روبوتات المحادثة المدعمة بالذكاء الاصطناعي تزداد انتشاراً

«رسائل الخطأ» في المواقع التجارية والإعلامية تكشف عنها

روبوتات المحادثة المدعمة بالذكاء الاصطناعي تزداد انتشاراً
TT

روبوتات المحادثة المدعمة بالذكاء الاصطناعي تزداد انتشاراً

روبوتات المحادثة المدعمة بالذكاء الاصطناعي تزداد انتشاراً

تكشف نصوص «رسائل الخطأ» عند التسوق في موقع «أمازون» ومنشورات منصّة «إكس» وجميع أنحاء شبكة الإنترنت عن اتساع نطاق الكتابات غير البشرية.

روبوتات محادثة

حتّى وقتٍ ليس ببعيد، كان بإمكانكم أن تجدوا «رسالة خطأ» تقول: «أعتذر؛ بصفتي نموذجاً لغوياً مدفوعاً بالذكاء الاصطناعي، لا يمكنني إتمام هذه المهمّة من دون إدخال الطلب الأساسي. لطفاً؛ زوّدوني بالمعلومات الضرورية لأتمكّن من مساعدتك أكثر».

وعلى منصّة «إكس (تويتر سابقاً)»، نشر أحد المستخدمين الموثوقين الردّ التالي على تغريدة عن هانتر بايدن (14 يناير/ كانون الثاني): «أعتذر؛ لا يمكنني تقديم الجواب المطلوب؛ لأنّه يخالف سياسة الاستخدام الخاصة بشركة (أوبن إي آي)».

وعلى منصّة التدوين «ميديوم»، بدأ منشور (13 يناير) يقدّم نصائح لصانعي المحتوى، بالجملة التالية: «أعتذر؛ ولكنّني لا أستطيع تحقيق هذا الطلب؛ لأنّه ينطوي على ابتكار محتوى ترويجي يستخدم روابط تابعة لجهات أخرى»

ظهر هذا النوع من الرسائل في أنحاء كثيرة من شبكة الإنترنت وشكّل إشارة واضحة إلى أنّ كاتب المحتوى ليس إنساناً. صحيحٌ أنّ «رسائل الخطأ»؛ هذه اللغة التي تولّدها روبوتات المحادثة المدفوعة بالذكاء الاصطناعي مثل «تشات جي بي تي» عند تلقّيها طلباً يخالف سياسات الشركة، مضحكة، ولكنّها أيضاً نذير شؤم من عالم إلكتروني يتوسّع بفعل الرسائل الإلكترونية المزعجة التي يبتكرها الذكاء الاصطناعي.

يرى مايك كولفيلد، الباحث المختص في التضليل والقرائية الرقمية بجامعة واشنطن، أنّه «من الجيّد أن يضحك النّاس من هذه الرسائل؛ لأنّها تشكّل تجربة تعليمية لما يحصل». وأضاف الباحث أنّ أحدث الأدوات اللغوية المدفوعة بالذكاء الاصطناعي تغذّي جيلاً جديداً من المحتوى المزعج والرديء الذي يهدّد بإغراق الإنترنت؛ إلا في حال وجدت المنصات الإلكترونية وأجهزة التنظيم القانونية طرائق للسيطرة عليه.

عملياً؛ لا أحد سينشر تقييماً لمنتج، أو منشور تواصل اجتماعي، أو لائحة منتجات على «إي باي» تتضمّن «رسالة خطأ» من صناعة روبوت محادثة مدفوع بالذكاء الاصطناعي، ولكن مع توفير الأدوات اللغوية المدفوعة بالذكاء الاصطناعي بدائل أسرع وأقلّ تكلفة من الكتّاب البشريين، فإن المستخدمين والشركات يعكفون على التحوّل إليها لصناعة أي نوعٍ من المحتوى؛ بما في ذلك المحتوى الذي يخدم أغراضاً تتعارض مع سياسات «أوبن إي آي»، مثل السرقة الأدبية أو المشاركة المزيفة عبر الإنترنت.

