اضطرابات التمثيل الغذائي ومشكلات النوم

العلماء يؤكدون أهمية توافق تناول الغذاء مع الساعة البيولوجية

اضطرابات التمثيل الغذائي ومشكلات النوم
TT

اضطرابات التمثيل الغذائي ومشكلات النوم

اضطرابات التمثيل الغذائي ومشكلات النوم

تشهد مشكلات النوم ازدياداً لافتاً في جميع دول العالم تقريباً. ويشتكي معظم النّاس من قلّة النّوم أو سوء نوعيته؛ اذ لم يعد الأمر يقتصر على عدم حصولهم على ساعات النوم السبع المُوصى بها يومياً، بل بات يتعدّاه إلى صعوبة الخلود إلى النوم أو المحافظة على استقراره.

مشكلات النوم المتزايدة

تثير معدّلات النوم المتراجعة بعض المخاوف الطبية؛ إذ تربط الدراسات بين قلّة النوم أو سوء نوعيته وبين لائحة طويلة من المشكلات الصحية والأمراض التي تبدأ من الشعور بقلّة الحوافز الدافعة للعيش، مروراً باضطرابات التمثيل الغذائي، وانتهاء بأمراض القلب والأوعية الدموية المؤدية إلى الوفاة.

النوم هو حاجة حيوية لا غنى عنها، لا سيّما أنّه مطلوبٌ لكلّ خليّة في الجسم. وتنسّق «دورة النوم - الاستيقاظ» البشرية جميع العمليات النفسية والجسدية ومدى جودتها، حيث يكتسب النوم أهمية بالغة للأداء الإدراكي، والتمثيل الغذائي، والوظيفة المناعية، والشهية، وتنظيم الهورمونات... وغيرها الكثير من الوظائف.

يرتبط ضابط الوقت الأساسي، المزروع في «النواة فوق التصالبة» في منطقة «ما تحت المهاد (suprachiasmatic nucleus of the hypothalamus)»، بشكلٍ وثيق بدائرة الضوء والظلام في الطبيعة. يُعدّ الضوء الإشارة الأساسية التي تحثّ نواة التأقلم هذه على تنسيق إيقاع الفيزيولوجيا والسلوك، ولكنّها ليست الوحيدة، حيث إنّ درجة الحرارة الخارجية والنشاط الجسدي يؤثران أيضاً.

النظام الغذائي وساعة الجسم

وكذلك يفعل النظام الغذائي. وفي الواقع؛ فإن النظام الغذائي أحد أقوى عوامل مزامنة آليات ساعة الجسم. وقد وجد الباحثون أنّ أوقات التغذية غير المنتظمة أو المضطربة قد تتداخل مع تأثيرات الإشارات المحيطة بمنظّم الجسم المركزي، إذ إنّها قد تعرقل وتيرة إنتاج الميلاتونين؛ الهرمون المحرّض على النوم الذي ينتجه الدماغ مع بداية انحسار ضوء النهار وبداية دخول الليل.

ووجدت دراسات عدّة أنّ أوقات تناول الطعام مرتبطة بشدّة بالتوقيت النهاري إلى درجة أنّ الاستهلاك الغذائي في توقيت خاطئ، كتناول الطعام في وقتٍ متأخّر من الليل، يعبث بـ«الآليات الوظيفية الجينية» لساعة الجسم نفسها. وتقوم إشارات التغذية بتأثيرات هائلة على آليات التنظيم الزمني في أعضاء محدّدة في الجسم كالكبد والكلى مثلاً.

تغذية متزامنة مع الساعة البيولوجية

عكف الباحثون خلال العقدين الماضيين على دمج معلومات متزايدة عن إيقاعات الجسد الزمنية في الأبحاث الغذائية، فطوّروا مجالاً بحثياً بات يُعرف بالـ«التغذية بالترتيب الزمني» أو «كرونو نيوتريشن (chrononutrition)» (العلم الذي يدرس العلاقة المتبادلة بين الطعام، والتمثيل الغذائي، وأوقات تناول الوجبات، وساعة الجسم الداخلية - المحرر)، توصّل إلى خلاصات عدّة؛ أبرزها أنّ معظم النّاس يكونون بأفضل حال – وأنّ التمثيل الغذائي يحصل على أكبر مكاسبه – عندما يتوافق استهلاك الغذاء (مثل كل الأنشطة البشرية الأخرى) مع الساعة البيولوجية، المتزامنة بدورها مع الدورات الضوئية.

