات تم التعامل مع اختلاف دوران لُب الأرض كظاهرة، لكن لم يتم نشر الأدلة حول اختلاف دورانه إلا في التسعينات».

وتضيف، كما نقل موقع «سي إن إن»: «الدراسات التي ظهرت بعد ذلك اختلفت حول معدل دوران لُب الأرض واتجاهه»، حتى إن البعض اقترح أن لُب الأرض أصلاً لا يدور.

وذكر أحد النماذج، الذي نُشر عام 2023، أن لُب الأرض كان في الماضي يدور أسرع من الأرض نفسها، ثم تباطأت حركته. ولفترة من الزمن ظن العلماء أن لُب الأرض يعادل في حركته سرعة دوران الأرض، ثم تباطأت سرعته، حتى أصبح يدور في اتجاه عكس الطبقة السائلة التي تحيط به.

ويدعم البحث، الذي نُشر في 12 يونيو (حزيران) في مجلة «نيتشر»، هذا النموذج، ويؤكد أن لُب الأرض يبطّئ من سرعته.

ويقول عالم الزلازل الأميركي من جامعة جنوب كاليفورنيا جون فيدال: «الاكتشافات الجديدة تؤكد التغير في سرعة دوران لُب الأرض، الذي يتبع دوراتٍ، كل منها 70 عاماً، وأعتقد أن هذا الاكتشاف يُنهي الجدل حول حركة لُب الأرض، والنموذج الذي يتبعه خلال العقود الأخيرة».

ومع ذلك، لم يقتنع الجميع بأن النقاش انتهى، فما زالت هناك أسئلة حول تأثير سرعة دوران لُب الأرض على الكوكب، وكذلك حول تأثيره على مغناطيسية الأرض.

الجذب المغناطيسي

يقع لُب الأرض على عُمق أكثر من 5 آلاف كيلومتر، ويتكون من معادن صلبة، تحيط بها طبقة خارجية، تسمى اللُّب الخارجي، من معادن سائلة.

يتكون اللب الداخلي، في معظمه، من الحديد والنيكل، وتقترب درجة حرارته من حرارة سطح الشمس، أي نحو 5400 درجة مئوية.

ويوضح فيدال أن الحقل المغناطيسي للأرض يؤثر على كرة الحديد الضخمة في قلب الأرض، ما يجعلها تدور، وفي الوقت نفسه تسحبها الجاذبية الأرضية وتدفُّق المعادن السائلة في طبقة اللب الخارجية، وعلى مدار عقود من الجذب والدفع تحدث تغيرات في سرعة دوران لُب الأرض.

تدفق المعادن السائلة في اللب الخارجي للأرض يولّد تيارات كهربية، تغذّي الحقل المغناطيسي للأرض، وهو ما يمثل حماية للكوكب من الإشعاع الشمسي المميت.

ومع ذلك يبقى تأثير اللب الداخلي على الحقل المغناطيسي للأرض غير معروف، ورأى بعض العلماء، في عام 2023، أن بُطء حركة اللب الداخلي قد يؤثر عليه، وكذلك قد يتسبّب في قِصَر طول اليوم.

ولكي يعرف العلماء ماذا يحدث في باطن الأرض، عادةً يتتبّعون نوعين من الموجات؛ الأولى: الموجة الأولية (بي ويف)، والثانية: موجة القص أو الموجة الثانوية (إس ويف). الموجات الأولية (بي ويف) تنتقل خلال كل أنواع المواد، بينما تنتقل الموجات الثانوية (إس ويف) خلال المواد الصلبة أو السوائل الكثيفة.

لاحظ علماء الزلازل في 1880 أن «إس ويف» التي تُصدرها الزلازل لا تمر عبر الأرض، فخلصوا إلى أن لُب الأرض عبارة عن سائل، لكن بعض موجات (بي ويف)، التي مرّت عبر لُب الأرض، خرجت من أماكن غير متوقَّعة تطلق عليها لمان اسم «مناطق الظل»، وتتسبّب في خلق شذوذ لا يمكن تفسيره.

وكانت لمان أول من اقترح أن «بي ويف» ربما تتفاعل مع لُب داخلي صلب داخل اللب الخارجي السائل، وذلك اعتماداً على البيانات التي تم جمعها من الزلزال الكبير في نيوزيلندا عام 1929.

وبتتبّع الموجات الزلزالية التي مرّت عبر اللب الداخلي منذ عام 1964، توصّل مُعِدّو الدراسة في عام 2023 إلى أن دوران اللب الداخلي يتبع دورات مدتها 70 عاماً، ففي السبعينات كان اللب الداخلي يدور أسرع من الكوكب، ثم أصبح أبطأ بحلول عام 2008، ثم من 2018 حتى 2023 بدأ في التحرك ببطء في الاتجاه المعاكس.

ولإعداد الدراسة، درس فيدال وزملاؤه الموجات الزلزالية، التي صدرت عن الزلازل في الأماكن نفسها خلال أوقات مختلفة، ووجدوا 121 مثالاً حدثوا في جزيرة ساندوتش، التي تقع بالمحيط الأطلنطي، بين عامي 1991 و2023، كما درسوا الموجات التي مرّت عبر لُب الأرض نتيجة التجارب النووية السوفياتية بين عامَي 1971 و1974.

ووفقاً للباحثين فإن لُب الأرض الداخلي على وشك أن يبدأ بالإسراع في الدوران مرة أخرى، ويشير فيدال إلى أن علماء الزلازل اكتشفوا أنه خلال دورة السبعين عاماً يبطّئ لُب الأرض الداخلي سرعته ويزيدها بمعدلات مختلفة، وهو ما يتطلب تفسيراً.

ويضيف: «أحد الاحتمالات أن لُب الأرض الداخلي ليس صلباً مثلما نعتقد، وأنه يتشكّل مع الدوران، ما قد يؤثر على شكله وسرعة دورانه».

طول اليوم على الأرض

ويلفت فيدال النظر إلى أن التغيرات في دوران لُب الأرض غير محسوسة للناس على سطح الكوكب، وتابع: «عندما يدور اللب ببطء تزيد طبقة الغلاف الموري (التي تعلو اللب الخارجي) من سرعتها، ما يجعل الأرض تدور أسرع، وينقص طول اليوم عدة آلاف من الثواني»، ويقول: «ما تأثير ذلك على حياة الأفراد على سطح الأرض؟ لا أعتقد أن له تأثيراً كبيراً».