في المحصّلة، أصبحت هذه الجمل الكاشفة مثل «بصفتي نموذجاً لغوياً مدفوعاً بالذكاء الاصطناعي» و«أعتذر؛ لا يمكنني تحقيق هذا الطلب» شائعة وواضحة إلى درجة أنّ الهواة باتوا يعتمدون عليها بوصفها طريقة سريعة لرصد زيف الكتابة المولدة من الذكاء الاصطناعي.

من جهتها؛ عدّت ماكينزي ساديغي، المحلّلة من شركة «نيوز غارد» المختصة في تتبع التضليل، أنّ «عمل كثير من هذه المواقع تحت إشراف بشري طفيف أو من دونه يؤدّي إلى نشر هذه الرسائل مباشرةً على الموقع قبل أيّ رصدٍ بشري».

تغريدات أوتوماتيكية

في أبريل (نيسان) الماضي، لاحظت ساديغي وأحد زملائها لأول مرة وجود كثير من المنشورات التي تحتوي «رسائل خطأ» من «تشات جي بي تي» على منصّة «إكس»، مما يرجّح أنّ الحسابات كانت تستخدم الروبوت لصناعة التغريدات أوتوماتيكياً. بعدها، بدآ البحث عن هذه الجمل في أماكن أخرى على الشبكة، كنتائج بحث «غوغل»، ووجدا مئات المواقع الإلكترونية التي تدّعي أنّها مواقع إخبارية، وقد نشرت الرسائل العائبة نفسها.

عدّت ساديغي أنّ المواقع التي لا ترصد «رسائل الخطأ» ليست إلا رأس جبل الجليد. وأضافت أنّه «يوجد على الأرجح كثير من محتوى الذكاء الاصطناعي الذي لا يضمّ (رسائل خطأ)، مما يصعّب عملية رصده».

ولفتت إلى أنّ «حقيقة ازدياد استخدام المواقع الإلكترونية الذكاء الاصطناعي تعكس أهميّة اليقظة عند تقييم المستخدمين شفافية ما يقرأونه».

يُلحظ انتشار استخدام الذكاء الاصطناعي على منصّة «إكس» أكثر من غيرها، حتّى في الحسابات التي تحمل علامة التوثيق.

في سياق متصل، كشف موقع «فيوتشرزم» أخيراً عن أنّ مجموعة كبيرة من منتجات «أمازون» تحمل رسائل ذكاء اصطناعي خطأ في اسمها، كالتالية: «أعتذر؛ ولكنّني لا أستطيع تلبية هذا الطلب؛ لأنه يتعارض مع سياسة الاستخدام في (أوبن إي آي). هدفي هو تزويد المستخدمين بمعلومات مفيدة ومحترمة».

أزالت شركة «أمازون» اللوائح التي ذكرها الموقع وغيره من المدوّنات التقنية، إلا أنّ بحثاً أجرته مؤسسة إعلامية أميركية عثر على المزيد... على سبيل المثال؛ حملت لائحة تستعرض إكسسوارات لرفع الأثقال العنوان التالي: «أعتذر؛ ولكنّني غير قادر على تحليل أو توليد اسم منتج جديد من دون معلومات إضافية. لطفاً؛ هل يمكنكم تزويدي بمنتجٍ أو سياقٍ محدّدٍ تحتاجون عنواناً له؟».

لا ينحصر نشاط روبوتات الذكاء الاصطناعي المسعور في منصّة «إكس» وموقع «أمازون» فقط؛ فقد أظهرت أبحاث «غوغل» عن «رسائل الخطأ» للذكاء الاصطناعي أنّ لوائح «إي باي»، ومنشورات المدوّنات، والخلفيات الرقمية، تعجّ به أيضاً. فقد وردت خلفية تعرض امرأة ترتدي ملابس ضيقة على أحد المواقع، تحت العنوان التالي: «أعتذر؛ لا يمكنني تلبية هذا الطلب؛ لأنّ المحتوى غير ملائم ومسيء».

محتوى آلي وإشراف بشري

من جهته، كشف المتحدّث باسم «أوبن إي آي»، نيكو فيلكس، عن أنّ الشركة تحسّن سياسات الاستخدام الخاصة بـ«تشات جي بي تي» والأدوات اللغوية الأخرى المدفوعة بالذكاء الاصطناعي بشكلٍ دوري؛ لأنّها تعلم كيف يستخدمها النّاس بشكلٍ سلبي.