يشير بعض الدراسات إلى أنّ الضوابط الزمنية في استهلاك الطعام أهمّ بكثير من معدّل الطاقة المستهلك في هذه الأوقات عندما يتعلّق الأمر بصحّة التمثيل الغذائي والدماغ. فقد أظهرت دراسات كثيرة أنّ اعتماد مواقيت مبكرة لاستهلاك الطاقة لا يعزّز خسارة الوزن فقط؛ بل يساهم في تخفيض مستويات البروتين الدهني منخفض الكثافة، والغلوكوز، ومقاومة الإنسولين.

وأظهرت دراسات عدّة أيضاً أنّ اضطرابات الساعة البيولوجية في النوم، والنظام الغذائي، وأنماط استهلاك الطعام، تؤثّر على ديناميّات الميكروبيوم النهارية، فتُؤثر بشكل سيئ على وظيفة التمثيل الغذائي، والمسارات الالتهابية، مما يؤدّي إلى ازدياد خطر «المتلازمة الأيضية».

وقد حدّد الباحثون العلاقة بين الوجبات المتأخّرة وتفويت وجبة الفطور وتناول الطعام في وقت متأخّر ليلاً، وبين اضطرابات إيقاع الساعة البيولوجية في التمثيل الغذائي للغلوكوز، ودرجة حرارة الجسم، وإفراز الميلاتونين وهورمون الكورتيزول.

وجبات طعام البحر المتوسط

ولكن التوقيت ليس التأثير الوحيد الذي تمارسه الوجبات على كفاءة الساعة البيولوجية والنوم؛ لأنّ محتواها مهمّ أيضاً. يوجد عددٌ من الأغذية التي تؤثر على النوم من خلال التأثير على الساعة البيولوجية ووسائل أخرى.

يرجّح هذا الأمر أنّ المكاسب الكبيرة التي تشتهر بها حمية البحر الأبيض المتوسط تعود لمساهمتها الكبيرة في أنماط الساعة البيولوجية والنوم؛ بسبب غناها بالأطعمة المصنوعة من النباتات والميلاتونين.

والميلاتونين هرمون يؤثر على إيقاع الساعة البيولوجية ومضاد قويّ للأكسدة تُفرزه الغدة الصنوبرية في الدماغ، ويتوفّر بصفته مكوّناً أساسياً في كثير من الفواكه والخضراوات، كالطماطم، بالإضافة إلى أطعمة كزيت الزيتون، والنبيذ الأحمر، واللوز، والصنوبر، والثوم، والقرنبيط، والعدس، والشعير... التي تنتمي جميعها إلى حمية البحر المتوسط. في المقابل، تحتوي المنتجات الغذائية الحيوانية، كاللحوم والبيض والسمك، على كميات ضئيلة جداً من هذا الهرمون.

وكانت بعض الدراسات قد أظهرت أنّ الميلاتونين المُكتسب من النظام الغذائي يرفع مستوياته في الدم وينشطه.

ويعتقد الباحثون أنّ الاستهلاك المنتظم لهذا النوع من الأطعمة يؤثر على النوم كماً ونوعاً. فبمعزلٍ عن الأطعمة نفسها، تلعب حمية البحر المتوسط دوراً بارزاً في تأمين الكمية الكبرى من الطاقة المستهلكة من وجبة منتصف النهار، أي الفترة الزمنية المفضّلة لإيقاعات الساعة البيولوجية. لكن لم يُصر بعد إلى تحديد عدد الفوائد الصحية لهذه الحمية التي تساهم في حثّ النوم التعويضي. ومع هذا، يبدو أنّ النوم ممر إضافي تستطيع عبره هذه الحمية تخفيض خطر الأمراض المزمنة والسرطان، وأمراض القلب الناتجة عن الاضطراب الأيضي، والأمراض التنكسية والنفسية.

وتحتوي حمية البحر المتوسط أغذية أخرى تؤثر على النوم؛ أبرزها السيروتونين الذي يتمتّع بتأثير مركّب على النوم، ويساهم إذا توفّر بمستويات معيّنة في إنتاج الميلاتونين في الجسم. يتوفر السيروتونين بنسب عالية في السبانخ، والطماطم، والخوخ، والجوز، وجميع الأطعمة تقريباً التي تنتمي لحمية البحر المتوسط. يُعرف الحليب أيضاً بغناه بالسيروتونين.

بدورها، تعزّز أحماض «أوميغا3» الدهنية، الموجودة في الأسماك الدهنية والتي تُستهلك بمعدلات منخفضة في النظم الغذائية الغربية، إنتاج الميلاتونين في الجسم. فقد ربط بعض الدراسات هذه الأحماض بتعزيز كفاءة النوم. وبالطبع، تعدّ الأطعمة غير المصنّعة أفضل مصدرٍ للأغذية؛ لأنّها تحتوي عادةً عناصر كثيرة يعمل بعضها مع بعض بالتزامن لتعزيز التأثيرات الإيجابية.

* «سايكولوجي توداي»

ـ خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

تقرير: بيرني ساندرز يسعى لمنع مبيعات أسلحة بقيمة 20 مليار دولار لإسرائيل

الولايات المتحدة​ السيناتور الأميركي بيرني ساندرز (رويترز)

تقرير: بيرني ساندرز يسعى لمنع مبيعات أسلحة بقيمة 20 مليار دولار لإسرائيل

قالت مصادر، لـ«أكسيوس»، إن السيناتور الأميركي بيرني ساندرز يسعى لدفع أعضاء مجلس الشيوخ للتصويت على قرارات لمنع أكثر من 20 مليار دولار من المساعدات لإسرائيل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يصافح السيناتور ماركو روبيو خلال مناسبة انتخابي في رالي بنورث كارولاينا (أ.ب)

ترمب يختار «صقوراً» للملفات الدولية

يتوقع أن يسلّم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الملفات الدولية إلى مجموعة من الصقور، بينهم السناتور ماركو روبيو لمنصب وزير الخارجية والنائب مايك والتز.

علي بردى (واشنطن)
الولايات المتحدة​ قوات أميركية بسوريا (رويترز)

الجيش الأميركي يعلن استهداف مستودع أسلحة في سوريا

قال الجيش الأميركي، اليوم، إنه نفذ ضربات ضد مستودع أسلحة تابع لجماعة مسلحة مدعومة من إيران في سوريا.

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يصافح الحاكم السابق لولاية أركنسو مايك هاكابي (أ.ف.ب)

ترمب يختار مايك هاكابي سفيراً لأميركا لدى إسرائيل

أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب اليوم (الثلاثاء) اختيار الحاكم السابق لولاية أركنسو مايك هاكابي، سفيرا لواشنطن لدى إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية الرئيس الأميركي جو بايدن يلتقي بالرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في المكتب البيضوي في البيت الأبيض بالعاصمة الأميركية واشنطن... 12 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

الرئيس الإسرائيلي يؤكد لبايدن الحاجة الملحة لإعادة الرهائن ومحاربة إيران

أكد الرئيس الإسرائيلي خلال لقائه الرئيس الأميركي بواشنطن، اليوم (الثلاثاء)، على ضرورة إعادة الرهائن المحتجزين في قطاع غزة وعلى ضرورة مواجهة إيران.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

تطوير روبوت لتنظيف دورات المياه

ذراع روبوتية ذكية (جامعة فيينا للتكنولوجيا)
ذراع روبوتية ذكية (جامعة فيينا للتكنولوجيا)
TT

تطوير روبوت لتنظيف دورات المياه

ذراع روبوتية ذكية (جامعة فيينا للتكنولوجيا)
ذراع روبوتية ذكية (جامعة فيينا للتكنولوجيا)

نجح فريق من الباحثين من جامعة فيينا للتكنولوجيا في النمسا، في تطوير روبوت جديد يمكنه أن يحاكي حركات البشر في تنظيف دورات المياه بكفاءة عالية، عبر استخدام إسفنجة تنظيف مزودة بأجهزة استشعار وعلامات تتبع تظهر للروبوتات ماذا ينبغي عليها أن تفعل.

يقول البروفيسور أندرياس كوجي، من معهد الأتمتة والتحكم في جامعة فيينا، في بيان صادر الجمعة: «إن التقاط الشكل الهندسي لحوض الغسيل باستخدام الكاميرات أمر بسيط نسبياً. لكن هذه ليست الخطوة الحاسمة. الأصعب بكثير تعليم الروبوت أي نوع من الحركة مطلوب لأي جزء من السطح؟ وما مدى سرعة الحركة؟ وما الزاوية المناسبة؟ وما الكمية المناسبة من القوة؟».