وقال فيلكس في رسالة إلكترونية: «لا نريد لنماذجنا أن تُستخدم لتضليل وسوء تمثيل وخداع الآخرين. وهذا الأمر يشمل وفقاً لسياستنا: توليد أو ترويج المعلومات الخاطئة والمعلومات المضللة، والمشاركة الإلكترونية المزيفة (كالتعليقات، والتقييمات...). تستخدم شركتنا مزيجاً من الأنظمة الآلية، والمراجعات البشرية، وتقارير المستخدمين، لرصد وتقييم الاستخدامات التي تنتهك سياساتنا، وهذا الأمر قد يؤدي إلى اتخاذ إجراءات بحقّ حساب المستخدم».

ورأت كوري دوكتورو، الناشطة في جمعية «إلكترونيك فرونتيير فاونديشن»، أنّه يوجد ميلٌ للوم الناس والشركات الصغيرة على هذا المحتوى المزعج. ولكنّها تعتقد أنّ هؤلاء هم في الحقيقة ضحايا لعملية احتيال أكبر؛ تلك التي تروّج للذكاء الاصطناعي بوصفه مساراً لصناعة الأموال السهلة لمحبّي المغامرة، بينما يجني عمالقة الذكاء الاصطناعي أموالاً طائلة.

وعدّ كولفيلد، من جامعة واشنطن، أنّ الوضع ليس ميؤوساً منه، لافتاً إلى أنّ منصات التقنية وجدت وسائل لإضعاف فاعلية الجيل السابق من عمليات التضليل، مثل توفير مرشحات للرسائل الإلكترونية المزعجة.

أمّا عن «رسائل الخطأ» من الذكاء الاصطناعي، فقال إنّه يأمل أن «توعّي هذه الرسائل الناس بهذا الوضع السخيف، ولربّما يؤدي هذا الأمر إلى ظهور منصات تأخذ المحتوى المزعج على محمل الجدّ».


مقالات ذات صلة

البيت الأبيض: «أبل» توقع على خطة أميركية لإدارة مخاطر الذكاء الاصطناعي

تكنولوجيا شعار شركة «أبل» يظهر وسط أفراد يصطفون للحصول على هاتف «آيفون» في مدريد 26 سبتمبر (أيلول) 2014 (أ.ف.ب)

البيت الأبيض: «أبل» توقع على خطة أميركية لإدارة مخاطر الذكاء الاصطناعي

قال البيت الأبيض إن شركة «أبل» وقعت على الالتزامات الطوعية التي دعا إليها الرئيس الأميركي جو بايدن وتحكم استخدام الذكاء الاصطناعي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد سيدة تسير إلى جوار متجر «آيفون» في مدينة ووهان الصينية (رويترز)

«أبل» تنضم للشركات الملتزمة بقواعد البيت الأبيض للذكاء الاصطناعي

انضمت شركة «أبل» إلى حوالي 12 شركة تكنولوجيا التزمت اتباع مجموعة قواعد للحد من مخاطر الذكاء الاصطناعي.

«الشرق الأوسط» (سان فرانسيسكو)
خاص ينتظر أن يشهد أولمبياد باريس عشرة أضعاف الحوادث السيبرانية التي استهدفت أولمبياد طوكيو (شاترستوك)

خاص 4 مليارات حادث سيبراني متوقع في أولمبياد باريس

فريق «استخبارات التهديدات» والذكاء الاصطناعي في طليعة أسلحة أول مركز موحد للأمن السيبراني في تاريخ الأولمبياد.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي... جيد في الفنون سيئ في الرياضيات

الذكاء الاصطناعي... جيد في الفنون سيئ في الرياضيات

يحدد الاحتمالات ولا يجري حسابات قائمة على القواعد.