وتتم أتمتة الروبوتات كي تقوم بأعمال مملة أو غير مرغوبة للبشر. ومع ذلك، فإن المهام الشاقة مثل تنظيف دورات المياه قد يكون من الصعب جداً أتمتة مهامها. إذ كيف يمكن حساب حركة ذراع الروبوت بحيث يمكنها الوصول إلى كل جزء من أحواض دورة المياه؟ وماذا لو كان للحوض حواف منحنية بشكل غير عادي؟ وما مقدار القوة التي يجب تطبيقها عند أي نقطة؟

ووفق الدراسة المنشورة ضمن أعمال المؤتمر الدولي حول «الروبوتات والأنظمة الذكية IROS 2024» الذى أقيم في مدينة أبوظبي الإماراتية، في الفترة من 14 - 18 أكتوبر (تشرين الأول) 2024، سيكون من المستهلك للوقت للغاية ترميز كل هذه الأشياء بدقة في قواعد بيانات ثابتة وصيغ رياضية محددة مسبقاً.

إسفنجة تنظيف مزودة بأجهزة استشعار (جامعة فيينا للتكنولوجيا)

تقدم للمؤتمر أكثر من 3500 ورقة بحثية، حصل ابتكار جامعة فيينا للتكنولوجيا على جائزة أفضل ورقة تطبيقية، كما تم التصويت عليه بوصفه واحداً من أفضل الابتكارات لهذا العام.

يقول الباحثون إنهم اتبعوا نهجاً مختلفاً؛ إذ يُظهر الإنسان للروبوت عدة مرات ما يجب أن يفعله. كما يتم استخدام إسفنجة معدة خصيصاً لتنظيف حافة الحوض. ومن خلال مراقبة الإنسان، يتعلم الروبوت كيفية التنظيف ويمكنه تطبيق هذه المعرفة بمرونة على أشياء ذات أشكال مختلفة.

يقول كريستيان هارتل نيسيك، رئيس مجموعة الروبوتات الصناعية في فريق أندرياس كوجي: «أردنا إيجاد طريقة للسماح للروبوت بالتعلم بطريقة مماثلة جداً للبشر».

ووفق الورقة البحثية، تم تطوير أداة تنظيف خاصة لهذا الغرض، إسفنجة تنظيف مزودة بأجهزة استشعار للقوة وعلامات تتبع للبشر من أجل تنظيف الحوض بشكل متكرر، وكما يوضح كريستيان هارتل نيسيك: «نولد كمية هائلة من البيانات من عدد قليل من العروض التوضيحية، التي تتم معالجتها بعد ذلك حتى يتعلم الروبوت ما يعنيه التنظيف المناسب».

أصبحت عملية التعلم هذه ممكنة بفضل استراتيجية معالجة البيانات المبتكرة التي طورها فريق البحث في جامعة فيينا. وهي تجمع بين العديد من التقنيات الموجودة في مجال التعلم الآلي: تتم معالجة بيانات القياس إحصائياً أولاً، ويتم استخدام النتائج لتدريب الشبكة العصبية على تعلم عناصر الحركة المحددة مسبقاً، ثم يتم التحكم في ذراع الروبوت بشكل مثالي لتنظيف السطح. تمكّن خوارزمية التعلم المبتكرة هذه الروبوت من تنظيف الحوض بالكامل أو الأشياء الأخرى ذات السطح المعقد بعد التدريب.

ويوضح طالب الدكتوراه كريستوف أونجر من مجموعة الروبوتات الصناعية: «يتعلم الروبوت أنه يجب عليه حمل الإسفنجة بشكل مختلف اعتماداً على شكل السطح، وأن عليه تطبيق قدر مختلف من القوة على منطقة منحنية بإحكام بدلاً من سطح مستوٍ».

وتطبق التكنولوجيا الجديدة أيضاً على العديد من العمليات، سواء صقل الأعمال الخشبية في النجارة، أو إصلاح وتلميع أضرار الطلاء على هياكل المركبات، أو لحام أجزاء الصفائح المعدنية في ورشات العمل المعدنية.

في المستقبل، يمكن وضع الروبوت على منصة متحركة لاستخدامه بوصفه مساعداً مفيداً في أي مكان في الورشة. ويمكن لهذه الروبوتات بعد ذلك مشاركة معرفتها مع الروبوتات الأخرى.

يقول أندرياس كوجي: «لنتخيل أن العديد من الورشات تستخدم روبوتات التعلم الذاتي هذه لصقل الأسطح أو طلائها... يمكن لهذه التكنولوجيا بعد ذلك السماح للروبوتات باكتساب الخبرة بشكل فردي باستخدام البيانات المتولدة لديها».