ستيف لور (نيويورك)
تكنولوجيا يمكن أن يسهّل التعرف المبكر على المرضى الذين من المرجح أن يتقدموا بسرعة العلاج في الوقت المناسب والمراقبة الدقيقة (شاترستوك)

الذكاء الاصطناعي أكثر دقة بـ3 مرات في التنبؤ بتقدم مرض ألزهايمر

ابتكر باحثون بجامعة كمبردج نموذجاً للتعلم الآلي يمكنه التنبؤ بتطور مشاكل الذاكرة والتفكير الخفيفة إلى مرض ألزهايمر بدقة أكبر من الأدوات السريرية.

نسيم رمضان (لندن)

روبوت «ناسا» يأخذ عيّنة من صخرة مريخية قد تدل على وجود جراثيم قديمة

صخرة تسمَّى «شلالات تشيافا» في فوهة جيزيرو على سطح المريخ (أ.ف.ب)
صخرة تسمَّى «شلالات تشيافا» في فوهة جيزيرو على سطح المريخ (أ.ف.ب)
TT

روبوت «ناسا» يأخذ عيّنة من صخرة مريخية قد تدل على وجود جراثيم قديمة

صخرة تسمَّى «شلالات تشيافا» في فوهة جيزيرو على سطح المريخ (أ.ف.ب)
صخرة تسمَّى «شلالات تشيافا» في فوهة جيزيرو على سطح المريخ (أ.ف.ب)

حقق الروبوت الجوال «برسفيرنس» التابع لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا) إنجازاً مهماً بأَخْذِه عيّنات من صخرة مريخية قد تكون محتوية على جراثيم متحجرة، وهي خطوة كبيرة جديدة في مهمته المتمثلة بالبحث عن آثار حياة جرثومية قديمة على الكوكب الأحمر، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأخذ هذا الروبوت المستكشف في 21 يوليو (تموز) من على سطح المريخ عيّنة من صخرة تُسمى «شلالات تشيافا» (Cheyava Falls) على شكل رأس سهم، قد تحتوي على ميكروبات متحجرة يعود تاريخها إلى مليارات السنوات، عندما كان الماء موجوداً على الكوكب.

وكان الكوكب الأحمر القاحل جداً راهناً يضم قبل مليارات السنوات أنهاراً وبحيرات وفيرة، تبخرت ولم تعد موجودة.

وعُثِر على هذه الصخرة الغامضة في وادي نيريتفا الذي كان في السابق موطناً لنهر، وسرعان ما أثارت اهتماماً واسعاً من العلماء.

ويعود هذا الاهتمام إلى رصد ثلاثة أدلة على احتمال وجود حياة جرثومية قديمة على هذه الصخرة. فمن جهة أولى، تمتد الأوردة البيضاء التي شكّلتها كبريتات الكالسيوم على طول الصخرة بأكملها، بحسب ما شرحت «ناسا»، وهي علامة على أن الماء كان يمر عبر الصخرة في مرحلة ما.

كذلك توجد بين هذه الأوردة منطقة مركزية مائلة إلى الاحمرار مليئة بالمركّبات العضوية، وفق ما تبيّن بواسطة أداة «شرلوك» التي تحملها المركبة الجوّالة والمستخدمة لتحديد التوقيعات الحيوية على الصخور.

أما المؤشر الثالث، فهو أن بقعاً ضوئية صغيرة محاطة باللون الأسود، كتلك الموجودة على جلد نمر، لوحظت على الصخرة. وهذه البقع تشبه تلك المرتبطة بوجود الميكروبات المتحجرة، بحسب التحليلات التي أجراها جهاز «بيكسل» الذي يدرس التركيب الكيميائي.

وأوضح عالِم الأحياء الفلكية عضو فريق «برسفيرنس» العلمي ديفيد فلانيري أن «هذا النوع من السمات الموجودة على الصخور، غالباً ما يرتبط على كوكب الأرض بآثار متحجرة لميكروبات كانت تعيش تحت التربة».

وللتأكد من أنها تشكل دليلاً على حياة جرثومية قديمة، ينبغي تحليل هذه العيّنات في مختبر على كوكب الأرض. وتعتزم «ناسا» نقلها بواسطة مركبة أخرى من المقرر إرسالها في ثلاثينات القرن الجاري.